/
العنف في الأديان الإبراهيمية
مصطفى بوهندي
ليس من شك في أن الباحث عن العنف في النصوص المقدسة في اليهودية والمسيحية والإسلام، سيجد ما يكفيه منها ليكون دليلا على إدانتها جميعا، واتهامها بأنها مصدر العنف لأتباعها، وخصوصا إذا اعتبرنا أسفار العهد القديم جزءا لا يتجزأ من أسفار الكتاب المقدس المسيحي. وليس من شك في أن الباحث العاثر على النصوص العنيفة في هذه الكتب المقدسة وما يلتحق بها، إذا لم يُلزم نفسه بالسياقات المقامية والمقالية التي ترد فيها النصوص،سيوظفها كما يحلو له في التحذير من الدين او التحريض به أو عليه، كما نراه في جل الخطابات والمجادلات الحاصلة بين أهل الأديان الثلاثة؛ حتى يتهم بعضها بعضا بأنها سبب العنف الحاصل في العالم، فيُحرض بعضها على بعض، ويلعن بعضها بعضا. ولا شك أن قراءة جديدة لتلكم النصوص نفسها في سياقاتها المقامية والمقالية، مع التفريق بين ما هو تاريخي نسبي يرتبط بظروف الإنسان المختلفة السياسية والاجتماعية والثقافية والايديولوجية، وبين ما هو رباني مطلق يرتبط بالمبادئ الأساسية والقيم العليا التي جاء من أجلها الرسل وأٌنزلت من أجلها الكتب، لقادرة على ان تمنحنا القدرة على إعطاء ما لله لله وما لقيصر لقيصر؛ فلا يختلط البشري بالرباني، ولا يقع الناس في العنف المتبادل الذي تحدثنا عنه. وسأختار بعض الأمثلة للمدارسة من الكتب المقدسة والقرآن الكريم. وردت قصة ابني آدم في سفر التكوين[1] متحدثة عن أول حادثة قتل طرأت في الأرض؛ وقرئت القصة في التقليد اليهودي والمسيحي باعتبارها نصا في الدفاع عن "اليهودي القاتل" وعقاب من يرغب في معاقبته عن الجريمة التي قام بها، لأنه "مختار الرب"، إذ أن أمه لما ولدته قالت:"اقتنيت رجلا من عند الرب" ،ولذلك سمي قايين، ورغم أنه قتل نفسا بغير حق، "فقد جعل الله له علامة لئلا يقتله كل من وجده"، "ولذلك فمن قتل قايين فسبعة أضعاف ينتقم منه"؛ وترسخت بذلك فكرة الدفاع عن "قايين القاتل" لأنه "مختار الله" ومن قتله فسبعة أضعاف ينتقم منه؛ و"قايين الله" لم يعد فردا وإنما أصبح شعبا، "شعب الله المختار"، ولهذا الشعب الحق في أن يقتل، وقتله دفاع عن النفس مشروع؛ وليس من حق أحد أن يقاوم إجرامه أو يقاضيه أو يعاقبه، لأنه "قايين الله"... وهو ماجعل كل القيم التي وصلت إليها البشرية تصبح لاغية، إذا تعلق الأمر بأحد أفراد ذلك الشعب المختار المقتنى. نفس القصة قرئت قراءة جديدة في سورة المائدة[2] من القرآن الكريم، قراءة سماها القرآن "تلاوة الحق"، "واتل عليهم نبأ ابني آدم بالحق"، أعاد فيها الاعتبار للنفس البشرية بغض النظر عن انتماءاتها، لشعب الله المختار أو لغيره من الشعوب، للدين اليهودي أو لغيره من الأديان، تقبل الله منه أو لم يتقبل الله منه. وبهذه التلاوة القرآنية الجديدة، استطعنا أن نفهم لماذا ذكرت القصة في التوراة وما هي الأبعاد الإنسانية لهذه القصة؟ وما هي مراميها؟؛ فالحديث عن ابني آدم يحيل إلى قتال الإخوة البشر، الذين هم من أب واحد هو آدم أبو البشر جميعا؛ والقربان الذي تقبله الله والقربان الذي لم يتقبله، يحيل إلى اختلاف العبادات والطقوس والأديان التي يتداولونها، والتي هي في الأساس مرماها واحد، هو إرضاء الله عز وجل، فلو صدقوا الله لصدقهم؛ ومن تم فالخلاف بين أهل الأديان يحال إلى الله، والفصل فيه يؤجل إلى يوم العرض عليه؛ والصالح من المختلفين هو الذي لا يبسط يده لأخيه بالقتل والإجرام، والمجرم منهم هو الذي يجرؤ على سفك دم أخيه، حتى يصرخ هذا الدم إلى الله طالبا الجزاء العادل، فينال المجرم لعنة لا تفارقه أبدا ويخسر الدنيا والآخرة ويكون من النادمين. إن هذه التلاوة القرآنية الجديدة تعيد للنص التوراتي قيمته الإنسانية الخالدة، فكتاب الله هدى ونور خالدان للعالمين، ومحاولات إطفاء نور الله بأفواه المجرمين لا تفلح، لأن