إن المهاجرين المسلمين إلى الولايات المتحدة الأمريكية ينطبق عليهم حديث المصطفى عليه الصلاة والسلام "من كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى ماهاجر إليه ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها (تكثير الأعمال والثروات) أو امرأة ينكحها (للحصول على إقامة دائمة و"الكرت الأخضر") فهجرته إلى ماهاجر إليه.
لعلي لاأكون مجانباً للصواب لو قررت بداءةًً أن معظم المهاجرين - وليس الُمهجّرين1 - كانت هجرتهم استجابةً لهّم فردي من تكثير الثروات،أوالتحصيل العلمي للحد الذي يكن عوناً على تكثير الثروات الفردية، والغاية العظمى هي بناء جزر فردية يعيش فيها أهل المهاجر بسلام واطمئنان دنيوي، بعيداً عن هموم الأمة ومشاكل أبناء الوطن- الذين في الغالب يحيون في منظومة سياسية واقتصادية فاسدة في العالم الثالث- ومن باب أولى فإن المهاجر من هذا النوع لايستهويه صخب المماحكات الفكرية، لكنه يركن للسهل من المعارف، وبما يحقق لنفسه درجة الرضا عن النفس في العلاقة مع الله، بغض النظر عن محتوى الطرح، أو جدّته، أو حتى مقدرة هذه النوعية من الخطاب الإسلامي على فهم مشاكله اليومية في أمريكا.
إن صخب الحياة الأمريكية وسرعة ايقاعها يوجد في كثير من الأحيان مبرراً للانصراف عن عناء الشأن الثقافي ومتاعبه، لذا تجده أقل المسائل اهتماماً في"أجيندة" المهاجرين المسلمين، مقارنة بالشأن الوعظي والدعوي بدعوى أن هذا النوع من الخطاب هو الوحيد المؤهل للحفاظ على الهوية الإسلامية.
لم يكن في ذهن المهاجرين أن ينهجوا نهجاً كالذي تبناه مثلاً منذ أكثر من قرن من الزمان محمد عبده وجمال الدين الأفغاني في فرنسا عندما أسسا معاً صحيفة "العروة الوثقى" كي تكون ُمتنفساً معرفياُ للمصريين آنذاك، لأنهما كانا يحملان همًا ًثقافياً ووطنياً ودينياً في المقام الأول فقد كانت هجرتهما-أومنفاهما- لله ورسوله – أو على الأقل لم يكن لأسباب تحصيل الرزق، فيما نعلم على الأقل، والهم الثقافي في أولى سلم اهتماماتهم.
إن المتأمل من المهتمين بالشأن الفكري في العالم الإسلامي يَحسبُ قبل مجيئه إلى أمريكا أن تجاربَ فكريةَ من مثل المعهد العالمي للفكر الإسلامي في واشنطن مثلاً وغيرها من المؤسسات الفكرية الرصينة هي الأصل، وأن الهيئات الثقافية والمراكز- التي تُعنى من خلال لجانها بالمسألة الثقافية- لديها مشروع على غرار المعهد العالمي، أو أن مشروعاً فكرياً حضارياً قد َرشَح من هذه المؤسسات الفكرية وهوً جاهز للاحتضان من قبل اللجان الثقافية في المراكز الإسلامية2 أومن قبل الرجل العادي ، وذلك عبر المساجد من خلال قنوات دعوية مباشرة كخطب صلاة الجمعة.
لكن نظرةََ متأنيةً على واقع المهاجرين من خلال مراكزهم الإسلامية ولجانهم "الثقافية" في المراكز والهيئات الإسلامية تفصح عن أن الأمر على الخلاف.
تعترض معظم اللجان الثقافية في المراكز الإسلامية في أمريكا إشكالية التفريق بين كونها لجنة ثقافية أو أنها محض دعوية، رغم أن هذه الأخيرة محققة بشكل كبير من خلال صلاة الجمعة ودروس وحلقات التعليم في مصلى المركز الإسلامي ولكن الشان الثقافي في الغالب يبقى لقيطاً لايجد من يتبناه. هناك ُلبس مفتعل يحيّر اللجان الثقافية مما ينعكس على نوعية المحاضرين المدعويين، وعلى محتوى المحاضرات وسويتها المعرفية، بسبب الخلط القائم والذي يوحي بأن الثقافة بوجه من الوجوه مخالفة للأمر الدعوي، وكأنه لايصح اجتماعهما في برنامج توعوي واحد، لذا فإن البرنامج الثقافي يطغى عليه الطابع الدعوي المباشرفي كثيرمن الأحيان فضاً للنزاع. الحقيقة أن هذا الخلط يمكن أن يختصر بالقول بأنه خلطٌ بين ماهو "عَقَديّ" وماهو "معرفيّ"، فكل عقدي هو بالضرورة معرفي ، ولكن ليس بالضرورة كل" معرفي" هو "عقدي"، بمعنى آخر هو خلط مابين ماهو "ايديولوجي" - رغم تحفظنا على تسمية الفكر الإسلامي بالايديولوجيا بسبب البعد الإلهي في الفكر ولأنه ليس فقط صنيعة انسانية محضة وذكر ايديولوجي هنا على سبيل المشاكلة - وماهو "ابستمولوجي" فكل ماهو ايديولوجي يدخل تحت قنطرة الابستمولوجي بسبب محتواه المعرفي، ولكنه ليس بالضرورة كل ماهو "ابستمولوجي" يندرج تحت ماهو "ايديولوجي" ولايُستحسن "أدلجة" كل ماهو ابستمولوجي خاصة في الفكر الديني بسبب فرط حساسية الولاء والبراء عند أصحاب الفكر الحدي والذين يتخذون الدين أداة للتصنيف والتفضيل والتكفير والتضليل، وهو خلاف حقيقة الفكر الإسلامي التي تتسم بعظمة سعته للخلاف الفكري بين معتقديه على الأقل فضلاً عن تسامحه مع من هم خارج الدائرة الإسلامية.
