/
الشاطبي ومقاصد الشريعة
حازم محيي الدين
مراجعة كتاب" الشاطبي ومقاصد الشريعة "للدكتور حمادي العبيدي(1)
ـ مُقدّمة: على الرغم من اكتمال قواعد وأركان علم مقاصد الشريعة على يد الإمام الشاطبي في القرن الثامن الهجري، إلا أنه لم يُكتب لهذا العلم التجديدي، الظهور والتداول اللائق به في البيئات العلمية والفكرية الإسلامية إلا في نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين الميلادي على أيدي كوكبةٍ من علماء الإسلام ومُصلحيه في ذلك الوقت، من أمثال محمد عبده ومحمد رشيد رضا، الذين أصابهم القلق على مصير المسلمين بسبب فساد وتردّي أحوالهم الداخلية والخارجية على السواء. حيث كان الشاطبي وأفكاره المقاصدية أحد الوسائل و المرجعيات الفكرية التي استعان بها هؤلاء المصلحون على تجديد الفقه والفكر الإسلامي عموما من أجل تغيير واقع مجتمعاتهم صوب العودة إلى الإسلام ومبادئه وقيمه الخالدة، ومن أجل التكيّف والتفاعل مع مُستجدات العصر الحديث دون أن يخسروا شيئاً من أصول الإسلام وثوابته. وإثر هذا الجيل الأول من العلماء المصلحين، توالى الاهتمام بالمقاصد، وأصبح هذا الاهتمام علامةً ودليلاً على الهمِّ التجديدي والإصلاحي لكل من يشتغل ويعتني به من العلماء والباحثين المعنيين بأمتهم ومصيرها في هذا العالم(2) . وقد وصل الاهتمام بعلم المقاصد إلى الجامعات والمؤسسات العلمية في العالم الإسلامي، حيث قدّمت لنا هذه الجامعات عدداً لا بأس به من الرسائل الجامعية الرصينة التي اتخذت لها من علم المقاصد وتاريخه وقضاياه وآفاقه وأعلامه ونظرياتهم، موضوعاّ لها. ومن بين هذه الرسائل الجامعية، رسالة الباحث الدكتور حمادي العبيَدي، التي تحمل عنوان" الشاطبي ومقاصد الشريعة "، التي سأتناولها هنا بالعرض والمراجعة. يقع كتاب الدكتور حمادي العبيدي في 287 صفحة مع فهارس تحليلية عديدة. وقد نشرت هذا الكتاب دار قُتيبة في دمشق عام 1412هـ/1992م.
إشكالية الكتاب: إن الفرضية الرئيسة التي يسعى المؤلف إلى إثباتها عبر صفحات كتابه، تتلخص في اعتقاده أن الشاطبي يشكّل حلقة مهمة من حلقات التجديد والإصلاح في تاريخ الفكر الإسلامي. وهو يحاول أن يستدل على فرضيته تلك بدراسة وتحليل الجهود العلمية التي قدَّمها الشاطبي في كتابه الموافقات من أجل استكمال تشييد وبناء علم المقاصد وإنضاجه نظريا وتطبيقياً، وبالعمل على استنباط خطابٍ إصلاحي متماسك للشاطبي من خلال كتابه الاعتصام.
ـ عرض وتحليل محتويات الكتاب: عرض لنا الباحث في مقدمة كتابه، أسلوبَه في تقسيم موضوعه، وأهم مصادره، ومنهجه في بحثه، حيث ذكر لنا أنه سلك في بحثه " منهج التحليل للنصوص، والمقارنة، وصوغ النتائج التي انتهى إليها في مبادىء عامة " (ص 6). وفي خاتمة مقدمته ذكر غايته وهدفه من اختيار موضوعه، وهي " الكشف عن منابع التجديد في تراثنا، وربطها بقضايانا المعاصرة لتكون لنا مُنطلقا لنهضة حقيقية قوامها الأصالة والتجذّر في حضارتنا العربية الإسلامية ، وذلك ما يخلّصنا من التبعية الفكرية، ويساهم في إعادة الريادة التي كنا طليعتها زمنا طويلا" (ص 7) . وبهذه الغاية، يشترك الباحث مع كل الذين سبقوه على طريق الاهتمام بعلم المقاصد، في العمل على إصلاح أحوال الأمة الإسلامية، وتجديد فكرها. بدأ الباحث القسم الأول من دراسته ( حياة الشاطبي وآثاره ) بالتعريف بالشاطبي حيث قام بذكر كل ما يمكن ذكره عن حياة الشاطبي وشخصيته وأسرته ومدينته غرناطة مستعيناً بشكل رئيس على مؤلفات الشاطبي نفسه، الموافقات، الاعتصام، الإفادات والإنشادات، وفتاويه، دون إهمال المصادر الرئيسة التي أرّخت له. ثم انتقل بعد ذلك للحديث عن بيئة الشاطبي وعصره، حيث سرد لنا معلومات مهمة عن غرناطة وأحوالها التاريخية والسياسية والاجتماعية والعلمية مظهراً لنا فساد أحوال المسلمين فيها على جميع الصُعُد، وبشكل خاص على الصعيد