/
التعددية الثقافية: الزواج الإسلامي والطلاق العلماني
آن صوفي رولد
. إن مفهوم التعددية الثقافية الذي تمخض عنه المؤتمر الدولي للحقوق المدنية والسياسية المنعقد في عام 1966 ،المادة 27، قد أصبح منذ السبعينيات من القرن الماضي قوة موجِهة غير مرئية، وخاصة ً في شمال أوروبا والولايات المتحدة وكندا ونيوزيلندا وأستراليا . تُعنى التعددية الثقافية بالاختلاف الثقافي والهُوية، حيث تضم كافة المجتمعات تنوعاً واسع المدى على مستويات عدة: فهناك الأفراد والجماعات الذين يشتركون في منظومة للمعاني ذات سلطان، وتهيمن على غيرها، لكنهم يريدون إسباغ سمة التعددية على هذه المنظومة المسيطرة، وهناك على الجانب الآخر يقف المثقفون الذين ينتقدون البناء الثقافي القائم، ويعززون الاستجابات الفكرية للتساؤلات التي تدور حول كيفية تغيير الثقافة القائمة، ومن بين هؤلاء نجد النسويين والبيئيين والشيوعيين. غير أن مفهوم التنوع الجماعي هو الهدف الذي تسعى أيديولوجية التعددية الثقافية إلى تحقيقه (Parekh 2000). يعتبر مقال الكاتبة سوزان موللر اوكين الذي يحمل عنوان "هل التعددية الثقافية ضارة بالنساء؟" والمقالات التي كتبها رداً عليها عددٌ من الكتاب مثل ويل كيمليكا ومارثا ناسباوم الخ... علامة فارقة على الطريق، تدل على تغير نبرة الجدل القائم حول التعددية الثقافية (Okin 1999). وقد خضعت أيديولوجية التعددية الثقافية للدراسة والتدقيق منذ خرجت إلى النور كرد فعل لنشوء مجتمعات متجانسة عرقياً في أوروبا الغربية بعد الحرب (Beckett and Macey 2001). كما تم استخدام مصطلح "التعددية الثقافية" ليحمل معاني مختلفة، وكثيراً ما ورد ككلمة دون تعريف خلال المناقشات العامة وكذا في الأعمال البحثية. فلقد أوضح طارق مودود، على سبيل المثال، اختلاف الدول في فهم سياسات التعددية الثقافية، كل حسب سياقه الاجتماعي السياسي الخاص (Modood 1997). و لدى طرح مفهوم التعددية الثقافية للنقاش، يتضح لنا أن هناك خلطاً في المفاهيم حيالها، لذا فقد اهتمت باريك بإيضاح الاختلاف الهام الذي يفرق بين مجتمع التعددية الثقافية والمجتمع متعدد الثقافات (Parekh 2000)، ففي حين تتشكل معظم الأمم القومية اليوم من أكثر من جماعة ثقافية، ومن ثم يمكن اعتبارهذه الأمم مجتمعات للتعددية الثقافية، إلا أننا لا نجد من بينها سوى القليل مما يمكن أن نطلق عليه مجتمعات متعددة الثقافات، بمعنى أنها مجتمعات تحتضن وتشجع أكثر من اتجاه ثقافي واحد، أو تدمج أكثر من اتجاه ثقافي في منظومة المعتقدات والممارسات التي تعتنقها الأغلبية، وفي الوقت ذاته تحترم المطالب الثقافية لكافة الجماعات، أو لأكثر من جماعة داخل الأمة القومية الواحدة. ولكن على الرغم من هذا يعتبر خطاب التعددية الثقافية في العديد من الدول في العالم الغربي هو الخطاب المهيمن على الساحة، ونادراً ما تلتفت هذه الدول لتبعات التعددية الثقافية بهذا المعنى لتتعامل معها. لذا فقد تخلت السلطات السويدية منذ منتصف التسعينيات من القرن العشرين عن مصطلح التعددية الثقافية، واستبدلت به مصطلحاً آخر هو "التنوع"، وشرعت في استخدامه بصفته مفهوماً أساسياً في الخطاب الرسمي - الشيء الذي يشير على الأرجح إلى إعادة النظر في الآثار المترتبة على التعددية الثقافية وبخاصة حيال قضايا الأسرة.
الحقوق الجماعية مقابل الحقوق الفردية ينبني نموذج التعددية الثقافية على ما يقدمه مذهب التنوير من نموذج لحقوق الفرد من ناحية، وعلى ما يبرزه مذهب الرومانسية من مفهوم "للشعب" وحق الجماعات في الحياة من ناحية أخرى. ومن هنا ينشأ التوتر داخل مفهوم التعددية الثقافية ذاته بين حقوق الفرد وحقوق الجماعة، مما قد يصعب التغلب عليه في المجتمعات الحديثة. ويرى توماس إريكسيس أن مصطلح " التعددية الثقافية" يحمل في داخله "تقييماً إيجابياً للتقاليد الثقافية ، وخاصة ً الهويات الثقافية أو العرقية للأقليات" (Eriksen 1997:49). غير ان السؤال الذي يتناوله عدد كبير من الباحثين هو ما إذا كانت أيديولوجية التعددية الثقافية تتناقض في جوهرها مع حقوق الإنسان الفرد (Eriksen 1997; Beckett and Macey 2001; Cowan, Dembour and Wilson 2001). حين نشرع في تكوين دولة متعددة الثقافات يتوجب علينا أن نثيرعدداً من القضايا: فمثلاً أي جماعةٍ من الجماعات يتعين الاعتراف بها، وعلى أي أساس يتعين علينا الاعتراف بهذه الجماعات أو رفضها. بل إن هناك قضية أهم من ذلك كله، ألا وهي هل يمكن بالفعل تكوين أمة قومية متعددة الثقافات داخل المجتمعات القائمة اليوم التي تتشعب الثقافات بها، وحيث يحق لكل من الأفراد والجماعات أن يتمتع بحق الحماية الذي تكفله له الدولة. هل تتوافق أيديولوجية الأمة القومية بالفعل مع أيديولوجية التعددية الثقافية؟ إن مفهوم الفيلسوف تشارلز تايلور ل "سياسات الاعتراف" الذي يناقش الصلة بين الهوية والاعتراف بها يثير مسألة جوهرية: هل تعتبر هوية أى جماعة من الجماعات غير قابلة للتغيير وستاتيكية، أي ثابتة على الصورة التي يقبلها تايلور (رغم أنه يذكر أن هوية الفرد أو الجماعة دائماً ما يتم تعريفها على أنها تفاعل ديناميكي)، أم أنها كيان متحول؟ ويقودنا ذلك إلى سؤال مثير: ماذا عن "الثقافة"؟ أليست التعددية الثقافية بالفعل تعنى بالثقافات الثابتة غير القابلة للتغيير من ناحية، كما تعبر عن فهم نخبوي للعناصر التي تتكون منها "ثقافات" الأقلية من الناحية الأخرى؟، بل ولعل الأمر الأكثر أهمية في هذا السياق هو السؤال: ماذا عن الدين، هل تعتبر الديانات القائمة نظماً ثابتة وستاتيكية ولا تقبل التغيير؟ وتشير الحالات التي تطالب فيها الأنثى بالطلاق وتسعى إليه في السياق الإسلامي إلى مدى تغير العناصر الدينية والثقافية مع اختلاف الزمن واختلاف السياق. لذا فالقضية الراهنة هنا هي أي "شريعة" تسود؟ تلتزم معظم المجتمعات الغربية باتباع كل من القانون القومي والمواثيق الدولية مثل إعلان حقوق الإنسان. ففي السويد على سبيل المثال هناك تعددية ثقافية معلنة، أي أن الأفراد الذين ينتمون إلى الأقليات الدينية والثقافية لهم الحق في اتباع تقاليدهم، لكن الأيديولوجية الشاملة لحقوق الإنسان في الوقت نفسه تضمن الحق لكل فرد في أن يعامل بصفته فرداً، لا باعتباره جزءاً من جماعة تضم أفراداً آخرين. وهكذا تيسر الدولة على هؤلاء الأفراد الذين يقبلون أن يكونوا جزءاً من الجماعة اتباع تقاليدهم الثقافية والدينية. زد على ذلك أن القانون يكفل للفرد الحق في عدم الانتماء إلى أية جماعة عرقية أو دينية. ولكن ما الإمكانيات المتاحة للفرد داخل الجماعة كي يختار أي النظم يرغب في الانتماء إليه؟ بل والأهم من ذلك : هل تتوافرأمام الأفراد داخل أي جماعة إمكانية الانتماء إلى أكثر من نظام واحد؟ هنالك مساحات رمادية على الحدود الفاصلة بين الانتماء وعدمه، لذا تسعى هذه الورقة إلى مناقشة ما يحدث على تلك الحدود الفاصلة : هل يمكن أن تتسبب الحقوق الجماعية للأقليات الدينية في الدول الاسكندنافية- داخل سياق نمط التعددية الثقافية- في مشكلات بالنسبة للنساء داخل المجتمعات الدينية؟
الثقافة في مواجهة الدين ناقش العديد من علماء الأنثروبولوجيا مفهوم التعددية الثقافية وكيف أنه يفترض مسبقاً وجهة نظر جوهرية للثقافة، حيث يراها ثابتة وغير قابلة للتغيير(Eriksen 1997; Cowan, Dembour and Wilson 2001; Merry 2001)، لذا يرتكز النقد الأساسي الموجه للتعددية الثقافية من منظور أنثروبولوجي على الفكر الضمني القائل بأن الثقافة ستاتيكية وثابتة. تناقش سيلا بن حبيب المحاولات السياسية المعاصرة في المجتمعات الغربية من أجل الحفاظ على الثقافات وكذا الاختلافات الثقافية ونشرها، من منطلق "علم الاجتماع التبسيطي للثقافة". فهي تزعم أن هذه المحاولة تنبني على أربعة منطلقات معرفية خاطئة: 1. الثقافات عبارة عن كيانات كاملة قابلة للتحديد والبيان. 2. الثقافات تتوافق مع الجماعات التي تتشكل من السكان، ومن الممكن صياغة توصيفٍ لا خلاف عليه لثقافة أي جماعة إنسانية. 3. حتى وإن لم تتوافق الجماعات توافقاً تاماً مع الثقافات، وحتى لو اجتمعت أكثر من ثقافة داخل الجماعة الإنسانية الواحدة، أو لوامتلكت أكثر من جماعة واحدة نفس السمات الثقافية، فإن هذه الأمورلا تمثل مشكلات ذات أهمية تذكربالنسبة للسياسات أو السياسة (Benhabib 2002: 4) . ومن نفس المنطلق، فإنه يتوجب علينا طرح نفس هذا النقد ولكن من منظور علوم الدين. فالتعبير الديني بصوره المتعددة يشكل جزءاً من النموذج الثقافي الأشمل، كما تؤثر العوامل الاجتماعية- السياسية والاقتصادية على طريقة فهم النصوص الدينية وتطبيقها على مختلف السياقات. ففي نموذج التعددية الثقافية يتم التعبير عن فهم الدين بمصطلحات جوهرية، حيث يوجد افتراض ضمني بأن الأفكار والمنطلقات الدينية تظل ثابتة دون حراك أثناء عملية الهجرة. ولكن مع ميل السمات الثقافية للتغير مع مرور الزمن، وكذا مع ازدياد التفاعل بين الأفراد وأفراد آخرين من سياقات ثقافية أخرى، فإن أساليب التعبير الديني تتغير أيضاً تبعاً لذلك. يؤمن العديد من المسلمين بأن الإسلام دين يجمع ما بين التعبيرالشخصي عن الإخلاص في العبادة كالصلاة والصيام، والتعبير الاجتماعي-السياسي كالمعاملات والعلاقات الاجتماعية بشكل عام والعلاقات الأسرية بشكل خاص. وداخل سياق الهجرة، قد تأخذ مظاهراهتمام المهاجر بالإسلام اتجاهات متعددة؛ فمن ناحية قد يتأثر ذلك المهاجر بالفكر الأوروبي العلماني الذي يفصل بين العبادة والجوانب الاجتماعية، مما قد ينحى به إلى فهم جديد أكثر علمانية للإسلام، تمثل فيه العلمانية الفصل التام بين صورالتعبيرالشخصي عن العبادة وصور التعبيرالاجتماعي-السياسي عن الدين. وهكذا، ينتج عن ذلك المنحى خياران: إما أن ينقطع المهاجرعن العبادة تماماً، وإما أن يحافظ على ممارسة شعائره الدينية بينما يبتعد عن المشاركة في النشاطات الاجتماعية-السياسية القائمة على أساس من الدين. ولكن على الجانب الآخر قد يصبح المهاجر المسلم طرفاً فاعلاً في النشاطات الإسلامية. وهذا المنحى أيضاً يوفر خيارين: إما أن يتجه المهاجر نتيجة للتهميش الاجتماعي الذي يلقاه إلى اتباع الفهم التقليدي للإسلام، وإما أن يميل نتيجة للتفاعل مع المجتمع إلى تعزيز تفاسير جديدة للنصوص الإسلامية تتناسب والسياق الاجتماعي والثقافي الجديد. إن حكايا الثقافة والدين سيل منهمر، تقف تجارب الهجرة في أعلاه ، ضاربة المثل الحي لما يمكن أن يفرزه التفاعل ما بين الثقافات من كيان " وسيط".
