/
كيف نفهم تعثر الإبداع في الفلسفة العربية
أبو يعرب المرزوقي
تمهيد: لن نطيل الكلام في عوائق الإبداع الواهية التي يكثر الكلام عليها في خطاب الأصوليتين المتصارعتين[1] على الساحة الثقافية الخالية من الإبداع الفلسفي في ربوعنا. فكلها تبدو لي ناتجة عن خللٍ منطقي في الفكر العربي الحديث، خللٍ قلب المشروط فجعله شرطا ليفسر ضمور الإبداع، إما بالطغيان السياسي أو بالطغيان الديني، لكأن كل الأمم انتظرت التحرر منهما لتصبح مبدعة. وإذا كنا لا ننكر أن هذين الطغيانين يمكن أن يعطلا الإبداع إذا كان موجودا فإننا يمكن أن نضرب أمثلة على دورهما في تحفيزه. ولذلك فهما مُحايدان في مسألة وجوده وعدم وجوده بل إننا نعتبرهما معلولين لعدم الإبداع بدلا من أن يكونا علَّة له. فالأمم لا تتمكن من التغلب على هذين الطغيانين إلا بما تحققه من شروط التحرر الفعلي منهما، ومن ثم من الوصول إلى مبدأ الإيمان الحقيقي: ألا معبود إلا الله وهو معنى الكفر بالطاغوت شرطاً في الإيمان الصادق (البقرة 256). وهذه الشروط جميعاً راجعة إلى أصلها الذي يمكن من التغلب على ثلاثة أصناف من أسباب للعبودية ويكون التحرر منها كلها ثمرة الإبداع: أولها هو الإبداع في العلوم الطبيعية وتطبيقاتها للتغلب على أسباب الطغيان الصادر عما في تاريخ الإنسانية الطبيعي من عوائق لا إرادية، طغيانها على الإنسان أدى إلى عبادة الظاهرات الطبيعية وتأليهها في الميثولوجيات والأديان الطبيعية، بل هي مصدر الإيمان بالسحر والخرافة عامة. والثاني هو الإبداع في العلوم الإنسانية وتطبيقاتها للتغلب على أسباب الطغيان الصادر عما في تاريخ الإنسانية الحضاري من عوائق إرادية، طغيانها على الإنسان أدى إلى عبادة الشركاء أعني: المستبدين بالرزق والمتحكمين في رقاب الناس، ومنها نماذج صورة الله في الميثولوجيات والأديان الطبيعية. والأخير هو الإبداع في الفنون وتطبيقاتها للتغلب على أسباب الطغيان الجامعة بين الطغيانين والصادرة عما في النفس الإنسانية ذاتها من عطالات تحول دونها والإبداع. لذلك فهي الأهم في كل التجارب التي عرفتها الإنسانية وهي التي أدت إلى تأليه الغرائز وعبادة الهوى ومنها التعابير الرمزية والوثنية على الروحانيات في الأديان الطبيعية والميثولوجيات. عدم الإبداع في هذه المجالات هو الذي يجعلها مرتعاً للعقبات التي تحول دون الإنسان والتحرر من الخضوع لآلهة مزيفة من الطبيعة والتاريخ وحتى المبدعات البدائية للإنسان. ولا تحرر منها من دون إبداع علمي وخلقي وجمالي. ولما كان الإبداع في الفلسفة إبداعاً "مابعدياً" مشروطا بهذه الإبداعات فإنه ليس إلا حصيلة هذه العدوم التي يملأ الفكر العربي الحالي فراغها إما بالتقليد الماسخ لفضلات منها مستوردة، أو لفضلات مما أنتجته الأمة ولم يبق منه إلا وجهه التاريخي بعد فقدانه فعالية الإبداع الحي، الذي له علامة لا تكذب: تحقيق التحرر مما يتصوره التفسير الخاطئ عللا لعدم الإبداع. لذلك فالعلل التي نطلبها لا صلة لها بآراء من يتعلل بحال الأمة السياسية والروحية ليفسر عدم الإبداع، بدل اعتبار هذه الحال نتيجة لفقدانها الإبداع وسلطان التقليد بوجهيه عند الأصولية العلمانية لماضي الغرب والأصولية الدينية لماضينا. العلل التي نطلبها لها صلة بأصلين يفسران فقدان النخب البصيرة، ومن ثم فقدانها القدرة على الفهم فلا ترى شروط الإبداع ومقوماته.