السياسي حيث كان المسلمون يعانون من تسلط حكامهم وظلمهم، بالإضافة إلى تهديدات الفرنجة المستمرة لهم بعد أن استولوا على جميع بلاد الأندلس، ولم يبقَ أمامهم سوى غرناطة بلد الشاطبي، وهذا الأمر قد جعل من غرناطة ملاذا آمنا لكل العلماء الهاربين من الفرنجة في سائر بلاد الأندلس التي وقعت في أيديهم، وحوَّلها، على الرغم من أحوالها السياسية والاقتصادية السيئة، إلى مدينة تعجُّ بالعلماء من جميع الاختصاصات، وساهم في ازدهار الحياة العلمية والفكرية فيها، الأمر الذي هيّأ المناخ المناسب لظهور الشاطبي وكتابه الفذ "الموافقات". ثمّ انتقل الباحث للحديث عن مكانة الشاطبي العلمية في عصره.(3) وفي هذا الفصل أشار الباحث إلى أن الشاطبي يرى أن العلم " رتبة لا توازيها رتبة وأهل العلم أحياء أبد الدهر " (ص55)، وقد اعتبر الباحث أن رفع الشاطبي لمكانة العلماء إلى أعلى مستويات المجتمع، هو محاولة من طرف الشاطبي لتغطية وتعويض ضعف مكانة أسرته الاجتماعية التي لم يُعرف منها أحد في التاريخ، هذا فضلا عن أن الباحث ذهب إلى أن الشاطبي في صنيعه هذا إنما يذهب مذهب الطوباويات القديمة مثل طوباوية أفلاطون والفارابي(4) . وفي الحقيقة فإن الباحث قد تعسّف قليلا في تفسيره لموقف الشاطبي هذا من مكانة العلماء، إذ إنه لم ينتبه إلى ما ذكره القرآن الكريم بحق أهل العلم، من مثل:{ يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات }( المجادلة:11)، وإذا لم يكن الشاطبي متأثراً بهذه النظرة القرآنية للعلم والعلماء فمنْ يتأثر بها إذن؟ وقد ذكر الباحث رسوخ قدم الشاطبي في كل علوم عصره الشرعية، مشيرا بشكل خاص إلى تقّدمه وبراعته الفائقة بشكل خاص في علوم ثلاثة هي: أصول الفقه والفقه واللغة، وهنا قال عنه: " ولكنه كان أصوليا بالدرجة الأولى، فقد كان لا نظير له في هذا العلم إلا ابن الحاجب" (ص51). وفي الحقيقة فإني لم أفهم وجه المقارنة، فإذا كان المقصود بها المقارنة بين الشاطبي وبين أكبر علماء الأصول في الأندلس، فكان الأولى بالباحث أن يقارنه بابن حزم أو بالباجي. أما إذا أراد أن يقارنه بعلماء الأصول في المشرق، فكان الأولى بالباحث أن يقارنه بعلماء الأصول المستقلين علميا، أمثال: الجويني والغزالي، أما مقارنته بعالم أصولي كبير، ولكنه في أحسن حالاته مقلِّد ومتبِّع لمن سبقوه، فهذا أمر لا يصح في ميزان المقارنة العلمية. ثمّ انتقل الباحث في فصله الرابع للحديث عن " شيوخ الشاطبي "، فذكر لنا منهم ابن الفخار البيري ( 756هـ)، وأبو عبد الله محمد بن أحمد المَقَّري، وأبو سعيد ابن لُب ( 782هـ)، وأبو عبد الله محمد بن مرزوق( 781هـ)، وأبو علي الزواوي (771هـ) وهو من علماء المغرب الوافدين أيضا على الأندلس، وهذا العالم من أشدّ الشيوخ تأثيرا بالشاطبي إذ أخذ عنه علم أصول الفقه، وهو العلم الذي برع فيه الشاطبي فيما بعد، وقد صقل الشاطبي على يدي هذا الشيخ نزعته النقدية في التفكير بسبب ما كان يتمتع به هذا الشيخ من عقلية نقدية، استفادها هو بدوره من قراءة الفلسفة التي كانت شائعة ومعروفة في ذلك العصر.(5) ثم انتقل المؤلف في فصله الخامس إلى الحديث عن أصدقاء الشاطبي وتلاميذه، فأشار إلى عدم وجود أية علاقة بين الشاطبي ولسان الدين ابن الخطيب وابن خلدون، على الرغم من التقائهم في غرناطة، بسبب تنافر الطباع واختلاف الأمزجة وافتراق الغاية والوجهة بينهم(6) . ثم انتقل الباحث إلى التعريف العلمي الدقيق بمؤلفات الشاطبي المعروفة حتى الآن(7) . وهنا أحب أن أقول: حبذا لو أن الباحث تناول مؤلفات الشاطبي حسب تاريخ تأليفها، لنعرف تطور تفكير الشاطبي وأثر الظروف العامة والخاصة في توجيه هذا التفكير، وخصوصا إذا عرفنا أن هناك اختلافاً واضحا في شخصية الشاطبي العلمية في كتابيه الموافقات والاعتصام، ولا يمكن لنا تفسير هذا الاختلاف إلا إذا وقفنا بدقة على الظروف التاريخية والعوامل النفسية التي كتب الشاطبي كتابيه هذين في ظلها. هذا بالإضافة إلى أن الباحث قد أغفل الحديث عن منهج الشاطبي في التأليف. ثم انتقل المؤلف إلى القسم الثاني من كتابه، والذي خصصه لدراسة علم المقاصد عند الشاطبي، حيث جاء حديثه في هذا القسم في ثمانية فصول قصيرة، حاول من خلالها بيان جهود الشاطبي التجديدية في ميدان علم مقاصد الشريعة، وقد بدأ حديثه بتعريف المقاصد حيث لاحظ عدم وجود تعريفٍ خاص للشاطبي للمقاصد، دون أن يفسّر لنا عدم اهتمام الشاطبي بوضع تعريف له للمقاصد.