التشريعات الدينية للعديد من الجماعات الدينية والعرقية أعرافهم وتقاليدهم التي تقيد أو تقوي من ينتمون إليها كل حسب وجهة نظره. وعلى الرغم من أن الطلاق كان وما يزال في كثير من الحالات قضية إشكالية لدى العديد من هذه الجماعات، فإنه إشكالية واضحة في اليهودية والمسيحية الكاثوليكية والإسلام حيث نجد أن أمور الزواج والطلاق يحوطها مراسم وأعراف ، الشيء الذي يجعل التشريع الفعلي يربط بين الطلاق والعقيدة الدينية. فالكاثوليكية تفرض قيوداً على الطلاق على النساء والرجال سواء، وفي الإسلام يعد الطلاق مقبولاً بشكل عام، غير أن الطلاق من جانب الرجل عادة ما يكون إجراءً أسهل كثيراً مما لو كان مطلب المرأة، وفي اليهودية يعتبر الطلاق مقبولاً أيضاً، ولكن الحصول عليه كما هو الحال في الإسلام أيسر للرجل عنه للمرأة، غير أنه في اليهودية الأصولية والمحافظة يتعين على المرأة والرجل كليهما التوقيع على أوراق الطلاق حتى يمكن اعتباره طلاقاً صحيحاً. وفيما يلي سوف أناقش الوضع الإسلامي، وعلى الرغم من نقاط التشابه العديدة بين التشريع اليهودي والشريعة الإسلامية فيما يخص الزواج والطلاق، إلا أنني لن أتناول هذا الأمر. خضعت الفكرة القائلة بأن الشريعة الإسلامية وحدة غير قابلة للتغيير إلى الكثير من الجدل من جانب الكثير، بينهم كاتبات نسويات مسلمات يطالبن بتفسير المصادر الإسلامية تفسيراً آخر. وفي معظم الدول الإسلامية يعتبر قانون الأحوال الشخصية آخر معاقل الشريعة، أما المجالات الأخرى فيحكمها القانون المدني الذي تمت صياغته وفقاً للنمط العلماني للتشريع داخل العديد من الدول باستثناء بعضها مثل إيران والمملكة العربية السعودية، وبعض الدول الأخرى، في فترات معينة مضت، مثل السودان ونيجيريا وأفغانستان وباكستان. ويعد قانون الأحوال الشخصية أكثر نصوص الشريعة الإسلامية تفصيلاً. ولم يتدخل الحكام المسلمون على مدار التاريخ في التشريعات السارية داخل النطاق المحلي، غير أنهم قيدوا العلماء في مجالات القانون الأخرى، رامين بذلك إلى تقوية سلطتهم نيابة عن النخبة الدينية. عندما نتناول الشريعة بالحديث يسهل علينا مناقشتها في ضوء الفهم العصري لماهية القانون. فلم تكن الشريعة أبداً قانوناً متجانساً، لأنها تتكون من مصادر متنوعة للقانون، ألا وهي القرآن والسنة (الحديث) وتفاسيرهذين المصدرين. كما يشير التقسيم إلى مذاهب فقهية إلى تنوع الفهم الذي يمكن من خلاله تفسير تلك المصادر، ولكل مذهب منها مبادئ مختلفة يتبعها في التفسير. أضف إلى ذلك أن الظروف المختلفة في الأقاليم المختلفة قد دعت العلماء على مر التاريخ إلى سن تشريعات مختلفة لمعالجة أمور متشابهة. إن عنصر الزمن من أهم العناصر المؤثرة في هذا الأمر، فلقد كانت مسائل قانون الأحوال الشخصية التي تنص عليها الشريعة في أول الأمر مقننة في الفترة ما بين سنة 900 -1000 ميلادية، إذ كانت القواعد والضوابط المرعية تحكمها بعض السمات الثقافية المشتركة بين العالمين الإسلامي والغربي في نفس الوقت. وكانت الهياكل الأبوية هي السائدة، ولن يكون من المستغرب أن نرى أن التشريعات التي تحكم قضايا الأسرة تعكس الاتجاه الأبوي. فالقضية الماثلة هنا هي ما إذا كانت التشريعات التقليدية الخاصة بقانون الأحوال الشخصية تلائم مجتمعات ذات ظروف اجتماعية-اقتصادية مغايرة لتلك التي كانت سائدة في المجمتع الإسلامي في القرن الحادي عشر. إن زيبا مير حسيني، البريطانية ذات الأصل الإيراني والمتخصصة في الأنثروبولوجيا، والكاتبة البارزة في مجال قضايا التشريع الإسلامي، تزعم أن خضوع قانون الأحوال الشخصية لسيطرة الشريعة في الدول الإسلامية يرجع إلى أن القادة المسلمون المعاصرون لم يلبثوا أن استكملوا عملية التحديث التي بدأتها القوى الاستعمارية الغربية لبلادهم في الماضي. ورغم سعيهم لتحقيق أقصى مستويات الليبرالية للمجتمع لم تمتد أيديهم إلى نطاق الأسرة، بل تركوه لرجال الدين (مير حسيني). وهكذا تم الحصول على رضا علماء الدين، وضَمَن دعاة العلمانية أيضاً دعم المؤسسة الدينية لسياساتهم في مجالات أخرى (2000:10). بالإضافة إلى ذلك، مع تقديس القادة المسلمين المحدثين لقانون الأحوال الشخصية اتجهوا إلى انتقاء أجزاء منه تتناسب وأغراضهم، فالشريعة كانت في أصلها أكثر مرونة بفضل التنوع الكبير في الأحكام التي يمكن الرجوع إليها (Sonbol 1996). غير أنه مع عملية التقديس هذه تقلصت أحكام الشريعة لكي تصبح أقل مرونة.
الزواج في الإسلام: يُنظر لقانون حرية اعتناق الديانة على أنه الحق الأساسي في أي مجتمع متعدد الثقافات. وفي السويد يعتبر طقس الزواج الديني واحداً من الحقوق الجماعية المكفولة للأقليات الدينية. وهو الأمر الذي لا بد وأن يكون تطوراً طبيعياً للمنظور المسيحي الذي يتعامل مع الزواج على أنه رباط مقدس يقضي به الله. غير أن الزواج في الإسلام يختلف بعض الشيء، فعلى الرغم من أن الزواج يعتبر نوعاً من أنواع العبادة، فإن الزواج في حد ذاته لا ينظر إليه على أنه مقدس، حيث يمكن حل العقد المبرم بين الزوجين.
