/
الثورات العربية أخوات لعلَّات: مواطنها شتى وهمُّها واحد
عبد الرحمن حللي
كانت اللحظة التي أقلعت فيها طائرة بن علي شرقاً لحظة أُثبتت فيها ولادة هلال الثورات في العالم العربي، والذي ثبت بولادته زمن عربي جديد، ومع الرأي الفقهي الراجح بثبوت الشهر الهجري في جميع البلدان الإسلامية إذا ثبت في بعضها، بدأ عهد الثورات ينتشر، حتى مَن كان يلح على اختلاف المطالع ويؤكد على تنوعها لم يتمكن أن يثبت أن الهلال لم يطلع، وإن لم يره الناس فقد اكتملت عدَّة زمن الاستبداد، ومن لم يثُر اليوم فقد نواه غداً. لقد سقط الخطاب القومي العربي كأيديولوجيا استثمرها المستبدون لعقود مضت، لكن الحاضنة العربية الإسلامية لشعوب العالم العربي وسكانه ومحيطه كانت ولا تزال بيئة طبيعية للتواصل الحضاري والتكامل بين الناس ووحدة الرؤية والمصير والقدر، هذه الحقيقة جعلت من المتغيرات الجذرية التي تمس أيَّ إقليم ذات أثر حتمي في أنحاء أخرى من العالم العربي، كنظرية الأواني المستطرقة، ولعل القضية الفلسطينية أهم شاهد تاريخي على هذه الوحدة الطبيعية، فكانت ولا تزال مؤشراً على الفاعلية العربية أو غيابها، وكان الكيان الصهيوني ولا يزال قادراً بجرائمه وحروبه أن يحرك العالم العربي والإسلامي ويثير ضميره ويفعِّل دور شعوبه عاطفياً، لكن الأنظمة المستبدة كانت قادرة على استثمار تلك العواطف وكبحها والسيطرة عليها لئلا تتحول إلى فاعلية قد تؤثر في القرار السياسي لتلك الدول، وستظل القضية الفلسطينية مؤشراً على نجاح الثورات العربية واكتمالها، فعندما تتمكن دول الثورات العربية من حل هذه القضية حلاً عادلاً تكون قد اكتمل رشدها وبلغت ما قامت الثورات من أجله، ولن تصل إلى هذه المرحلة بين عشية وضحاها، فعقود الاستبداد لا تزيل آثارها شهور أو سنوات من عمر الثورات، والمهم أن تكون الثورات قد أقلعت وشقت طريقها نحو المستقبل، وأن تكون قد أدركت أن نصرها الحقيقي ليس بإسقاط النظام الفاسد، إنما بضمان عدم عودته بشكل أو بآخر، وذلك باستكمال الثورة على بنى الاستبداد بالثورة على النفوس وتحريرها من قابلية الاستبداد، وهذه المرة لن يكون هدف الثورة هو الحاكم إنما أصنام أخرى كثيرة في الفكر والاقتصاد والمجتمع، وعليه فلا يمكننا الجزم بانتصار كامل لأي من الثورات العربية، لكن يمكننا الجزم بأن دكتاتوريات قد سقطت وأن زمناً عربياً جديداً قد بدأ، وما تزال البلاد العربية في طريق التحرير الذي يبدو طويلاً، ومكلفاً أيضاً. لقد بدأت الثورة في تونس، ولأن أسبابها مشتركة مع شعوب عربية أخرى - همُّها واحد هو إزالة الاستبداد والفساد، واستعادة الحرية والكرامة والحقوق- كان من الطبيعي أن تمتد إلى مصر فليبيا واليمن وتترك أثرها في دول أخرى، ولن تقف عند سوريا الجريحة محطتها الأطول، ذلك أن الاستبداد في البلدان الأخرى كان استعصاؤه محلياً فكانت الثورة عليه أقل كلفة، أما في سوريا فواجه الثوار استعصاء مضاعفاً، فالاستبداد فيها إقليمي ودولي، وكلفة انتصار الثورة فيها على العالم أكبر بكثير من كلفة قمعها بميزان المصالح، حتى ولو كانت هذه الكلفة إنسانية. إن العجز عن محاصرة الثورة التونسية بسبب مفاجأتها وسرعتها، دفعت الغرب إلى محاولة استثمار ما أمكن من تداعياتها الإقليمية بتحالفات سياسية واقتصادية أو بأساليب أخرى، أما وقد وصلت إلى بلاد الشام فالعالم مجمع على أن تبقى سوريا استعصاء يحول دون نجاح الثورات، مع جهود حثيثة لصبغ الثورات بصبغة الحروب، وجعل انتصارها مرهوناً بمعايير القوة والتحالفات وليس بإرادة الشعوب، ومع ذلك وبقدر استعصاء الاستبداد في سورية ثمة استعصاء للثورة السورية. إن انتصار ثورة تونس - التي لم يدنس ربيعها رائحة البارود - لما يكتمل ما لم تنتصر ثورة سورية، وإن ما جرى ويجري هو مطلع الهلال وإثبات بداية زمن جديد، وبين هلال الثورة واكتماله بدراً سنوات وربما عقود من عمر الأمم، لكن الهلال أشرق وإن حالت دون رؤيته غيوم ملبدة من آثار الدمار الذي يخلفه الاستبداد ليحول دون رؤية الناس لحركة الزمن. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ * العنوان مستوحى من حديث ورد عن الرسول (صلى الله عليه وسلم) أنه قال: "الأنبياء إخوة لعلَّات أمهاتهم شتى ودينهم واحد" أخرجه الإمام أحمد في المسند، و" بَنُو العَلاَّتِ: بَنُو رَجل واحد من أُمهات شَتَّـى" (لسان العرب).
14-04-2014 . الملتقى / / .
http://almultaka.org/site.php?id=911 |