إنهما: الأفق الوجودي الذي يصوب منظور الفكر إلى الأشياء فيمكنها من الرؤية الحافزة للإبداع والأفق التاريخي الذي هو العين الراهنة منه في لحظة من لحظات التاريخ الروحي للامم. وكلا الأفقين شارط للفهم والإبداع وعدم جعلهما أفقاً مبيناً يساعد على الفهم ومن ثم على الإبداع هو الذي يغرق الأمة في أزمتين تتفرعان عن هذين الأصلين نراهما رؤية العين المجردة في الظرفية العربية الحالية وفي كل الظرفيات المماثلة التي عاشتها أمم مثلنا، تردّى فيها الإبداع فصارت أمة التقليد والاتباع، إما لماضيها أو لماضي المتغلبين عليها. ولذلك فإن هذه المحاولة مدارها توضيح معنى الأفقين وصلة الأزمتين بما اعتراهما من شوائب في لحظتنا الروحية والتاريخية الراهنة، دون الكلام في تاريخ الفلسفة العربية الذي عالجنا أهم منعرجاته في غير موضع[2]. وبذلك تكون المسائل التي سنعالجها في هذه المحاولة مسألتين أصليتين ومسألتين متفرعتين عنهما نبدأهما بعلاج الأفق الوجودي والأزمة التي تترتب عليه، ونثني بالأفق التاريخي والأزمة التي تترتب عليه، عَلَّنا بذلك نفهم العلل العميقة لما يعاني منه الإبداع الفلسفي في لحظتنا الراهنة دون أن نزعم تقديم الحلول التي هي ثمرة اجتهاد الجماعة وجهادها وليست تصورات شخص أيا كان نفاذه لمعاني الوجود: المسألة الأصلية الأولى هي مسألة الأفق الوجودي Ontological horizon: وهي تبحث في مقومات الأفق الوجودي العقيم لتبين مقومات كل أفق شارط ليس للإبداع فحسب بل وكذلك للوجود الصادق فتحدد مقومات الأفق الخصب للإبداع وفيها نبين التلازم بين الفكرين الديني والفلسفي شرطاً في الإبداع الرحم لما بعد الممارسات العملية والنظرية في الوجود الإنساني أعني الفكرين الديني والفلسفي.والمسألة الفرعية المترتبة على مسألة الأفق الوجودي هي مسألة الأزمة الوجودية: التي يعاني منها المبدعون ما طبيعتها وكيف يمكن فهمها وعلاجها من المنظور الوجودي. المسألة الأصلية الثانية هي مسألة الأفق التاريخي Historical horizon: وهي تبحث في مقومات الأفق التاريخي العقيم ودوره في الحيلولة دون الإبداع عند النخب العربية الحالية. وسنركز فيه على الأفق التاريخي الغربي المجهول لأنه هو بات النموذج الوحيد الذي يغذي عقلية التقليد باسم التجديد: تقليد ماضي الغرب صار يعتبر تجديدا رغم كونه لا يختلف عن تقليد الماضي الذاتي. والمسألة الفرعية المترتبة على مسألة الأفق التاريخي هي مسألة الأزمة التاريخية: التي يعاني منها الإبداع ما طبيعتها وكيف يمكن فهمها وعلاجها من المنظور التاريخي. أولاً: الأفق الوجودي: "في أن سوء فهم أفق العلاقة بين الديني والفلسفي هو الذي يكبل الإبداع العربي"[3].كثير من الأوهام يطغى على عقول المتعجلين ممن يقتات بتعميمات سطحية أفسدت التصورات الفلسفية والدينية عند من يعتبرون أنفسهم رواد الحداثة والتصورات الدينية والفلسفية، عند من يعتبرون أنفسهم حماة التأصيل دون فهم من الفريقين للظاهرتين، حتى جعلوهما حدوثة يهزأ منها كل من له علم دقيق بمصادر الفكر الغربي والعربي الحقيقية: أعني الفلسفة اليونانية وعلم اللاهوت المسيحي بعد أن اندمجا في ما يسمى بالفلسفة الغربية الحديثة، وخاصة في فكر الحداثة وفكر ما بعدها في حالة الحداثة[4]. وسأكتفي بمثالين من هذه الأوهام الخاصة بالفكر الغربي لأن أفق فكرنا الحالي هو أفقه غير المفهوم: فأما المثال الأول فمداره حول وظيفة النص في الوجود الإنساني والمقابلة الساذجة والسطحية بين الأمم النصية والأمم غير النصية. والزعم بأن الأمم تنقسم إلى نوعين أحدهما تكبله النصوص، ويمثلون له بالمسلمين تحقيراً منهم، والآخر متحرر منها ويمثلون له بالغربيين رفعا من شأنهم، هذا الزعم هو الأغنية التي لا يني يرددها الكثير من المثقفين، وكأنهم قد اكتشفوا المفتاح السحري لتحرير الأمة من النصوص التي يزعمونها مكابح للتقدم ومن ثم فالحل عندهم هو التحرر من المرجعات الرمزية، التي يستند إليها وجود الأمة الروحي والتاريخي. وأما المثال الثاني فمداره حول وظيفة الواقع الموضوعي في الفكر الإنساني والمقابلة