/

 

 

أزمة التعليم الديني: إجرائية أم بنيوية؟

هشام منوّر

نقلت أحداث الحادي عشر من أيلول/سبتمبر العالم الإسلامي بأزماته وإشكالياته المزمنة إلى قلب الحدث والاهتمام العالمي، وبات التعرف على عالم المسلمين بأطيافه وتنوعاته هاجس الباحثين والسياسيين الغربيين على حد سواء. ولما كانت "تهمة" احتضان الإرهاب قد ألصقت بالعالم الإسلامي وباتت من المسلمات اللامفكر فيها حتى بالنسبة لبعض المنتمين للعالم الإسلامي، ممن يتبنون نهجاً علمانياً متطرفاً، فإن البحث في جذور وخلفيات ما يسمى بـ «الإرهاب»، وإيجاد الوسائل الكفيلة بمواجهته ومكافحته مثّل الهاجس المعرفي والسياسي "للآخر" المتوجس أصلاً. وبدا وكأن إجماعاً ضمنياً قد تحقق على تحميل مناهج التعليم في العالم الإسلامي وزر ما آلت إليه حال أبنائه وأفكارهم ورؤاهم، واعتبرت تلك المناهج مسؤولة عن زرع ثقافة العنف والتطرف، وتغذية جذور الإرهاب وإقصاء الآخر، وتنمية روح الكراهية للغرب وحضارته، مما استدعى "استنفاراً" محلياً ودولياً لإصلاح هذه المناهج وتعديلها، في ظل عدم القدرة على الإعلان الصريح عن ضرورة استبدالها واستبعادها، وتكثف عقد المؤتمرات والندوات لبحث أطر وسبل تحقيق هذا الهدف في الوقت الذي امتزجت فيه دعوات الإصلاح الداخلية بمثيلتها الخارجية، وتمّ اعتبار كلا الصنفين في سلة واحدة، لجهة إما الاعتماد والتفاعل، أو الامتناع التوجس، أو الإهمال واللامبالاة. 

هل التعليم الديني في أزمة؟ وإذا كان ذلك صحيحاً فأين تتجلى ملامح هذه الأزمة، وما أهم معالمها؟ من المسؤول عن تخلف مناهج التعليم الديني؟ وما آفاق إصلاحه؟ وهل مطلب إصلاح مناهج التعليم الديني قديم أم أنه ظهر بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر؟ ولماذا يتهم التعليم الديني الإسلامي بتخريج الإرهابيين؟ ما علاقة ذلك بالتنمية الوطنية؟ وهل تتأثر عملية الإصلاح هذه بمظاهر العولمة بأبعادها المختلفة؟ تلك نماذج من أسئلة متعددة يحاول هذا الكتاب/ الحوارية الصادر عن دار الفكر الإجابة عنها، أو على الأقل، تقديم مقاربات لها. 
في بداية بحثه يعترف الخبير التربوي الإسلامي د. خالد الصمدي بوجود أزمة في التعليم الديني، ويلحظ أن ما يميزها عن نسخها السابقة كونها «مطلباًً يسوق من خارج المنظومة الإسلامية، وتحضر فيه مسألة المرجعية والقيم بقدر أكبر» (ص13). وأن ما يتمتع به الخطاب الديني من سلطة رمزية، وكونه خطاباً أيديولوجياً معبأً جعل كثيراً من مؤسسات المجتمع المدني في الغرب ومراكز البحوث الحكومية تغير من صيغة طرح آلية إصلاح مناهج التعليم الديني في العالم الإسلامي من سؤال لماذا يدرس الدين؟ إلى كيف يدرس الدين؟ كنتيجة طبيعية لإمعان الغرب في عزل تدريس الدين عن المنظومة التربوية نهاية القرن التاسع عشر، مما أحدث أزمات اجتماعية وثقافية، تطورت إلى اقتصادية وسياسية في عصرنا الراهن. 

