/
جدارات الوعي في السياق المعرفي الإسلامي: تفسير "وليس الذكر كالأنثى" أنموذجاً
يوسف محمد بناصر
. جدارات الوعي في السياق المعرفي الإسلامي من خلال نظرة المفسرين للمرأة في التراث التفسيري تفسير :"[وليس الذكر كالأنثى]" أنموذجا
يعتبر القرآن منذ العصر الأول لتنزلاته إلى العصر الحديث؛ من أهم النصوص التي جلبت أنظار المفسرين المسلمين و غيرهم من المفكرين و الباحثين،لأنه يتوفر على أرضية خصبة تصلح – على حسب اعتقادهم - لتطبيق المناهج و الآليات الحديثة و المعارف الإنسانية.. وأيضا لما يتوفر عليه النص من قوة ذاتية تجعل طرحه لتصوراته و محاججاته؛ صلبة ومتماسكة وموضوعية، حتى مع ألد خصومه خصوم الحق، والنص القرآني طرح رؤيته لموضوعات مختلفة؛ أهمها قضية المرأة .. فما الفرق بين نظرة القرآن و نظرة المفسرين لهذه القضية على وجه الخصوص..؟ وما هي نقطة الاتفاق والافتراق بين نظرة القارئ وتصورات النص..؟
التراث التفسيري ونظرته للمرأة من خلال الآية الكريمة: " ربي إني وضعتها أنثى" محاولة للبحث والفهم: إن الإنسان مهما بلغ من العلم وحصد أرقى المعارف؛ لا يكون إلا صورة عن مجتمعه وبيئته، وهذا يتجلى فيما نحن بصدده، فمدى تأثر عقل المفسر بالبيئة والثقافة الاجتماعية عموما يتمظهر في تفسيراته للنص القرآني، وخصوصاً في قضايا حساسة مثل قضية المرأة ...، وتعبر الباحثة رقية طه جابر العلواني عن ذلك؛ بأنه لا ينكر بحال تأثر المجتهد بعصره وبيئته ومعطياتها، بيد أن ذلك التأثر قد يصل حد منازلة نصوص القرآن الكريم والسنة الصحيحة المطلقة المفارقة للزمان و المكان والأعراف،وهذا أمر يقتضي الوقوف عنده ودراسة أبعاده. فأمام مجلس ضم إتجاهات مختلفة خرج شاب مسلم متحمس ليقول إن الرجل أفضل من المرأة بدليل قوله تعالى [وليس الذكر كالأنثى]، و نفس القصة تكررت، ولكن هذه المرة في فضاء أكثر أكاديمية؛ الجامعة ومن أستاذ متخصص في مواد شرعية، حيث حاججنا هذا الأخير - ونحن في حصة دراسية- بنفس الآية ليؤكد على أفضلية الرجل على المرأة، ثم يتبع قوله بإستنباطات وتفسيرات تؤكد مذهبه، فـكل هذه الأحداث وغيرها مما نلاحظه يومياً في شوارعنا أو في إعلامنا كان مستفزا ودافعا للبحث من جديد حول هذه القضية القديمة الجديدة، من خلال استنطاق الجيل الأول من المفسرين؛ بقراءة تفسيراتهم ثم بمحاولة فهم ما يحيط بمسألة فهم النصوص القرآنية من عوامل تجعل المواقف تتباين عند محاولة (الجميع) قراءة أو فهم مراد النص.
جرد نماذج من تفسير الآية الكريمة: "ربي إني وضعتها أنثى": فالتفسير الكبير للفخر الرازي في تفسيره للآية الكريمة يقول أن فيها قولان: القول الأول:أن مرادها تفضيل الولد على الأنثى، وسبب هذا التفضيل من وجوه: الوجه الأول: أن شرعهم لا يجوز تحرير الذكور دون الإناث. الوجه الثاني: أن الذكر يصح أن يستمر على خدمة موضع العبادة و لا يصح ذلك في الأنثى لما كان الحيض و سائر عوارض النسوان. الوجه الثالث: الذكر يصح لقوته وشدته للخدمة دون الأنثى فإنها ضعيفة لا تقوى على الخدمة. الوجه الرابع:الذكر لا يلحقه عيب في الخدمة و الاختلاط بالناس و ليس كذلك الأنثى. الوجه الخامس: أن الذكر لا يلحقه من التهم عند الاختلاط ما يلحق الأنثى فهذه الوجوه تقتضي فضل الذكر على الأنثى في هذا المعنى.
