بحسب استطلاع للرأي أجري لمصلحة مجلس العلاقات الاميركية الإسلامية/ كير (تشرين الأول/ أكتوبر 2004) قال 26 في المئة من الاميركيين: "إن الدين الإسلامي يعلم العنف والحقد"، فيما قال: 29 في المئة منهم: "إن المسلمين يعلمون أطفالهم الحقد تجاه غير المؤمنين"، بينما يقول الله تعالى: (وما أرسلناكَ إلا رحمةً للعالَمِينَ) (سورة الأنبياء: 107)، في ضوء هذا التناقض بين تصور المسلمين لطبيعة رسالتهم وبين مرتسماتها في تصورات الغربيين، يبدو السؤال مشروعاً اليوم عن آثار رحمة رسالة الإسلام بالعالمين؟ وهل من الطبيعي بالنسبة إلى المسلم أن يتصور ربع الشعب الأميركي (كنموذج) أن الإسلام هو على الضد من ذلك؟ وإذا طرح هذا السؤال سيكون السؤال الموالي: من المسؤول عن هذا التصور الشائع حول طبيعة الإسلام؟ وهل يكفي العلم بما تمارسه وسائل الإعلام الغربية من تشويه لإعفاء المسلمين من المسؤولية عن الصورة التي ترتسم حول دينهم؟ فأن تأتي اتهامات الإسلام بالعنف والإرهاب والشر من اشخاص امثال: جيري فالويل، بات روبرتسون، جيري فاينر، فرانكلين غراهام وغيرهم، لا يحتاج إلى تعليق فخلفيتهم الدينية والسياسية تجاه الإسلام واضحة، لكن ان يفلح هؤلاء من خلال وسائل الإعلام في تغيير الرأي العام الغربي تجاه الإسلام لا يمكن ان ينجح إلا بتقصير المسلمين من جهة إسهامهم في تشويه الصورة، فالحدث الأيلولي كان له دور كبير في ارتفاع نسبة من يحملون تصوراً مشوهاً عن الإسلام، بل ان المسألة لتتخذ أبعادا اخطر عندما يتصور بعض المسلمين ان الأصل في العلاقة بين المسلم وغير المسلم هو التنابذ والصراع وفي أحسن الأحوال تعامل بالحسنى على سبيل المجاملة طمعاً في الهداية.
لا يحتاج المتأمل كثيراً من الوقت ليدرك مسار الأحداث التي سارت بتصورات الغربيين الى هذه الدرجة من السوء، فأحداث كالحادي عشر من أيلول (سبتمبر) 2001 وما حصل في محطات القطار في مدريد كفيلة بأن ترسم صورة هي الأسوأ عن المسلمين لاسيما عندما يفتخر بها من اتهم بها او ادعاها، وأزعم ان تصورات الغربيين خصوصاً الأوروبيين هي اقل مما كان يمكن ان تكون عليه بفعل الأحداث التي يقوم بها المسلمون تجاههم، والسبب في ذلك طبيعة التفكير الغربية التي ربما تنزع إلى المحاكمة أكثر من المجتمعات الأخرى التي لا تمتلك تعليماً وثقافة أعمق، وعليه فالصورة المرتسمة عن الإسلام على ما هي عليه من قتامة هي دون ما يمكن أن تؤدي إليه أفعال المسلمين.
إن الفرضية الأساسية التي ينبغي أن ينطلق منها لمعالجة هذه الظاهرة هي ان المسلمين هم المسؤولون الأساسيون عن مشكلاتهم والتصورات المرتسمة عنهم، ونزيد الامر تخصيصاً ونعتبر أن علماء المسلمين وفقهاءهم هم المسؤولون بالخصوص عن التصورات الدينية السائدة في مجتمعاتهم وغيرها، وذلك بغض النظر عن العوامل الأخرى المؤثرة في صناعة الرأي، ذلك أن تشخيص المشكلة والبحث عن علاجها يفترض حصر الاهتمام في ما هو ممكن وهو ما نحن مسؤولون عنه.
ما قدمناه لا يستبعد المؤامرة في ما يجري لكنه يعتبر أن المؤامرة الحقيقية أن نبقى أسرى فكر المؤامرة، فنكون نحن المتآمر الأول على قضايانا، ومن ذا الذي ينتظر من قوى عالمية تتسابق للهيمنة على كل صغيرة وكبيرة في هذا العالم أن تكون بريئة من صناعة رأي مضاد للإسلام والمسلمين عندما ترى انه يهدد مصالحها آنياً او مستقبلاً، فالمؤامرة أمر طبيعي ونسبي، والعلم به أمر لا يحتاج إلى جهد وتحليل، لكن ماذا يفيد العلم بالمؤامرة إذا لم نحدد مسؤوليتنا في الإسهام في مسار هذه المؤامرة.