كلمات الله لا تبديل لها، ولا يسقط كلمة أو حرف مما تكلم به الله ولو كره الكافرون... لقد أعاد القرآن الكريم تلاوة النص المؤسس للفكر العنصري في الثقافة اليهودية-المسيحية القائل: "من أجل ذلك فمن قتل قايين فسبعة أضعاف ينتقم منه"، بقوله: "من أجل ذلك كتبنا على بني اسرائيل أنه من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض، فكأنما قتل الناس جميعا"؛ وبذلك أعادت التلاوة القرآنية الاعتبار للبعد الإنساني والأخوة البشرية وللهدف التوراتي من ذكر القصة، والذي هو حماية البشر جميعا بعضهم من بعض، وإن اختلفت أديانهم وتناقضت توجهاتهم، وادعى بعضهم أن الله يقبل منه ولا يقبل من مخالفه، وإن للنفس الإنسانية قيمة خاصة بغض النظرعن الاعتبارات الأخرى بما فيها الدين والعقيدة. إن المتقين هم أحق الناس بالحفاظ على الحياة الإنسانية، والدفاع عنها، بل والدفاع عن حق المخالفين في هذه الحياة، لأنها هبة الله؛ ومن أجل هذه القصة شُرع القصاص من المجرمين لا الدفاع عنهم كما يذهب إليه أصحاب القراءة العنصرية. وإن هذه التلاوة القرآنية وإن خالفت المنحى العنصري الذي وجدناه في هذا النص لتتفق مع فحوى النصوص الأخرى الكثيرة والأساسية في أسفار العهد القديم والجديد، كلها تحرم القتل، وتجعل القاتل ملعونا، وتدينه وتطالب بعقابه، مما يكشف الانحراف الذي سار إليه النص المعاد تلاوته؛ ومن هذه النصوص ما ورد في سفر التكوين أن "سافك دم الإنسان يسفك دمه"[3]، وما ورد في سفر الخروج "أن القاتل يقتل"[4]؛ وهو ما يتوافق مع الوصايا العشر والتي فيها "لا تقتل"،ويتوافق مع بعض أجزاء النصوص الواردة في قصة ابني آدم نفسها، مثل: "ملعون أنت من الأرض التي فتحت فاها لتقبل دم أخيك"، فكيف يكون للملعون حماية وآية تمنع الناس من أن يقيموا عليه العقوبة التي يستحقها؟. إن كلام القاتل وهو "يحتج على الله" هو "بيان حالة"، أراد الكاتب الراوي/ الشارح/ الحاخام، أن يبلغها إلى الناس، وهذه "الحالة" هي حالته هو والمجموعة التي ينتمي إليها؛ وهي وضعية اجتماعية تدل على الهروب والتيه والمطاردة من طرف الأعداء المستعدين لقتله في كل آن وحين، كما تدل على وضعية نفسية تعترف بالذنب، وباستحقاق ما هي فيه، وتشعر بالخوف وترغب في الخلاص من الناس المحيطين، باعتبارهم أعداء يرغبون في القضاء عليها واستئصالها؛ ومن تم تعطي لنفسها الحق في الدفاع عن نفسها ضد هؤلاء الأعداء، الذين يصبحون هم كل إنسان مخالف في الانتماء، فإن قُتل فلأنه يستحق القتل، خوفا من أن يعتدي على قاتله، فيحصل بذلك على مشروعية القتل هذه؛ بل إنه يُطالب بآية أو علامة تحقق له هذه الحماية المطلقة ضد كل الأعداء؛ ويستجيب الله له، ويجعل له علامة لئلا يقتله كل من وجده، ويشرع من أجله قانونا يجعل "قاتل قايين ينتقم منه سبع مرات". لم تكن الحركة الصهيونية المسيحية وهي تهيىء مشروعها الاستعماري العالمي تبتعد كثيرا عن روح هذا "النص"، فالرجل الأبيض المبارك هو "قايين الرب"، ومن تم فإن له مشروعية القتل، بل والإبادة الجماعية أحيانا، حتى يحقق"مملكة الله الموعودة"، ولم يكن اليهود المضطهدون في العالم المسيحي يعنون لهذه الحركة شيئا كثيرا، إلا باعتبارهم "مشكلة يهودية" تحتاج إلى حلّ؛ والتقى الهوى الصهيوني المسيحي في التخلص من"المشكلة اليهودية"، مع الهوى الصهيوني اليهودي العلماني في إقامة دولة قومية يهودية يجتمع فيها يهود العالم؛ وصادف كل ذلك كيانا إسلاميا مريضا، أنهكته الأزمات والتخلف والصراعات الداخلية والمؤامرات الخارجية، وكان مطمعا لتلكم القوى الناهضة المسيحية واليهودية التي اتخذته هدفا لمخططاتها الاستعمارية، فتقاسمته فيما بينها، وزرعت في خصره دولة يهودية وظيفية، جعلتها "قايين الرب" ومختاره، وجعلت لها علامة ودليلا لئلا يقتله كل من وجده، وإن قام هو بالقتل والتشريد والفساد في