/
قواعد التفسير: النشأة والتطور والصلة بالعلوم الأخرى
عبد الرحمن حللي
بدأت الحاجة إلى التنظير لقواعد التفسير مترافقة مع بدء تدوين المعارف الإسلامية في القرن الثاني للهجرة، فتحولت المعارف اللغوية المتداولة إلى علوم مدونة تدريجياً اقتراناً مع توسع الحاجة إليها في تفسير القرآن، وأفرزت التحولات الاجتماعية والسياسية حاجة العلماء لوضع معايير علمية تضمن استقلالية الحكم الشرعي عن الاختيارات السياسية أو الشخصية، فنشأ علم أصول الفقه كعلم معياري وكانت قواعد بيان النص موضوعه المركزي، والتي ساعدت المفسرين على الخوض في تفسير القرآن بعد أن ثارت تحفظات تحول دون التفسير بالرأي، فأعطى الضبط المنهجي الذي بدأه الشافعي في رسالته المفسر سنداً علمياً يدرأ عنه تهمة القول بالرأي تشهياً، فخصص المفسرون الجزء الأكبر من مقدمات تفاسيرهم لتقرير مشروعية التفسير بالرأي وضوابطه، وتمييزه عن التفسير الظاهري أو التأويل الباطني للنص المستغلِّ لتشابه بعض الآيات التي يتعارض ظاهرها مع العقل، فخاض المتكلمون جدالاً واسعاً في توجيه الآيات المتشابهات، إلى أن تبلورت – بالتوازي مع تطور أصول الفقه- معايير وقواعد تضبط فهم المتشابه تحت مسمى "قانون التأويل"، ومع اتساع العلوم اللغوية وعلم الأصول وعلم الكلام كلٍّ في مجاله الخاص بدأ شعور لدى المشتغلين بعلم التفسير أن الحاجة ماسة لإفراد مقدماته النظرية الخاصة به في صورة علم مستقل عن باقي العلوم، وأن تطور التفسير كعلم تطبيقي لا يغني عن الحاجة إلى التنظير له ووضع قواعد خاصة به، لكن تلك المحاولة لم تتحقق، وتعثرت بسبب كثرة العلوم التي تفرض نفسها على المفسر، فظهر فن جديد هو "علوم القرآن" يجمع بين قواعد التفسير والعلوم والمقدمات التي يحتاجها المفسر، وتطور هذا العلم وتشعب حتى أصبحت مضامينه أوسع من حاجة المفسر، فعادت الحاجة من جديد لإفراد قواعد التفسير بالتصنيف تحت مسمى "أصول التفسير"، لكن محتواها عاد وتداخل مع علوم القرآن، وحديثاً أعيد إحياء مصطلح "أصول التفسير" كإطار يغطي الحاجة إلى نظرية معيارية متماسكة خاصة بالتفسير قادرة على مواجهة نظريات التأويل الحديثة والمقاربات التأويلية التي اقتحم بها الحداثيون النص القرآني باسم القراءة المعاصرة، وقد أنجز الباحثون المعاصرون دراسات قرآنية مهمة، إن كانت قادرة على تقديم رؤية لتجارب المفسرين والمعيارية التي استندوا إليها إلا أنها ما تزال قاصرة عن سد ثغرة شعر بها المفسرون منذ القرن السابع الهجري، وهي اليوم أكثر إلحاحاً. |
12-12-2015 . الملتقى / / .
http://almultaka.org/site.php?id=939
|