/

 

 

الصراع على صورة الإسلام بين الإعلام والدراسات الأكاديمية

عبد الرحمن حللي

الكتاب: صورة الإسلام في الإعلام الغربي
المؤلف: د. محمد البشاري
الناشر» ط:1، دار الفكر - دمشق
ايلول (سبتمبر) 2004 (176 صفحة).
------------------------------------------------------------------

لئن كانت ظاهرة تشويه صورة الاسلام في وسائل الإعلام الغربية قديمة، حتى إنها تعود على مستوى الأفلام والسينما الى عشرينات القرن الفائت، فإن أحداث الحادي عشر من أيلول (سبتمبر) كانت مناسبة لوسائل الإعـــلام لتمرير صورة نمطية مضللة عن الإسلام تقرنه بالعنف والإرهاب وكونه ديناً ضد الحداثة، وغير ذلك من التهم البعيدة عن ممارسات المسلمين في البـــلدان الأوروبية فضلاً عن بعـــدها عن جوهر الاسلام، فهي تأتي في سياق حرب ثقافية ممتدة ضد العرب والمسلمين تـــبـــدأ من الكتب الدراسية وتستمر عبــــر السينما والمسرح والكاريكاتور وكتب الصحـــافيين...، ما أورث خوفاً من الإسلام لدى

المجتمعات الأوروبية، حتى إن هيئة بريطانية أحدثت لرصد الاسلام في الإعلام البريطاني ودراسة ظاهرة الإسلاموفوبيا Islmophbie وتعني «الرهاب الإسلامي» أو الخوف من الاسلام، وهذا يؤكد استفحال الظاهرة التي زادتها تصرفات بعض المسلمين في البلدان الأوروبية سوءاً، فاستغلت وسائل الإعلام تلك التصرفات لتغذية التشويه، حتى ان الغربيين أصبحوا يقبلون (الإسلاموفوبيا) على أنها مسألة طبيعية لا تدعو الى القلق وتأنيب الضمير، وذلك إذا لاحظنا الانطباع المسجل لدى المتلقي الغربي حول الاسلام، وقد دأبت وسائل الإعلام على تضخيم ذلك من خلال طرق عدة: كالمبالغة في عدد معتنقي الإسلام من الغربيين والاشارة الى وصولهم الى مناصب رفيعة لإشعار المجتمع بالخطر، وتكرار الحدث السيئ المنسوب الى المسلمين في وسيلة الإعلام الواحدة مرات عدة من دون مبرر، والخلط بين التدين عموماً والحركات المتطرفة المسماة بالأصولية الاسلامية، واستخدام العناوين المثيرة والتعابير المجازية التي تحيل على المسلمين (الطابور الخامس، حصان طروادة، بربري وحشي، القنبلة الاسلامية...)، والضرب على وتر المشاعر والأحاسيس الإنسانية، والتأثير في المتلقي باستغلال جهله بالاسلام، واستبعاد استضافة المحللين المنصفين للتعليق على الحدث، كالفرنسي (بورجا) والبريطاني (فيسك) والفرنسية (جوسلين سيزاري)، والذين يتم التعتيم عليهم اعلامياً على رغم تخصصهم الدقيق في ما يتعلق بقضايا الاسلام والمسلمين. 

كما استُغلت قضايا المسلمين لأحداث محلية أو انتخابية أو للتغطية على مشكلات اجتماعية تخص المسلمين فحسب «بروتو إيتيان» فـ«إن وسائل الإعلام الفرنسية تخلق هواجس الحجاب الإسلامي والتطرف والإرهاب في محاولة لتجنب طرح الأسئلة الحقيقية التي تعرفها الضواحي في فرنسا وهي البطالة والمخدرات».

وأخطر ما نزعت اليه بعض وسائل الإعلام هو «شيطنة العدو» وهو هنا الإسلام والمسلمون، والهدف من ذلك نزع الصفة الإنسانية عن العدو بحيث تستبعد القوانين وحقوق الانسان في معادلة العلاقة مع هذا العدو.

ان صورة الإسلام في الإعلام الغربي والتي يعرضها الكتاب - استناداً الى دراسات عملية ونموذجية رصدت قضايا معينة أو وسائــل إعـلامية أو وثــائق محددة وعلى فترات مختلفة - ترسم صورة قاتمة ومحرفة للإسلام والعرب والمسلمين، صورة لا يمكن عزوها الى مجـــرد الجهل أو عدم الوضوح كما يرى «هيلموت شميت» المستشار الألماني الســابــق بقوله: «المشكلة تكمن في أن الرؤية الصحيحة للاسلام غير واضحـــة وغير كافـــيـــة لدى الغــرب المسيحي»، فطبيعة تجليـــات الصـــورة تعكس تحـــــريفاً متعمداً وتجهيلاً ممنهجاً لطبيعة الاسلام ونصوصه ولتصرفات المسلمين وسلوكيــاتهم، فالمسألة ليست وليدة الأحداث الأخيرة المرتبطة بما يسمى «الإرهاب»، بل لها جذورها التاريخية وخلفياتها الحضارية والدينية والسياسية، وما ذاكرة الحروب الصليبية والاستعمار الغربي والاستشراق والحروب الحديثة إلا أمثلة لخلفية صناعة الصورة المشوهة التي يعرضها الإعلام الغربي للإسلام والمسلمين.

هذه الخلفيات التي أشرنا اليها تساعد في فهم تشكل النمطية التي راجت حول الاسلام والمسلمين، لكنها ينبغي أن تكون حافزاً لتصحيح المرتسم السلبي عنا ودافعاً للشعور بالمسؤولية تجاه ما يحدث، لكن الغريب أن الوعي بما يجري موجود ومعلوم لكن العمل على تغييره معدوم، ولعل من أسباب انعدامه غياب مقومات خطاب إعلامي إسلامي عصري يتجاوز الإطلاقات المتناقضة ويعلو على النزعة العاطفية، ويؤسس نسبية إسلامية في التعامل مع قضايا الساعة والتي تتعلق بالبشرية جمعاء، فمن الضرورة بمكان أن يتبنى المسؤولون عن الخطاب الإسلامي رؤية شاملة تجاه العالم.

لئن كان الكتاب وثيقة تدين الإعلام الغربي لتحيزه في معالجة قضايا المسلمين، فإن الصورة التي يعرضها تدين في شكل أشد المسلمين من ناحيتين، الأولى إسهامهم في جانب من التشويه الذي يطاول الإسلام من خلال سلوكياتهم، والثانية عجزهم عن تصحيح تلك المرتسمات على رغم تطاول الزمن على بدايتها واستفحالها مع الأيام على رغم كون الحلول العملية متاحة لو وجدت الإرادة. 
 


 

 

31-03-2005 .   الملتقى /  /    .   http://almultaka.org/site.php?id=446