/

 

 

الفكر الإسلامي وآفاقه في إيران

محمد رضا وصفي

. عادت إيران منذ الثورة الاسلامية عام 1979لتفرض حضورا يتجاوز السياسات والاستراتيجيات الي الفکر الاسلامي العام، والتفکير في حلول اشکالية الدين والدولة علي الاخص. لقد کانت هناک من جهة التجربة الشعبية الزاخرة والتي سبقت الثورة ومهدت لها ثم حمت قيامها وواکبت تحولها الي دولة ونظام . وکانت هناک من جهة ثانية تجربة تنظيم الدولة والسلطة ومؤسساتهما، وتلك التوفيقية بين التاريخ والفقه والعصر والتي ميزت الدستور . کانت هناک من جهة ثالثة اجتهادات الفقهاء والمفکرين الحاضرين في الساحة الاجتماعية والسياسية، والتي ارتبطت بالثورة والدولة، سعيا لتلاؤم أکبر مع العصر . والجهة الاخيرة موضع عناية في هذه الورقة ..
بشكل عام لقد أثرت الثورة الاسلامية على حركة الفكرالاسلامي وساعدت على ظاهرة توضيح وترسيم الحدود بين التيارات الفكرية، وأوضحت الكثير من النظريات والافكار المبهمة بل المشوشة للمفكرين الاسلاميين في ايران ودعتهم الى اتخاذ مواقف فكرية واضحة وغير فضفاضة، بحيث تشكلت شيئاً فشيئاً مجموعة من النظم الفكرية ذات الحدود الواضحة وهذه الظاهرة مرهونة في وجودها لأمرين:
 الاختبار والامتحان في عالم الواقع والتطبيق العملي
 المنافسة في ساحة المجتمع
فالنظريات التي كانت تكتفي ببيان الاصول الكلية العامة، صارت، مضطرة تحت وطأة التطبيق الاجتماعي لمواجهة مقتضيات الواقع والحاجات العملية، ومنافسة النظريات الاخرى المطروحة لتلبية تلك الحاجات. وبذلك صار أصحاب هذه النظريات مضطرين لاستبدال الحديث عن الكليات والعموميات بالحديث عن المصاديق والحالات الجزئية، بغرض توضيح ما يميز نظرياتهم ورؤاهم عن غيرها من النظريات المنافسة.

الفکر والثورة الإسلامية وتيارات ثلاثة في القرن العشرين 
يوجد في الساحة الإيرانية ثلاثة تيارات عامة، هي:
 التيار التقليدي (السلفي)
 التيار العلماني (المتجسد في الشوفينية والعلمانيه الفارسيه او العلمانية المتجسدة في الفکر الغربي...)
 التيار المعاصر الذي ظهر في ساحة التجربة العملية مع المدرسة الفکرية للامام الخميني 
لكل من هذه التيارات أنصارها وممثلوها ولها حضورها الحي والفاعل في الساحة الفكرية في إيران، فالتيار الاول يمتد حضوره الى قرون، اما التيار الثاني فقد بلغ ذروته منذ بداية القرن العشرين، والصراع الظاهر والخفي من بداية القرن العشرين كان بين هذين التيارين عموما، اما التيار الثالث فقد بدأ يتشكل مع بداية القرن العشرين ايضا، خصوصا بعد الثورة الدستورية التي شهدت مرحلة من تجديد الافكار، وقد مر بمحطات يمکن توزيعها کالتي: 
أ: بواکير العصرنة وتبدا مع الثورة الدستورية 1906
ب: المرحلة التوفيقية من الخمسينيات الي 1979 
ج: المرحلة التجديدية او ما بعد التجربة العملية، في العقود الثلاث الاخير . 
يعتقد التيار المعاصر ان الدين لايشمل فقط جانب الاحكام والحقوق والواجبات. بل هو عقيدة توَّضح القيّم العالية ، التي تمكن من خلال الدين الوصول الى معرفة حقيقة الإنسان والمجتمع، لأن الإسلام وبصفته الشموليّة لايرتكز على جزء معين من الحياة والإنسانيّة بل يؤكد على النظرة العامة التي تسع كل مجالات الحياة.
بالاضافة الى وصف الدين الإسلامي بانه دين شمولي ومنظم وان الدين يجب أن يكون متناسباً مع ظروف المجتمع الزمانيّة والمكانيّة ويُطبَق على المجتمع على اساس المنطق والواقع العملي، بحيث لا يؤثر تطبيقه اولا علي ثبات وشمولية الدين وثانيا علي حركة ومسار نمو المجتمع .
ومن هذا المنطلق يرى المعاصرون الاسلاميون طريقة الاجتهاد في الدين ظاهرة تُضفي تكاملاً على الدين وباب الاجتهاد باب لفهم نظام المعارف الدينيّة في الشؤون الاساسية للحياة.
ويتطرّق التيار المعاصر الى بيان نتاج العقل الانساني وحصيلته، في هذا المجال يرى ان للعقل الانساني نتاجات يتميز كل واحد عن الآخر، وله ( اي العقل ) ولها (النتاجات ) مكانة خاصة في تفكيرهم الديني.
