/

 

 

مسألة الدين والدولة في الغرب الإسلامي: قراءة لتاريخ (المسجد الجامع) في الأندلس

احميدة النيفر

لا تثير العلاقة بين الإسلام والديموقراطية في نظري إشكالاً على رغم ما بين المفهومين من اختلاف يفضي لدى البعض إلى تناقضٍ راجعٍ إلى اعتبار الإسلام خصماً للتطور الاجتماعي والسياسي. في مقابل هذا، فإن موقع الجامع في العالَم المعاصر يثير أكثر من سؤال بالنظر إلى الشك في إمكان انصهار الخطاب المسجدي ضمن علاقات اجتماعية وسياسية حديثة.

في خصوص علاقة الإسلام بالديموقراطية، إذا استبعدنا التشويش الإعلامي الذي يريد أن يسيء إلى المسلمين بعد 11/9/2001، فإنني اعتبر الإسلام عنصراً رئيساً في تشكيل وعي المتديّن بالكون والطبيعة والمجتمع. من هذه الجهة فهو لا ينفصل عن تجليات واقعية وممارسات اجتماعية موصولة بمجالي السلطة والنظام الاجتماعي. من ثم فمن التعسف القول إن الدين مسألة تتعلق بالفرد فحسب، والحال أننا نعلم أن ما هو فردي لا ينفكّ عن التحوّل إلى اجتماعي، أي أنه قابلٌ ليصبح ذا صلة بالسياسي.

من جهة أخرى، فإن الديموقراطية ليست منظومة إجرائية تضبط طرق التداول على السلطة فحسب. هي «قيمة» واقتضاء خُلقي، إنها في عدم رضاها بواقع محدّد وسعيها إلى إرساء أوضاع سياسية - اجتماعية أفضلَ تعبّر عن ديناميكية منطلقة من رهان على مكانة الإنسان وقدرتِه في تحمل مسؤولياته الفردية والاجتماعية.

هذا ما يجعل العلاقة بين الإسلام والديموقراطية علاقة قابلة للبحث والتطوير، بل هي علاقة متأكدةٌ في عالَم ينحو إلى ضرورة تعايشٍ بين مرجعيات ثقافية مختلفة. هي متأكدة موضوعياً لأن الرابط بين الدين والديموقراطية هو الإنسان، هو محلُّ التقاءٍ بين الطرفين وموضعُ رهانهما على رغم اختلاف منطلقِهما ومجال فعلهما الظاهر.

من جهة أخرى، فإن مؤسسة الجامع اليوم يمكن أن تثير مخاوف حقيقية لما تحمله في خطابها وفي نظرتها إلى نفسها وإلى الآخرين من صعوبة في التطوّر مما يمكن أن يجعل البعض لا يرى في الجامع إلا مؤسسة رجعية في فكرها وإقصائية بطابعها ولا تستطيع أن تقبل سوى نوعين من العلاقة إما أن تكون آمرة قاهرة وإما أن تكون تابعة خاضعة.

- ما نحرص على معالجته في هذا البحث هو التأكد من صحة هذه المقولة، أي هل كانت مؤسسة الجامع فعلاً تحمل قصوراً ذاتياً لا تقوى على تجاوزه؟

هذا ما دفعنا لاختيار مقطع من تاريخ هذه المؤسسة نقدّر أنه يساعد على فهم الآليات التي حكمت علاقة الديني بالسياسي في فترتي الإمارة والخلافة في الأندلس. هذه الإضاءة لموقع الجامع ليست لاستنساخ تلك الأوضاع بل محاولة لفهم المنطق الذي حكم آليات الديني والسياسي وطبيعة العلاقة بينهما.

في كلمة، ما نروم الإجابة عنه هو: هل ساهم الجامع في السياق الأندلسي وفي الفترة التي تعنينا في تكريس مشروع استبدادي وتدعيم سلطة قاهرة؟ أي نوع من القيم أمكن الجامع أن يركزها في المجال العام؟

مثل هذا التساؤل نراه ضرورياً لإكساب الوعي العربي رؤيةً أشملَ تجنّبه الإسقاطات القَبْلِية في موضوع آني هو علاقة الدين بالسياسة باعتبار أن هذه العلاقة تمثل أحد التجليات الكبرى لوجود الإنسان وفاعليته في الفضاء العربي الإسلامي وباعتبار أن التجربة الأندلسية مهمة في فهم التحول المعرفي (Translatio-Studiorum) في العالم القديم وعلاقته بالتجربة السياسية الحديثة في الغرب.

