/

 

 

التخلّف التكنولوجي في البلدان الإسلامية: البحث في الخلل

ماجد كلزي

بدأ المسلمون بالشعور بالتخلف مع بداية تدهور الخلافة العثمانية، ودخول بلدان العالم الإسلامي ((عصور)) الاستعمار, ثم الدولة الوطنية العلمانية ذات الطابع الشمولي ودكتاتورياتها التي أهلكت الحرث والنسل. ولم يتوقف الإحساس بالتخلف عند مستوى بذاته، بل شمل جميع مناحي الحياة، وعلى وجه الخصوص: الاقتصادية و السياسية و العسكرية، لكنه أخذ شكلاً غير عادي عندما أخذ فيه شعور مزمن بالنقص يتركز في الجانب ((التكنولوجي))، و لقد كان لهذا التركز آثاراً جمة مازلنا تحت وقعها حتى هذه الساعة، أبرزها ذلك الانعكاس العقدي الذي أخذ شكل استلاب للوضعية المادية الغربية عموماً. 
نحن نعدُّ من أكثر الدول تخلفاً و فقراً على صعيد التكنولوجيا، إنها الحقيقة! فحتى يومنا هذا ـ فيما عدا بعض المحاولات الناجحة، والتي لا تزيد على أصابع اليد الواحدة ـ لا تزال الفجوة التكنولوجية بيننا و بين الغرب ((العالم المتقدم)) في اتساع مرعب ومستمر. 
في هذا المقال نحاول أن نبحث عن أسباب هذا التخلف التكنولوجي و عوامله، و أين يكمن الخلل الذي أوصلنا إلى ما وصلنا إليه من التدهور، و نسعى لوضع تصوراتنا لبعض الحلول الممكنة مستفيدين من التجارب الناجحة لبعض الدول الإسلامية للخروج من الهوة العميقة التي سقطنا فيها، ومن الكتابات الكثيرة التي كتبت حول هذا الموضوع.

مظاهر التخلف التكنولوجي
لا شك أن أفضل طريقة تظهر لنا مدى التخلف التكنولوجي الذي وصلنا إليه هي التحدث بلغة الأرقام, و للأسف الشديد لا توجد حتى اليوم إحصائيات دقيقة و كافية تشمل العالم الإسلامي ككل! و لكننا نستطيع أن نأخذ أجزاء منه و نقيس عليها؛ إذ أن جميع الدول الإسلامية تقريباً تمر بظروف متقاربة من حيث النوعية و تشترك في معظم الأسباب والنتائج. 
ففي عالمنا العربي مثلاً لا تزيد نسبة مساهمة البلاد العربية مجتمعة في الناتج العالمي على 2.7 %، وصادرات البلاد العربية تبلغ 2.9 % فقط من صادرات العالم (68 % منها صادرات نفطية). و 2.7 % من حجم التجارة العالمية، و1% فقط من مجموع الاستثمارات الأجنبية المباشرة(1), وهذا يعني أننا مستهلكون بامتياز، فالأرقام الضعيفة التي تشير إلى إسهامنا في التجارة العالمية والتصدير تشير من جهة إلى أن البترول عصب علاقتنا مع العالم، (حوالي ثلثي الصادرات)، وإذا أضفنا إليه صادرات الثروات الطبيعية الأخرى، والزراعية، فإن سنجد أنفسنا أننا لا نكاد نقدم للعالم شيء في مجال الصناعات. وفي المجال التكنولوجي والرقمي نحن لا نقدم شيء على الإطلاق تقريباً ، مما يجعلنا مستهلكون بامتياز، ولهذا فمن الطبيعي أن يدور صراع على أسواق الشرق الأوسط في الدول الكبرى، لأن الشرق الأوسط غني (بترولي عموماً) ولا ينتج شيئاً و يستهلك كل شيْ!، وعلى ضوء ذلك نفهم جانباً رئيسياً من الصراع البارد بين الأمريكيين والأوربيين على الشرق الأوسط.
و إذا سحبنا هذه الأرقام على عالمنا الإسلامي ـ باعتبار العالم العربي ليس إلا نموذجاً مصغراً له ـ مع استثناء ماليزيا و إندونيسيا نفهم مدى حجم المشكلة التي نحن فيها، فالعالم الإسلامي غني بالثروات، ويقع على أفضل رقعة جغرافية ذات موارد طبيعية غنية، وموقع سياسي استراتيجي للعالم، ولكنه بدلاً من أن يكون السيِّد الكبير، هو المستهلك الكبير جداً! 

