/
الدولـة في فكرنا العربي الإسلامي المعاصر
تركي الربيعو
يحتدم الجدل في خطابنا العربي / الإسلامي حول إشكالية الدين و الدولة ، و الجدل كما يقول ابن منظور هو شدة الاختلاف ، ولكن القرآن الكريم يدعو إلى جدال بالتي هي أحسن ، فعسى أن تجنى الفائدة للأمة كلها ، و مع احتدام الجدل ، تكثر التساؤلات وما أكثرها في مجال نقد الذهنيات كما يقول المفكر المغاربي عبد الله العروي ، و بالأخص إزاء تاريخ بعيد للدولة وللعقل السياسي العربي ، لم نستدل عليه بالكيفية اللازمة ، و لا يزال يغري بشتى أنواع التأويل و الأدلجة التي تعبر عن نفسها تحت رايات إيديولوجية لا تزال تستعير معظم بواعث التعبير عن نفسها من الماضي البعيد كما يرى محمد أركون، لنقل ، من التاريخ الأموي و العباسي ، الذي تحولت فيه الخلافة إلى ملك عضوض راح بدوره يستعير معظم بواعث التعبير عن ملكه من المستبد الآسيوي بحسب تعبير العروي ، أو من أبيه أردشير ( الملك الساساني ) بحسب توصيف محمد عابد الجابري في بحثه عن مبدأ الطاعة الذي جعل من الدين طاعة رجل، و الذي جعل من الطاعة عبر تمجيدها فضيلة الفضائل ، و الذي تمكن من أن يغزو الثقافة العربية في عقر دارها و يجيرها لصالح الاستبداد الآسيوي كما تعبر عن ذلك وصية أردشير التي سنعود إليها لاحقا (1)0 هناك إقرار علني عند أغلب الباحثين العرب في إطار إشكالية الدين و الدولة ، بأن الجذور الكلاسيكية للنقاش الدائر حول الروابط بين الدين و الدولة غير مدروسة ، و بالتالي غير مضاءة (2)0 يقول العروي : " عندما نتكلم اليوم عن الدولة الإسلامية نعني بالضرورة مركب من العناصر الثلاثة – العربي و الإسلامي و الآسيوي – إلا أننا لا نستطيع أن ندرك ذلك المركب و هو محقق في التاريخ لأننا لا نملك شهادة معاصرة عليه . كل ما نستطيع هو أن نتصوره ، أن نتخيله ، اعتماداً على أخبار مؤرخين متأخرين نسبياً " (3)0 إن غياب الشهادة المعاصرة للدولة الإسلامية في بداية العصرين الأموي و العباسي ، هو الذي فسح المجال للتأويلات العديدة و التضييقية التي تنتهي إلى القول بأن الإسلام دين و دولة ، المقولة التي رفع راياتها في منتصف القرن الماضي الشيخ و الإمام حسن البنا ،والتي استلهمتها الحركات الإسلامية الراديكالية في سعيها للاستيلاء على السلطة بحجة حماية الدين ، و في تجييشها لإيديولوجيا الكفاح ضد الإمبريالية و التي ساهمت في طمس كل المحاولات الرامية إلى الفصل بين الذروتين الدينية و السياسية ، أو تلك التي تصر على أن الدولة شأن تدبيري سياسي و ليس شأناً عقيدياً كما تراها الكثير من الحركات الراديكالية المعاصرة أو الإيديولوجيات الجاهزة التي ما تزال تعشعش في " ثقافة العامة " و التعبير للشيخ علي عبد الرزاق و تحول دون الوصول إلى أصول جديدة للحكم ، تستمد أصولها من أحدث ما أنتجته العقول البشرية و ما أبدعته الأمم الحديثة . كان الشيخ علي عبد الرازق هذا العقوقي كما يراه الخطاب الإسلامي ،والذي سيستعاد دوماً من قبل التيار الليبرالي العربي كنموذج للشيخ المستنير ، و كقرينة و شاهد على بطلان القول بأن الإسلام دين و دولة كما يرى تيار الإسلام السياسي . أقول كان الشيخ عبد الرازق على وعي بإشكالية العلاقة بين الدين و الدولة ، وعلى وعي بالآفاق الحديثة للدولة المعاصرة التي من شأنها أن تقطع مع إرث الدولة المملوكية، وأن تؤسس لأصول جديدة في الحكم . من هنا ، فقد كان كتابه ، و على ما جاء به من أفكار أصيلة و طريفة و جدية و جديدة ، قد مثل إعلاناً عن تفجير المعركة الفكرية السياسية داخل الاجتماع الإسلامي التقليدي (4) فهو يعيب على " المسلم العامي " و على " رأي جمهور العلماء من الإسلام " اعتقادهم بأن الإسلام يمثل وحدة سياسية و دولة أسسها الرسول صلى الله عليه و سلم يقول: " المسلم العامي هو من يعتقد أنه عليه السلام كان رسولاً و ملكاً ، و أنه أسس بالإسلام دولة سياسية مدنية ، كان هو ملكها و سيدها . لعل ذلك هو الرأي الذي يتلاءم مع ذوق المسلمين العام . و لعله أيضاً هو رأي جمهور العلماء من المسلمين . فإنك تراهم ، إذا عرض لهم الكلام في شيء يتصل بذلك الموضوع ، يميلون إلى اعتبار الإسلام وحدة سياسية ، و دولة أسسها النبي" (5)0 يقر عبد الرازق في سعيه للتأكيد على أن السياسة شأن تدبيري و ليست شأناً عقيدياً " أن الحكومة النبوية كان فيها بعض ما يشبه ما يكون من مظاهر الحكومة السياسية و آثار السلطنة و الملك "(6) و أن " هناك الكثير مما يمكن اعتباره أثراً من آثار الدولة "(7) و لكنه يفند الرأي الذي يرى أن الإسلام دين و دولة ، و أن " الخلافة تنوب عن الشرع في حفظ الدين و السياسة ، شاملة للملك و الملك مندرجاً تحتها " كما كان يرى ابن خلدون ، الذي لم يكن يستند ، كما يرى عبد الرازق ، إلى حجة أو دعامة أو سند .(8) و النتيجة التي يقودنا إليها : أولاً ـ" ما كان محمد صلى الله عليه و سلم ، إلا رسولاً لدعوة دينية خالصة للدين . لا تشوبها نزعة ملك و لا حكومة" . ثانياً ـ" وأنه صلى الله عليه و سلم لم يقم بتأسيس مملكة ، بالمعنى الذي يفهم سياسة من هذه الكلمة و مرادفاتها" . ثالثاً ـ و إنه كان صلى الله عليه و سلم" كإخوانه الخالين من الرسل ". رابعاً ـ و إنه لا كان ملكاً و لا مؤسس دولة ، و لا داعياً إلى ملك .(9) لا يمل عبد الرازق ، من تفنيد الاحتجاج الشائع بأن " الخلافة مقام ديني " و يرى ذلك على أنه من الأخطاء الشائعة التي تسربت إلى عامة المسلمين ، الذين خيل إليهم أن الخلافة مركز ديني ، و أن من ولي أمر المسلمين فقد حل منهم في المقام الذي كان يحله رسول الله (صلى الله عليه و سلم ) ، لا بل أنه يعتبر ، أن استمرار هذا الاعتقاد يصلح لأن يكون شاهداً على استقالة العقل عند المسلمين الذين أصيبوا بشلل ، في التفكير السياسي ، و النظر في كل ما يتصل بشأن الخلافة و الخلفاء (10) أعود للقول ، إن الشيخ عبد الرزاق ، يرى أن السياسة شأن تدبيري ، و هذا ما يجب عليه أن تدركه ما يسميها ب " الزعامة الجديدة " التي يلح عليها عبد الرازق ، و التي هي في جوهرها ، زعامة سياسية " زعامة الحكومة و السلطان ، لا بل زعامة الدين "(11).