القول الثاني: أن المقصود من هذا ترجيح هذه الأنثى على الذكر:أنها قالت الذكر مطلوبي وهذه الأنثى موهوبة الله تعالى، و ليس الذكر الذي يكون مطلوبي كالأنثى التي هي موهوبة لله وهذا الكلام يدل على أن تلك المرأة كانت مستغرقة في معرفة جلال الله عالمة بأن ما يفعله الرب بالعبد خير مما يريده العبد لنفسه. وفي التبيان في تفسير القرآن للشيخ أبي جعفر محمد بن الحسن الطوسي عند تفسيره للآية الكريمة [ وليس الذكر كالأنثى ]، يقول هو اعتذار بأن الأنثى لا تصلح لما يصلح له الذكر، و إنما كان يجوز لهم التحرير في الذكور دون الإناث لأنها لا تصلح لما يصلح له الذكر من التحرير لخدمة المسجد المقدس لما يلحقها من الحيض و النفاس و الصيانة عن التبرج للناس.
أما الجامع لأحكام القران للشيخ عبد الله بن أحمد الأنصاري القرطبي: فقال أن الصالحة نذرت خدمة المسجد في ولدها فلما رأته أنثى لا تصلح و أنها عورة إعتذرت إلى ربها من وجودها لها على خلاف ما قصدته فيها .
و عند الشيخ محمد رشيد رضا في تفسيره المنار يقول:" فلما وضعتها قالت ربي إني وضعتها أنثى" قالوا : إن هذا خبر لا يقصد به الإخبار بالتحسر و التحزن و الاعتذار، فهو بمعنى الإنشاء و ذلك أنها نذرت تحرير ما في بطنها لخدمة بيت الله و الانقطاع لعبادته فيه،والأنثى لا تـصلح لذلك عادة لا سيما في أيام الحيض، قال تعالى " و الله أعلم بما وضعت " أي؛ بمكانة الأنثى التي وضعتها وأنها خير من كثير من الذكور،ففيه دفع لما يوهمه قولها من خسة المولودة و إنحطاطها عن رتبة الذكور و قد بين ذلك بقوله: " وليس الذكر " الذي طلبت أو تمنت " كالأنثى " التي وضعت بل هذه الأنثى خير مما كانت ترجو من الذكر "وليس الذكر كالأنثى "، مع أن الآية لا تشير إلى الأفضلية بل الغيرية أي أن كل ما في الأمر اختلاف الذكر عن الأنثى.
وفي الميزان في تفسير القران للشيخ السيد حسين الطباطبائي، فإنه فسر الآية الكريمة "وليس الذكر كالأنثى " ،بأنها مقولة له تعالى لا لإمرأة عمران، ولو كان مقولا لها لكان حق الكلام أن يقال " وليس الأنثى كالذكر" لا بالعكس، وهو ظاهر فإن من كان يرجو شيئا شريفا أو مقاما عاليا ثم رزق ما هو أخس منه و أردأ إنما يقول عند التحسر ليس هذا الذي وجدته هو الذي كنت أطلبه و أبتغيه أو ليس ما رزقت كالذي أرجوه و لا يقول ليس ما كنت أرجوه كهذا الذي رزقته البتة.
وعن تفسير التحرير والتنوير للشيخ الأستاذ محمد الطاهر بن عاشور ننقل تفسيره للآية الكريمة " والله أعلم بما وضعت "حيث يقول؛ بأنها جملة معترضة و قرأ الجمهور و ضعت ْ –بسكون التاء – فيكون الضمير راجعا إلى إمرأة عمران، وهو حينئذ من كلام الله تعالى و ليس من كلامها المحكي ، والمقصود منه؛ أن الله أعلم منها بنفاسة ما وضعت وأنها خير من مطلق الذكر الذي سألته، فالكلام إعلام لأهل القرآن بتغليطها، وتعليم بأن من فوض أمره لله لا ينبغي أن يتعقـب تدبيره.