الأرض؛ كما كان المسيحيون قد جعلوا -من قبل- لأنفسهم علامات، تحميهم من كل الملاحقات الشرعية والقانونية التي يمكن أن تتابعهم بها شعوب العالم. وهكذا أقيمت مملكة يسرائيل على رفات ودماء وصدور سكان المنطقة في فلسطين، ونالت هذه المملكة كل الرعاية والحماية والشرعية المسيحية اللازمة، من الانجليز والفرنسيين أولا ومن باقي المستعمرين الأوربيين؛ ثم كفلتها أمريكا التي أخذت على كاهلها تنفيذ النص القائل: "كل من قتل قايين فسبعة أضعاف ينتقم منه"؛ بل ذهبت إلى تنفيذ ما قاله حفيد قايين لامك لزوجتيه: "إني قتلت رجلا لجرحي وفتى لشدخي"، "ومن قتل لامك فسبعين ضعفا ينتقم منه"[5]؛ واعتبرت الولايات المتحدة الأمريكية نفسها هي الراعي المباشر، والحامي الأساسي لاسرائيل وأمنها، على حساب سكان المنطقة جميعا؛ وجعلت لها علامة وآية في مجلس الأمن الدولي، ضد كل من يطالب بمعاقبتها على جرائمها التي لا تعد ولا تحصى؛ ولذلك فإن جل الانتقاضات التي وقعت في القرارات الدولية كانت من طرف الولايات المتحدة الأمريكية، ضد المطالبين بمعاقبة اسرائيل أو إدانتها، فكان حق النقض واحدة من العلامات التي جعلتها قوى الضغط المسيحي ل"قايين الرب" اسرائيل. ما طرأ في غزة من جرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب، لم يكن إلا واحدة من سلسلة طويلة من جرائم "قايين أمريكا وحلفائها" في فلسطين؛ والملاحظ أن التوقيت الذي يختاره "مجرمو الحرب" الإسرائيليين لتنفيذ جرائمهم، يرتبط في الغالب بفترة ما قبل الانتخابات الرئاسية في الكيان الصهيوني اليهودي؛ والملاحظ أن الرسالة التي يريد أن يوصلها المجرمون إلى مواطنيهم، ترتبط بمدى القدرة على إسقاط أكبر عدد من القتلى، وسفك أكبر للدماء، بما فيها دماء الأطفال والشيوخ والمدنيين، وإلحاق أكبر قدر من الدمار، في الحرث والنسل، والإفساد في الأرض؛ ومن خلال نتائج تلك الجرائم يحصل المرشحون على أصوات ناخبيهم، فمن كان أكثر بطشا وقوة في الوصول إلى الأهداف التي أعلنها إلى ناخبيه، حصل على أصوات أكثر، ومن لم يستطع تحقيق أهدافه المرسومة خسروتبّ؛ وهكذا يكون البطش والعنف والقتل والتدميرهو الطريق إلى النجاح والفوز والنصر والقيادة السياسية في مجتمع "قايين أمريكا وحلفائها"؛ إن ثقافة العنف في هذا الواقع السياسي تزيد في إضرامها النصوص المختارة الدينية من الكتاب المقدس، التي يوظفها رجال الدين ورجال السياسة، للحصول على الشرعية والمشروعية، والاحتفاظ بها؛ وهو يبين لنا أن الثقافة اليهودية يعيش أهلها في الأزمنة التوراتية، ويؤثث رؤيتهم صف من الشخصيات العظيمة، التي اتُخذت مُثُلا عظمى، كأمثال قايين ويشوع وشاول وداوود، وغيرهم من أصحاب البطولات والملاحم؛ وهم مستعدون لمساندة أي واحد من المرشحين للقيادة، إذا كان يحمل صفات هؤلاء العظماء، كما عرضهم "الكتاب المقدس الحاخامي"، فداود الذي يقتل بالمئات، وشاوول الذي يقتل بالروابي، ويشوع الذي يبيد القرى والمدن ولا يترك منها أحدا، حتى الغنم والبقر والشجر والحجر، ويعلق في آخر كل إبادة لإحدى المدن ملكها على الشجرة، وينزله إلى الأرض في المساء، ويجعلون عليه رجمة من الحجارة، تبقى شاهدا على فعل بني اسرائيل إلى يوم الراوي[6]؛ كل هذه الشخصيات يعاد احياؤها اليوم على يد قادة الكيان الاسرائيلي، ويستقبلها مواطنوهم باعتبارها إحياء للأمجاد، وتحقيقا للنبوءات، وتثبيتا لحق "الشعب المختار، قايين الرب" في القيام بما شاء من جرائم في حق شعوب المنطقة، وخصوصا شعب فلسطين المقيم -وللأسف- ب"أرض الميعاد" كما يدعون. أما من الجهة المسيحية، فأمريكا البروتستانتية "راعية اسرائيل" و"ضامنة أمنها"، هي صاحبة "مشروع العنف" في المنطقة في الوقت الحالي، بعد أن تسلمت قيادته من "الدول الاستعمارية القديمة، " وخصوصا " انجلترا وفرنسا وباقي الدول الغربية المسيحية"، والتي