/

 

 

علل صورة الاسلام المشوهة في الفكر الاصلاحي

أبو يعرب المرزوقي

. إن الاتصال المبدئي بين الدين والدنيا في الاسلام صار بفعل الاغتصابين (اغتصاب العلماء للسلطة الروحية واغتصاب الامراء للسلطة الزمانية) مجرد كلام لا يعبر عن حقيقة فعلية في تاريخ المسلمين. وما يزعم من انفصال مبدئي بينهما عند المسيحيين صار بفضل تحرر المسيحيين من الاغتصابين كلاما لا يعبر عن حقيقة فعليه في تاريخهم كذلك. فالدولة الغربية الحديثةلم تفصل الدين عن الدولة كما يزعم السطحي من المفكرين بل هي افتكت كل وظائف الدين من الكنيسة ولم تبق لها إلا الكلام في الدين: فاسئلة الحياة الجوهرية صارت جزءا من الحياة الثقافية ثم هي أخدت منها مسؤولية التربية والتعابير الروحية عن التجربة الوجودية والرعاية الاجتماعية خاصة. وحتى العلاج الروحي في خلوة الاعتراف عوضته الدولة الحديثة بالاعتراف على كرسي المحلل النفسي. 
ولا نعني بهذه الاشارة ما قصده بعض المصلحين الذين وجدوا مسلمين من دون اسلام في أوروبا واسلاما من دون مسلمين في أرض الاسلام. فليس لمثل هذا كلام من معنى. لا يمكن للمرء أن يكون مسلما من دون اسلام. ولا يمكن للاسلام أن يكون اسلاما من دون مسلمين. وإذن فالظاهرة أعمق من هذا الهراء. وإنما قيل مثل هذا الكلام لتبرير ايديولوجية الاصلاحيين المعتمدة على التحديث بتقليد الغرب في مظاهر حضارته دون أصولها العميقة التي بقيت مجهولة عند أوائل مفكري الاصلاح. فكان أن اجتمع الداءان في عملية الاصلاح الموالية بسبب هذا التبرير السخيف لاخذ مظاهر حضارة دون فهم عللها فضلا عن عدم فهم علل حال الحضارة التي يراد إصلاحها بهذا الخيار: داء الحضارة الاسلامية ببعث الروح في التحالف بين السلطتين المغتصبتين وداء الحضارة الغربية الحديثة بأخذ شمولية التنوير الغربي ومحاولة المطابقة بينه وبين قيم الإسلام(1) . فكل الحركات الاصلاحية حافظت على خاصية الاغتصابين من التراث الاسلامي وأضافت إليهما خاصية التنوير الشمولي من التراث الغربي الحديث الذي اعتبروه اسلاما من دون مسلمين!
لكن ما حصل في الحقيقة التاريخية هو أن الاسلام من حيث هو ممارسة روحية حية في كل أوجه الحياة العمرانية والتي حاولنا في غير موضع حصرها في ضروب القيم الخسمة قتله الاغتصابان: 
1- اغتصاب السلطة التشريعية باعادة تكوين سلطة روحية منفصلة عن إرادة الامة الدينية مؤلفة مما يسمى العلماء 
2- واغتصاب السلطة التنفيذية باعادة تكوين سلطة زمانية منفصلة عن إرادة الامة السياسية مؤلفة مما يسمى الأمراء. 
فالدين بوجهيه ما بعد التاريخي (المثل العليا العقدية الشرعية) والتاريخي (محاولات تحقيقها الفعلي أو السياسة) انقلب إلى ممارسة خارجية ليس للمؤمن فيها مجاهدة حية. فالمسلم قد صار خاضعا لاوامر العلماء وتعليماتهم. وتحولت السياسة ببعدها المشرئب إلى ما بعد التاريخ وببعدها الساعي إلى التحرر من ضرورات التاريخ إلى ممارسة خارجية ليس للمواطن فيها مشاركة حية. فالمواطن صار خاضعا لاوامر الامراء وتعليماتهم. وبذلك لم يعد بين المسلمين مؤمن أو مواطن لفقدان الوازع الذاتي الذي تحول إلى وازع خارجي بمصطلح ابن خلدون.
وقد عرف ابن خلدون هذه الظاهرة ببعديها السياسي والتربوي عند المقابلة بين الاحكام السلطانية والأحكام التعليمية من جهة والاحكام الشرعية في المجالين من جهة ثانية فقال:" فقد تبين أن الاحكام السلطانية والتعليمية مفسدة للبأس لأن الوازع فيها أجنبي.وأما (الاحكام ) الشرعية فغير مفسدة للبأس لان الوازع فيها ذاتي. ولهذا كانت الاحكام السلطانية والتعليمية مما يؤثر في أهل الحواضر في ضعف نفوسهم وخضد الشوكة منهم بمعاناتهم في وليدهم وكهولهم. والدو بمعزل عن هذه المنزلة لبعدهم عن أحكام السلطان والتعليم والآٍداب"(2) . والمعلوم أن ابن خلدون لا يعني أن كل الاحكام السياسية والتربوية من حيث هي سياسية وتربوية مفسدة للبأس بل هو يقصر ذلك عليها عندما يكون الوازع فيها خارجيا بالقهر والعسف. لذلك فهو قد قابل طابع أحكامهما الخارجي بالأحكام الشرعية التي هي ذاتية. غير أن التعليم في المجتمع الاسلامي بحكم استحواذ النخبة الدينية عليه جعل التربية الدينية هي بدورها تربية لا تحصل إلا بالقهر والعسف. فجمعها نوع التعليم مع الاحكام السلطانية وتعاضد الاغتصابان اللذان أشرنا إليهما: في جملة واحدة قتل الاسلام من حيث هو وازع ذاتي بنوع الحكم السياسي وبنوع التربية الدينية. 