إن الهم الثقافي هو دعويٌ وتوعويٌ في آن، ويشمل الفكر الإسلامي وغيره من الثقافات السياسية والأدبية، والاقتصادية، والعلمية، وكل وجوه المعرفة، والمشكلة التي تواجه اللجان الثقافية أنها تلبس لبوس الدعوة المباشرة التي تسودها أجواء التلقين،أكثر منها لبوس الثقافة التي تشمل كل أنواع المعارف وتسودها أنواع المثاقفة، والحوار البّناء غير المأسور لمظهر ضاغط، أو مصادرة لرأي، وبذلك ُتفوت خيراً كثيراً على روادها، خاصة إذا كانت هذه اللجان ُتديرالمحاضرات بشكل إسلامي ملتزم يبتعد عن الشطط، فإنها بذلك ُترّوح عن قلوب روادها بتنوع مضامين محاضراتها، وترفع منسوبهم المعرفي بحرفيتها في انتقاء المحاضرين من المتخصصين وفي إدارتها لدفة المحاضرات من جهة، وفي اختيار المواضيع المّلحة بجرأة وموضوعية والتزام من جهة أخرى.
واقع الأمرأن ُتهماً ُتكال بالجملة على المنظّرين المسلمين، بأنهم أسرى الفكر النظري، وهم يفتقدون للمعالجات العملية التي يستفيد منها سواء القّيميين على الأمر، أو العامة من الناس، وكذلك بأن المنظرين يصعب عليهم النزول من قصورهم العاجية، وطروحاتهم تبتعد عن حاجة الأمة في واقعها اليومي المعاش، ولعل هذه العجالة بما تقدمه من نصائح عشرة تدفع التهمة عن المنظرين لحد ما، وهي تطرح حلولاً عملية للجان الثقافية بالإمكان موائمتها مع ظرف كل مركزإسلامي، وللإنصاف فإن هذه العجالة تجنبت ذكر كل الأدلة الأصولية والتاريخية على كثرتها، لأنها لاتشكل حقيقة ً إلا مجرد إشارات ونصائح عابرة موجزة، لعلها تصلح أن تكون مدخلاً لدراسة معمقة لها مابعدها:
1- فضاء الحرية الضيق: إن على القائمين على اللجان الثقافية أن يوطّنوا أنفسهم قبل غيرهم على تقبل الآخر ف "السعة مقياس الحضارة" كما يقول المفكرالدكتور محمود عكام، وأن الدنيا فيها متسع للآخر، وأن لايحّجروا واسعاً، وأن الثقة بالهوية الحضارية والإسلامية، وبجدارة العلماء العاملين، وقدرتهم على طرح الإسلام بصورته الحضارية، تُحتم عليهم أن لايَخشوا الآخر، وعليهم أن لايسمحوا للقمع الفكري أن يدخل المراكزالثقافية، لابل أن تكون حرية الفكر وتنوع مشاربه (إسلامياً كان أو سياسياً أو اقتصادياً أو أدبياً) عنواناً عريضاً يَحسنُ تبّنيه من قبلهم، حتى يتم التأسيس لحوار حقيقي وعالمي يعكس نموذج الإسلام الحضاري.
كما أن على اللجان الثقافية أن تدرك بأن السقف الحقيقي والضابط لحوار خّلاق ضمن إطار الشرع هو ستة مسائل 1)عدم مساس الذات الإلهية ووحدانية الخالق 2) عدم التعرض لقداسة القرآن الكريم ولابأس من الخلاف على تفسيره 3) عدم المساس بشخص المصطفى عليه الصلاة والسلام وآل بيته الكرام 4) عدم تحييد السنة كمصدر تشريعي أو النيل من أحاديث المصطفى عليه السلام ولابأس بالخلاف على تفسيرها 5) الحوار الموضوعي الذي يبتعد عن الشتائم، وعن كل المكفّرات، وعن التهم غير المدعومة بأدلة فيما يَعرضُ للمحاضر من اشكاليات 6) الابتعاد عن الطروحات التي تخدش الحياء ولاتلتزم الآداب الإسلامية العامة.