لا زالت تساهم في هذا المشروع، بما أوتيت من قوة مع تفاوت نسبي بين المساهمين؛ ويتغذى مشروع العنف هذا من ثقافة دينية بروتستانتية تتقوى يوما بعد يوم، بسبب الارتباط المتزايد بين الدين والسياسة في المجتمع الأمريكي، وبسبب قوة التحالف المسيحي-اليهودي على المستويات الاقتصادية والسياسية والعسكرية والإعلامية؛ فأصبحت التوجهات الدينية هي المحدد الأساسي لمستقبل أي فرد أو جهة على جميع المستويات، وخصوصا السياسية منها، وأصبح موضوع "الموقف من اسرائيل" هو الفيصل في قبول أو رفض أي مرشح للقيادة في المجتمع الأمريكي، بدءا من المسؤوليات البسيطة وانتهاء برئاسة الدولة؛ ولابد لهذا المرشح من الاعتراف ل"قايين أمريكا وحلفائها" بحقه المطلق واللامشروط في فعل ما يشاء في منطقة الشرق الأوسط وباقي أقطار العالم، وأن يقدم هذا المرشح ضمن مشروعه السياسي ما يساعده على تحقيق أمن اسرائيل، وتوسعها ونصرها على أعدائها حتى يتم القضاء عليهم. ولقد كان للكنائس البروتستانتية التلفزيونية، والتي يقدرالمنخرطون في بعضها بعشرات الملايين، الدور الكبير في نشر ثقافة النهايات، المرتبطة بقيام دولة اسرائيل ومجيء المسيح المنتظر، والقضاء على محور الشر في العالم؛ وزيادة على هذا الدور التثقيفي الخطير في تبرير العنف الاسرائيلي في المنطقة، وكذلك العنف الأمريكي، وهو الأكبر، فإن هذه الكنائس الصهيونية تدفع إدارة الولايات المتحدة الأمريكية، عبر القوة الجماهيرية التي تكتسبها، إلى الدعم اللامشروط واللامحدود للكيان الاسرائيلي، بالمال والسلاح والحماية السياسية وكل ما يسمح له بالإسراف في الإجرام والعنف، ومن ثم فإن هذه الكنائس هي"الحامية الفعلية لقايين القاتل من أن يقتله كل من وجده"، وهي التي جعلت له: "من قتل قايين فسبعة أضعاف ينتقم منه"؛ ومن العلامات الحامية لهذا الكيان ما يعرف ب"معاداة السامية" أو ب"الارهاب"، أوبغيرها مما يعرض المتهم بها للخوف والهرب والتيه والقتل، وكل ما اشتكى منه "قايين" عندما اعترف بذنبه، وبذلك يتحول "الضحية إلى مجرم" و"المجرم إلى ضحية" أمام مرأى ومسمع العالم كله وبمباركة منه؛ وهو ما يرشح دوامة العنف للدوران بأقصى سرعة ممكنة، وبشكل متزايد. قد يعجب الدارس للسبب الذي يجعل اليهودية والمسيحية يتحالفان فيما بينهما، في اطار ثقافة واحدة يهودية-مسيحية ضد العالم الإسلامي بالخصوص وضد ثقافته؛ رغم ما عانته المسيحية في نشأتها من اليهود ومن دينهم، وما عاناه اليهود في القرون الوسطى من المسيحيين ودينهم خصوصا في أوربا، بينما عاش اليهود قرونا عدة في كنف المسلمين من غير مشاكل تذكر، وخصوصا إذا قورن الأمر بمعاناتهم في العالم المسيحي. إلا أن الاطلاع على الصورة النمطية الموجودة في أسفار العهد القديم، عن العربي المتوحش ابن الجارية، والتي رسمها ابن عمه وغريمه اليهودي، هي التي تشبع بها رجل الدين المسيحي، وساهمت في ترسيخها أحداث تاريخية متعددة بين المسلمين والمسيحيين، من أهمها الحروب الصليبية والفتوحات الإسلامية؛ فأصبحت صورة العربي والمسلم واحدة، وهي صورة نمطية سلبية، تعتبرالإسلام دينا متخلفا، وهو إعادة كتابة لما أخذه محمد صلى الله عليه وسلم من الديانات السابقة وخصوصا اليهودية والمسيحية، وصاغه بلسان عربي مبين، وهو دين غزو وسبي وغنائم وجنس وكل صفات العربي المتوحش الواردة في نصوص كتابية مختلفة. ولما جاءت حركة الإصلاح الديني البروتستانتية، وأحدثت القطيعة مع الوسيط الكاثوليكي والارثوذكسي، ووجهت أتباعها لقراءة النص الديني بلغاتهم المحلية، دون تفاسير الآباء القدامى وتعليقاتهم على الكتاب المقدس؛ فإنها رجعت في المقابل إلى تفسيرات الأحبار والربيين اليهود في التلمود وغيره من الكتابات الموازية؛ وكان لتلكم الكتابات كبير الأثر في تثبيت الصورة النمطية القديمة عن العربي وعن دينه. وأصبح العربي