أين الخلل

كثيرة هي الأسباب التي يمكننا أن نعزو إليها هذا التخلف، وعلينا أن نتذكر ابتداءً أنها نتاج تراكم طويل على مدى عشرات وربما مئات السنين، ولقد كُتب كثيراً في هذا المجال، غير أننا سنحاول هنا تلخيص ما يمكننا اعتباره أسباباً كبرى ورئيسية، وهي:
1- الأسباب البنيوية: 
وهي الأسباب التي نشأت من داخل المجتمع الإسلامي و أفرزتها عصور الاستعمار والظلم و الاستبداد الذي خلّفه حتى اليوم، و تتجلّى في عدّة أمور منها:
ـ إفقار الشعوب وفقرها: غالباً ما كان الفقر حالة ذاتية بسبب سوء مشاريع التنمية (حالة السودان مثلاً)، وأحياناً كثيرة سببه الدكتاتوريات التي اتخذت الفقر وسيلة لإذلال الشعوب وإخضاعها، مما دفع بالعلماء ـ كغيرهم من فئات المجتمع ـ إلى الانشغال بكسب لقمة عيشهم، وعدم استطاعتهم متابعة البحث العلمي الذي تأخر أصلاً في حقبة الاستعمار، و هذا ولّد بالتالي أجيالاً لا تقرأ و لا تكتب و لا تهتم بالعلم و لا بالعلماء و لا تنفق على هذا الجانب، ويوضح ذلك ارتفاع نسب الأمية وازديادها الدائم..(2) فضلاً عنً صعوبة شراء وسائل التكنولوجيا الحديثة الغالية الثمن و التي تساعد في تسريع عملية التقدم؛ ( كأجهزة الكومبيوتر و الإنترنت و الهواتف النقالة ...)، و بطبيعة الحال أدى هذا إلى ندرة العلماء وقلة الكوادر العلمية التي يتطلبها أي تقدم.
ـ الضعف الشديد في البنية التحتية و عدم تطويرها لتلائم التقدم التكنولوجي السريع في العالم، فما يزال هناك ضعف في وسائل الاتصال عموماً، حتى الهاتف الثابت ما زال حلماً لدى بعض الدول الإسلامية حتى الآن! فضلاً عن انعدام المشاركة والتواصل مع شبكة المعلومات العالمية (الإنترنت) في كثير من أجزاء العالم العربي والإسلامي (العراق للأسف لم يدخله الإنترنيت بشكل فعلي إلا بعد الاحتلال الأمريكي!).
وعلى سبيل المثال بلغ عدد مستخدمي الهاتف النقال في بريطانيا وحدها في عام 2000 حوالي 30 مليون مستخدم, في حين لم يتجاوز عدد مستخدمي الهاتف النقال في سوريا حتى الآن (عام 2004م) 1.5 مليون مستخدم. وقس على ذلك عموم العالم الإسلامي، فإذا عرفنا أن أكثر البلدان الإسلامية لا تعرف الهاتف النقال أو هي حديثة العهد به حتى يومنا هذا نجد الفرق الشاسع في الوسائل التكنولوجية المتاحة في العالم الإسلامي، و كما هو معلوم فإن الاتصالات هي الركيزة الأساسية لأي مجتمع متطور, و بدونها لا يمكن السير نحو التقدم.(3)
ـ البيروقراطية التي تعيق أي محاولة من المبدعين المسلمين في استثمار خبراتهم في أوطانهم و تقف في وجههم، والحديث فيها ذو أشجان، فالدعم الذي تقدمه لهم الحكومات العربية مشروط بمواقف و ولاءات سياسية! والقوانين الموجودة شكلياً في معظم البلدان تُخترَق بسهولة من قبل السياسيين و المتنفذين، فيما هي تقف عقبة كؤود لأبسط الأسباب أمام العلماء والمبدعين.
ـ فهم الإسلام بوصفه ((علم الآخرة))! عموماً، وهو الذي يدفع الكثير من علماء المسلمين إلى إغفال العلوم الأخرى على حساب العلوم الشرعية فقط, و عدم تشجيع الأجيال الجديدة للاحتراف و التخصص في العلوم الحديثة بدعوى أنها ((مندوبة))، أو في أحسن الأحوال فروض كفايات، وفي كل الأحوال ليس لها شرف العلوم الإسلامية، فكل ما لا يقربك إلى الله تعالى فالعمل به هدر للوقت، وكأن التقدم التكنولوجي والنهوض ليس مما يقربنا إلى الله؟! و لقد خلق هذا الفهم جيلاً كاملاً لا يعلم و لا يريد أن يتعلم و لا يقدِّر أهمية العلم، حتى بتنا نجد ظاهرة انقلاب في المعرفة التخصصية، إذ هناك ظاهرة آخذة بالتفشي بين الكفاءات العلمية، فما أن يتدين أحدهم حتى يتطلع إلى دراسة الشريعة كتخصص علمي، على الرغم من أنهم قد تخصصوا في العلوم المدعوة استخفافاً : ((دنيوية))، وكثيرون منهم وصولوا إلى درجات علمية تخصصية عالية جداً (في الطب والهندسة والكيمياء..الخ)، ثم نجدهم وقد تحولوا إلى شيوخ وجمعوا حولهم التلاميذ والمريدين!.
ـ ضعف إدارة الثروات الطبيعية: فالعديد من الدول الإسلامية تمتلك ثروات طبيعية هائلة و لكنها للأسف الشديد لم تستطع استغلالها كما يجب، ولم تحاول إنشاء بنية تحتية قوية تؤهلها لدخول ميادين العلم و التكنولوجيا و استثمار طاقاتها البشرية و المادية الضخمة الموجودة لديها(أو ما يسمى زراعة النفط)، فكثير منها مشغول بصراعاته السياسية والقبلية والسيطرة على كراسي الحكم، وغالباً ما تتخذ موارد البلاد ((خرجاً)) للزعماء و المتنفذين، وتتحول ثروات البلاد إلى سوق مضاربات للعائلة الحاكمة (العراق نموذجاً، وليس هو الحالة الوحيدة).
ـ ضعف الاستثمار الأجنبي بسبب عدم وجود ضمانات سياسية و اقتصادية تتيح للمستثمرين جلب التكنولوجيا و المشاريع التنموية للبلدان الإسلامية.
ـ نظام تعليمي متخلف، يضعف مستوى التعليم ويقلل من إعداد الكوادر والمناهج التعليمية، فمعظم البلدان الإسلامية تتمتع بهذا النوع من الأنظمة التعليمية، ولهذا فمناهجها قديمة و غير متجددة، و كوادرها التدريسية غير مؤهلة بشكل جيد، ولا يتم تدريبها تدريباً مستمراً لتطوير قدراتها ومواكبة تغيرات العلم.