 العقل العملي
 العقل النظري
 العقل الاستكشافي
 العقل الآلي
حيث يري هذا التيار ان كل من العقل العملي والنظري يُظهر ويُبيّن الاحكام، حيث انهم يعتبرون ان كلا من العقل العملي والنظري (حجه باطنيّة) وهي اهم طريقة ووسيلة توصل الانسان الى المعرفة والهداية وساحة الوحي والانبياء، لان العقل البشري محدود بعالم الشهود والحقائق القريبة من الفهم البشري. لذا فان العقل البشري بحاجة الى معارف ارقى وواسع منه. وبعد الوصول الى ساحة الوحي الالهي يستطيع العقل الاستكشافي وبمساعدة العقل النظري والعملي استنباط الحقائق الالهية من مصادر الوحي.
ومع ان العقل البشري له دور مهم في فهم المعارف، لكن منهاج العقل واسلوبه يعتمد على اكتساب بعض مضامين الوحي ويسعى قدر الامكان الوصول الى الحقائق والمعارف الاصيلة الخاليّة من كل شائبة.
والاشارة هنا ان التوجه الفكري التقليدي السلفي لا يعير اهمية للنمو الاجتماعي للمجتمع الاسلامي. وقد يصل عدم الاهتمام هذا الى انكار ضرروة النمو والتطور. ويؤدي الى البحث عن ظرف مناسب للمجتمع وذلك من خلال علاقات المجتمع التقليدي والقديم.
والتقليديون يحاولون ان يتناسوا موضوع النمو والتطور ووسائله. ويعتبرونه موضوع خارج عن نطاق الدين ورسالة الاسلام. 
من جهة اخرى نرى ان العلمانيين لا ينظرون الى طريقة النمو والتطور في المجتمعات المجاورة. وان الانفتاح لديهم قد تأثر بالافكار الغربية القرن الثامن عشر الميلادي في اوروبا، حيث انهم لا يزالون يعتقدون بأن مسار النمو والتطور ظاهرة جبرية تاريخية ولا بد ان تخضع لها جميع المجتمعات البشرية عاجلاً أم آجلاً.
وفي مقابل هاتين النظرتين اي العلمانية والمعاصرة، يرى الاسلاميون ان النمو والتكامل الاجتماعي يجب ان لا يغفل عنه .
وجدير بالقول ان توجه المعاصرين من المفکرين المسلمين الى تطبيق الدين في حياة المجتمع المسلم هو رهن تواجد نماذج ناجحة في المجال الاداري والاجتماعي، وان تطوير ونمو المجتمع المسلم يعتمد على تواجد قيم ثقافية اسلامية على اساس الشريعة.

مدرسة الإمام الخميني والافکار الاسلامية المعاصرة
لقد ظهر فکر الامام الخميني والثورة الاسلامية في الوقت الذي کانت المجتمعات الاسلامية تعاني من سيطرة مدارس فکرية ومعتقدات عدة ك« اليبراليية والرأسمالية والإشتراکية والقومية» وجماعة« المذهبيين الرجعيين السلفيين». 
إن المجتمع الاسلامي المثالي، الذي حاول الإمام الخميني ترسيمه، لم يتحدث عن هيئة سياسية اجتماعية مستقلة عن المجتمع الديني، او مؤسسة دينية قائمة علي الروحانيات والشرعيات غير المعنية بالمجتمع والسياسة والمستقبل، بتعبير آخر، لا وجود هنا للمقدس واللا مقدس، کما عرفتها فترات من التاريخ الاسلامي وکما عرفها الغرب المسيحي في الکنيسة والدولة المستقلة عنها.
واحتلت قضية الحکومة الاسلامية والولاية مکانة بارزة في الفکر الإمام الخميني باعتبارها من أهم الرکائز المنهجية والاصول السياسية والإجتماعية. 
من وجهة نظر الإمام الخميني الحکومة وتشکيلها من الأحکام الأولية والأساسية في الإسلام وأن مبدأ الحکومة، مصلحة المجتمع والنظام، وهذه المصلحة يوکل تشخيصها إلي العقل، لذلک يصرح بالتالي: « الحکومة، التي هي جزء من الولاية المطلقة لرسول الإسلام -صلي الله عليه وآله وسلم- أحد أحکام الإسلام الأولية ومقدمة علي جميع الأحکام الفرعية، حتي الصلاة والصيام والحج ... ومن الممکن أن يعطل أي أمر، عبادياً أو غير عبادياً، إذا ما تعارض مع مصلحة الإسلام.
إن الإمام الخميني بهذا القول وضع التفکير الديني علي محك المقاييس العصرية ومحاولة تکييف النظرة الدينية مع متطلبات العصر.