المسلم مجسدا لشعوب المنطقة جميعا، وأصبح ذلك الحق الذي أعطاه الكتاب المقدس لبني اسرائيل، في احتلال الأرض وطرد أهلها منها وقتلهم وتشريدهم وغير ذلك، ومنهم الكنعانيون والفرزيون والأموريون واليبوسيون والفلستيون وغيرهم، حقا في أراضي المسلمين واحتلالهم وفعل كل ما ذكرعن الشعوب الواردة في الكتاب المقدس؛ وهو ما جسدته القوى الاستعمارية في مخططاتها في تقسيم إرث "الرجل المريض" بين الحلفاء المسيحين، وتخصيص فلسطين "الأرض بلا شعب" لليهود "الشعب بلا أرض". إن الغرب المسيحي الذي حصل على قوة الحديد والنار في القرون الأربعة الأخيرة، وانفتحت أمامه أبواب العالم الجديد، وخصوصا بلاد أمريكا، لم يتورع في تعامله مع بقية شعوب العالم بعنف شديد، أدّى في كثير من الأحيان إلى إبادة شاملة لشعوب بأكملها، والتاريخ الأوربي الاستعماري شاهد على مقدار العنف المستعمل، تارة باسم الله وتارة باسم الإنسانية. صحيح أن الغرب المسيحي قد استفاد كثيرا من دروس التاريخ الدموي، وابتكرآليات جديدة لتدبير الاختلاف الديني والسياسي والمذهبي، أدّت به للتعاون والوحدة والانسجام، وتكوين تكثلات عظيمة، زادته قوة على قوة، ومنها مؤخرا "الاتحاد الأوربي"؛ بغض النظر عن الاختلافات اللغوية والقومية والعرقية والدينية والمذهبية والسياسية؛ غير أن الرؤية الدينية القديمة لازالت تقود سياساته اتجاه العالم العربي والإسلامي، وخصوصا في منطقة ما اصطلح عليه ب "الشرق الأوسط" وبلاد فلسطين. ففلسطين "أرض الميعاد" التي أقيمت فيها "مملكة اسرائيل" منذ1948م، واحتُلت فيها القدس سنة1967م، والمخطط لإقامة "هيكل سليمان" فيها على انقاض "المسجد الأقصى" منذ مطلع التسعينات، تمثل بالنسبة لعقيدة النهايات المسيحية، "أرض المواعيد وتحقيق النبوءات، قبل مجيء المسيح المنتظر الذي سيملأ الأرض عدلا بعد أن ملئت ظلما وجورا؛ وكل ما يطرأ في هذه الأرض وفي ما يجاورها، بما فيها الحرب على العراق، هي علامات النهاية التي تنبأ بها السيد المسيح في مجيئه الأول، عندما أخبر تلاميذه بأن الزلازل والحروب هي مقدمة النهاية، قبل مجيئه الثاني في مجده. ولعل أكبر حدث تنتظره المسيحانية في توقعاتها للنهاية، هو موقعة "هرمجدون"، حيث تكون المعركة الفاصلة بين المسيح المنتظر الذي ينتمي للغرب المسيحي وحلفائه، وبين المسيح الدجال الذي ينتمي للشرق الإسلامي وحلفائه؛ وهي معركة سيتعرض فيها محور الشر(الإسلامي) للإبادة الشاملة، وبعد ذلك يحكم المسيح المنتظر ألف عام حيث تعيش البشرية في سلام وأمن، ثم يكون المنتهى. وقبل هذا الحدث المؤذن بالنهاية، فإن الفكرالمسيحاني يهيىء بكل قوته وماله وأسلحته لإقامة "الهيكل" المزعوم، حيث نجد في أكثر الكنائس الأمريكية البروتستانتية، صورة أو مجسما لهذا الهيكل، مع ما يكفي من الشروح اللازمة والبيانات الضرورية، وصندوق استقبال المساعدات والمساهمات المالية والمعنوية لإقامته. وفي مقابل هذا الإعداد المسيحي، هناك الإعداد اليهودي الذي تقوم به "مملكة اسرائيل"، من خلال مخططاتها لهدم المسجد الأقصى، وإفراغ مدينة القدس من سكانها، وتهجيرهم وهدم بيوتهم، وإبادتهم إذا اقتضى الأمرذلك... ولعل هذه النقطة وحدها كافية لنفهم سبب التحالف الاستراتيجي بين الولايات المتحدة الأمريكية والغرب المسيحي عموما، مع "دولة اسرائيل" باعتبارها دولة وظيفية تقوم بتنفيذ مهمات مسيحية كبيرة في المنطقة؛ ولنفهم أسباب السكوت الأمريكي والأوربي عن المذابح والمحارق التي تقوم بها اسرائيل في فلسطين، ويقوم بها الجيش الأمريكي والأوربي في غير ما منطقة من العالم الإسلامي، وهو ما يكشف لنا أن فكر "حروب الاسترداد الدينية" المسيحية لايزال يقود السلوك السياسي الدولي، وأن "قايين أمريكا وحلفائها" هو صناعة غريبة مسيحية، في اطار الصراع مع العالم الإسلامي-العربي ودينه ورسوله، الذي