فلم يقتصر مآل الأمر بالمسلم إلى فقدان صفات المسلم الحقيقية فحسب بل هو فقد معاني الانسانية كما قال ابن خلدون: " ومن كان مرباه بالعسف والقهر من المتعلمين أو المماليك أو الخدم: 1- سطا به القهر وضيق على النفس انبساطها وذهب بنشاطها ودعاه إلى الكسل 2- وحمل على الكذب والخبث وهو التظاهر بغير ما في ضميره خوفا من انبساط الايدي بالقهر عليه 3- وعلمه المكر والخديعة لذلك وصارت له هذه عادة وخلقا 4- وفسدت معاني الانسانية التي له من حيث الاجتماع والتمدن وهي الحمية والمدافعة عن نفسه أو منزله وصار عيالا على غيره في ذلك 5- بل وكسلت النفس عن اكتساب الفضائل والخلق الجميل فانقبضب عن غايتها ومدى انسانيتها فارتكس وعاد في أسفل سافلين. وهكذا وقع لكل أمة حصلت في قبضة القهر ونال منها العسف. واعتبره في من يملك أمره عليه ولا تكون الملكة الكافلة له رفيقة به. وتجد ذلك فيهم استقراء."(3) 
فمن هم المسلمون الذين وجدهم رجال الإصلاح بدون اسلام في دار الاسلام ووجدوهم في الغرب بدون اسلام؟ إن ما يقصدونه هو بالذات عين الداء: فالاسلام الذي يتحدثون عن غيابه هناك وحضوره هنا بغيابه عند المسيحيين وبحضوره عند المسلمين لا يمكن أن يكونوا قد قصدوا به السلوك النابع من القناعة الذاتية أو الوازع الذاتي بلغة ابن خلدون بل هو سلطان الفقهاء على العامة. وإلا لما فهمنا كيف يكون الاوروبيون مسلمين بدون اسلام ويكون الاسلام بدون مسلمين في ارض الاسلام؟ ما الذي غاب عند الاوروبيين لينفى عنهم الاسلام وما الذي حضر عندهم ليعدوا مسلمين ؟ وما الذي حضر عند المسلمين ليثبت لهم الاسلام وما الذي غاب لينفى عنهم كونهم مسلمين ؟ 
كيف يمكن الفصل بين الدين وممارسته في الحالتين: فتوجد ممارسة اسلامية من دون اسلام عند الاوروبيين ويوجد اسلام من دون ممارسة عند المسلمين ؟ فإما أن يصح الواحد من الحكمين أو الآخر. إذا كان ما لأجله نفي وجود الاسلام في بلاد الغرب هو عينه ما لأجله نفي وجود المسلمين في بلاد الاسلام كان معنى ذلك الوحيد حصر الاسلام في الاسلام الرسمي كما يحدده الفقهاء. وإذا كانت أوروبا فيها مسلمون وأرض الاسلام ليس فيها مسلمون كان معنى ذلك الوحيد هو أن صفة الاسلام الحقيقي هي ممارسة قيم الاسلام. فيكون الاسلام موزعا بين فهمين متناقضين ويكون فكر الاصلاحيين مترددا بينهما وعاجزا عن فهم حقيقة الداء التي وصفه ابن خلدون في الفقرتين اللتين أوردنا. 
والغريب أن نفس هذا الفكر ينتهي إلى حلٍ ضميره أن تحقيق التطابق بين عقيدة المسلمين وسلوكهم ينبغي أن يكون بتخلقهم بأخلاق الاوروبيين (وكان ينبغي أن يكون الحل بالنسبة إلى الاوروبي باعتقاد معتقدات المسلمين. لكنهم لم يبحثوا القضية لانها ليست مطلوبهم). وحتى يتبين سخف هذا الفهم فينبغي أن نستنتج منه أن مسلمي الصدر قد كانوا على الاخلاق الأوروبية لأنهم كانوا يمارسون الاسلام حقا وذوي عقيدة اسلامية رسمية. وإلا لكان اسلام الصدر اسلاما من دون مسلمين ! وهذا الموقف السطحي جاهل بأمرين أحدهما فلسفي قد نفهم غفلتهم عنه لبعد غوره والثاني تاريخي لا يمكن أن يغفل عنه انسان مهما كان ضغيف الفرقان والوجدان. 
فأما الامر الفلسفي فهو كون المثل عامة والاسلامية خاصة (لأنها تتضمن دعوى الكونية الخاتمة أي إنها ليست مثلا لزمن معين) لا يمكن أن تتحقق في سلوك قوم مهما قاربوا التمام بمن في ذلك أهل عصر الرسول: لذلك لم يخل القرآن من نقد الكثير من سلوكهم. والقصد أن المرء لا يمكن أن يكون مسلما بالتقليد سواء قلد الصدر أو قلد الاوروبيين بل هو لا يكون مسلما حقا إلا بالاشرئباب الدائم إلى مثل الاسلام في طوقه إلى استكمال ذاته من ذاته. أما إذا تصورنا قيم الاسلام قد تحققت في زمن ما في ماضينا أو في حاضر الغرب فإن جعل المرء مسلما يصبح مقصورا على تقليد ذلك الزمن: وذلك هو جوهر الاغتراب الروحي والذي يمكن ان يعد السمة الجوهرية لما يمكن ان يسمى موت التجربة الروحية. لذلك كانت الحركة الاصلاحية مترددة بين تقليدين: تقليد الصدر وتقليد الغرب من دون روح الصدر الحية ولا روح أوروبا. أي انعدام الاشرئباب النابع من الذات أو الوازع الذاتي بلغة ابن خلدون. 
وأما الامر التاريخي فيمكن صوغه في شكل سؤال: كيف يزعمون أن الاوروبيين يمارسون قيم الاسلام من دون اسلام ؟ فهبنا سلمنا بأنهم أفاضل في تعاملهم في ما بينهم وهو أمر لا نسلمه إلا جدلا أفيكون ما يمارسه الأوروبيون في بلدانهم لا يدحضه ما يمارسونه في كل بلدان العالم الأخرى؟ أم إن ما يفعله الاوروبيون في العالم ينبغي أن يغض عنه الطرف لكونه ليس موجها لمن هم في منزلة البشر المقصورة عليهم ؟ كيف يتغاضى المصلحون الأوائل على ما تفعله اوروبا ببلدانهم لمجرد أن بعضها حماهم من بعضها ليستعمله في مناوراته السياسية(4) ؟ ولما كان ذلك ينفي الطابع الكوني للقيم التي يمارسونها بات حالهم ليس أفضل من حالنا. وليس الغرض أن نخفف من مسؤوليتنا الخلقية بل الهدف بيان الطابع الكوني للازمة الخلقية الانسانية. فسلوك الأوروبيين الاستعماري يبين أنهم أكثر منها كذبا وغشا وخداعا خاصة عندما يتكلمون عن الرسالة التحضيرية وحقوق الانسان. بل إن كل ذلك عندهم أكبر. فكذبنا وخداعنا وغشنا كلها ذات أشكال بدائية ليست بعيدة الغور وأثرها لا يتجاوز الفعل الحيني. 
لكن مصائب العالم الحالي كلها ناتجة عن ثنائية سلوكهم الخلقي في جميع مجالات القيم: الذوقية (ينهبون فنون العالم) والرزقية (ينهبون العالم) والنظرية (يتنكرون لفضل غيرهم من الامم في تاريخ المعرفة) والعملية (سياستهم العنصرية والاستعبادية) والوجودية (وهذا بيت القصيد لأنه علة الادواء السابقة كلها: يؤلهون الانسان الغربي تطبقيا لنظرية الشعب المختار بستار بنوة عيسى للرب). فإذا أراد المصلحون أن يجعلونا هكذا فعلى الاقل كان ينبغي أن يقولوا إنهم يريدون أن يجعلوا المسلمين شركاء في سلطان ابليس على الكون أي سلطان الفساد في الارض والطغيان على المستضعفين: ليس ذلك من الاسلام في شيء. 
فالأوروبيون عامةومستعمرتاهم (روسيا بالماركسية سابقا وأمريكا بالبروتستنتينية) خاصة يبدون في الداخل ذوي قيم وبحدود شديدة النسبية ( وهو أمر لا يعلمه من لم يعش في الغرب مدة طويلة ولم يتشرب ثقافتهم بعمق وكلا الامرين لسوء الحظ غائب عند مفكري الاصلاح) لم يعجب بها المصلحون إلا لسوء الفهم. لكنهم مع غيرهم كواسر ليس عندهم إلا الغذر والكذب والنفاق. وحتى في ما بينهم: فما يحدث في القتال الدائم ( ويسمى اقتصاد سوق) وفي الحروب الداخلية ( في القرنين الاخيرين كل الحروب كانت أوروبية حتى عندما تعم العالم أو تندلع خارج أوروبا ويكفي دليلا ما بين الهند وباكستان أو مابين اسرائيل والعرب أو كل ما يجري في الشرق الاقصى من الصين إلى اليابان وما بينهما وما دونهما من الدويلات). 