الجامع والفقيه

تحتلّ الحياة الدينية مكانة بارزة في تاريخ الأندلس لما كان للمقدس من أولوية في مرجعية ذلك العصر. إليه يتم الاحتكام في كل المسائل القانونية والاجتماعية، إضافة إلى الاعتبارات الخلقية مما جعل الأفراد يحرصون - بدافع التقوى أو الضغط الاجتماعي - على التمييز بين الحلال والحرام واتباع السنّة وتجنّب البدعة.

لذلك عُدَّ الجامع أحد المراكز الكبرى التي تأسست فيها وحولها الحياة الدينية والعلمية والاجتماعية في حواضر الغرب الإسلامي القديم. يتأكد ذلك من خلال ما سجله مؤرخو حضارة الإسلام في الأندلس، خصوصاً في ما اعتنوا به من شؤون فترتي الإمارة (138-316/756-929 ) والخلافة (316-422 /929-1031 ). تؤكد ذلك شهادات عدة حول تعلّق الأندلسيين برموز التدين. من ذلك ما تُطنب المصادر في ذكره من أن التاجر المتجه إلى بلاد المشرق لا يغادر مدينته إلا بعد مروره بمسجد الحيّ للصلاة والدعاء. أمثلة أخرى تكشف لنا عن شدة تعلق بعض العلماء بإلقاء دروس في الحديث والفقه على رغم انشغالهم الكبير بتجارتهم ومعاملاتهم. هذا يحيى الليثي (تــ. 234/848 ) وبقّيّ بن مخلد (تــ. 298 /901 ) كانا يدركان أن نفوذهما لدى حكام الأندلس إنما يرجع أساساً إلى مكانتهما العلمية والقضائية وبالتالي إلى مدى ارتباطهما بالمسجد الجامع وروّاده.

يتأكد هذا المعنى أكثر إذا تأملنا موقع المسجد - الجامع في عاصمة الحكم الأندلسي زمن الإمارة ثم الخلافة، فهو منتصب في مواجهة باب «القنطرة»، الباب الرئيس للمدينة وبمحاذاته شُيِد قصر الخلافة لا تفصله عن الجامع إلا الطريق الواسعة المعروفة بالمحجّة العظمى. أما من الجهة الأخرى للجامع فتنتشر الأسواق على اختلاف أنواعها. هذا الموقع المركزي بين رمز السلطة السياسية من جهة وبين فضاء الحياة العامة اليومية من جهة أخرى يبيّن المكانة المتميزة للمؤسسة الدينية في المنظومة الأندلسية.

إضافة إلى المهمة التعبدية والعلمية والقضائية كان المسجد الجامع في قرطبة محلّ بعض التظاهرات السياسية العامة. من أعلى المنبر كان صاحب الصلاة يقرأ رسائل الأمير المعلنة عن الانتصارات العسكرية ومن أحد أجنحته كان يتم توزيع الألوية التي ترفعها الجيوش المتجهة لمحاربة العدو في الشمال. في المسجد الجامع نفسه كانت تُحفظ الألوية بعد رجوع الجيوش وانقطاع الصوائف أو حملات الجهاد لمقاومة جيوش الفرنجة في الشمال. في رحاب الجامع نفسه تمّ اللقاء سنة (414 / 1024) بين المرشّحين لخلافة الأمير قصد انتخاب أحدهم وفي إحدى مقصورات الجامع يقع حفظ بيت المال وما يؤول إليه من مداخيل الأوقاف.