اعتبره بعض مفكري عصر الأنوار هو وبابا روما، يمثلان "المسيح الدجال" الذي سيقضي عليهما المسيح المنتظر في آخر الزمان. وهكذا تكون عقيدة النهايات المسيحية واليهودية أساسا فكريا للعنف في العالم، وتكون "اسرائيل" "قايين أمريكا وحلفائها" رأس حربة السهام المسيحية في خصر العالم الإسلامي، وهو ما ينذر باستمرار العنف وتزايده إلى ما لا نهاية. كل هذا لن يشفع للعالم الإسلامي ويبرئه من تحمل نصيب مساهمته في العنف الدائر؛ فإذا كان "الشعب المختار" هو "قايين الرب"، وكان "الرجل الأبيض" هو "مبارك الرب"، فإن "خير أمة أخرجت للناس" تحمل بعض صفات التكبر والعنصرية التي يحملها "الشعب المختار" و"الرجل الأبيض"؛ وإذا كان "محمد(صلعم)" حسب الفكرين المسيحي واليهودي رجل كاذب اختلق دينا جديدا، هوعبارة عن مزيج بين ما وجد في اليهودية والمسيحية والأساطير المرتبطة بهما، وأنه دين غزو وسبي وغنائم وجنس، فإن ما عند اليهود والنصارى -حسب أكثرالمسلمين- قد انتهت صلاحيته، وهو منسوخ بما جاء به محمد(صلعم)، ودين باطل لا يقبله الله، لأن الدين عند الله الإسلام، ومن ابتغى غير الإسلام دينا فلن يقبل منه، وهو في الآخرة من الخاسرين، ومن لم يدخل في دين محمد (صلعم) فليس على شيء، وهو كافر ومشرك ويدخل النار ولا يدخل الجنة، ولا يقبل الله منه عملا ولا عدلا في الدنيا والآخرة، وهو مهدور الدم حلال دمه، والعلاقة معه تكون بإحدى وجوه ثلاثة: إما أن يدخل في الإسلام ، فيصير أخا في الدين ومولى، وإما أن يدفع الجزية عن يد وهو من الصاغرين، فيكون من أهل الذمة، وإما الحرب والقتال: "فأما تثقفنهم في الحرب فشرد بهم من خلفهم"؛ وليس صحيحا –في نظرهم- ما يذهب إليه دعاة السلام من المسلمين، الذين يدعون إلى الحوار والكلمة السواء والصفح والغفران ويستشهدون على ذلك بآيات من القرآن، لا يعلمون أنها نسخت جميعها بآيات السيف. هذه المقولات الإسلامية انبنت عليها في تاريخ المسلمين مآسي عديدة في العلاقة مع غير المسلمين، وقد كان بعضها دافعا من دوافع الصراع والحرب ضدهم، في الفتوحات الإسلامية في بعض الأحيان تحت مسمى الجهاد في سبيل الله، وهو أمر له ما يقابله في التاريخ اليهودي والمسيحي كذلك. كما أن هذه "المقولات الإسلامية" هي مقولات اقصائية، لا تسمح بالحوار والتفاهم والتعاون والتعايش مع المخالفين في الدين، وقد كانت عائقا حقيقيا أمام التعرف على ما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم من طرف أكثر المخالفين؛ وقد أدت هذه المقولات وما يترتب عليها من مواقف وسلوك عنيفة عند المسلمين إلى ردود فعل مسيحية ويهودية، توازيها عنفا وشراسة وتزيد عليها في كثير من الأحيان. إن أكثرهذه "المقولات الإسلامية" ناتجة عن قراءات تاريخية، في نصوص قرآنية وحديثية مفصولة في أغلب الأحيان عن سياقاتها المقامية والمقالية، ومربوطة بواقع ثقافي واجتماعي وأيديولوجي أثر عليها تأثيرات مباشرة، جعلها تنزاح عن مفاهيمها الربانية الأصيلة، إلى مفاهيم ضيقة وخاضعة لذلك الواقع بدرجة من الدرجات؛ وبإعادة قراءة تلك النصوص نفسها في سياقاتها المقالية والمقامية، يتبين أن مفهوم الإسلام أكبر من أن يحصر في تجربة المسلمين التاريخية، وإنما هو دين الله الذي جاء به إبراهيم وموسى وعيسى والنبييون من ربهم، فكل الأنبياء مسلمون، وإبراهيم هو الذي سمانا المسلمين من قبل، وكذلك في الكتب السابقة وفي هذا القرآن، وأتباع الأنبياء هم مسلمون وتجربتهم إسلامية؛ ومن ثم فإن التجربة اليهودية والمسيحية إسلامية، كما هو الأمر بالنسبة للتجربة المحمدية سواء بسواء. وفي هذا يقول الله سبحانه وتعالى: "إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آَمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (62)"[7]. كما يتبين أن مفهوم الكفر مرتبط برفض الحق والتنكر له بعد معرفته، وهو