و هو بذلك إنما يفتح باباً للمسلمين إلى ولوج عالم أصول الحكم ، كما يشير إلى ذلك عنوان كتابه . يقول في خاتمة كتابه الذي اعتبر بمثابة ضربة قاسية لخديوي مصر الطامح إلى خلافة المسلمين " أن لا شيء في الدين يمنع المسلمين أن يسابقوا الأمم الأخرى ، في علوم الاجتماع و السياسة كلها ، و أن يهدموا ذلك النظام العتيق الذي ذلوا له و استكانوا إليه ، و أن يبنوا قواعد ملكهم ، و نظام حكومتهم ، على أحدث ما أنتجت العقول البشرية ، و أمتن ما دلت تجارب الأمم على أنه خير أصول الحكم "(12)0 ولكن أصول الحكم هذه كانت موضع استنكار من قبل الشيوخ الأزهريين الذين هاجموه وجردوه من ألقابه العلمية ومن وظيفته وكذلك الراديكاليين الإسلاميين الذين لم يغفروا للشيخ علي عبد الرازق هذا التطاول فراحوا يصفونه بأنه دعوة للانفكاك عن النص الديني لصالح تبعية الغرب والاندماج به(13) وذلك دون أن ننسى إعجاب شيوخ آخرين به،وأخص بالذكر منهم الشيخ ابن باديس الذي أبدى إعجابه بالشيخ عبد الرازق وبتجربة كمال أتاتورك في بناء الدولة الحديثة،واصفا إياه"بأنه أعظم رجل عرفته البشرية في التاريخ الحديث وعبقري من أعظم عباقرة الشرق"،وذلك دون أن ننسى أيضاً مرافعات الشيخ خالد محمد خالد في دفاعه عن عبد الرازق وذلك في كتابيه"من هنا نبدأ،1958"و"الديمقراطية أبدا،1953" الذي هاجم فيهما الدولة الدينية وكهنتها الجدد على حد تعبيره وراح يشيد بديمقراطية الإسلام0(14) كان أواسط عقد الخمسينيات من القرن المنصرم قد شهد تجاذباً حاداً بين الأحزاب و التيارات السياسية و المثقفين العرب ، فثمة من يرى أنه لا يمكن للأمة أن تنهض إلا بفصل الدين عن الدولة و جعله أمراً خاصاً بين العبد و بارئه وذلك انطلاقا من رؤية ليبرالية ترد تخلف الأمة الى الاستبداد(15) ، و ثمة من يرى أن الإسلام دين و دولة ، مصحف وسيف كما ذهب إلى ذلك الشيخ حسن البنا في قوله الشهير:"الإسلام:عبادة وقيادة،ودين ودولة،وروحانية وعمل ،وصلاة وجهاد،وطاعة وحكم،ومصف وسيف،لا ينفك واحد من هذين عن الآخر وإن الله ليزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن"(16) فالدولة من خلال تعاليمه هي دولة إسلامية،بصورة أدق،هي دولة الدعوة ودولة الرسالة لأن"الدعوة أساس الدولة،والدولة حارس الدعوة،وهما معا قوام الحياة الإنسانية الصحيحة المستقيمة(17)0 في هذا السياق جاءت محاولات فكرية عديدة لفض الاشتباك بين الدين والدولة والتأسيس لحداثة سياسية ولمجال سياسي جديد بعيدًا عن المجال الديني،أو زيادة الالتحام بينهما من خلال القول بأن الدولة حارسة للدين وحامية له وأن الهدف هو بناء الدولة الإسلامية، أو التوفيق بين هذا وذاك على اعتبار أن التوفيقية تمثل جوهر الحضارة العربية كما يذهب الى ذلك محمد جابر الأنصاري في بحثه عن حقيقة التوفيقية في حياتنا العربية المعاصرة(18) 0وقد شهدت العقود الثلاثة المنصرمة من القرن المنصرم نقارًا حادًا بين المفكرين والمثقفين العرب حول سلم الأوليات:الدين أم السياسة أو التوفيق بينهما كما أسلفنا،نقارا يشهد على حيوية فكرية في بعض الأحيان وفي أغلبها على عقلية تخوين واستبعاد بقيت تستبطن الخطاب السياسي العربي في سعيه الى بناء مجال سياسي جديد؟
الدولـة كافلـة الديـن : من موقعه كمعاين حصيف لعلاقة أوروبا بالإسلام كما يشهد على ذلك كتابه الموسوم بهذا الوسم(أوروبا والإسلام:صدام الثقافة والحداثة) ، و علاقة أوروبا بالدين و التي اعتبرت نموذجاً للقياس و ليس للاستئناس كما يرى الجابري في نقده للخطاب العربي المعاصر،وبخاصة عند الليبرالي العربي الذي لا يزال ينظر الى الفصل بين الدين والدولة كشرط للنهضة(19) ، راح هشام جعيط يبدي الكثير من القلق على مستقبل الدين في الدولة العلمانية الأصولية العربية و ذلك نظراً لأن الدولة العلمانية القومية هي دولة دهرية تقوم على تفوق الدولة على الدين . فالدولة في منظور جعيط الذي يستند إلى رؤية ابن خلدون دون أن يصرح بذلك هي كافلة الدين و حافظة لاستمراره ، و ليس من حقها أن تكون علمانية كما يطمح إلى ذلك المثقفون العرب العلمانيون . فالدين الإسلامي لم يكن و لن يكون مسألة خاصة ، إنه دين الأمة ، الذي لا يجب أن يكون مجرد صورة كاريكاتيرية و التعبير لمحمد أركون كما فعلت " الكمالية " الأتاتوركية(20) . في كتابه " الشخصية العربية الإسلامية و المصير العربي ، 1974" و الذي سيصفه العروي لاحقاً بأنه " أهم ما أنجز في مجال النفسانية الجموعية العربية "(21)و يقصد بالنفسانية هنا فكرة الفرد و الجماعة عن الحكم و الدولة .راح هشام جعيط و في إطار بحثه عن العلاقة بين الدين و الدولة يكتب : إن رأينا هو أنه يجب على الإسلام البقاء كدين للدولة ، بمعنى أن الدولة تعترف به تاريخياً ، و تهبه حمايتها و ضمانها " و يضيف " ليس للدولة أن تكون علمانية بمعنى أنها لا تهتم بمصير الدين معتبرة إياه مسألة خاصة "(22)0 من هنا نفسر رفضه لأن يكون الدين أداة تتلاعب بها الدولة و ذلك لغايات سياسية أو إدخال إصلاحات داخلية علية من لدنها ، يقول جعيط " ينبغي تجنيبها ذلك لأن الدين قضية تهم الأمة الإسلامية قاطبة ، أمة الأمس و اليوم ، و غداً "(23) . انطلاقاً من أن الدولة العربية القديمة ( دولة بني أمية و دولة بني العباس ) كانت كافلة لاستمرارية الدين ، فإن جعيط كما أسلفت ، ينذر الدولة العربية القائمة بحسب تعبير العروي ، إلى حماية الدين و الحفاظ على استمراره ، و هو هنا يبدي مزيداً من المخاوف و هواجس الحاضر