وهم يسمون ذلك كله سياسة ومصلحة دولةRaison d’Etat : كل العالم عندهم جوهيم. والعلة أن القيم ليست عندهم من جنس الوازع الذاتي الذي يتكلم عليه ابن خلدون أو القيم التي يتكلم عنها كنط أو الاحكام الروحية التي يتكلم عليها الاسلام وإلا لكانت مثلا كونية لا يتوقف العمل بها عند الحدود القومية. إنما هي في الحقيقة حيل للعيش معا في مجتمع عاني من الحروب الاهلية فوصلت مافياته المتصارعة إلى قناعة بعدم جدوى التخادع الداخلي لتكوين مافية متجهة إلى خداع العالم الخارجي: وهذا يسمى موديس فيفنديModus vivendi (حال تعايش) وليس حياة سلمية تحكمها القيم. ويمكن فهم ذلك بمقارنة السياسة الداخلية لأي بلد غربي مع سياسته الخارجية. فكل حروب العالم الثالث الحالية بذرات زرعوها هم بل أكثر من ذلك هم الذين يغذونها بالفنيين وبالاسلحة
والمعلوم أن ذلك كله يحصل بالتأييد الشعبي حتى لايتصور الناس أننا نتكلم عن النخبة السياسية التي قد تكون هي الوحيدة المقصودة. فكل الإبادات الجماعية في العالم الثالث هي ثمرة سياساتهم إما خلال الاستعمار أو بعد ما يسمى بالاستقلال الذي هو استعمار اذكى. وكل ذلك يقع لارضاء حاجات شعوبهم التي تفرض عليهم بآلية الديموقراطية المزعومة ترضيتهم على حساب الشعوب الاخرى ولو بابادتها ليستأثروا بثروات أرضها: وسنرى شيئا فشيئا كلما ازداد شح الثروات كما هي الحال الآن بالنسبة إلى الطاقة سنرى شعوب الغرب تطالب حكوماتها بغزو العالم الثالث للتغلب على الندرة المتزايدة. 
فكيف يغفل المصلحون هذا ويتصورون الغرب يحيا بقيم شبيهة بقيم الاسلام؟ أيكون الاسلام قائلا بحصر مفعول القيم في الأهل أم هو يعتبرها كونية تعم كل الكائنات فضلا عن البشر ؟ أيكون المصلحون هم أنفسهم جاهلين بقيم الاسلام ؟ أم إنهم في الحقيقة يعالجون القضية بمنطق السياسي الواقعي والتخلي عن منطق القيم الاسلامية والعلمية لان همهم الوحيد هو استعادة حظٍ من السلطان يقاسمون به الأمراء الجدد سلطانهم الامراء الذين بدأ الغرب يزرعهم بدءا بمصر في ذلك الوقت: أليس محمد علي نفسه من الاوروبيين؟ ألا ينطبق عليه عندئذ الجمع بين سلوك المسلم الذي وجودوه في أوروبا والاسلام الذي وجدوه في دار الاسلام فيكون قد جمع الصفتين اللتين يبحث عن جمعهما المصلحون؟ 
لم يهتم المصلحون بكون الارغام أو الوازع الخارجي هو عين الداء الذي تعاني منه البشرية في العالم كله سواء تعين ذلك خارج بلدان أصحابه أو فيها. إنه داء كوني لذلك فعلاجه لا يمكن أن يكون إلا كونيا: لذلك كانت الرسالة الخاتمة خاتمة وكونية. فهي خاتمة لتختم كل سلطان روحي أو زماني فوق الجماعة. وهي كونية لتحرر الانسانية بالتعارف من هذا الازدواج الذي يجعل القيم خاضعة لحدود التقاليد الخاصة بشعب دون شعب. إنه داء كوني لا يتميز شكله عندنا عن شكله عندهم إلا بكونه متوجها إلى الداخل لعجزه عن التوجه إلى الخارج. فهل نريد للاسلام أن يصبح تقاليد شعب أو جماعة شعوب أم هو رسالة كونية؟ لكن مفكري الاصلاح الذين يتصورون الدين هذا التصور لا بد أن يكونوا منطلقين من موقف فقهي يجد الحل في الوازع الخارجي والتقليد المزدوج (للصدر وللغرب) من أجل تحقيق التحالف بين العلماء والامراء منطلقا للاصلاح المزعوم في دار الإسلام(5) : وها نحن نرى كيف كانت الغاية. فقد تعملق الوازع الخارجي للاسلام الرسمي وتقزم الاعتناق الذاتي للاسلام الصادق(6) فبات المسلمون عديمي الحياة الروحية التي حصرت في مظاهرها. وأكبر العلامات فقدان القدرة على الابداع في كل المجالات مادية كانت أو روحية: وذلك ما كان علينا بيانه لسبر أغوار فكر الاصلاحييينC.Q.F.D. . 
لذلك فإن البحث في مسائل فلسفة الدين كان من المفروض أن يسبقه تحليل أمرين جوهرين نكتفي بتحديد اشكاليتهما دون العلاج العميق لئلا نخرج عن مطلوبنا. وهما أمران كونيان لكننا نكتفي بوجههما الذي يعلل أدواء الحضارة العربية الاسلامية الذاتية وخاصة ما نتج منها عن الصراع غير المتكافئ مع حضارة تبدو قد حيدتهما في الداخل لتوجههما إلى الخارج اضافة إلى ما عندها من ادواء ذاتية كان من المفروض ان تكون حضارتنا أصل البحث في علاجها لا أن تضيف أدواءها إلى أدوائها بمثل هذا الفهم السطحي للاسلام والغرب معا الفهم الذي يجعل وضعيتنا أشبه بالمهمات المستحيلة:
فأما الفرع الأول فيصف حال التجربة الروحية التي فقدت جذوتها الحية عندنا فقدانا أصبح بمقتضاه الفكر الاسلامي الحالي شبه طحن للهواء لأنه فاقد للعلاقة بالممارسة النظرية والعملية وتطبيقاتهما في المعرفة الانسانية التي بتنا نستورد فضلاتها تماما كما نستورد فضلات الصناعة بدل تعلم الفكر والصنع فضلا عن فقدانه الممارستين الاصلين قصدت عمل التاريخ الفعلي بحياة لا تخلو من المغامرة والتجريب وعمله الرمزي بالابداع الفني المعبر عن تلك المغامرة والتجريب. ويسعى هذا الوصف إلى تشخيص أدوائها الماضية والحاضرة واقتراح بعض وجوه العلاج الممكن من استئناف فكر الامة التجربة الروحية الحية. 
