/

 

 

بؤس الفلسفة: عندما يصبح العقل أداةً لشرعنة العنف

تغاريد بيضون

لقد مرَّ على الفلسفة زمنٌ بدت فيه وكأنها المعرفة التكاملية الوحيدة، وذلك بفضل ما تحقق من تضافرٍ لكافة الحقول التي تهم الجنس البشري، فكانت ملكية عامة عبرت عن نفسها بوضوح من خلال المصطلحات التي شكلّت موضوعها ومادتها ومنهجها، واختزنت كل المعاني والمفاهيم الكلية، متجافيةً المعايير الفردية والطبقية، والفئوية، فهل من وسيلة لأن تسترد الفلسفة بعض الصور التي تنزع عن سلوك الأمم والأفراد الاضطراب الذي انقلب إلى صراع عسكري طال بنتائجه السلبية جميع جوانب الحياة؟!

I- بعيداً عن المتابعة التفصيلية والتقريرية للمراحل التي مرت بها الفلسفة، يبدو التوقف عند عصر التنوير ضرورة بالنظر إلى محاولة أعلامه الانتصار للإنسان، وقضاياه الملموسة، بالتركيز على المعنى الذي تُفسّر به العقلانية، كوسيلة تحقق الطموح الإنساني في مطابقة ذاته، وفي السيطرة على مختلف مظاهر الواقع المحيطة به.

ظهر المذهب الواقعي ثمرةً لجهود التطور الإنساني في النهضة الأوروبية، وعلى أصعدةٍ مختلفة ونقيضة، وغرق العالم في تغيرات انبثقت عنها التجريبية، وتحرر الفكر من إنتاج أنماط لا نجد لها مكاناً في عصر التكنولوجيا، وإذ تعتبر المبادئ التي قامت على أساسها الثورتان الفرنسية والصناعية في دول أوروبا وأمريكا منطلقاً لمرحلة جديدة، فقد بدت أمور هاتين القارتين الداخلية محكومة لمبدأ العقل، لكن التساؤل عن الميكانيزم الذي ينشط من خلاله هذا العقل يأتلف مع التساؤل عن فعل التفلسف، والغرض الموكول إليه في هذا العالم الذي بدا منقسماً على نفسه في كل المعاني والمصطلحات، لدرجةٍ بات التسليم فيها بعبارة جيل دولوز القائلة: بأن الفلسفة هي فن ابتكار المفاهيم([1]) أمراً غير مفروغٍ منه.

وعلى الرغم من أن الفلسفة قد حفرت عبر التاريخ عصوراً خرجت بطابعها العام عن النسق الموحد أو المتشابه، وعلى الرغم من أنها تميزت بمشاهد ذات حيثيات عميقة الصلة بالحركة الجدلية القائمة بين الذوات العارفة المدركة وبين أنواع الوجود المدرَك، فإنها تبدو بنظر الكثيرين محافظةً على الأسئلة([2]) التي تمحورت حولها يوم كانت أماً للعلوم تضم تحت جناحيها رؤى حول الطب والهندسة، والفلك، والحساب، والخيمياء، وتقدم حلولاً جليلة لإشكاليات تنوعت بين الطابع الإنساني الشمولي العام، والطابع التاريخي الزمني الخاص.

وإذ تتقاطع هذه الفرضية مع فرضية نقيضة تضع على المحك أمر الفصل أو الدمج بين الفلسفة والعلوم الأخرى، فقد غدت الأسئلة التي تطال الفلسفة كموضوع حتمية ضرورية  على طريق تبيان الدور الذي على الفلسفة القيام به في عصر بات كل ما فيه يعلن عجز الإنسان عن التحكم بالقوى السياسية، والمالية، والصناعية، وذلك في أعقاب التطور العلمي والتكنولوجي.

فما الذي يطلب من الفلسفة على هذا الصعيد؟ باعتبار أنها نظام معرفي يربط العلة بالمعلول ويخفف من الدوغمائية التي تقف حائلاً أمام مهمة العقل الأساسية، وهي التأمل في كينونته والكينونات التي تشكل برانية ذاته، وجوّانيته في آنٍ ودون فصل؟!


المقال كاملا في المرفق

 

 

15-11-2015 .   الملتقى /  /    .   http://almultaka.org/site.php?id=933