أما ماعدا تلك النقاط الستة ففضاء الحوار فيه متسع، ولايجوز مصادرة الأفكار، ومقاطعة دعوة بعض المحاضرين بدعوى الخلاف في الرأي،أوبدعوى استشكال بعض الوقائع التاريخية على المحاضر، أو محاولته الخروج باستنتاج غير مألوف، لأنه ليس من الموضوعي سحب القداسة على كل ماسبق من مخطوط تاريخي، بحجّة "التاريخية"، فالتاريخ لايفرّخُ محضُ قداسات، بل إن الحضارة الإسلامية على عظمتها فإن فيها الغثُّ والسمين، وهذا لايعيبها لأن أبطال التاريخ الإسلامي هم بشرٌ يعترضهم النقص في بعض المناحي الفكرية، وإن علمائنا على مكانتهم، ومفكرينا على مر التاريخ، على الرغم من علّو قدمهم، لكنهم لا َيصُدرون عن وحي مُنزَل، إنما هو فكرهُم وفهمهُم، وهم معاملُ لانتاج الفكر والمعرفة غير المقدَسّيَن، بيد أنها مادة ثرة للمتبصرالنبيه، وأما الوحي فقد انقطع بعد وفاة المصطفى عليه السلام.
فإذا اتفقنا على أن الوحي انقطع بعد وفاة المصطفى صلى الله عليه وسلم، فإن كل مابعده هو تاريخ، ينسحب عليه ماينسحب على أي تاريخ بأنه –أي التاريخ - هو مجموعة الحوادث اليومية لقوم ما، عاشوا ضمن سياق تاريخي ما، أنتجَ منظروه ومفكروه معارف َونتاجات فكرية، هي الوليُد الشرعيُ لفهوماتهم،وأزمنتهم التاريخية، وليس لأحد أن يتعّبد الناس بهذا الإرث التاريخي على علّو مكانته، بل هو مَعينٌ ثّرلايمكن للباحث المنصف إغفال،بيد أنه ليس مَحّلاً للقداسة بل هو مادة للبحث والدراسة.
إن ماذكر يحتم على اللجنة الثقافية أن تشيع بين روادها أمرين الأول أن أي رأي يُطرح من على منبرها لايعبر بالضرورة عن رأي اللجنة ولكنه يعبر عن رأي صاحبه وهو دلالة على حرية الفكر التي تتبناها، وأن دعوة المحاضر هي دعوةُ للحوار وليس للتكريم. ثانياً: أن رأي اللجنة التي تتبناه هو أن المفكر الذي لايهضم تاريخه، أوالذي يطرح مشروعاً مُنبتاً عنه،هو مشروع في الغالب يشوبه النقص على مافيه من جدة وأساليبَ مُستحدثة، وهو معرضٌ لحُكم التاريخ الذي يميز بين الغث والسمين.
إذن لايجوز أن ُنضّيق أفقَ الحوار الفكري بحجة أنَّ مفكراً قد يتعرض لحادثة تاريخية بالتحليل، أو أن مفكراً ماقد يأتنا بما لم نعهده من سابقات التفاسير،أو بحجة أنه قد يأتي بمُحدثة تصل حد البدعة التي تدخل النار. إن على القيميين على اللجنة الثقافية أن يَعلَموا ، و يُعلّموا أنه لو صح أن هذه البدعة ُتدخلُ النار، فهي ُتدخل صاحبها و"كل نفس بما كسبت رهينة" ، وإن ذلك يُلزم اللجنة أن تأتي بمفكر يملكُ نفس الباءة الفكرية، لكي يطرح مافي جعبته ويدفع الحجة بالحجة، ويطرح الموضوع الذي استشكل فهمه على من سبقه بأناة، في جو خال من التشنجات.
إن الشعور بالوصاية على فكر المستمعين أمرٌ مستهجن، لأنه يحطُّ من مكانة المستمع، ويقلل من شأن أدواته المعرفية، بحجة أن مفكراً واحداً قد يقلب كيانه الفكري والعقدي (كونه من الدهماء والعامة)، وتكون اللجنةالثقافية عندئذ مسؤولة يوم القيامة عن ضلال ذلك المستمع، إذ لم توفر له أسباب "الثقة بالنفس الحضارية"أو لم تهيء للنهوض بمنسوبه المعرفي.
إن الحقيقة المعاشة تقول أن المستمع يرى في المكتبات وفي أجهزة الإعلام وخاصة الفضائيات الغث والسمين كل يوم على مدار الساعة، وليست محاضرةً يتيمة ً في الأسبوع كما هو شأن انعقاد المحاضرات عادةً ، فإذا كان القائمون على اللجنة "الثقافية" يَخشون على فكر الحضور، فعليهم طرح الإشكاليات بأناة في مراكزهم،ويشمَروا السواعد، ويدعوا المحاضر تلو المحاضر حتى تستقيم الفكرة ويتضح المفهوم الذي جرى استشكاله، عندها فقط فإنهم يكونوا قد أعطوا مستمعهم َمصلاُ مضاداً ضد الانحراف الفكري (هذا طبعاً إن وجد ولم يكن وهماً من صنع اللجنة نفسها).
إن على المستمع أن يكون جاداً ومسؤولاً عن تبّني الخيار السليم، فمنبر اللجنة الثقافية يطرح كل وجهات النظر بموضوعية ومن متخصصين، وهذا يرتب مسؤولية البحث وإعمال العقل، وسؤال أرباب العلم إن لازالت هناك إشكاليات عالقة في ذهن المستمع، ولن يكون الحل كما يفعل معظم القائمين على الشأن "الثقافي" بأن ُيبعدوا كل مخالف، ويستثنوا كل مفكر "مثير للجدل" لا لشيء إلا لأنه قد يُضّر ب "العافية الفكرية" لرواد المركز الإسلامي.