ان ما يؤمن به جميع المسلمين أن الإسلام رسالة عالمية جاءت لجميع البشر لتكون رحمة للعالمين، وذلك من خلال إنقاذ المستضعفين وتحرير عقول الناس من السلطات المفروضة عليها، وقد جاء وصف الرحمة متواتراً في القرآن الكريم فورد جذر رحمة (339) مرة، ووصف الله نفسه في القرآن بأنه الرحمن (48) مرة وبأنه الرحيم (38) مرة، ولم يكن نجاح الرسول (صلى الله عليه وسلم) في دعوته إلا من خلال ما تمتع به من خلق حسن ورحمة بالناس (فبما رحمة من الله لنتَ لهم ولو كنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك فاعفُ عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الأمر فإذا عزمت فتوكل على الله إن الله يحب المتوكلين) (آل عمران: 159)، وصف الرحمة هذا الذي التصق بالإسلام وكان خلقاً من أخلاق الرسول (صلى الله عليه وسلم) استمر مع المسلمين في سلمهم وحربهم، وكان عنواناً يميز الحروب التي خاضها المسلمون عبر التاريخ وهذا ما تعترف به بعض الأدبيات الاستشراقية والدراسات التاريخية، لكن التاريخ الذي يصنعه المسلمون اليوم ربما لن يحافظ على تلك القيمة الأخلاقية، ولن يفتح المتطرفون في سلوكياتهم صفحة جديدة من السجل الذهبي للحضارة الإسلامية، هذا إن لم يفتحوا سجلاً اسود سيكون من علامات انحراف المسلمين عن قيم إسلامهم، أن الانتشار الأوسع للإسلام في العالم وفي مختلف مراحل التاريخ انما كان بفضل الأخلاق الإسلامية والقيم القرآنية التي كانت تمتد شرقاً وغرباً مع الدعاة والتجار في حالات السلم، ولم يخسر المسلمون بلداً فتحوه بأخلاقهم، لكنهم خسروا بلداناً فتحوها بسلاحهم، هذه السنة التاريخية ان دلت على شيء فإنها تدل على كون القيم الاخلاقية هي الاقوى في المعادلة الحضارية، ولم يكن العنف يوماً ليصنع حضارة او يبني امة او يهدي ضالاً.
فالعنف أبعد ما يكون عن تحقيق هدف الهداية والنصح، فضلاً عن ان يترجم الأخلاق الإسلامية إلى الآخرين، فلا يمكن إقناع أي مواطن غربي يرى الأبرياء في محطات النقل او وسائلها او المجتمعات التجارية يقتلون باسم الإسلام ثم يقال لهم ان الإسلام جاء رحمة لكم وللعالمين، ان دين الرحمة لا يمكن بحال أن يبرر قتل إنسان غدراً ومن دون سبب شخصي يتعلق به، فالعنف الذي يستهدف شخصاً بسبب دينه او انتمائه الى بلاد لا يقر المسلمون سياساتها يعتبر عدواناً غير مشروع وهو بالتالي يتناقض مع قواعد الشريعة وقيم الإسلام وعلى رأسها وصفه بأنه رحمة للعالمين، بل انه عدوان على شريعة الإسلام وتشويه لتعاليمه.
وبالتالي فالصورة المشوهة المرتسمة في الغرب عن الإسلام والمسلمين ليست مسؤولية وسائل الاعلام الغربية المنحازة وحدها إنما يتحمل المسلمون قسطاً كبيراً من هذه المسؤولية، فكانت احداث العنف وأهمها الحدث الأيلولي مناسبة لوسائل الإعلام لتمرير صورة نمطية مضللة عن الإسلام تقرنه بالعنف والإرهاب وكونه ديناً ضد الحداثة، وقد أورثت تلك الممارسات وتوظيف وسائل الإعلام لها رأياً عاماً سلبياً حول الإسلام، فالصورة التي يسهم المسلمون في صنعها عن دينهم وأنفسهم ليست بالمشرفة، والحصيلة من تلك الصورة تمثل إدانة للمسلمين من ناحيتين الأولى إسهامهم في جانب من التشويه الذي يطاول الإسلام من خلال سلوكياتهم، والثانية عجزهم عن تصحيح تلك المرتسمات على رغم تطاول الزمن على بدايتها واستفحالها مع الأيام على رغم كون الحلول العملية متاحة لو وجدت الإرادة.