وأما الفرع الثاني فيحلل التجربة الروحية الغربية الحديثة والمعاصرة التي حافظت على جذوتها الحية بفضل حرية الفكر والنقد. ويسعى البحث إلى تحليلها تحليلا يبرز ثمرات صلاتها بالممارستين النظرية في علوم الطبيعة والتاريخ والعملية في تطبيقاتهما ونقدهما المتصل بطلب ما بعدهما الفلسفي طلبا يبقي الفكر متصل الحياة ودائم الشباب.
ولا بد من التنبيه بالإضافة إلى هذين الامرين الجوهريين إلى مسألتين يكثر حولهما اللغط وينتجان عن عدم الوعي بهما: 
أولاهما تتعلق بسوء فهم طبيعة الاخلاق ما هي سواء في كلامنا على أنفسنا أو في كلامنا على الغرب. 
والثانية تتعلق بالمقابلة بين الشرق والغرب من حيث الروحانية والمادية والايمان والالحاد والدين والدنيا
فأما المسألة الأولى فإن مفهوم الاخلاق قد فقد دلالته العميقة في الوعي الاسلامي فأصبح من جنس مفهوم الدين مقصورا على الشكليات التقليدية من مظاهر التقوى المنافقة. لذلك فلا بد من التذكير بأن الاخلاق ليست قيما لمجال مخصوص بل هي قيم قيم أو بصورة أدق هي أحكام التعامل بين البشر خلال تبادلهم للقيم الأخرى وخاصة القيم المادية فضلا عن صفات التعامل نفسه. ولنوضح الامر. فهي أولا وقبل كل شيء تتعلق بصفات المتعاملين خلال تبادل قيم الخير والشر (أي القيم الاقتصادية فكلاهما بالمعنى القرآني خاص بالقيم المادية ) وما ترمز إليه من مقاصد الشرع المحققة لقيام الذات مثل المال الذي هو متعلق بالقدرة والعرض أو الكرامة التي هي متعلقة بالحرية والعقل الذي هو متعلق بالحرية الفكرية والدين الذي هو متعلق بالحرية العقدية والنفس التي هي متعلقة بشروط السعادة النفسية والعضوية. ومن ثم فالاخلاق ليست نظام القيم بل هي أحكام ممارستها وكيفياتها جميعا لتعلقها بشروط التعامل الصادق والنزيه بين البشر في مجال التعاوض والعدل خلال التنافس على القيم المادية خاصة وعلى القيم الاخرى عامة. لذلك يركز القرآن الكريم على الميزان والقسط وعدم الغش فيهما حتى إن التطفيف كيلا أو اكتيالا يعد من أكبر العلامات على النفاق الخلقي.
لكن هل يقدر أحد أن يثبت لي أن تربية المسلمين اليوم تنمي هذه القيم ؟ أليست مبنية كلها على الغش والكذب والنفاق والدجل حتى إن جل المؤسسات الدينية لا تكاد تخرج إلا الانذال؟ وهل كان يمكن للامراء أن يغتصبوا ما اغتصبوه لو لم يكن الفقهاء لهم على ذلك ظهراء ؟ فليقرأ أي دارس مستقل الفكر والوجدان سورة آل عمران وسيرى أن القرآن الكريم قد نبه إلى ذلك كله. وليكتف من يفهم جيد الفهم لغة القرآن الكريم بالآية 256 من البقرة: ألم تقرن الايمان الحر الناتج عن تبين الرشد من الغي بالكفر بالطاغوت: " لا اكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى لا انفصام لها والله سميع عليم" ؟
أما المسألة الثانية فكثيرا ما تسمع مفكرينا الإسلاميين وفقهاءنا يرددون الزعم بأن الغرب مادي وملحد والشرق روحي ومؤمن. وطبعا فهذا دليل على الجهل بالغرب والشرق معا فضلا عن عدم فهم المقصود بالروحانية والايمان وبالمادية والكفر حتى أكاد أقول إن الاسلام لو كان كما يصوره مفكرو المسلمين وفقهاؤهم لما بقي على دين محمد إلا العامة التي حولوا إليها الامة بالتربية الاستبدادية التي ركز عليها ابن خلدون في نقده نظام التعليم في عصره. فقد حصروا الدين في الوعي البدائي بالمقدس وذلك لقصرهم إياه على الطقوس الخارجية واستثناء كل الفنون الجميلة تقريبا ليس من طقوسه فحسب بل وكذلك من حياة المسلمين او في الوحشية التعاملية بين المسلمين وبينهم وبين غيرهم من الامم حتى إن الجهاد الذي اعتبره الرسول الكريم رهبانية الاسلام صار مقصورا على القتال وبات الخطاب الموجه إلى الآخرين مقصورا على التلاعن. 
والغريب أن الداء الاول (داء حصر الدين في ارغام الظاهرية الفقهية) كان داء الفكر السني المغالي الذي ثار عليه الغزالي في محاولة نقد الفقه والكلام السنيين بمحاولة احياء علوم الدين بشحنة تجريبية حية تعيد للوجدان الديني عنفوانه وتحرره من الاقتصار على مظاهر التدين السطحية. والداء الثاني (داء حصر الدين في ارغام الباطنية السياسية) كان داء الفكر الشيعي المغالي الذي ثار عليه الغزالي كذلك بمحاولة نقد السياسة والكلام الشيعيين واحياء أعمال الدين بشحنة من الاختيار بدل الوصية في باب السلطان تعيد للوجود الديني بعده المقدس وتحرره من الاقتصار على التوظيف السياسي المنافق. لكن الدائين عما كلا الفريقين لم يبقيا مقصورين على الغلاة منهما: السنة كلها والشيعة كلها صارتا ضحيتين لهذين الدائين. صار الجميع في الهوى سواء. فعمت الطامة وانحطت الأمة: كلاهما حول الدين إلى ارغام فقهي وعسكرة سياسية سواء كان ذلك باسم فهم الامام للباطن بالعلم اللدني أو فهم المفتي للظاهر بالعلم القياسي.
كيف يمكن بعد هذا التمهيد أن نجيب صادقين على السؤال الأول مقتصرين عليه لأن السؤال الثاني من مسألة فلسفة الدين ليس من مشاغلنا حتى وإن كان الجواب عن الاول يتضمن بعض الجواب عن الثاني ضرورة لكونية الداء الذي لا ينبغي أن يخفيه مجال انطباقه: في الداخل عند المسلمين للعجز عن الخارج وفي الخارج عن الغربيين للعجز عن الداخل. ولما كان الداء عند المسلمين منحصرا في مجال محدود (أرض الاسلام) وذا أثر محدود لقلة الحيلة وكان عند الغربيين شاملا للعالم كله وذا أثر غير محدود لانه يفسد العالم كله ماديا وروحيا بات الامر من منظور اسلامي كوني لا يهتم باصلاح شأن المسلمين وحدهم بل باصلاح شأن الانسانية الكون بحاجة إلى ثورة كونية أساسها وأصلها القيم القرآنية كما نبين في تحليلنا لسوء فهمها الهيجلي(7) . ولنذكر بالسؤالين اللذين اعتبرنا متقدما عليهما سؤال حاضر الاسلام ومستقبله:
كيف نفهم راهن فلسفة الدين في الدراسات الاسلامية ؟
وكيف أن نسنتشرف مستقبل دراسات فلسفة الدين عامة وفي بلادنا خاصة ؟
فالجواب هو بكل بساطة: لا توجد فلسفة دين عندنا لانه ليس للمسلمين اليوم حياة دينية حقيقية. فلا يمكن أن نتكلم على فلسة دين في الدراسات الاسلامية التي لم تتجاوز بعد التاريخ الخارجي لآثار باقية ليست في علاقة حية مع التاريخ الحاضر بحكم ما وصفنا. فإذا كان الدين قد فصل نهائيا عن الحياة من حيث هي تاريخ فعلي ومن حيث هي تاريخ رمزي إلا في شكله الرسمي الذي يقتل كل التجارب الدينية الحية سواء عند النخب الحاكمة به أو بمحاربتة أو عند النخب المعارض به أو بمحاربته فهو لا يحيا في تاريخ الحاضر إلا بهذه السلوب الأربعة: من حيث هو جزء من خطاب الصراع السياسي المقصور على أبعاده الفقهية سلبا وإيجابا في الحكم أو في المعارضة. 
