/
دراسة القران في خطاب الجابري ونصر حامد أبوزيد: من الاختلاف في الرؤية.. الى التوافق الإيديولوجي
يوسف بن عدي
لقد احدث كتاب "مدخل إلى القران الكريم. في التعريف بالقران" للمفكر المغربي محمد عابد الجابري لغطا وصخبا كبيرين في الساحة العربية، لكن ليس في مستوى ما أحدثه كتاب "مفهوم النص في علوم القران" لنصر حامد ابوزيد من ضجة أدت به إلى محاكمات ثم صدامات عنيفة في مصر مابين التيار اليساري العقلاني والتيار الأصولي المحافظ. إنها سلسلة من المواجهات التي تطفح بها ثقافتنا العربية الحديثة، بدءا بنص الإسلام وأصول الحكم لعلي عبد الرزاق، ومرورا ب في الشعر الجاهلي لطه حسين، وغيرهما من القراءات التي تسلط الضوء على تراثنا القديم بمحاولاتها تقويض نظام اللاعقل ونقد مفعولات اللامعقول وامتداداته المتجذرة في الاجتماع والسياسية والمعرفة. لانسعى في هذا المقال إلى رصد إيقاع الضجة أو قياس ردود الأفعال إزاء هذا النص الفكري أو ذاك. وذلك لان هذا الأمر لا يندرج من ضمن غايات المقال. وإنما سنعمل ،من خلال هذه السطور، المقاربة المنهجية والتصورية ما بين رؤية الجابري في نصه "في التعريف بالقران" (2006)-، ومابين رؤية نصر حامد ابوزيد في كتابه "مفهوم النص في علوم القران" (1994) . فلما كان المقام لايسمح لنا في تفصيل القول في معالم المنهج والفرضيات التي تم الاستناد عليهما من قبل المفكرين.فإننا سوف نتوقف عند بعض المقاطع الأساسية من كلا النصين حتى نكشف الاختلاف أو التوافق بين الجابري ونصر حامد ابوزيد في دراستهما للقران. إن الجابري في كتابه مدخل الى القران الكريم انما يندرج في إطار الأفق المنهجي والتصوري الذي سبق وأن بلوره في نصوصه المتقدمة: المعالجة البنيوية والمعالجة التاريخية والوظيفة الإيديولوجية. فمن حيث المنهج فإنه يتأسس على الموضوعية والحياد، اعني يقول الجابري: " تعاملنا مع هذا المعهود بكل ما نستطيع من الحياد والموضوعية هو الطريق السليم في نظرنا ،يجعل القران معاصرا لنا أيضا، لا على صعيد التجربة الدينية. فذلك ماهو قائم دوما ،بل أيضا على صعيد الفهم والمعقولية"(راجع،صفحة 20 من كتاب مدخل الى القران الكريم.). أي أن خطوات المنهج عند الجابري له علاقة بالموضوعية والاستمرارية (راجع كتاب نحن والتراث، طبعة اولى ،1980 صفحات من 30 الى 37). ومن هنا ذهب بعض الباحثين الى أن نص الجابري الأخير،لم يأت بجديد يذكر. ولعل هذه الفئة لم تردد الا ما قاله الجابري نفسه من حيث خطوات المنهج ومنطلقات الرؤية، بانه يسلك" المسلك نفسه الذي سلكناه في الأجزاء الأربعة من كتابنا " نقد العقل العربي" مع هذا الفارق، وهو أن لكل مقام مقال"(راجع صفحة 19 من كتاب مدخل الى القران). ومن ثمة فالجديد لدى الجابري هو في الموضوع وليس في المنهج أو في علاقة المعرفي بالإيديولوجي، كما هو معروف في مشروعه النقدي. فالموضوع الجديد هو التفكير في "الظاهرة القرانية". وأما د. نصر حامد ابوزيد فقد اندفع الى البحث عن مفهوم النص من خلال علوم القران للاقتراب من " صياغة الوعي العلمي لهذا التراث"(راجع صفحة 10 من كتاب مفهوم النص في علوم القران،لنصر حامد ابوزيد.).فالبحث عن النص عند الكاتب المصري هو نفسه طريق الى تحديد ماهية القران. هكذا كان التأويل هو الوجه الآخر للنص، وبالتالي المدخل المركزي في دراسة القران،باعتباره نصا لغويا. ومن هنا نسجل حضور لحظتا الانفصال والاتصال في النصين على حد سواء. يقول نصر حامد أبو زيد " قراءة ما كتبه القدماء عن الموضوع أولا. ثم مناقشة آرائهم من خلال منظور معاصر ثانيا".(راجع صفحة 5 من كتاب مفهوم النص في علوم القران.). ويقول الجابري" بفضل هذا الاهتمام نجد أنفسنا اليوم مطالبين بتجديد طرح كثير من الأسئلة التي طرحت سابقا وفتح المجال لأسئلة أخرى قد تطرحها اهتمامات عصرنا الفكرية والمنهجية "(راجع صفحة 15 من كتاب مدخل الى القران). كما عبر كل من الجابري ونصر حامد ابوزيد على أهمية المعالجة التاريخية أو قراءة مسار القران من خلال تفاعله مع الواقع. يقول الجابري "نسجل هنا شعورنا بأننا قد تمكنا من جمع شتات حقائق تاريخية على درجة كبيرة من الاهيمة . نعتبرها ضرورية في أي فهم للقران وبالتالي للإسلام."