/

 

 

نقد الاستجابة الغربية للتاريخ العربي الإسلامي

هشام منوّر

الاستشراق...الاستجابة الثقافية الغربية للتاريخ العربي الإسلامي.

الدكتور محمد الدعمي.

مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، ط1، 2006م.246 صفحة.

شهد (الاستشراق)، بوصفه محاولة أوروبية وغربية (تالياً) لاكتناه (الشرق) ذي الجذور الروحية الإسلامية ومحاولة سبر أغواره وتفهم معتقداته، واغتنام معارفه وعلومه، اهتماماً متزايداً مع تطور الثقافة العربية إبان ما بات يعرف بعصر النهضة أو (اليقظة العربية) أواسط القرن التاسع عشر في المشرق العربي الإسلامي. وتدين الدراسات الاستشراقية، بشقيها الغربي والعربي الإسلامي المواجه لها، بالفضل إلى كتاب (إدوارد سعيد) النقدي (الاستشراق) وما أثاره من تساؤلات حول مرجعية العمل الاستشراقي وأهدافه وآلياته ونتائجه التي وظفت لخدمة استراتيجيات عليا لامبراطوريات كبرى حاولت استباق جحافل جيوشها الجرارة بفريقين من المبشرين والمستشرقين "كقصف" تمهيدي لاكتناه الشعوب والحضارات معرفياً ودينياً، قبل غزوها عسكرياً واقتصادياً.

وعلى الرغم من غثائية معظم الأبحاث والدراسات التي تناولت ظاهرة (الاستشراق) وتناسل الكتابات المتناولة لها بالنقد والتقييم، فإن هذا الكتاب، وفي تعريف أولي له من قبل مؤلفه، "يرنو إلى شيء من التخصص والتخصيص في جهد دراسة ونقد الاستشراق، بديلاً عن الخطوط العامة التي قدمها إدوارد سعيد وسواه" (ص 7) نظراً للحاجة الماسة لدى الساحة الفكرية العربية لقراءة النصوص الاستشراقية وإلقاء الضوء على " آثار كبار مشكلي الرأي العام الغربي في تقديم وتسويق صورة معينة لشرقنا العربي الإسلامي" (ص7)، ومعرفة الأساليب الفكرية التي تعامل بها أولئك المستشرقون مع التاريخ العربي الإسلامي. فالكاتب قد حدد لنفسه منذ البداية مجالاً معرفياً للبحث هو نتاج الاستشراق على الصعيد الأدبي، محاولاً التحرر من عبء كتاب (إدوارد سعيد) وما ثار حوله من كتابات سجالية اتسمت بالسطحية والتسرع في المعالجة دون الغوص في ثنايا تلك الكتابات وخلفيات أصحابها الفكرية والعقدية ومنعكساتها على الرأي العام الغربي بوجه عام.

تقليعات ثقافية

يسجل المؤلف في مقدمته ملاحظة مهمة على النسق الثقافي العربي، فيصفه "بالسطحية" والابتسار من خلال تناوله ومعالجته للأفكار والموضوعات الغربية الوافدة بأسلوب سجالي وآني في الوقت نفسه، معتبراً تلك المعالجات الثقافية العربية بمثابة "تقليعات" شملت بموجبها معالجة ونقاش أفكاراً مثل (الاشتراكية) و(الوجودية) و(القومية)، وصولاً إلى (الاستشراق) الذي يعدّه واحداً من الموضوعات التي شهدت تحولاً فكرياً وثقافياً في كيفية المعالجة منذ مطلع الثمانينات، دون أن يغفل أهمية كتاب (إدوارد سعيد) في إيقاد الاهتمام بالاستشراق في الغرب والشرق على حد سواء، معتبراً أن الساحة الثقافية العربية الراهنة تشهد "نهضة استشراقية" (ص26) ترجع إلى أسباب تختلف عن مثيلتها الغربية وتركز على نقد الاستشراق أكثر من التركيز عليه، مخصصاً جهده «لرصد وتحليل عدد من نتاجات الاستشراق الأدبي» (ص27) الذي ساهم أصحابه في تشكيل الصورة النمطية المعاصرة للعرب والمسلمين في مرآة الغرب.