2- الأسباب السياسية:
السبب الرئيس الذي يستتبع كل النتائج الكارثية في التخلف من منظور سياسي هو نموذج النظام السياسي العربي والإسلامي، حيث السلطة ذات الطابع الدكتاتوري المستبد عموماً، تختلف درجاته، لكنه في المحصلة ذو نتائج متقاربة، إذ يتحكم فيه المنطق الأمني البوليسي بدلاً من الحرص على الحريات، واستغلال السلطة للسطو على مقدرات البلاد وجني الثروات من خلالها بدلاً من جعلها في خدمة الشعوب، هذه الدولة (العلِّة) تتحكم في جميع مناحي الحياة، وتفرض قيوداً كبيرة جداً على التكنولوجيا ومصادر المعلومات ولا تسمح إلا بما تراه لا يتنافى مع مصالحها و هيمنتها على شعوبها, لا علينا إذاً أن نفهم لماذا كان التطوير والتحديث هو العدو الأول لجميع الأنظمة الحاكمة المستبدة في العالم الإسلامي. وفي الواقع يسود معظم العالم الإسلامي ظروف سياسية صعبة تهدد باستمرار استقرار هذه البلدان، و بالتالي تمنع إعمال الطاقات البشرية الكامنة فيها، وتحول دون تشجيع دخول الاستثمارات إليها (على الرغم من دعوتها ـ المنافقة غالباً ـ لها)، وبالتالي تضعف الاقتصاد الوطني الضعيف أصلاً، وتسد الأفق أمام أي تطوير اقتصادي ذو بعد تكنولوجي، وعلى هذا السبب الأساس تقع كل الأسباب الفرعية الأخرى، وهي:
ـ تهميش البحث العلمي، فما تزال الحكومات العربية والإسلامية تنظر إلى البحث العلمي بأنه يجب أن يبقى في آخر قائمة الاهتمامات؛ ذلك أنها تشعر بأن الاستفادة من نتائجه تكون على المدى البعيد, وهي مشغولة بالآني والراهن، كما أن البحث العلمي (ليس التكنولوجي فحسب) يتطلب مناخاً كبيراً من الحرية لا تستطيع التعامل معه في ظل منطق الدولة البوليسية والعقل الأمني، ولهذا لا تخصص فعلياً للبحث العلمي ميزانية كبيرة، (كل ميزانية العالم العربي للبحث العلمي لا تعادل 10% من الميزانية التي تقدمها حكومة الاحتلال الإسرائيلية وحدها!)، هذا فضلاً عن تعرض إدارة هذه الميزانية للنهب والسلب عبر مرورها في ممر الإدارة البيروقراطية وحاشيتها الكبيرة. 
ـ الإرهاب الفكري: الذي يمارس على العقول المبدعة و المفكرة من قبل جهات عدة (داخلية وخارجية) عن طريق فرض قيود شديدة على التفكير وحرية الرأي, وكذلك الأمر في احتكار الدولة/النظام لمعظم وسائل الإعلام, و مراكز البحث العلمي, و فرض منهجها وولاءها على المثقفين والكتاب والعلماء والدارسين والباحثين.
ـ عدم وجود النية الصادقة من حكومات الدول الإسلامية في السير بشعوبها نحو التقدم و الحضارة والافتقار إلى القرار السياسي الجريء الذي يزيل العقبات من طريق من يحاول ذلك.
ـ انعدام العمل المشترك بين الدول الإسلامية، والذي من شأنه اختصار الكثير من الوقت والجهد وتوفير عامل الخبرة.
ـ عدم وجود الحرية الكافية لإنشاء مؤسسات خاصة تنتج التكنولوجيا، واحتكار مثل هذه المشاريع على الحكومة و متنفذيها؛ إذ يتم احتكار القوانين وتفصيلها على قدر أشخاص محددين مستفيدين منها.