والقصد هو أن المسلمين لا يعيشون حقا تجارب دينية حية خلال ممارستهم الانشطة الحية في العمران البشري إلا في هذه المعاني السلبية الاربعة فيبدو وكأن الدين هو مدار كل حياتنا في حين أنه مبعد عنها كل البعد بمقتضى هذه المعاني بالذات. ولما كانت هذه الممارسات الحية قابلة للحصر النسقي الجامع المانع فإنه يمكننا حصر الممارسة الدينية التي لا تكون حية إلا بمصاحبتها وتبادل التأثير المحيي معها وهي الآن في حال غيبوبة يجعلها أقرب إلى الموت منها إلى الحياة. فالممارسات الحية في أي عمران تنقسم بحسب مجالات القيم إلى مجالات الممارسات القيمية التي يدور حولها التنافس الانساني في التاريخ الفعلي وفي التاريخ الرمزي المعبر عنه وفي التاريخ الفعلي المحقق للتاريخ الرمزي والتاريخ الرمزي المتعالي عليه: ممارسة قيم الذوق فعلا وانفعالا وممارسة قيم الرزق فعلا وانفعالا وممارسة قيم النظر فعلا وانفعالا وممارسة قيم العمل فعلا وانفعالا وممارسة قيم الوجود فعلا وانفعالا. وكل هذه الممارسات لا تكون حية إلا بشرطين متشارطي الفاعلية: أن تكون حرة وأن تكون تنافسية (ما يسميه القرآن بالتنافس في الخيرات). ومبدأ الحياة وحكم التنافس هو الوجه الديني منها والسمو الروحي فيها أعني ممارستها لذاتها من حيث هي وجدان الحياة ذاته أو الشهود الوجودي.
فقيم الذوق هي فعلا ابداع الجماليات بكل أصنافها وهي انفعالا تذوقها. وعن تأثير الانفعال بالفعل تنتج ظاهرة مهمة هي الذائقة الجماعية التي يستند إليها كل فكر نقدي للفنون يعبر عن ذوق الامة. وعن تأثير الفعل في الانفعال ينتج تطور الذائقة الفنية. ووحدة الكل هي حياة الابداع الجمالي في حضارة من الحضارات: والأمة الحية لا يحيا خيالها (رمزا للابداع الرمزي) إلا بوحدة الفاعل والقابل والانفعال والفعل الذوقي. فهل لهذا وجود عندنا ؟ إم إن مبدعينا المزعومين يكتفون بالنقل السطحي فيجعلوننا منفعلين دون فعل وفقاؤنا يعتبرون الفن كفرا فيدعون الفنانات للتوبة فتبقى تجربة الابداع الروحي مقصورة على الشعائر كما يحددونها هم ؟ 
وقيم الرزق هي فعلا ابداع الثروات بكل أصنافها وهي انفعالا الانتفاع بها. وعن تأثير الانفعال في الفعل تنتج ظاهرة مهمة هي الامل الجماعي أو شهوة الحياة الرقيقة التي من دونها لا يمكن تحسين الوضع المادي للامة الامل الذي يعتبره ابن خلدون مصدر كل ثروة ورزق وهو في نفس الوقت الموجه للتجويد المادي للمنتجات. وعن تأثير الفعل في الانفعال ينتج تطور الذائقة المادية أو زينة الحياة. ووحدة الكل هي حياة ابداع الثروة أو الابداع الاقتصادي في حضارة من الحضارات: والأمة الحية لا تحيا قدرتها (رمزا للابداع المادي ) إلا وحدة الفاعل والقابل والانفعال والفعل الرزقي. فهل لهذا وجود عندنا ؟ إم إن رجال أعمالنا المزعومين يكتفون باستيراد فضلات الاسواق فيجعلوننا منفعلين دون فعل وفقهاؤنا يفتون للتحيل على الربا فيربو أكثر لأن تجربة الابداع المادي مقصورة على الاستيراد ؟ 
وقيم النظر هي فعلا ابداع النظريات بكل اصنافها وهي انفعالا تعميق الفكر وتمكين الارادة. وعن تأثير الفعل في الانفعال تنتج ظاهرة مهمة هي تصرف الجماعة على علم وهو ما يمكن أن يخرجها من العامية فلا تبقى مواشي تقودها بعض الخاصة المزعومة فتفعل بها أكثر مما يفعله بها الاعداء. وعن تأثير الانفعال في الفعل ينتج ترقي الفهم أو فعل التنظير إلى حدود يصبح فيها الانسان قادرا على النفاذ إلى السماوات ماديا ومعنويا. ووحدة الكل هي عين العقل الذي يمكن أن ينسب إلى حضارة من الحضارات: والأمة الحية لا يحيا عقلها إلا بوحدة الفاعل والقابل والانفعال والفعل النظري. فأين نحن من هذا؟ 
وقيم العمل هي فعلا ابداع المؤسسات بكل اصنافها وهي انفعالا الفعل الجماعي المنظم. وعن تأثير الفعل في الانفعال تنتج ظاهرة مهمة هي تقاسم الجماعة العمل عامة وعمل السلطان على كل عمل في العمران خاصة (وهذا هو جوهر السياسة) بحسب الكفاءة لا بحسب الولاء وهو ما يمكن ان يضاعف من قدراتها الإبداعية في المجالات السابقة فضلا عن ازالة اسباب العداء المفسد للتنافس في الخيرات. وعن تأثير الانفعال في الفعل يصبح من اختارته الأمة لتولي الامر أكثر استجابة للارادة الجماعية فلا يتحول المولى إلى طاغية لأنه يعلم أن من ينفعل قادر على الفعل وأنه ينفعل بإرادته شرطا في توزيع الاعمال والتعاون العمراني لتحقيق افضل الشروط للمدينة المسلمة. ووحدة الكل هي حياة الجماعة التي تكون قيمها متعينة في افعالها فلا تقول ما لا تفكر ولا تقول ما لاتفعل. فأين نحن من هذا ؟ ألسنا لا نقول إلا ما لانفكر ولا نقول إلا ما لانعمل ؟ ألم نصبح أمة الكذب والنفاق والتدليس الدائم لكل القيم وخاصة لقيم العمل أي لقيم انتخاب القيمين على سلطان القيم ؟
وأخيرا قيم الوجود هي فعلا ابداع المناظير الوجودية بكل أصنافها شعرية أو فلسفية أو صوفية أو دينية وهي انفعالا نوع فعل التآنس أو العيش الجمعي تعارفا أو تناكرا. وعن تأثير الانفعال في الفعل ينتج الوعي التاريخي القصصي للامة وعن تأثير الفعل في الانفعال ينتج نقد الوعي التاريخي القصيي أو الوعي التاريخي العلمي للامة. ووحدة الكل هي هوية الامة أو طابع حضارتها المميز. لكن أين نحن من ذلك كله بعد أن كاد المضغ الميت للفكر الديني الذي انحط إلى كلام وفقه وخطب جمعة في التلفزات يحول الاسلام إلى ايديولوجيا سطحية يخدر بها الشعب الذي عمه الجهل والكذب والنفاق واللامبالاة بالتاريخ فضلا عن الوعي به.