أن واقع العولمة وثورة المعلومات تؤكد أن هذا المفكر "المثير للجدل" موجود في كل المحافل الفكرية وعلى الفضائيات ليل نهار، ومنبر لجنة ثقافية في مركز متواضع لايشكل إضافةً لمكانة المفكر "الشعبية".
لعله من الأجدى أن يُنظر إليها على أنها مجردُ محرض للعقل، وليس بالضرورة بؤرة إشكالات، طالما أن المحاضر التزم الخطوط العريضة الستة السابقة الذكر، وبذلك فقط يتم خلق مناخ الحوارالايجابي، الذي لايتم في فضاءات ضيقة تتهدد الجديد بالتكفير، والعمالة، والتفسيق، والعلمنة. إن المراقب يجد أحياناً أن نعت"العلماني" يلصق بمفكر قد أدى صلاة الجماعة في نفس المركزالذي يُدعى إليه، وذلك كله نتاجُ ضيق الأفق الذي هيء له القائمون على اللجان الثقافية، فالمستمع لم يعهد بهذه اللجنة أن جاءته بمفكر واحد خلال عقد من الزمان يطرح فكرةً جديدة، أو يطرح رأياً مخالفاً مصحوباًً بالأدلة، أو يتحدى فهماً سائداً،لابل انها دعت كل الوعّاظ والمحاضرين أو ال"معيدين"(على اعتبار أن مهتهم تقتصرعلى الإعادة والتذكير بماقد قيل) على أنهم ُيمثلوَن الإسلام النقي و"المشرب الصافي"، وبذلك يَحسبُ رواد المركز أن من خالفهم هو رجلٌ قد عَكَُرَ صفوه، وحادَ عن الرشاد فكرهُ، فلذا وجبَ منعهُ وزجرهُ.
2 - العقل النقدي: إن أي لجنة أو هيئة ثقافية لاتستحق لقب" ثقافة" أو" فكر" مالم يكن لديها مشروع فكري واضح- وليس مشروعاً محضُ وجداني،وتثويري، ُيغّيب العقل النقدي في كثير من الأحيان – واللجنة لايمكن أن تكون دعوية أو" توعوية" مالم ُتعنى بتوضيح المفاهيم الفكرية بموضوعية وليس بتعصب وتشنج لطرف على حساب آخر، أو باستبعاد العقل النقدي ، بل على اللجنة أن تجتهد في بيان المفاهيم من خلال أعضائها المختصين، أو من خلال سلسلة محاضرات توعوية من غير أعضائها، وتدلي بدلوها من خلال تجربة معاصرة، وواقع معاش، وتفهم حقيقي وتاريخي لأي فكرة، بل ربما يستوجب أن تضيف مفاهيم جديدة لو أمكن، وإن هذا لايتم إلا بدعوة المتخصصين والكّتاب المتمرسين، وهذا يقودنا للمسالة الثالثة.
3- الاختصاص وليس الانتقاص: على اللجنة الثقافية أن تتجنب تكرار استدعاء نفس المحاضر مرات ومرات، حتى تًملّه العامة والخاصة، وكذلك أن تتجنب أن تأتي بغير ذوي الاختصاصات،حيث تكون مهمة المحاضر أن يملأ ساعة من الزمان وحسب، فهذا خطأ في حق المحاضر، والمحاضَر-المستمع، حيث تصبح معها المحاضرة ممجوجةً ومملةً فضلاًً عن فداحة أخطائها الفكرية، وسطحيتها، وعموميتها، فعلى اللجنة الثقافية أن تُقدم المحترف على الهاوي، وأن تقدم فيما يخص المسألة التاريخية، المختصَ بالتاريخ على الذي يحب ويقرأ التاريخ، وفيما يخص مشاكل الجالية العربية والإسلامية وتركيبتها الاجتماعية بحسب الفئات العمرية والميول والتشكلات الاجتماعية، أن تقدم دارس علوم الاجتماع على الواعظ، وفيما يتعلق بالتربية أن تقدم دارس التربية وصاحب أبحاث معمقة في مجالات التربية على الطبيب الجراح بحجة قربه من الجالية أولأنه يشعر أنه مربي ناجح. إن التأكيد على الاختصاص سمة المجتمعات الناجحة فعلى اللجان ال"ثقافية" أن ترفض أن ُتوكل المسألة لغير المختصين فهي مسألة "اختصاص وليست انتقاص" .
