كثر الحديث في العقدين الماضيين عن إخفاق النهضة العربية، أو على الأقل إخفاق تيارات الإصلاح والتجديد في الفكر الإسلامي. ويوردُ المتحدثون في هذا الأمر وذاك ظواهر وأسباباً واستخلاصات أوصلتهم الى هذا الاستنتاج الكبير والمؤسي. ولا أريد الإطالة هنا في عرض الآراء الموافقة والمُعارضة لهذا الاتجاه أو ذاك. بل أريد الدخول في المسألة رأساً، وانطلاقاً من ثلاثة تساؤلات أو فرضيات:
أولاً: هل كان هناك «مشروع» فكري للنهوض الديني - الثقافي في الحقبة المعروفة بعصر النهضة (1830- 1935). وأقصد بالمشروع في هذا السياق: الاستناد أو الانطلاق من جانب النُخب الثقافية والدينية، من وعي معين وإن يكن عامّاً، ومن رؤية عامة للعالم، في مسائل رئيسية تتعلق بالدين والدولة والثقافة والمجتمع.
ثانياً: ما هي الإشكالية، أو ما هو النموذج، الذي كانت تلك الاهتمامات تنطلق منه أو تتجه وتحتكم إليه، وكيف عولجت المسائل الأربع (الدولة والدين والثقافة والمجتمع) في ضوء النموذج أو ضمن تلك الاهتمامات في الحقبة المذكورة؟
ثالثاً: أين صارت مواريثُ الحقبة القرنية تلك في الحقبة المعاصرة، أي في نصف القرن الأخير، أو ما هي مآلاتها في المسائل ذاتها. ولجهتين:
- لجهة المفاهيم والإشكالية والرؤى والنماذج.
- ولجهة البدائل والخيارات والتطورات والتطويرات.
إن الواقع أن هذا السؤال لا يشغلني للمرة الأولى. وشأني في ذلك شأن أكثر المفكّرين العرب في العقود الثلاثة الأخيرة. والذي دفعني ودفع غيري لهذا الانشغال، ليس الأسى على مواريث النهضة في القرن التاسع عشر، بل التأزم المتفجّر في المنظومة الثقافية والسياسية العربية الحاضرة، والمستمر منذ السبعينات من القرن العشرين. ويتضح ذلك من العنوان الذي اخترتُه لهذه المداخلة، أي «من الإصلاح إلى الإحياء»، بمعنى انني اعتبرتُ - نتيجة استقصاء ناقص ولكنه ممثّل - ان إشكالية الفكر العربي الإسلامي الرئيسية في الأزمنة الحديثة يمكن نظمها أو تضمينها تحت عنوان الإصلاح أو الإصلاح والتجديد، وأن إشكالية أو نموذج الفكر العربي الإسلامي في الأزمنة المعاصرة يمكن تضمينها تحت عنوان أو مفهوم «الإحياء». ولا شك ان التضمينان قاصران، لكنها فرضية اتخذتها اساساً للدراسة في الخمس عشرة سنة الأخيرة. وهي تستندُ الى أمرين اثنين: مراقبة التشكيلة الثقافية - السياسية في موضوعاتها وخطوطها الرئيسية، ومحاولة «النمذجة» على أساس الأكثر وروداً واهتماماً لدى العاملين الرئيسيين في المجالات الثقافية - الدينية والثقافية - الفكرية.
وما أعنيه من هذه المحترزات أو التحديدات ان التشكيل الثقافي الذي تتقاطع فيه في المديات الطويلة أنماط العيش، والإنتاج الثقافي، والتنظيمات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، ورؤية العالم والدور فيه، إنما يعاد من خلال الوعي ترتيب أولوياته في كل حقبة بالنظر الى الاحتياجات والتحديات. ولكلا العالمين جدليات علائق داخلية وخارجية، يصعب معها تعيين العنصر أو العامل المحدد في المنظومة، أو لنقل ان العامل المحدد إنما هو التوجه العام أو الأولوية التي تتحرك صوبها النخب السياسية والثقافية في حقبة معينة.