هذه الشريعة كيف كان يفهَمها الفقيه؟

هي ناشئةٌ من إرادة إلهية، أي أن لا صلة لها بفئة أو عشيرة أو منطقة، هي لذلك الأقدرُ على تحقيق المساواة بين الجهات والقبائل والطبقات. هي ليست كالقانون الحديث من حيث المصدر لكنها لكونها من «الخارج» فإنها تحقق مساواةَ الجميع أمامها. ذلك هو مركز قوة الشريعة الذي أدركه الفقيه ومن ثم جاء تمسُّكه بالجماعة، أي بالرابطة الجماعية التي تحققها الشريعة في تعاليها عن المنحدرات الاجتماعية والأصول العرقية والروابط المحلية.

كان هذا واضحاً على رغم أن الفقهاء كانوا يدركون أن مادة الشريعة ومصادرها المادية تعود في جوانب عدة منها إلى أوضاع تاريخية وأعراف بدوية وقوانين أخرى سابقة. لكن غائية الشريعة هي الأهمُّ في نظرهم لأنها تحقق الحراك الذي يمكّن الجميع من مساواة حقّقت لرسالة المحمدية انتشاراً في أصقاع لا توجد فيها سلطة سياسية مركزية. من ثم جاء تمسك الفقهاء بالشريعة باعتبارها «الائتمار بالتزام العبودية» تجسيداً لما أغفله رجال الإمارة حين اقتصروا في إقامة الملك على وظيفة سياسية تضاف إليها مهمة حضارية اُعتُمِدتْ من الرسالة الإسلامية من دون الالتفات إلى المهمّة الاجتماعية وقيمتها المساواتية.

كان الفقهاء في تمسكهم بالشريعة يسيرون على خطى القرّاء الذين تحولوا بعد وفاة الرسول (صلى الله عليه وسلم) إلى فئة مرجعية متميزة في الاجتماع الإسلامي؛ كانوا أهلَ الرأي وأهل الفتوى يراجعهم الجميع، بمن في ذلك الخليفة الراشد لأنهم حملة القرآن. كذلك اضطر شيوخ القبائل ورؤوس الأحياء للتراجع والصلاة وراءهم وتقديمهم في المجالس. وعندما أتى والي عمر على مكة زائراً سأله عمر عمن استخلف على مكة حتى عودته فقال: مولاي عبدالرحمن ابن أبزى. فقال عمر: لماذا؟ فأجاب الوالي: لأنه أكثر أهلها قراءة للقرآن، فقال عمر: «إن هذا العلم سيرفع الله به خسيسة قوم ويخفض به قوماً آخرين».

- ذلك تحقق مثلاً في مطلع القرن الثاني للهجرة مع رجل كالحسن البصري - وهو مولى- وفرقد السبخي - وهو مولى أيضاً - إذ تمكنا من إحباط ما أرادته الأسرة المهلبية الأزدية العريقة من استقطاب البصريين إلى جانب المهلبي.

لذلك فإننا حين نقول إن مؤسسة الفقهاء كانت متشبثة بالشرع، فإننا نعني حرصهم على الحراك الاجتماعي لرسالة النبي، وذلك بأن تبقى الجماعة مستقلة متماسكة ومنفتحة لكل الأعراق.

يتأكد هذا الوعي لدى الفقيه الأندلسي حين نقارن بينه وبين ضباط الجيش. الفقيه من جهته يعسر حصر منحدره الاجتماعي أو العرقي وكذلك وجهته السياسية وهذا يعني أنه تمكّن من تجاوز التقسيمات العشائرية الموروثة من المؤسسة القبلية التي كانت لها اليد الطولى إبان فترة الفتح. لذلك فإن الفقيه يمكن أن يكون من أصل عربي كما يمكن أن يكون بربرياً أو من المولدين أو من الموالي.

في مقابل هذا الانفتاح الكامل لدائرة الفقهاء يُثبِت تتبعُ أصول قواد الجيش الأندلسي في الفترة التي ندرسها مدى محافظة هؤلاء على دائرتهم العرقية والعشائرية. ذلك الانغلاق الذي حرص الحاجب المنصور في القرن الرابع الهجري، الحادي عشر الميلادي، تركيزاً لسلطته، أن يعصف به من طريق إصلاحه الشهير للمؤسسة العسكرية.