و شواغله الإيديولوجية و الظرفية الجامحة التي من شأنها أن تقطع مع الدين و تراثه التليد . هذه المخاوف التي تعود بجذورها إلى العصر العباسي والتي عبر عنها ابن عقيل و ابن الجوزي ، فثمة مخاوف حقيقية من طغيان السياسة على الشريعة و عدم التزام الحكام بالشريعة (24) . فثمة خوف حقيقي من سلوك الدولة العلمانية العربية ، التي تتستر إما وراء دولة دهرية معادية للدين ، أو المضمرة بنزوع طائفي معادٍ للدين . من هنا قوله : إنه يجب مكافحة كل إرادة منظمة واعية مجبرة من قبل الدولة أو الطوائف المؤثرة ، تريد إخلاء الضمائر من الإسلام ، و إعاقة الشعائر ، و الحط من الدين (25 )0 لم يكتف جعيط بذلك،فراح يؤكد في بحثه عن "بناء الدولة الإسلامية:الدولة النبوية" من أن النبي صلى الله عليه وسلم ترك وراءه دينًا ودولة0 يقول جعيط : ترك النبي ، عند وفاته ، ديناً مكتملاً و دولة مهيمنة على الجزيرة العربية كلها ، مترابطين بشكل لا يقبل الانفكاك . فمن خلال اعتناق الإسلام و ممارسته ، لا سيما الصلاة و الزكاة ، تم انصياع الأفراد و الجماعات للدولة الجديدة ،، و قد دخل مسلمو الساعة الأولى ، المتأثرون بدعوة كانت تخاطب الأفراد أولاً ، دخولاً طبيعياً في نظام الدولة . فالوظيفة النبوية تؤلف بين الدنيوي و القدسي ، بين العالم المرئي و العالم اللامرئي . و يقوم سلطانها على كلام الله مثلما يرتكز على التوجيه الفعلي للأمة . ولا شك أن العرب ما كان يمكنهم ، لولا الحركة النبوية ، أن يتوحدوا و لا أن ينتظموا و يرتفعوا إلى درجة أخلاقية أرفع . و بالتالي ما كان يمكنهم الدخول في التاريخ . و على هذا النحو ، كانت النبوة تطرح نفسها كأمر يمد بأخلاقية و بوحدة و بمصير"(26)0 لا يتصور جعيط إمكاناً لنهضة عربية بعيدة عن الإسلام ، فالدولة العلمانية العربية المعادية أو الداعية إلى فصل الدين عن الدولة ، تخالف التاريخ ( لأن وظيفة الدولة كما رأى ابن خلدون هي حفظ الدين و سياسة الدنيا ) و تخون جوهر الحضارة العربية الإسلامية . و لكن على ما يبدو فقد فقد جعيط إيمانه بروح الأجداد التي غذاها حيناً في كتاباته المؤدلجة ، فراح يتحدث لاحقاً و مع مطلع الألفية الجديدة عن نهضة جديدة يمكن لها أن تمثل عودة باتجاه الحداثة الغربية التي من شأنها أن " تمج الإسلام جملة " . و ذلك في معرض حديثه عن " أزمة الثقافة الإسلامية " ( 27) .
مفهوم الدولـــة : بين نهاية عقد السبعينات من القرن المنصرم ، و بداية عقد الثمانينات ، كان العروي الرجل الملتزم بمغامرة النهضة العربية على حد تعبير هشام جعيط الذي تبادل والعروي مزيداً من التقريض(28). قد فقد إيمانه بالنخبة المثقفة و قدرتها على عقلنة المجتمع العربي بكيفية شاملة و مسترسلة ، و بالتالي المثقف الثوري الذي يتشكل بتأثير خارجي ، فقد أقض مضجعه هذا المثقف ، بمزاجه العكر و تقلباته المستمرة ، من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار(29) ، و في هذا السياق الذي يتحرك فيه هذا " العروبي التاريخي " و الوصف أيضاً لجعيط ( 30) راح العروي يوسع من إطار ما يمكن تسميتها باستراتيجيته التاريخانية ، فأصدر سلسلة المفاهيم ( مفهوم الأدلوجة ،1980و مفهوم الحرية1981 ثم مفهوم الدولة1981 و مفهوم التاريخ 1993 و أخيراً مفهوم العقل 1996) و ذلك انطلاقاً من رؤية ترى أن الفهم و الإفهام أساسيان و لكنهما لا يتأتيان إلا بوضوح المفاهيم التي يؤدي غيابها إلى كل هذه التخبطات في خطابات المثقفين العرب . إذن ، مع بداية عقد الثمانينات من القرن المنصرم ، جاء كتاب العروي " مفهوم الدولة ، 1981 " عسى أن يؤسس لما سّماها ميشيل فوكو ب " إرادة المعرفة " التي غابت و تزحزحت لصالح " إرادة الإيديولوجيا " التي تدمغ و تمهر معظم خطابات المثقفين و التي تشهد على " أزمة المثقفين العرب ، 1974 " التي راح العروي يرصد مظاهرة مع بداية مطلع السبعينات من القرن المنصرم(31) . في تمهيده للكتاب ، يقول العروي : كل منا يكتشف الدولة قبل أن يكتشف الحرية ، أو بعبارة أدق ، تجربة الحرية تحمل في طياتها تجربة الدولة لأن الدولة هي الوجه الموضوعي القائم في حين أن الحرية تطلع إلى شيء غير محقق " (32 )0 من هنا مصدر قوله إن " التفكير في الحرية هو بالأساس تفكير في الدولة و المجتمع "(33) . يؤثر العروي في تناوله لمفهوم الدولة و إشكالياتها و منحاها الإيديولوجي في الخطاب العربي المعاصر ، أن يرتفع إلى مستوى التجريد ، فيتكلم عن الدولة إطلاقاً ، أي عن الشكل العام لتنظيم السلطة العليا في الدولة العربية على طول مسارها ، بحيث تنتفي الصفات العرضية ، المذهبية و القبلية و الجنسية . باستثناء صفة واحدة هي الصفة الإسلامية(34). و هنا يتساءل العروي : ماذا نعني بالدولة الإسلامية ؟ و بالتالي على أية مادة نعتمد لنتصور واقعها التاريخي و نحلل آلياتها و جهازها ؟ و من وجهة نظره ، إن الاتجاه الذي يجعل من الدولة تجسيداً للمثل الأعلى ، لنقل ، للإسلام الحق ، هو اتجاه مثالي و إيديولوجي بآن ولا ينفع في مجال الدراسة ، صحيح أنه يعبر عن همٍ عام و عن تشكيلة اجتماعية و عن وضع سياسي ، فيقدم حلاً لا يعدو أن يعكس المشكلات القائمة . فلا يهتم بالدولة الحالية لأنها غير شرعية في نظره ، و بالتالي غير كائنة . و هذه مثالية مطلقة كما يرى العروي. تتوه في البحث عن الدولة كما يجب أن تكون ، لا عن الدولة كما هي في الواقع (35) . و من هنا فهو يرى أن القول بأن الإسلام دين و دولة ينتمي إلى الطوبى ، إلى المؤلفات الشرعية و المؤلفات الإيديولوجية اللاحقة للحركات الإسلامية التي تتحدث عن الدولة كما يجب أن تكون ، لا عن الدولة كما هي واقع . أضف إلى ذلك " أن العبارة – الإسلام دين و دولة – هي وصف للواقع القائم منذ قرون كما يرى العروي ، أي لحكم مملوكي و دولة مملوكية حافظت على الدين و قواعد الشرع لأسباب سياسية محضة "(36) ، و العروي يلمِّح إلى أمر آخر، فمقولة " الإسلام دين و دولة " تقوم على واو الربط الدال على التساكن بين الدين و الدولة و ليس على الاندماج و الانصهار . من هنا وجه المقارنة العجيبة في خطابات أغلب السلفيين و أغلب الراديكاليين الجدد . فهم يظنون بالقول إن الإسلام دين و دولة أنهم يعبرون عن خصوصية الإسلام ، في حين أنهم يصفون الإمارة الشرعية و لا يتعرضون في شيء للخلافة . من هنا فإن القول بأن " الإسلام دين و دولة " لا يعبر عن واقع مختلف ، فالنصرانية بحسب تعبير العروي ، أو الغرب بحسب تعبير محمد أركون و هذا ما يجمعهما في نقدهما لهذه المقولة ، هما دين و دولة ، أوليست النصرانية ديناً يعيش بجانب دولة في نطاق مؤسسة مستقلة ؟