/

 

 

القرآن والمعرفة: نحو ضبط منهجي للتفسير والدراسات القرآنية

عبد الرحمن حللي

الدراسات القرآنية هي المجال الخصب للإبداع والتأصيل والإضافة اعتماداً على مناهج وعلوم مختلفة، شرط استحضار كون القرآن كتاب هداية ينضبط فهمه باللغة العربية كنص وخطاب يستخدم أساليبها، وكل دراسة أثارت جدلاً  أو كانت موضع نقد علمي أو طعن من منطلق ديني فإنها مأخوذة من واحد من هذين البعدين...

 

عبد الرحمن حللي

   الباحث العلمي المعاصر – لاسيما في العلوم الإنسانية – مضطر أن يمر بشكل أو بآخر على النص القرآني كمحطة علمية يفرضها الاختصاص الدقيق، فلم تعد دراسة القرآن وتفسيره مجرد اختصاص ضيق يسلكه الدارسون للشريعة فقط ومن خلال تخصصات أدق، إنما فرضت المعرفة الحديثة فضاء مفتوحاً بين جميع أشكال المعرفة وبين القرآن، وقد تنازعت هذا الفضاء تيارات تراوحت بين الارتجال والسطحية في التعامل مع النص القرآني وبين الإيغال في التدقيق التخصصي، وبين هذين البعدين تفاوتت مقاربات النص في العمق، ما جعل سؤال المنهج في التعامل مع القرآن سؤالاً مركزياً، في سياق أسئلة أعم تتعلق بالتعامل مع الدين والتراث، والبحث عن وسطية أصبحت هي الأخرى موضع تجاذبات جديدة.

   فهل يمكننا الحديث عن وسطية في التفسير، أو التأطير لمنهج للدرس القرآني، إن الإجابة عن هذه الخيارات تتطلب وضع محددات ترسم طبيعة العلاقة مع النص القرآن ودوره الحضاري في التاريخ والحاضر والمستقبل، فليس موضع جدل القول بأن النص القرآني هو النص المؤسس للحضارة الإسلامية، وهو الحامل للقيم التي غيرت التاريخ، وجعلت من الإسلام عنواناً للعهد الحضاري الجديد، وإن المتأمل ليلمس هذه الخاصية في القرآن من أهم أسمائه، وهو تسميته "كتاباً"، فقد وردت نيف وأربعون آية لفظ الكتاب فيها تدل القرائن الحافة به على أنه هو القرآن المنزل على محمدr، ويشير اللفظ فيها إلى الكتاب باعتباره منظوراً ومعلوماً من المخاطب وواعياً به، ويدل السياق على أنه القرآن المنزل على الرسول، فقد جاء تعريف القرآن بأنه الكتاب، وأشير إليه بأسماء الإشارة وأل العهد، وكانت بعض الآيات صريحة في تعريف القرآن بأنه الكتاب]كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ[(فصلت:3)،  فالكتاب اسم للقرآن العربي بالضرورة والاتفاق[1]، ويرى ابن عاشور في تسمية القرآن كتاباً إشارة إلى وجوب كتابته لحفظه[2]، وبهذا المعنى فالقرآن بوصفه كتاباً يمثل فاتحة عهد حضاري جديد لم يكن للعرب عهد به، ولن يكون غريباً أن يتحول المجتمع العربي في ذلك العصر الوجيز إلى مجتمع يعتمد القراءة والكتابة كوسيلة في البناء الحضاري والتواصل والتأصيل العلمي.

 

القرآن والتأصيل العلمي

   وإذا ما عمقنا النظر في الخطاب القرآني المتعلق بالنظر والمعرفة كموجه ومرشد سنلحظ فيه الآفاق الرحبة التي لا حدود لها في الحث على المعرفة والتأمل في الآفاق والأنفس، "قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ" [العنكبوت/20]، بل والأهم من ذلك التأمل في النص نفسه وتدبر كلماته وآياته، "قلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا" [الكهف/109]، وفي ذلك إشارة صريحة إلى وجوب البحث، مع الإقرار باستحالة انسداد آفاقه سواء في النص أو الكون[3]، ففيمها أسرار إلهية ومعان وسنن جعلها الله منارات يصل من خلالها الإنسان إلى المعرفة والقوانين التي أقام الله الحياة على أساسها، من هذا المنطلق القرآني تحركت المعرفة في سياقها الحضاري الإسلامي، منضبطة بالقيم والمحفزات القرآنية دون أن تكون أسيرة لنصه أو متعسفة في البحث فيه عما أرشد إلى وجوده في غيره.

