/
رؤية العالم: وجهة نظرٍ إسلامية
رضوان السيد
بدأتُ الاهتمام بمصطلح "رؤية العالم" في النصف الأول من التسعينات في القرن الماضي. وما كان اهتمامي به فلسفياً أو مجرَّداً، بل بسبب ما بدا لدى المسلمين من اضطرابٍ في "رؤية العالم" أو في العلائق بأواليات التفكر والتدبُّر والممارسة فيه) 1 (. فقد عاش المسلمون، والأمم الأسيويةُ والأفريقية في العقود الأولى للحرب الباردة ) 1955 - 1970 ( في ظلّ فكرة أو منظومة لعدم الانحياز أو الحياد الإيجابي. وهي تقوم على ثلاثة أسُُس: الخروج من الاستعمار إلى الاستقلال السياسي والثقافي/ الحضاري والدخول في أفق التنمية على - كلّ المستويات والإسهام في صنع العدالة والسلام في محور عدم الانحياز، – وفي أفُق الحياد الإيجابي، الذي يشمل تجاوُز انقسامات الحرب الباردة، وتأثيراتها على العوالم الأسيوية والإفريقية الجديدة. بيد أنّ هذا المحور تراجع وفشِل، وفي مهامِّه الثلاثة: فالخروج من الاستعمار تحول إلى تبعية لأحد قطبي الحرب الباردة بدلا من الاستقلال والحرية. والتنمية لم تتحقق، بل وتحطمت الكياناتُ التي كانت تقوم بمحاولاتها أو أوشكت. وعالم السلام والعدالة الذي طمحت دول مؤتمر باندونغ) 1955 ( إلى إقامته عندها وعلى مستوى العالم، تحول إلى بؤرٍ للتوتر والانقسامات التي لم تتوقف عند حدّ. وكانت أجزاءُ ذاك المحور الأشدّ اضطراباً، هي الأجزاء العربية والإسلامية. وكما سبق القول؛ فإنني فكّرتُ في التسعينات الأوُلى بأسباب الاضطراب والتحوُّل على مستوى العالمين العربي والإسلامي. وكما سبق أن اتخذْتُ في أعمالي في الثمانينات والتسعينات من محمد رشيد رضا) 1865 - 1935 ( نموذجاً للتحول من الإصلاحية إلى الإحيائية) 2 ( فقد لفتت انتباهي وأنا أتأمَّل الأجواء الملبَّدة في العالم العربي خلال الحرب على العراق وبعدها) 1989 - 1992 (، تحولات الأستاذ مالك بن نبي)- 1975 ( فيما بين نهايات الأربعينات وبعد أواسط الستينات من القرن العشرين)، (فقد كان مالك بن نبي من أشدّ أنصار الأفق الذي فتحه محورُ عدم الانحياز ابتداءً بمؤتمر باندونغ عام 1955. وقد انطلق مالك بن نبي في تفاؤله من أمرين: إقبال الأمُم الأسيوية والإفريقية) ومن ضمنها المسلمون (على الكفاح من أجل الاستقلال من الاستعمار والتبعية، والتطلُّع العالمي والإنساني الكبير لهذه الأمُم العظيمة) وبينها الهند والصين وإندونيسيا ومصر ويوغوسلافيا والباكستان ونيجيريا وكينيا وأوغندا (التي صَمّمت ليس على الاستقلال وحسب؛ بل وعلى إقامة ثقافةٍ تنمويةٍ قويةٍ وجامعة، عمادُها السلامُ والعدالة. فهذه "الثقافة" في نظر بن نبي كانت تُبشِّرُ بآمالٍ كبيرةٍ وأشواق هائلة وبخاصةٍ بالنسبة للمسلمين الذين يملكون في الأصل تفكيراً رسالياً، وإنسانيةً ودودةً وجامعة. فالعربيُّ والمسلم، والعربيُّ المسلم وهو يناهضُ الاستعمار، ويقاتلُ من أجل الاستقلال والحرية، ما كان يقدم مئات ألُوف الضحايا والشهداء للخلاص من الاستعمار العسكري والاقتصادي الأوروبي؛ بل كان يريد أيضاً وفي الاساس صَونَ انتمائه الثقافي والديني المفتوح الآفاق. وقد اعتبر بن نبي – مستنداً إلى اعتزاز العرب بمصر والجزائر بما قام به عبد الناصر في باندونغ أنّ - هؤلاء العرب الذين حملوا رسالة الإسلام إلى العالم، إنما يحرّكهم شَوقٌ كبيرٌ إلى الانتماء الكبير الذي صنع من قبلُ وعلى مدى عشرة قرونٍ حضارةً عالميةً كبرى، وإلا فما معنى قول الجزائري النهضوي عبد الحميد بن باديس: شعبُ الجزائر مسلمٌ/ وإلى العروبة ينتسِبْ؟! العربُ يريدون إذن ليس استعادة الاستقلال والانتماء؛ بل ويريدون المشاركة من جديدٍ في صُنْع حضارةٍ عالمية. ولا أوَلى من الصينيين والهنود من مشاركة المسلمين في هذه المغامرة النهضوية، بالنظر للمُعاناة المُماثلة لمعاناة المسلمين من الاستعمارات العسكرية والاقتصادية والثقافية. إنها المحاولةُ الأكبر منذ زمن ما بعد الموحِّدين للعودة إلى العالم برسالة النهوض والنموّ والوحدة. البحث كاملاً في المرفق
01-01-2016 . الملتقى / / .
http://almultaka.org/site.php?id=945 |