(37)0 ما يجمع العروي بهشام جعيط ، هو إدراكهما التاريخي للسياق الذي جاءت فيه مقولة الإسلام دين و دولة ، فثمة ظروف تاريخية قادت إلى القول بأن الإسلام دين و دولة ، و الجديد من وجهة نظر العروي " أن المقولة كانت آنذاك ، أي في عصر الغزو الاستعماري الحديث للمنطقة العربي ( أوائل القرن الثامن عشر ) ضرورية و مطابقة للمصلحة القائمة (38) . فقد لاحظ الفقهاء و على مدى قرون طويلة في ظل الدولة الإسلامية انفصال الشرع و العدل عن العمران ، في حين أن التجربة الأوربية التي باتت نموذجاً يحتذى هي شاهد على ارتباط العدل بالعمران ، فتنادوا إلى القول بضرورة الربط بين التقدم و العدل الذي لا يتحقق إلا بالشرع لأن العدل بالشرع و الشرع بالعدل (39)0 و العدل يعني تقييد الحاكم المستبد بقواعد الشرع . و قد وجد الفقهاء في ذلك فرصة للمطالبة بالرجوع إلى السياسة الشرعية و إلى الدولة الشرعية العادلة التي من الممكن لها أن تتجاوز أزمة الحكم المملوكي التي انتهت إلى آفاق مسدودة ، و أن تمهد القاع للرد على التحديات الغربية ، و هذا هو موقف مصلحو القرن الثامن عشر الذين راحوا يبحثون عن " أقوم المسالك لمعرفة أحوال الممالك " كما يشهد على ذلك كتاب خير الدين باشا التونسي ، الذي يجمعه بعلي عبد الرزاق هو هذا البحث عن " أقوم المسالك " أو " أصول الحكم " كما يراها عبد الرزاق (40). كان العروي على وعي بمأزق الدولة القائمة حالياً في الوطن العربي و بمأزق المثقفين معاً ، و من وجهة أخرى بمأزق السلفيين الذين ظلوا مشدودين الى طوبى الخلافة و السياسة الشرعية دون أن يطرأ على مواقفهم أي تغيير و بمأزق الليبراليين الذين التقوا مع السلفيين على نقد الدولة القائمة دون أن يجّدوا السير باتجاه البديل ،وما يضاعف من قلق العروي على مستقبل الأمة ، أن معظم الأسئلة التي تدور من حول الدين و الدولة و ما أكثرها في مجال نقد الذهنيات ، تصطدم بالجدار الصلد للدولة المملوكية الاستبدادية المستمرة إلى اليوم كما تعبر عنها الدولة العربية القائمة اليوم ، و ما يضاعف من القلق تلك الحالة من التساكن و التعايش بين الفقهاء و الدولة المملوكية المستبدة ، لنقل ، بين طوبى الخلافة و ما رافقها من طوباويات عن المدينة الفاضلة و بين الجهاز القمعي الصرف للدولة المستبدة . كذلك بين المثقفين العرب المشدودين إلى طوبى الليبرالية أو طوبى الماركسية و حتى طوبى الدولة العربية الكبرى التي أضعفت الدولة القطرية و لم تنجز الدولة الكبرى و بين الدولة الاستبدادية الحديثة ، و العروي لا يعجب من ذلك " فالمفكرون العرب لا يهتمون بالدولة القائمة " و الأهم من ذلك غياب علم سياسي يبحث في اجتماعيات الدولة ، فهذا العلم لا يزال مهجوراً كما يرى العروي و ذلك في مجموع البلاد العربية وما يؤسف له أن ما أنجز من دراسات في هذا المجال تمَّ في إطار معاهد أجنبية (41)0 و هذا ما يرجِّح من كفة الفقهاء على حساب المفكرين و المثقفين العرب الذين ظلّوا يجهلون الدولة و هنا يقرر العروي أن المفكرين الوطنيين متخلفون وكذلك رواد النهضة ، في مسائل السلطة ، عن معاصريهم الفقهاء و أن العلامة الفارقة لأبحاثهم هي "غياب نظرية الدولة " في فكرهم ، و هذا ما يفسر من وجهة نظره تلك الاكتشافات المتوالية لابن خلدون و التعبير له و العجز بنفس الوقت عن تجاوزه (42). في محاولة من العروي ، إلى القطيعة مع الطوباويات السائدة عن الدولة ( طوبى الخلافة و الطوباويات الماركسية والليبرالية " يدعونا العروي إلى " نظرية في الدولة " تقطع مع الدولة الاستبدادية التي ما تزال سائدة ، و تؤسس بنفس الوقت لما يسميها ب " الدولة الحق " التي هي اجتماع و أخلاق ، قوة و إقناع ( هنا يركز العروي كثيراً على أن الدولة التي لا إيديولوجيا لها تضمن درجة مناسبة من ولاء و إجماع مواطنيها لا محالة مهزومة "(43) و هذه الدولة تقوم على القواعد التالية : ـ لا نظرية حقيقية بدون تفكير جدي في أخلاقية الدولة . ـ إذا لم تجسد الدولة الأخلاق بقيت ضعيفة . ـ إضفاء الأخلاق على دولة القهر و الاستغلال غبن . ـ تحرير الدولة من ثقل الأخلاق حكم عليها بالانقراض .(44) أعود للقول ، إذا كان التفكير في الحرية هو بالأساس تفكير في الدولة و المجتمع ، فإنه يمكن القول إن نظرية الدولة عن العروي ، التي تربط الأخلاق بالسياسة ، و العدل بالتقدم ، إنما هي دعوة للقطيعة مع الدولة المملوكية المستبدة و التأسيس للحرية ، و بنفس الوقت ، تقوية جهاز الدولة باعتبارها أداة التقدم و التحديث ، شرط أن تكون الدولة بخدمة المجتمع و ليس المجتمع بخدمة الدولة ، و هذا ما يفسر تساؤله مع بداية الألفية الجديدة في بحث له عن " إرث النهضة و أزمة الراهن ": هل عرف أي قطر عربي في أية فترة من تاريخه حالة تسبيق المجتمع على الدولة ؟ أو حالة توظف فيها قدرات الدولة لتأسيس المجتمع على شكل يؤهله للاستغناء لاحقاً و بالتدريج عن كثير من صلاحيات تلك الدولة ؟"