ولما كانت القيم التي يحيا بها العمران الانساني هي ما وصفنا وكانت معرفة عمق التجربة الدينية للامم لا يمكن أن تقاس إلا بالاضافة إلى عمق التجربة فيها فإن للامرين علاقة خفية لا بد من تعريفها لفهم ارتباط التجربة الدينية التي هي جوهر الحياة الروحية بأحكام السلطان القيم على التنافس في الخيرات أو القيم. فالقيم هي في الذات البشرية والعمران الانساني ما يناسب صفات الذات الالهية التي لأجلها اعتبر ابن خلدون الانسان محبا للتأله(8) أو للاتصاف بقبس من صفات الذات الالهية الذاتية أو بلغة الكلام الصفات النفسية(9) : 
1- فقيم الذوق كلها تدور حول صفة الحياة. لذلك فهي ذات صلة وطيدة برمز الحياة في الوجدان 
البشري قصدت لذة الجنس أو حب الجمال. ولهذه العلة رمز بها إلى اللذة القصوى في الآخرة.
2- وقيم الرزق كلها تدور حول صفة القدرة لذلك فهي ذات صلة وطيدة برمز القدرة في الوجدان 
البشري قصدت لذة الملكية أو حب المال. ولهذه العلة رمز بعلاماته في وصف حياة الجنة في الآخرة.
4- وقيم العمل كلها تدور حول صفة الارادة لذلك فهي ذات صلة وطيدة برمز الارادة في الوجدان 
البشري قصدت لذة السلطة أو حب الجلال. ولهذا رمز بثمراته في الآخرة حيث يكون مجرد الارادة فعلا
5- وقيم الوجود كلها تدور حول صفة الوجود لذلك فهي ذات صلة وطيدة برمز الوجود في الوجدان 
البشري قصدت لذة شهود المطلق أو حب المتعال. ولهذا رمز بجوهره أو الخلود في الآخرة.
3- وقيم النظر كلها تدور حول صفة العلم إنها حب السؤال لذلك فهي ذات صلة وطيدة برمز العلم في 
الوجدان البشري قصدت لذة المعرفة التي يصعب تحديد رمزها لما سنرى من الاسباب. وهي رمز لهاجميعا 
بدلالة دنيوية حيث يكون العلم أداة وبدلالة اخروية حيث يصبح غاية هي العبادة المطلقة.
وقد أخرت قيم النظر رغم كون منزلتها في نظام القيم هي الثالثة لسببين: أولهما هو علة كونها كان ينبغي أن تكون في الوسط وثانيهما هو علة كونها كان ينبغي ان تكون في الاول والأخير:
أولا لان معناها بالقياس إلى غيرها يتحدد بنوع توجهها. فإذا التفتت إلى ما تقدم عليها مباشرة وما تأخر عنها مباشرة أي إلى قيم الرزق وقيم العمل غلب عليها دور الأداة فتصبح من جنسهما أي إنها اداة ارتزاق بيد صاحب الرزق الذي يستخدم أهلها أو أداة تسلط بيد صاحب السلطة الذي يستخدم أهلها. وعندما تلتفت إلى النوع الاول والنوع الاخير من القيم أي قيم الذوق وقيم الوجود فإنها تصبح غاية في ذاتها فتصبح من جنسهما أي ذوقا معرفيا ووجودا معرفيا وتلكما هما ذروة المعرفة.
ثانيا لأن معناها بقياس غيرها من القيم إليها هي أنها مشروطة فيها جميعا من حيث هي ما أشرنا إليه في مدلول الوحي العام: فهي حدس الوجود سواء كان ذوقيا أو رزقيا أو نظريا أو عمليا أو وجوديا. ذلك أنه من العسير تصور افعال الذوق والرزق والنظر والعمل والوجود من دون ادراك يسبقها أو يصاحبها أو يليها أو مع بعض هذه الادراكات اثنين اثنين أو معها جميعا لا يبقي لها الوجود فضلا عن المعنى. 
فيكون ما قتله الاغتصابان عند المسلمين هو: 1- حب الجمال ومفهوم اللذة التي تحولت إلى حياة بهيمية في غياب الفنون الجميلة التي تؤنسها 2- وحب المال أو مفهوم الملكية(10) التي انقلبت إلى سلب ونهب لغياب العدل الذي يثمرها 3- وحب السؤال أو مفهوم النظرية التي انقلبت إلى ايديولوجيا لغياب الفكر النقدي(11) 4- وحب الجلال أو مفهوم الشرائع أو القوانين التي انقلبت إلى أداة استحواذ القوي على حقوق الضعيف واستحياء كرامته لغياب مفهوم المواطنة 5- وحب المتعال أو مفهوم الشهود الوجودي الذي انقلب إلى عقيدة عجائز أو مضغ شعارات عقدية خالية من كل نسغ لغياب التجربة الوجودية الحية. 
لذلك فقد باتت كل سلوكاتنا مترددة بين متردم من الافعال الانعكاسية الأقرب إلى السلوك الحيواني والتسيب المهمل الاقرب إلى سلوك العوامل الطبيعية لفرط ما يغلب من فوضى على ما يرشح من هذه السجون الخمسة التي قتلت أنواع الابداع القيمي. فتكون كل طاقاتنا الحيوية مهملة كالمياة غير المجدولة بأقنية تمكن من السلطان عليها ومن استعمالها في الحياة العمرانية مصادر حياة في شكل: 1- طاقة ذوقية للابداع الجمالي 2- وطاقة رزقية للابداع المالي 3- وطاقة نظرية للابداع السؤالي 4- وطاقة عملية للابداع الجلالي 5- وطاقة روحية للابداع المتعالي. وتلك هي المصادر التي قتلها الطاغوت التشريعي والطاغوت التنفيذي الناتجين عن استبداد العلماء بالتشريع والامراء بالتنفيذ في الظاهر لكون الحقيقة الباطنة هي العكس تماما: العلماء يسوغون شرعا إرادة الامراء فيكون المشرع الحقيقي هو الأمراء بغطاء العلماء ومن ثم فلهم دون سواهم يعود السلطان التشريعي والسلطان التنفيذي قبالة السيلان الابدي للثورة الصامتة على الطاغوت ممثلة بالفوضى التي عمت وجودنا والكذب النسقي الذي هو تقية دائمة عند المغلوب.