أطر تاريخية

يسخّف المؤلف في فصله الافتتاحي الفكرة السائدة حول بداية اهتمام الغرب بالعرب والمسلمين، والتي تدعي تجذرها في العصر التوسعي للاستعمار الأوروبي إبان القرن التاسع عشر خاصة. ويطالب بأهمية رصد المحاولات الاستكشافية للاستشراق منذ العصر الوسيط وحتى بدايات القرن التاسع عشر، ليرصد مسببات «تواصل الحذر الأوروبي من العرب والإسلام وطاقتهما الكامنة من خلال استحضار أوروبا القديمة وحقائق إحاطتها من قبل العالمين العربي والإسلامي» (ص32)، تلك الفترة التي تميزت باختناق أوروبا ومحاصرتها وتوجس سكانها الدائم من خطر الفتوحات العربية الإسلامية.

وقد اتسمت الاستجابات الأوروبية الوسيطة آنذاك بكونها مسكونة بهاجس «الخطر العسكري والمباغتة مختلطاً مع شعور ملحاح بالنقص والضعف» (ص33) الفكري والحضاري. راداً مسببات الخوف الأوروبي من الإسلام إلى اعتبارات انتشار الجهل وضعف المعرفة في أوروبا، إلى الحد الذي لم تكن فيه أوروبا، حتى نهاية القرن العاشر الميلادي، تعرف أن المسلمين يؤمنون بعقيدة توحيدية (ص34).

ونتيجة لذلك، فقد شاعت الأفكار التنميطية من قبل صناع الرأي والفكر في أوروبا في العقل الغربي، وتم اعتبار ظهور الإسلام «غضباً إلهياً على عالم مسيحي متشرذم طائفياً» (ص35)، كما تركزت تلك الأفكار في مؤلفات (همفري بريدو). ورغم ذلك فقد شهدت أوروبا تحسناً على صعيد معرفتها بالإسلام إبان الحروب الصليبية التي كانت فرصة لاكتشاف الأوروبيين شيئاً عن العقائد الإسلامية التوحيدية، وتم اعتباره تواصلاً للإيمان الديني التوحيدي، إلا أن هذه الفكرة سرعان ما جوبهت بادعاء مفاده «أن الإسلام إنما هو هرطقة مسيحية» (ص37) في نهاية المطاف كما بدا ذلك في كتابات (بيكون) و(وليم الطرابلسي). وتمّ التركيز، حسب المؤلف، على انتقاء بعض الأفكار والواجبات والعقائد الدينية في الإسلام وتسخيرها لتشويهه وتخويف الناس منه، إلى الحد الذي تمّ استخدامه كسلاح في الصراع الطائفي بين الكاثوليك والبروتستانت.

ويستعرض الكتاب التشويهات التي تعمّد (همفري بريدو) سوقها ضد الإسلام وأثرها على الفكر الغربي حتى يومنا والتي ركزت على قضية الخلافة بشكل خاص وسرد التطور التاريخ السياسي للمسلمين من وجهة نظر تفتقر إلى الموضوعية والحياد في كثير من جوانبها، مروراً بكتابات (أوكلي) التي رصدت مسببات انهيار الكنائس الشرقية والتي ترجع، من وجهة نظره، إلى استفحال الخلافات العقدية والسياسية بين الكنائس الشرقية، وتحالف بعضها مع المسلمين ضد بعضها الآخر. ليلخص المؤلف مدخله التاريخي باعتبار الحالة العدائية المتعامية الثابت في معالجات الاستشراق الأوروبي للتاريخ الإسلامي دون أن ينكر وجود بعض التحويرات التي كانت تنطلق من دوافع «خدمة أوروبا وعكس صورتها من خلال مرآة الآخر» (ص49).