(8) ثم انتقل في فصله الثاني ليقوم بمحاولة تأريخية لظهور علم المقاصد ليثبت لنا أن الشاطبي وجهوده في هذا الميدان لم تكن هي أول ولا أسبق الجهود لتأسيس هذا العلم وإقامة قواعده كما يظن بعض العلماء، وهكذا بدأ يذكر لنا الجهود التي تتابعت على إقامة وتشييد هذا العلم ابتداءً من إبراهيم النُخعي(96هـ)، إلى الإمام مالك، إلى الإمام الغزالي(505هـ)، إلى العز بن عبد السلام(660هـ)، و نجم الدين الطوفي(716هـ). وأخيرا أشار إلى دور الشاطبي الحاسم في ميدان علم المقاصد، حيث كان له الفضل الأعظم في اكتمال هذا العلم ونضجه.(9) وهنا أحب أن أشير إلى أن الباحث قد أغفل في تأريخه لعلم المقاصد الإشارة إلى جهود علماء تركوا بصمات مهمة على طريق تطوير هذا العلم قبل الشاطبي، أذكر منهم: الترمذي الحكيم، إمام الحرمين الجويني، الرازي، الآمدي، القرافي، ابن تيمية، وابن القيم.(10) بعد أن انتهى الباحث من تأريخه لعلم المقاصد مُبرزاً دور وجهود المتقدمين على الشاطبي في بناء هذا العلم، حصر الباحث إضافات الشاطبي التجديدية في هذا العلم في النقاط التالية: المصلحة وضوابطها، نظرية القصد في الأفعال وسوء استعمال الحق، النوايا بين الأحكام والمقاصد، المقاصد والعقل، المقاصد والاجتهاد، الغايات العامة للمقاصد. وفي الحقيقة فإن الباحث قد عالج كل نقطة من النقاط الستة هذه في فصل مستقل(11) بأسلوب موجز جداً لا يتناسب مع الجهد النظري الكبير الذي بذله الشاطبي في سبيل تأصيل هذه القضايا البالغة الأهمية، هذا بالإضافة أن الباحث لم يبذل جهداً كافياً من أجل تحليل ونقد أفكار الشاطبي الواردة في هذه القضايا، وبهذا يظهر لنا تقصير الباحث في هذه الفصول مع العلم أنه قد جعل من مقاصد الشريعة عند الشاطبي موضوع بحثه الرئيس. وقد أنهى الباحث عرضه لجهود الشاطبي في علم المقاصد، مبيِّناً لنا الصلة الوثيقة بين جهود الشاطبي المقاصدية وبين جهوده الإصلاحية، حيث ذكر لنا أن الشريعة في نظر الشاطبي هي النظام العام الشامل للوجود الإنساني، الهادف لإصلاحه، المُحقق لسعادته في هذه الدنيا وفي الآخرة، وهذا النظام قد توضحت معالمه منذ نزوله في القرآن الكريم، فهو الذي كان عليه رسول الله والخلفاء الراشدون من بعده. ونظراً لأن هدف الشريعة إصلاح أحوال البشر وفق النهج المبين الذي مشى عليه، والتزم به رسول الله وصحابته الكرام، فقد وجَّه الشاطبي كل جهوده الإصلاحية للعودة بمسلمي عصره إلى ما كان عليه السلف الصالح اقتناعاً منه بأن هذا هو السبيل الوحيد لإصلاح أحوالهم وتحقيق مصالحهم التي لم تنزل الشريعة أصلاً إلا لتحقيقها وحفظها. وهكذا فإن الباحث يرى أن مذهب الشاطبي الإصلاحي لا يعدو أن يكون في حقيقته أن يكون تطبيقا لفهمه لمقاصد الشريعة التي عرضها بدقة في كتابه الموافقات.