(45)0 على العكس مما يشتهي العروي ، فقد شهد عقد الثمانينات احتلالاً صهيونياً لبيروت عاصمة الثقافة العربية ، و عايش هذا العقد حروباً أهلية و ثورات جياع امتدت على طول الساحة العربية من مصر إلى الجزائر ، و خاضت هذه الدولة أو الدولة القائمة بحسب تعبير العروي ، حروباً ضد المجتمع انتهت بتدمير المجتمع و تجييره لصالح السلطة الاستبدادية ، و بدا للعيان ذلك الاستقطاب الحاد بين الرافعين لشعار " لا حاكمية إلا لله " و الذي هو كلمة حق يراد بها باطل كما فهمه أمير المؤمنين علي بن أبي طالب كرم الله وجهه و كما فهمه المتبصرون من المسلمين على حد تعبير رضوان السيد(46) وأ ن الإسلام دين و دولة، و بين القائلين أن الإسلام دين و أن الدولة شيء آخر . في هذا السياق جاء كتاب محمد عمارة ليقدم إجابة توفيقية تشهد على مكر الخطاب السياسي الإسلامي في سعيه الى تلطيف الإجابة بهدف طمأنة الليبرالي العربي وتهدئة مخاوفه من الدولة الدينية التي طرحتها الحركات الإسلامية الراديكالية بعنف ، و التي راحت تنعت القومية العربية كرابطة سياسية بأبشع النعوت ، معتبرة إياها صنماً فكرياً و بديلاً ممقوتاً عن فكرة الخلافة الإسلامية التي من شأنها أن تؤسس لإقامة الدولة الإسلامية الكبرى ( 47)0 في كتابه " الدولة الإسلامية : بين العلمانية و السلطة الدينية ،1988" و الذي يحيلنا عنوان الفرعي إلى ذلك الاستقطاب الحاد بين العلمانيين الذين يؤكدون على أن الإسلام دين و ليس دولة و بين القائلين ـ و هم هنا رواد الحركات الإسلامية الراديكالية ـ بأن الإسلام دين و دولة . أقول بين هذا و ذاك ،راح عمارة يسوق أمامه مجموعة من التعريفات و المفاهيم ليذكي في الختام رؤيته التوفيقية ونتائجه الهزيلة التي طبعت الخطاب الإسلامي في العقود الأخيرة كما يرى الجابري في تحليله للخطاب الإسلامي، فمع إقراره بأن قضية السلطة الدينية هي قضية " قديمة ـ جديدة " فهو يرى-أي عمارة- إن السلطة الدينية التي تعني " أن يدَّعي إنسان يتولى منصباً دينياً أو سياسياً أو مؤسسة فكرية أو سياسية ما لنفسه صفة الحديث باسم الله و حق الانفراد بمعرفة رأي السماء و تفسيره ، و ذلك فيما يتعلق بشؤون الدين أو بأمور الدنيا .."(48) هو رأي غريب على الفكر الإسلامي الذي لا يقره و ذلك باستثناء الشيعة ، فكل تيارات الفكر الإسلامي و مذاهبه تنكر وجود السلطة الدينية (49 )0 و إذا كان عمارة لا يقر بوجود السلطة الدينية في الإسلام ، فهو يرفض بنفس الوقت و بزخم بلاغي أن تكون العلمانية هي الحل . فالاستقطاب الحاد بين العلمانية و السلطة الدينية ، هو شاهد على غربة " المصلح و الثوري العربي و المسلم "(50 ) عن واقع أمته الإسلامية و بقائه مرتهناً ، بوعي منه أو بغير وعي ، للحضارة الأوروبية الغازية . يقول عمارة : عندما نواجه القلة من " علماء " الدين الإسلامي الذين جعلوا من أنفسهم " كهنة و رجال دين " فإننا لا نواجههم " بالعلمانية " ، التي تعزل " الدين " عن الدولة ، و إنما نواجههم " بالإسلام : الدين "، الذي ينكر الكهانة و السلطة الدينية ، و الذي لم يحدد للمسلمين نظاماً معيناً و مفصلاً في الحكم ، أو في السياسة أو في الاقتصاد ؟ … و الذي ـ في ذات الوقت ـ لم يدر ظهره لأمور الدنيا و شؤون الدولة ، و إنما وضع القواعد العامة و الأطر المرنة ، و القوانين الكلية ، ثم أطلق للعقل و التجربة العنان ليضعا النظم و القوانين و النظريات المتغيرة دائماً و المتطورة أبداً ، وفق المصلحة ، و على ضوء هذه المثل و الكليات ( 51) فالعلمانية ليست سبيلنا إلى التقدم (52 ) . كما أسلفت ، فإن عمارة يتخذ موقفاً وسطاً ، مثله مثل كثيرين من قادة الرأي في التيار الإسلامي السني ، و ذلك في إطار جوابه على التساؤل : هل الإٍسلام دين أم دولة ؟ فمن وجهة نظره إن الوسطية التي تجمع "شيئاً من هذا الطرف و شيئاً من ذلك الطرف " هي التعبير الحي عن خاصية الحضارة العربية الإسلامية في الموازنة و التوازن ، و هذا الموقف الوسط هو ما يسميه عمارة بموقف " الدين " و " الدولة " و الذي ينطوي كما لمَّح العروي على شيء من التساكن . و الذي فيه كما يرى عمارة : أ-"أن يكون الحاكم الأعلى في المجتمع نائباً عن الأمة ووكيلاً لها فيما تفوضه إليه من سلطات . و لها عليه الرقابة و الحساب و العزل . عند الإخلال بشروط التفويض .."0 ب ـ" أن يكون منفذاً للقانون ، الذي وضعه مجتهدو الأمة ، بالشورى و الرأي و النظر ، في إطار كليات الدين و مثله العليا ووصاياه العامة .. أي أن الأمة هي مصدر السلطات شريطة أن تتقيد سلطاتها بالوصايات الدينية المتمثلة في النصوص القطعية الثبوت و القطعية الدلالة ، طالما بقيت هذه النصوص محققة لمصلحة الأمة في مجموعها" . ج ـ إن " للدين " مدخل في " الدولة " ، لكنه لا يرقى إلى مستوى " الوحدة " ، كما أن علاقتهما لا تنزل إلى مستوى " الفصل " بينهما ، و إنما هو " التمييز " بين " الدين " و "الدولة " ."فالتمييز" هو المصطلح الأصح و الأدق للتعبير عن نوع هذه العلاقة بينهما ".( 53) إن التوفيقية التي يستند إليها عمارة ، هي التي تدفعه إلى التفكير بصورة مثالية عن الدولة الإسلامية كما يجب أن تكون ، لا كما كانت في التاريخ ، و لا كما هي في الواقع الحالي،وهذه هي شيمة الخطاب السياسي العربي المسكون بالمثال لا بالواقع، و في رأيي أن المثالية و التوفيقية اللذان يستبطنان رؤية عمارة للدولة الإسلامية، أو الدولة الحق كما يجب أن تكون ، يفصحان عن شواغل ظرفية و إيديولوجيا جامحة . فعمارة يريد أن يسحب البساط من الدعاة أو من قادة الحركات الإسلامية الراديكالية الذين يرفعون شعار " الحاكمية " و الذين يهدفون من وراءه إلى تجريد الأمة من أية سلطات و من أية سلطان في دنيا " الدولة" و "الحكومة السياسية "(54)والذين يستعيرون معظم بواعث التعبير عن إسلامهم من إسلام أعجمي و هو هنا الإسلام الهندي ، بصورة أدق ، إسلام أبو الأعلى المودودي(55)0