    وقد سارت الحضارة الإسلامية وتعاقبت طبقات التاريخ بين مد وجزر إلى أن آلت إلى مراحل تراجعت فيها المعرفة، دون أن تنهار العلاقة القدسية مع النص، لكن هذه العلاقة أخذت النص إلى مسار مختلف لم يأت من أجله، فجعلت منه كتاباً يحوي كل العلوم، واتجه التأويل لاستخراج العلوم منه دون لحظ طبيعة النص وخصائصه والرسالة التي جاء من أجلها، فحل الإسقاط على النص محل الاستمداد منه، وتم نفس الأمر لدواع أخرى مذهبية أو سياسية أو غيرها، بوعي أو بدونه، لكن هذا الإسقاط متنوع المظاهر والدواعي لا يلغي وجود صلة ما بين النص وبين المجالات التي تم ربطه بها، على أن هذه الصلة ينبغي أن تؤخذ ضمن مسارها الطبيعي المرتبط بمسار النص كحامل للرسالة الخاتمة، وبهذا المعنى نفهم كلام الصحابي الجليل عبد الله بن مسعود (رضي الله عنه):"من أراد العلم فليثور القرآن فإن فيه علم الأولين والآخرين" رواه البيهقي في المدخل وقال: أراد به أصول العلم[4].

التفسير:حاضن العلوم ومخدومها

    مما يعزز الصلة بين القرآن والمعرفة عموماً، الأثر الذي تركه القرآن في مختلف العلوم والمعارف، بل أصبح علم التفسير هو الحاضن الأساسي للعلوم التي ولدت في الحضارة الإسلامية، فعاشت تلك العلوم في كنفه إلى أن بلغت الرشد واستقلت بذاتها، وأصبحت علماً له قوانينه التي لا بد لدارس القرآن من معرفتها.   

    فلئن ولد التفسير كعلم في أحضان علم الحديث، إذ كانت المرويات المتعلقة بتفسير القرآن تمثل جزءاً أساسياً من كتب الحديث، كما أن السنة النبوية بمجملها تمثل مصدراً من مصادر فهم القرآن، فإن الصلة لوثيقة ابتداء بين التفسير وكتب الحديث وعلومه، إذ توثيق الرواية هو الأساس كي تصلح لتفسير القرآن على أساسها، كما أن علم رواية الحديث وتدوينه إنما تأخر ريثما انتشر القرآن مدوناً، فكان مبدأ التوثيق سابقاً في جمع صحف القرآن التي كتبت في حضرة الرسول صلى الله عليه وسلم.

    من جهة أخرى كان من حِكم نزول القرآن الكريم عربياً أن يفهمه من أنزل عليهم، فكان العرب والمسلمون يتلقون القرآن ويفهمون معانيه بما يمتلكونه من فصاحة وبلاغة، ورغم أن القرآن قد جاء بلغة العرب إلا أنه تضمن معان جديدة لبعض المفردات، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يبينها، كما أن التراكيب القرآنية تدل عليها، ومع توسع البلاد ودخول الأعاجم ظهرت الحاجة للضبط اللغوي لفهم القرآن، فظهر الاهتمام باللغة العربية وعلومها كالنحو والبلاغة والمعاجم، وكان ذلك لصيقاً بالحاجة إلى فهم القرآن، فولدت فروع في علوم اللغة خاصة بالقرآن، كغريب القرآن وإعجاز القرآن والوجوه والنظائر، ولم يعد ممكناً الفصل بين دراسة اللغة والقرآن الكريم، فكان للقرآن أثره الواضح في الحفاظ على اللغة العربية وتطوير علومها.

   ومع تطور المجتمع وتشعب القضايا والمستجدات ظهرت الحاجة إلى ضبط قواعد الاجتهاد وكيفية استنباط الأحكام من النصوص، فتم تأسيس علم أصول الفقه لبيان كتاب الله واستنباط الأحكام منه، انطلاقاً من كونه مصدر الأحكام، قال الإمام الشافعي في كتابه الرسالة:"فليست تنزل في أحد من أهل دين الله نازلة إلا وفي كتاب الله الدليل على سبيل الهدى فيها"[5]، وكان أول عنوان في كتابه البيان، فكانت ظروف تدوين علم أصول الفقه لصيقة باستنباط الأحكام من القرآن وتفسيره.