ولكي يكون الأمر أكثر وضوحاً نعود الى المسألة الثانية، مسألة الإحياء الإسلامي ومعناه سواء في بيئاته الأولى في القرن التاسع عشر، أو في بيئاته المستجدة في العقود الستة الأخيرة. فعندما أتحدث عن «الإحياء» اليوم لا أعني به الإحياء التراثي أو الاستعادة التراثية. فلذلك معنى تقني ما عُرف إلا في العقود الأخيرة، وله علاقة بالوعي من جانب الإسلاميين ومن جانب التحديثيين بأهمية التراث في الصراع الجاري على المجتمع والدولة. فعمليات إحياء التراث نظر إليها التحديثيون باعتبارها انتقاء جدالياً لمصارعة التقليديين والإسلاميين بها. بينما رأى فيها السلفيون الجدد وسيلة لدعم منهجهم في التأصيل، والوقوف على أرض صلبة في عمليات التجاذب على المجتمع والدولة.
أما الذي أقصده بالإصلاح في حقبة النهضة، فأهم معالمه هو الوعي الثقافي بالاستمرارية على رغم ظهور التغير في توظيفات عناصر التشكيلة. فرفاعة رافع الطهطاوي (1801- 1873م) عندما كان يؤول أو يعرّف الحرية في الدستور والنظام السياسي الفرنسي بأنها العدل والإنصاف والانتصاف، ما كان يفعل ذلك للافتقار الى المصطلح المناسب وحسب، بل كان يتعمد الملاءمة والمقاربة لاستيعاب المتغيرات من ضمن شروط الانتماء. وخير الدين التونسي (1822- 1889م) عندما كان يستنصر بكلام ابن قيم الجوزية (- 751هـ/ 1351م) عن المصالح من اجل تسويغ إنشاء مؤسسات جديدة، إنما كان يريد الحصول على مشروعية اعتناق الجديد، مع البقاء ضمن السياق العام. وليس الأمر على هذا النحو لدى الإحيائيين الذين عرفناهم في الستينات والسبعينات من القرن العشرين. فهؤلاء حاولوا وضع نظام إسلامي من طريق التأصيل، في مواجهة ما اعتبروه غربة وغرباً وانحرافاً. فإذا كان هم الإصلاحيين التواصل مع العالم من ضمن الاستمرارية الحضارية والثقافية، فإن الإحيائيين الجدد لا يريدون الاستيعاب بل الاستبعاد حفاظاً على الهوية والخصوصية والتميز. فالشورى غير الديموقراطية، وحقوق الإنسان غير التكاليف الشرعية، والشريعة غير الفقه وغير القانون... الخ. وهكذا فإن الإحياء لدى إصلاحيي القرن التاسع عشر كان هدفُهُ تغليب وعي لا يستشعر الخطر من الجديد، بينما هدفُ الإحياء المعاصر الاستناد الى وعي قوي بهذا الخطر بالذات، من اجل الاستقلالية الذاتية، وحفظ الهوية. الفكرُ الأول فكرُ انتماء واستمرارية، والفكر الثاني فكر هوية وخصوصية وقطيعة. بيد ان خلافات الفريقين التي تستند الى رؤية مختلفة، لا تعني اختلافهم على احتياجات وضرورات: تجديد الإسلام ودعوته، وتجديد فكرة الدولة ومؤسساتها. ولنعُد الى ظهور هذين الهمّين أو الإشكاليتين وتطوراتهما.