3- هجرة العقول:
و على الرغم من أن الكثيرين يعتبرون أن هذا العامل من أهم الأسباب أو السبب الرئيسي للتخلف التكنولوجي، ويمثل عائقاًً في طريق التنمية من خلال استنزاف العامل الأثمن من عوامل تحقيق تنمية حقيقة قابلة للتطور والاستمرار، حيث أنها كلفت البلاد العربية لوحدها ما يقارب الـ 200 بليون دولار(4), إلا أن الحقيقة هي أن هذه العقول تعلمت في الغرب، ولو بقيت هنا لم تصبح ((عقولاً)) وكفاءات لولا هجرتها، وهذا ما أكده العالم العربي أحمد زويل عندما نال جائزة نوبل. وأظن أن تعليق التخلف على هجرة العقول فيه قدر كبير من التهرب من المسؤوليات التي تتحملها ممارسات الأنظمة ذاتها، وهي إذ تؤكد على خسائرها المادية ((الكبيرة)) من هذه الهجرة فلتثبت أن التخلف ليس من صنعها وحدها، بل الشعوب مسؤولة عنه بشكل مباشر! 
في المقابل نجح الكيان الصهيوني بالتفوق العلمي على جميع البلدان الإسلامية مجتمعة، وذلك عن طريق إغراء العلماء الأجانب و توطينهم داخله, و تقديمه لهم كل ما يلزم من تسهيلات و دعم مادي و معنوي. فيما تعد الولايات المتحدة ـ التي تشكل أكثر دولة مكروهة محبوبة في العالم العربي والإسلامي ـ أول دولة تستنزف دول العالم بما فيها الدول المتقدمة, حيث تقدم للمبدعين تسهيلات شديدة و إغراءات مادية كفيلة باستقطابهم.
وفي كل الأحوال هذه الهجرة في ازدياد مستمر، وحتى الآن لم تتخذ الدول الإسلامية إجراءات ناجعة للتقليل من هذا النزيف الفكري الذي بالإمكان الاستفادة منه، إذ ما زال الكثير جداً من المتفوقين يضطر للهجرة إلى أمريكا و أوروبا؛ وذلك بسبب:
ـ فشل البلدان الإسلامية في استيعاب أبنائها المتفوقين، وعدم توفير أي دعم للعلماء و أصحاب الكفاءات، وأصحاب براءات الاختراع، فهم في كثير من الأحيان يجدون أنفسهم عاطلين عن العمل, مما يدفعهم للهجرة سعياً وراء كسب العيش و زيادة، وتطوير تخصصهم العلمي، وتحقيق ما يطمحون إليه من أبحاث و تجارب.
ـ عدم الاستقرار السياسي في البلدان الإسلامية الذي يدفع الكثير من المبدعين عن البحث عن أماكن أكثر أماناً وحرية واستقراراً.