    ومع ظهور إفراد تفسير القرآن بالتأليف في القرن الثاني للهجرة، بدأت تظهر حاجة المفسرين إلى العلوم الأخرى، بحسب موضوعات القرآن، بل ولد من رحم تفسير القرآن علوم جديدة اختصت بالقرآن الكريم، وذلك في ضوء الحاجة إلى ذلك، فظهر رسم القرآن وتاريخ المصاحف، وعلم القراءات ومعاني القرآن، وأسباب النزول، وغيرها من العلوم التي ظهرت تباعاً، وكان هناك إلحاح على ضرورة إلمام المفسر بهذه العلوم، واستخدامها في التفسير حيث كان ثمة حاجة إليها، حتى قال الإمام ابن عطية الأندلسي في مقدمة تفسيره إن كتاب الله "لا يتفسّر إلاّ بتصريف جميع العلوم فيه"[6]، وعدد الإمام أبو حيان الأندلسي سبعة من وجوه العلوم لا ينبغي أن يقدم على تفسير كتاب الله إلا من أحاط بجملة غالبها من كل وجه منها[7]، وقال الإمام البيضاوي في تفسيره: "وبعد، فإن أعظم العلوم مقداراً وأرفعها شرفاً ومناراً علم التفسير الذي هو رئيس العلوم الدينية ورأسها ومبنى قواعد الشرع وأساسها لا يليق لتعاطيه والتصدي للتكلم فيه إلا من برع في العلوم الدينية كلها وأصولها وفروعها وفاق في الصناعات العربية والفنون الأدبية بأنواعه"[8]،  وتكرر ذكر سبعة علوم يحتاجها المفسر، هي: علوم اللغة، والنحو، والبلاغة، والحديث، وأصول الفقه، وعلم الكلام، والقراءات، واستمرت هذه العلوم بالتطور، مع ربط بينها وبين القرآن، إلى أن جاء القرن الثامن الهجري وظهر اصطلاح علمي خاص يجمع أصول هذه العلوم التي تدور حول القرآن وما يحتاجه المفسر، ويعرِّف بها في علم واحد هو"علوم القرآن"، وذلك مع  الإمام بدر الدين الزركشي، (ت794هـ)‍ ، صاحب "البرهان في علوم القرآن"‍، فكان أول من ألف في علوم القرآن بمعناها الاصطلاحي الذي يختص بجمع ضوابط العلوم المتصلة بالقرآن الكريم من ناحية كلية عامة، ففيه عرض شامل وموسوعي لعلوم القرآن، حيث اختصر ما ضمنه فيه من معلومات من كتب التفسير واللغة والفقه وغيرها، فجمع آراء العلماء وأضاف إليها، وقد ذكر العشرات من أسماء الكتب والمؤلفين الذين نقل عنهم، فكان كتابه عصارة لفكرهم مضافاً إليها ما رآه الزركشي أو رجحه، لذلك كان كتابه فريداً في موضوعه من حيث كونه أول كتاب يشتمل على مختلف علوم القرآن ويعرف بها، ودرج من بعده الحديث عن علوم القرآن كمصطلح خاص.

 

أصول التفسير: نحو علم يضبط التأويل

  كان من بين القضايا التي تطرقت إليها كتب علوم القرآن شروط المفسر، والأصول والقواعد والضوابط التي يحتاجها المفسر، وهي موضوعات سبق وتطرقت إليه كتب خاصة، وهي بعض ما غدا يعرف حديثاً بـ "أصول التفسير"، أو ما كان يسمى "القواعد الكلية" حسب ابن تيمية، أو "قانون التأويل" حسب تسمية الغزالي وتلميذه ابن العربي، أو "علم التفسير" حسب تسمية الطوفي.

   فأصول التفسير مبحث تفرقت موضوعاته في مقدمات بعض المفسرين لتفاسيرهم، وفي كتب علوم القرآن وكتب اللغة وأصول الفقه، ويتناول دراسة الشروط الواجب توفرها في المفسر، والعلوم التي يحتاج إليها المفسر، وأهم قواعد التفسير، اللغوية والأصولية والاستقرائية، فموضوعه "قواعد كلية تعين على فهم القرآن ومعرفة تفسيره ومعانيه"[9]، فهو أحد علوم القرآن، وقد ضمن المصنفون -المتقدمون والمتأخرون- في علوم القرآن موضوعاته ضمن كتبهم، فثمة تداخل بين أصول التفسير وعلوم القرآن، لكن علوم القرآن أشمل، وقد تتوسع بعض كتب أصول التفسير إلى مسائل من علوم القرآن، كما أن من علوم القرآن ما لا علاقة لها بالتفسير، إنما هو من قبيل الإحصاء والتوثيق والتأريخ،وأهم وظيفة يؤديها علم أصول التفسير هي ضبط الاستنباط والفهم، والترجيح عند الاختلاف، إذ فيه الأسس والقواعد التي يعرف بها تفسير كلام الله، والشروط والمقدمات العلمية التي يحتاجها المفسر.