عندما اعتمدت الثورة الاسلامية في إيران النظام الجمهوري نظاماً سياسياً وادارياً لادارة شؤونها السياسية والإدارية وعلي رأي بعض الفکرين إن النظام الجمهوري هو نظام حيادي، أي ان بامكان دولة تقوم دعائمها على الإسلام ان تأخذ بهذا النظام، كما يمكن لدولة تتأسس فلسفتها على غير الإسلام، ان تأخذ بهذا النظام؛ فهو يمكن ان يكون إسلامياً، ويمكن ان يكون غير اسلامي. إنه اطار للنظام، ولا يدخل في صميم هذا النظام أو في صميم الأفكار التي يستند هذا النظام إليها، وبالتالي بات من الطبيعي ان يستفاد من هذه الأنظمة التي توافرت لها عبر التاريخ البشري مراحل طويلة من التجربة اوصلتها لما هي عليه اليوم. فلذلك إستفادت ايران الاسلامِية في العصر الحديث من هذه التجربة الإنسانية الطويلة، في ظل دعوة اسلامية للاستفادة من التاريخ والاعتبار به .
بعض آخر من المفکرين الإسلامين إنتقد ما يسمى بنظام الجمهورية الإسلامية انطلاقا من ان الإسلام لم يعرف هذا النظام، وبعض مفكري هذه التيارات كتب منتقداً هذا النظام قائلاً: أنه نظام غربي، وأنه لا يصلح للثورة الاسلامية. لا يصلح لإيران وهي تريد بناء نظام اسلامي إلا ان تأخذ بالنظام الذي اعتمده المسلمون في صدر الاسلام، أي نظام الخلافة الاسلامية. ولو كان للاسلام نظام خاص ومحدد، لكان ذلك حريا أن يظهر في المصادر الاساسية للتشريع الاسلامي كالقرآن الكريم الذي نلاحظ بأنه دعا لأن يكون الحكم إسلاميا مطابقاً لشريعة الإسلام، ولكنه لم يتطرق إلى شكل النظام، وبالتالي فان المسلمين الأوائل كانوا أكثر تحررا عندما اعتمدوا أشكال التنظيم الذي استفاد بصورة واضحة من التجارب السابقة، كتجربة العرب عندما اقاموا نظام الحكم في المدينة، وبالتالي استفادوا من التنظيمات التي سبقهم اليها الفرس والروم الذين أتيح لهم اقامة دول سابقة على الدولة الإسلامية. هذا يجعل الإستفادة من النظام الجمهوري، الذي هو حصيلة تجارب امم سبقتنا في مجال التنظيم السياسي، وفي مجال تطور الفكر السياسي والتنظيم السياسي ضرورة، وكذلك الاستفادة من تجاربها في هذا المجال، دون ان يحول ذلك بيننا وبين تطوير النظام الجمهوري نفسه . 
واما خارج منظومة الافکار وفي ساحة العمل تزامن نوع من التاسيس لفكر جماعي تجلي في الدستور الإيراني، وخصوصاً في ركنيه الأساسيين «الجمهورية » و«الاسلامية»، هذا المفهوم الذي استمر السجال حوله في ثلاثة عقود والى يومنا هذا، والمتعلق بكيفية تحصيل الشرعية وهل «الجمهورية » سابقة علي «الإسلامية » أو «الإسلامية » سابقة علي «الجمهورية » وهل للجمهورية في نظام الحكم الإيراني مفهوم جوهري أم إنها شكلية فقط! وكل هذا يعكس صورة مختلفة من العلاقة الثلاثية بين « الدستور»، « ولاية الفقيه» ‌و« الشعب ». فمن ناحية يري التيار المعاصر التفاعلي التجديدي، ظهوراً جوهرياً للجمهورية في تقدمها علي الإسلامية في القول عن مشروعية النظام، وكون العلاقة بين الولاية للفقيه والشعب، نوعاً من العقد الاجتماعي والبنود الواردة في الدستور هو شرط ضمن هذا العقد . في حين أن التيار المعاصر التفاعلي المحافظ، وفي تقديمهم لمفهوم الإسلامية، يتحدث عن العلاقة العمودية للفقيه وللإثنين شأنهم العلمي.

مسألة ولاية الفقيه :
بالرغم من التقدم الذي حققه الإمام الخميني سريعاً، كان يبدو دائماً أنه مقتنع بأن دراسة الشريعة لوحدها لا تعالج علي نحو كامل ثراء الإسلام، وأن الإهتمام الأساسي بالدين يقوم علي مستويات مختلفة، لذلك كان يعتقد بأن «الفقهاء حصروا الإسلام بالأحكام الفرعيه، والفلاسفه والعرفاء حصروا الإسلام بالجوانب المعنوية وبما يتعلق بما وراء الطبيعه، حيث كانوا يعتقدون أن ما وراء الطبيعه هو الشامل لكل الجوانب، في حين أن أولئك رأوا بأن الإسلام جملة من الأحكام الدنيويه، وأنه مجموعة من الأحكام الفقهية ولا معني لكل ما عدا ذلك » . إن هؤلاء الذين يرون جانباً واحداً من الإسلام دون غيره قصير البصيرة والبصر، الإسلام يعالج الجوانب المادية والمعنوية والغيبية والظاهرة،.
الفهم الدقيق لأبعاد نظرية الإمام في مسالة ولاية الفقيه التي بنيت أصولها في محاضراته في منفاه في مدينة النجف وفي « ‌كتاب البيع » لا يكتمل إلّا من خلال مطالعة وافية لنهجه وممارسته العملية في أثناء تولّيه قيادة المجتمع، والدولة، والآراء والنظريات التي بيّنها في فترة ما بعد انتصار الثورة حول قاعدة ولاية الفقيه وحدود صلاحياته وشؤون ولايته.