إن أول ما يمكن ملاحظته في التشكيل الذي برز في القرن التاسع عشر عودة الإسلام ورجالاته للاهتمام في الشأن العام والتأثير فيه. ويريد الدارسون الأوروبيون للتنظيمات العثمانية ان يعتبروا تدخلات العلماء وفتاويهم أدوات للتسويغ والشرعنة امام الجمهور، وليس نتيجة وعي بضرورات التجديد الفكري والثقافي والمؤسسي. وليس ذلك بالمنزع الذي يكن إثباته. لكن لو تركنا هذه المسألة جانباً لبعض الوقت، والتفتنا الى نجد ومصر منذ اواسط القرن الثامن عشر وحتى أواسط القرن التاسع عشر، لوجدنا ان سلفيي نجد بقيادة الشيخ محمد بن عبدالوهاب (1115- 1206هـ/ 1703- 1792م) دعموا قيام سلطة سياسية جديدة بعد ان لم يعد ذلك من هم العلماء والفقهاء أو قدرتهم لحوالى الثمانية قرون. فقد آذن ظهور الدولة السلطانية في عالم الإسلام، باستتباب ترتيبات طبقية وسلطوية وثقافية قسّمت المجتمعات الإسلامية الى أرباب سيوف وأرباب أقلام، فنحّت بذلك العلماء عن العناية بالشأن العام، وحولتهم الى أرباب وظائف دينية، لا يتجاوزونها كما لا يتجاوزون التنافس في نطاقها الى المجال العام. فحتى شيخ الإسلام ابن تيمية (- 728هـ/ 1328م) داعية الاجتهاد والتغيير، ما فكّر في الاستبدال بالمماليك المتسلطين، بل أراد العمل على الإصلاح من خلالهم. ويذكر البديري الحلاق في مذكراته نموذجاً لابتعاد العلماء عن الشأن العام خلال العصر العثماني ضمن أحداث عام 1161هـ/ 1748م مؤداه ان والي الشام أسعد باشا العظم دعا العلماء لتسلم إدارة المدينة بسبب سفره، فقالوا له، نحن أناس منا علماء، ومنا فقراء، ومنا مدرّسون، فلا نصلح لتولي الأمر والنهي، وإنما أعيان الشام القبوقول (أي الانكشارية)! فدعا رؤساء الانكشارية وولاّهم! لذلك فإن الجديد في دعوة محمد بن عبدالوهاب ذهابه الى ان الإصلاح الديني والدنيوي يحصل من طريق سلطة جديدة، يعتبر هو نفسه منخرطاً فيها ومشاركاً في المسؤولية من باب الإرشاد والتوجيه والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
أما في مصر فقد ذهب الشيخ حسن العطار (1766- 1835) بعد التجربة مع الغزو الفرنسي لمصر (01799 - 1801م) إلى ان البلاد لا بد ان تتغير أحوالها. وأوضح تلميذه رفاعة رافع الطهطاوي (1801- 1873م) معنى ذلك عندما اسس التغيير على الوعي بالمنافع العمومية أو ما نسميه اليوم المصلحة العامة. والعمل من ضمن المصلحة العامة هو شأن الجمهور والعلماء كما هو شأن ولاة الأمر. وهكذا فإن العلماء معنيون بالشأن العام والعمل العام، وباسم الإسلام. وهذا وعي جديد دفع محمد عبده (1849 - 1905م) الى المشاركة في الثورة العرابية عام 1882م، كما دفع جمال الدين الأفغاني (1838- 1897م) للدعوة الى التغيير والثورة. ثم ان سلفيي الشام ما لبثوا ان دخلوا السياسة من باب الاجتهاد، حين مهدوا للفكرة العربية لمواجهة الطورانية، وللالتفاف في ما بعد حول الملك عبدالعزيز.
فإذا كان التسويغ الإسلامي للتغيير أداتياً لدى خير الدين التونسي (1822- 1889م) وبعض علماء التنظيمات، فإنه لم يكن كذلك لدى كثرة كاثرة من الإصلاحيين والسلفيين الذين رأوا ان من ضمن مهامهم إقناع الجمهور بالتغيير، كما انهم ما لبثوا ان وجدوا الإطار لذلك في فقه المقاصد الشاطبي (ت. 790هـ/ 1377م)، الذي عنى بالنسبة لهم إدخال الدنيا الحديثة كلها تحت عباءة الإسلام، وإزالة الفوارق والفواصل بين الشأنين الديني والدنيوي في التفكير وفي التدبير.