    وقد أصبح البحث عن أصول للتفسير والتأويل هاجساً لدى المشتغلين بالتفسير حديثاً، وقد اهتم به من المتأخرين المعلم عبد الحميد الفراهي الهندي[10]، لكن هذا المشروع لم يكتمل مساره، رغم كثرة اللبنات في بنائه، إذ المطلوب من هذا العلم أن يعمل في التفسير ما عملته أصول الفقه في الفقه، وأصول الحديث في الحديث، أي أن يصبح هذا العلم بمثابةقانون يضبط العملية التفسيرية، ويصونها من أي شكل من أشكال الانحراف، حتى إذا حصل شيء من ذلك سهل بيانه وكشفه، ومن ثم ضبطه ورده.

  لكن عدم اكتمال بناء أصول التفسير كعلم لا يعني عدم وجود تلك الأصول والضوابط والمعايير التي لا بد من معرفة المفسر بها، والتي تمثل كليات في العلوم التي يحتاجها المفسر، لذلك كانوا يشترطون لمن يمارس التفسير أن يكون عالماً بتلك العلوم، لكن العلم بها لا يغني عن استخلاصها وتجريدها كمبادئ ذات صلة مباشرة بالتفسير.

   وتبرز أهمية العناية بأصول التفسير في العصر الحديث من ناحيتين، الأولى صعوبة إحاطة المفسر بالعلوم التي ذكرت كشرط للتفسير نظراً لتطور هذه العلوم واتساعها، ومن ناحية ثانية أنه عندما يتعمق الباحث بواحد من هذه العلوم يطغى على العلوم الأخرى ويترك أثره في تفسيره، وهذا ما نلمسه في مناهج المفسرين المتقدمين، حتى أصبحت التفاسير توسم بالعلم الذي اصطبغت به أو أثر ذلك العلم فيها، كالتفسير اللغوي، والتفسير الفقهي، والتفسير بالمأثور، والتفسير الصوفي...، وهذا إن كان لوناً من التفسير إلا أنه ليس التفسير الأمثل الذي تقتضيه الضوابط التي وضعها المفسرون، بل لا يصح واحد منها ما لم يلتزم بمقتضيات العلوم الأخرى.

 

الدراسات القرآنية المعاصرة وتنازع العلوم

    هذا التواشج بين العلوم وبين التفسير والجدل التاريخي بينها (استيلاداً للعلوم أو توظيفاً لها) أصبح في العصر الحديث أشد إلحاحاً وأعمق إشكالاً، من ناحيتي دعوى احتواء القرآن على بعض العلوم أو كلها أو صلاحية أي علم لأن يوظف في فهم القرآن، وقد وجِد المخلص والمسيء بين مدعي كل من الإشكالين أو معارضيهما، كما وجد العالم والمتعالم في تعاطيهما، لكن الدقة تقتضي الحذر في الأحكام المطلقة في القضيتين، وإرجاع تعاطيهما إلى اعتبارين أساسيين يضبطان الوسطية العلمية ومدى الحيد عنها في مقاربة القرآن:

   الاعتبار الأول هو لحظ طبيعة القرآن عند درسه وهي كونه حاملاً لرسالة إلهية، وخطاباً للعالمين يتضمن محتوى يطلب من المخاطب التعاطي معه، وهذا معنى وصف القرآن بأنه كتاب هداية مأمور بتبليغه والعمل به، ومن مقتضيات هذا الوصف كونه خطاباً مطلقاً مع اشتماله على ما هو نسبي، فإذا لا حظنا أن القرآن جاء كتاب هداية وإرشاد فينبغي فهم أي معان يحتويها في ثناياه من قضايا العلوم أنها إنما ذكرت ضمن هذا السياق (الهداية) وليست مقصودة لذاتها، فهي حقائق تمثل محطات للاهتداء إلى المرسل (الله) وإدراك عظمة الرسالة (القرآن) وبالتالي أهمية المرسل إليه (محمد صلى الله عليه وسلم)، وأي تجاوز لهذا المستوى يدخل في إسقاط معنى على القرآن لم يأت لبيانه وغن كان أشار إليه.