1 ) حاجة الإسلام إلي قيام الدولة من أجل تطبيق القوانين الإلهية، وبسط العدالة الإلهية بين الناس.
2 ) إن إقامة الحكومة الإسلامية وإعداد مقدماتها، ومن بينها المعارضة العلنية للظالمين، من واجبات الفقهاء العدول كفائياً .
3 ) إن الحكومة الإسلامية تعني ممارسة الفقهاء العدول في جميع الأمور الحكومية والسياسية التي كانت ضمن ولاية النبي والإمام المعصوم، وإذا تيسّر لأحد الفقهاء القيام بهذا يجب علي غيره الإتباع وإن لم يتيسر الاجماع عند الفقهاء يجب عليهم القيام بذلك وإن كانوا معذورين فهذه وظيفة المسلمين أنفسهم إذا إقتضت الضرورة 
4) إن الحكومة الإسلامية والقوانين الصادرة عنها تعتبر الأحكام في غير حالة الاستثناء‌ وتتمتع بالأولوية والتقدم علي جميع الأحكام الفرعية .
5 ) ولاية الفقيه قبل كل شي ء أمر اعتباري عقلاني
6 ) من شرط الولي الفقيه أن يكون:
أ عالماً بالقانون.
ب عادلاً في الناس وفي تنفيذ الأحكام .
ج كفوءاً .
7 ) الإهتمام بالمصالح العامة بدل التركيز الكلاسيكي علي النظريات الفقهية 
8) للعقل الإنساني دور هام في إدارة المجتمع علماً أن الشرع الإسلامي لم يمانع باي وجه من الوجوه العقل دوره هذا، بل إن الإستفادة الصحيحة من الفکر والتدبر وتسيير المجتمع علي ضوئهما إنما هو امر شرعي بحد ذاته وسبيل واضح اختطه الله للانسان تمکيناً له من ادارة حياته. ولايخفي أن العلاقة بين الوحي والعقل في إدارة المجتمع الإنساني وحياة الإنسان کانت دائماً محل جدل في تاريخ الاسلامي . 
9) إن نظام ولاية الفقيه ليس فكرة -يوطوبيا- بل هذا النظام « يقام لكي يقل الظلم والفساد والتعدي علي بيت مال المسلمين وعلي أعراضهم ونفوسهم »، وكما يتبادر إلي الذهن فإن عبارة « يقل » ‌لا تدل علي الإطلاق.
10 ) سلطة لفقهاء العدول تتم بإشراك أكبر عدد من المتخصصين وأرباب البصيرة كل في اختصاصه والاستعانة بخبراتهم وجودهم.
11) الفصل في كل ذلك رأي الشعب وليس لأي مقام حتي الولي الفقيه الحق أن يجبر الناس علي شيء.
12 ) الولاية للفقيه ليست بمعني ولاية النص .
13 ) ضرورة إلمام الفقيه بأحوال زمانه ومكانه ؛ ذلك « أن عنصري الزمان والمكان من مقدمات الإجتهاد،‌ وكل مسألة لها حكم شرعي في السابق يتغير حکمها الشرعي بالحفاظ السياسي والإجتماعي والإقتصادي في البلاد، بمعني آخر إن المعرفة الدقيقة للأحوال الإقتصادية والإجتماعية التي سادت في فترة ما، والتي تمخض عنها الحكم الشرعي، سوف تتبديل نتائجها عند المواضيع الجديدة والمستجدة، وهذا الأمر يتطلب بكل تأكيد حكماً شرعياً جديداً ، فالمجتهد يجب أن يحيط بالمسائل العصرية . 
14 ) عدم صلاحية المجتهد التقليدي لقيادة المجتمع . يقول،الإمام الخميني في معرض حديثه عن قيادة المجتمع : « أن الاجتهاد التقليدي لا يكفي، فلو كان المجتهد عالماً ومتبحراً في العلوم الدينية الحوزوية، ولكنه يفتقد القدرة علي تشخيص مصلحة المجتمع، كما يفتقد روح المبادرة والمعرفة بأحوال المجتمع السياسية والإجتماعية، فهذا الشخص ليس مجتهداً في المسائل الإجتماعية والسياسية، ولذلك لا يمكن أن يتصدي لقيادة المجتمع ».
15 ) وجوب عودة الفقيه في فهم وقراءة النصوص إلي العرف : العرف ليس مرجعا لتشخيص المفاهيم بل هو مرجع لتعيين المصاريف وطريقة الشارع في وضع القانون وإلقاء الكلام، هو العرف . فلذلك يحب قراءة كلام الشارع علي هذا الأساس .
« الميزان في فهم الروايات وظواهر الألفاظ هو العرف العام، والفهم المتعارف للناس، لا ما تؤدي إليه التجزئة والتحليل العلمي ونحن أيضاً نتبع فهم العرف » . 
16 ) توقّي الجمود في التعاطي مع الأخبار والروايات .