وفي تفسير الشعراوي عند توقف الشيخ الشعراوي عند الآية الكريمة "ربي إني وضعتها أنثى"؛ يقول إن الحق يقول لها لا تظني أن الذكر الذي كنت تتمنيه سيصل إلى مرتبة الأنثى إن هذه الأنثى لها شأن عظيم، أو أن القول من تمام كلامها "إني وضعتها أنثى" و يكون قول الحق :"و الله اعلم بما وضعت"هو جملة إعتراضية ويكون تمام كلامها "و ليس الذكر كالأنثى" أي أنها قالت:يا رب إن الذكر ليس كالأنثى إنها لا تصلح لخدمة البيت،و ليأخد المؤمن المعنى الذي يحبه و ستجد أن المعنى الأول فيه إشراق أكثر، إنه تصور أن الحق قد قال أنت تريدين ذكرا بمفهومك في الوفاء بالنذر، و ليكون في خدمة البيت و لقد وهبت لك المولود أنثى،ولكني سأعطي فيها أية اكبر من خدمة البيت و أنا أريد بالآية التي سأعطيها لهذه الأنثى مساندة عقائد لا مجرد خدمة رقعة تقام فيها الشعائر.
فبعد جرد لنماذج من مختلف التفاسير التي تنتمي لحقب زمانية مختلفة، بل و متباعدة، ولمشارب مذهبية وفكرية و بيئية متفرقة، نورد تعليقا للمفكر الباحث خالص جلبي حول نفس الآية، ففي تأمله للنص يرى أن القرآن ذكر هذه الفقرة أي الآية " وليس الذكر كالأنثى " في قصة امرأة عمران وهو ينقل على لسانها، لعلها تتساءل عن اثر ضغط المجتمع في استقبال المولود (الجديد) الأنثى...ثم يتابع القرآن السياق، وفي محاولة منه للتوضيح أكثر رتب فقرات الآية القرآنية في هذا الصدد بحسب التالي: - السياق مكون من خمس فقرات: {1– قالت ربي إني وضعتها أنثى 2 - و الله أعلم بما وضعت. 3 - و ليس الذكر كالأنثى 4 - و إني سميتها مريم 5- و إني أعيذها بك وذريتها من الشيطان الرجيم }. وعلق بقوله:إن السياق مكون من خمس فقرات: جملة 1-2-3-4- 5 وهي بكل تأكيد لامرأة عمران الفقرة أو الجملة الثانية هي جملة اعتراضية أو تعقيب من القرآن على كلامها، الفقرة الثالثة فيها احتمالات أي أن تكون تابعة للتعقيب أو من قولها، و يتابع الدكتور خالص جلبي محاولاته للتقرب من المفهوم أو المعنى المحيط بالنص من خلال مراجعته لثلاث تفاسير، واحد قديم وهو للقرطبي واثنان حديثان هما تفسير القاسمي والمنار لرشيد رضا، فينتهي بخلاصة مفادها؛ وجود فروق في فهم النصوص، فوضع المرأة في المجتمع والمفاهيم المسيطرة على ثقافة الناس لها تأثير واضح على فهم النصوص،ويشير إلى أن مدرسة رشيد رضا التي حررها بشكل واضح في جريدة المنار وفي تفسيره المنار، تختلف فيه نظرته للمرأة عن غيره من المفسرين والتفاسير الأخرى فهو لم يفهم من النص الأفضلية بل فهم الاختلاف .
