/
علم الكلام والثورة التيمية: ملاحظات على ردود المتكلمين الجدد
أبو يعرب المرزوقي
تمهيد: تفضل الأستاذ جلال الجهاني[1] مدير موقع الرازي المحترم فأمدني مشكورا بالنص الذي صنفه الشيخ سعيد فودة بعنوان "ردود على أباطيل" ووصفه بكونه طليعة[2] للرد على محاولتي حول"النكوص إلى عقلية الفرق". وسأرد التحية بمثلها أو ربما بأفضل منها لأن قصدي ليس مناظرة الشيخ في معلومات صرحت من البداية أني اعتبرها من المعارف المتحفية وقلوتها منذ أن تبينت لي طبيعتها وأكد الشيخ ذلك برسمه إياي ساخرا رسما ظاهره هزل وباطنه جد لأنه يتضمن بمقتضى الفكر الكلامي حكما بخروجي من الملة كما جاء في الصفحة 81من مصنفه:" لذلك فليس أبو يعرب بأشعري ولا حنبلي ولا هو من أي مذهب إسلامي بل هو مفارق للمذاهب الإسلامية كلها"[3]. وإضمار فاء م(ف)ارق محذوفة قد يكون قصده اللاوعي كما فهم أحد مريديه في الموقع ونبس بها بشفتين مهذبتين. لكن الشيخ قد يعجب إذا قلت له إن أصح قول في مصنفه وأذكاه هو هذا النص حاشا ما أشرت إلى علة استثنائه من رسمه لموقفي في الهامش. وحاشا هذا الضمير. لئلا أرجم بالغيب حول نوايا الشيخ التكفيرية فقد لا تصل إلى هذا الحد. إن هذا النص يصدق إذ يخبر أن الشيح قد جعل الخطاب في مستوى ما يتصوره ذما وهو مدح وما يتصوره سخرية وهو عين الجد. إنه مدح مضاعف: 1-لكونه يشي برائحة التكفير في فكره لتعريضه بعقيدتي تلميحا إلى الخروج من الملة التي يحصرها المتكلمون في صيغها المذهبية الجوفاء: وذلك هو عين الجد فيه. وقد سبقه إلى مثله الشيخ البوطي. فحتى في هذا هو مقلد ! 2-ولدلالته على ما لم يفهمه وهو أني أرفض كل الصيغ العقدية فوق نص القرآن الكريم والسنة الشريفة أو دونهما لأن أصحابها وضعوها ثم جعلوها بديلا منهما: وذلك هو المدح منه. ولما يقرأ المسألة الأولى سيفهم العلة. لذلك فهذا النص هو الوحيد الذي يستحق أن أورده بنصه في متن نصي لأني أتبناه دون تحفظ لما سيرى من العلل العميقة لاحقا. وسبب تبني إياه بسيط وهو أني: أحاول أن أكون مسلما كما كان المسلمون قبل الأسماء التي سماها هو وأمثاله. فواضعو الصيغ المذهبية وموثنوها ليسوا أفضل من المسلمين الأول المتحررين من الأوثان إذا احتجت إلى من أقتدي به في تجربتي الروحية وممارستي الدينية. كما أن الشيخ قد لا يصدق إذا أخبرته بأني مدين بحث الخطى إلى فهم سرطان المواقع عامة وموقعه خاصة. فالبحث في علل هذا الداء هو ما يدعوني إلى عدم تأخير ما كنت أنوي تأخيره في علاج اللبنة التي أظن مشروع الغزالي النقدي ناقصا من دونها[4]. أما رده فما كان ليحرك مني داعيا للرد لولا هذا الهدف لما سيرى من العلل كذلك: وما النص الذي رد عليه إلا تمهيد لهذا المسعى. فبعد فضائح الباطنية وتهافت الفلاسفة طرأ على فكر الغزالي ما شجع التصوف العرفاني على غزو الفكر السني وحال دون استكمال مشروعه النقدي. ولا بد إذن من لبنة تستكمل البناء فتجمع النقدين أعني فضائح المتكلمين وتهافتهم في آن لأن فكرهم مزيج غير ناضج من فكر الفلاسفة وفكر المتصوفة مزيج لم يتجاوز مرحلة الحرمص. لذلك فهو قد آل تاريخيا وفي كل الأديان إلى أحد التطرفين العقديين: فإما التصوف المغالي القائل بوحدة الوجود أو إيمان العجائز بعد اليأس من العقل علما وأن الكلام لا يبدأ إلا بسبب اليأس من النقل وليس هو كما يزعمون للدفاع عنه. والغالب على الكلام-ولا فرق بين أصنافه جميعا بخلاف رأي الشيخ إلا بدرجة عدم فهم المتكلمين لمعنى العلم أو بدرجة نفاقهم الذي يجعل أصحابه يعوضون فقدان الإيمان الصادق بالجدل المتحاذق- هو أنه يجمع بين "باطنية الفلسفة" و "فلسفة الباطنية" في آن حتى وإن كانوا غير واعين. لذلك واعترافا بهذا الديْن فلن أنزل إلى ما نزل إليه الشيخ بعد هجوم السَّرِية التي تعلمت من شيخها "آداب" الحوار الفِرَقية. فكما كان خطابي في المرة الأولى بعيدا عن اتهام علم الشيخ لأني نسبت تخطيئه ابن تيمية إلى السهو وحاولت الإشارة