17 ) رأي الإمام في تفسير القرآن الكريم :
الإمام الخميني يري أن حصر فهم القرآن بالمفسرين القدامي يعني الهجر الكلي له وقال حول ذلك : « أحد الحُجب التي تمنع الاستفادة من هذه الصحيفة النورانية، الاعتقاد بأنه لا يحق لأحد أن يفسر من القرآن غير ما كتبه أو فهمه المفسرون، وقد اشتبهوا بين التفكير والتدبر في الآيات الشريفة والتفسير بالرأي الممنوع، ولقد أفرغوا القرآن الكريم بواسطة هذا الرأي الفاسد والعقيده الباطلة من جميع فنون الاستفادة وهجروه كلياً». 
18- اللاحسم في المنهج والحسم في وحدة الحقيقة:
يطرح الإمام بكل وضوح فكرة التفاعلية اللاحسمية في المنهج، ويبدأ حديثه هنا بذكر كلام طريف حيث يقول:« هل سمعتم قصة العنب وأولئك الأصدقاء الثلاثة الذين كان أحدهم عربياً والآخر فارسياً والثالث تركياً، فقد كانوا يتناقشون حول ما يعدونه من طعام لوجبة الغداء فقال الفارسي ليكن« أنگور» وقال العربي: كلا ليكن طعامنا« عنباً » فأجاب التركي: لا نريد ذلك بل لنأكل « أوزوم ». لقد وقع الإختلاف بين هؤلاء، لأنّ أيّاً منهم لا يعرف لغة الآخر وتكملة قصة المثل هي أنّ أحدهم ذهب وأتي بالعنب ،‌ فعرف الجميع أن مقصودهم واحد».
إن الإمام يعارض التحديد لفهم الدين من خلال تفسير معين إن القرآن الكريم كمصدر أول بين المسلمين له قيمة خاصة في تبيين الأفكار والفهم الديني، يركز الخميني علي هذا في أفكاره ولكنه يرفض الجزم المفهومي في تفسير القرآن، فلذلك يؤكد علي الجانب الاحتمالي في آرائه وفي رأيه التفسيري، لأن الجزم له سلبياته فهو يجمّد الذهن ويغلق أبواب التدبر والتجديد المستمر . وفي بيان رأيه حول بعض من أمهات التفاسير يقول : « أبرز علماء الدين الإسلامي من السنة والشيعة، صنفوا طوال التاريخ الإسلامي، كتب تفسير كثيرة ومساعيهم لا شكّ مشكورة، ولكن كل واحد منهم لم يقم بأكثر من كشف أحد أغطية القرآن الكريم وفقاً لتخصصه . 
وحتي في هذا الحد ما من يقين أن ما كتبوه دقيق. « فمثلاً عمد العرفاء علي مدي قرون كثيرة إلي كتابة تفاسير عديدة وفق الطريقة التي هي الطريقة المعرفية أمثال محيي الدين بن عربي وعبدالرزاق الكاشاني في تأويلاته، والملا سلطان علي في تفسيره. وبعضهم أجاد التصنيف وفق هذا الفن، ولكن القرآن لا ينحصر فيما صنّف أولئك . وجل ّ ما فعلوه هو أزاحة بعض الحجب عن القرآن الكريم وقراء ة بعض وجوهه، كما قام الطنطاوي وأمثاله وكذلك السيد قطب بتفسير القرآن بطريقة أخري هي أيضاً ليست تفسيراً للقرآن بكافة معانيه.« وتفسير مجمع البيان ... كذلك علي غرار ما سبقه من تقارير -فيه قراءة بعض الوجوه- ... فالقرآن ليس ذلك الكتاب الذي نستطيع نحن أو غيرنا تصنيف تفسير جامع له ... أيدينا ليست مطلقة العنان في هذا المضمار والباب ليس مفتوحاً علي مصراعيه، لكن يعمد الإنسان إلي تحميل كل ما يصله عقله علي القرآن، فيقول إن هذا ما يقوله القرآن.
«وحيث إني أتحدث ببعض الكلمات حول بعض من آيات القرآن الكريم فلا أدعي أن ما أقوله هو المراد والمقصود فيها، فما أقوله هو أقرب إلي الإحتمال وليس إلي الجزم، ولن أقول بأن المراد هو هذا لا غير». إن الإمام ينفر من إنكماش التفاسير الكلاسيكية المدرسية للدين.

تطور الافکار الاسلامية بعد الثورة 
في المرحلة التجديدية او ما بعد الثورة ليس سهلاً الحديثُ عن تقسيم للفكر بين محافظ واصلاحي ؛ خاصّةً إذا كان الأمر يتعلق بنمط فكري يصدرعن أبعادٍ عقائدية وتحديداً اسلاميّة. وسببُ ذلك هو ما يعتري هذين النمطين الفكريّين المحافظ والاصلاحي - من تداخل واندماج لجهة اتّحادهما في النّصّ الواحد ومبادي المدرسة الفکرية للامام الخميني الّذي يقوم عليه فكرهما عموما، قبل أن يكونا متفاوتين في كيفيّة القراءة والاستنتاج، والحاصل أنّهما يفترقان .
أولا: في قراءتهما للثابت والمتحول في النص الديني أو، بعبارة أخرى، في الكتاب والسنة . 