4- المطبوع والحرية: إن على اللجان الثقافية أن يكون لديها مطبوعة حيوية، نشرةً كانت أم صحيفة، تعالجُ من خلالها- إن كانت بعض اللجان ستتحاشى الخوض في القضايا الفكرية الإسلامية أو السياسية- على الأقل قضايا الظلم الاجتماعي بين أعضائها ، شعارها في ذلك حرية القول الملتزم والموضوعي وليس التشهير، وإهابها خوف الله لاالخوف على مصالح شخصية، و مبررات باردة، فكم منا سمع عن قصة من أكل مال اليتامى وهو يعيش بين ظهرانينا دون الحديث عنه بعلانية وشفافية وموضوعية لاتنصفُ يتامى أبناء جاليتنا على صفحة مجلتنا، وكم منا سمع عن أموال العامة ُيساء استخدامها بعد أن تجمع هذه الأموال باسم الدين للأسف، ولايحق لأحدالكتابة عنها، وكم منا قرأ تحقيقاً موضوعياً عن منظمة اسلامية استقال منها ثلاثة مدراء في أقل من عامين لتسلط رئيسها، أو عن منظمة حافظ رئيسها على منصبه مدة عقدين من الزمان، أوعن رئيس منظمة يدعّي تمثيل المسلمين وهي عبارة عن أداة سياسية يمولها الحزب الجمهوري الأمريكي، و صحيفة تبدأ بالبسملة كانت تصل العامة في أكثر من ولاية، تسّلط عليها مديرتحريرها وسرق أموالها، فكلفت صاحب المؤسسة أكثر من ربع مليون دولار، ولم يجد مؤسس الصحيفة وممولها من متنفس إعلامي ليطرح مشكلته إنما نُصح بالستر، أو رجل على غاية في الإخلاص وقد أكل عليه صاحب العمل رغم وجود العقود الموثقة أكثر من ربع مليون دولار من الأرباح، وقصص معاشة يومية كثيرة أبطالها مظلومين من أبناء الجالية يعانون من الحيف الاجتماعي....ونحجب عن العامة أمر إساءة أبناء جلدتهم لبعضهم البعض، فيظلُّ الظالم ظالماً، وتكثر ضحاياه كل يوم.
السؤال إذن من المسؤول عن جعل ظلمهم قضية عامة؟.......... فهل نحترم حقاً متبرعينا؟ وهل نحترم الجالية؟ إن نحن أخفينا السلبيات، واستعضنا عنها بنشرات باردة ساكنة، لا تقدم معرفةً حقيقية، بل تكتفي بأخبار التاريخ، ومقتطفات من كتب الأولين، ولاتوظف النص الإسلامي توظيفاً حياتياً يعيد للأمة ثقتها بهويتها، فتسيء إليه من حيث لاتدري، فكم منا تمنى ألايذكر لفظ الجلالة في المطبوعة لأنه يريد رميها في القمامة.
5- الاختصاص في انتقاء أعضاء اللجنة الثقافية: إذا كلن الحكم على العموم فإنه يصح أن نقول إن مشكلة معظم المراكز الإسلامية، أن أعضاء اللجنة الثقافية والقائمين على المسألة الثقافية بعيدين كل البعد، إلا من رحم ربي، عن تبني أي مشروع ثقافي، اللهم إلا المشاريع التعبدية التي تسعى للتقرب إلى الله والصلاح الفردي في أحسن الأحوال، وإن هؤلاء الأعضاء يتم ترشيحهم بناء على "مراعاة للخواطر"، ومداراة للمقامات والتي نُحسن حفظها في مجتمعاتنا، وخاصة تفضيل الغني غير المؤهل (بحجة أنه صاحب فضل في التبرعات) على الفقير- أو حتى متوسط الحال- المؤهل أو ذو الأخلاق الطيبة والحسنة على صاحب العقل المتقد ...وربما يحسن باللجنة الثقافية أن تأخذ بالرأي القائل "إن هناك من الرجال من نتبرك بهم بيد أنا لانأخذ بآرائهم" ... فما أندرماترى في المراكزالإسلامية أن رئيس اللجنة الثقافية خريجُ علوم سياسية، أو اقتصادية،أوإدارية أو أدبية، أو أي من العلوم الإنسانية، هذا فضلاً عن كونه مؤهلاً تأهيلاً عالياً، وأن تكون لديه الخبرة والاحتكاك ، ليس فقط من خلال فقط المؤتمرات الشعبية، والتي في العموم الغالب وعظيةً وتذكيريةً، ولكن من خلال أورا ق عمل قُدمت في أروقة مؤتمرات، وهيئات أكاديمية رصينة.
6- الذات والموضوع: إن على اللجنة الثقافية أن تؤكد لرواد المركزوبشكل عملي على مسألة التفريق بين الخطاب والخطيب ، وبين الذات والموضوع، وأن المادة الموضوعة على طاولة البحث هي الأولى بالتدقيق، والمفروض أنا مأمورون بأن لانبخس الناس أشيائهم، وأن َنعدل لأنه أقرب للتقوى، لاأن نقدم جنسية على أخرى، أو جنساً على آخر، أونقدم محاضر على آخر بحجة أنه من جماعة معينة أو ينتمي لحزب معين أو أنه يوافق هوانا المعرفي، إنما على اللجنة الثقافية أن تجتهد على تربية العقل النقدي لدى الحضور كي يستعيد المهتم بالشأن الثقافي زمام عقله بعد أن سّلمهُ في العموم الغالب لأقوال مسبوقة، أواعتادعلى تدجين العقل الذي رهنه لدى مُدرّسه أو شيخه، حيث يغرق في الطاعة ا لعمياء التي تتجاوز حد الأدب إلى القداسة، حيث يتمثل دور المُريد الذي يقف على باب شيخه ثلاثة أيام حتى ُيفتح له الباب، لأنه أصّرعلى أن يكون كالميت بين يدي مغسله.
إن على اللجنة الثقافية أن تُفهم المستمع أن المهمة المناطة به هي أن يُعمل عقله، ويتبع سنة ابن مسعود رضي الله عنه صاحب اللسان السؤول والقلب العَقول، وإلا فإن المستمع سيستثقل أي محاضرة لايقال فيها ماقد قيل، فالمستمع عندما يصل لهذه المرحلة من اللاشعور المعرفي، فإنه يُعمل مشاعره وقلبه فقط لاعقله، و كل جديد عندئذ يصبح بالضرورة مُحرضٌ عقلي يتقبله جسمه "المعرفي اللاعقلي" بالرفض لأنه جسم معرفي غريب.