هذا الوعي الاجتماعي الرسالي للمؤسسة الدينية في الأندلس كان - مع وعي الأمراء ثم الخلفاء - مصدراً للحيوية الحضارية التي تميّز بها الاجتماع الإسلامي في الفترة التي تعنينا وحلقة من حلقات التحوّل المعرفي الكوني الذي ساهم في تطوّر مقولات الفكر السياسي في الغرب. 

بذلك تمكّن الجامع والفقيه من اكتساب قوّة تحكيمية تأتّتْ من رهان اجتماعي وخلقي أتاح للأندلسيين درجة من التطوّر أغنت الغرب الإسلامي بصورة كبيرة.

- لا غرابة - بعد هذا - إن وقفنا على ما آل إليه مسعى أحد أمراء البيت الأموي في الأندلس الرامي إلى الانقضاض على مكانة الفقهاء رموز الحياة الدينية والمهمّة الاجتماعية في الأندلس فأراد كسر التوازن القائم بين القصر والمسجد الجامع. لقد واجه الحَكَم الأول (108-206/796-822) المعروف بمزاجه الحاد وسياسته المالية المتعسفة تمرداً شعبياً كاسحاً سنة (202 /818). قاد هذا التمرد الذي عُرف في التاريخ الأندلسي باسم «هيجة الربض» وجهاءُ قرطبة وأعيانٌ من فقهاء المالكية وانتهى بإبادة زعماء التمرد وسفك دماء المئات منهم وتشريد ما يقارب عشرين ألف عائلة خارج الأندلس. بعد استتباب الأمن أدرك الحكم الأول أن لا بد له من التراجع فأصدر عفواً عن الفقهاء الفارّين استعادةً للتوازن بين القصر والجامع.

وعلى رغم أن المرحلة التي تلت الخلافة في الأندلس قد شهدت تحولات خطيرة كان من أهمها استقالة رجال الشريعة عن مهمّتهم وصدقيتهم مما جعلهم ينتجون فقهاً ميتاً خلواً من أي وعي اجتماعي وحسّ تاريخي، على رغم ذلك فإن قولة آخر رجال الشريعة في الأندلس: أبو اسحاق الشاطبي في القرن 8 هـ /14م تبقى شاهدة على ذلك المنزع الرسالي للشريعة عندما يقول: «حيثما تكون المصلحة فثم شرع الله».

كان الجامع في الفترة التي اهتممنا بها مؤسسة تحكيمية منضوية في مشروع قائم على جدل الديني والسياسي مما ساعد المؤسسة الدينية كما ساعد نظام الإمارة على التحرر من النسق الاستبدادي من طريق الدمج الاجتماعي الذي مكّن الفقهاء من قوّة يوازن بها رجال الإمارة ثم الخلافة.

المسجد بين عالمين

ما حرصنا على تناوله في هذا العمل هو محاولة فهم ما خفي من جدل السياسي والديني في التجربة الأندلسية وهو جدل ناتج من عدم التطابق بين أهداف أصحاب الإمارة والملك من جهة وبين رجال الشريعة وحرّاس الجماعة من جهة ثانية. وهو على أي حال لا يقصد الوصول إلى حلول جاهزة لواقع الجامع اليوم.

- نحن نعتبر أولاً أن فهم هذا الجدل أقدرُ على طرح التساؤلات المتصلة بمعضلة العلاقة بين الديني والسياسي من أية عملية إسقاط قبليّ لنظرية فصل الدين عن الدولة. لكن ذلك لا يمنعنا من القول بأن تلك التجربة التاريخية بما أكّدته من قيم الرئاسة الدنيوية والتوازن بين المؤسسات كانت مرحلة مبكرة ومتطورة من مراحل بناء الفكر السياسي الحديث الذي يميّز بدرجة من الدرجات بين الفضاءين السياسي والديني.

أهمية تلك التجربة تتجه بخاصة إلى الداعين في كل مسعى نهضوي إلى أولوية الشريعة المثقلة بالمنهج الفقهي من دون إدراك أن ذلك المنهج هو اختيار وقائي يقوم على احترام زائف للماضي ولا يملك الطاقة الإبداعية التي تتطلبها شروط التجديد.