تبلور الاستشراق

يؤكد المؤلف في هذا الفصل على نزوع الكتابات الاستشراقية في القرن التاسع عشر نحو الموضوعية والدقة العلمية على حساب النزعة الأسطورية والتاريخية في العصور الوسطى، ويشير إلى تبلور ظاهرتين مهمتين هما: بروز الفصل الواضح بين حقول التاريخ والاستشراق والأدب، واستجابة (الأدب) وتفاعله مع الأنظمة العلمية المستقلة كعلوم الإنسان والتاريخ والآثار (ص51). فضلاً عن بروز التقاء بين تياري (التاريخ) و(الاستشراق) وصعود حركات الإحياء (الكاثوليكية والإغريقية)، والتي أفضت في النهاية إلى "نهضة استشراقية" معتمدة على فكرة إحياء الثقافة الأوروبية الكلاسيكية، والحاجة إلى اكتناه الحضارات الأخرى خارج حدود أوروبا وبالذات حضارات الشرق القديمة. ورغم توفر كم هائل من المعلومات والبيانات التاريخية التي يفترض بها أن تعزز أجواء الموضوعية، إلا أن المؤثرات الموروثة عن العصور السابقة غيبت الحياد لصالح الخوف من الخروج على المألوف والسائد، وخدمة الإمبراطوريات الناشئة في ذلك الوقت.

القراءة الإكليريكية للإسلام

يعقد المؤلف بعد ذلك عدة فصول تطبيقية لمناقشة الأفكار الاستشراقية الرئيسية، ويختار على مدار عدة فصول عدداً من أهم كتابات المستشرقين لتحليلها ونقدها. وقد مثل كتاب الكاردينال الكاثوليكي (نيومان) المسمّى (تصويرات تاريخية) نموذجاً لتكريس الأفكار النمطية عن الإسلام، "وإعادة تركيب صورة المواقف البريطانية نحو هذا الشرق أثناء القرن التاسع عشر" (ص68)، مبرراً أهمية آراء (نيومان) بكونها تجسيداً للقراءة الكاثوليكية الإكليريكية للتاريخ الإسلامي. وقد تأثرت أفكار الكتاب بشكل كبير بظروف حرب القرم بين الدولة العثمانية والدول الأوروبية، والمطالب التي تصاعدت بضرورة حماية الأقليات المسيحية في السلطنة العثمانية، وأجواء العداء المتنامية بين الطرفين آنذاك.

ففي الوقت الذي استبعد فيه (نيومان) الهجوم على (العرب) لصالح الهجوم على (الأتراك) ضمن ظروف حرب القرم، فإنه اعتمد تصنيفات جغرافية وعرقية لتبرير دونية الأتراك دون بقية المسلمين، وبالذات العرب، وتحضر العنصر الآري الأوروبي، مؤسساً آراءه ومواقفه على أرضيات عنصرية تصنيفية. وبينما يمكن لبعض الأمم التي وصفها "بالبربرية" أن تستجيب للإصلاح الحضاري، فإنه يحرم أمماً أخرى من ذلك، بإعلانه بقاء جماعات بشرية معينة (كالأتراك) "أبدية العداء للحضارة والإيمان" (ص83). وقد برر المؤلف استشراق (نيومان) بوصفه «تواصلاً واضحاً للتيارات الفكرية القديمة التي وظفت الإسلام أداة في الصراع الطائفي داخل أوروبا لتحقيق مآرب عقائدية سياسية» (ص84) مؤكداً على تواصله مع كتابات (همفري بريدو).

وفي ذات السياق، يحلل المؤلف كوامن الرغبة الأوروبية الاستشراقية في تأنيث الشرق وجعله قسيماً لنزعات الغرب الذكورية كما تبدت في كتابات كل من (بريدو) و(باجت) و(مالكولم). «وهكذا يبدو الشرق مؤنثاً، كائناً مستكيناً معرضاً لنزوات الذكر بضمن اقتصاد قصصي مستنبط من إعادة ترتيب الثنائيات الجنسية، على سبيل خدمة التمييز الرئيس بين الشرق والغرب،...حيث يخترق الأنا المذكر الأوروبي الاستحواذي فضاء الشرق المؤنث، وتصبح الهيمنة على الآخر المؤنث المحجّب صورة من صور خضوع الشرق للمبدأ الغربي» (ص85).