إن محاضرنا الذي يدغدغ العواطف ويحمّس الجماهيرلايحتاج لعناء كبير، لأن مستمعهُ حالُه حال من يراجع محفوظاته، كما جرت عليه العادة في دروس الاستظهار المُمّلة، والتي هي السمة العامة لنظام التعليم في الوطن، لذا فإن على اللجنة الثقافية أن تُشجع على تقديم محاضرين الذين هم على مكانة من العلم بحيث ُيمكنهم من إعادة انتاج الخطاب الإسلامي بأدوات معرفية حديثة، ويظهروا احتراماً بالغاً لعقل المستمع، ولايسعوا فقط لإرضاء هواه المعرفي" اللاعقلي" أو "لاشعوره المعرفي".
7-النساء والفتنة: يشيع في معظم المراكز الإسلامية تجنبُ دعوة المحاضرين من النساء، خشيةَ "الفتنة"، وبدعوى أن الرجال المحاضرين الذكور كُثُر، ولاحاجة للدخول في متاهات الفتن، ولاحتى دعوة المحجبات من المحاضرات صاحبات الفكر الناضج، فتُحرم الأمة من إنشاء حوار فكري بين الجنسين، وتُحرم الأمة من معرفة مشاكل وطروحات النساء بلسانهنّ لابلسان غيرهم، لأنهنّ الأولى بالتمكن من الأدوات المعرفية اللازمة لانتاج خطاب إسلامي يدرك مشاكلهنّ وهنّ أدرى بشعاب حيواتهم من الرجال، وأما دعوى الفتنة فهي مردودةٌ خاصةً إذا كانت المحاضرة محجّبة غير متبرجة، والمُستغرب فعلاً أن نفس الرجال الذين يتذرعون بالخشية من الفتن- على الرغم من "إسلامية" المحاَضرات وانعقادها في مراكز إسلامية - هم أنفسهم الذين يحضرون مؤتمراتهم الأمريكية المتخصصة، ويعملون ليل نهار حتى في مكاتبهم الخاصة مع نساء غير مسلمات، والمستغرب أكثر أنهم في بعض الأحوال هم أنفُسهم يوظّفون نسّاء غير مسلمات، أو مسلمات غير محجبات لتسيير أمور مكاتبهم، ومع ذلك فإنهم لايخشون الفتنة على أنفسهم، لكن في نفس الوقت يدّعي الكثير منهم "خشية الفتنة" في المراكز الإسلامية، والمحاضرةُ على ماهي عليه من غاية الالتزام، الأمرالذي يفيد أن المسألة تتجاوز الفتنة إلى غيرها، وربما كان هناك سببين: السبب الأول وهو الأهم وهو الشعور أواللاشعور المفرط ب"القوامة" والذي ينسحب على كل مناحي الحياة في العقل المسلم، واللجان الثقافية ليست استثناءً وذلك يتم تحت مسميات كثيرة " تؤسلَم" حتى تكتسب الشرعية "الشعبية" والسبب الثاني هو الحفاظ على "السمعة التدينية" لمؤيدي فكرة إقصاء النساء عن استلام دفة الحوار، فوقوف الرجل إلى الجانب المتشدد من دعوة النساء سواءً كنَّ محاضرات ومتحدثات، أوربما يقود اللجنة أحياناً لوضع حجاب مصمت خشبي بين الجنسين، وفي حالات معاشة تصل لحد إطفاء الأنوارعلى النساءالحاضرات أثناء المحاضرة، وإن هذا مما يعطي صاحب "الفحولة" الدينية سمعةً عطرة، لأنه بذلك يجتث شأفة "الفتنة" المزعومة من جذورها!. الأمر بالنسبة لبعض النساء المحاضرات يتم بدعم من النساء أنفسهنّ إما بسبب فهم "ضيّق" للتدين(لو أحسّنا الظن) أوبسبب الحفاظ على نفس السمعة العطرة،ولذا تأبى المحاضرة أن تحاضر إلا في النساء، رغم أن محاضرتًها لاتتجاوز الوعظ والحضّ على فضائل الأعمال، ولا تنضوي على مواضيع خاصة لاتهم إلا النساء مثلاً، ورغم ذلك فإن "تدينها" لايسمح لها أن تحاضر أمام "الرجال" في مركز إسلامي تقام فيه المحاضَرة بعد أن يؤدي معظم المستمعين صلاة المغرب جماعة، ويُستفتح بتلك المحاضرات بقراءة القرآن الكريم، فأي فتنة؟ وأية أجواء يمكن معها للفتنة أن تخترق هذا الجمع "المتدين"؟ والمحاضرة محجّبة، والصلاة الجماعة والقرآن قد أحاطا الجلسة بالأدب، والقدسية، اللّهم إلا أن يكون "نفاقاً" اجتماعياً القصد منه الإعلاء "المنهي" عنه شرعاً من المنزلة"الشعبية" بحجج واهية.