الساذجة والسطحية بين الواقع والرمز في الوجود الإنساني. وأصحاب هذا الوهم يعتقدون أن الإنسانية يمكن أن يستقيم لها مقام في العالم الطبيعي من غير الإيمان بعالم ما بعد طبيعي، أياً كان، يؤسس لفعل الإنسان، ومن غير التسليم بدور له، أياً كان، في عالمهم الطبيعي. وهذا الزعم الثاني هو أساس الحل البديل الذي يقترحونه دون أن يعلموا أنهم في الحقيقة يستبدلون مرجعية رمزية بأخرى، ولا ينتقلون من الرمز إلى الواقع المزعوم. وهذا الوهم الثاني هو الأصل الذي يرجع إليه الوهم الأول: الزعم بأن الغرب قد تحرر من الإيمان والميتافيزيقا، ولذلك فهو متحرر من سلطة النص -أي نص- بشرط أن نفهم أنه النظام الرمزي الذي يعتبره شعب من الشعوب معين المعنى.ويمكن للقارئ الفطن أن يلاحظ أن كلا الوهمين مضاعف، وأنهما يرجعان في العمق إلى العلاقة الوطيدة التي تربط بينهما. ومن يغفل عنها لا يمكن أن يفهم كيف يمكن لمثل هذا الفكر العجول أن يكون أكثر سلفية من السلفيين؛ لأنه يقلد مثلهم من دون وعيهم بما يقلدون. إن هذا الموقف يقتل فكر صاحبه بما يفقده ما عنده من مخزون حضاري، هو سماد الإبداع في كل حضارة، دون أن يعطيه ما عند غيره، فينضب بهذا الجهل المضاعف معين الإبداع لديه، ويصبح ممثلاً لنخبة تحكمها سطحية التصورات وفجاجة المقابلات الصبيانية التي تحول دون الفكر وفهم أسرار الوجود. ولا فرق عندئذ بين الفكر الديني الذي ينحط إلى خرافات العجائز وهذا الفكر الإيديولوجي الذي ينحط إلى ثرثرات النوادي. وإذن فهذان الوهمان هما في الحقيقة نفس الوهم بصيغتين مختلفتين: فالوهم الثاني ليس هو في الحقيقة إلا الغفلة عن طبيعة الصورة البنيوية لعلاقة الفكر بالوجود، والوهم الأول ليس هو في الحقيقة إلاَّ الغفلة عن طبيعة التعين تاريخي لهذه العلاقة في كل الحضارات. وهم المقابلة بين الأمم النصية والأمم غير النصية هذا الوهم مبني على مغالطتين: مصدر أولاهما مفهوم النص ودوره في الفكر عامة والفكر الفلسفي خاصة،ومصدر الثانية مفهوم التكبيل ودوره في منع الإبداع المتحرر من المرجعيات. إذا كان القصد بالنص ما كان مكتوباً من النصوص، فالمقابلة بين أمم نصية وأمم غير نصية قد يبدو فيه بعض الصحة. فبعض الشعوب لم تكتشف الكتابة وهذا لا يحتاج إلى دليل. ولكن هل توجد أمة في التاريخ ليس لها حديث حول حدث تاريخها الحاصل والمأمول يضفي عليه المعنى وينقله من جيل إلى جيل؟ ذلك هو معنى النص المرجعي أو الكتاب المقدس في كل حضارة سواء كان محفوظا بالكتابة أو محفوظا في الذاكرة: وكلاهما يمثله سدنة يجعلونه ناطقا في كل حين. والمعلوم أن بعض الأمم تعتبر ذلك الحديثأساطيرها، وبعضها تسميه تراثها، وبعضها تؤمن بأنه كتابها المقدس. وليست التسمية هي الأمر المهم، بل هو التلازم بين الحدث والحديث وكلاهما لا يتعلق بالحاصل الفعلي بل به وبغيره مما يعبر عن خيال الأمم وآمالها. ولذلك فهو مرجع إبداعها الدائم ومعينه الذي ما أن ينضب حتى تموت تلك الأمة أو تصبح في سلطان غيرها. فالحديث عن حدث التاريخ لا بد فيه من الإيمان بما وراء التاريخ أيا كانت طبيعة هذه المعتقدات.[5] ومن ثم فلا بُد أن يكون فيه عند كل أمة شيء من المقدس سواء كان دينياً أو دنيوياً كما في ما تحاول الحضارات الحديثة أن تضفيه على بعض أحداث تاريخها من قداسة رمزية لتحفيز أجيالها على العطاء والإبداع. وإلا لما كان الحدث يستمد معناه منالحديث عند الأمم جميعا بل ولاستغنت عنه الأمم. لذلك فالقول إن بعض الأمم نصية وبعضها غير نصي هو إذن من التعميمات المتسرعة التي مردها إلى حصر المقصود بالنص النص المكتوب أو المنزل. والمغالطة الثانية مصدرها مفهوم التكبيل[6]. فإذا كان القصد بالتكبيل عدم الاجتهاد في تأويل النص من