وتمّ، في هذا السياق، التركيز على قضية (الحريم) لتبرير تخلف العرب والمسلمين وأسبقية أوروبا وحضارتها، وتأنيث عالم الشرق السحري وتبرير احتياجه إلى "ذكر" أوروبي متحضر لتحريره من عاداته وتقاليده المكبلة، وتصوير العالم الإسلامي وكأنه عالمان أحدهما ذكوري مهيمن والآخر أنثوي مسحوق الحقوق والهوية، وذلك بالارتكاز إلى ترجمة كتاب (الليالي العربية) أو (ألف ليلة وليلة) واعتبارها وثيقة تاريخية لترسيخ الأوصاف والأفكار النمطية عن العرب والمسلمين وبالذات في مصر، والتي كانت قد شهدت بداية نهضة حضارية أيام واليها محمد علي، إذ إن «فكرة التأنيث والتذكير تمكن من تكوين تراث يحافظ على وعي استعلائي يتأمل حلماً استعمارياً» (ص107) براغماتي المنزع والمنبعث.

يحاول الكتاب بعد ذلك بيان أهمية الشرق بالنسبة للكتّاب والمستشرقين والمؤرخين والأدباء في أوروبا حيث تم اعتبار الشرق «صنعة» على حد تعبير رئيس وزراء بريطانيا (درزائيلي)، وبدا التسابق لاكتشاف الشرق وسيلة لكسب الشهرة والنفوذ، فتناسلت كتابات حول شخصية الرسول صلى الله عليه وسلم وخلفائه وتاريخ العرب والمسلمين قبل الإسلام وبعده، وبات العرب والمسلمون مادة دسمة كما برز ذلك في كتابات (بيرتون) بالذات، والذي حاول تأسيس عمل وثائقي عن الإسلام و«تمرير تحليلاته وأفكاره المضادة لمجتمعه ولدين هذا المجتمع من خلال استثمار تراث الآخر» (ص121).

بواكير وعي الاستشراق الأمريكي بالعرب والإسلام

ينتقل المؤلف في قسمه الأخير من الكتاب إلى رصد ملامح الاستشراق الأمريكي ومميزاته، والتي يعدها المؤلف خاصة ومفارقة لنظيره الأوروبي. ورغم اعترافه بتأثر بدايات الاستشراق الأمريكي بعبء الموروثات الأوروبية التي حملها معهم المهاجرون الأولون إلى أمريكا وما رافقها من أفكار وتصورات خاطئة للشرق العربي الإسلامي، إلا أنه لا يلبث أن يؤكد على اقترابها من الموضوعية والحياد أكثر من مثيلتها الأوروبية مستفيدة من عامل الخبرة والمراكمة المعرفية التي عرفتها الكتابات الاستشراقية الأمريكية.

وفي الوقت الذي تدين فيه بدايات الاستشراق الأمريكي لما هو بين يديه من مطبوعات استشراقية أوروبية، إلا أن النزعة الأمريكية بالتفرد والاعتماد على الذات أفضت إلى استغناء الاستشراق الأمريكي عن موروثه الأوروبي، واعتماده كتابات (الحجيج) المرتحلين أمثال (واشنطت إرفنغ، وهرمان ملفل، ومارك توين) بديلاً معرفياً، فكان الاعتماد على رجال القلم والآثاريين والمبشرين بالإضافة إلى السفراء والتجار والجند لرسم معالم تصور أمريكي خاص "للأراضي المقدسة" والشرق بوجه عام، انطلاقاً من "حلم" أمريكي ديني الباعث لرسم صورة خيالية عن الأرض المقدسة في فلسطين، مما أدى إلى اختلاط الباعث الديني بالعلمي في سعي الاستشراق الأمريكي لتكوين رؤيته الخاصة.