   الاعتبار الثاني هو لحظ كون القرآن إنما هو نص صيغ بلغة عربية لها قوانينها ومعانيها وأساليبها، ولا يستقيم فهم القرآن من غير الأخذ بالاعتبار البعد النصي والبعد اللغوي للقرآن، ففي البعد النصي ينبغي لحظ تكامل النص وإفصاح بعضه عن بعضه، وأثر بنيته في فهمه، وكيفية صياغة أساليبه وخطابه، وفي البعد اللغوي ينبغي لحظ لغة عصر نزوله وما قبلها، ولغة القرآن في علاقته مع هذه اللغة، فضلاً عن قوانين العربية ومعاني مفرداتها.

     وعند مراعاة هذين المعيارين يمكن نقد الدارسات المعاصرة للقرآن ومدى الدقة العلمية فيها على تنوع مناهجها وتخصصاتها، ويمكن اعتبارهما بمثابة ضابطين مركزيين للوسطية العلمية في التفسير، ولا بد للدارس عند مراعاتهما أن يلحظ متفرعات عنهما ولوازم لهما، وستكون مشكلات كالتي يثيرها ما يسمى التفسير أو الإعجاز العلمي، أو القراءة المعاصرة للقرآن، أو استخدام العلوم الحديثة في فهم القرآن، غير ذات بال أو أثر لأن لحظ البعد الإلهي والهدائي للقرآن كرسالة سيبعد نسبة شيء إلى القرآن لا يدخل في هذا الإطار، وكذلك الشأن في لحظ الضابط النصي واللغوي يمنع الإسقاط ويساهم في الاستمداد المنهجي للمعنى من القرآن.

 

 ويمكن القول بكلمات..

     إن التفسير بمعناه النسقي التحليلي والتجزيئي الشامل لكامل القرآن لم يعد ثمة حاجة إلى إضافة جديدة فيه تعتمد الجمع والانتقاء أو الاختصار الشخصي، إنما الحاجة فيه إلى عمل موسوعي مؤسسي له صفة الجامع المانع لما تقدم منهجاً ومضموناً، أما الدراسات القرآنية بأنواعها المختلفة فهي المجال الخصب للإبداع والتأصيل والإضافة اعتماداً على مناهج وعلوم مختلفة تستحضر كون القرآن كتاب هداية يحمل رسالة من الله ينبغي فهمها، وأنه كتاب ينضبط فهمه باللغة العربية على أنه نص وخطاب يستخدم أساليبها، وباستحضار هذين البعدين لن يعترض معترض على أي دراسة قرآنية مهما اعتمدت من مناهج وعلوم، وكل دراسة أثارت جدلاً  أو كانت موضع نقد علمي أو طعن من منطلق ديني فإنها مأخوذة من واحد من هذين البعدين.

 

نقلا عن موقع إسلام أون لاين

 الإحالات:



[1] انظر: ابن تيمية، مجموع الفتاوى، ج 12  ص125 .

[2] انظر: ابن عاشور، التحرير والتنوير، ج1 ص221.

[3]  يقول الإمام الراغب الأصفهاني:"من معجزة هذا الكتاب أنه مع قلة الحجم متضمن للمعنى الجم، وبحيث تقصر الألباب البشرية عن إحصائه، والآلات الدنيوية عن استيفائه"، مفردات غريب القرآن للأصفهاني – المقدمة.

[4] البرهان في علوم القرآن، ج 1  ص 8

[5] الرسالة، تح: أحمد محمد شاكر، ط: دار الكتب العلمية، ص 20

[6] أبو محمد عبد الحق بن عطية الأندلسي (ت541 ﻫ)، المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز، المقدمة، ص12.

[7] انظر: محمد بن يوسف أبو حيان الأندلسي الغرناطي (ت754ﻫ)، البحر المحيط في التفسير، المقدّمة (ج 1 / ص 109)

[8] انظر: ناصر الدين أبي سعيد عبد الله الشيرازي البيضاوي (ت691ﻫ)، تفسير البيضاوي (المسمى: أنوار التنزيل وأسرار التأويل)، المقدمة

[9] ابن تيمية، مقدمة في أصول التفسير، تح:عدنان زرزور، ط:2 مؤسسة الرسالة-بيروت1972،  ص34

[10]  انظر مقدمات كتابه "التكميل في أصول التأويل".

 

 

28-02-2009 .   الملتقى /  /    .   http://almultaka.org/site.php?id=712