في مأزق الدولة العلمانية وطريقها المسدود: بيان من أجل الدولة الديمقراطية؟ في كتابه " الدولة و الدين : نقد السياسة،1991 " لاحظ برهان غليون أنه مع بداية عقد السبعينيات من القرن المنصرم، أخذت الضغوط و الطلبات تزداد على الفكرة الإسلامية من قبل الشارع ، و من قبل الدولة نفسها في بعض الأحيان ، في حين شهدت الفكرة القومية و العلمانية التي ارتبطت بها شيئاً فشيئاً ، تراجعاً كبيراً على المستوى النفسي و العقدي و السياسي . بل لقد أصبحت الوطنية ، بما هي تأكيد على الاستقلال الذاتي ، و رفض للتبعية و عداء لهيمنة الغرب الحضاري ، تبحث عن مصدر نموها و إلهامها في الفكرة الدينية نفسها . و ما كان يظهر كصراع بين الجامعة الإسلامية و الدولة القطرية ، أو بين السلطة الخلافية و السلطة القومية ، أصبح يتخذ اليوم صورة الصراع بين السلطة العلمانية و السلطة الدينية . فقد حل مفهوم الدولة الإسلامية محل مفهوم الخلافة أو الإمامة ، في حين أصبحت العلمانية رديفة للحداثة القومية .و هكذا أعيدت صياغة التعارض البدئي في النظر السياسي العربي المعاصر على أسس جديدة أكثر قوة في التمايز و الانغلاق مما كانت عليه في أي حقبة ماضية ، بقدر تطورها في المنحى المعرفي و الفلسفي ذاته . و تأكدت بذلك من جديد القطيعة التقليدية المتزايدة بين فريقين ، يعتقد الأول أن بناء الدولة لن يستقيم إلا إذا أخذ بما يظن أنه نظرية الدولة الحديثة بامتياز ، أي فلسفة العلمانية كدين للدولة . و يؤمن الثاني بأن العرب و المسلمين لن يتمكنوا من الخلاص و تحقيق الأمن و الاستقرار و السعادة الأرضية و الأخروية إلا إذا نجحوا في إعادة بناء الدولة العربية على الأسس ذاتها التي قامت عليها دولة الرسول الكريم ، و التي كانت وراء تحول العرب من قبائل و عشائر مقسمة و متخلفة إلى أمة عظيمة و إمبراطورية عالمية "(56 ) و سعياً منه إلى تعميق إشكالية الدين و الدولة في الخطاب العربي المعاصر و بالتالي تأسيس المجال السياسي من جديد،وتجاوز حالة الاستقطاب السائدة و التي تحكم على السجالات العربية بالعقم والاستحالة ( سبق لغليون أن اشتكى مراراً من العقلية السجالية و ذلك في كتابه عن " اغتيال العقل "(57)) ، راح غليون يحف مشروعه بمزيد من الأسئلة التي تتعلق بماهية الدين و بماهية السياسة ، و علاقة الدين بالسياسة ، و بماهية الدولة و مفهومها ..الخ :هل الدولة هوية جماعية تجسد نفسها في كيان سياسي متميز يعكس روح الجماعة و إرادتها المستقلة ، أم نقصد بها جهازاً إدارياً و تقنياً ، و بالتالي نربط مفهومها بنوعية الوظائف الإدارية و القسرية و الدفاعية التي تقوم بها ؟ و هل نقصد بالدولة النظام السياسي ، أو بنية السلطة و مصدرها و طبيعة تنظيمها و ما يطرأ عليها من صفات و خصائص ، و طرق ممارستها في المجتمع و في الدولة ، أم نعني بها المبدأ الأخلاقي العام المقوم للمجتمع و الناظم له ، الذي يجعل منه اجتماعاً مدنياً ، و نطابق مفهومها و مفهوم السياسة بما هي تحديد لأهداف الممارسة ، و توظيف للسلطة و توجيه لها000الخ ؟(58 )0 و انطلاقاً من سعيه إلى تكوين مجال سياسي تمارس فيه السياسة بعيداً عن الدين ، يؤكد غليون بأن الإسلام " لم يفكر إذن بالدولة ، و لا كانت قضية إقامة الدولة من مشاغله ، و إلا لما كان ديناً ، و لما نجح في تكوين الدولة . لكن الدولة كانت ،دون شك ، أحد منتجاته الجانبية و الحتمية "(59 )0 فالدين هو روح الدولة التي ستصبح بدورها جسد الدين و سلاحه و ذراعه ( 60) و يضيف غليون" إن الدولة الإسلامية لم تكن بحال دولة الله ، بل دولة المسلمين بما هم كائنات بشرية قابلة للخطأ و الصواب ، و بما هم جماعة مدنية ذات مصالح متضاربة .الخ"(61)0 ما يشفع لغليون ، هي ، كثرة استدراكاته و التي تحول بينه و بين الوقوع في شراك الاستقطاب و فخ الإيديولوجيات المتساجلة حول الدين و الدولة ، و هذه الاستدراكات تنطلق من أهمية الموقع الذي شغله الدين الإسلامي في الدولة الإسلامية ، فقد كان الدين على مسار تاريخي طويل روحاً للأمة و الدولة التي كانت بدورها جسداً للدين ، ترعاه و يرعاها (62). و لكن ـ أي هذه الاستدراكات ـ تبحث في النهاية عن حل لها ، و هذا الحل يجده غليون في الدولة الديمقراطية التي تمهد للمصالحة بين الدين و الدولة ، بين غلاة التطرف من الجانبين ، لنقل بين أصوليتين وصلتا حد المأزق و الطريق المسدود ، في تنظيرها لدولة الاستبداد التي عايشناها أو تلك المرتقبة ، ممثلة بالدولة الدينية أو الدولة المستبدة العلمانية التي فاقت في استبدادها جميع أِشكال القهر التاريخية التي عرفتها الدولة العربية الإسلامية في مصيرها الطويل ، يقول غليون : يعتقد الإسلاميون أن قضية الشرعية مرتبطة بتطبيق القيم الدينية ، باعتبار أن الحكم في النهاية لله وحده ، و يعتقد العلمانيون أن الشرعية مستمدة من القيم الوطنية الحديثة و في الحالتين ترتبط الشرعية بالعقيدة ، باعتبارها التعبير عن الأهداف و القيم الاجتماعية السائدة .