وثانياً: يختلفان في السلوك العملي، غير المقدس والقابل للاجتهاد البشري 
فمن ناحية الثابت، کل من الفكرين المحافظ والاصلاحي ضمن نزعتهما ذات الثقافة الاسلامية يتفقان في الإقرار بوجود بُعدٍ تعبديٍّ للنصّ لا يمكن إنكاره، كما لا يمكن عدم الالتزام به من دون أيِّ مناقشة، لكونه تنزيلاً من جانب الله سبحانه وتعالي . 
ومن ناحية اخري في البعد الذي يختصّ بالجانب المتحوّل، وهو موجود في داخل النّصّ، ويأتي التّحوّل فيه إمّا من جانب مُنْزِلِه أو من طرف من يحاول فهمه طبقاً لاستعدادات والاحتياجات الإنسانيّة والإجتماعيّة. في هذه الحالة يرى الفكرُ المحافظ أن ما يُسمّى "المتحول" في النص، يجب أن يكون محدوداً في أدنى درجاته في مصداق الحكم المُنزل وفي اقصى درجاته في موضوع ذلك الحكم؛ وهذا الرّأي يَظَلُّ في إطار العلوم الکلاسيکية والمقبولة. أمّا إذا بلغ مفهوم المتحوّل ليَطال الحكمَ ذاتَه، إنْ بالتّغيير أو التّعليق في التّطبيق، فهذا يتجاوز عموما ما يرضى به العقل الدّيني التقليدي، وقد تكمن هنا نقطة الخلاف الكبرى. وكأنّ النّصَّ المقدّس مجموعة متداخلة من الدّوائر المتحرّكة الّتي تزداد اتّساعاً كلّما تحرّك ماؤُها، وكلّما اتّسعت الدّوائر اتّسع الخلاف بين التّجديد والتّقليد.
هذا الأمر يقود إلى طرح سؤال قد يكون جوهريا وهو : ما المقصود من الانماط الفكريه في قراءة النص المقدّس وفهمه؟
للاجابة عن هذا السؤال، وفي مراجعة بسيطة لمفردات هذا النمط الفكري، نرى أنه ينقسم في حقيقة الأمر إلى نوعين من الفكر.
الأول، معاصر إصلاحي في إطارٍ محافظ.
والثاني، معاصر اصلاحي في اطار تجديدي.
وبتعبير آخر، يُوْلَدُ الإصلاحيُّ من المحافظ، والتّجديديُّ من الإصلاحي، وكلّ ولادة تُعتبر انفصالاً واتصالا علي حد سواء ،اي، دون أن تنفصل عُرى النّسب الّتي تجمعهما، وهذه العُرى من النّصّ المقدّس، وفيه تكمن عواملُ وأسبابُ التّواصل والارتباط بين الجميع.
لكن يبقى السّؤال : ما الذي يميز المعاصر المحافظ عن المعاصر الاصلاحي المتجدّد في هذه المقولة ؟
إن القراءة المحافظة الاصلاحية للنص والمتشبّثة به، ترى ان المتحول والمتغير يكمن في الموضوع ولا يتجاوزه، والله تعالى الّذي أنزل الكتاب لا يتدخل في تعيين الموضوع، بل إنّ مثل هذا التّعيين لموضوع النّصّ المنزل يعود إلى العُرف السّائد في المجتمع الاسلامي . أمّا القراءة الاصلاحية المحافظه التجديدية للنّصّ المقدّس، فتقوم على أساس أن المتحول يقع خارج اطار كل الشّعائر العبادية، أي ان كل ما يقع خارج اطار العبادات فهو متحول وقابل للتّغيير طبقاً لمتغيّرات الزّمان والمكان والظّروف الآنيّة. 
بناءً عليه، ولايضاح اکثر، نشير إلى موضوع رئيس کحقوق الإنسان الذي يُعتبر إحدى الركائز الأساسية في ظل ما يمكن تسميته بالقراءة الاصولية-الاصلاحية للنّصّ المقدّس، وذلك لأنّ قضيّة حقوق الإنسان تقع في إطار الموضوعات الإجتماعيّة الّتي يتطرّق إليها النّصّ المقدّس، وهي بذلك تكون من المتحوّل الّذي يجب أن تتمّ قراءته على اساس سنّة التّطوّر والتّبديل في سياق التّاريخ البشريّ.
من هنا، وانطلاقا من هذا، فإن الفكر المعاصرلا يريد أن تمثل العقيدة الدينية عائقاً امام حركته التجديدية المعنوية. فمثلاً في الآية القرآنية الكريمة " إن الله يأمر بالعدل والإحسان"، فكرةُ العدل والإحسان - كقاعدة كلّيّة مجرّدة - هي الثّابت المُنزَل، فيما تطبيقاتها العمليّة متغيّرة ومتحوّلة بين زمان وآخر ومكان وآخر؛ فالعدل القائم على إسكان النّاس في الخيام بَدَلَ العيش في العَراء لا يعودُ عدلاً عندما تتطوّر مظاهر السّكن إلى البيوت، وقس على هذا سائر الأمور.