(12) بدأ الباحث كلامه في القسم الثالث من كتابه بالإشارة إلى أن الشاطبي كان مصلحَ ومجدد القرن الثامن الهجري، مشيراً إلى أن رشيد رضا هو أول من أشار إلى وصول الشاطبي إلى مرتبة التجديد في عصره. وقد نبَّه الباحث إلى مدى ارتباط العمل الإصلاحي بالتجديد حيث قال: إن حركات الإصلاح الاجتماعي هي في جوهرها تجديد فكري، لأنه لا يمكن أن توجد أية حركة إصلاحية لا تقوم على الفكر أو لا ينشأ عن التغيير الذي تُحدثه تغيير في الأفكار. (13) وبهذا فإن الباحث يرى أن الشاطبي قد أودع كتابه الموافقات كل أفكاره التجديدية، أما أفكاره الإصلاحية فيمكن التماسها بشكل رئيسي في كتابه الاعتصام. يرى الباحث أن الفكرة المركزية في فكر الشاطبي الإصلاحي هي أن الحقيقة لا يمكن أن تكون إلا واحدة، وأن فساد العقيدة الذي كان سبباً في فساد الحياة الاجتماعية والسياسية والخُلقية، إنما مصدره الأهواء والعصبيات والبدع. ومن ثَمَّ فإنه لا صلاح للأمة الإسلامية إلا برجوعها إلى ما كانت عليه من تمسكٍ بالعقيدة فكراً وبالشريعة عملاً، وذلك هو الحال الذي كان عليه سلف هذه الأمة. إذن فتخليص الإسلام من البدع والرجوع به إلى ما كان عليه هذا السلف، هو قِوام المشروع الإصلاحي الذي استبسل الشاطبي في سبيل تبيينه، ولاقى ما لاقى من الأذى في سبيل الدعوة إليه ونشره بين الناس. وهنا تجب الإشارة إلى أن الإصلاح وفق منهج السلف في تصور الشاطبي، هو في الواقع إصلاح يتخذ من القرآن الكريم مرجعيةً أولى له، وما السنة إلا بيان موثوق له، وما عمل الصحابة إلا تطبيق أمين له.(14) وينتهي الباحث من حديثه عن مفهوم الإصلاح ومشروعه عند الشاطبي بالإشارة إلى أن هذا المشروع يسير في نفس الخط الإصلاحي الذي سلكه من قبله ابن تيمية وابن القيم، والذي سلكه من بعده ولي الله الدهلوي و محمد بن عبد الوهاب وجمال الدين الأفغاني ومحمد عبده(15) ، وبهذا استطاع الباحث أن يدمج أفكار الشاطبي الإصلاحية في صلب الحركة الإصلاحية التي عرفها العالم الإسلامي في تاريخه القديم والحديث على حدٍ سواء. ثم انتقل إلى الحديث عن خصائص ومبادئ المذهب الإصلاحي عند الشاطبي، مستنتجاً إياها بشكل رئيسي من كتابه الاعتصام، كما أشرنا إلى ذلك من قبل، وأهم هذه الخصائص في نظر الباحث هي: اتّباع الحق ونبذ التقليد، يشير هذا المبدأ إلى أنه لا يجوز الأخذ بقول أحد أو بفعله مهما بلغ من العلم إلا إذا عُرضت أقواله وأفعاله على الشرع ووافق عليها. فتقليد السلف لا ينبغي أن يكون باعتبارهم سلفاً، وإنما لأن أقوالهم وأفعالهم مشهود على صحتها من الكتاب والسنة، فقد كانت طريقتهم الاتباع والتسليم لما بلغهم من أحكام الله . فالاتباع هو للأدلة الموثوقة، وليس للأشخاص مهما كانت مكانتهم في الدين والعلم. والمبدأ الثاني هو: اجتناب الغلو في الدين، ويعرِّف الشاطبي الغلو في الدين بأنه إلزام النفس مالا يلزم شرعاً كأن يفرض عليها فروضا لم يفرضها عليه الشرع الحنيف، أو يعمد إلى تعذيبها بطعام خشن، أو أداء أعمال شاقة، كل ذلك من غير ضرورة توجبه، والتيسير على النفس، في مقابل ذلك، هو هديةٌ من الله لعباده، فمن شدَّد على نفسه، فكأنما ردَّ الهدية على صاحبها، وإذا كان ذلك مُستَقبحاً بين البشر، فكيف يفعله المؤمن مع الله . والمبدأ الثالث هو أن السلفية حقيقتها العمل، إذ إن الشريعة في نظر الشاطبي ليست فكراً نظرياً مجرداً أو عقيماً بل هي حركة وفعالية وعمل، والعمل هو المقصد الأول عند السلف، والعلم نفسه عندهم لا قيمة له إذا لم ينبن عليه عمل نافع. وأما العنصر الرابع من عناصر المذهب الإصلاحي عند الشاطبي فهو أن الشريعة كلٌ واحدٌ، أي يجب التعامل معها ومع نصوصها على أنها كل واحد لا يتجزأ، وبالتالي فإن قبول بعضها دون بعضها الآخر خروجٌ عن الدين، وتمزيق لوحدته الداخلية المتماسكة التي لا تقبل التبعيض بأي حال من الأحوال. فالشريعة كما يقول الشاطبي كالصورة الواحدة بحسب ما ثبت من كلياتها وجزئياتها المترتبة عليها. وهذه النظرة إلى الشريعة على أنها كلٌ واحد تستلزم عدم وجود أي تناقض أو تضارب بين نصوصها، فهي كلها تسير على نسق واحد لا اختلال ولا اختلاف فيه. والمبدأ الخامس هو أن التشريع لله وحده، أي أنه لا يجوز لأحد أياً كان أن يُحل ما حرّم الله أو يُحرّم ما أحلَّ لعباده، وإذا وقع شيء من ذلك بدافع الابتداع فهو الكفر بعينه، وأما إذا وقع بدافع التقرّب