/

 

 

المخطوطات العربية في المكتبات الإيطالية

عز الدين عناية

على مدى عهود حصل تدفق للمخطوطات العربية باتجاه أصقاع شتى، بطرق متنوعة، مشروعة وغير مشروعة، حتى باتت لا تخلو مكتبة من مكتبات كبريات المدن العالمية من حيازة قسط من ذخائر التراث العربي. وقد أشاع المخطوط العربي خلال تلك الرحلة معارف جليلة في لغات عدة بشكل قلّ نظيره. فالمخطوطات المهاجرة أو المهجَّرة تُعَدّ بالألوف، وعلى سبيل الذكر يتجمع في المكتبة الوطنية في باريس وحدها 6835 مخطوطا عربيا، وبما يفوق 7000 مخطوط في مكتبة الدولة في برلين في ألمانيا، مع ذلك قسط ضئيل فحسب من هذا الكمّ الهائل من الثروة الثقافية، التي أضحت ثروة عالمية، تمت دراسته وفهرسته أو إعادة نشره.

ذخائر المخطوطات العربية في إيطاليا

تحوز إيطاليا، وعلى غرار سائر الدول الغربية، نصيبا معتبرا من هذه الثروة. غير أن تلك المخطوطات لا تزال شبه مطمورة أو مشتتة، لأسباب تاريخية وموضوعية تعيشها الدراسات الشرقية في هذا البلد، سنحاول الإشارة إلى بعض ملامحها ضمن حديثنا. فمع حلول القرن الخامس عشر الميلادي، انطلقت من الدويلات المتناثرة فوق التراب الإيطالي أولى مساعي الاهتمام بالآداب والحضارة العربية الإسلامية في أوروبا. غير أنه مع الشروع في تنظيم دراسة المخطوطات المتعلقة بالشرق، في كل من هولندا وفرنسا وإنجلترا وألمانيا والنمسا، في منتصف القرن السابع عشر وأواخر القرن الثامن عشر، لم تواكبها التطورات نفسها في إيطاليا، ما جعل المخطوطات العربية أقلها حظا في نيل دراسة ضافية.

فقد حصلت بمناسبة انعقاد مجمع فلورنسا سنة 1441م أولى عمليات تجميع المخطوطات الشرقية من قبل مكتبة الفاتيكان في روما، وكذلك من قبل مكتبة ميديشيا لاورينسيانا في مدينة فلورنسا. من خلال ما استجلبه من نصوص مسيحية رجالُ دين مشارقة، قدِموا من الإسكندرية وبيت المقدس للمشاركة في أشغال المجمع.

ثم في مرحلة لاحقة تطور تعقّب المخطوطات مع تدشين مطبعة ميديشيا في فلورنسا (1584)، التي عقدت العزم على ترويج الكتاب العربي المطبوع في المشرق، فنشطت عمليات التجميع والتوريد للمخطوطات لاستخدامها للغرض. كانت أولى نسخ المخطوطات التي حازت عليها المطبعة، على ما يورد مؤلف "طريق الحروف. مطبعة ميديشيا بين روما والمشرق" حديث الصدور (2012)، متأتيةً مما وهبه البطريرك السرياني المقيم في روما إثناسيوس نعمة الله (ت. 1587م)، من مخطوطات عن أسرار الكون، وعلم الفلك، وعلم الهيئة، وأخرى لاهوتية؛ وكذلك ما تأتى بواسطة الأخوين فيكييتي اللذين عُهِد إليهما اقتناء المخطوطات من الإسكندرية، وقد كانا يجوبان البلاد العربية وفارس والهند بقصد التجارة. وبالفعل ترافق المقصد التجاري مع الغرض الديني، فقد لقي المشروع ترحيبا لدى البابا غريغوريوس الثالث عشر، في وقت حرص فيه على كسب ودّ نصارى المشرق بغرض جلبهم إلى أحضان روما، فضلا عن رغبته الجامحة في إيجاد السبل الملائمة لتنصير المحمّديين. وتُقدَّر ذخائر المخطوطات العربية في مكتبة ميديشيا لاورينسيانا في الراهن بأربعمائة وثلاثين مخطوطا.