فإذا كان صاحب الشّريعة، هو الحاكم على الشّعب، فهو عندئذٍ يصدر نوعين من التشريع، واحد يأخذ ظاهرة التّنظير وآخر يكون تنفيذيّاً عمليّاً، فالعدل هو النّظريّة القائمة المنزلة، بينما الزّكاة هي أحدى ظواهر التّطبيق العملي والتّنفيذ الفعلي لتفعيل العدل على المستوى الإجتماعي القائم في إطاري الزّمان والمكان. ولذلك، يصير العدل هو الثّابت، بينما تغدو كيفيّة الزّكاة هي المتحوّل. 
فإذا لزم لصاحب الشّريعة، من موقع الحكم، أن يتعاطى مع التفاصيل، فانه إمّا أن يقدّم نصاً يعتمد على ما تعارف عليه العقلاء، أو يأتي بحكم جديد غير مسبوق. أي انه "يُمْضِي" أو "يُثَبِّتُ" القائم الصّحيح المقبول لزمانه الرّائج عُرفاً، أو "يؤسّس" لجديد يحتاج إليه عصره ولم يكن موجوداً من قبل. فالمثال على ذلك موضوع الجزية الّذي أُمضي في الإسلام، وديّة المرأة وإرثها الّتي أسّسها الإسلام لأوّل مرّة. 
وهكذا أيضاً يمكن أن يفهم موضوع القصاص في الإسلام، والذي لم يُرِدْ صاحبُ الشّريعة من الإتيان به التّأسيس لقانون جزائي، بل أراد من القصاص احتواء العصبيّة الجاهليّة الّتي كانت تتحكّم بكثير من المجتمعات القديمة وما زالت تحيط بنا من كلّ جانب. ولهذا رَبَطَ الله تعالى القصاص بالحياة ولم يربطه بالجزاء! وكأنّنا نرى في هذا المثال صورة واضحة للتّفاعل الحيويّ بين النّصّ المقدّس الّذي يأتي من الأعلى، والواقع الإجتماعي الّذي يقوم في الدّار الدّنيا. بعبارة اخري يكون في التّركيز على موضوع مقاصد الشّريعة، بَدَلَ التّشبّث بالحرف، مدخلاً إلى التّفاعل المرن مع متطلّبات التّغيير والتّبديل. وهذه الرّؤية، والّتي يقوم عليها الفكر الحضاري الإصلاحي التّجديدي في نظرته إلى الإنسان والمجتمع والدّولة، تتوافق مع التحديات الفكرية والاجتماعية والانسانية الرّاهنة، وقد تجد لها حلولاً وتُجنّبُها المآزق . 
مثالٌ آخر على ما ذُكر آنفاً الآية القرآنية الکريمة القائلة: "يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم القصاص في القتلى الحرّ بالحر والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى، فمن عفى له من أخيه شيء فاتباعٌ بالمعروف وإداءٌ إليه بإحسان، ذلك تخفيفٌ من ربكم ورحمةٌ، فمن اعتدى بعد ذلك فله عذاب أليم ". ( البقرة – 178-179)
نلاحظ هنا كيف جاء القصاص في هذه الآيات في مقابل الاعتداء وكمصداق للتخفيف والرحمة إذ دعا صاحبَ الحقّ في الدّعوى إلى العفو. وهذا يدل على ان الدعوة هنا هي قبل كل شيء دعوة أخلاقية، وليس المقصود منها فقط وضع قانون جزائي. بل إنّ الغاية والهدف الأوّل من الآية هو دعوة النّاس إلى التّحلّي بالعفو والرحمة وليس التّمسّك بمتطلّبات القصاص. أمّا التأكيد على النفس بالنفس والعين بالعين، فيمكن أن يُنظر إليه على أنّه وسيلة جاءت للحدّ من التعديات الدموية والحضّ على تطبيق الاعتدال بدل الاعتداء.
ونرى هذه الظّاهرة، الّتي تدعو إلى احترام حقوق الإنسان في مجتمع بدويّ تقتصر فيه الحقوق فقط على القويّ والمتسلّط، تنعكس في أحكام الزنى. فإن كان القرآن يؤكّد على إقامة أربعة شهود عدول معاً، فإنّ مثل هذا الشّرط الصعب هو لأجل حفظ المجتمع من إلصاق الشّائعات الأخلاقية ضدّ المرأة لغايات خاصّة، كما أنّها تمنع الناس من التجرؤ على الاتهام والانتقام كما كان شائعاً في المجتمعات الجاهلية، وذلك من أجل الحفاظ على كرامة العائلة والمرأة بالذّات الّتي هي الأمّ الّتي تبني المجتمعات.