أمر عام في الناس ليس لكونهم يهودا أو نصارى أو مسلمين، وأن حديث القرآن عن أهل الكتاب لم يكن واحدا، وأهل الكتاب ليسوا سواء، فمنهم الراسخون في العلم والمؤمنون، الذين يتلون كتاب الله آناء الليل والنهار ويقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة، ويعملون الصالحات ويسبقون بالخيرات، ومنهم الأميون والجهلة، والذين يشترون بآيات الله ثمنا قليلا ويحرفون الكلم عن مواضعه، ويؤمنون ببعض الكتاب ويكفرون ببعض ويلبسون الحق بالباطل ويكتمون الحق وهم يعلمون... أما المطلوب منهم –حسب النصوص القرآنية- فهو إقامة التوراة والانجيل وما نزل إليهم من ربهم، وليس ترك دينهم والدخول في دين محمد صلى الله عليه وسلم، وإنما معرفة أن محمدا واحد من الأنبياء والرسل الذين بعثهم الله بالحق، وأنه مصدق لما بين أيديهم من التوراة والانجيل، يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر، ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث، ويضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم؛ ومن ثم فدينهم لم يبطل ولم ينسخ ولم تنته صلاحيته، والذي لم يدخل في هذا الدين الجديد بنسخته المحمدية لن يهدر دمه، ولن يفرض عليه أحد أن يغير دينه، ولا تفرض عليه جزية، لأنه لا إكراه في الدين، ونص الجزية يقرأ في سياقه الحربي؛ وأن الجهاد لا علاقة له بفرض الدين على الناس أو نزعه، وإنما بالدفاع عن النفس ضد المعتدين الظالمين؛ وأن علاقة المسلمين بغيرهم من أهل الأديان إنما هي علاقة بر وقسط، لا علاقة لها بذمة أو جزية أوقتال أو فرض إسلام[8]؛ أما القول بأن ما جاء به محمد (صلعم) قد نسخ ما قبله، وأن آية السيف قد نسخت كل آيات الحوار والكلمة السواء والصفح والغفران، فهذا محض افتراء وبهتان على الله ورسله؛ بل إن آية السيف لها موضعها الذي لا ينبغي إخراجها عنه، وهو موضع الحرب والدفاع عن النفس ضد المعتدين؛ أما باقي المواضع فهو الكلمة الطيبة والسلوك الحسن والعمل الصالح والبر والقسط الذين يحبهما الله سبحانه؛ أما نسخ الأديان، فمحمد صلى الله عليه وسلم جاء مصدقا ومذكرا ومبينا ما جاء في الصحف الأولى صحف إبراهيم وموسى، ولم يبطل منها شيئا، أو يزيله لأنها كلمات الله التي لا تبديل لها، وكل هذه القضايا تحتاج إلى إعادة قراءة داخل نسق القرآن الكريم وسياقاته لا خارجه. كل هذا يبين أن حاجة الأديان الثلاثة الإبراهيمية إلى إعادة قراءة داخل سياقات نصوصها المؤسسة، وليس في اطار مفاهيمها التاريخية، كفيلة بالمساعدة في القضاء على العنف الناشئ من هذه الأديان ومن خطاباتها الأيديولوجية. ف "الشعب المختار" الذي "فضله الله على العالمين"، وعقد معه عهدا على ذلك، عليه أن يوفي بعهد الله فيوفي الله بعهده: "أوفوا بعهدي أوف بعهدكم"، وما "العهد" إلى بني اسرائيل إلا أن يسيروا أمام الله بكمال واستقامة، كما كان العهد إلى إبراهيم، بأن "يكون كاملا ويسير أمام الله باستقامة"[9]، فلما وفّى عهده لله جعله الله إماما للعالمين، وسماه "إبراهيم"[10] بمعنى أبو جمهور من الأمم، وليس أبو أمة واحدة، وجزاه على وفائه بعهده، بأن باركه وجعله بركة لتتبارك فيه جميع أمم الأرض، وليس أمة واحدة، كما يدعي بنو اسرائيل ومن وافقهم في دعواهم الكاذبة؛ ف "الشعب المختار" هو الشعب المنفتح على الناس في العالم، الذي يباركهم وينفعهم ويسبق بالخيرات، وليس الذي يتكبر عليهم ويضرهم ويقتلهم ويكون بمثابة اللعنة عليهم؛ وفي ذلك يقول الإنجيل عن يوحنا المعمدان:فَلَمَّا رَأَى كَثِيرِينَ مِنَ الْفَرِّيسِيِّينَ وَالصَّدُّوقِيِّينَ يَأْتُونَ إِلَى مَعْمُودِيَّتِهِ قَالَ لَهُمْ: «يَا أَوْلاَدَ الأَفَاعِي مَنْ أَرَاكُمْ أَنْ تَهْرُبُوا مِنَ الْغَضَبِ الآتِي؟ (8) فَاصْنَعُوا أَثْمَاراً تَلِيقُ بِالتَّوْبَةِ. (9) وَلاَ تَفْتَكِرُوا أَنْ تَقُولُوا فِي أَنْفُسِكُمْ: لَنَا إِبْراهِيمُ أَباً. لأَنِّي أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّ اللَّهَ قَادِرٌ أَنْ يُقِيمَ مِنْ هَذِهِ الْحِجَارَةِ أَوْلاَداً لِإِبْراهِيمَ. (10) وَالآنَ قَدْ وُضِعَتِ الْفَأْسُ عَلَى أَصْلِ الشَّجَرِ فَكُلُّ شَجَرَةٍ لاَ تَصْنَعُ ثَمَراً جَيِّداً تُقْطَعُ وَتُلْقَى فِي النَّارِ.[11] وفي ردّ السيد المسيح عليه السلام على ما قاله الكهنة اليهود الذين أرادوا قتله، من أنهم أبناء إبراهيم، قال: "«لَوْ كُنْتُمْ أَوْلاَدَ إِبْرَاهِيمَ لَكُنْتُمْ تَعْمَلُونَ أَعْمَالَ إِبْرَاهِيمَ! وَلَكِنَّكُمُ الآنَ تَطْلُبُونَ أَنْ تَقْتُلُونِي وَأَنَا إِنْسَانٌ قَدْ كَلَّمَكُمْ بِالْحَقِّ الَّذِي سَمِعَهُ مِنَ اللَّهِ. هَذَا لَمْ يَعْمَلْهُ إِبْرَاهِيمُ.[12] " " أَنْتُمْ مِنْ أَبٍ هُوَ إِبْلِيسُ وَشَهَوَاتِ أَبِيكُمْ تُرِيدُونَ أَنْ تَعْمَلُوا. ذَاكَ كَانَ قَتَّالاً لِلنَّاسِ مِنَ الْبَدْءِ وَلَمْ يَثْبُتْ فِي الْحَقِّ لأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ حَقٌّ. مَتَى تَكَلَّمَ بِالْكَذِبِ فَإِنَّمَا يَتَكَلَّمُ مِمَّا لَهُ لأَنَّهُ كَذَّابٌ وَأَبُو الْكَذَّابِ[13]. وأما "الرجل الأبيض المبارك"، فعليه أن يسير على خطى المسيح، وأن يتّبع أقواله والتي من جملتها "أحبوا أعداءكم وأحسنوا إلى مضطهديكم"[14]، ولن يكون هذا الرجل مباركا إلا إذا نشر البركة والسلام والمحبة بين جميع الناس في الأرض متناسيا الأحقاد والكراهية واللعنة التي هي من عمل الشيطان. أما "خير أمة أخرجت للناس"، فلن تحصل على هذه الخيرية إلا إذا أمرت بالمعروف ونهت عن المنكر وآمنت بالله ورسله وكتبه ولم تفرق بين أحد من رسله، وكانت رسالتها "رحمة للعالمين" ولم تبخس الناس أشياءهم، وفهمت أن اختلاف الأجناس والألوان والأديان والألسنة إنما هو من أجل أن يتعاون الناس على البر والتقوى، وليس على الإثم والعدوان؛ وأن يمدّوا أيديهم بعضهم لبعض بالخير والحب والبر والقسط والعفو والصفح، وأن يسترشدوا بقوله تعالى:" وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آَيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (103) "[15]. هذه بعض نصوص الخير والحب والسلام والرحمة المؤسسة للأديان الإبراهيمية، نحتاج إلى إعادة قراءتها وتوظيفها من جديد لنبذ العنف والكراهية، ونشر البركة والرحمة في الأرض، فيظهر بذلك الهدى ودين الحق على الدين كله، في العالم المعاصر. [1] سفر التكوين الإصحاح الرابع عدد 1- 15. ونصه::1-15 وَعَرَفَ ادَمُ حَوَّاءَ امْرَاتَهُ فَحَبِلَتْ وَوَلَدَتْ قَايِينَ. وَقَالَتِ: «اقْتَنَيْتُ رَجُلا مِنْ عِنْدِ الرَّبِّ». (2) ثُمَّ عَادَتْ فَوَلَدَتْ اخَاهُ هَابِيلَ. وَكَانَ هَابِيلُ رَاعِيا لِلْغَنَمِ وَكَانَ قَايِينُ عَامِلا فِي الارْضِ. (3) وَحَدَثَ مِنْ بَعْدِ ايَّامٍ انَّ قَايِينَ قَدَّمَ مِنْ اثْمَارِ الارْضِ قُرْبَانا لِلرَّبِّ (4) وَقَدَّمَ هَابِيلُ ايْضا مِنْ ابْكَارِ غَنَمِهِ وَمِنْ سِمَانِهَا. فَنَظَرَ الرَّبُّ الَى هَابِيلَ وَقُرْبَانِهِ(5) وَلَكِنْ الَى قَايِينَ وَقُرْبَانِهِ لَمْ يَنْظُرْ. فَاغْتَاظَ قَايِينُ جِدّا وَسَقَطَ وَجْهُهُ. (6) فَقَالَ الرَّبُّ لِقَايِينَ: «لِمَاذَا اغْتَظْتَ وَلِمَاذَا سَقَطَ وَجْهُكَ؟ (7) انْ احْسَنْتَ افَلا رَفْعٌ. وَانْ لَمْ تُحْسِنْ فَعِنْدَ الْبَابِ خَطِيَّةٌ رَابِضَةٌ وَالَيْكَ اشْتِيَاقُهَا وَانْتَ تَسُودُ عَلَيْهَا». (8) وَكَلَّمَ قَايِينُ هَابِيلَ اخَاهُ. وَحَدَثَ اذْ كَانَا فِي الْحَقْلِ انَّ قَايِينَ قَامَ عَلَى هَابِيلَ اخِيهِ وَقَتَلَهُ. (9)فَقَالَ الرَّبُّ لِقَايِينَ: «ايْنَ هَابِيلُ اخُوكَ؟» فَقَالَ: «ل
22-04-2009 . الملتقى / / .
http://almultaka.org/site.php?id=735 |