حيث هو أساس المعنى للتعامل مع كل شيء وخاصة مع العالم الطبيعي الذي يظنه السطحيون أمراً قابلاً للوجود فضلاً عن الإدراك من دون هذا المعنى، فهذا القصد من الأوهام كذلك. فما من أمة إلا ومجرد بقائها وعدم اضمحلال قيامها المستقل دليل قاطع على أن معنى حديثها لا يزال عندها فاعلاً في حدثها ومن ثم فهي ليست مكبلة بنص ميت بل مجرد بقائها وصمودها في التاريخ الذي هو صراع دائم بين الأمم من خلال هذه المرجعيات التي بها يتم فهم الوجود وتأويل الأحداث دليل قاطع على كون النص ما يزال معيناً لا ينضب. لكن ذلك لا يعني أن الأمم لا تتفاوت في هذه الفاعلية. وذلك هو المعيار الذي يمكن استعماله لتحديد مدى حيويتها. وكل الذين يتهمهم مزعوم العقلانيين بالظلامية أو الإسلاموية ليسوا كما يزعمون ساعين إلى العيش في الماضي، بل هم يحاولون أن يستعيدوا أقصى قدر ممكن من حيوية الماضي بجعل النص المؤسس مصدر إيحاء، بما يجعل الإبداع مطلق الحرية ومطلق الطموح، فلا يكون تقليداً لنص بديل بزعم أنه تحرر من النص، وهو في الحقيقة وقوع في حبائل نص مجهول: مزعوم العقلانيين يقلدون نصاً ميتاً ولا يدرون وهو نص ميت مرتين: فهم يجهلون وجود النص الذي يكبلهم في تصورهم متحررين من النص الذي يظنوه مكبلا. والنص الذي يكبلهم بلا عروق تغذيه في تربتهم الحضارية، بخلاف من يزعمونهم ظلاميين. والفرق بين أصحاب الموقفين ليس بالنصية وعدمها بل بطبعية العلاقة بالنص التي لا غناء عنها: فهؤلاء يسعون إلى استرداد فعالية نص ذي عروق ضاربة في حضارتهم لقرون، ولا يزال ينبض بالحياة بدليل قدرتهم على الصمود، بل ونجاحهم في التحرر من الاستعمار. وأولئك يحاربون معينهم ولا يستمدون من المعين المستورد إلى قشوره فيكون ما يفعلون انتحارا غير واع لأن ليس مقصودا ببصيرة. ولْنُثَنَّ بالوهم المضاعف الثاني الذي هو الصورة البنيوية من الوهم الأول. فهو أيضا مبني على مغالطتين تبدوان متقابلتين رغم كونهما من طبيعة واحدة وخاصة من منظور الثمرة التي هي العقم المطلق: مغالطة تفسد الواقعية[7]؛ لأنها تخضع النظر لأعيان العمل فتقتل الحكمة النظرية أو الخيال العقلي الذي يطلب الحقيقة النظرية فيتمكن من الذهاب بالفرضيات الرمزية إلى غايتها ليكون مبدعا للنظريات. مغالطة تفسد المثالية؛ لأنها تخضع العمل لمجردات النظر فتقتل الحكمة العملية أو الخيال الإرادي الذي يطلب الحقيقة العملية فيتمكن من الذهاب بالعمليات الفعلية إلى غايتها ليكون مبدعاً للوقائع. ويبدو التوجهان متقابلين لكنهما في الحقيقة من طبيعة واحدة. فالعمل يعالج لامتناهي التعين الفعلي، وهو إذن صراع فعلي مع لامتناهي مادة الأفعال والمثال الأعلى للفعل؛ أعني تصوره محيطاً بمادته، مطلق الإحاطة، بحيث يزول الفارق الوجودي بين المادة والصورة[8]. والنظر يعالج لامتناهي التحديد الرمزي لموضوعه وهو إذن صراع رمزي مع لامتناهي تصوير الأفعال. وهدف العلاجين هو التلاقي في الغاية: فعندما يصل تحديد لامتناهي التصوير في النظر إلى الغاية نكتشف أنه قد أبدع أدوات علاج لامتناهي المادة في العمل دون أن يحصل ذلك الحصول التام لامتناعه. ومجرد الظن أنه حصل نهائيا يصبح قاتلا للإبداع على الأقل في الأذهان إن ليس في الأعيان. وهذه المغالطات الأربع علتها هذان الوهمان وهما عين العلاقة بين الطبيعة وما بعدها في الأعيان (النص والوجود) وفي الأذهان (الرمز والواقع) لأنهما جوهر فاعلية العقل الناظر والعامل، وهما لا يكونان فعلين نسبيين إنسانيين من دون الإيمان -ولو فرضياً- بأن لهما مثالاً أعلى يكونان دائما دونه في الحصول الفعلي لأنهما فيه يكونان فعلين مطلقين هما غاية سعي الفعلين الإنسانيين في حصولهما الفعلي: وذلك هو مفهوم الله من حيث هو المثل الأعلى المطلق. وهذا أمر لا تخلو منه حضارة في أي لحظة من لحظات حياتها، وهو المقصود بالإسلام الفطري الذي هو الدين عند الله أعني الديني في كل دين. ولن نطيل الكلام في هذه المغالطات أكثر من هذا، لأننا درسناها جميعاً بدقة متناهية في مقال "الواقع" صنم الفكر العربي الحديث.