تلك هي علة العلل التي ينبغي علاجها إذا كنا نريد للمسلمين دينا أولا وفلسفة دين ثانيا تحيي الاسلام الذي هو أهم ثورة حدثت في تاريخ البشرية وكاد يقتلها اغتصاب العلماء المزيفين للسلطة التشريعية في مجالات القيم الخمسة واغتصاب الامراء المزيفين للسطة التنفيذية فيها: فأصبحت الأمة كما وصف ابن خلدون في الفقرة الاخيرة أسفل سافلين لانههم كادوا يفقدونها معاني الانسانية. وحتى يكون العلاج شافيا فلا بد من التسليم بمبدئين:
أولهما سلبي وينفي أن يكون التحرر من الماضي بنفيه فيكفي فيه استبدال الكلام المزعوم قديما بالكلام المزعوم جديدا. لا بد من العودة إلى قضايا الكلام القديم لتحديد ما حصل فيها ليؤدي إلى ما أدى إليه من مآس:
1- لم أصبح الفكر النظري علم الكلام ببعديه مقصورا على ايديولوجيات فرق بدل البحث عن الحقيقة 
ومن ثم صراع فرق بدل تواص بالحق؟
2- ولم أصبح الفكر العملي علم الفقه ببعديه مقصورا على ايديولوجيات مذاهب بدل البحث عن الحق 
ومن ثم صراع مذاهب حقوقية بدل تواص بالصبر؟
قد يرفض مثل هذا الكلام من يعتبره مجرد عودة إلى قضايا الكلام القديمة ظنا منه أن الكلام القديم قد فات وانقضى ولم يعد للكلام في قضاياه فائدة وأن ما يسميه كلاما جديدا جديد حقا. فكل قضايا الكلام الغربي الحديث هي قضايا الكلام القديم. كانت تدور حول ذات الله وأفعاله ثم أصبحت تدور حول ذات الانسان وأفعاله. ومن ثم فأصحاب الكلام الجديد من المسلمين يريدون تمسيح الكلام الاسلامي دون قصد أو بقصد (الله وحده يعلم السرائر) وذلك باستبدال الثويولوجيا بالانثروبولوجيا. لذلك فسننهي البحث في حاضر الاسلام ومستقبله بمسألتين مهمتين من مسائل الكلام الموسوم بالكلام الحديث لنرى العلاقة بين الاصل والنسخة ولكن في ترتيب مقلوب إذ لا بد من البدء بالحدث التاريخي للختم بمعناه كما يقتضي ذلك مدخل علم الكلام المزعوم جديدا أو بلغة علم الكلام المزعوم قديما لا بد من البدء بالشاهد لنختم بالغائب: 
1- منزلة الحضارة الاسلامية في فلسفة التاريخ وصلتها بمسألة العلاقة بين كلمة الله والمسيح. 
2- ومنزلة الاسلام في فلسفة الدين وصلتها بمسألة العلاقة بين الذات الالهية والذات الانسانية 
وسيكون منطلقنا في بحث المسألتين منظور هيجل السلبي. وما كنا لنخوص في الرد على هيجل حول موقفه من الاسلام حاضرا ( في عصره أي في الربع الاول من القرن التاسع عشر ) ومستقبلا ( منذئذ إلى الآن بالقياس إلى هيجل ومن اٍلآن فصاعدا بالقياس إلينا) لو لم يكن موقفه قد أصبح الموقف الرسمي لاعداء الاسلام في الداخل قبل الخارج وخاصة بعد نهاية الحرب الباردة وصعود حركة الصحوة الاسلامية. ذلك أن منهج الرد ليس المنهج المفضل لدينا لذلك فلن يكون الكلام على رأي هيجل إلا منطلقا لما هو أهم: علاج مسألة التحريف في مفهومها القرآني بالصيغة الفلسفية التي توصل إليها ابن حزم. ذلك أننا لا يمكن أن نصحح تصورنا للغايات السامية التي يعد الصراع الحالي أحد وجوه التدافع عليها من منظور الاسلام الصراع الحالي بين الاسلام وتمسيح العالم من دون تصحيح الفهم الرديء لطبيعة الثورة المحمدية ليس في الغرب فحسب بل عند المسلمين الذين هم بدورهم يسيئون فهم الاسلام لمجرد وضعه في نفس مستوى الدين المسيحي متناسين أنه محرف مرتين: التحريف المتقدم على الاسلام الذي أصلح التحريف ثم تحريف الاصلاح الاسلامي بما يسمى الاصلاح البروتستنتي الذي هو تحريف للمنظور الاصلاحي الذي حدد به الاسلام العلاقة بين الروحي والزماني محققا الصلح الحقيقي بين الدين والدنيا. فلما كانت المسيحية في التحريف المتقدم تنفي الدنيا باسم الدين أصحبت في التحريف المتأخر تنفي الدين باسم الدنيا أي إنها لم تترك لنيتشة مهمة قلب نظام القيم الافلاطوني المحرف إذ سبقته فحرفته في الاتجاه المقابل: وذلك ما يمثله رمز لوسيفار في أدب جوته.
لذلك فقبل الشروع في علاج المسألتين لا بد من الانطلاق من تصنيف الأديان الذي وضعه ابن حزم ليميز بين الآراء حول الحقيقة عامة سواء كانت الحقيقة التي حددتها الاديان المنزلة أو الحقيقة التي حددتها الفلسفات الطبيعية حتى نفهم منظور الاسلام ومنزلته من منظور اسلامي متحرر من تأثير االفلسفات الغربية الحديثة التأثير الذي يصعب أن يكون المرء منا عريا عنه بعد أن ربينا عليها عقودا وعقودا تربية همها الرئيسي أن تنسينا كل مبادئ حياة فكرنا الذاتية له وأهمها: نفي اطلاق الخصوصيات بديلا من المتعاليات الكونية التي هي جوهر الحقيقة الفطرية ومن ثم التي لا يختلف فيها الديني والعقلي إلا بالاسلوب.
فابن حزم حاول في الفصل تصنيف الآراء حول الحقيقة فاستعمل القسمة الافلاطونية على النحو التالي. فقد اعتبر المجال المقسوم وجود الحقيقة بمعنيي الوجود ( قيام الشيء بداته وحضوره في ادراك واجده). واعتبر معيار التقسيم خصائص الادارك الموصل إليها بمعنيي الادراك (السعي إلى المدرَك للحصول على بعض الحقيقة بالجهد الشخصي أو العقل وتلقي المدرَك بمعنى الوعي المباشر ببعض الحقيقة التي لا يكفي فيها الادراك العقلي ). وقطعت القسمة عنده أربع مراحل:
1- المرحلة الاولى المقابلة بين من يقول بوجود الحقيقة وقابليتها للعلم ومن ينفيهما: ويضرب ابن حزم على النفاة مثال السوفسطائيين.