إلى العلل التي تجعله يغفل عن معنى النقد التيمي في شكل أسئلة دون كلام عن طبيعة أجوبته الممكنة سيكون خطابي هذه المرة كذلك بنفس الأسلوب مع تحرير ما لم يفهمه من معاني الأسئلة. أما المسألة الأولى المتعلقة بدور الكلام فإن علاجها سيكون من جنس ما رد به حتى لو تمادى استشاط علاَّمة الفجل غضبا فتمادى في الإزباد والإرغاد. إن قراءة طليعة المصنف الذي وصلني من الشيخ أقنعتني بأن أفضل جواب هو السكوت عنه من حيث المضمون العلمي وآداب الحوار لولا العلتين المتفاضلتين التاليتين. سأجيب جوابا فاعلا بدل رد الفعل ليس لأن مشجعي "نجم الموقع" قد يؤولون السكوت فيعتبرونه دليلا على قدراته في الإفحام بكثرة الإبهام والإيهام فحسب بل خاصة من أجل اللبنة التي ستكون مكملة لمشروع النقد عند الغزالي إن شاء الله. فمن يكتفي بالمعنى اللغوي لتعريف الكمال المحض فيعتبره مقولة ولا يميز بين المقولات وما بعد المقولات والمتعاليات في فلسفة أرسطو وفي الفلسفة الوسيطة ومن لا يزال يؤمن بأن الحقائق الأولية والبديهيات أمر مفروغ منه ويمكن البناء عليها بعد نقد ابن تيمية وبعد ما وصل إليه ما بعد العلم في تأسيس نظرية العلم الحديثة من هذا حد فهمه لا يمكن أن يسمع له من له أدنى اطلاع على إنجازات الفكر الحديث. كان الرد الأفضل يكون السكوت عنه لولا تلكما العلتين. لذلك فسأركز-دون أن أغمط مسألتى الكوجيتو والكمالات حقهما من العلاج- على ملاحظات توضيحية لأمرين أساسيين لأن ما سبق أن قلته في التفريعات التحكمية للبيزنطيات الكلامية مغن عما عداه خاصة وأني لست ممن يمكن أن يجر إلى الكلام في مسائل علم الكلام إلا بالقصد الثاني وعرضا كما سيأتي في بعض الهوامش آتي فيها على جل ما سمح لي وقتي من الاطلاع عليه من ردود لأهل الموقع فيها بعض معنى. فإذا كان الشيخ يتكلم على أن الخلق يمكن ألا يكون بالفعل دون أن يفهم أنه سيكون عندئذ بالقوة فيكون الخالق المتصف به ولو وصفا معنويا قويا على شيء ومن ثم فهو ليس كاملا لأن القوة نقص بالقياس إلى الفعل إذا كان ذلك كذلك فكيف يكون حال من يتشيخ عليهم ؟ وكما أسلفت فليست الكلاميات عندي إلا من الأمور المتحفية. وإذا شاء أحد منهم بمن فيهم شيخهم أن يتكلم في الأمر فليبدأ فينظر في ما سبق لي أن كتبت لما كنت في سنه لفحص مثل هذه الأمور. والأمران هما: 1-ثورة ابن تيمية فيم تتمثل ولم هي ثورة بالقياس إلى ما قبلها في ضوء مابعدها عند من درس ما قبلها وما بعدها في أمهاتهما بلسان أهلهما وليس في بعض التلاخيص والترجمات سواء كانت قديمة أو حتى حديثة[5] ؟ 2-ثم التقابل بين الإبتسميات كيف يعلل ما لا يمكن أن يفهمه الشيخ وحزبه فيقول ما قال وهو معذور وخاصة عندما ينعى على الفكر العربي مآله عند المفكرين الذين ليسوا من المتكلمين ؟ وسأترك لهم توهم الدافع إلى إهمالي الكلام في مسائل الكلام كما يضعوها هم بإرجاعه إذا عن لهم إلى الجهل بها. ولما كانوا لا يقرأون إلا أصفر المتون فسأتركهم يخوضون ويعمهون[6]. لكني أضيف أن مسائل الكلام فضلا عن كونها من التراث المحفوظ-وهو جدير بالاحترام لهذه العلة لا غير- تُعتبر عندي من الأمراض التي أفسدت روح الأمة وقضت على فكرها ووحدتها وقدراتها الإبداعية بزائف المسائل وفاسد الشمائل[7]. وما سبق من كلام في منزلة الكلام ودوره وما سأضيفه اليوم لرفع مستوى النقاش وإرجاعه إلى ما يهم الفكر الراهن كاف لأَفي بما وعدتُ به في ردي الأول وفي حدود ما ورد فيه من شروط. استكمال عمل الغزالي النقدي هو الدافع الأهم في هذه المحاولة. أما ما جاء في مصنف الشيخ فهو ينتسب إلى جنس مهارب المتكلمين كما نبين إن شاء الله. وهي مهارب لن تنفع لأنها بالإضافة إلى كونها خلبا من المعرفة لا يسمن ولا يغني ستكون فرصة لتحليل الإيهام الكلامي عامة وليس كلام الشيخ فودة خاصة لأن كتابه في المنطق عرضَ في كلامي الأول بالقصد الثاني حتى وإن بدا منطلقا له. فثمرة الكلام الوحيدة ليست الدفاع عن السنة والجماعة كما جاء في طليعة ال"ردود" على ال"أباطيل" بل هي النفح على نار الحروب الأهلية لأن المتكلمين عامة وهذه الفرقة خاصة نكصوا بفكر الأمة إلى ما وصفت. والسؤال هو: هل هم من السنة والجماعة كما يزعمون أم هم من النسَّة والمجاعة بما يتهايجون وبما يتناوشون ؟ وكم كنت أتمنى ألا أتعرض إلى ما جاء في أحد ملاحق الشيخ الذي أراد أن يقدم لي فيه درس آداب في كيفية التعامل مع الطلبة درسه الذي بدا لي من مهازل الدهر عندما لا تجد النفوس. طبعا لو كنت أنوي تكوين فريق من "حليقي الرأس" لمهمة تشجيع فريق كرة أو لتشجيع ملاكم لاستفدت حتما استفادة مباشرة مما عبرت عنه ردود طلبته في الموقع من ثمرات تربيته بدلا من نصائحه الصحفية. لكني لا أملك مثل هذا الطموح ولله الحمد والشكر. لا أنوي تعليم الشباب السباب ولا التنابر بالألقاب. لست ممن يريد تلهية الشباب عن خدمة الأمة والإنسانية بل من دعاة التفرغ للعلم الحقيقي وهو أمر شرطه الواجب ترك ثرثرة المتكلمين التي لا طائل من ورائها لأني سأبين أن حجة الدفاع عن العقيدة من أوهن الحجج خاصة في في من يتكهن بفناء غيره من الإسلاميين (بمعناها عند الأشعري). فالقرآن والسنة وحدهما كافيان وزيادة. ولما كنت لم أر كلاما أبلغ حجة من أي آية قرآنية في بيان معاني الآيات التي يُستدل بها فطريا دون وساطة متفيقهين يغلب على لسانهم العي-وخاصة بلغات الفكر والعلم الحديثة بعد أن نسوها- وعلى عقولهم الإعياء فإني قلوت الكلام منذ نعومة أظافري ولن تسمعوا مني شيئا بعد هذا الذي أرسله لمدير موقعكم المحترم ردا للتحية بمثلها حتى لو كتبتم ألف رد سواء صدر عن مقدمة جيشكم أو عن مقوماته جميعها من المقدمة إلى المؤخرة بعد أن رأيت سراياه وطلائعه. سأكتفي بجملتين حول علاقة الأستاذ بالطلبة رغم أني لم أعد متعجبا من سلوك صاحب المناسبة بعد اطلاعي على مناخ الموقع الفكري وما رأيته من آداب حوار نافقة ومنافقة فيه وبعد أن أيده هذا الملحق ليس بنصائحه التربوية بل بعقليته المتناقضة دون وعي لأن غرضه ليس الحفاظ على احترام العلاقة بين الأستاذ والطالب بل تشجيع تبعية الطالب له مهما أساء الأدب مع أستاذ آخر: الجملة الأولى احتكم فيها إلى النظرية التقليدية التي تُستقرأ من أثر تربية الأستاذ في الموقع فتجعله يتشيخ بعقلية الوصي. فقد كان من واجبه ألا يطمئن لنفاق طالب يزعم- حتى لو فرضناه شاديا فضلا عن كونه ليس إلا باديا ولن يتجاوز ذلك إذا ظل بهذا الخلق-أنه صار قادرا على مناطحة ابن تيمية بل ويدعي إفهامي فكره التجسيمي المزعوم. والجملة الثانية احتكم فيها إلى النظرية الحديثة وهي التي أميل إليها. وفيها الأستاذ لا يتشيخ فضلا عن أن يتشايخ على الشيوخ (هذه المرة بالعمر لأني أسن من الشيخ)وليس له مريدون ولا يعتبر نفسه وصيا على أحد ولن ينتظر من أحد أن يصفق له أو أن يساعده في الرد بالتهليل أو التهويل. فهو ليس ملاكما. لذلك فالأستاذ عندي ليس من حقه أن يكون أبويا أو وصيا على الطلبة بل هم رشد ويتحملون مسؤولية مواقفهم. وسأبدأ بعد التمهيد- رغم ما حاولت تجنبه من دواعي الخصام- بمحاولة الجواب عن هذا سؤال: : هل هذه الفرقة من السنة والجماعة كما يزعمون أم هي من النسَّة والمجاعة بما يَتَدَنْكَخُون منازلة للطواحين ؟ وما كنت لأفعل لولا نصائح الشيخ في الملاحق المهزلة. فليس قصدي الإساءة لأحد بالذات بل بيان الوقائع التي يخفيها الشيخ بنصائحه التربوية وبكلامه عن فوائد علم الكلام ودوره مع التوكيد على حماية أهل السنة والجماعة. فذلك كله يقتضي أن ننظر من قرب في هذه الدعاوى فضلا عما سنرى من خصائص أسلوبية في رد الشيخ. ولما كان قد اختار إستراتيجية المهارب إلى ثانوي المسارب في ما عدا ذلك من رده ليجرني إلى ما يعلم أني من البداية أنفي معناه فضلا عن جدواه فمعنى ذلك أنه يتكلم خارج مناط الإشكال مما يوجب أن اختار إستراتيجية التوضيح والتحليل المنهجي لئلا يبقى المؤججون حبلهم على الغارب وحتى أساعد