/

 

 

الإسلام والغرب: الصورة والعلاقة والأزمات الراهنة

هشام منوّر


تجتذب الدراسات والأبحاث التي تتناول طبيعة العلاقة بين الإسلام والغرب اهتماماً متزايداً في الآونة الأخيرة، نظراً لما بات يشكله الإسلام لدى الكثير من الباحثين والسياسيين الغربيين من «خطر» استراتيجي جديد حلّ محل الخطر الشيوعي الأحمر، في ظل تنامي موجات العداء والكراهية وتناسل أعمال العنف والعنف المضاد بين الجانبين. وعلى رغم خطأ عقد المقارنة بين الإسلام بصفته ديناً ذا بعد عالمي الانتشار، وبين الغرب بصفته حيزاً جغرافياً محدد الأبعاد، إلا أن البعد الفكري والثقافي لطبيعة العلاقة التنافسية (والصراعية في بعض من الأحيان)، يجيز عقد مثل هذه المقارنات على اعتبار تمثيلهما لمنظومتين متباينتين، وهو الأمر الذي بات السمة الأكثر بروزاً في الوسط الثقافي والفكري للطرفين. يضاف إلى ذلك استفحال مسألة وجود جاليات إسلامية وعربية كبيرة في الغرب، وما نتج منه من تغيرات شملت النسيج المجتمعي للدول الغربية، لا سيما بعد أن نال معظم المهاجرين حق المواطنة في بلدان المهجر الجديدة، وبات التعامل معهم يندرج في سياق معاملة (مواطنين) لا (مهاجرين) كما كان الحال قبل بضعة عقود.

ويندرج كتاب «الإسلام والغرب» لمؤلفه الدكتور محمد سعيد رمضان البوطي (دار الفكر، دمشق، طبعة أولى، 2007) ضمن سياق الدراسات التي تحاول معرفة موقف الغرب من الإسلام، وسبر المشكلات التي تثير الجدال في المجتمع الغربي حوله، ومناقشة الأسئلة التي تشغل بال الإسلاميين والعلمانيين على حد سواء، في دراسة لا تكاد تخلو من النصح والتطمين للغربيين الى مستقبل الوجود الإسلامي بين جنباتهم.

في افتتاحية الكتاب، يوصّف المؤلف الحدث الشاغل للإعلام العالمي ويوضح عدم خروجه عن موضوعين: «الأحداث الساخنة التي تندلع في عالمنا الإسلامي، والتي ينفخ في أوارها فم الطغيان الغربي... والوهدة المخبوءة التي تنتظر مآل الحضارة الغربية الزاحفة إليها»، وما يربط بين الموضوعين هو تصاعد مخاوف قادة الغرب مما سماه «انبثاق شمس الإسلام من مغرب حضارتهم واحتلال معتقداته العلمية ومبادئه الإنسانية». ويحلل دوافع الإنسان الغربي وتطلعاته إلى الإسلام اليوم بما يعرفه من انسداد آفاق المعرفة العلمية أمامه على رغم تفوقه فيها، والحرب الشعواء التي تمارسها قيادات الغرب السياسية، لا سيما الشطر الأميركي على الإسلام ومبادئه، مولدة جدلية متنامية مفادها تناسب الحرب المعلنة على الإسلام طرداً مع ازدياد شغف الغرب الاجتماعي بمعرفة الإسلام وسبر أغواره.

في القسم الأول من الكتاب والمخصص لبحث أهم المشكلات القائمة بين الإسلام والغرب من وجهة نظر المؤلف، يميّز الأخير بين الرؤيتين الغربية والإسلامية في ما يخص النظرة إلى العلم والمعرفة والفارق الاصطلاحي بينهما، فيؤكد غياب مفردة «اليقين» في الدراسات الغربية وأثرها في توليد الفجوة الروحية بين ما ينجزه الغرب وما يؤمن به. ويسرد تاريخ ثورة الغرب على المفاهيم اليقينية المستمدة أصلاً من كليات الدين المسيحي، وما أفرزه ذلك من إيجاد نسبية دائمة في أحكامه العلمية. في الوقت الذي يبرز تفريق الرؤية الإسلامية بين معنيي العلم والمعرفة، وإمكان الوصول إلى العلم اليقيني المستمد من الرؤية القرآنية للخريطة الكونية وموقع الإنسان ودوره فيها.

وينتقل الكتاب بعد ذلك الى بحث مستقبل العلاقة بين العالم الإسلامي والغرب، فيهاجم ما يسمى بـ «الصحوة الإسلامية» التي جثمت على عناوين الدراسات والمؤلفات، متهماً إياها بغلبة العاطفة والمشاعر عليها، وإفراغ مخزونها من خلال العاطفة والوقوف عند حد التبجيل والمديح، مبيناً سيل المؤامرات التي تحاك ضدها من جانب ساسة الغرب بعد انهيار الاتحاد السوفياتي، وكيف عملت الولايات المتحدة الأميركية على توريط المسلمين في خلافات جانبية لتفريغ صحوتهم مبكراً، منبهاً الى خطورتها، ومبشراً في الوقت نفسه، بكون سر استمرار الإسلام داخلي المنشأ، من دون أن يستبعد إمكان أن ينقلب السحر على الساحر «فتشرق شمس الإسلام من الغرب، كما اختار الله عز وجلّ لتربية موسى أحضان عدوه فرعون».