اتجاهات في رصد مظاهر الأزمة 

يعرض الصمدي لأبرز الاتجاهات التي رافقت الاعتراف بوجود أزمة في التعليم الديني، فيميز بين اتجاه قائل بضرورة الاستمرار في فصل (الدين) عن المنظومة التربوية بسبب ما يتمتع به التعليم الديني من سمات ثقافية وتربوية معطلة، بحيث يبدو إصلاحه غير متيسر لتعلقه بخلل بنيوي. وبين اتجاه معترف بالأزمة وملحّ في الوقت نفسه على أهمية توظيف إصلاح التعليم الديني في سياق الحفاظ على الهوية المهددة، واعتماد الدين معبأ للطاقات الفكرية والعلمية والسياسية للعالم الإسلامي، ومن أبرز متبنيه (محمد عمارة، ود. يوسف القرضاوي، ووهبة الزحيلي وفهمي هويدي وغيرهم) (ص37). وبين فريق ثالث يرى في الدعوات المتناسلة لإصلاح مناهج التعليم الديني انخراطاً في جوقة الغرب "الصليبي" الهادف إلى مسخ الهوية الإسلامية من خلال غزو فكري مخطط يستهدف القيم الإسلامية، ويعتبر هذه الدعوات استجابة إلى مطالب خارجية أكثر من كونها مطلباً داخلياً. 

المفاهيم والتساؤلات 

في مستهل مقاربته لأزمة التعليم الديني يميز الصمدي بين عدة مفاهيم متشابكة في السياق التربوي؛ فيعرف التعليم الديني بأنه المرافق لظهور ما يسمى بالتعليم العصري العام بداية فترة الاستعمار نهاية القرن التاسع عشر، حيث تم فصل العلوم الاجتماعية والإنسانية والعلمية عن علوم الشريعة واللغة العربية في كبريات الجامعات الإسلامية بعد أن كانت مندمجة. وباتت مهمة التعليم الديني التركيز على علوم الشريعة واللغة فقط بعد أن كانت جميع العلوم تدرس فيها جنباً إلى جنب. كما ظهر إلى جانب ذلك ما يسمى بتعليم الدين من خلال مادة ضمن المنهاج للتعليم العام نفسه، أطلقت عليه تسميات مختلفة باختلاف الدول العربية والإسلامية. كما أن الباحث يميز مفهوماً آخر وهو إدماج القيم الدينية في المناهج التعليمية والذي عاد ليشكل مطمحاً يصطدم بعقبات فكرية أهمها معارضة الداعين إلى علمنة التعليم، وأخرى عملية تتعلق ببذل جهود كبيرة لتكوين واضعي المناهج ومؤلفي الكتب المدرسية على كيفية دمج هذه القيم في المواد الدراسية وخضوعها لعملية التقويم والتطوير المستمر. 

ويرى الصمدي اندراج أزمة التعليم الديني ضمن أزمة السياسة التربوية واستراتيجياتها في العالم الإسلامي، ويطرح إزاء ذلك عدة تساؤلات إشكالية حول ماهية الأزمة وراهنيتها وسبب اهتمام الغرب المفاجئ بها، ومدى توافقها مع دعوات الإصلاح الداخلية، منتقداً فيها افتقار جل بلدان العالم الإسلامي إلى رؤية استراتيجية واضحة لنظام التعليم، ومعاناة العالم الإسلامي من تبعية سياسية وثقافية تتقلص معها خياراته لبناء نظام تربوي وتعليمي متكامل. 

تجليات الأزمة ودواعي الإصلاح 

لا يعبأ الصمدي في بحثه «بالمقاربات النمطية التي تختزل الأزمة بالحرص الغربي على اجتثاث الهوية الإسلامية، وإن كنا لا نستثنيها، دون الالتفات إلى المشاكل العلمية والتربوية والمنهجية التي يعاني منها حضور الدين في المنظومة التربوية» (ص35). بل يحاول تقديم مقاربة عقلانية عليمة بعيداً عن نظريتي الإقصاء والمؤامرة تركز على الأسباب الداخلية للأزمة؛ فيرى في وضعية البحث التربوي في علوم الشريعة والدراسات التي حاولت رصد النظرية الإسلامية التربوية مجرد آداب وتعليمات عامة لا ناظم بينها، تتصف بالشح والتشابه وتتسم بالسطحية والعمومية. 

ويحاول رصد أهم التحديات التي تواجه الدراسات التربوية الإسلامية وأزمة التعليم الديني بوجه عام، من خلال طرح تصور معرفي ومنهجي ذي أبعاد تطبيقية عملية. فيشير الباحث إلى قصور خطير على مستوى التصور التربوي للعلمية التعليمية، وبالذات عملية بناء المنهج التي تعدّ «البناء العام للنظام التعليمي بدءاً بالمرجعيات والتصورات الفلسفية وتحديد المقاصد والأهداف، ثم بناء المحتوى التعليمي وطرق ووسائل التدريس وختاماً بأساليب التقويم» (ص47). 