[9] أزمة النخب الوجودية "في أن المقابلة بين الواقع الطبيعي والمرجعيات التي هي رمز ما بعد الطبيعي من علامات القصور الفكري الموصل إلى العقم الإبداعي". فقد ذهب المتقحمون على الفكر الفلسفي بزاد بدائي أن المرجعيات الدينية من المبتذلات، وأنهم بعقولهم فوق هذه المرجعيات التي يتركونها للمتدينين من العامة ومن التصق بها من الصف الثاني من النخب، التي يصفونها بكونها ظلامية. وهم لا يدرون أنهم بهذا الترك الذي يتصورونه خياراً يعترفون بأمرين خضعا إليهما اضطراراً فكانوا ممثلين للظلامية الحقيقية ذات الشعبتين اللتين هما الجهل والحمق بخلاف ما يتوهمون: الاعتراف الأول هو أنهم صاروا عبيداً لدين آخر يجهلون طبيعته، وهم غير دارين؛ لأن مجرد طلب الحقيقة مشروط بمقومي الدين أعني الاعتقاد في وجود نظام معلوم، ووجود قدرة عقلية تستطيع علمه. وكلا الأمرين من الإيمان لأنهما شرط بداية التعقل الفلسفي وليسا نتيجة له. الاعتراف الثاني هو أنهم صاروا عبيداً لإرادة حضارية خفية تحول دون أيّ إمكانية للإبداع؛ لأن مجرد استمداد المرجعية الرمزية من غير التكوينية الحضارية الذاتية للفكر يجعله عقيماً، لخروجه من أفقه الحر الذي هو عين تكوينيته حيث يكون المبدَع والمبدِع متطابقين إلى أفق مضطر يصبح فيه الإنسان مقصورا دوره على التلقي البهيم أعني التلقي الذي يصف القرآن الكريم أصحابه ب"صم بكم عمي فهم لا يعقلون"، لأن معايير الحذق في المحاكاة التي للعبيد تصبح عندهم بديلاً من معايير الإبداع التي للأحرار: فيكون غاية المرء أن يكون مثل نموذجه المستلب، وليس مبدعاً لما لم يسبق إليه. أما الزعم بأنهم ينشغلون بالعقل ولاشيء دون العقل، فمعناه أنهم يتصورون العقل شيئا آخر غير هذا التعالي على العرضي، الذي يفرضه تَعَيُّن المثال في أعيانه –الصنم أو الوثن- نحو الحقيقة، في صورتها المثالية المتحررة من أعراض التعين أعني جوهر الدين سواء كان طبيعيا أو منزلا. وطبعا فلو كان زاعمو التعارض بين الفكرين الديني والفلسفي ذوي عقل جرب معنى طلب الحقيقة، التي لا تدرك إلا بفضل هذا التعالي؛ ذوي عقل عانى التجارب الوجودية التي تترتب عليه، لما زعموا ما زعموا. ولنتركهم في خوضهم يعمهون. فيكفي دليلاً على سخف هذا الموقف المؤدي إلى العقم الإبداعي، بما هو تخلٍ عن التجارب الروحية المؤدية إليه، أن ينظر المرء في تاريخ الفكر، هل فيه مَنْ يُعْتَدُ به مِنَ كبار الفلاسفة أو العلماء مسلمين كانوا أو مسيحيين، أو حتى وثنيين من اليونان أو من غيرهم من الشعوب التي عرفت الفكر الفلسفي والعلمي، يمكن أن يعتبر الفكر العقلي ممكنا من دون التعالي الذي لا يختلف وصفه بالفلسفي أو الديني إلا من حيث الأسلوب، لاتفاقهما في كل شيء جوهري أعني في الأمرين اللذين يعرف بها الفكر الإنساني من حيث هو فكر إنساني: 1-أن العقل من حيث هو ملكة حكم علمي –يدرك القوانين العلمية ويصوغها- لا يستطيع أن يعلم الظاهرات بهذا المعنى إدراكا وصوغا ما لم يسلم بمبدأين قبليين ليس له عليهما دليل غير إيمانه بذاته منظمة للعالم، أوبنظام العالم الذاتي، أو بالتوافق المسبق بينهما، فيكون موقفه في الجوهر ومن حيث هو سائل السؤال العلمي موقفاً إيمانياً. 