لكن ما يجمع النظرتين و بوجههما الواحدة معاً ضد الأخرى هو كونهما تنطلقان في الواقع من فرضية الدولة الاستبدادية ، فلو انطلقنا من فرضية الدولة الديمقراطية لأدركنا أن مبدأ السيادة الشعبية قادر بنفسه على حل هذا التناقض الحقيقي في القيم ، ذلك لأنه لا يهتم مسبقاً بالقيم و المعايير و الأفكار التي ينبغي على هذه السيادة أن تلتزم بها ، و إنما يحدد فقط الطريقة الإجرائية التي يمكنها أن تساعد الجماعة على الوصول إلى إجماع في موضوع هذه القيم و الأفكار "(63 ) . كما أٍسلفت ، يؤكد غليون على المأزق العقيدي و السياسي للعلمانية العربية ، فالسعي إلى علمنة الدولة التي يبني عليها كما سنرى محمد أركون آمالاً كبيرة ، أي تسليحها بعقيدة وضعية خاصة ، في مقابل العقيدة أو التنوع العقائدي السائد على مستوى المجتمع ، و كأنه نكوص نحو الماضي ، لا يختلف كثيرأ عن النكوص الذي يمثله السعي إلى إعادة بناء الدولة حسب النموذج التاريخي (64) 0فالدولة العلمانية تضع الصراع العقائدي في مقدمة الصراع السياسي ، و أحياناً بديلاً عنه ، و بالتالي تدفع بالمعركة الإصلاحية إلى طريق مسدود كما يقول غليون ؟. يتفق غليون مع العروي ، بالقول إن الهدف هو بناء الدولة ذاتها ، لأن كل دولة في نظره دنيوية و مدنية . و هذا ما لم يدركه المثقفون العرب و الذين ما زال قسم كبير منهم يناحر وحش الدولة الاستبدادية العلمانية الجديدة ، فالمشكلة ليست محاججات نظرية بين المثقفين ، و لا حجج عقلية أو تاريخية بحسب برهان غليون ، فالمسألة تتعلق بتعيين الأسس الأخلاقية التي يقوم عليها المجتمع و السياسة على السواء "(65) ، وهذا ما انتبه إليه العروي كما رأينا في فقرة سابقة و ما أهمله جيش المثقفين و المفكرين الذين راحوا يناصرون الدولة العلمانية على عماها، ويقرؤون بصورة انتقائية التراث التنويري العربي الممتد من علي عبد الرزاق إلى طه حسين إلى محمد أحمد خلف الله . و بخاصة بعدما أصبحت الدولة ضد الأمة بحسب العنوان الشهير لكتاب برهان غليون الذي يحمل هذا العنوان (66)0 يعزي غليون استمرارية إشكالية الدين و الدولة في خطابنا المعاصر ،إلى غياب مفهوم الدولة و ضعف الاشتغال عليه من قبل الحركات الإسلامية المعاصرة . و كذلك غياب مفهوم السياسة من قبل الحركات العلمانية كنشاط متميز عن الدولة أو عن الصراع من أجل السلطة (67) 0ومن هنا نفسر دعوته إلى ضرورة التمييز بين السياسة و الدولة ، و ليس الدين و الدولة ، و الذي من شأنه أن يوفر المناخ لبلورة مفهوم الدولة الديمقراطية التي تجعل من السياسة حقلاً مستقلاً ، لنقل حقلاً من انتاج المجتمع بحيث تنحصر وظيفة الدولة في تنظيم هذا الحقل كمجال حيوي للمجتمع السياسي المرتقب الذي يهيأ القاع للنهوض بالدولة و المجتمع ، و لحماية المجتمع من فك الدولة و غولها المفترس (68)0 إذا كان غليون قد بين مأزق الدولة العلمانية،فإن الشيخ راشد الغنوشي يرفضها نهائيا ويصفها ب"دولة التجزئة العلمانية الدكتاتورية" وينعت نخبتها السياسية ب " الكهنوت الجديد " (69) الذي يسعى إلى فرضه دينه الجديد على المجتمع العربي الإسلامي عنوة ، و هذا ما يثير مخاوف و قلق الشيخ راشد ، الذي يبدي في الحقيقة قلقاً مضاعفاً من واقع عربي ، ينوس بين بين ، بين الدكتاتورية العلمانية التي تزعم الحداثة و التقدم و لكنها بممارساتها الاستبدادية تخون كل هذه المزاعم ، و بين الدكتاتورية الدينية و التعبير له التي تجعل من الدولة الإسلامية أصلاً من أصول الدين ، و تنتهي بالتالي إلى ممارسة مزيد من الغلو و التطرف . و في محاولة منه للإنعتاق من هيمنة الاستبداد الفكري الذي تمارسه الحركات الإحيائية الإسلامية التي ترى في الدولة شأناً عقيدياً ، و من هيمنة استبداد الدولة العلمانية التي صادرت المجتمع العربي و الحياة العربية ، راح الشيخ الغنوشي يصيغ بيانه الجديد عن " الحريات العامة في الدولة الإسلامية ،1993" و أشير إلى كتابه الصادر مع بدايات عقد التسعينات من القرن المنصرم و الذي يحمل العنوان السابق ؟ إن التفكير في الحرية كما مر معنا ، هو تفكير في الدولة و المجتمع معاً ، و بالتالي هو اكتشاف للدولة قبل اكتشاف الحرية كما يرى العروي ،من هنا فإن البحث في الحريات العامة سيدفع بالشيخ راشد الغنوشي كإسلامي مستنير ـ إذا كان لا بد من هذا الوصف ـ إلى التفكير ب " المبادئ الأساسية للحكم الإسلامي " التي تقطع مع القول بأن الإسلام دين و ليس دولة كما جاء بها علي عبد الرزاق ذلك " الداعية العلماني " كما يسميه الشيخ الغنوشي ، و ذلك على الرغم من أنه أزهري و من داخل المؤسسة الدينية التقليدية . أو تلك التي تجعل من الدولة شأناً عقيدياً كالصلاة و الصوم . فمن وجهة نظر الشيخ راشد ، أن السلطة في الإسلام ضرورية ، لأن سنن الاجتماع تقتضي ضرورة قيام السلطة من وجهة نظره هي قيامة الدين . فللسلطة كما يقول " وظيفة اجتماعية لحراسة الدين و الدنيا ، و أن القائمين عليها ليسوا إلا موظفين و خداماً عند الأمة "(70) ،فالدين أس و السلطان حارس . و يضيف الغنوشي " السلطة بهذا الاعتبار ، سلطة مدنية من كل وجه ، لا تختلف عن الديمقراطية المعاصرة إلا من حيث علوية سيادة الشريعة أو التقنين الإلهي "( 71) . إذا ضربنا صفحاً عن هذا الخلط بين الدولة و السلطة الذي يجعل منهما وجهان لحقيقة واحدة في خطاب الغنوشي ، فإن خطاب الغنوشي يثير الحيرة و يدفع إلى التناقض ، بين ضرورة الدولة كونها من سنن الاجتماع و بين وظيفتها التي تكمن في حراسة الدين و إذكاء مثله الأعلى . بين ديمقراطيتها التي عليها أن ترعى المجال السياسي للأحزاب بمختلف أشكالها ، و بين نزوعها الديني الذي يجعل منها دولة دينية ، و بين هذا و ذاك ، يظل خطاب الشيخ راشد توفيقياً ، و التوفيقية تأتي من كونه يفكر في المثال على حساب الواقع التاريخي ،لأن الواقع التاريخي يقول إن الدولة لم تكن حارسة للدين بل هو الذي حرسها و هذا ما سنراه لاحقاً في أطروحة رضوان السيد في هذا المجال ، أضف إلى ذلك أن مقولة حراسة الدين مستعارة بالجملة من ثقافة أخرى لم ينتبه الغنوشي إلى جذورها البعيدة ، فسعى عبر ذلك إلى التوليف بين الماضي و الحاضر ، لنقل بين السلطة الدينية و الديمقراطية على أمل أن يجد في ذلك مخرجًا على طريقة عمارة، يرضي به الطرفين و يساهم في خروجنا من نفق الاستبداد الذي تحاصرنا به دولة الاستبداد التي قطعت مع كل العقود التي يسعى الغنوشي إلى تسويرها بها من خلال قوله بأن " الإمامة عقد " أو أن العلاقة بين الحاكمين و المحكومين تقوم على عقد هو البيعة التي لا يصح في غيابها أن تكون هناك طاعة الحاكم .