وأمّا في الفقه السياسي، فنرى أنّ غالبيّة المجتمع الإسلامي الأوّل اتّخذ وتقبّل مبدئي البيعة للولاية او الخليفة المتجسد في القوانين الاسلامية والشورى لإدارة شؤونه، مع العلم أنّ هذين الأمرين كانا من تقاليد العرب في العصور الّتي سبقت الإسلام. وبالرّغم من ذلك، فلم يرَ المسلمون الأوائل حرجاً في الأخذ بها طالما كان في ذلك نفعٌ يُرتجى. فلو كان قبول العرف السّياسي مقبولاً آنذاك فما المانع من تطبيق ذلك حاليّاً إذا كان فيه منافعُ مثل المحافظة على حقوق الإنسان وتثبيت العدالة الإجتماعيّة وتجنيب المجتمعات ظاهرة استبداد الفرد بمصير الجمع . فمثلاً لو كان في النّظام البرلماني الدّيمقراطي كلّ تلك المنافع، الّتي هي أوّلاً وآخراً من أهداف كلّ دين، فما المانع من أن تتبنّاها المجتمعات الإسلاميّة على أنّها أعراف سياسيّة تؤدّي في نهاية المطاف إلى الغاية الّتي يصبو إليها الدّين والشّرع . وحسب هذه النّظريّة، فالوظيفة الأولى للكتاب والسّنة – أو لنقل النّصّ المقدّس – هي نشر الرّحمة والعدالة بين البشر قبل أن تكون فرض القوانين لأجل فرض القوانين ليس إلاّ.

نماذج من النقاشات الفقهية التي تدخل في اطار حركية 
قراءة الثابت والمتحول الشرعي والفقهي في الاسلام : 
- دية الاقليات الدينية في ايران مساوية لدية المسلمين . 
- دية المرأة تساوي دية الرجل . 
- صوت المرأة في حد ذاته ليس حراما . 
- الرقص في حد ذاته، ما لم يكن مترافقا مع حرام اخر كترويج الباطل واختلاط الرجال والنساء، ليس حراما . 
- الزواج المؤقت في الاسلام ( المتعة ) جاء بهدف رفع الضرورة وليس اللذة المشروعة او كمعادل للزواج الدائم، بناء على ذلك فان الاشخاص القريبين من نسائهم ويمكنهم اطفاء غريزتهم الجنسية معهن، فان الزواج المؤقت حتى مع امرأة مسلمة موضع اشكال، بل هو محكوم بالمنع وعدم الجواز . 
- يمكن للمرأة ان تصبح مرجعا للتقليد ووليا للفقيه ورئيسا للجمهورية وقاضيا.
- ارث المرأة يتساوى مع ارث الرجل . 
يمكن للمرأة ان تطلب الطلاق . 
- جواز الاستنساخ . 
- منع رجم المرأة الزانية . 

الخاتمــة :
في خاتمة هذة الإطلالة لابد من القول بأن فکر الإمام الخميني والثورة الإسلامية في ايران باتت مصدراً لتحولات عدة في نهاية القرن العشرين وبداية القرن الواحد والعشرين . والسؤال هنا هل قدمت الثورة ما يحتاج إليه من إجابات ؟ وهل قدمت الحلول والمعالجات للأزمات التي تعاني منها المجتمعات الإسلامية المعاصرة؟ 
ماقبل انتصار الثورة کانت المواجهات بين المذاهب والمدارس الفکرية غير الإسلامية مقتصرة علي الميدان النظري، والمواجهة في هذا الميدان سهلة ومحدّدة عموماً، ولکن عندما يتبلور الفکر في کيان ونظام محدد منذ عام 1979، وضع التفکيرالديني علي محك العصر، وتکييف النظرة الدينية مع متطلبات العصر . 
إن الفکر الإسلامي بعد الثورة يلزم نفسه بوتيرة متحرکة تحسب حساباً لکل جديد في شتي حقول الإنتاج المعرفي، بسبب وقوفه في مهّب امتحان تاريخي صعب لا تحمد عقباه في حالة عدم حصول الإعتدال والعدالة الإجتماعية والسياسية والإقتصادية. والخطر عليه يأتي من جهة المثقف اللاديني غير معترف بثقافة مجتمعه، فضلا عن المتحجر الديني غير معترف بزمانه ومکانه . ويبدو أن ترکيز الإمام الخميني علي خطر اللاديني والسلطوي والمتحجر والرجعي نابع من قلقه العميق من خطر هولاء وتأثيرهم السلبي علي تطور المجتمع، لذلك فإن الإهتمام بتاکيدات الإمام الخميني وتحذيراته مبعث امان واطمئنان في مواجهة هذه الاخطار . 
علي المجتمع الإسلامي ولکي يمحو عن نفسه سيئات الماضي، ويتخلص من الضعف والتخلف الذي سيطر عليه خلال الأزمنة الماضية، ولکي يکون أفضل الأمم من خلال تطبيق رسالته الإلهية، يجب عليه أن يتدارك ويواکب أفضل الوسائل لإزالة التخلف الفکري والأخلاقي والعلمي، وأن يتسلح بالآليات العلمية والحضارية والکمالية، کي يکون مصداقاً للآية الکريمة « کذلك جعلناکم أمة وسطاً لتکونوا شهداء علي الناس» .
ــــــــــ
(*) من أوراق مؤتمر: "حقوق الإنسان وتجديد الخطاب الديني:كيف يستفيد العالم العربي من تجارب العالم الإسلامي غير العربي؟" الإسكندرية في 18-20 أبريل 2006.
 


 

 

20-05-2006 .   الملتقى /  /    .   http://almultaka.org/site.php?id=341