/

 

 

مجدي علاّم: نُكوصٌ إلى الزمن الغابر

احميدة النيفر


تناقلت وسائل الإعلام الإيطالية خاصة و الأوروبية عامة بمناسبة عيد الفصح خبر تعميد سبعة من الأشخاص البالغين من بينهم صحفي من مواليد مصر يحمل الجنسية الإيطالية. قصة دخول "مجدي علاّم" المسيحيةَ بعد إقامته بإيطاليا لأكثر من ثلاثين سنة كانت أشبه بحملة دعائية غير معهودة. في هذه الحملة وقع التأكيد أوّلا على أنه كان مسلما متذمّرا من الإسلام لكونه يعتبره دينا "عنيفا ماديّا ومصدرا تاريخيا للنزاعات" وأنّه، ثانيا، تحرر فكريّا " من ظلامية العقيدة التي تعطي شرعية للكذب والموت العنيف والخضوع الأعمى للاستبداد". ثالثة الأثافي تمثّلت في أنّ البابا بنديكتوس السادس عشر قام بمراسم التعميد بنفسه ضمن حفل حاشد بروما. فعل ذلك تعبيرا عن موقف جديد للكنيسة تخطّت به " الحذر حيال اعتناق المسلمين ديانتها خوفا من ألاّ تتمكن من حماية هؤلاء من الحكم عليهم بالموت بسبب ارتدادهم عن الإسلام".
لا بد من التذكير أن مجدي علاّم الذي أصبح يحمل اسم " كريستيان" نشر في أكثر من مناسبة ومنذ سنوات،كتابات عديدة أيّد فيها دولة الكيان الصهيوني كما ادّعى الدفاع عن الأقباط " المعذّبين" في مصر فضلا عن أنّه لم يألُ جهدا في التهجّم على الإسلام و التحريض على مقاومة ما يسميه " الإرهاب الإسلامي" المعادي للحضارة الإنسانيّة. 
أوّل ما ينبغي التأكيد عليه في قراءة هذا الخبر هو ذلك التركيز الإعلامي الذي أحاط تنصّر شخص بهذه الهالة من التقدير في حين أنّه لم يُعرف إلاّ بصفته الصحفيّة الساعية إلى الإثارة بكتابات ومواقف استفزازية. 
كانت مسيرة علاّم الصحفية تنقّلا بين مجموعة من الصحف ابتدأها من صحيفة الحزب الشيوعي لينتهي بها إلى الصحيفة الأكثر انتشارا: الــ "كورييري ديلا سيرا". لكنه في حركته تلك ظل قلمًا مشاكسا وحركيّا مشاغبا يسعى إلى تأييد الأطراف العاملة من أجل تحصين الذات بالتخويف من الأجنبي.
استفاد من جو التوجّس من المسلمين الذي نما بعد مأساة 11/9 وما تلاها من أحداث شهدتها أوروبا الغربية منسوبة إلى " التطرف الإسلامي". ذلك التوجّس الذي ركّزته حكومة "برلسكوني" اليمينية التي عمّرت فترة قياسية مشجعة حالة من الإسلاموفوبيا و ولاء كاملا للإدارة الأمريكية في سياستها الشرق أوسطية؛ تضاف إليه تحالفات مع أقصى اليمين الإيطالي وأطراف مالية و جمعياتية وإعلامية مشبوهة. 
في هذا المناخ الملبّد والمأزوم تمكّن علاّم من إبراز اسمه بفضل " أسلمة" المشاكل السياسية والاجتماعية المحليّة والدولية بزعمه أن الإسلام مصدر الشرور لما فيه من آيات تحثّ على " الكراهية والحقد والقتل". 
مثار الدهشة في تعميد هذا الرجل بالذات هو تصريح مسؤولين في الفاتيكان بأنّ "الكنيسة الكاثوليكية تقبل كل شخص يطلب التعميد بعد بحث شخصي متعمّق وخيار حرّ وإعداد كاف". 
ما يقلق في هذه الحالة ليس دخول علاّم المسيحية فذلك حقّ من حقوقه لا يستطيع أن ينازعه فيه أحد، المحيّر هو أن يقال "إن الكنيسة الكاثوليكية تتحلى بالحصافة فيما يتعلق بتحوّل المسلمين إلى المسيحية".
عن أيّة حصافة عبّرت الإدارة البابوية باختيارها هذا؟ هل صدّقت ما تتردد على لسان البعض من نعته بـــ"المفكّر" وبــأنّه " ألمع معلّق مسلم"؟ 
ماذا في كتابات هذا الرجل المنشورة من مظاهر الألمعية و العمق الفكري أو البحث الروحي الصادق ؟
لا صلة في كل ما أمكن الاطلاع عليه من كتابات علاّم بالتميّز الفكري أو التوق الإيماني، إنما هي كتابات سياسوية ضعيفة متحاملة، لا ثراء فيها للمسيحية ولا تألّق فيها للروح. 