الكثير-وخاصة بعض النجباء والفضلاء من رواد المواقع الكلامية-على التحرر من وحل الكلام والاهتمام بجليل المهام قبل فوات الأوان. والوفاء بما وعدتُ به في الرد السابق هو إذن توضيحٌ لا أوجهه إليه لأن من كان هذا فكره لن يتضح له شيء ولن ينتصح بل إلى كل من يتوق إلى التحرر من شبه الفكر الذي أعاد بعض شباب الأمة إلى ما كان سائدا في مؤسساتها التعليمية الجامدة قبل محاولات النهوض في حين أن شباب العالم المتحضر من حولنا يغزوا الكون الخارجي بالعلم وتطبيقاته فضلا عن علاج شروط الحياة الفضلى في العمران وتكريم الإنسان بتحريره من سلطان زائف العلماء وفاسد الأمراء. وستكون ملاحظاتي على الأنحاء التالية جاعلا أولها هو ما كنت أريد تجنب الكلام فيه لولا كلام الشيخ عن حماية الأمة والدور الإيجابي في نهضتها الماضية والحاضرة: النحو الأول: ملاحظات حول ممهدات الشيخ في دور علم الكلام وأثره على وحدة الأمة والعقيدة لأن ما ذكرته في النص الذي يرد عليه الشيخ لم أركز فيه على ذلك لظني إياه معلوما للجميع. لكن الآن بات الكلام المفصل واجبا. وكم كنت أتمنى تجنب الخوض في هذا لما قد يبدو عليه من تشخيص لم أكن فيه البادئ فضلا عن كونه ذا صلة مباشرة برهانات اللحظة العربية الحالية. لذلك سأنزله إلى رتبة الهامش لتكون بداية المتن بعد التمهيد بالنحو الثاني. النحو الثاني: ملاحظات حول المفارقات التي بُنيت عليها إستراتيجية الخطاب في مصنف طليعة ال"ردود على أباطيل" الذي حبره الشيخ سعيد فودة وتفضل مدير الموقع مشكورا بإرساله إلي بحماسة المعجب برد شيخه دون شك. وبعضها يخص الأسلوب والإستراتيجية والبعض الأخر يخص الاختلاف الكيفي بين مناخ فكره ومناخ فكري. النحو الثالث: ملاحظات حول المثالين المنطقيين اللذين كانا منطلق القضية العرضي أعني مثال الكمالات عند ابن تيمية ومثال الكوجيتو عند ديكارت. وهما مثالان يختلفان من حيث الدور في الكلام عن المنطق. فالأول نسبتُه إلى السهو تأدبا. والثاني نسبته إلى مسامحة لم يعد أحد من المناطقة المحدثين يقول بها: وهو كذلك تاريخيا. ومن ثم ففي الحالتين تجنبت التعرض لعلم الشيخ لأن مستوى علمه ليس من همومي. وما كنت لأعود إلى هاتين المسألتين لولا العلة المنطقية التالية: بيان مغالطات الرد على الشكوك بالمعنى الرشدي للكلمة أعني منطلق الثورة التيمية المتجاوزة للميتافيزيقا التي يتأسس عليها المنطق القديم الثورة التي لا تفهم من دون فهم هذه الشكوك ومن دون التخلي النهائي عن كل علم كلام وفلسفة دجمائيين. النحو الرابع: ملاحظات حول الأسئلة التي أنهيت بها محاولتي الأولى ولم يرد عليها الشيخ بكلام مفيد ولن أهتم بغيرها إلا من الوجه المنطقي وبيان فساد الحلول الكلامية التي يتصورونها تعليما للدين في حين أنها الطريق السيارة للتأييس منه ومن العقل كما تدل على ذلك كل تجارب الفحول من كبار الأولين في علم الكلام (حتى صاروا يتمنون إيمان العجائز !) ناهيك عمن لا يقاسون حتى بأصاغرهم. النحو الأخير: ملاحظات حول تهويمات الشيخ في رده على الهوامش الميتافيزيقية لبيان حدود اطلاعه على الفكر الفلسفي الحديث والمعاصر من خلال ترجمات رديئة بعد أن بين لنا علمه العميق باللغات الأجنبية في كلامه على "الكوازا سوي" واللغة الإيطالية والفرنسية. وفيه نثبت أن الكلام هو حقا باطنية الفلسفة وفلسفة الباطنية. وسأكتفي بواحدة منها لمناسبتها للغرض مناسبة مباشرة. لكن المقام يقتضي أن يُختم التميهد بمدخل يوجز الجواب المنبث في خطابي عن اعتراضين وجيهين يمكن أن يلجأ إليهما المتكلم عندما يكتشف انسداد كل المنافذ فيحاول بيان ما يبدو تناقضا أساسيا في إستراتيجية خطابي كله بزعم العودة إلى أعمالي الأخرى: الاعتراض الأول قد يقول لي أصحابه: لماذا تنكر فضل علم الكلام وأهم ما تدعيه من ثورات في الفكر العربي الإسلامي تعترف بأن من قام بها لا ينتسبون إلى الفلسفة العربية التقليدية ؟ الاعتراض الثاني قد يقول لي أصحابه: لماذا تطلب منا أكثر مما تعتبره كافيا في المعرفة العلمية خلال محاولة التهوين من دورنا أعني أحد أمور ثلاثة: إما العلم الأكثر احتمالا أو العلم الفرضي الاستنتاجي بإطلاق أو كليهما مجتمعين؟ ملخص الجواب عن الاعتراض الأول: والاعتراض الأول يبدو وجيها لأن الغزالي وابن تيمية وابن خلدون ليسوا من الفلاسفة بالمعنى التقليدي. وهذا صحيح ولا غبار عليه. فيستنتج الجماعة متعجلين كالعادة أنهم من المتكلمين. وهذا هو الإشكال. نعم لست أنكر أن أهم مصدر للثورة التي أنسبها إلى هؤلاء الرجالات هو نقد الفلسفة بالمعنى التقليدي. لكن نقد الفلسفة الذي غير تاريخ الفكر ليس مناوشات المتكلمين بل هو أمر لا يبدأ إلا بتجاوز علم الكلام وهو جوهر الفلسفة عندما تصبح واعية بحقيقتها فتجعل مهمتها الأساسية صون العقل من أوهام المتفلسفة وصون الدين من أسقام المتكلمة أعني أنها علاج لعاهتي الكلام الذي يحاول أن يفسد الدين بالفلسفة والفلسفة بالدين غير المفهومين: أوهام العقل وأسقام الدين علتها حددتها الآية السابعة من آل عمران أعني زيغ القلوب وابتغاء الفتة. لذلك فلهذا الفهم وجه ثان: وهو أن الفلسفة بالمعنى التقليدي كانت كلاما متخفيا وظلت كذلك عندنا إلى أن أدرك الغزالي ذلك فأيقظها من سباتها. ونفس الأمر حدث في الغرب عندما صاغ هيوم ما يشبه شكوك الغزالي على السببية فأيقظ كنط من نومه وحسم الأمر. فسجلت وفاة الفلسفة الكلامية أو الكلام الفلسفي بصورة رسمية: في بلدية غربية لسوء حظ الفلسفة العربية. ذلك أن هذه الفلسفة الكلامية كانت تطلب المستحيل كالسعي إلى إثبات وجود الله وخلق العالم وخلود النفس وإثبات العدل الإلهي بالعقل أعني كل المسائل التي يستحيل حلها بالعقل لانعدام معيار العلم العقلي معياره المزدوج فيها أعني: 1-السلطة الأخيرة التي يحتكم فيها للحسم بين الحلول التي يفترضها العقل أي "التجربة الممكنة" بلغة كنط و"المحسوسية الممكنة" بلغة ابن تيمية في دحضه حجج أساس التقديس. 2-حقيقة العلم الذاتية أي إنه ليس شيئا آخر غير تطبيق نماذجه الرمزية التي يبدعها ليتعامل مع مظاهر الوجود ولا منفذ له إلى الحقائق المطلقة أي إنه تطبيق المقدرات الذهنية بلغة ابن تيمية. فاليقين في هذه المسائل من نصيب الإيمان الفطري وحده. والمسلم يؤمن بأن هذا الإيمان فطري لأن الله سجله في حامل الإرث العضوي منذ النشأة الأولى (الأعراف 172-173). وهو يفسد بمجرد أن يجعله الوسطاء بحاجة إليهم ويموت بمجرد أن يتحول إلى صيغ عقائد تحفظ فتصبح بديلا من الدين الحي. ليس الإنسان بحاجة إلا إلى التذكير بسبب السهو والنسيان أو إلى الإصلاح بسبب التحريف القصدي (الجهل المركب عند السلطة الدينية وأهمها المتكلمون) أو غير القصدي (الجهل البسيط عند أي إنسان): والتذكير والإصلاح هما أهم مهمات القرآن الكريم والسنة[8]. تلك هي الدعوة إلى سبيل الرب بالحكمة والموعظة الحسنة. والكلام عكسها تماما: فهو تنفير بالحمية الجاهلية والمماحكة البزنطية في المناظرات الديكية. ملخص الجواب عن الاعتراض الثاني والاعتراض الثاني أيضا يبدو وجيها. فصحيح أن العلم لا يمكن أن يتجاوز الحقائق الإحصائية في علوم الطبيعة (وفيها التقريب يكاد يلامس الكمال لكنه يبقى دائما تقريبا) وفي علوم الإنسان (وفيها التقريب بعيد جدا من الكمال) والحقائق الفرضية الاستنتاجية التي تدرسها علوم النماذج الرمزية مثل الرياضيات والمنطق أو المقدرات الذهنية التيمية[9]. وصحيح كذلك أن ذلك كاف وزيادة فيها ثلاثتها خاصة إذا صاحبه الإجماع النسبي لعلماء العصر في الاختصاصات إجماعهم المتحرك باختلاف العصور تحرك نماذج المعرفة في المجالات المختلفة. والسؤال الذي يهم نقاشنا هو: هل هذا كاف في مسائل العقيدة حتى لو فرضناه قابلا للاستعمال ؟ والجواب هو قطعا: كلا وألف كلا. ذلك أننا بمجرد أن نجعل المسائل الكلامية منتسبة إلى المجال العلمي نفقد المعيار الذي أشرنا إليه في الجواب عن السؤال الأول ببعديه أولا ثم نعرض العقيدة إلى خطرين ماحقين هما سبب كل الكوارث: الخطر الأول وهو الأخطر لأنه يمس حياة الجماعة ككل. فصراع مدارس الكلام يدور حول مسائل لا تحتمل الأجوبة النسبية والتسامح. لذلك فهم يصبحون في شجار دائم ويجعلون الجماعة في حرب أهلية دائمة وهو أمر لم يخل منه دين في التاريخ الإنساني. لكن القرآن الكريم حاول تحريرنا منه. ولعل المضمون الرئيسي لسورة آل عمران هو محاولة تحليل أسباب الصراع الكلامي (آل عمران الآية 7) مع فساد رجال الدين وتحالفهم مع السلطان لمصالح مادية (آل عمران 77 و78) فتكون غاية هذا المسار الفاسد تأليه المسيح عليه السلام واتخاذ الناس بعضهم البعض أربابا (آل عمران من 79 إلى 83). ويكفي مثالا مسألة العدل الإلهي. فهي علة العلل في التخريف الكلامي عند الإسلاميين بمعناها الأشعري. لكنها مسألة لا يمكن لأحد أن يحلها بالعقل. فلا يمكن أن نثبت العدل الإلهي بالعقل أبدا إلا إذا سلمنا بأن تعليل الشر في العالم من الغيب المحجوب. ذلك أن ما عليه العالم عامة والتاريخ خاصة من الشرور أمر لا ينكره إلا معاند ولو اعتبرنا الأمر قابلا للعلاج بالعقل لانتهينا إلى الكفر والعياذ بالله. فمن لم يؤمن بقضاء الله خيره وشره لن يمكنه عقلا أن يقتنع بأن الشر مقصود لغاية خفية لأن مفاد ذلك في النهاية أن الله عاجز عن حل أفضل. ومن يؤمن بالقضاء والقدر خيره وشره يعلم أن المسألة لا تحل بالعقل بل بالإيمان. وهذا يغني عن الكلام في العدل الإلهي. الثاني وهو أقل خطرا من حيث الأثر الجمعي إذ بقي في خاصة صاحبه لكنه ليس اقل خطرا من حيث الأثر على عقيدة الشخص فضلا عن كونه ينقلب في الغاية إلى الخطر السابق لأنه يتحول إلى عقيدة يريد صاحبها أن يفرضها على غيره بزعم الوصول إلى فهم تام للدين يرى من واجبه الإصداع به وقود الناس إلى الجنة بالسلاسل: وهو أن كل مسائل العقيدة التي أشرت إليها في المسألة الأولى تتكافأ فيها الأدلة العقلية لو اقتصرنا عليها وهي لا فائدة منها إذا اعترفنا بانطلاقها من دوجما. وبعد فلنشرع في علاج الأنحاء المشار إليها واحدا بعد واحد والله الموفق إلى ما فيه الخير الخاص والعام خاتمين هذا التمهيد بملاحظة موجهه إلى القراء: فمن كان في عجلة من الأمر فليكتف بقراءة التمهيد والنحو الثالث والخاتمة لأن الباقي لا يهم إلا من كان طلب المعرفة من همومه الأولى. فمن لم يؤمن بعد بحاجة الأمة إلى الالتفات نحو المستقبل بدل مضغ ما مات من الماضي إلا إذا كان مؤرخا للفكر دون أن يكون مهتما بعلاج قضايا العلم والعمل الحيين فليترك قراءة باقي المسائل. وما هو حي منهما في تراثنا الفكري هو ما يحاربه أدعياء الأصلين أعني علمي الأصول بمعنييها العملين الزائفين[10]. فلست أعرض بالموقع حتى وإن كان أصحابه وشيخهم لم يفهموا أن:الفلسفة النقدية من الغزالي إلى ابن خلدون مرورا بابن تيمية وغيره هي أهم ما أبدعه العقل العربي الإسلامي وأنها هي السبيل الوحيدة للمشاركة الفعلية والمبدعة في ما يجري في المسائل النظرية والعملية المعاصرة بل والمقبلة. النحو الأول: سر عداء الشيخ لابن تيميه وتفوقه على غلاة الرافضة في هذا العداء هل كلامه للدفاع عن السنة والجماعة حقا؟ أنزل المسألة الأولى إلى الهامش لعروضها بالقصد الثاني في عملي دون أن يعني ذلك التقليل من أهميتها أو أن يعني أن ما في الهامش هامشي[11]. وفيه نبين ما أمكن البيان أن للأكمة ما وراءها عل ذلك يمكن من فهم العداء الذي يكنه المتكلم باسم فكر الفرع(الأشعرية) ضد فكر الأصل (السلفية) والفارق الجوهري بين الفكرين فهما لمعنى العلم ومعنى الدين. النحو الثاني: أسلوب الشيخ وإستراتيجيته 1-الأسلوب: تردد أسلوب الأستاذ بين حدين أقصيين لو اقتصرتَ على أولهما لرأيتَ آداب المناظرة الجميلة ولو واصلتَ فوصلت إلى الثاني لأدركت أن صبره نفد بسرعة فعاد إلى ما بالطبع. فهو قد بدأ رده متزنا بما يفيد مبادلتي آداب الحوار عند الكلام عن الفاضل والأستاذ إلخ.. ثم نزل إلى ما يلامس الحط من شأن المحاور بعبارات عن عدم الفهم ثم عدم العلم ثم الجهل إلخ...