إلى الله فهو الجهل المستحكِم، لأنه لا يجوز على الإطلاق التقرّب إلى الله بما نهى عنه، فالتشريع في أمور الدين أمراً ونهياً بيد الله وحده. وأما المبدأ السادس والأخير فهو: التقيُّد بالنص، وتقديمه على العقل، وهنا يميّز الشاطبي بين مجالين في الحياة الإنسانية: مجال دنيوي خاص كالمهن والعلوم الطبيعية، ومجال يتصل بالدنيا والدين معاً أو بالدين وحده. أما المجال الأول فقد قرر الشاطبي أنه متروك لاجتهادات العقول البشرية، ولا يُشترط فيه إلا أن يكون مُحققاً لمصالح الناس المشروعة، ودارئاً عنهم المفاسد المحتملة. أما في المجال الثاني فقد ذهب الشاطبي إلى وجوب تقديم الشرع على العقل، وعدم جواز العمل بالعقل في الأمور التي لها علاقة بالدين إلا فيما لا يتعارض مع النص(16) . وفي تقرير هذا المبدأ يقول الشاطبي: " إذا تعاضد العقل والنقل على المسائل الشرعية فعلى شرط أن يتقدّم النقل فيكون متبوعاً، ويتأخر العقل فيكون تابعاً، فلا يَسرح العقل في مجال النظر إلا بقدر ما يُسرّحه النقل".(17) وبهذا المبدأ العلمي الصارم ساهم الشاطبي في الوقوف في وجه التلاعب والتحريف لنصوص الشريعة وفق أهواء العامة، وشهوات الحكام الذين يرون في نصوص الشريعة قيداً ثقيلاً يحول بينهم وبين تحقيق مصالحهم الشخصية. بعد الفراغ من تقرير عناصر المذهب الإصلاحي عند الشاطبي، وقف الباحث وِقفة طويلة مع مفهوم البدعة عنده، وقد أحسن الباحث صنعاً عندما فعل ذلك، لأن المتتبع لفكر الشاطبي الإصلاحي في كتابه الاعتصام يستطيع أن يتبيّن بسهولة مركزية ومحورية هذا المفهوم فيه. وفي الحقيقة فإن مَنْ يستطيع معرفة ما يقصده الشاطبي بالبدعة، يستطيع أن يفهم بالضبط ما يقصده الشاطبي من بقية مفاهيمه الإصلاحية، لأن كل هذه المفاهيم مرتبطة بشكل أو بآخر بهذا المفهوم الأم والأساس في شبكة مفاهيم الخطاب الإصلاحي عند الشاطبي. يُعرّف الشاطبي البدعة بأنها " طريقة في الدين مُخترعةٌ تضاهي ( الطريقة ) الشرعية، يُقصد بالسلوك عليها ما يُقصد بالطريقة الشرعية )(18) (ص228) إذاً فالبدعة هي إحداث أمر جديد في الدين عقيدةً وشريعةً فقط، ونسبته إليه من غير دليل عليه من داخل الدين نفسه، ويُشترط في هذا الأمر في الوقت نفسه أن يُصادم نصوص الشريعة أو يهدم مقاصدها، وها هو الشاطبي يشير إلى هذا المعنى بقوله: (إذ البدعة خاصّتُها أنها خارجة عما رسمه الشارع )(19) (ص230)، ويقول في مكان آخر: ( لا معنى للبدعة إلا أن يكون الفعل في اعتقاد المبتدع مشروعاً وليس بمشروع)(20) . (ص 230) وبناءً على هذا الفهم فإن ما يُحدثه الناس من أمور جديدة لا يُعد بدعة إلا تحقق فيه هذا المعنى، أي افتراء أمر أو حكم يخالف الشريعة نصاً وروحاً ومقصداً، والادعاء في الوقت نفسه بأنه أمر وحكم شرعي يجب أن نتعامل معه كما نتعامل مع بقية الأوامر والأحكام الشرعية الثابتة عن الله ورسوله. ومن هنا فإن ما يُحدثه الناس من أمور جديدة سواء تعّلقت بالدنيا أم الدين، لا يُعد بدعة طالما أنها لا تصادم الشريعة في شيء من نصوصها ومقاصدها، ولا تُفرض على الناس على أنها دين واجب الاتباع وهي في حقيقتها نتيجة رأي وفكر بشري قابل للخطأ والصواب. وفي مقابل ذلك نشير إلى أن الشاطبي قد ذهب إلى بعض ما يُحدثه الناس قد يكون واجب شرعاً إذا كان الواجب لا يتم إلا به، مثل تدوين القرآن الكريم، والاشتغال بما يُفهم به كتاب الله من علوم ومعارف لم تكن معروفة بهذا الشكل في زمن رسول الله . وفي هذا يقول الشاطبي: ( فعلى هذا لا ينبغي أن يُسمَّى علم النحو أو غيره من علوم اللسان أو علم الأصول أو ما شابه ذلك من العلوم الخادمة للشريعة بدعة أصلاً) .(21) وتجدر الإشارة أخيراً إلى أن الشاطبي يحصر أسباب الابتداع بأمور خمسة هي: اتباع المتشابهات، وتحريف المقاصد الشرعية، وتحميل الآيات ما لا تحتمله من الآراء، والتمسك بالآثار الضعيفة أو الموضوعة، وتقديم الهوى على الشرع.