الطلاق في الإسلام: بناء على نظام المذاهب يجوز للزوج تطليق زوجته دون إبداء أي سبب، ويقع الطلاق بمجرد الجهر بلفظة الطلاق. غير أنه في العديد من الدول الإسلامية من الضروري إن يتم تسجيل هذا الطلاق. إلا أن الطلاق الذي يُقدِم عليه الرجل لا يمثل إشكالية ، أما الطلاق الذي تطالب به المرأة فهو قضية أخرى مختلفة تماماً. فوفقاً لنظام المذاهب يمكن أن تطالب المرأة بالخلع غير أنها تحصل على الطلاق في إحدى حالتين فقط: إما أن يقبل الزوج خلعها وبذلك يحصل على تعويض مالي، أو أن يعلن القاضي التطليق بناء على رواية المرأة. في معظم المجتمعات الغربية لا يوجد قضاة شرعيون يمكن للمرأة التي ترغب في الطلاق طبقاً للشريعة الإسلامية الاحتكام إليهم. لذا قد تلجأ المرأة التي ترفع دعوى الطلاق إلى المسجد المحلي من أجل الحصول على دعم للدعوى، أو قد تلجأ إلى المحكمة في وطنها الأصلي إذا كان زواجها قد انعقد هناك. غير أن فرص الحصول على الطلاق التي يقدمها كلا الخيارين للمرأة محدودة للغاية، نظراً لأن قلة فقط من رجال الدين الإسلامي في بلاد المهجر يخول لهم منح الطلاق، كما أن عدداً كبيراً من المحاكم في العالم الإسلامي لا تعترف بحق المرأة في الحصول على الطلاق. وهكذا احتلت قضية الطلاق الذي تطالب به المرأة محل الصدارة في المناقشات حول قضايا المرأة والإسلام في العقود الأخيرة. إن العديد من الدول الإسلامية تضع العراقيل أمام حصول المرأة على الطلاق، رغم أن القرآن والحديث يرد فيهما ما يفيد قبول الطلاق الذي تطالب به المرأة (سورة آل عمران الآية 229، وصحيح البخاري، كتاب الطلاق رقم 4867)، ومن ناحية أخرى تسمح الشريعة السلفية للنساء في بعض الحالات بالطلاق ضد رغبة أزواجهن. وتوضح أميرة سنبل ما نجم عن التقديس من تحجيم لحق المرأة في الحصول على الطلاق في المحاكم الشرعية، حيث تشير إلى حالتين من حالات الطلاق في المحاكم المصرية: الحالة الأولى وقعت سنة 1857 عندما طلبت امرأة الطلاق من زوجها الذي كان قد طلق زوجته الأولى قبل زواجه منها، ووعدها شفهياً بألا يرد زوجته الأولى إليه أبداً. غير أنه أخلف وعده وقام برد زوجته الأولى، فلجأت الزوجة إلى المحكمة وأحضرت شهوداً على وعده لها، لذا حكم لها القاضي بالطلاق مع التعويض المالي الكامل. أما القضية الثانية التي تشير إليها سنبل فترجع إلى سنة 1959، حين طلبت امرأة الطلاق من زوجها لأنه كان يضربها ويسيء إليها، ولم تطالب بأي نفقة. ولما طلب الزوج مبلغاً من المال أكبر من ذلك الذي كان يستحقه وفقاً لعقد الزواج كي يقبل طلبها ويمنحها الطلاق، وافق القاضي على طلب الزوج، حيث إن تشريع الدولة القومية المصرية آنذاك كان يمنح الرجل الاستئثار بحق التطليق. بالنظر إلى حالتي الطلاق هاتين، يمكننا الانتقال إلى التغييرات الأخيرة التي أُدخلت على قانون الأحوال الشخصية في مصر. ففي عام 2000 صدر قانون جديد للطلاق، كان نتاج التفاوض بين رجال السياسة ممن يمثلون كلا التيارين العلماني والديني، واتفقوا على حق المرأة في الحصول على الطلاق، حتى وإن كان ذلك ضد رغبة الزوج. وفي حين أقام رجال السياسة العلمانيون حجتهم على أساس إعلان حقوق الإنسان الذي يكفل لكل فرد المساواة في الحقوق أمام المحاكم، فإن الإسلاميين قبلوا هذا الشكل من التطليق معتبرين إياه " إسلامياً " استناداً إلى الخلع في الشريعة الإسلامية الذي يمنح المرأة الحق في خلع نفسها من زوجها. وفي ضوء النقاش السابق لنا أن نطرح الآن السؤال الآتي: أي من هذه الأحكام هو الحكم "الإسلامي الحقيقي" عند التعامل مع الطلاق الذي تطالب به المرأة؟ حالات الطلاق بين المسلمين في الدول الاسكندنافية تتعامل السلطات الاسكندنافية مع المهاجرين بعدة أساليب؛ ففي بعض الحالات تتعامل معهم بشكل جماعي، ولكنها في حالات أخرى تتعامل مع الأفراد على أساس الحقوق الفردية. وسوف أبين كيف تختلف الاستراتيجيات التي تتبعها السلطات في التعامل مع أُمورالأسرة كالزواج والطلاق بين المهاجرين الذين يدينون بديانات مختلفة، كما سأوضح مدى تأثير هذه الاستراتيجيات المختلفة على أوضاع النساء المسلمات في الدول الاسكندنافية، الأمر الذي يضع بعضهن في مأزق نتيجة لسياسة التعددية الثقافية هذه. أصبحت قضية الطلاق الذي تطالب به المرأة بين الجاليات المسلمة في الدول الغربية من القضايا التي تحظى باهتمام السلطات الاسكندنافية. ويرجع هذا في الأساس إلى تزايد عدد حالات الطلاق بين المسلمين في السياق الاسكندنافي. ويصعب تتبع عدد حالات الطلاق بين الجالية المسلمة إذ أن الانتماء الديني لا يذكر بشكل عام في الإحصاءات. غير أن الأئمة الذين أجريت معهم بعض المقابلات لأغراض الدراسة الحالية يشهدون على زيادة حالات الطلاق في السنوات العشرالأخيرة. فعلى سبيل المثال يوضح أحد الأئمة أنه منذ بدأ عمله مع بداية التسعينيات من القرن الماضي تضاعفت حالات الطلاق، ويقول : "في التسعينيات من القرن الماضي كان من الممكن أن تُعرض علي حالتان أو ثلاث حالات جديدة [نساء يطلبن الطلاق] في الشهر، ولكن مع بداية القرن الحادي والعشرين فإنني أتلقى ما بين ثلاثة إلى أربعة طلبات للطلاق في الأسبوع الواحد." وبوسع المرء أن يتفكر في الأسباب وراء هذه الزيادة في حالات الطلاق، غير أنه في هذه الورقة أعتقد أنه تكفي الإشارة إلى ما يعتقده الأئمة سبباً وراء هذه الحالات. فهم يرون أن طلب الطلاق له سببان: الأول له علاقة بتغير هيكل الأسرة، أي عندما يصبح الرجال عاطلون بلا عمل ويبقون في المنزل فيبدأون في مضايقة زوجاتهم؛ أما السبب الثاني من وجهة نظرهم فهو أن المرأة حين تهاجر إلى الدول الاسكندنافية تدرك حقوقها في المجتمع، وخاصة إمكانية أن تحقق استقلالها اقتصادياً دون الاحتياج إلى رجل، فما يكون منها إلا أن تتمرد وتثور ضد المعاملة المهينة التي تلقاها من زوجها، ولكن تأخذ ثورتها مظاهر أُخرى مغايرة لما قد تكون عليه لو ظلت في بلادها. تسود ثلاثة أنواع من الطلاق بين الجالية المسلمة في المجتمعات الاسكندنافية: النوع الأول هو الطلاق الذي يُقدِم عليه الرجل، أو كلا الزوجين معاً، وهذا النوع من الطلاق يحمل أقل قدر ممكن من المشكلات، باستثناء المشكلات النفسية التي تصيب