/

 

 

في الإصـلاح الدّينـي وســياقات تجـربة الآخــر

رضوان جودت زيادة

. ارتبطت الحاجة إلى الإصلاح الديني بالرغبة في النهضة أو تحصُّل التمدُّن مع نهاية القرن التاسع عشر. حينها كان الإصلاح جزءاً من رؤيةٍ أوسع تشمل من ضمنها إصلاح المؤسسات التعليمية والدينية كالأزهر مثلاً؛ كما هي حال مشروع محمد عبده، وإصلاح المجتمع بإعادته إلى فضائل الأخلاق وغير ذلك.
لقد اُستعملت كلمة الإصلاح الديني كإشارةٍ إلى الحركة التي قام بها كلٌّ من جمال الدين الأفغاني ومحمد عبده، إذ دعا الأول إلى تأسيس حركةٍ في الإسلام تضطلع بما اضطلعت به الحركة البروتستانتية في التاريخ المسيحي، وكما عبّر هو بنفسه ‘’لابد من حركة دينية. إننا لو تأملنا في سبب انقلاب حالة أوروبا من الهمجية إلى المدنيّة نراه لا يتعدى الحركة الدينية التي قام بها لوثر وتمت على يده’’.
الإصلاح والبروتستانتية
فاستخدام كلمة الإصلاح هنا كان المقصود منه استحضار التجربة الأوروبية - خصوصاً البروتستانتية - في القيام بعملية الإصلاح الديني المنشود في الإسلام، بيد أن تأثر الأفغاني ومن بعده عبده بما قرؤوه من تجربة الإصلاح الديني المسيحي خصوصاً كتاب الفرنسي فرانسوا غيزو (تاريخ الحضارة في أوروبا) الذي نقله إلى العربية سنة 1877 حنين نعمة الله خوري تحت عنوان ‘’التحفة الأدبية في تاريخ المماليك الأوروبية’’؛ جعلهم يحاكون التجربة ذاتها قارئينها في سياقٍ تاريخي مختلف تماماً، بيد أنها تصبّ في النهاية في رؤيتهم الكلية للنهضة التي تنحصر في تعثر إدراك التقدم من دون استملاك أسبابه، والمتمثل في الإسلام، ولذلك جرت قراءة تجربة الإصلاح الديني المسيحي في البروتستانتية سنداً إضافياً مضاعفاً، يجابهون به بدايةً أولئك الذين يزعمون بإمكان تحصّل النهضة باستبعاد الدين تماماً عن الحياة، وهو ما تجلى في حوار عبده مع فرح أنطون في كتابه الشهير (الإسلام والنصرانية بين العلم والمدنية)، ومن جهةٍ أخرى، يُقارعون علماء الدين التقليديين الذين عناهم عبده بقوله:
ولكن ديناً قد أردت صلاحه أحاذر أن تقضي عليه العمائم
وذلك عبر مخاطبتهم بالإحالة قائلاً ‘’إذا أردنا أن نلحق بركب الأمم المتقدمة فعلينا أن نقوم بإصلاح ديننا كما فعل الغربيون أنفسهم في إصلاح دينهم’’، وهكذا تبدو الحجة مزدوجة وتصحُّ لكلا الطرفين.
الإصلاح أم التحرير؟
لكن عبده الذي عُرف بموقفه الحاد تجاه أسرة محمد علي ومهادنته تجاه الإنجليز بدا معنيّاً بالإصلاح أكثر من عنايته بالتحرير أو طرد الاحتلال كما هي حال تلامذته سعد باشا زغلول وغيره، وهو ما يجعلنا نرتب أولويات عبده التاريخية بشكل مختلف تماماً عن أولويات من أتى بعده. بمعنى آخر، فخضوع مصر للاحتلال البريطاني وانبثاق النضال الوطني ضده وتأجّج المشاعر القومية المعادية للغرب في المشرق العربي ومغربه بدءاً من سورية والعراق مروراً بالجزائر والمغرب الأقصى، كل ذلك خلق صورة ملتبسة للغرب في نظر المفكرين العرب وجعل صورته النهضوية والإصلاحية تهتز تماماً لصالح صورته الاستعمارية، وعندها تغدو الحاجة ماسة إلى إعادة الاعتبار لمفهوم الهوية الذاتية بوصفه الحصن المنيع أمام ما يتهدد الأمة من أخطار خارجية.
 

 
 

 

 

11-08-2006 .   الملتقى /  /    .   http://almultaka.org/site.php?id=348