ولقد أدى الوعي الجديد لفئات من العلماء، بدور الإسلام في الشأن العام الى حيوية شديدة حتى لدى التقليديين منهم، فكان من ضمن الحركية الجديدة إقرار التنظيمات على رغم بعض التذمر من صغار رجال الدين. كما كان من ضمنها انبعاث أبعاد ثقافية وسياسية لمفاهيم ومصطلحات وسيطة مثل الشورى والمصلحة والعدل والحرية والأمة والوطن. بل ان علماء تقليديين ما كانوا يقولون بالاجتهاد بوضوح دخلوا في عملية تقنين بعض أبواب الفقه الإسلامي، وكانت ثمرة ذلك ظهور مجلة الأحكام العدلية العثمانية، التي لا تزال عملاً نافعاً بكل المقاييس.
والواقع ان هذا العرض المختلف لإسهامات المثقفين المسلمين في تشكيل الثقافة الجديدة للمجتمعات العربية الإسلامية، يبدو غريباً اليوم، لثلاثة أسباب: العروض الحديثة والمعاصرة لتاريخ الفكر العربي في ما عُرف بعصر النهضة، والتي تُخضعه لثنائية: حداثة/ تقليد، وهجمات الإحيائيين الإسلاميين المعاصرين على إصلاحيين القرن التاسع عشر والعشرين. والسبب الثالث القصور الذي ظهر في المشروع الإصلاحي فحال دون الملاءمة بين أولوية التقدم، ومطالب الحداثة الاجتماعية والسياسية. فالإحيائيون المعاصرون يصمون المشروع الإصلاحي بأنه كان مشروعاً للتغريب الثقافي أفكاراً وأشخاصاً. وبذلك يضعون نتاجاته كلها تحت مجهر النقد والإدانة. أما المؤرخون لمجريات وحركيات الفكر الإسلامي في تلك الحقبة، فإنهم يحصرون نتاجاته في مكافحة التقليد، من دون اهتمام كبير بإنجازاته في مجال توليد المفاهيم، والإصغاء لمطالب التقدم الاجتماعي والاقتصادي والعلمي والتربوي. وبذلك يتبنّون صورة عن الإسلام تتوافق والتقليد الذي كافحه الإصلاحيون والسلفيون الأوائل، فيبدو الإصلاحيون لديهم مثلما بدوا لدى الإحيائيين الجدد قليلي الدين، ومتغربين ايضاً.
على ان تراجع الاتجاهات الإصلاحية تدريجاً منذ العشرينات، ما قلل من قدر إسهامات الإصلاح الإسلامي في التشكيل الثقافي العربي الحديث كما تجلت في تلك النقاشات الغنية عن علاقات الإسلام بالعلم والحداثة العلمية والنظريات العلمية حتى غير الثابت منها. وتلك النقاشات والكتابات حول المدنية والتمدن والعمران، وقضايا المرأة والإنسان، والعلائق بالحضارة الحديثة وقيمها. وتلك الكتابات عن حضارة الإسلام وقيمه الحضارية الأصيلة التي لا تتلاقى مع قيم العدالة والحرية والتقدم وحسْب، بل انها تحفز عليها، وتتجنب مزالقها واندفاعاتها بالنظام الأخلاقي السامي الذي يشكّل سقفاً لها وهدفاً. وتلك الكتابات عن المنافع العمومية وعن التنظيمات أو كيف يتجلى الوعي في الشأن العام في مؤسسات لدولة حديثة. وتلك الكتابات الجدالية اخيراً في مواجهة التقليد، وفي ضرورات تجديد دعوة الإسلام وفقهه، وفي العمل على عصرنة الفقه الإسلامي في علائقه بالمشكلات العصرية، وفي منافسته للقوانين الحديثة، والمنظومات الطالعة في القيم الأخلاقية، وحقوق الإنسان.