2- المرحلة الثانية المقابلة بين من يقول بكفاية الادراك العقلي وينفي ماعداه ومن ينفي الكفاية ويثبت الادراك بالتلقي أو الوحي: ويضرب ابن حزم على النفاة مثال البراهمانيين.
3- المرحلة الثالثة المقابلة بين من يقول بكلية المخاطبين بالوحي ومن ينفي ذلك لقوله بنظرية الشعب المختار: ويطلق ابن حزم على النفاة اسم اليهود.
4- المرحلة الاخيرة المقابلة بين من يقول بكلية انتخاب الرسل من جميع الامم ومن ينفي ذلك بلوغا بعقيدة شعب الله المختار إلى غايتها حصرا للرسل فيه: ويطلق ابن حزم على النفاة اسم المسيحيين. 
ويمكن أن نضيف النتيجة التي قصد إليها صاحب التصنيف دون أن يكون لها المعنى الذي أصبح لها في عصرنا كما سنرى: فنجمع السوالب (نفي الحقيقة ونفي الوحي ونفي كونية المخاطبين وكونية الرسل) ونجمع الموجبات (اثبات الحقيقة واثبات النبوة واثبات كونية المخاطبين وكونية الرسل) لنحدد حدي المقابلة المطلقة التي لم تتعين في عصر ابن حزم بالدلالات التي صارت لها الآن وتعينت اليوم في المقابلة المطلقة بين المنظور الغالب على الاسلام من منظور الاسلام ( ممثلا بهذا التصنيف ) والمنظور الغالب على الغرب من منظور الغرب ممثلا بفلسفة هيجل الدينية والتاريخية والمعركة الجارية حاليا في الواقع التاريخي وفي شعارات دعايتها. فالقول بوجود الحقيقة وعلمها بالعقل وعلمها بالوحي وكلية المخاطبين وكلية المرسلين كلها مبادئ يشترطها القرآن في اسلام المسلم سواء انتسب إلى دار الاسلام وحقبته التاريخيتين أو كان من غير المكان والزمان الاسلاميين: أي ما تقدم على الاسلام وفي الامم الاخرى المعاصرة له وإلى الابد. 
أما الأنفاء أو السلوب فتنقسم إلى حزبين متلازمين كل منهما تغلب عليه صفتين ظاهرتين تضمران الصفتين الاخريين. فأما نفي الصفتين الاوليين فهو مميز الطبعانية وما بعد الحداثة (نفي الحقيقة ونفي علمها). وأما نفي الصفتين الاخيرتين فهو مميز الصهيونية والمسيحية الصهيونية (نفي كلية المخاطبين وكلية الرسل). والواقع أن النفيين الاخيرين يعودان إلى النفيين الاولين أو يؤديان إليهما لان الرسالة الخاصة والرسول الخاص لا يمكن أن يكونا كذلك إلا إذا نفيا الحقيقة الكلية والحاجة إلى كونية الرسالات: فلا تكون الرسالات مضمونها الحقيقة الكونية واقعا وتصورا بل مضمونها ايديولوجيا عرقية واقعا إن ليس تصورا. وعندئذ نفهم لم كان لا بد أن يكون النفاة مجتمعين هم أعداء الاسلام في المعركة الحالية: الطبعانية القائلة بالنسبوية الثقافية كما تتعين في فكر ما بعد الحداثة والوحيانية القائلة بالشعب المختار كما تتعين في المسيحية الصهيونية.
يبدأ هيجل مقارنا بين الدينين المسيحي والاسلامي الدينين اللذين ينتسبان إلى نفس المرحلة التاريخية في فلسفته التاريخية فيقول:" تلك هي الروحانية والمصالحة الروحانية التي بزغت (في الحقبة الرابعة من تاريخ العالم). وهذه المصالحة الروحانية هي مبدأ الشكل الرابع (من أشكال تاريخ العالم الهيجلي). فقد بلغ الروح إلى الوعي بأنه هو الحق. وما بقى الوعي كذلك فكذلك سيكون الفكر. ومن الضروري أن يكون هذا الشكل الرابع هو بدوره شكلا مضاعفا: 
1- فهو الروح من حيث هو وعي بعالم باطني عالم الروح الذي اصبح واعيا بكونه من حيث هو جوهر أنه الوعي ب(الوجود) الأسمى وعيا عقليا. 
2- لكن إرادة الروح تكون بالمقابل روحا مجردا وثابتا في التجريد الروحي. وما ظل الوعي على هذا النحو من الثبات في التجريد سيبقى الواقع مثله. فيكون الواقع مترابطا مع عالم دنيوي لم ينضو في الروحي ولم يصبح نظاما عقليا يحايث في الوعي. ذلك هو جوهر العالم المحمدي (=عالم الاسلام) الذي هو أسمى ترق لمبدأ (روح)الشرق. 
فلا شك أنه دين تلا المسيحية ظهورا في التاريخ وأنه أعلى ادراك للواحد (في الشرق). لكن المسيحية لكي تصبح صورة متعينة في الدنيا كان لا بد لعملها أن يستمر قرونا. ولم يتحقق ذلك إلا مع شارل الأكبر (الخامس). وكون الاسلام بالمقابل قد أصبح مملكة دنيوية (قبل المسيحية) فالعلة هي أن المبدأ المجرد يتحقق بصورة أسرع (من المبدأ المعين الذي هو مبدأ الغرب المسيحي بالمقابل مع المبدأ المجرد الاسلامي). إنه نظام متعين في العالم الارضي متقدم في الوجود التاريخي على نظام العالم المسيحي"(12) .
والآن هل ينبغي أن نفهم وحدانية الاسلام كما فهمها هيجل الذي اعتبرها من جنس التنوير التصحيري لكونها تقول حسب رأيه بالوحدانية المطلقة اطلاقا سالبا لكل تعين ومن ثم فهي تنفي التعيين المسيحي لمفهوم الله الناتج عن التثليث الذي هو تعضٍ موجب (فيكون الاقنوم الاول هو المبدأ في اطلاقه والاقنوم الثاني هو العالم المادي أو الطبيعة والاقنوم الثالث هو العالم الروحي أو التاريخ)(13) ؟ فلنتابع التعرف على الفهم الهيجلي قبل الجواب. يضيف هيجل:"وفي الجملة ففي حين بدأ الغرب يتنزل في عرضي الأحداث والنمو والخصوصية كان لا بد أن يحصل في العالم الاتجاه المقابل لتوحيد الكل في ثورة الشرق التي قضت على كل خصوصية و على كل آصرة فطهرت الوجدان تطهيرا تاما لكونها لم تر الموضوع المطلق إلا في الواحد المجرد ولكونها كذلك جعلت الوعي الذاتي الخالص والعلم الغاية الوحيدة للحقيقة-كماجعلت كل آصرة آصرة وجود"(14) .
لا بد من الاعتراف بأمرين جوهريين يحسبان لهيجل. فهو يسلم للاسلام بكونه دينا كونيا ويسلم له بكونه قد حقق المصالحة بين قيم الروح المتعالية وتعيينها الفعلي في الوجود الدنيوي (بين الدين والسياسة بتكوين دولة ذات ش

 

 

30-09-2005 .   الملتقى /  /    .   http://almultaka.org/site.php?id=372