ثانياً ما يؤكده نظرتنا في طبيعة موقع المسجد في جزء من التاريخ الأندلسي هو أن التمايز بين الطرفين لم يدفع إلى منافسةٍ بين رجال الشريعة ورجال الإمارة والخلافة ليس لأن أولئك كانوا مستتبَعين لهؤلاء، بل لأن الطرفين كانا يعملان ضمن مشروع واحد ويصدران من مرجعية مشتركة.

أما موقع المسجد اليوم في بلاد المسلمين فإنه يطرح إشكالاً مختلفاً عما كان طرحه في سياق التجربة الأندلسية. إن انتماء المسجد في جزء منه إلى الفضاء العمومي يجعله كما كان من قبل ضمن منطقة التماس بين السياسي والديني. لكن المشكل الأهم هو أن هذه المنطقة لم تعد تعمل ضمن مرجعية ثقافية واحدة. هناك اليوم مرجعية إصلاحية تتبناها غالبية النخب الحاكمة إلى جانبها مرجعية حداثية قاطعة مع التراث والتاريخ الخاصين قصد تحديث المؤسسات للأخذ بأسباب المدنية المعاصرة. تضاف إليهما مرجعية ثالثة سلفية إحيائية تعتبر أن قداسة النص الديني تتحقق بفهمه بحسب الدلالات التي ضبطت زمن نزوله وما تبع ذلك بقرنين وأن هذا الفهم هو وحده الذي يصون الهوية من التفكّك.

إن الوعي بهذه التعددية أساسي في السياق المعاصر وعلى الخطاب المسجدي أن يتمثّل ذلك.

حين نسأل هل الأمر ممكن اليوم؟ فإن التجربة التي ألمحنا إليها قادرة على إثبات ذلك على رغم اختلاف الظروف والسياق اليوم.

هو توجه ممكن اليوم إن تأسس الخطاب الديني على أن الإيمان هو اختيار واع ومعاصر وليس تراثاً نصوغ به إلزاماً فردياً أو جماعياً. إن حصل ذلك أمكن الخطاب المسجدي أن يندرج إيجاباً في علاقات عامة قائمة على الديموقراطية.

عندئذ، فإن إيمان المؤمن يصبح محور اهتمام الخطاب المسجدي من دون أن يعني ذلك أن يتوقف عند حدود ضمير الفرد ومتعلقاته الخلقية والسلوكية الذاتية. إنه قادر على أن ينفتح ليتصل برؤية المؤمن للعالَم وبممارسة أخلاقياتٍ لا يمكن أن تتجاهل الشأن العام. هذا هو الإطار العام الذي ينبغي أن يتنزّل في الخطاب المسجدي اليوم: إطار خُلقية إسلامية معاصرة بقيم جديدة ومتجددة تسمح بإعادة بناء الذاكرة الجَمعية على وعي مغاير لا ينظر إلى المجتمع كأنه موحَّدٌ سلفاً وكأنه لا توجد فيه مصالح متمايزة واختلاف في المرجعيات.

التحدي الكبير الذي يواجهه الجامع اليوم هو كيف يمكن أن يحقق لنفسه مكانة ضمن مجتمع التعدد الذي لا يمكن أن ينمو إلا بالتنافس السلمي. كيف يصبح رواد الجامع مدركين أن الفضاء العمومي هو مجال تفاوضي يتوصل إلى إجماع حول مواقف مشتركة واختيارات موحَّدة تحقق توازناً بين مصالح مختلفة وتوجهات متباينة.

في كلمة، صدقية الخطاب الديني لا يمكن اليوم أن تتحقق إلا بمساهمته في الخروج من دائرة تنافي المرجعيات. ذلك يتمّ بضرورة تنسيب الخطاب، أي برفع القداسة عنه بما يحقق للمجتمع استقلاله وتطوره وإتاحة كل فرص الإبداع فيه.
 


 

 

10-06-2005 .   الملتقى /  /    .   http://almultaka.org/site.php?id=233