(22) ثمَّ انتقل الباحث إلى عرض نظرية الشاطبي في الإصلاح السياسي، هذه النظرية التي تقول: إن مصالح الدين لا تقوم إلا بمصالح الدنيا التي لا تنفصل عن مصالح الدين في المنظور الإسلامي، وبما أنه لا يمكن تحصيل وحماية هذه المصالح المشروعة إلا بوجود سلطة سياسية قادرة على القيام بهذه المهمة، فإن قيام الدولة واجب شرعي يفرضه الدين نفسه لقيام مصالح الدنيا والدين معاً. لقد استمد الشاطبي نظريته تلك من المقاصد الشرعية الضرورية، وذلك لأن قيام هذه المصالح من حفظ الدين والنفس والعِرض والمال، لا يُوكل للفرد وحده، وإنما يُوكل للأمة كلها الذي يجب أن تقوم به عن طريق حكامها الذين تنتدبهم لتلك المهمة الكبيرة، ومهمة هؤلاء الحكام أن يستفرغوا جهدهم في تحقيق مصالح الناس وحمايتها وفق أحكام الشريعة.(23) ثم انتقل بنا إلى الحديث عن أفكار الشاطبي الإصلاحية في الميدان التربوي، مستعيناً بما كتبه الشاطبي من آراء في هذا المجال في كتابيه الموافقات والاعتصام معاً. في الحقيقة لا يمكن لنا معرفة قيمة الإصلاحات العلمية والتربوية للشاطبي إذا لم نعرف النقد الذي وجهه إلى مضمون الحركة العلمية ومنهجها في عصره، لأن الشاطبي يُحملهما المسؤولية عن تردي المستوى العلمي في عصره. وفيما يلي أهم عناصر هذا النقد: 1ـ إن العلم الذي يتباهى به العلماء في عصره لا يعدو أن يكون جمعاً للأقوال، وحفظاً للمختصرات. 2ـ افتقاد المعرفة الشرط الذي به تنتقل إلى مرتبة العلم، وهو شرط اليقين، وبهذا فقد اتهم الشاطبي معظم معارف عصره بأنها معارف ظنية جدلية عقيمة. 3ـ افتقاد هذه المعرفة المناهج العلمية الصحيحة المنتجة للمعرفة اليقينية. فمعظم معارف عصره تقوم على أساس من الاجتهادات الشخصية الذاتية، أو هي عبارة عن سرد للمعارف السابقة بهدف حفظها واستظهارها فقط. 4ـ شيوع المصطلحات اللفظية الفارغة من المضمون المعرفي. 5ـ انتشار ظاهرة التعصُّب والمباهاة الفارغة بل والعداوة دون مبرر ديني ولا علمي بين أدعياء العلم والمعرفة في عصره. بعد أن فرغ الشاطبي من تسديد سهام نقده لمعرفة عصره، شرع بتقديم تصوره الخاص لشروط المعرفة اللازمة لإنتاج معرفة علمية حقيقية. وهذه الشروط جاءت على الشكل الآتي: 1ـ الثبات والاطراد: إن العلم لا يكون علماً بالمعنى الدقيق إلا إذا تمّ بناؤه على حقائق ثابتة، ومستمرة على نفس الوتيرة في جميع الحالات المتماثلة، بحيث تنطبق كلياته على جميع جزئياته، دون أي تخلُّف أو استثناء طالما اشتركت هذه الجزئيات في نفس الظروف والشروط والأسباب المنتِجة لها، وانتفت من أمامها الموانع الحائلة دونها. وبهذا الشرط تكتسب المعرفة صفة القطعية واليقينية اللازمة لأية معرفة حتى تتحول إلى علم صحيح. 2ـ الاستقراء والتجربة: لا تكون المعرفة علماً إلا إذا وصلنا إليها عن طريق استخدام منهج علمي يتناسب مع مضمونها، وهذا المنهج لا يعدو أن يكون إما استقراء أو تجربة. ومن دون استخدام أحد هذين المنهجين فلا نحصل إلا معرفة جدلية قابلة للنقض والمعارضة، وبالتالي لن تزيدنا هذه المعرفة إلا تمزقاً وانقساماً. 3ـ الصبغة العملية للعلم: إذ لا قيمة للعلم في نظر الشاطبي إذا لم يؤد إلى عمل نافع، والعلم الذي لا يقود إلى عمل نافع مذموم شرعا والاشتغال به مضيعة للوقت والجهد. 