وكان لفكرة أن اكتشاف أمريكا من قبل (كولومبس)، الذي يعدّ (الرجل الأمريكي الأول)، انطلاقاً من اسبانيا ذات البعدين الأوروبي والعربي الإسلامي هيمنة رومانسية على الفكر الأمريكي، إذ اعتبر الأمريكيون (الأرض الجديدة) أمريكا «بلورة لتزاوج نصفي العالم القديم (الشرق/آسيا/إفريقيا) مع (الغرب/ أوروبا)، على طريق ولادة العالم الجديد (أمريكا)» (ص130).

ويرد الكتاب بدايات الاستشراق الأمريكي الرسمية إلى عام (1842م) إبان تأسيس الجمعية الشرقية الأمريكية، والتي يعكس تأسيسها تزايد الاهتمام بالشرق والرغبة في تنظيم أعمال المستشرقين، واعتبار الشرق حقلاً علمياً للكتّاب والشعراء والآثاريين وغيرهم. وفي الوقت الذي تعج فيه الكتابات الأوروبية بكثير من التشويهات والتعميات حيال حياة الرسول الكريم، صلى الله عليه وسلم، وخلفائه، فإن كتاب (إرفنغ) الأمريكي (محمد وخلفاؤه) مثّل، من وجهة نظر المؤلف، انعطافاً تاريخياً في كيفية تناول الاستشراق، وبالذات الأمريكي، لهذا الموضوع، وقد فصّل الكتاب في تحليل مضمون الدوافع والمسببات التي حدت (بإرفنغ) للعناية بهذا الموضوع والتاريخ الإسلامي بوجه عام، مركزاً على الدوافع المعاصرة لمؤلفه والمتمثلة في رغبته بنصح صناع القرار والسياسة في الولايات المتحدة، وامتثال العبر والمواعظ من التاريخ السياسي للمسلمين الذين أسسوا أكبر إمبراطورية عبر التاريخ، على حد تعبيره، في ضوء ظروف الحرب الأهلية التي كانت تعصف بالولايات المتحدة. ورغم ذلك، لم تنج محاولة أبي الأدب الأمريكي (إرفنغ) من مشوبات ثقافية كبلت النظرة الموضوعية للآخر العربي والمسلم، في ظل استمرار الخوف من الخروج على المألوف والسائد في العقل الغربي والأمريكي بوجه خاص.

ويتابع الكتاب بعد ذلك تحليله لمقومات الاستشراق الأمريكي، فيبسط بالتحليل والنقد مؤلفات (إرفنغ)، ويشرح نظريته حول الوجود العربي الإسلامي في الأندلس، والتي رأى فيها (إرفنغ) مبرراً للوجود الأمريكي في القارة الجديدة وإبادة سكانها الأصليين. فعلى الرغم من تشابه المقدمات بين التجربتين (الإسلامية والأمريكية) من حيث ضعف اسبانيا في ذلك الوقت واستحكام الخلاف بين حكامها الذي مهد الطريق للمسلمين لغزوها وإنشاء حضارة عريقة فيها، فإن رومانسية (إرفنغ) تبدو في اعتباره أن الأمريكيين هم الأندلسيون الجدد الذين لهم كامل الحق والصلاحيات في تكوين أمتهم وحضارته الجديدة أسوة بالعرب والمسلمين في الأندلس، والتي يبدي فيها إعجاباً منقطع النظير بما شاهده إبان سفارته هنالك.

وفي نقلة نوعية ومفاجئة، يركز (الدعمي) على استشراق المفكر الأمريكي (رالف إمرسون) ودوره في ترسيخ الأفكار الاستشراقية الأمريكية الخاصة وتأرجحه بين جذوره الأوروبية والتبرعمات الأمريكية المستجدة (ص166)، ويعلل اهتمامه (بإمرسون) لدوره السياسي في صنع القرار في الولايات المتحدة في ذلك العصر. ويبرز تأثره الشديد بكتاب (الليالي العربية) وامتدادية أعماله للفكر الأوروبي التقليدي ووظيفية كتاباته في القرن العشرين لخدمة المصالح الأمريكية في المنطقة.