(راجع صفحة 62 من كتاب مدخل الى القران). وهو الأمر ذاته، الذي يطمح اليه نصر حامد بقوله" البدء بالواقع معناه البدء بالحقائق التي نعرفها من التاريخ". (راجع صفحة 27 من كتاب مفهوم النص في علوم القران.). وهذا مايسمه الكاتب المصري بجدلية النص بالواقع من تناول ظاهرة الوحي والنبوة ، وعلاقة المكي والمدني بعلوم القران، ولواحقها من المقيد والمطلق أو المحكم والمتشابه، والإعجاز..وهي موضوعات كتاب الجابري ذاته. بيد أننا نسجل نقط القوة في انتقادات نصر حامد ابوزيد للقدماء في محطات كثيرة ومنها: نقده لمعاير المكان والمخاطبين..يقول نصر" لكن هذا المعيار معيار ناقص . ذلك أن مخاطبات القران كثيرة"(راجع صفحة 77 من كتاب مفهوم النص في علوم القران.)،في الوقت الذي يكتفي فيه الجابري بقوله في هذه المناسبة أن "الخطاب القران في مكة يتحرك ضمن المجال التداولي السائد: توحيد شرك، ايمان كفر. وأما في المدينة فالأمر يختلف" (راجع صفحة 182 من كتاب مدخل الى القران). غير أننا نتوقف في نص الجابري عند قضايا جديدة وجادة . وهو تناوله لمسألة أمية النبي. أي أن الأمي كلفظ لايوجد في اللسان العربي ،بل أن الزجاج قد أحدثه كاجتهاد ذاتي، فسار على نهجه اللاحقون. وأما قصد القران بالأميين فيعني الذين لايتوفرون على كتاب في مقابل اليهود والنصارى. وهذه المسألة قد عرج عليها نصر حامد ابو زيد يقوله "ما أنا بقارئ" لاتعني الاقرار بالعجز عن القراءة. فهذا الفهم يصح في حالة الخطأ في فهم معنى" اقرأ""(راجع صفحة 66 من كتاب مفهوم النص في علوم القران.). كما ان الجديد لدى الجابري انما يكمن في الموضوع وليس في المنهج،كما قلنا انفا، اعني ان الجابري تمكن من" الترتيب حسب النزول هو التعرف على المسار التكويني لنص القران باعتماد مطابقته مع مسار الدعوة المحمدية،فان دور المنطق أو الاجتهاد لابد أن يكون مركزيا أساسيا على المطابقة بين المسارين: مسار النبوة ومسار التكويني للقران"(راجع صفحة 223 من كتاب مدخل الى القران الكريم). وهذا الأمر لم يلتفت اليه أستاذنا نصر حامد ابوزيد. وعلى هذا فان الاختلاف بين نصر حامد ابوزيد والجابري انما يصدر عن توسل صاحب كتاب مفهوم النص بالبعد اللغوي وتحليل النص وعلاقته بالمتلقي أو القارئ.. ووفق تصورات حديثة لمقولات اللغة كنظام من العلامات لها دلائل ومدلولات. أما الجابري فانه ينحو منحى بنيوي وتاريخي في تتبع مسار القران وعلاقته بالسيرة ،وبالأديان الأخرى. لهذا اكتسى البعد التاريخي أهمية كبيرة في نص الجابري. بالرغم من وقوفنا على بعض المقاطع التي قد توحي للقارئ التوافق في المضمون، يبدأن الاختلاف هو في المنطلق والرؤية. الا أن التحالف أو التوافق انما يكمن بين هذين المفكرين في البعد الإيديولوجي. هذا الأخير الذي يظهر من خلال مناهضتهما للنظام العرفاني الاشراقي الغنوصي. لنستمع الى مقول الجابري: " عرضنا ل" حدث الوحي" المحمدي في إطاره الأصلي الخالص، وكشفنا عن التأويلات الإيديولوجية الفلسفية منها والسياسية التي ابتعدت به عن " العقل القران" لترتمي به في أعماق ما سبق أن أسميناه" اللامعقول العقلي"(راجع صفحة 395 من كتاب مدخل الى القران الكريم). وأما نصر حامد ابوزيد فقد انتقد الغزالي في نهاية كتابه مفهوم النص ، بقوله والحقيقة أن موقف الغزالي من التأويل يتسم بكثير من التناقض الذي يمكن أن يعزوه الى محاولة جمعه بين النهج الأشعري وهو نهج كلامي تلفيقي وبين النهج الصوفي وهو نهج حدسي ذوقي..."(راجع صفحة 282 من كتاب مفهوم النص في علوم القران.). والمتأتى من ذلك أن الجابري ونصر حامد ابوزيد قد التقيا في الصراع الإيديولوجي ضد العرفانيات المتفشية في بنيات المجتمع العربي.، بالرغم من اختلاف الرؤية والمنهج في دراستهما للقران.
16-03-2009 . الملتقى / / .
http://almultaka.org/site.php?id=718 |