الأطراف المعنية بعملية الطلاق وهم الزوج والزوجة والأطفال وأقاربهم المقربين. النوع الثاني هو الطلاق عن طريق الخداع ( النصب) ويلجأ إليه بعض الأزواج المسلمين من أجل زيادة البدلات التي يحصلون عليها من الدولة عند الطلاق تبعاًً للقانون في الدول الاسكندنافية، بينما يُبقون على زواجهما الشرعي الإسلامي. ففي الدول الاسكندنافية تتكفل الدولة بدفع نفقات للأطفال إذا كان ولي أمرهم الذي لا يعيشون في حضانته يتلقى المعونة الاجتماعية، لذا قد يكون من المربح بالنسبة للأسرة التي لديها عدد كبير من الأطفال الحصول على مثل هذا النوع من الطلاق الكاذب. أما النوع الثالث فهو الطلاق الذي تطالب به المرأة. فتأسيساً على أن المساواة أمام القانون هي القاعدة في ظل التشريعات العلمانية، ترفع بعض النساء المسلمات اللاتي يعشن في الدول الغربية قضايا سعياً للحصول على الطلاق داخل المحاكم القومية، ثم يستخدمن أوراق الطلاق هذه للحصول على طلاق إسلامي. فإذا رفض الزوج هذا الطلاق يسفر الموقف عن امرأةٍ تعيش "زواجاً أعرجاً"، أي أنها مطلقة بموجب نظام الدولة غير المسلمة، ومتزوجة بموجب النظام الإسلامي أو الدولة الإسلامية التي تنتمي إليها. إن عدد هؤلاء النسوة اللائي يعشن زواجاً أعرجاً في تزايد مستمر حسب تقارير وسائل الإعلام والمؤسسات التي تعمل مع النساء المسلمات، الأمر الذي يشير إلى صورة أكثر تعقيداً. فإن المرأة التي تتزوج مرة أخرى دون الحصول على الطلاق الإسلامي يمكن أن تتعرض للسَجن عند عودته إلى بلادها، بل والأكثر من ذلك أن المرأة المؤمنة صحيحة الإسلام التي تحافظ على واجباتها الدينية قد تتأثر صحتها النفسية إذا ما أقدمت على الزواج مرة أخرى دون الحصول على طلاق إسلامي. كما تعتبر البيئة الاجتماعية من العناصر الهامة، لأن المرأة التي تتزوج مرة أخرى دون الحصول على طلاق إسلامي يتهددها خطر الاستبعاد من جالية أبناء وطنها. كما يرفض العديد من أئمة المسلمين منح الطلاق الإسلامي دون الحصول على موافقة الزوج. ووفقاً لما قمت به من تحريات في عام 2004 فقد قام ثلاثة أئمة فقط في السويد بمنح ذلك الطلاق دون موافقة الأزواج، بينما لم أجد بين الأئمة في النرويج من وافق على القيام بذلك . غير أنه نتيجة لبعض المشكلات مثل تعرض هؤلاء الأئمة للتهديد واعمال العنف الهجومية، فقد أحجم الثلاثة الموجودون في السويد عن تحرير أوراق الطلاق الإسلامي. وقد شرح لي أحدهم أنه كان يسلم النساء أوراق الطلاق ضد رغبة أزواجهن على مدار الخمس عشرة سنة الماضية، غير أنه مؤخراً تعرض للتهديد الشفاهي والكتابي، لذا فقد بدأ يفكر جدياً في أن يمتنع نهائياً عن هذا العمل. إن حالتي "الطلاق الكاذب" و"الزواج الأعرج" هما اللتين أشعلتا الجدل من جديد حول الطلاق بين المسلمين على المستويين العام والخاص في المجتمع الاسكندنافي، والقضية الملحة هي ما إذا كان الطلاق داخل المحاكم الاسكندنافية يمكن أن يؤدي بالضرورة وبصورة آلية إلى طلاق إسلامي. وثمة قضية أخرى تتمحور حول الدور الذي يتعين على الدولة أن تلعبه من أجل ضمان حقوق كل فرد داخل الجماعة التي ينتمي إليها. أفلا يكفي أن توفر الدولة لكل فرد تشريعاً محايدا غير متعصب للنوع يستند إلى مفهوم حقوق الإنسان؟
الدولـــة في حين لم تتمكن السويد بعد من إثارة القدر الكافي من الاهتمام حول مسألة "الزواج الأعرج"، فإن السلطات النرويجية حاولت التوصل إلى حلول بشأن هذا الموضوع. ويعود الاختلاف في أسلوب معالجة هذه القضية إلى اختلاف التكوين الذي يميز مجتمع المهاجرين في كلتا الدولتين. ففي النرويج تعتبر الجالية الباكستانية أكبر الجاليات المهاجرة وأقدمها (منذ بداية الستينيات والسبعينيات من القرن العشرين)، في حين تتكون الجماعات المهاجرة إلى السويد في ذلك الوقت في أغلبها من الأتراك واليوغوسلاف. وقد كشفت اللقاءات التي أجريتها مع الأئمة الأتراك أن الأفراد الذين ينتمون إلى أصول تركية لم يلجأ منهم سوى القليل إلى القضاء للحصول على الطلاق، على العكس مما كان يحدث بين الجاليات الناطقة باللغة العربية. أما المسلمين الذين كانوا قد جاءوا من يوغوسلافيا السابقة فقد كانت لهم قوانين للأحوال الشخصية موضوعة في دول علمانية، لذا لم تواجههم مشكلة للتكيف مع نظام القضاء الاسكندنافي. وهناك سبب آخر وراء الاختلاف في أسلوب معالجة هذه القضية ، ألا وهو أن الخطاب الرسمي الخاص بالمهاجرين أكثر شدة في النرويج عنه في السويد. وأبرز مثال على ذلك ما حدث في حالة فاديم، تلك المرأة الكردية التي قتلها والدها دفاعاً عن الشرف في السويد في يناير 2002؛ ففي حين ركز الجدل في السويد على أن القتل دفاعاً عن الشرف نجم عن تهميش المهاجرين بشكل عام،أي أنه ينحي باللائمة على المجتمع السويدي بشكل عام، ركز الجدل النرويجي الرسمي على دور الإسلام في العنف المتعلق بقضايا الشرف، ملقياً باللوم على الإسلام والمسلمين. أدخلت السلطات النرويجية بعض التغييرعلى قانون الطلاق في يونيو سنة 2003، حيث أصبح القانون ينص على أنه في حالة الزيجات المبرمة بين مواطن نرويجي وشخص من المهاجرين يلتزم الطرفان بالتوقيع على إقرار بأن كل منهما يحق له الحصول على الطلاق، ويستهدف هذا التغيير النساء الواقعات في دائرة "الزواج الأعرج" وهن في الغالب المسلمات. ولكن هذا القانون واجه عواصف من المعارضة الشديدة، كانت أعنفها الانتقادات التي شنتها جمعية النساء الكاثوليكيات. وقد علت نبرة التوتر بين حق حرية العبادة من ناحية، وسياسة المساواة في الفرص بين الجنسين على الناحية الأخرى في النقاش الذي ثار في أعقاب ذلك التغيير. بل وقامت معظم الجمعيات الدينية بتوجيه النقد الشديد لهذا القانون الجديد. ففي حين يرى الكاثوليكيون أنهم يتميزون بوضع خاص لأن زيجاتهم لن تكون صحيحة إن تعين عليهم توقيع ذلك الإقرارالذي يفيد بأحقية التطليق لكلا الزوجين، فإن معظم الجمعيات الدينية الأخرى ناقشت الموضوع من حيث الحق في حرية العبادة. ومن بين الأمثلة التي طُرحت أنه على الرغم من توافر الفرصة أمام المسلمين لوضع بعض الشروط في عقد الزواج مثل حق المرأة في تطليق نفسها، فإن المسلمين انتقدوا القانون الجديد لأنهم يرونه انتهاكاً لحرية العبادة.