2-أن العقل يتجاوز ذلك؛ لأنه لا يستطيع أن يتوقف عند الظاهرات ولا حتى عند قوانينها العلمية، بل هو يطلب لها أصلاً متعالياً مكتفياً بذاته، ويطلب مَعْنىً للأشياء لا ينتج عن تحكمه الذاتي، ويعتبر الأصل والمعنى متجاوزين للظاهرات والقوانين ليس في ذهنه فحسب، بل في ذاتهما، فيكون بذلك جوهره عين عدم الرضا بالمتناهي. فإذا لم يكن ذلك هو الدين، فعن أي دين يتكلم الأميون من المتعاقلين، الذي يريدون أن يبدعوا وهم يبدأون بإلغاء شرط كل إبداع أعني التجارب الروحية الحدِّية؟ هل الدين عندهم مقصور على خرافات العجائز التي ربوا عليها صغارا ولما يتجاوزوها؟ لكن العجائز معذورات فهن لم يزعمن التفلسف ولا التعلمن، ولا خاصة الجدل في دقائق الأمور التي لا ينفذ إليها أصحاب الأذهان الكليلة، الذين حدد القرآن منزلتهم بالأكل مثل الأنعام، فيكون معنى الدنيا عندهم مقصوراً على الحياة البهيمية؟ ولعل السر في التشبث بهذه الأحكام المسبقة أن قراءة الجرائد السيارة والمجلات صارت كافية عند الكثير من المتحادثين: صار الفكر كله مادة ملاحق الجرائد وثرثرات الفضائيات، ولم يعد في الجامعات إلا من هو في خدمة إيديولوجيا الأحزاب الحاكمة، ولم يفرغ أحد حتى لتعليم الزاد العام من حصيلة المعرفة الإنسانية؛لأن ذلك صار بضاعة مبخوسة في سوق النخاسين التي بيد الإيديولوجيين، الذين ينعون شروط الإبداع، وهم أول عوائقه. فقد صار الواحد منهم يكفيه ليصبح من ثوار التنوير: التنظير في المقاهي والفنادق، والخلط بين الأقوال المباشرة والتنظير العلمي، الذي ليس له علاقة بالمباشر من الشؤون اليومية إلا بتوسط سلسلة لا تكاد تتناهى من الأقوال والممارسات التي لا صلة للمبدعين بها. يتصورون أنفسهم أهلاً للكلام في كل شيء وخاصة في ملاحق الصحف وواجهات المواقع التي صارت تدفع وتستضيف كل من يتحالف مع الحرب النفسية على الثقافة العربية الإسلامية. تكفيهم مداخل الموسوعات ذات التقريب الجمهوري حتى يصبحوا قادرين-وكلما كان الفهم محدوداً كان ذلك أكثر مدعاة للجرأة على الحكم المسبق- على طي صفحة الثقافة الأهلية التي يتهمون أهلها بتقليدها ليستبدلوا بها تلك الثقافة التي يتوهمون أنفسهم قد فهموها فوجدوا في تقليدها ضالتهم. ولا حيلة مع هذا النوع من الثقافة السطحية: فهي الداء الدوي الذي حاول الغزالي الرد عليه في جل كتبه، وخاصة في كتاب تهافت الفلاسفة حيث يستثني الفلاسفة في مقدمات الكتاب، ويرد على المتفلسفين الذين حولوا فرضيات العقل في ما بعد الطبيعة إلى حقائق نهائية دونها عقائد المتدينين تزمتاً وتعصباً. تلك هي الأزمة الأولى التي صدرت عن فساد الأفق الوجودي. وقد يجد المرء بعض العذر للعامي إذ يقف موقف العجائز من الدين أما أن يتحول من يزعمون أنفسهم رواد العقلانية والحداثة إلى مؤمنين بما يسمونه عقلا وهو عندهم لا يتعدى معتقدات دونها خرافات العامة تعصبا وتزمتا فتلك هي الطامة التي جعلت جيلنا يعاني من عاهتين: عاهة النزول بالدين إلى الخرافة وبالعقل إلى السخافة. لذلك كانت الساحة الثقافية مرتع الأصوليتين: أصولية دينية تقلد ماض أهلي لا تفقه منه شيئا وأصولية علمانية تقلد ماض أجنبي هي دون الأولى فهما لنموذجها وكلتاهما تسرع معصوبة العينين إلى الحرب الأهلية التي تبدأ رمزية يسيل فيها الحبر وقد تنتهي مادية يسيل فيها الدم.. ثانياً:المسألة الأصلية الثانية: الأفق التاريخي "في أن سوء فهم أفق التحديث هو الذي يُكَبِّلُ الحياة الروحية والفكرية العربية". يمكن بعبارة بسيطة وواضحة أن نبين ما أسلفنا في كلامنا على الأفق الوجودي، بتحليل مقومات الأفق التاريخي، الذي صار نموذج من يزعم التصدي لمسألة الإبداع الفلسفي خاصة والإبداع عامة من نخبنا. فيمكن القول إن الفكر العربي يعاني اليوم من عدم فهم نموذجه، أو بصورة أدق من الفهم السطحي لأفق الإبداع الإنساني، من حيث هو إبداع في الظرفية الحالية، بصرف النظر عن النسبة إلى حضارة