لظنه أن ذلك سيقلل من مفعول نصي على طلبته فيرفع قدره في أعينهم لكأنه ليس بينهم من يمكنه أن يقرأ أعماله وأعمالي فيميز بين الغث والسمين وخاصة عندما يحاول أن يرطن بلسان فلسفي ليس له عليه سلطان أو بلغة أجنبية قد لا تتجاوز معرفته بها السؤال عن الوقت. وليس من شك في أن مثل هذه الأساليب تؤثر في بلداء الطلبة الذين لا يميزون بين المغالط والأمين وهم موجودون في كل أصقاع الدنيا. لكن الأذكياء منهم يستنتجون العكس تماما لأنهم يطلبون العلم الرصين والدليل المبين. فالكثير منهم له الذكاء الكافي لئلا تنطلي عليه حيل الشيوخ ويستطيع أن يميز اللباب من القشر والعلم من التعالم. وما كتبت النص الأول الذي يرد عليه الشيخ لخصومة بيني وبينه فليس لي به سابق معرفة فضلا عن أني نسبت بعض ما ناقشته فيه إلى السهو لا إلى الجهل. فما كتبته لم يكن إلا تنبيها للشباب من أخطار الكلام على الفكر والأمة تنبيها قد يساعد البعض منهم في سعيهم الذاتي فيخرجون من وصاية الشيوخ القروسطية لينافسوا شباب العالم المتقدم والتفرغ لما يفيد الأمة ويحمي بيضتها من العلوم الدنيوية والأخروية:فمشروع الإصلاح التربوي والفكري من همومي الأساسية. وبهذا الرد سيكتمل الغرض إن شاء الله ولعل كل هذه الحركة في الموقع بسبب النص تشي بالشيء الكثير:لعلها تكون بذرة خير وإنها لكذلك بإذن الله. ثم إن ما سأعالجه من الأمور والمسائل التي حددها تلخيصي في الرد السابق سيكون كفيلا بذلك. وقد ختم الشيخ رده في تنازله الأسلوبي بما يعد من النبز بالألقاب في عرفه مثل كوني لست من أي فرقة كلامية سنية أو مثل كوني من الوهابية التي أخرجها من الإسلام ومن ثم فهو بصورة غير مباشرة يكفرني. فأما كوني لست من أي فرقة كلامية فهذا صحيح وقد أشرت إليه في التمهيد واعتبرته أمرا أفخر به وهو ليس عندي نبزا لأني أقنع بأن أكون مسلما كما كان الأولون عندما كانت الأمة بمنجاة من إيدس الكلام وسرطانه. بل أكثر من ذلك فإني أعتبر أنه ينبغي أن يكون طموح كل مسلم حقيقي التحرر من الفرق والمذاهب وتجريب الحياة الصادقة لتبين الرشد من الغي بنفسه. وأما كوني وهابيا فهو أمر لم أدعه ولم يدعه من هذه الفرقة أحد وهم في غنى عمن يدافع عنهم. وإذا كان الشيخ يتصور أن الفهم الوحيد لابن تيمية هو فهم ابن عبد الوهاب فهذا أمر طبيعي ولا استغربه من متكلم. فمن خصائص الفكر الكلامي تصور الفهم المطلق والوحيد أمرا ممكنا. ولما كان الشيخ يظن نفسه فريد زمانه ومدركا للحقائق على ما هي عليه فلا يمكن أن يخطر على باله أن فهم ابن تيميه يمكن أن يكون متعددا وعلى خلاف ما فهم منه هو. والمهم أن هذا التدرج المتنازل في أسلوب الحوار يساعد على كشف العلة الكلية التي تجعل الشيخ معذورا في كل ما يبدر منه: فلا لوم عليه ولا مآخذة. فالفرق الكيفي بين التكوين الفكري لكل منا يجعله يعتبر علما ما تجاوزه العقل الإنساني منذ قرنين (على الأقل منذ كنط) فلا يفهم ما أنسبه إلى ابن تيمية من ثورة. وما ران على عقل المتكلم مع ما وصفنا من غلو ضد ابن تيمية لم أجد له تفسيرا معقولا جعلاه لا يرى في الفكر التيمي إلا الوهابية التي يتكهن بفنائها قريبا! فما سمعت في حياتي مفكرا يتهم فكر السالف بفهمه عند الخالف ثم يُحكم له بالفكر السوي. لكن لا بأس فلنحاول المرور إلى ما هو أهم. فهو يعتبر جهلا كل ما تقوم عليه النظريات العلمية وما بعد العلمية الحالية ولعله قرأها بإيطاليته التي أطلعنا على ما بقي عالقا بذاكرته منها: وهو الشيء الكثير! فتبارك الله ! وقل ربي زدني علما ! لذلك فلن ألومه بل سأبين العلة الخفية التي جعلته يستعمل هذه الأوصاف الموجب منها له والسالب علي وتجعلني مع ذلك أجد له من الأعذار ما لا يخطر على باله. فلما كنت لا أظن كل المتابعين جاهلين بما يجري في المجال العلمي والفلسفي الحالي فإن حكمهم كاف وخاصة بعد أن تسد