4ـ الصبغة الدينية: لا بدَّ لأي علم حتى ولو كان من العلوم التي يُقصد بها تحصيل مصالح دنيوية، أن يستصحب نية التقرب إلى الله ، وأن يُبتغى به وجهه فقط، لأن طلب العلم فرض عين على كل مسلم ولا يقبل الله أي عمل إذا لم يكن خالصا لوجهه الكريم فقط(24) . وفي الحقيقة فإن في هذا الشرط والشرط الذي قبله يشير الشاطبي إلى ضرورة التلازم بين البُعد العلمي والبعد الأخلاقي في عملية تحصيل المعرفة وبنائها، وإلى ضرورة توظيف المعرفة في غايات أخلاقية نبيلة وإلاَّ تحوّلت المعرفة إلى سلاح منفلت من القيم والمعايير الأخلاقية، وبهذا الشكل لا توجد أية ضمانات لاستخدام هذه المعرفة لتحقيق مصالح البشر، بل قد تتحول إلى أداة إيذاء لهم، وفي هذا نقض لمقاصد الشريعة. أما الإصلاح الخُلقي عند الشاطبي فيدور كما استنبطه الباحث على ضرورة مقاومة الأهواء الفردية والجماعية، والانضباط في مقابل ذلك بحدود الشريعة وتكاليفها وآدابها، وذلك بسبب " ما عُلم بالتجارب والعادات، من أن المصالح الدينية والدنيوية لا تحصل مع الاسترسال في اتباع الهوى لِما يلزم في ذلك من التهارج، والتقاتل والهلاك الذي هو مُضاد لتلك المصالح"(25) . في الحقيقة فإن الباحث في هذا الفصل المتعلق بالإصلاح الأخلاقي عند الشاطبي، قد أوقع نفسه بالتكلُّف عندما أصرَّ على إيجاد أسس لبناءٍ أخلاقي فلسفي عند الشاطبي، في حين أن كل ما عرضه من آراءٍ أخلاقية للشاطبي لا تزيد على أن تكون آراء خُلقية عامة يشترك فيها الشاطبي مع معظم العلماء المسلمين من قبله، ولم تصل في عمقها على الإطلاق إلى درجةٍ يمكن أن تكون نواة لمذهب خُلقي يمكن أن يُنسب إلى الشاطبي بشكل خاص.(26) بعد ذلك انتقل الباحث إلى الحديث عن بواعث الإصلاح وأهدافه عند الشاطبي مبينا لنا أن عمل الشاطبي في ميدان الإصلاح أتى نتيجة طبيعية لتردي أحوال المسلمين في عصره على جميع الصُعد، حيث رأى أن واجبه الديني يحتم عليه أن يقوم بواجبه لإصلاح ما يمكنه إصلاحه من المشاكل والأزمات التي أصابت مسلمي عصره.(27) خصص الباحث آخر فصول كتابه للوقوف على تأثير الشاطبي المجدد والمصلح فيمن جاء بعده، مركزاً كلامه بشكل خاص على المصلحين من أبناء العصر الحديث، منذ أن لفت الشيخ محمد عبده أنظار معاصريه لأهمية كتاب الموافقات، ومنذ أن نشر الشيخ رشيد رضا كتاب الاعتصام. ويرى الباحث أن تأثير الشاطبي في حركة الإصلاح الإسلامي في العصر الحديث يظهر من خلال أمرين، أولهما: قيام الدعوة السلفية التي اتخذت من كتاب الاعتصام أحد مرجعياتها الفكرية الرئيسة. وأما الأمر الثاني فهو: النظر إلى الإسلام وشريعته نظر مقاصد، من أجل إحداث حالة من الموائمة بين الشريعة الإسلامية ونصوصها وأحكامها وثوابتها وبين مستجدات الحياة المعاصرة على كافة المستويات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، لإثبات كفاءة الإسلام وصلاحيته في هذا العصر كما أثبت صلاحيته في كل العصور السابقة.(28)
ـ ملاحظات عامة على الكتاب: بعد هذه الجولة الموجزة التي استعرضت وحللّت فيها قدر استطاعتي أفكار الباحث في كتابه المذكور، أستبيح لنفسي أن أُقدِّم بعض الملاحظات على سبيل التقييم لجهد الباحث في كتابه القيِّم هذا. ـ لاحظتُ ضعف الروح النقدية عند الباحث في مواضع عديدة من بحثه، إذ كان يكتفي في معظم الحالات بسرد ما قاله الشاطبي مكتفياً بشيءٍ من التحليل، ومُعرضاً بشكل عام عن مناقشة ونقد أفكار الشاطبي. ـ حصر الباحث جهود الشاطبي التجديدية في ميدان علم المقاصد في: المصلحة وضوابطها، ونظرية القصد في الأفعال، والنوايا بين الأحكام والمقاصد، والمقاصد والعقل، والمقاصد والاجتهاد، والغايات العامة للمقاصد، ولكنه لم يبيّن لنا الجوانب الجديدة التي أنجزها الشاطبي في هذه القضايا، بل اكتفى بعرضها عرضاً يمتاز بالإيجاز والتبسيط غير اللائقين بقضايا مهمة اعتبرها الباحث نفسه مناط تجديد الشاطبي في علم المقاصد. ـ وقع الباحث بشيء من التكلُّف عندما حاول أن يستنطق نصوص الشاطبي في كتابه الاعتصام، ويستخرج منها نظريةً في الإصلاح السياسي، فكلام الشاطبي في ميدان السياسة على الرغم من أهميته لا يمكن أن يُوصف بالنظرية على الإطلاق، إذ النظريات تحتاج إلى جهود نظرية وتأصيلية لم نجدها في كل ما عرضه لنا الباحث من آراء الشاطبي السياسية. ـ ذكر الباحث أن كتاب الموافقات فيه شيء من الخلط والتكرار والتشويش، ولكنه لم يذكر لنا أمثلة تؤكد هذه الدعوى التي