معينة. والمعلوم أن هذا النموذج الذي يمثل أفق الإبداع عند نخبنا هو أفق التحديث الغربي سواء عند قابليه أو عند رافضيه من نخبنا أعني الأصوليتين العلمانية والدينية. ونحن نزعم أن كلا الفريقين القابل والرافض كلاهما يفعل ما يفعله من دون فهم طبيعة هذا الأفق، وبصورة أدق طبيعة موقف أصحابه من علاقة الفكرين الفلسفي والديني أحدهما من الآخر. فكلا الفريقين يزعم أن الفكر الغربي الحديث تحرر من المرجعية النصية وأنه فصل بين الدين والفلسفة. والفرق الوحيد بين الفريقين أن العلماني يمدح ذلك، والأصلاني يهجوه. لكن الممدوح والمهجو ليس له وجود في الحقيقة التاريخية وفي المبدعات الرمزية الغربية، ووجوده الوحيد هو في أذهان الفريقين المادح والذام لا غير. لذلك فأول ما ينبغي عمله لفهم معوقات الإبداع عندنا هو تقويم فهم النخبتين لهذا الأفق، وتحرير وعينا منه، تمهيداً لشروط الإبداع عامة والإبداع الفلسفي خاصة. ولما كان هذا الأفق هو النموذج السائد؛ أعني طبيعة تحديده للعلاقة بين الديني والفلسفي بمنظور إيجابي عند العلماني وبمنظور سلبي عند الديني، فإن عملية التحرير الضرورية -دون أن تكون كافية- تتمثل في مساءلة هذين الفهمين، لبيان خصائص هذا الأفق، بتحديد معاني تكوينيته التاريخية، التي لم تنفك مرتبطة بتاريخنا الفكري منذ نشأة الفكر العربي الإسلامي بعد نزول القرآن، ونشأة الفكر الغربي المسيحي الموالي للصدام بحضارتنا[10]. فبرسم سريع يمكن أن نحصر مراحل التحديث الأوروبي؛ مراحله التي حددت طبيعة الصلة الجديدة بين فكره الفلسفي وفكره الديني في خمس مراحل: وُسطاها هي العصر الكلاسيكي أو عصر الثورة العلمية، التي مثلت بداية القطيعة الفعلية مع التاريخ المشترك بين المسلمين والأوروبيين، رغم أن هذه المرحلة دينية التأصيل والدوافع عند كل كبار المؤسسين من الفلاسفة والعلماء في الطبيعيات والإنسانيات. وذلك أمر لا يجادل فيه أحد ممن له دراية بالنصوص المؤسسة سواء كانت فلسفية نظرية (الطبيعيات وما بعدها) أو فلسفية عملية (السياسيات وما بعدها). ففيها جميعا كان التأسيس إضافيا إلى الدين بالإيجاب غالبا سواء كان المقصود الدين النقلي (أي المستند إلى الكتاب) أو الدين العقلي (أي أديان الفلاسفة) [11]. مراحل التحديث الأوروبي من منظور علاقته بحضارتنا 1. صدام منفعل بالحضارة العربية الإسلامية القرن الثامن- السادس عشر 2. صدام فاعل /الإصلاح الديني القرن السادس عشر 3. عصر الثورة العلمية القرنان السابع عشر-والثامن عشر 4. الثورة الصناعية القرنان التاسع عشر والعشرون 5. العولمة النصف الثاني من القرن العشرين. وقبل هذه المرحلة الوسطى أو العصر الكلاسيكي مرحلتان، حكمهما السعي الدؤوب إلى تحقيق الاستقلال عن التأثير العربي الإسلامي خلال التعلم من العرب والمسلمين. فكان التحرر الفلسفي بالعودة إلى اليونان والتحرر الديني بحسم الموقف من مسألة العلاقة الجديدة التي حددها القرآن بين الدين والدنيا: وذلك هو جوهر الإصلاح الديني في بداية القرن السادس عشر الذي لم يذهب إلى حد نفي الكنيسة وإن أخذ بأهم إصلاحات القرآن أعني جعل العلاقة بين المؤمن وربه متحررة من سلطان الوسطاء. ويرمز إلى هذه العلاقة الجديدة التي اكتشفها القرآن وعرفها الغرب عند الصدام بالمسلمين أمران صريحان: أولهما ذو صلة بالحياة النفسية والعاطفية السوية للأفراد، رمزاً إليها بتحرير الجنس إيجاباً وبتحريم الرهبانية سلباً، وما يشترطه ذلك من إلغاء السلطة الروحية الوسيطة بين الإنسان وربه، بحيث تكون المسألة الروحية مسألة صلة مباشرة بالله بتوسط الصلة المباشرة بالكتاب والسنة. والثاني ذو صلة بالحياة الاجتماعية والسياسية السوية للجماعات، رمزاً إليها إيجاباً بالسعي إلى