ويحاول المؤلف تحليل سر اهتمام الإنسان الغربي المتعاظم بالإسلام، فيرده إلى مزيج من الفراغ الروحي الذي يعايشه منذ ابتعاده من الكنيسة، وفراغ منهجي يسود الثقافة الغربية عموماً والعلوم الإنسانية على وجه الخصوص، أحالت معها الإنسان إلى أوصال ممزقة من المعارف والعلوم. الأمر الذي حدا بالمؤلف إلى مهاجمة الدعوة التي تبناها البعض إلى «أسلمة المعرفة» مطالباً بحيادية العلم و «أسلمة الأنفس» بدلاً منها، ومدعياً عدم حاجة الغرب إلى هذا النوع من الدعوة والتركيز على الدعوة الروحية المنزهة من شوائب المنافع والأهواء.

ثم يطرح الكتاب خمسة أسئلة تشغل بال الإسلاميين والعلمانيين، على حد تعبيره، مناقشاً جديتها ومدى صوابها، وتمتد هذه الأسئلة بين قدرة الإسلام على المحافظة على دعوته الشاملة حتى عصرنا الراهن، و «إمكان اعتماد دولة عصرية على الإسلام كنظام للحكم، ودرجة التطور والثبات التي يعرفها النظام الإسلامي وكيفية نجاحه في المواءمة بين الطرفين، ومدى قدرة الصحوة الإسلامية على سلوك منحى إيجابي، وبيان العدو الأول للإسلام اليوم» والذي حدده بالأكثر جهلاً به.

في القسم الثاني من الكتاب والذي خصص لبحث إشكالات تتطلب الحل والتصحيح لتقويم العلاقة بين الإسلام والغرب، يرى الكاتب أن من أهم نقاط الالتباس التي لا تزال قائمة موضوع التفريق بين الشورى الإسلامية والديمقراطية الغربية، فيلهج في شرح منشأ كل منهما وما تمتاز به الشورى الإسلامية عن الديموقراطية الغربية. وعلى رغم أنه يرى تقاطعات عدة بين المصطلحين، إلا أنه يدعو إلى «أن تكون مجتمعاتنا الإسلامية مبرأة من المناخ الغربي الذي يتم فيه التعامل مع وهم ما يسمى بالحرية المطلقة التي يتكون منها نسيج الديموقراطية المعمول به هناك».

ثم يبحث المؤلف في علاقة المؤسسات الدينية في الغرب ببعضها بعضاً، فيشير إلى ابتعادها من مهمتها الأصلية المتمثلة في التعريف بالإسلام، وانزلاق قادتها إلى صراعات مذهبية وعرقية تعكس جذورها في بلادنا العربية والإسلامية. وفيما يحدد طبيعة علاقة تلك المؤسسات بالدول المستضيفة لها بكونها «علاقة تعايش أولاً، ثم هي علاقة استضافة من الدولة لضيوف وافدين. والدستور الذي يرسم هاتين النقطتين هو واقع المسلمين أثناء وجودهم مهاجرين في أرض الحبشة»، فإنه يغفل حقيقة كون معظم هؤلاء المهاجرين قد أصبحوا مواطنين في تلك الدول لا مجرد وافدين إليها.

إلا أن ما يلفت في سياق حديثه عن صورة العلاقة الواجب تكوينها بين الإسلام والغرب، هو موقف المؤلف الإيجابي من علمانية الدول الغربية، والتي رأى أنه لا ينبغي أن تكون محل استنكار» لأنها تعني تحرر الدولة من الضوابط والأحكام الكنسية»، معتبراً أن «العلمانية التي ينادي بها الغربيون قنطرة تنتهي بأصحابها إلى الإسلام، أما العلمانية التي ينادي بها المسلمون فقنطرة تنتهي بأصحابها إلى الإلحاد»، مؤكداً وجود تيار حاقد يهمه إشعال الفتن والمكائد بين المسلمين في الغرب وبقية عناصر المجتمع الغربي (مسألة الحجاب في فرنسا نموذجاً).

لم تكن العلاقة بين الإسلام والغرب تنهج أسلوباً واحداً عبر القرون الماضية، وقد عرفت تلك العلاقة صوراً كثيرة شابتها السلبية في بعض الأحيان، وكانت محكومة بالمد والجزر السياسي بين الطرفين. إلا أن تغير الواقع الديموغرافي في الغرب، ووجود جاليات عربية ومسلمة كبيرة هناك، فضلاً عن ثورة الاتصالات والمعلومات المحجمة للأبعاد والمسافات الجغرافية، قد انعكست على طبيعة العلاقة بين الطرفين، وهي علاقة بات الغرب فيها محكوماً بمتغيرات عدة جعلته «مكرهاً» على خوض غمار الحوار مع الآخر المسلم، والذي لم يعد مجرد عدو تاريخي بقدر ما أضحى «مواطناً» وجزءاً من تكوين النسيج الاجتماعي الغربي.

 

 

21-02-2008 .   الملتقى /  /    .   http://almultaka.org/site.php?id=529