وما ظهر الصراع باعتباره صراعاً على المجتمع والدولة إلا عندما بدأت معالم الدولة الوطنية بالتبلور في حقبة ما بين الحربين. إذ ان الجدال الثقافي قبل الحرب الأولى إنما كان يدور على مستويين: مستوى ماهية الإسلام، في مواجهة التقليد الفقهي، ومظاهر الإسلام الشعبي، ومستوى صورة الإسلام ودوره، في مواجهة السياسات الاستعمارية، والصور النمطية الأوروبية عن الإسلام والمسلمين، وبناء المشروع السياسي الجديد. ومن الواضح ان المستوى الأول كان يعني وقوف الإصلاحيين والسلفيين ضد التخلّف، والتواكل، والطرقية، وفي صف الاجتهاد والتجديد ونقد الأوضاع السائدة من اجل الإصلاح والتغيير. أما المستوى الثاني فكان يعني من جهة دفاعاً عن قيم الإسلام الأصلية، ومن جهة ثانية، انتصاراً للمشتركات الحضارية والثقافية والسياسية، التي تؤسس لدولة جديدة، ومجتمع ناهض.
وتغيّر الموقف تغيراً جذرياً مع اتجاه الأتاتوركيين الى إزاحة الإسلام بكل تياراته من حيز التأثير والفعل، ليس في الدولة والشأن العام فقط، بل وفي المجتمع ايضاً. لذلك بدت كتابات علي عبدالرازق، وطه حسين، وسلامة موسى، واسماعيل مظهر، وأحمد لطفي السيد، التي تكتسح النص أو العرف، بمثابة القطيعة مع الإصلاحيين بالذات، لمصلحة حداثة سياسية وثقافية تتلاءم مع متطلبات الدولة الوطنية، وتضع نهاية لكل محاولات التجديد في نطاق الاستمرارية.
عمل الإصلاحيون طويلاً من اجل مكافحة الاستبداد بوضع الدساتير التي تحدد صلاحيات الحاكم، وتجعل من الشورى اساساً للنظام البرلماني. وفهموا ان هذا المسار يفضي الى قيام ما يشبه الملكية الدستورية في الأنظمة الملكية الغربية. أما الأتاتوركيون فقد وضعوا «سلطة الأمة» في مواجهة الخلافة، وجاء علي عبدالرازق قائلاً ان لا علاقة للخلافة ولا لأي نظام سياسي آخر بالإسلام. وفي الفترة نفسها اقبل طه حسين وأحمد لطفي السيد على ترجمة كتب يونانية (عن الفرنسية) باعتبار الديموقراطية اليونانية (التي هي اساس الديموقراطيات الحديثة في الوعي الأوروبي) بديلاً محتملاً لسياسات الشورى الإسلامية. واعتبر عبدالرحمن الشهبندر ان الحل الأتاتوركي هو الأفضل للدولة القومية العربية.
وليس في الوسع اليوم، وبعد انقضاء اكثر من نصف قرن على القطيعة مع الإصلاحية الإسلامية من جانب التحديثيين، ثم من جانب الإحيائيين الإسلاميين، التفريق بين المصادفة، والوعي القاصد، في محاولات التحديثيين تلك. لكن الأحداث السياسية والثقافية والتي توالت منذ عشرينات القرن العشرين، ولدت إحساساً لدى فئات واسعة من المتدينين المسلمين، ان هناك توجهاً يدعمه المستعمرون الأوروبيون لإخراج الإسلام من الدولة والمجتمع والثقافة. وكان هذا الانطباع العام وراء انفكاك التحالف بين السلفيين والإصلاحيين من جهة، وفقدان الإصلاحيين لحماسهم واندفاعتهم ونفوذهم لمصلحة فئات جديدة همها صون الهوية والدفاع عنها، من جهة ثانية.
وهكذا فالواضح ان تلك الاطروحات والكتابات فقدت تأثيرها وراهنيتها، وصارت جزءاً من تاريخ الفكر العربي والإسلامي. اما السؤال الآخر، سؤال انقضاء أو فشل النهضة العربية، فإنه سؤال كبير، وللإجابة عليه شروط واعتبارات ووقائع اوسع وأبعد مدى.
* من محاضرة أُلقيت في مؤتمر «الإصلاح والتجديد» بالاسكندرية.