تحقيق القيم الروحية في التاريخ الفعلي بأدوات التغيير السياسي والاجتماعي، وسلباً برفض الفصل بين غاية الحياة الجماعية أو القيم الروحية وأداتها أو الأدوات السياسية (وتلكما هما مصدرا كل التهم الموجهة لنبوة محمد وأخلاقه). وبعد المرحلة الوسطى أو العصر الكلاسيكي مرحلتان كذلك، قَلَبَ فيها الغربُ العلاقةَ بين الدين والدنيا رأساً على عقب، لكأنه يسعى حثيثا إلى ما دعا إليه نيتشة، فانتقل الأفق من نفي الدنيا باسم الدين، نفيها الغالب على فكر الغرب الوسيط، إلى نفي الدين باسم الدنيا، نفيها الغالب على فكره ما بعد الحديث. والنفي مثل الإثبات في الحالتين لم يحقق الفصل بين الأمرين بل هو أبقى على التلازم بينهما رغم قلب العلاقة. فغاية هذا السعي لن تكون ابتداع نظام جديد غير مسبوق، بل هي على ما يبدو نكوص بالإنسانية إلى ما قبل الثورتين الدينية والفلسفية المؤسستين للكونية الخلقية الإنسانية، أعني إلى الخصوصية الخلقية والثقافية، رغم تحقيق هذا المسعى في العولمة التي هي كونية طبيعية اقتصادية ومحو لكل الروابط الأخرى. ذلك أن الفرق الوحيد بين غاية التطور الغربي وما قبل الكونية الدينية والفلسفية، هو انتقال السلطان الرمزي الذي كان بيد السحرة والكهان والمنجمين إلى صناع الرأي العام في مؤسسات إعلامية وثقافية واستعلامية تخطط للحرب النفسية الدائمة بحيث إن كل القيم تدنت إلى ما يصيب الفن، عندما يصبح أداة دعاية تجارية وتنويم إيديولوجي: العامل الرمزي صار أكثر فاعلية مما كان عليه في المجتمعات النصية؛ لأن أدوات بثه ونشره صارت بقوة لا تضاهيها قوة: كهان اليوم وسحرته ومنجموه يوجدون في "هولي وود" وفي الإعلام الممثلين لأدوات الحرب النفسية الرهيية بيد الطاغوتين الاقتصادي والثقافي العالميين. فالمرحلة الوسطى معلومة للجميع. إنها مرحلة القرنين السابع عشر والثامن عشر أعني قرن الثورة العلمية وقرن التنوير السياسي الخلقي: قرني الشروع في إخضاع الطبيعة والشريعة لمعايير العقل العلمي والفلسفي، تنظيما وتقويماً، مع مواصلة الإيمان بقيم الثورتين الدينية والفلسفية اللتين أشرنا إليهما أي إن الحداثة تستمد كلياتها المعرفية والقيمية التي ستتخلى عنها في ما بعد الحداثة من هاتين الثورتين أصلا لكل كونية. وأما المرحلتان المتقدمتان، فهما مرحلة الصدام المنفعل بالحضارة العربية الإسلامية ثم مرحلة الصدام الفاعل منذئذ إلى استتباب الإصلاح الديني في غاية القرن السادس عشر (حوالي ثمانية قرون تنقسم مناصفة تقريبا بين المرحلتين). وأما المرحلتان المتأخرتان أخيراً، فهما المحققتان لهذا النكوص خلال مرحلة الثورة الصناعية في القرنين التاسع عشر والعشرين، نصفه الأول ومرحلة العولمة التي نعيشها منذئذ. ولعله من المناسب قسمة القرنين الأخيرين مناصفة بين المرحلتين. ذلك أن العولمة التي لم تعلن رسميا إلا بعد نهاية الحرب الباردة بدأت في الحقيقة مباشرة بعد الثورة البلشفية أي منذ أن أصبح الصراع الإيديولوجي عالمي النزعة فعلاً، لا بمجرد القول في بيانات الأحزاب الشيوعية الغربية من منطلق التبشير بعالمية الاقتصاد الرأسمالي مرحلة معدة للشيوعية. وإذن فالمرحلة الوسطى هي سر كل المراحل، لأنها كانت الجسر الواصل بين العهدين القديم والوسيط مصدراً، والحديث وما بعد الحديث مورداً: وهي كما يعلم الجميع لم تؤسس العصور الحديثة على القطيعة بين الفكرين الديني والفلسفي بل هي أسسته على التلازم الوثيق بينهما على الأقل عند أهم أعلامها. ذلك أنها كانت غاية المرحلتين المتقدمتين عليها، وبداية المرحلتين المتأخرتين عنها، ومن ثم فخصائصها موروثة عن المتقدمتين ومورثة للمتأخرتين.
08-11-2008 . الملتقى / / .
http://almultaka.org/site.php?id=686 |