عـــــود على بــــدء: إن تتبع حالة المرأة وظروفها وبعض التصورات السلبية المحيطة بها في ظل الحضارة الإسلامية، والمبتعدة غالبا عن معاني الوحيين؛ يمكننا من معرفة تحولات المفاهيم الإسلامية وأبعاد تأثر العقل المعرفي الإسلامي بالتقاليد المحيط به والثقافات والنفسيات المتحكمة فيه، وكذا من تتبع جيد لتطورات هذا العقل في نحت مصطلحاته واستخراج مفاهيمه وتجديد تدبراته في فهمه لنصوص الوحي، و أهم أرضية تطبق عليها هذه العملية وبشكل واضح هو المنتوج التفسيري؛ الذي هو كما يصفه به الباحث جاك بيرك:بأنه نتاج ثقافي قائم على الممكن والنسبي و حاصل في الأفهام على مقدار اختلافها وتفاوتها، ولأنه كذلك، فهو رهن بشروط تاريخية وزمانية وبظروف ذاتية و إنسانية بحتة بينما الخطاب الأصل ((فمنتج ثقافي))، وهذا ما يجعله على الدوام للتاريخ مجاوزا، و على الزمان متقدما وأمام الظروف الذاتية و الإنسانية لا خلفها ... عندما نقترب من أغلب النصوص الدينية المؤسسة للحضارة والفكرة الإسلامية، فإننا سنلاحظ نظرتها المتجاوزة والمتعالية للواقع المزري للمرأة في ثقافة ذكورية تؤمن بالودأ والاستغلال الجنسي والاجتماعي ...وتوضع في ترتيب أقل من غيرها وتحاط بها أشكال الإقصاء المختلفة، فالتكريم الإلهي رفعها ورد إليها إنسانيتها وأحقيتها في الحياة والعيش الكريم، والثقافة وضعتها وشكلت حولها أسوارا وقلاعا تحميها من اللاشيء وتأخذ منها كل شيء، بدءاً بحريتها وانتهاء بتشكيل ثقافة - مانعة و ضاربة في القدم – تعتبر المرأة جنسا وكائنا أقل درجة من شقها الأخر، رغم أن الشق يعني المساواة وحضور بعد التوازن والميزان...مع شقه الأخر. تعتبر قصة السيدة العذراء مريم -عليها السلام - في القرآن أنموذجا تحرريا لكل أنثى تخرج إلى هذا العالم الفسيح والذي أصبح قرية صغيرة، بحيث كانت ولادتها-عليها السلام- ضربة قاسية ومزلزلة للتقاليد السلبية والبالية المتوارثة عبر الأجيال المتلاحقة، وهو أيضا نوع من مراجعة لمنظومة دينية مختلة وغير متوازنة، كانت تعتبر حضور الأنثى في الأنشطة الاجتماعية أو للقيام بأمور المعبد شيئا مكروها وحراما، فقط لأنها أنثى تعترضها أمور النسوان ، وليست من الذكور في شيء، وطبعا أعدت تلك المنظومة -ذات السلطة التفسيرية والتأويلة للنصوص الدينية - كل إمكانياتها لدعم معتقداتها لجعلها من المسلمات لذا العامة الأمية والمغلوبة على أمرها، فكذلك كرس مفسرو الإسلام جهدهم فيما يخص مسألة المرأة، للبحث في تفاصيل تعد مسبقا، لذا الثقافة الشعبية سلبية ومانعة لمن توفرت فيه من الوصول للمكانة المبتغاة؛ هذه التفاصيل مثل ربط العورة بالمرأة و العواطف الجياشة، إضافة إلى الحيض وقلة العقل... هذه الأمور هي التي دفعت بالمرأة للابتعاد عن عدة ميادين وجعلتها كائنا أقل من الرجل في المكانة والتراتبية الثقافية والاجتماعية، فالإمام أبو حامد الغزالي مثلا؛ اعتبر ما يصاحب المرأة من أمور النسوان من حيض وحمل ووضع ونقص في الميراث ...[أوصل الأوصاف إلى ثمانية عشر صنفا]، كان عقابا إلهيا على عصيانها لربها في الجنة وأكلها من نبات الحنطة ...