على الشيخ كل المهارب التي يلجأ إليها بتخريص يصور كلامي على الكلام والمواقع موجها إلى شخص معين أو فرقة معينة. لست أدري لِمَ أغفل أني لم أميز موقعه عن المواقع الأخرى أو كلامه عن مدارس الكلام الأخرى بشيء ولم أتهمه شخصيا في نصي الأول بل قلت عن الكلام بصورة عامة ما قال أكثر منه الغزالي وابن تيمية وابن خلدون في أكثر من موضع من أعمالهم ولم أستثن ما قد يكون للوهابية منه رغم محاولته أن ينسبني إليها لظنه أني تيمي وابن تيميه وهابيا ولظنه هذه العلاقة متعدية فاعتبرني وهابيا. كل ما في الأمر أني اتهمت العودة إلى الكلام أعني ما بان شره في الماضي وبدأ يستفحل في الحاضر. والمعلوم أني لست أتبرأ من الوهابية لأني لست منها ولو كنت منها حقا لما تبرأت لأني لم أتعود إخفاء ما أومن به ولم أتلق التربية التقليدية التي يستند أغلب مدارسها إلى النفاق والتقية من البداية إلى الغاية بحكم تبعيتها للسلطان في غالب الأزمان. فالوهابية على ما فيها أقرب إلى الإسلام الفطري والسنة الأولى من الأشعرية بعد أن تردت إلى الدرك الذي يمثله هذا الفكر. ولو كنت ممن يقبل الانتساب إلى الفرق والأحزاب لفضلتها على فرقته دون شك ولعملت على المشاركة في إصلاحها من منطلق فهم آخر لما تدعي أنها تستند إليه من فكر لعلها أضرت به عندما حصرته في العلاجات الظرفية التي اضطر صاحبه إليها ظرفه التاريخي العصيب. وما يجعله ينقم على أصحابها أعني المال ليس مما يغريني لأني لست في حاجة أولا وما عندي يغنيني عن غير الله ولله الحمد: فهي على الأقل فرقة شيوخها تربي شبابها على الاستماتة في الذود عن الإسلام وتحضهم على حماية بيضة الأمة في كل بؤر المقاومة في العالم الإسلامي وشعبها يمولها ولا يتحالف مع المحيطين بمنزل الإسلام تشفيا من الفرق الأخرى. 2-الإستراتيجية: هنا أيضا تردد الشيخ فودة بين إستراتيجيتين كلتاهما متناقضة فضلا عن تناقضها مع رديفتها. فأما الأولى فتصف خطابي وصفا متناقضا. وأما الثانية فتصف خطابه وصفا متناقضا كذلك. وكلا التناقضين المتناقضين في ما بينهما من المهارب التي تيسر علاج اللف والدوران بهدف أخراج الحوار عن مساره حتى يصبح كلاميا وتلك هي المهارب التي قصدتها في التمهيد. التناقض الأول: في وصف خطابي ففي وصفه خطابي اختار أن يرد علي بإستراتيجية متناقضة: 1-فهو من جهة أولى يقدمني بصفة لسان الدفاع عن ابن تيمية كما يفهمه هو وليس على الأقل كما أفهمه أنا (لمجرد كوني أنسب إليه ثورة لا علاقة لها بموضوع النقاش لأنها ليست في مجال المنطق بل في مجال آخر جعل ما حصل في المنطق يصبح ممكنا) رغم أني ذكرت في المحاولة التي يرد عليها أن علم الكلام عامة وفكر ابن تيمية خاصة ليس من أغراضي. ولست أدري كيف يستنتج من قبولي بعض أفكار ابن تيمية كما أفهمها أنا أني أقبل ضرورة بكل أفكاره كما يفهمها هو فيلزمني بما لا أنوي الكلام فيه رغم أن بيان خطئه من أيسر الأمور. وقد حددت ما يعنيني في ما أقبله منها بالذات عند كتابتي للرد على ما نسبه إلى ابن تيمية من خطأ منطقي في خلال كلامي عن أضرار علم الكلام وبينت أن خطابي في الأمر لا يتجاوز ذلك. ولن أتجاوزه قيد أنملة. وبالتدقيق فإن ما اهتممت به من فكر ابن تيمية هو طبيعة الشكوك على الأسس الميتافيزيقية للمنطق أعني أسئلتي الخمسة التي أنهيت بها المقال والتي كان رد الشيخ عليها مرتع مهاربه وهو ما يضطرني إلى شرحها في أحد الأنحاء (الرابع). وربما لأنه يعلم أن رسالتي تعالج هذه الموضوعات وهي ليست من الرسائل التي تتردد بين استعراض الكتب الصفراء والردود الممضوغة على ممضوغات المستشرقين. لذلك فسيكون من مهام هذه التوضيحات إعادة النقاش إلى هذه الأسئلة ليتجلى للجميع إيهام الشيخ غيره بما ليس عنده أو بما يحول دونه وفهم ثورة ابن تيمية الفلسفية لا الكلامية: أعني نظرية الوجود ونظرية المعرفة البديلتين من نظريتيهما
22-06-2008 . الملتقى / / .
http://almultaka.org/site.php?id=607 |