مراجعات نقدية

يختم المؤلف كتابه بسرد عدد من المراجعات النقدية للاستشراق الذي يعتبره كما (إدوارد سعيد) «رؤية سياسية للحقيقة» (ص181)، ترنو «إلى وضع الشرق وماضيه بين مطرقة الإرادة الغربية وسندان مخططاتها المستقبلية على طريق إنتاج تاريخ جديد للعالم» (ص182). مركزاً على خلاف (إدوارد سعيد) على النقاط المضيئة في هذا الاستشراق وضرورة عدم تعميم أوصاف العمالة والوظيفية لكل كتّابه، وتأكيد وجود دوافع علمية ودينية لبعض كتابه المستشرقين، مبرزاً دور كتّاب مثل (إرفنغ وكارلايل)، دون أن ينسى الإشارة إلى ما اتسمت به كتابات معظم المستشرقين من الانتقائية والاجتزاء والتشويه (في بعض الأحيان) في عرض معلوماتهم وأفكارهم وتصوراتهم، وخضوع مؤلفاتهم لضغط الموروث التقليدي لدى القارئ الغربي المهجوس سلفاً بحالة العداء والتعالي لكل ما هو عربي ومسلم، وتكريس البون الشاسع بين كلا الحضارتين بما يبرر تالياً غزوه واستعماره. ومطالباً باهتمام عربي أكبر بالتاريخ العربي الإسلامي، وضرورة كتاباته بأيدينا ووفق رؤيتنا الخاصة له لا وفق تصورات ورؤى الآخرين. ملحقاً بالكتاب دراسة موجزة حول ولادة مصطلح (الاستعراق) إبان الغزو الأمريكي للعراق، معتبراً إياه فرعاً من (الاستعراب) أو (الاستشراق) الحديث، متبعاً جذوره التاريخية وأهم نتاجاته.

ملاحظات تقييمية

1- لقد ركز المؤلف على ما سماه «الاستشراق الأدبي» في تحليله ورصده لمعطياته وأفكاره، وفيما يمكن اعتبار ذلك اجتزاء لتراث الاستشراق الذي لا يمكن حصره بالأدب فقط، فإنه في كثير من المواضع تجاوز النتاجات الاستشراقية الأدبية إلى التاريخية في عرضه.

2- غلبت على المؤلف لغة أدبية رومانسية متأثرة بنصوص الكتب التي حاول نقدها واستقصاءها. وهي لغة قد لا تتناسب مع المنهج العلمي الرصين في نقد وتحليل جهود الاستشراق ونتاجاته من منظور غير أدبي يهتم بدراسة كيفية تشكل الأفكار والصور النمطية حول العرب والمسلمين.

3- وقع المؤلف في شرك الإعجاب المبالغ به ببعض المستشرقين (إرفنغ) والاستشراق الأمريكي بوجه عام، معتبراً إياه نموذجاً مغايراً أو أحسن حالاً، على أقل تقدير، من نظيره الأوروبي، رغم اعترافه مراراً بوجود تأثيرات أوروبية راسخة فيه.

4- تمتع المؤلف بقدرة تحليلية عالية واتسم نقده بالموضوعية إلى حد بعيد، رغم أن القارئ سوف يلحظ مدى انفعاليته، في بعض المواضع، في الدفاع عن العرب والمسلمين.

5- عانى الكتاب في بعض مقاطعه من التكرار والتطويل، وكان بإمكان المؤلف تجاوزها لو اعتمد تقسيماً آخر غير التاريخي لفصول الكتاب.

ويبقى الكتاب جهداً معرفياً مهماً يتسم بقدر كبير من الموضوعية والنقد، حاول فيه مؤلفه شرح آليات عمل الصورة النمطية المكونة عن العرب والمسلمين في العقل الغربي والأمريكي بالذات.

..............................

أعدت هذه المراجعة خصيصاً لموقع ببليو إسلام.

 

 

11-04-2008 .   الملتقى /  /    .   http://almultaka.org/site.php?id=564