تجديد الرهــان على الدولة العلمانية: إذا كانت الدولة العلمانية قد انتهت إلى طريق مسدود و أفضت إلى مأزم ( هو الطريق الضيق بين جبلين بحسب ابن منظور) أو إلى مأزق بحسب برهان غليون ، فإن الدولة العلمانية بقيت موضع رهان عند الباحث في الإسلاميات التطبيقية و أقصد محمد أركون . ما يأسف له أركون أن الدولة العلمنة كانت ممكنة في الخمسينيات من القرن المنصرم ، و لكنها تراجعت في نهاية القرن المنصرم ، و هو لا يعزي هذا التراجع إلى قصور فكري أو عقائدي أو لأنها أعطت الأولوية للسياسة على العقيدة في سعيها إلى علمنة الدولة و المجتمع معاً ، بل يعزي تراجعها إلى أمرين ، الأول تنامي إيديولوجيا الكفاح ضد الإمبريالية ، التي أخرَّت على الرغم من إيجابياتها و موهت مرة أخرى دراسة المشاكل الحاسمة و الضخمة للعلائق بين الدين و الدولة و الدنيا ، فقد أصبحت هذه المشاكل مؤجلة نظرياً لضرورات الكفاح الوطني ، و أخَّر ذلك من العودة النقدية للمجتمعات الإسلامية على ذاتها (72)0 و الثاني و يتمثل في صعود الحركات الإسلامية الراديكالية التي يتناوب في خطابها الحديث عن الدولة الدينية أو دولة الخلافة و التي ترفع شعار " لا حاكمية إلا لله " و الإسلام دين و دولة ، فهيجان المناضلين المسلمين على حد تعبير أركون، أجل الحسم المؤجل في مسألة الدين و الدولة و نحَّى جانباً تلك النزعة النقدية و الاجتماعية عند المفكرين الإسلاميين و المفكرين العرب في قراءتهم لإشكالية الدين و الدولة. في بحثه عن إشكالية الدين و الدولة و الدنيا ، يتوقف محمد أركون عند نقاط عدة : أولاً ـ إن الجذور الكلاسيكية للنقاش الدائر حول الروابط بين الدين و الدولة و الدنيا غير مدروسة ، و غير مضاءة ، و ذلك فيما يخص الإسلام بشكل جيد حتى الآن . ثانياً ـ إن الصورة قد أصبحت أكثر إظلاماً نتيجة هيجان المناضلين الإسلاميين الذين جعلوا من عبارة الإسلام دين و دولة شعاراً ايديولوجياً لهم . ثالثاً ـ إنه ينبغي علينا تبيان المبالغات و التطرفات و الانحرافات التي يقع فيها الكتاب الإسلاميون المعاصرون عندما يتحدثون عن هذه المسألة . و ينبغي أن نفعل ذلك عن طريق التذكير بالآراء الذكية و التحليلات المرنة و الأفضل توثيقاً للكتاب المسلمين الكلاسيكين و التي هي أكثر جدية بكثير من الخطابات الإيديولوجية التي تنهمر علينا من كل حدب وصوب (73)0 إن الخلط بين الدنيوي و المقدس ، بين الدين و الدولة ، يمكن إرجاعه من وجهة نظر أركون إلى خضوع العلماء للسلطة :"فقد راح العلماء الدنيويين يخضعون للسلطة السياسية في تاريخ الإسلام ، و بالتالي حصل الخلط واقعاً بين الذروتين الدينية و السياسية ،هذا في حين أن الفصل بينهما كان قد حدد بشكل صريح من الناحيتين النظرية و العملية . و راح الناس يتوهمون فيما بعد أن الخليفة ، أو ، السلطان يتمتع فعلاً بمشروعية دينية وهيبة قدسية "(74). في هذا السياق الداعي إلى الفصل بين الدين و الدولة ، ليس غريباً أن يثني محمد أركون على الشيخ علي عبد الرزاق و الذي هو موضع إشادة من الجميع و ذلك على الرغم من محدوديته كما يرى غليون . و على الإمام أحمد بن حنبل الذي رفض إطاعة أمر الخليفة في إحدى مسائل العقيدة و بذلك ثبَّت حدود و صلاحيات الخليفة التي ينبغي ألا تتعداها .(75) و الذي سيبعث من رماده من جديد كنموذج للمثقف المبدئي في مواجهة السلطة كما يسعى إلى ذلك محمد عابد الجابري في كتابه " المثقفون في الحضارة العربية ،1996"(76) . من العروي إلى محمد أركون إلى رضوان السيد الذي قام بالتحقيق والتقديم لأهم المؤلفات الكلاسيكية للفقهاء المسلمين في مجال الدين و الدولة ، و من الماوردي إلى الطرطوشي (77) . هناك تأكيد على أن الفقهاء الأقدمين الكلاسيكيين كانوا أكثر نجاعة و حصافة و شجاعة في قراءتهم لإشكالية الدين و الدولة ، و أنهم يسبقون بالعديد من المرات ، الكتابات الإيديولوجية المعاصرة التي تذكيها خطابات الإسلام السياسي أو تلك ال |
16-06-2006 . الملتقى / / .
http://almultaka.org/site.php?id=239
|