حالات الزواج والطلاق في الخارج: بالنسبة للأزواج المسلمين الذين يتزوجون في الخارج ثم يحصلون على الطلاق وفقاً للقوانين الاسكندنافية، قد يعتقد المرء أن أوراق الطلاق الاسكندنافية لا بد وأن تقبلها سلطات الدول الإسلامية، فإن كل من السلطات النرويجية والسويدية منذ سنة 1978 تقبل الطلاق الذي يتم في بلد أجنبي، شريطة أن يكون أحد الزوجين مقيماً في هذا البلد أثناء وقوع الطلاق. إلا أن الدول الإسلامية لا تقبل الطلاق الذي يتم في دول أجنبية على وجه العموم، وهو الأمر الذي يعود في مجمله إلى انعدام حق المرأة في التطليق، ولكنه يرجع أيضاً لمسألة المهر الذي يظل العقبة الرئيسية. وعلى الرغم من أن الشريعة الإسلامية قد وضعت قواعد مفصلة للتعامل مع المهر في حالات الطلاق، فإنه من الضروري تحديد التفاصيل القاطعة بشأن الطرف الذي طلب الطلاق، وعلى أي أساس بنى طلبه هذا، والغرض من وراء ذلك هوإتمام الإجراءات الصحيحة بالنسبة للأحوال المادية لكل من الزوجين. في بعض البلدان مثل باكستان على سبيل المثال، يمكن للمرأة تسجيل الطلاق حسب القوانين الاسكندنافية. أما في دول أخرى مثل معظم البلاد العربية وإيران لا يتوافر مثل هذا الخيار. ومن هنا تتضح العقبات التي تحول دون قبول الطلاق في حالة الزيجات التي انعقدت في البلدان الإسلامية وانحلت عقدتها في دولة اسكندنافية – الأمر الذي يتطلب اتفاقات مفصلة قد يصعب التوصل إليها حول كيفية التعامل مع مسألة المهر. وهنا تتجلى حالة الشد والجذب بين النظم القانونية الدينية والعلمانية. ويبدو من الواضح أن الضغوط الدولية على البلدان ذات التشريعات القائمة على أساس ديني أمر ملح من أجل إيجاد حل لمشكلة الزيجات العرجاء، خصوصاً بالنسبة للنساء المسلمات واليهوديات اللاتي يعشن في دول غربية. والمشكلة أكبر من أن يتم حلها باتفاقات ثنائية فقط، فمن أجل ضمان سيادة القانون لا بد من تشكيل فريق عمل داخل الأمم المتحدة من أجل التحقيق في مسائل الزيجات العرجاء والعمل على إيجاد حل لها.
حالات الزواج والطلاق بين جاليات الأقليات إن حق الجمعيات الدينية في عقد الزيجات في الدول الاسكندنافية يندرج تحت تلك الحقوق الممنوحة للأقليات الدينية (الحقوق الجماعية)، غير أن الطلاق حق من حقوق الفرد (حق فردي). وتتمتع بعض منظمات الأقليات بحق إبرام الزواج، ولكن بالنسبة للمسلمين فإن الأزواج الذين قاموا بإتمام زواجهم من خلال هذه المنظمات سوف يتم اعتبارهم بالضرورة قد تزوجوا في ظل النظام الاسكندنافي. وفي حالة إتمام الزواج في الدول الاسكندنافية، فإن الطلاق الذي يتم في إحدى المحاكم بها يعتبر قانونياً بشكل كافٍ، على الرغم من أن الكثيرين يطالبون بإجراء طلاق ديني مراعاةً للعوامل الاجتماعية والنفسية، وكما أسلفنا ، قد يصعب الحصول على طلاق ديني. وأزعم هنا أن الحق الرسمي الممنوح للجمعيات الدينية في عقد الزيجات يخلق مفهوماً للزيجات الدينية تضفي عليه الدولة صفة المشروعية. فالأمر في النرويج يتسم بالخصوصية إذ أن النرويج لديها كنيسة تابعة للدولة، أما بالنسبة للسويد فإن الدولة قد انفصلت عن الكنيسة سنة 2000. ولكن بالنسبة للإسلام، وبالنسبة لليهودية باتجاهيها الأصولي والمحافظ ، فإن فعل الزواج يتضمن شروطاً غير مقبولة في ظل سياسة تكافؤ الفرص بين الجنسين المتبعة في الدول الاسكندنافية. ويرجع هذا أولاً وأخيراً إلى تقييد حق المرأة في كلا الديانتين مع إطلاق حق الرجل في التطليق، ثانياً بالنسبة للإسلام فإن ما تقترحه الشريعة الإسلامية في أمور التقسيم المالي للملكية في حالة الطلاق غير مقبول في ضوء مبادئ تكافؤ الفرص بين الجنسين. فعندما يتزوج رجل مسلم من امرأة مسلمة يقدم الرجل المهر للمرأة، ويتراوح هذا المهر من مكان إلى مكان ومن طبقة اجتماعية إلى أخرى. عادة ما ينقسم المهر إلى قسمين الأول هدية (نقود أو ذهب الخ...) تُقدم عند الزواج، والثاني هدية يدفعها الرجل عن تطليقه المرأة. أما إن رفعت المرأة قضية لطلب الطلاق فعليها رد المهر الذي حصلت عليه عند زواجها، وذلك إذا لم يكن لديها أسباب وجيهة لطلب الطلاق (مثل العجز الجنسي أو الإساءة البدنية الخ...). ويسود مفهوم بين الجالية المسلمة أنه كلما زاد قدر النقود زادت قيمة العروس. غير أن النتائج قد تختلف إذا ما استحكم الأمر بين الزوجين ووصلا إلى حالة الطلاق. فنظراً لأن الرجل له الحق في الزواج من أكثر من امرأة، نجد أنه إذا رغب في تطليق زوجته بينما لا يرغب في دفع النقود التي ينص عليها عقد الزواج، يمكنه عندئذ ترك زوجته دون طلاق، أو معاملتها معاملة سيئة، بل يمكنه الزواج من أُخرى (في البلاد الإسلامية)، أو اتخاذ خليلة (في الدول الغربية) دون أن يطلق زوجته. وهكذا فإنه بشكل غير مباشر يرغم الزوجة على رفع قضية لطلب الطلاق، الأمر الذي قد يترتب عليه أن تكون المرأة هي التي ترد المهر الذي حصلت عليه وقت الزواج حتى تستطيع الحصول على الطلاق من زوجها. وقد ينطبق هذا الوضع أيضاً على المرأة اليهودية، حسبما ينص عليه عقد زواجها في حالة الطلاق. وعند مناقشة أئمة النرويج والسويد عن رأيهم في السبب الأساسي لعدم تحول الطلاق الاسكندنافي مباشرة إلى طلاق إسلامي أرجعوه إلى المهر، وهكذا قد يتحول المهر الذي هو من المفترض أن ينفع المرأة إلى عائق يقف حائلاً أمام حصولها على الطلاق. ومن المثير للدهشة أن المهر في البوسنة مثلاً عبارة عن مبلغ رمزي، وهو تقليد موروث من عصر تيتو؛ الأمر الذي يجعل من الطلاق بين البوسنيين في المنفى أسهل كثيراً منه بين المسلمين الذي يأتون من بلدان أخرى تطبق الشريعة إسلامية. وربما