4- هجرة الأموال الإسلامية:
حيث يبلغ حجم رؤوس الأموال (العربية فقط) بالخارج حوالي 800 مليار دولار بحسب بعض الإحصاءات, مما يشكل نزيفاً آخر يشترك في عرقلة المساعي لتطوير البلاد الإسلامية, و يضعف إمكانية استثمار الإبداعات و براءات الاختراع في هذه البلدان.

5- الاستبداد المعلوماتي:
حيث تتجه الشركات الكبيرة إلى الاندماج, و تشكيل تكتلات اقتصادية و معلوماتية و إعلامية ضخمة, تتيح لها التحكم بمصادر المعلومات و نوعية و كمية المعلومات المتاحة للعالم النامي (وعلى الأخص العالم الإسلامي), و هذا طبعاً يؤثر سلباً على تقدم و تطور هذه البلدان.
و على صعيد آخر, فإن التكنولوجيا الحديثة يتم استخدامها من قبل القوى الإمبريالية عموماً في العالم للسيطرة على مقدرات العالم الإسلامي, و تحويله إلى مُصَدِّر للمواد الأولية فقط، والسعي بجميع الوسائل لوضع العراقيل أمام وصول هذه التكنولوجيا لهذه البلدان؛ لأنها في النهاية سوف تضر بمصالحها الاقتصادية، وسيؤثر سلباً على هيمنتها و سيطرتها المطلقة على هذه الدول.

6- عوامل نفسية: 
و تتجلى في الشعور بالإحباط, و الضعف و العجز عن مواكبة التقدم العلمي, و استحالة ردم الهوة بين المسلمين و الغرب, و بالتالي الاكتفاء بما يتسرب إلينا من التكنولوجيا, و عدم محاولة التغلب على الصعوبات التي تقف في طريق تقدمنا. فضلاً عن الشعور أحياناً كثيرة بالخوف من التكنولوجيا و ما يصاحبها من انفتاح في مصادر المعرفة, و تسهيل عملية الاتصال والتواصل بلا حدود، ((الخطر الحقيقي هو أن نستسلم للتخلف عن اقتناع بأننا اقل شأنا من الأمم الأخرى وبأننا مستهلكون لما ينتجون وآكلون لما يزرعون))(5)