كيف يمكن القول فيمن لا يكتب إلا ليعبّر عن قدحه في القرآن وطعنه في المسلمين و قنوطه من موطنه بأنه "معجزة تعبّر عن محبة الله"؟
هل كان في كتاب علاّم: "تحيا إسرائيل.. من أيديولوجية الموت إلى ثقافة الحياة" شيء آخر سوى التملّق إلى الدولة العبرية و التمسّح بأعتاب سياسات عدوانية توسعيّة للإدارة الأمريكية؟ 
المحيّر في هذا الملف هو أنّه في الوقت الذي تتوالى الإشارات المشجّعة من قبل المسلمين باتجاه المسيحية الكاثوليكية ( رسالة النخب المسلمة من أجل حوار بين المؤمنين- افتتاح كنائس في قطر والبحرين والإمارات وربما السعودية- زيارة الملك عبد الله في نوفمبر الماضي إلى الفاتيكان)، في هذا الوقت بالذات يقع الاحتفاء بكثلكة مشاكس كأنها فتح مبين.
السؤال الذي يمكن أن يُطرح هو: ماذا كسبت الكاثوليكية بانضمام علاّم إليها؟ 
الأرجح أنّها العودة بخفي حنين، لأن تعميد علاّم لن يغيّر من معضلة الكاثوليكية في أوروبا خاصة في مواجهة توسّع التبشير الإنجيليّ. 
ثم إن تعميد علاّم ليس أوّل جرّة كُسرت في الإسلام، فلقد اختار غيره قبله السبيل ذاتها لأسباب مختلفة لكنهم عبّروا في الغالب عن قدر كبير من المراعاة والتحفظ إزاء من انتسبوا إليهم فيما مضى من الزمن. بعض هؤلاء عبّروا بانضوائهم إلى المسيحية عن إضافة إيمانية وسعي للإثراء الروحي مع الوفاء لماضيهم الإسلامي و تعفف عن أيّة إساءة إليه. ذلك كان شأن رجل من بلاد المغارب هو " جان محمد عبد الجليل"( 1904-1979). يعرّفه الباحثون المسيحيون بــ" ذي الوفاءين": الوفاء إلى ما انتهى إليه اختياره الحرّ باعتناق المسيحية ووفاء ثان لتاريخه وجذوره الإسلامية التي وإن لم تُلَبِ توقه وتطلعه فإنها ساهمت بقدر من الأقدار في صياغة استعداداته الشخصية والذوقية. 
كانت حياة عبد الجليل مسيحيةً بحقٍّ لأنها كانت مصداقا حيّا للآية الواردة في إنجيل مرقس التي يخاطب فيها المسيح عليه السلام حوارييه سائلا إياهم شهادتَهم فيه وليس ترديد ما يقوله الآخرون عنه : " وأنتم ماذا تقولون عنّي أنا؟".
أما كريستيان علاّم فلا نجد في جوابه عن "سؤال- الشهادة" إلاّ ثلبا وتجريحا للمسلمين وتملّقا سياسويا لا يسمن ولا يغني. 
تبقى للسؤال السابق صيغة أدقّ هي: هل في موقف الجهات الرسمية الكاثوليكية في هذا التعميد ما يدلّ على وعي بالمتطلبات الدينية في عصرنا المعولَم؟ 
هل غادرنا نهائيا مواقع السجال الغابر، جدال زمن أبي العلاء حين كان "كلٌّ يعزّز دينه"، لنهتمَّ بالتساؤلات الكبرى المطروحة على أهالي الديانتين اليوم؟ 
أليس من الأجدى لنا جميعا أن نعترف بالتعددية الدينية وأن نستوعب هذا البعد في بنائنا العقدي والدعوي والتربوي؟
نسأل هذه الأسئلة ونحن نعلم أن في الجانب الكاثوليكي رجالا ونساء أيقنوا أن إيمانهم بيسوع المسيح كلمةِ الله المتأنّس لا يستنفد كل غنى كلمة الله وسرّه. لذلك التقوا في إثراء متبادل و تنافس شريف مع مسلمين وعوا قوله الله تعالى: "وَلَوْ أَنَّمَا فِي الأََرْضِ مِن شَجَرَةٍ أَقْلامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِن بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَّا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ".
مع هؤلاء وأولئك يتأسس العيش المشترك و بهم تزهو الحياة بدفق الحب والرحمة.

 

 

 

30-04-2008 .   الملتقى /  /    .   http://almultaka.org/site.php?id=580