و لكن هنالك محاولات جدية لتجاوز هذه الثقافة السلبية من طرف عدة رموز إسلامية وعت المشكلة، فمثلا الشيخ راشد الغنوشي انتهى في تأملاته حول نفس الآية إلى أن الجملة المختصرة "و ليس الذكر كالأنثى"،بأن لا علاقة لها البتة بالمعنى الذي حملت عليه تعسفا من تفضيل الذكر على الأنثى فهي لا تخرج في السياق الذي وردت فيه عن الدلالة على أحد المعنيين: 1 – الاختصاص؛فليس يصلح أحد الجنسين لكل ما يصلح له الأخر فقد يكون أحدهما مؤهلا لوظائف لم يؤهل لها الأخر مما يندرج ضمن قاعدة تقسيم العمل في مرحلة من مراحل تطور المجتمع. ب- الـتسرية؛ على امرأة عمران وإذهاب ما بداخلها من غم بولادة أنثى وقد نذرت وليدها لمهمة دينية كانت العادة تقتضي أن يكون ذكرا فجاء التصحيح الإلهي لتلك المعتقدات الاجتماعية البالية من خلال توجيه الخطاب الإلهي إلى تلك الأم الأسيفة وما كان لك أن تأسي و تحزني، فقد أنعم الله عليك بخير مما كنت تأملين و تتمنين معيدا الاعتبار لا لهذه المولودة فحسب بل للأنثى كل أنثى من خلال ذلك. وأما في تفسير الشعراوي ففيه إبعاد و بشكل جيد لاحتمالات الدونية التي قد ترد إلى الذهن عند أول قراءة للآية، حتى لا تظن أن الذكر الذي كانت تتمناه سيصل إلى مرتبة الأنثى التي لها شان عظيم وهذه محاولة من الشيخ للتحرر من بعض الثقافة التي قد تحدد مسبقا وجهة فهم النص، فلو كان أسس لمفهوم تحرر المرأة الأنثى من كل معيقاتها وأغلالها على ضوء قصة مريم العذراء لكان شيئا جميلا وفريدا، وكذلك نفس الأمر بالنسبة للإمام الطاهر بن عاشور فهو حاول أن يتحرر بدوره من ثقل الموروث الثقافي بحيث أشار إلى أن الله أعلم من أم مريم بنفاسة ما وضعت وأن و ضعها خير من مطلق الذكر، فكلاهما نظر للآية الكريمة من شق واحد وهو أن مريم مكرمة- عليها السلام - و كانت مختارة ومصطفاة على نساء العالمين وتم التوافق على أنها ظاهرة نسائية غير مسبوقة عكست في ظل مجتمعها كل التوقعات، لان الناس كانوا يؤمنون بتقدم الذكر على الأنثى في أمور كثيرة أبسطها وأعقدها خدمة البيت المقدس، وعلى أي فالحضارة القديمة قاربت أفضلية المخلوق البشري حسب النوع والجنس، أما الشق الذي لم يذكره كل من الشيخ الشعراوي والشيخ الطاهر بن عاشور فهو أن ولادة مريم وما أحاط بسيرورة قصتها من أحداث إنما كان أنموذجاً لحركية الثورة ضد المعتقدات الفاسدة في المجتمعات الإنسانية ولا يزال الأمر مستمرا بلا توقف -ما شاء الله- وبامتداد التاريخ والزمان، وبتحول الحضارات و الثقافات، وبمدى تغيرات الوعي الإنساني واجتهاداته الاعتقادية والدينية ... بصيغة أخرى فالأنثى يجب أن تولد كل مرة على شكل ولادة السيدة العذراء، لتزداد المرأة بهاء و صمودا وتحديا أمام زحف التقاليد الراكدة والفهوم المتحيزة لنوع دون الأخر، تلك الولادة المنتظرة للمرأة الإنسانة المكرمة ستحدث زلزالات متلاحقة، ستصل بين ولادة مريم الرمزي في عمق التاريخ القديم وولادة المرأة المسلمة في بداية الدعوة الإسلامية، هذه الأخيرة التي منحت كل التكريم ووجهت كل العناية لها، وصاغت تصورا للتكريم الرباني لهذه المخلوقة، فقـط، لكي ترتقي إلى الصف الذي يجب أن تكون عليه؛ صف