ما الحل؟

أصبح من الملح والضروري جداً وضع الحلول و المقترحات الممكنة للخروج من هذا الوضع. ولقد كانت هناك محاولات لا حصر لها لتقديم الحلول، ولكثرة نقاط الاتفاق فيها تكاد تؤمن أن طريق الحل أصبح بدهياً لدى الباحثين والمهتمين بهذه القضية، غير أن المشكلات المعقدة التي ترزح تحت بلدان العالم الإسلامي تعطي انطباعاً بأنها ستبقى حلولاً ورقية! مع ذلك فإننا نورد هنا أهم المقترحات الواردة في هذا الشأن، سعياً منا لتكثيف التصور عنها، لغايات الإيضاح والتنوير: 
1- القرار السياسي الجريء بضرورة التطوير التكنولوجي, و يستلزم ذلك: تقديم التسهيلات اللازمة و الدعم المادي و الأكاديمي و الإعلامي و الفني؛ لكل من يمتلك القدرة على التطوير و الإبداع، واحترام العلماء والمعلمين وتوفير العيش الكريم لهم بوضع الرجل المناسب في المكان المناسب، وتثقيف العامة بأهمية العلم والبحث العلمي، وتشجيع الحريات و التعددية السياسية و الثقافية؛ لأنّ الحرية تتيح للعقول المبدعة حرية العمل و التفكير والبناء والتطوير.
إنه من المؤكد أن القرار السياسي ونمط عمله في إدارات الدولة ومنظور النظام السياسي له لن يختلف إلا باختلاف النظم السياسية الراهنة، التي برهنت على أنها ذات قدرة كبيرة على تأخيرنا خطوات جبارة إلى الوراء!
2- العمل على إنشاء وحدة إسلامية على غرار الوحدة الأوربية, فذلك يساعد على بناء مشاريع مشتركة تتسم بالجرأة و الضخامة و القدرة على جلب التكنولوجيا اللازمة لها، ويتيح للعقول الإسلامية المبدعة أن تتفتح وتعمل. وعلى الرغم من أن هذا ممكن بالنسبة لإمكانات العالم الإسلامي الهائلة، إلا أنه غير ممكن فعلياً للتفاوت الكبير بين البلدان، ولهذا فالحل العملي هو مقترح التكتل للدول الإسلامية الكبيرة ذات الإمكانات، كما هو الحال في مشروع نجم الدين أربكان النوعي في الدول الإسلامية الثمانية، والذي لم يتحقق لأسباب معروفة، ولم تبدي الدول الإسلامية حماساً يستحقه المشروع. 
3- تطوير وتحديث المناهج التعليمية في بلدان العالم الإسلامي بشكل مستمر؛ لتصبح في المستوى الذي يمكنها من متابعة كل ما هو جديد في هذا المجال، و هذا يحتاج إلى إنشاء هيئات مختصة بدراسة، ومتابعة كل ما هو جديد ومفيد وعدم النقل الأعمى لكل ما هو غربي على أساس أنه متقدم، وإدخال وسائل التعليم الحديثة والبعيدة عن التلقين التي تعتمد على التفكير و التحليل و الاستنتاج.
4- العمل على تدريب الكوادر التدريسية و تأهيلها بشكل يمكنها من استيعاب المناهج الحديثة بشكل جيد, و إخضاع الكوادر التدريسية لدورات مستمرة، و إطلاعهم على أحدث وسائل التعليم و التكنولوجيا المتطورة, و إيفادهم بشكل دوري لعمل دورات تأهيلية في البلدان المتقدمة، والعمل على القضاء على الأمية و الجهل المنتشران بفظاعة في العالم الإسلامي.
5- تشجيع الكفاءات العلمية المهاجرة للعودة إلى أوطانهم, و تهيئة الظروف المادية و المعنوية لهم، وتطوير وسائل البحث العلمي، واستقطاب كفاءات أجنبية بما يخدم مصالحنا. وإنشاء مؤسسات متخصصة في متابعة أصحاب الكفاءات من المسلمين، والتنسيق معهم في سبيل الاستفادة من خبراتهم العلمية والتكنولوجية, ونقلها لبلدانهم، وكذلك العمل على تنظيم محاضرات و مؤتمرات و ندوات لهم في أثناء عطلاتهم, وحسب أوقات فراغهم في بلدانهم, أو في البلاد الإسلامية الأخرى؛ و ذلك بغية إطلاع الدارسين المسلمين على آخر البحوث و الدراسات التكنولوجية الحديثة.
6- سن القوانين و التشريعات التي تكفل حقوق الملكية الفكرية و حماية الاختراعات, وتفعيل هذه القوانين إن كانت موجودة، و حماية براءات الاختراع.
7- تطوير شبكات الاتصالات و المعلومات, و خصوصاً شبكة الإنترنت, و النهوض بالتجارة الإلكترونية، فهذا النوع من التجارة غير معروف بعد في أغلب البلدان الإسلامية, مع أن الدول المتقدمة أصبحت تعتمد عليه بشكل كلي, و أصبح ضرورة من ضرورات التقدم التكنولوجي.
8- زيادة حجم التعاون و التبادل التكنولوجي بين بلدان العالم الإسلامي، حيث أن حجم العمل المشترك بين الدول الإسلامية ضئيل جداً، فعلى سبيل المثال لا تتجاوز نسبة المبادلات التجارية بين الدول العربية 8.7 % من مجموع التجارة الخارجية العربية, ولا تزيد نسبة الاستثمارات العربية البينية عن 2.4 مليار دولار. وهي قيمة ضئيلة لا تتجاوز 0.3% من حجم رؤوس الأموال العربية بالخارج والمقدرة نحو 800 مليار دولار(6).
9- العمل على الاستفادة من الموارد البشرية الهائلة الموجودة في العالم الإسلامي, عن طريق إنشاء مشاريع ضخمة تخلق فرص عمل جديدة، و تحسين الحالة المعاشية للسكان, لأن الفقر هو العدو الأول للعلم و التكنولوجيا.
10- الاستفادة من تجارب الدول الأخرى التي نجحت في هذا المجال, كتجربة ماليزيا و إندونيسيا, وحتى الدول غير المسلمة كـ: الهند و تايوان و اليابان, و العمل على نقل خبراتهم للدول الإسلامية. و في ذلك اختصار شديد للوقت والجهد, مع مراعاة تعديل هذه الخبرات وفق خصوصيات البلاد الإسلامية, و عدم التقليد الأعمى.(7)
وعلى الرغم من قناعتي بأن هذه الحلول الشاملة تتطلب وقتاً كبيراً، وإرادة صلبة إلا أنني إضافة إلى ذلك أشعر وكأنها خيالية في ظل عقل سياسي مريض يمتلك وحده القرار العربي والإسلامي في البدء بها، حيث مكمن الخلل الأكبر.
-------------------------------------