8- البناء المفاهيمي: لعل مشكلة معظم اللجان الثقافية أنها لاتمتلك تصوراً واضحاً عما تريد طرحه عبر لجنتها الثقافية، لذا توجب أن تكون متأبطةً بحزمة من المفاهيم الفكرية، والمعرفية التي يستحسن وضعها على طاولة اجتماعات اللجنة قبل تقرير المحاضر، لأنه في الغالب تضع هذه اللجان العربة أمام الحصان لا العكس، فهي لديها عدد محدود من المحاضرين بغض النظر عن بائتهم الفكرية والمعرفية وتريد من خلالهم تنويع المحاضرات فتجد أن رجل فيزيائي مهتم بالفلك يحاضر في الفلك والتاريخ والتفسير والوعظ والإرشاد والسياسة وآخر هو مدرس للغة العربية يحاضر في اللغة العربية والتاريخ والتفسير والتصوف والوعظ والسياسة ويتحدث عن كل شيء لكنه للأسف لايقدم إلا شتاتاً من الفكر ومعرفةَ مسطحةَ اللهم إلا في اختصاصه.
إن اللقاء الأسبوعي اذ يتم في المراكز الإسلامية (إماالسبت أوالجمعة) يعني بحسبة بسيطة أن اللجنة الثقافية تلتقي مع الجالية 52 مرة في السنة، فلو أن اللجنة قررت كل عام أنها تريد أن ُتضيف إلى المنظومة المعرفية لروادها عشرين مفهوماً فكرياً توضحهم من خلال ذوي الاختصاصات ، وماأكثرهم في أمريكا، ومع من تختلف وتتفق مع فكرهم، مابين مناظرة ومحاضرة، لملأت عندها جعبةَ رواد المركز بالزاد الفكري، وخاصة لو استطاعت من خلال مطبوعتها الحيوية أو من خلال صفحتها الالكترونية وضع المحاضرة التي يمكن تسجيلا رقمياً بتكلفة جد بسيطة لمن أراد الاستماع إلى هذه المحاضرة ومادار فيها من حوارات، أو إلى من فاتته المحاضرة من رواد المركز، أو لمن أراد الاطلاع على فكر المحاضر من أي بلد في العالم، مدعومةً بلقطات مصورة عن المحاضرة، والتي يسهل أن تكونَ موضوعةَ على الصفحة الالكترونية بالصوت والصورة لو كانت إمكانية المركز تسمح بذلك.
9-إشكالية التوازنات: إن الطروحات الفكرية تستوجب أن تأخذ بعين الاعتبار بعض التوازنات الفكرية3 في الطروحات الفكرية الإسلامية أو الثقافية بشكل عام، لذا فإن اعتبار بعض التوازنات أمر ممدوحٌ منه: 1) توازن بين العقل والروح، فقسم من المحاضرات يخاطب العقل، وقسم يخاطب القلب دون شطط، وقسم يخاطب كليهما 2) توازن بين مايطرح باللغة العربية والانكليزية حتى يتسنى لجيل الشباب أن يساهموا في تشييد هذا المعلمَ الثقافي، ولذا فإن هذا يلزم اللجنة أن يكون واحد أوأكثر من أعضاءها من الجيل الثاني، أو الثالث، سواء من رواد المركز أم من خارجه، وأن يكون من المبرزين في مجالات علوم الإنسان (ليس فقط ابن أحد زعماء الجالية)، حتى يكون عوناً حقيياً وليس شكلياً على تطوير خطاب معرفي يصلح للمسلمين المقيمين في أمريكا، ويطرح رأي أبناء الجيل بما فيه من جدة في الطرح، أو إشكالات تستأهل الدراسة، أو أنه يتحسس مكامن ضعف رواد المحاضرات من ايجابيات الثقافة الأمريكية أو من السلبيات التي يجب تجنبها، فيقترح محاضرين يفون بالغرض يتحدثون الأمريكية بلاعُجمة 3) توازنٌ بين عدد المحاضرين والمحاضرات حتى لاتكون هناك فجوة أوجفوة بين فكر الجنسين، بل إنهذا مما يقرب المفاهيم، ويؤهل وينهض بالرواد من النساء، لذا وجب أن يكون هناك عضوة واحدة أو أكثر ممن هنّ من أهل الاختصاص4 سواء من أعضاء المركز أم من خارجه 4) توازنٌ بين مواد البرنامج الثقافي وذلك بدعوة الأدباء والشعراء والسياسيين، والاقتصاديين، وعلماء الاجتماع، وعلماء التربية، وعلماء الفلك وغيرهم من الاختصاصات المتنوعة من أصحاب الفكر الناضج والاختصاصات المتميزة 5) أخيراً الابتعاد عن الروح الاقليمية سواء من حيث تنوع جنسيات أعضاء اللجنة أو من حيث جنسيات المحاضرين لأن ذلك يفرض بالضرورة انفتاح على كل الجنسيات من مختلف المشارب من حيث الحضور.