وهو إذ يسقط مفردات العملية التعليمية على التعليم الديني، فإنه يعترف باقتصاره على التلقين والحفظ، وتخلي مناهجه عن أسلوب بناء المفاهيم والمصطلحات، وعدم وجود منهجية فكرية واضحة لبناء المعرفة وتمكين الطالب من إنتاجها. واعتماد المناهج المعاصرة على ما قدمه الأسبقون وعدم إبداع أي أساليب أو مناهج جديدة تتواءم مع روح العصر وأسئلته الكبرى الراهنة. 

ثم ينتقد الممارسات التربوية والمناهج التعليمية الخاصة بتدريس علوم الشريعة على المستوى التطبيقي فيؤكد على حالة الاتكالية التي تسيطر على المناهج والمدرسين على ما قدمه السلف واعتماد أساليبهم في الحفظ والتلقين وطريقة الجلوس والمذاكرة وتقديم المعلومة وحتى إيراد الأمثلة، دون مراعاة الفروق الفردية بين المتعلمين، أو مراعاة الوسائل والأساليب الحديثة في تقديم المعلومة. ويعرض لنماذج من الأخطاء الشائعة في تدريس علوم الشريعة على مستوى تحديد الأهداف والمحتوى العلمي وتنظيم المعارف في وحدات متجاورة متجانسة، فضلاً عن إشكالات في التنسيق بين مختلف المراحل التعليمية والارتباط بين المواد المتماثلة، وأخرى تتعلق بطرق ووسائل التدريس، وعدم الاستفادة من المتاح منها، وكيفية اختيار النصوص التعليمية المعينة على فهم المادة. 

ويختم الدكتور الصمدي بحثه بطرح رؤية تربوية مهمة تتسم بالعلمية والعملية على حد سواء، من واقع إسهامه في العديد من المؤتمرات وتخصصه في بناء المناهج التعليمية، وخاصة منها المتعلقة بعلوم الشريعة، في نظرة تفاؤلية مبنية على ما أورده من نماذج على عملية التحول التي تخضع لها المناهج التعليمية في تدريس علوم الشريعة في عدد من البلدان الإسلامية، دون أن يغفل ضرورة الاستفادة من التطور الكبير الذي يعرفه البحث التربوي في تطوير التعليم الديني وبناء مراكز بحث مختصة لاستثمار نتائج هذه التطور في «تكوين المدرسين وتهيئة البنية التعليمية والتربوية المناسبة لتطبيق وتنفيذ ذلك» (ص116). 

أزمة التعليم في الجامعات الإسلامية 

في الوقت الذي ركز فيه د.الصمدي على المنهج التربوي التعليمي بوجه عام، فإن د. عبد الرحمن حللي (أستاذ الشريعة بجامعة حلب) قد أقام بحثه على دراسة واقع التعليم الديني في الجامعات الإسلامية بوجه خاص، من خلال طرح استبيان على بعض أساتذة وخريجي تلك الجامعات في سوريا والمغرب العربي وماليزيا. 

افتتح حللي بحثه المعنون بـ (أزمة التعليم الديني في الجامعات الإسلامية) بالتأكيد على عمق أزمة التعليم الديني وقدمها، واضطلاع رموز السلف بمعالجتها -كابن خلدون في مقدمته- وما تلا ذلك من دعوات لإصلاح التعليم الديني بحلول النصف الثاني من القرن العشرين في عدد من الجامعات الإسلامية العريقة كالأزهر والزيتونة والقرويين. إلا أنه ينتهي إلى اعتبار العامل السياسي المتمثل في أحداث الحادي عشر من سبتمبر المحرك الرئيسي لجميع الدعوات المتكثفة لإصلاح التعليم الديني ومناهجه بصرف النظر عن غايات ومآرب دعاتها، الأمر الذي استدعى عقد المؤتمرات والندوات لبحث أطر ووسائل إنجاز هذا الهدف وسبل مقاربته. 