يشير هذا الأمر إلى أنه لو حُلت مسألة المهر قد يسهل على المسلمين مساواة الطلاق وفقاً لقوانين الدول الاسكندنافية بالطلاق الإسلامي، غير أن خفض قيمة المهر أو جعله مبلغاً رمزياً لا يحل بالضرورة مشكلة الطلاق الأعرج. فقد يستمر المسلمون، مثلما فعلت مجموعة روما من قبلهم، في اتباع عرف غير رسمي يلزم بالمهور المرتفعة. تخول السلطات الاسكندنافية للعديد من المنظمات الدينية الحق في عقد الزواج، غير أن هذه المنظمات تشمل داخلها بعض التيارات الدينية التي ترفض سياسة تكافؤ الفرص بين الجنسين السائدة في مجتمع الأغلبية. إن إضافة بعض الشروط في عقد الزواج ربما تجعل عقد الزواج بين المسلمين مقبولاً من جانب تشريعات الدولة العلمانية. ومن الضروري أن نعي أن الأزواج المسلمين لهم هذا الحق وفقاً للشريعة الإسلامية، لذا فمن الممكن وضع عقد معياري يُذكر فيه صراحة تساوي الرجل والمرأة في حق التطليق. ويمكن أن تتم صياغة مثل هذا العقد المعياري بعد حوار بين قادة الجالية الإسلامية ومجتمع الأغلبية. غير أنه دون هذا الشرط، فإن قبول التشريع العلماني للزيجات الإسلامية سوف يشير ضمناً إلى قبوله لسياسات التمييز ضد الأفراد الضعاف داخل المجتمع،. وهذا القبول الضمني لتلك السياسات سوف يعني تشجيع السلطات لكل التشريعات الدينية القائمة على أساس جماعي، أي أنها تبارك وتعزز مفهوم الحقوق لدى هذه الجماعات، وهو الذي يسمح لبعض الأفراد داخل الجماعة بفرض المعاناة على غيرهم. لذا فإن سياسة التعددية الثقافية قد تتسبب في وقوع الظلم على الأفراد الضعاف داخل مجتمع الأقلية.
تأمــلات تبدو التعددية الثقافية لأول وهلة معركة ً من أجل العدل والمساواة، لكننا إذا دققنا النظرفي مسألة النوع، يتضح أمام أعيننا أن تأكيد التعددية الثقافية على حق كل فرد في الثقافة إنما يعني الثقافة التقليدية التي تنبني على مفاهيم تتسم بالتحيز والتمييز بين الجنسين. فالتعددية الثقافية، كما تشير بن حبيب، تعزز سياسة ً لا تقيم لمسائل النوع أي اعتبار (Benhabib 2002). من المسئول عن اختيار ذلك الجزء من منظومة المعاني داخل الأقليات الذي يتعين إدماجه في النظام القانوني متعدد الثقافات؟ إنه من الخطورة بمكان أن يقع الاختيار على المحتوى الثقافي والديني المهيمن داخل مجتمع كل أقلية، الشيء الذي ستظهر آثاره على النظام متعدد الثقافات. إن معظم مجتمعات الأقليات الدينية التي تعيش في الدول الغربية في الوقت الحاضر تحكمها قواعد تقليدية وضعها رجال الدين في فترات تاريخية مضت، وظروف وأوضاع اجتماعية تختلف كل الاختلاف عن مثيلاتها في المجتمعات الحديثة اليوم، لذا فإنه من المشكوك فيه أن تظل مثل هذه الأحكام مقبولة بصفتها أحكاماً مرجعية في المجتمع الحديث. عادة ما يكون الهم الأكبر لقادة الجاليات ورجال الدين هو استمرار بقاء الجماعة ، والحفاظ على هذه الأحكام التقليدية من أجل ضمان هذا البقاء، لكنهم لا يولون اهتماماً يذكر للسعي من أجل فهم جديد للنصوص الدينية. فعلى سبيل المثال يأتي حظر زواج المسلمات من غير المسلمين من أجل الاحتفاظ بالأطفال داخل الجماعة، وفقاً لمبدأ نسب الطفل إلى أبيه القائم في الشريعة الإسلامية، واتساقاً مع كون الرجل قائد الأسرة ومرشدها – إذن الفكرة هي أن زواج المرأة من خارج الجماعة من شأنه أن يتسبب في تقليل عددها. ومن بين الأمثلة الأخرى التي نجدها في التشريعات اليهودية والإسلامية هي صعوبة حصول الزوجة على الطلاق ضد رغبة الزوج. ففي اليهودية بشقيها الأصولية والمحافظة يتساوى الرجل والمرأة نسبياً حيث يمكن للمرأة رفض قبول الطلاق. غير أنه من المقبول أن يعيش الرجل اليهودي مع امرأة جديدة إذا رفضت زوجته الطلاق ، بينما لا يحق للزوجة أن تفعل ذلك (Groth 2005:146). وهكذا تصبح المرأة اليهودية هي الضحية الوحيدة لهذا الزواج الأعرج. أما على مستوى الممارسة الفعلية فالمرأة اليهودية تستطيع بالكاد الحصول على الطلاق دون موافقة زوجها، حتى وإن كان يعيش مع امرأة جديدة. لكن الشريعة الإسلامية تسمح للمرأة بالحصول على الطلاق ضد رغبة زوجها، وذلك من خلال وسيط مثل عالم من علماء الدين أو أحد قادة الجماعة. وفي بعض البلدان الإسلامية يسهل اتخاذ اجراء الطلاق الذي تطالب به المرأة، غير أنه بين الجاليات الإسلامية في الغرب يمكن أن يصعب على المرأة الحصول على الطلاق الإسلامي نتيجة لقلة عدد السلطات الإسلامية ذات الصلاحية. تشير التشريعات التقليدية التي عادة ما يؤيدها الذكور ورجال الدين إلى أن المحتوى الثقافي لمجتمعات الأقلية في الدولة متعددة الثقافات عادة ما يتكون من فهم نخبوي، لا من تفسيرات بديلة للنصوص الدينية. وقد شهدت العقود الأخيرة صوراً متعددة لفهم النصوص الدينية سواءً المسيحية أواليهودية أوالإسلامية، وهذه التفسيرات تؤكد على ضرورة رفض المحتوى الثقافي المهيمن السائد، على أنه ينطوي على تطوير الجماعة بأسرها فكرياً ودينياً. وبالنسبة للأقليات على وجه الخصوص ممن يعيشون في الدول الغربية ، فإن التفاعل الاجتماعي والثقافي بينهم وبين هذه المجتمعات يفرز فكراً جديداً ورؤى جديدة يمكن قراءة النصوص الدينية في ضوئها. من المهم النظر إلى الثقافة والدين من منطلق التغير التسلسلي، وخاصة من أجل تمكين الفئات الضعيفة والمعرضة للخطر في هذه المجتمعات مثل النساء والأطفال والشواذ جنسياً. النقطة الحاسمة إذن في النقاش حول التعددية الثقافية هي أي جزء من المظاهر الثقافية أو الدينية هي التي يتعين قبولها ودمجها في النموذج المتعدد الثقافات. إذ أن التعددية الثقافية في فحواها تقول بضرورة أن تبتعد الأغلبية المهيمنة عن إهمال أوضاع الأقليات، من المهم أيضاً التوصل لطرق لمنع الهيمنة داخل المجتمعات من أجل التغلب على أصوات المعارضين. ما هي الفرص المتاحة أمام الأفراد المنتمين لثقافات الأقليات لكي ينتموا إلى أكثر من مجتمع ثقافي، فعلى سبيل المثال، ماذا عن رغبة الشواذ جنسياً في أن يكون لهم دور ديني بين مجتمع الأقلية الذي يعيشون فيه، ولكنهم لا يتمكنون من ذلك نتيجة لروح التحيز داخل المجتمع؟ ( انظر Shachar لمزيد من الإيضاح). وماذا عن المسلمات واليهوديات اللاتي حصلن على الطلاق المدني، ولكنهن ما زلن متزوجات وفقاً للشريعة، ويرغبن في الزواج مرة أخرى؟ وماذا عن المسلمات المتدينات الراغبات في الزواج من غير مسلمين، ومن ثم يرغبن في الانتماء إلى كل من جماعتهن الدينية ومجتمع الأغلبية الأوسع نطاقاً ؟ تلك كلها قضايا تحتاج إلى حلٍ في إطار مجتمع التعددية الثقافية، وكذا المجتمع متعدد الثقافات. لقد تغير المنظور للعلاقات النوعية بين الجنسين في العالم الغربي تغيراً ملحوظاً نتيجة لتغير الظروف الاجتماعية-الاقتصادية على مدى القرنين الماضيين، ولذا قد يصبح من الممكن التنبؤ بتغير مماثل في الجاليات المسلمة التي تعيش في العالم الغربي مع مرور الوقت. غير أنه من بين تبعات سياسات التعددية الثقافية أنها قد تمنع حدوث مثل هذا التطور داخل الجاليات المسلمة إذا أسهمت في تحجيم الفهم الثقافي والديني في إطار زمان ومكان ما. وعلى الرغم من أن حماية الحقوق الثقافية من المهام الرئيسية لأي مجتمع حديث، لا تزال المهمة الأكبر هي حماية الفرد وحق الفرد في الاختيار الحر – وهذا هو الأساس الأيديولوجي للمجمتع الغربي. والقضية الأخرى هي ما إذا كان يتعين على الدولة التدخل في العالم الخاص للأقليات الدينية. فإذا طرحت الدولة نظاماً تشريعياً لا يميز بين الجنسين تؤَمِّن من خلاله منظور حقوق الإنسان، فلم تتدخل الدولة إذن؟ قد تكمن الإجابة على هذا السؤال في طريقة الدولة في التدخل. لأن أي تشريع فعلي تطرحه الدولة سوف يعتبر انتهاكاً لحرية ممارسة الأديان وحقوق الإنسان بشكل عام في ظل التعددية الثقافية. لذا ربما يعد الحوار بين الدولة وممثلي المنظمات الدينية للتوصل إلى حلول وسط مقبولاً لدى المنظمات الدينية. إن قضية الطلاق بين الأقليات الدينية في الدول الاسكندنافية موضوع جدل مستمر، دارت حوله مؤخراً كثير من المناقشات، وأصبح من الضروري أن يتم التوصل إلى حل له. ولكن نتيجة للطبيعة المعقدة لقضية الزواج والطلاق في الشريعة الإسلامية يتعين على علماء الدين من أهل الخبرة والسلطات الاسكندنافية دراسة هذا الأمر دراسة مستفيضة.
----------------------------------- ثبت المراجع:
(*) من أوراق مؤتمر: "حقوق الإنسان وتجديد الخطاب الديني:كيف يستفيد العالم العربي من تجارب العالم الإسلامي غير العربي؟" الإسكندرية في 18-20 أبريل 2006. الدكتورة آن صوفي رولد مؤلفة كتاب "النساء في الإسلام .. التجربة الغربية" (روتلدج ، لندن، ط1، 2001))
Becket, Clare and Macey, Marie. 2001. “Race, gender and sexuality: The oppression of multiculturalism”"العنصر، والنوع والجنسانية: قهر التعددية الثقافية" in Pergamon Womenäs Studies International Forum, vol. 24, No. 3/4, pp.309-319. Benhabib, Seyla. 2002. The Claims of Culture. Equality and diversity in the global era, مطالب الثقافة: المساواة والتنوع في عصر العولمةPrinceton and Oxford: Princeton University Press. Coleman, Doriane Lambelet. 1996.”Individualizing Justice through multiculturalism: The Liberals’ dilemma” "العدالة من منظورفردي من خلال التعددية الثقافية: مأزق الليبراليين", Columbia Law Review 96, no. 5 (June 1996), 1093-1167.
Cowan, Jane K., Dembour, Marie-Bénédicte and Wilson, Rickard A. (eds.) 2001. Culture and Rights. Anthropological Perspectives الثقافة والحقوق: منظور أنثروبولوجي , Cambridge: Cambridge University Press. Eriksen, Thomas Hylland. 1997. ”Multiculturalism, individualism and human rights: Romanticism, the enlightenment and lessons from Mauritius"التعددية الثقافية والفردية وحقوق الإنسان: الرومانسية والتنويرودروس من موريشيوس" in R. A. Wilson (ed) Human Rights, Culture and Context, London: Pluto Press, pp. 49-69. Groth, Bente. 2005. “Mann og Kvinne skapte han dem. Ekteskapets betydning i jødisk tradisjon” in B. S. Thorbjørnsrud (ed) Evig Din.Ekteskaps og samlivstradisjoner i det flerreligiøse Norge, Oslo: Abstrakt Forlag. Mir-Hosseini, Ziba. 2000 (1993). Marriage on Trial: A study of Islamic Law: Iran and Morocco comparedمحاكمة الزواج: دراسة للشريعة الإسلامية: مقارنة بين إيران والمغرب , London: Taurus. Merry, Sally Engle. 2001. “Changing rights, changing cultures” "الحقوق المتغيرة والثقافات المتغيرة"in J.K. Cowan, , M-B. Dembour, and R.A. Wilson (eds.), Culture and Rights. Anthropological Perspectives, Cambridge: Cambridge University Press. Modood, Tariq. 1997. “Introduction” in T. Modood and P. Werbner (eds.) The Politics of Multiculturalism in the new Europe: Racism, identity and community سياسات التعددية الثقافية في أوروبا الجديدة: التفرقة العنصرية والهوية والمجتمع, |
25-05-2006 . الملتقى / / .
http://almultaka.org/site.php?id=358
|