الهوامش

(1) وثيقة أعدتها منظمات الأمم المتحدة و من بينها اللجنة الاقتصادية و الاجتماعية لغربي آسيا (أسكوا) طرحت على مؤتمر أسكوا ومنظمة العمل الدولية حول "التكنولوجيا ومكافحة البطالة والفقر في الدول العربية" والذي عقد في بيت الأمم المتحدة في بيروت من 16 إلى 18 يوليو 2002م.
(2) عدد الأميين في العالم العربي وحده بلغ أكثر من 70 مليون شخص, علماً أنّ عدد سكان العالم العربي بحسب آخر الإحصائيات وصل إلى قرابة 300 مليون نسمة.( نقلاً عن مقالة بعنوان "العرب بالأرقام" للكاتب أحمد منصور منشورة في صحيفة البيان الإماراتية بتاريخ 11/8/2003 .
(3) في عام 1976 كان هناك 545 مستخدمًا للهاتف النقال في مدينة نيويورك. وفي عام 2000، كان لدى بريطانيا 30 مليون هاتف نقّال. وهناك مليون مستعمل تحت سن 15 عامًا.( بحسب إحصائية منشورة على موقع مفكرة الإسلام).
(4) حسب تقرير أعدته جامعة الدول العربية و نشر مؤخراً.
(5) د. أحمد القديدي، عضو هيئة التدريس بجامعة قطر من مقالة له بعنوان: ((العرب والفتح التكنولوجي)).نشرت في صحيفة الوطن بتاريخ 15/1/2003 م.
(6) نفس المصدر رقم (1).
(7) للاستزادة في هذا الموضوع تستطيع قراءة مقالة بعنوان" عوامل التقدم الحقيقية" للدكتور: إسماعيل شعبان- جامعة حلب, منشورة في موقع كلنا شركاء في الوطن, نشرة 5/3/2004م.
 


 

 

30-03-2005 .   الملتقى /  /    .   http://almultaka.org/site.php?id=299