10- الأمر الأخير وهو أن المشكلة الأكبر أن القائمين على المراكز في العموم الغالب ليسوا مستعدين لانفسياً، ولافكرياً - رغم الملاءة المالية- لتبني مشروع معرفي حقيقي، وتبني تكاليفه المادية، وتبني طاقات علمية تؤسس لطرح فكري يكون صدرالأمة الذي تتنفس منه، بل إن معظمهم ليس لديه موظف واحد مأجور إنما هناك متطوعون فقط ينفقوا من وقتهم على قدر مايسمح وقتهم، وهذا خطأٌ يحسنُ تجنبه، بل يجب أن يخصص لللجنة الثقافية عطاءٌ مالي من ميزانية المركز أكثر من أي لجنة أخرى، كي يتسنى لها دعوة المحاضرين من كل الولايات5 ولو اضطر الأمر استدعاء محاضرين من العالم الإسلامي، أو التقائهم عبر الفضائيات بما يعرف بالتيل-كونفرنس سواء بالصوت فقط، أو بالصوت والصورة، وهذا يستلزم تجهيز قاعة محاضرات تليق بالعقل الذي كرمّه الله جل وعلا عندما جعله مناط التكليف.
أخيراً....إن على اللجنة الثقافية مهمة ثقيلة في التوعية وهي سمة الرساليّين من أبناء الأمة، لذا عليها أن لاتلتفت إلى إرضاء "المستمعين" من غير ذوي الدراية بالأبعاد الحضارية لمهمتهم، بل يجدر بها أن تقدم الجاّد والجّيد والجديد، وتتحقق من طرح توازنات فكرية ضرورية حتى تضيف فهومات، وتُصححَ أخرى، بلطف وفطنة لاتنقص أعضاء اللجنة لو آمنوا وأدركوا حجم وعبء المسؤولية.
إن على القائمين على مجالس إدارة المراكز الإسلامية أن يكونوا على يقين أن نشاطاهم الثقافية بالأبعاد الحضارية التي طرحناها ستكون موئلاً لكل متعطش للمعرفة من المسلمين وغيرهم، فيكثر أعضاء المركز، وتتسع قاعدته الشعبية، وبالتالي يكثر متبرعيه، والمتعاطفين، والمؤمنين برسالته الدعوية والتوعوية الحقيقيتين، والتي تطرح نموذجاً لمركزإسلامي يّشعُ فكره في قلب الولايات المتحدة الأمريكية، ويطرح فكراً بحرفية توازي الحرفية الأمريكية عندما تريد أن تصنع نجوماً أو تشيع فكراً فتوليه حقه من الرعاية، فمابالنا وتحت أيدينا كنوزاً معرفية هائلة، ونعي ثقل الرسالة التي حفظها خالق الكون، ومع ذلك لانرعى هذه الأمانة حق الرعاية، إن صوننا لأمانة الاستخلاف يحقق وجوداً نوعياً يكون بحق أندلسَ جديدةً تكون حلقة وصل بين العالمين الإسلامي وغير الإسلامي.
----------------------------------------------------------
1- يجدر بالذكر هنا أن هذه العجالة لاتشمل المراكز الثقافية ال"مأجورة" من قبل نظام سياسي معين أو حزب بعينه فتكون" سيفاً لسلطان بحجة أنها تأكل من خبزه (أو سفارته)" لكنّا هنا نقصد المراكز والهيئات الحرة والتي يسيرها أعضائها بأنفسهم .
2- المهجّرين لديهم في الغالب نفس الإشكاليات، بيد أن الفارق الوحيد أن برامجهم الثقافية تغلب عليها الطابع السياسي، لأن لجانهم الثقافية تهتم بطرح مواضيع تخص الأسباب السياسية التي دعت لتهجيرهم، لذا تجدهم أكثر الناس الناشطين سياسياً، ولو بحثت في أصول رؤساء ونواب رؤساء منظمات العمل السياسي العربي والإسلامي فستدرك أنهم في معظمهم لبنايين أو فلسطينيين.
3- ليس المقصودهنا التوازنات الثنائية أو الكمية ولكنه تحقيقُ نوع من الاعتدال في الطرح الفكري بحيث يبتعد عن التركيز على منحى فكري على حساب آخر، فلاتكون السمة الغالبة للمحاضرات أنها محض عقلية أو محض وجدانية لكن المهم هو أن من يتناولها يكون من ذوي الاختصاص والخبرة والدراية صاحب دراسات جادة في مجال المحاضرة.
4- جرت العادة أن تكون هناك بعض الأخوات من زوجات أعضاء اللجنة، ويجرى انتقائهن بناء على عضوية بعولتهن، ويقتصر دورهن مشكورات على مايشبه دور الأم أو الأخت في العائلة فدورهن ينحصر في الغالب على تأمين الطعام أو تأمين رعاية الأطفال أثناء المحاضرة ، ويكون حضورهن فيالاجتماعات في الغالب شكلي وكثيراً مايتغيبن عن اجتماعات اللجنة، لأنه جرى اختيارهن بشكل اعتباطي، ولم تُدعى مفكرةٌ في المجال السياسي أو الأدبي أو التاريخي أو الديني إلى اللجنة لتدلي بدلوها مع الرجال.
5- إن تكلفة دعوة محاضر واحد من خارج الولاية تكلف في أمريكا مابين بطاقة طائرة ومنام ليلة حوالي ال $500 وبحسبة بسطة فإن تكلفة دعوة 12 محاضر سيكلّف اللجنة فقط $6000 فقط وهذا ليس مبلغاً كبيراً مقارنة بأي نشاط آخر فإن دعوة إفطار جماعي واحدة في رمضان تكلف أكثر من ذلك، ودعوة عقيقة واحدة للفرح بقدوم مولود جديد تكلف نفس المبلغ وإن هناك بعض اللجان التي تملك الباءة المالية لكنها لاتحسن استخدامها.