يبني حللي بحثه على نتائج استبيانه المتقدم؛ فيرى في إجابة جميع المستطلعين بالإيجاب على اعتبار التعليم الديني في أزمة أمراً في غاية الخطورة. ويرجع أسباب هذه الأزمة حسب توصيف استبيانه ترتيباً إلى جملة أسباب أهمها: "ضعف التعليم الجامعي، أسباب سياسية، مضمون المنهاج، طريقة تقديم المنهاج، ضعف القائمين على التعليم، غلبة الحفظ وغياب النزعة النقدية، التعصب وغياب أدب الاختلاف» (ص129). ويعتبر كلاً من ضعف التعليم قبل الجامعي والبعد السياسي ناتجين عن نظرة نخب الدول الحديثة للدين ودوره في الحياة وتهميشه على مرّ العقود الماضية بعد القضاء على مؤسساته التقليدية إبان الاستقلال. مبدياً اهتماماً خاصاً بالبعد السياسي في ضوء استفحال الضغوطات الأمريكية. 

مظاهر الأزمة 

يرى حللي أن من أهم مظاهر الأزمة المتصلة بالسلطة والإدارة تسييس التعليم الديني والتدخل في مفرداته، وعدم الاهتمام به رسمياً، وعدم توفير سوق العمل لخريجيه، فيما يبرز أهم مظاهرها فيما يتعلق بالمنهاج بغياب «الربط مع الواقع وعدم التناسب مع العصر ومتطلباته وأسئلته» (ص133). و«الاهتمام بالكم على حساب الكيف» (ص134). و«عدم الاستفادة من العلوم الأخرى ذات الصلة» (ص134). و« أحادية التفكير وضعف المنهجية وغلبة التعصب وغياب الحوار والنقد» (ص135). الأمر الذي تنبه إليه قديماً ابن خلدون، فحاول معالجته في مقدمته. 

ويعلل مظاهر الأزمة الخاصة بالمدرس وطرق التدريس بقلة الكفاءات العلمية في التخصصات الدقيقة للعلوم الشرعية، والضعف اللغوي لدى المدرسين، وما ينسبه الطلاب من أنانية النخبة القائمة، وغياب العمل الجماعي، وصدام الأفكار بين الطلبة والمدرسين. فيما يلخص مظاهر أزمة الطالب بضعف مستواه التعليمي، وعدم فاعليته الاجتماعية، وضعف الجانب الروحي والالتزام لديه وغياب الروح النقدية، والشعور بالنقص والدونية إزاء نقص معدل القبول وعدم قدرته على مواجهة المشكلات الاجتماعية. 

ثم يستعرض حللي مظاهر أزمة البحث العلمي في الجامعات الإسلامية ويميز فيها ضعفاً في الإمكانات المادية والتكوين العلمي والإشراف والمنهجية، وغياباً للتخطيط وحرية البحث والخوف من التغيير. ويرجع حللي علة هذا الضعف في توسيع دائرة المقدس والمسلمات فتعم من النصوص القطعية إلى النصوص التفسيرية إلى النصوص الاجتهادية وآراء الفقهاء على مدار التاريخ الإسلامي وبانتقائية معينة، بينما لو تم تناول تلك الآراء المتعلقة بفهم ما هو ظني الدلالة أو الثبوت على أنها وجهات نظر تحتمل الخطأ والصواب كما هو حالها وخضعت للنقد والتقويم لأنقذت حيزاً مهماً من التراث الإسلامي من تهم الجمود والتناقض ولأمكن فهمه بطريقة تزيده احتراماً وإنصافاً من قبل خصومه. 

التحديات ومحددات العلاج 

يرجع حللي التحديات التي تواجه التعليم الديني إلى تحديات ظرفية تتمثل بالإرهاب والتحدي الدولي. فالمسلمون، شاؤوا أم أبوا، فإن الإرهاب يرتبط بالمعرفة الدينية والتدين، وحسب المؤلف، «فما تسميه أمريكا والغرب إرهاباً، ونسميه مقاومة ودفاعاً يرتبط بدرجة أساسية بالدافع الديني» (ص160). وهو ما يطرح أهمية تحصين شبابنا من اتجاهات التطرف والعنف من خلال التعليم. وتحدي التنمية والتقنية وأنماط الحياة لمواجهة عجلة الحضارة المتسارعة. فيما يلخص التحديات المعرفية التي تواجه التعليم الديني برؤية العالم التي ينتابها حالياً خلل يؤثر في بناء التعليم الديني، وتحدي تفجر المعرفة وتكاثر العلوم (ص167) الذي يفرض علينا الموازنة بين التعمق والتخصص من جهة، وبين الإلمام بالحد الأدنى من المعارف المحتاجة من جهة أخرى. 