سار فيها الباحث خلف الشيخ الطاهر بن عاشور، وكان من شأنه أن يُثبت كلامه بالأدلة الكافية مع توضيح أسباب وجود هذه الظاهرة في كتابات الشاطبي بعد التأكد من ثبوتها، لكنه لم يفعل شيئاً من ذلك. ـ وأخيراً، يجب أن أشير، من باب الأمانة والإنصاف العلمي، إلى أن الباحث قد استخدم في كتابه لغة البحث العلمي، من حيث السلامة والوضوح والدقة والجمال، بالإضافة إلى التزامه بأسلوب البحث العلمي المتعارف عليه، من حيث تصميم البحث ومنطقية هذا التصميم، ومن حيث التوثيق العلمي، واستخدام المصادر الأولية. وهنا أحب أن أنوّه بأن الباحث قد استطاع أن يقدّم لنا بنجاح شخصية الشاطبي بشكل متكامل بالاعتماد على المصادر الأولية، ومن خلال نصوصه الشاطبي نفسه: الموافقات، الاعتصام، الإفادات والإنشادات، الفتاوى، واستطاع بهذا العمل أن يسدَّ نقصاً علمياً واضحاً في ترجمة مَنْ ترجم للشاطبي في العصر الحديث على قِلّتهم. وبوجهٍ عام فإن قيمة هذا الكتاب، تظهر في إعطائه الفكر الإصلاحي عند الشاطبي حيزاً مهماً وأساسياً، هذا فضلاً عن ربطه بين جهود الشاطبي الفكرية الإصلاحية، وبين جهوده العلمية التجديدية من خلال إشارته لضرورة ربط العمل (الإصلاح) بالعلم ( التجديد )، فلا قيمة لعملٍ لا ينطلق من أسسٍ علمية راسخة، ولا إصلاح فعّال ومُنتج دون تجديد علمي حقيقي. وهذا ما فعله الشاطبي في كتابيه الموافقات والاعتصام، وهذا بالضبط ما استطاع الباحث أن ُيثبته بأسلوبٍ علمي رصين ومتماسك. وبهذا أستطيع أن أقول: إن الباحث الدكتور حمادي العبيدي قد استطاع أن يُثبت فرضيته التي قدّم بحثه كله من أجل إثباتها، وبالتالي يكون الباحث قد أنجز عملاً علمياً وفكرياً له قيمته في ميدان الدراسات التي تعتني بتحليل ومتابعة جهود التجديد والإصلاح في تاريخ الفكر الإسلامي.
الحواشي والتعليقات: (1)أستاذ جامعي وباحث تونسي متخصص في الفقه وأصوله، له مؤلفات عديدة منها: الشاطبي ومقاصد الشريعة، الذي نتناوله بالعرض والتحليل في هذه المراجعة. وله كتاب مهم عن ابن رشد الفيلسوف وجهوده الأصولية والفقهية. (2)من أهم أسماء الجيل الثاني من العلماء والمصلحين المعاصرين الذين قدّموا إسهامات مهمة في ميدان علم مقاصد الشريعة: محمد الطاهر بن عاشور، وعلاّل الفاسي. (3)انظر: حمادي العبيدي، الشاطبي ومقاصد الشريعة، ط1، دمشق، دار قتيبة، 1412هـ/1992. ص50. (4)انظر المرجع السابق: ص55. (5) انظر المرجع السابق: ص63-84. (6)انظر المرجع السابق: ص85-95. (7)انظر المرجع السابق:ص97- 116. (8)انظر المرجع السابق: ص119- 129. (9)انظر المرجع السابق: 131- 138. (10)انظر: أحمد الريسوني: نظرية المقاصد عند الإمام الشاطبي، ط2، المعهد العالمي للفكر الإسلامي، 1412هـ/1992م، ص25- 55. (11)انظر المرجع السابق: ص139- 195. حيث عالج الباحث كل إضافات الشاطبي في علم المقاصد في أقل من 40 صفحة. (12)انظر المرجع السابق: ص194- 195. (13)انظر المرجع السابق: ص 200. (14)انظر المرجع السابق: ص 201- 205. (15) انظر المرجع السابق: 204- 207. (16) انظر المرجع السابق: ص209- 226. (17) الشاطبي، الموافقات، تحقيق محمد عبد الله دراز، ط1، القاهرة، المكتبة التجارية الكبرى، د.ت، 1/87. (18)الشاطبي، الاعتصام، ط1، بيروت، دار المعرفة، 1402هـ/1982م، 1/37. (19)المصدر السابق، الموضع نفسه. (20)المصدر السابق، 1/108. (21)المصدر السابق: 1/39. (22)انظر حمادي العبيدي، الشاطبي ومقاصد الشريعة، ص 227- 239. (23)انظر المرجع السابق، ص 241- 249. (24)انظر، حمادي العبيدي: الشاطبي ومقاصد الشريعة، ص:251-254. (25)الشاطبي: الموافقات، 2/170. (26)قارن ب: حمادي العبيدي، الشاطبي ومقاصد الشريعة، ص 263- 270 . (27)انظر المرجع السابق، ص 271- 275. (28)انظر المرجع السابق، ص 271-284.
|
01-09-2006 . الملتقى / / .
http://almultaka.org/site.php?id=481
|