المساواة والاحترام المبنيان على نظرة إسلامية –إنسانية لها . عود على بحث: في الأخير، قضية المرأة ليست إلا أنموذجا للبحث والاشتغال عليه في ظل التفسير والتراث عموما، هذا لمعرفة ما كانت عليه المرأة في العصور الإسلامية المتقدمة، أما الاشتغال الأساس فهو الاشتغال على القرآن حتى لا نتخذه مهجورا، والهجر هو إحداث قطيعة مع المفردة والمعنى والدلالة القرآنية وترك إنزالها على الواقع، ثم الانحراف إلى المفردة المتواضع عليها، والتي هي غالبا لا تلبي إلا حاجة ظرفية ولا تعطي إلا معنى موجها لخدمة الثقافة اللحظية دون أن تكون لديها القدرة على الحركية والتواصل مع المعاني المستجدة أو الفهوم المتغيرة، لذلك فإن الاشتغال على القرآن أولى من الاشتغال على ما هو نتاج العقل " التفسير " وخاصة عندما يتعلق الأمر بالبحث عن إجابات محددة و طارئة على واقع المسلم الفكري و الحياتي. إن المتلقي في إعادة إنتاجه للخطاب إن تفسيرا أو تأويلا إنما من نقصه ينهل لا من تمام الخطاب و إنه سيبقى دون تمامه ناقصا، ولذا فإن صورة الخطاب الأصل ستكون في إدراكه لها سبرا و فهما و معايشة، على مثاله نقصا لا على مثال مرسله تماما وكمالا إن هذه الكلمات التي عبر بها الباحث جاك بيرك عن علاقة الخطاب الأصل بالخطاب الفرع من حيث الفهم و المعنى، يجعلنا حقيقة مستنفرين للبحث في مسألة مهمة ألا وهي مدى إسقاطنا لثقافتنا ولذاتيتنا و إختيارتنا على النص القرآني وحدود تلك العلاقة مابين ذات النص وذات القارئ، أفلا يمكن أن نأخذ من النص ما نريده فقط أو ما نحس أنه يعبر عن إختيارتنا، ألا نتحيز أحيانا في صرف وقبول معنى دون آخر ..؟ هل ننظر إلى النص القرآني بشكل جيد بدون حواجز ولا خلفيات، كيفما كانت، مسبقة لرؤية مقاصده العليا وتوجيهاته السامية ..؟ ألا يمكن أن يكون ما تنتجه قراءاتنا للنصوص مجرد أفكار مسبقة وثقافات معيشة، نحاول تسليط ضوء النص عليها لنستخرجها وهي ممتلئة بالمعاني و الدلالات التي نبتغيها..؟ ما هو المعنى الأصلي للنص ؟، وما حدود ذلك المعنى؟، وما الذي يؤكد أن العقل الإنساني قد وصل إلى فهم الدلالة الأصلية والمقصود الأول للمخَاطِب..؟، فمن الثابت لدى جميع من أشتغل في علم النص أن ثمة علاقة بين القارئ و النص لا يستطيع أحد إنكارها، حيث الإقرار بأنه لا وجود للمعنى إلا في الوعي البشري الذي هو نسيج من الأهواء والتقاليد والانفعالات والمؤثرات واللون الثقافي والحضاري، ويستوي في ذلك قارئا النص الديني والنص البشري فكلاهما يحضران في عملية تناسل المعاني وهما معا يضيفان فكرهما لونا خاصا ومذاقا مفارقا. إننا بحاجة لثقافة قرآنية أصيلة تجديدية تصلح مسارنا الحضاري وترشده، لنتجاوز تخلفنا ووضعنا، فتكون النتيجة مفاهيم جديدة لعقل متجدد، وتحول حضاري واعي ومهيمن على الأشكال الحضارية المنافسة، ومسألة المرأة ما هي إلا مثال في سياقنا المعرفي الإسلامي، الذي يجب أن يغربل وتزاح عنه التقاليد الراكدة ونحترس من الانجرار إلى ما لا يخدم روح و قيم ديننا، عندما نسلم للثقافات الوافدة غير الراشدة.
|
10-06-2006 . الملتقى / / .
http://almultaka.org/site.php?id=359
|