ويقدم حللي في ختام بحثه خطوات عملية لإصلاح التعليم الديني معتبرا أهمها الحد من التدخل السياسي في المناهج وتوجيه التعليم، علاوة على إحياء المجامع العلمية وتفعيل الهيئات، والعمل الجماعي على مستوى الجامعات الإسلامية. ليرى في عملية إصلاح مناهج التعليم الديني مكوناً من مكونات إصلاح الشأن العام للمسلمين، وقضية تتطابق في جوهرها مع قضايا التجديد المطلوب إسلامياً للنهوض بالعلوم الإسلامية. 

التعقيبات المتبادلة 

لم يخل تعقيب الصمدي على بحث حللي من الإشادة والتقريظ والترحيب بتكاملية الجهد المبذول، إلا أنه يأخذ عليه تالياً خصه وظيفة التعليم الديني بحماية منظومة القيم الإسلامية، واعتباره أن أزمة التعليم الديني أزمة بنيوية لا انفكاك عنها، ونظرته التشاؤمية إزاء ذلك، وتحميله ما اعتبره مسؤولية التطرف والإرهاب للتعليم الديني، سواء من خلال الإهمال والتهميش المفضي إلى عيش التعليم الديني في ظلام الانغلاق ومعاداة المجتمع، أو من خلال تسييس ذلك التعليم المفضي إلى ذات النتيجة. مقدماً في نهاية تعقيبه ما سماه برؤية مستقبلية مغايرة للتعليم الديني الجامعي، حاول فيها استدراك ما فاته من التركيز على أزمة التعليم الجامعي وقضايا البحث العلمي فيه. 

فيما جاء تعقيب حللي على بحث الصمدي لينتقد ما أسماه جوانب عميقة في أزمة التعليم الديني أغفلها بحثه، وهي عقدة التلقي وبنية التفكير المهيمنة على القائمين على هذا النوع من التعليم، وهيكلية مؤسسات التعليم الشرعي التقليدي المستعصية على التغيير بحد ذاتها، وما اعتبره حللي محاولة الصمدي في بحثه إسقاط مشاكل العملية التعليمية بوجه عام على التعليم الدينين وإسقاط حلوله تالياً عليه، دون مراعاة جوانب التمايز في كلا الجانبين. 

خاتمة 

لقد مهد هذا الكتاب لطرح إشكاليات التعليم الديني في العالم الإسلامي من خلال رؤية علمية منهجية بعيداً عن نظريات المؤامرة والإقصاء، مع التركيز على الدوافع الذاتية لإصلاح لجوانب الخلل والقصور فيه، وفيما ركز بحث الصمدي على مظاهر تلك الأزمة فيما قبل التعليم الجامعي وعلى الأزمة بوجه عام، ركز بحث حللي على التعليم الجامعي والبحث العلمي. وفي الوقت الذي عدّ الصمدي أزمة التعليم الديني تربوية يمكن تجاوزها باعتماد وسائل التعليم وأساليبه الحديثة، وما أفرزته الأبحاث التربوية المعاصرة في هذا المجال، اعتبر حللي الأزمة بنيوية متأصلة وبحاجة على تغيير في عقليات القائمين على الإصلاح والمناهج قبل تغييرها هي. وبين تفاؤل الصمدي وتشاؤم الحللي تظل إمكانية الحوار بين الاتجاهين قائمة وتكامل جهودهما معقولاً ومتفهماً، دون تغييب العامل السياسي في هذا الإطار، والذي يدفع بقوة باتجاه الإصلاح ولكن وفق مآربه ومصالحه الخاصة.
ــــــــــــــــ
(*) أعد هذا العرض خصيصاً لموقع (ببليو إسلام).

بطاقة الكتاب
العنوان: أزمة التعليم الديني في العالم الإسلامي 
تأليف : خالد الصمدي، عبد الرحمن حللي 
الناشر : دار الفكر (سلسلة حوارات لقرن جديد)
سنة النشر : 2007 
عدد الصفحات : 278 

 

 

20-09-2007 .   الملتقى /  /    .   http://almultaka.org/site.php?id=501