لكن على العموم، تبقى عمليات التجميع والتوريد المبكرة للمصنفات العربية حاصلة في الغالب جراء مبادرات فردية وبدوافع ذاتية. ومن المهتمين الإيطاليين الأوائل بالمخطوطات العربية، ممن لعبوا دورا فاعلا في جلب المصنفات العربية نحو إيطاليا، نذكر لويجي فرديناندو مرسيليي (1658-1730)، وهو رحالة وتاجر سلاح، اغتنم القلاقل التي رافقت حصار العاصمة المجرية بودابست -1686- ليحصل على 459 مخطوطا عربيا ويقوم بترحيلها نحو إيطاليا. وهو ما سيشكل الذخيرة الأهم في المكتبة الجامعية لمدينة بولونيا. كما نجد أحد نبلاء البندقية ياكوبو ناني (1725-1797) وهو أميرال وجامع تحف، استطاع أثناء تردده على السواحل التونسية والليبية تجميع عدد من المخطوطات العربية؛ وكذلك الأديب واللغوي والمترجم إميليو تيزا (1831-1912) الذي اشتغل حافظ مكتبة مارشيانا في البندقية. وتُعزى إلى هذين الأخيرين معظم النصوص الشرقية القديمة المودعة في مكتبة مارشيانا، والبالغ عددها مائة وستة مخطوطات عربية. أيضا لعب الدبلوماسي روموالدو تيكو (1802-1867)، من إقليم بييمونته في شمال إيطاليا، دورا مهمّا في جلب المخطوطات العربية وتجميعها، وكذلك الأمير ليوني كايطاني (1869-1935) الذي تبرع بجملة من المخطوطات العربية لفائدة مكتبة أكاديمية لينشيه الوطنية في روما. هذا بالإضافة إلى جوسيبي كابروتي الذي سنفرد له حيزا خاصا نظرا لدوره الرئيس في جلب المخطوطات اليمنية.

جوسيبّي كابروتّي والمخطوطات اليمنية

يُقدّر عدد المخطوطات اليمنية في إيطاليا بثلاثة آلاف وثلاثمائة مخطوط، وهو رقم يبقى دائما متواضعا بالنظر إلى كمّ المخطوطات العربية الهائل المتأتي من فضاءات أخرى والموزَّع بين مختلف المكتبات الغربية. حاز جوسيبي كابْروتّي نصيب الأسد في ترحيل المخطوطات اليمنية نحو إيطاليا، فقد رحّل بمفرده أكثر من ثلثي المخطوطات، وهو تاجر شغف بتجميع الكتب القديمة واقتناء التحف، وكان له الدور الأكبر في إدخال معظم المصنفات اليمنية المتواجدة اليوم في إيطاليا وفي إمارة موناكو، ولم يجر حصر دقيق لما رحّله أيضا باتجاه بقاع أوروبية أخرى، لا سيما وقد كان له أعوان من بلدان عدّة. تورد الباحثة فالنتينا ساغاريا روسّي في دراسة بعنوان "فهرسة المخطوطات العربية المودعة في المكتبات الإيطالية" ضمن مؤلَّف "المطبوعات الإيطالية" (2000) أن وصول جوسيبي كابروتي إلى مدينة الحديدة اليمنية كان سنة 1885، ثم استقر به المقام في صنعاء. مكث الرجل في اليمن ما يزيد عن ثلاثة عقود، وكان أثناء تلك السنوات يستقبل المبشرين والرحالة الذين ينزلون أرض اليمن، من مختلف الجنسيات الغربية، مسديا لهم المعونة والمشورة لاسيما للوافدين الجدد. جمّع كابروتي طيلة إقامته كمّا وفيرا من المخطوطات اليمنية، تمّ ترحيلها لاحقا عبر البحر خلسة نحو ميلانو لغرض تجاري ربحي، مستعينا في ذلك بالنمساوي إدوارد غلاسر. فقد شحن قرابة الستين صندوقا من المخطوطات حوَتْ ما يربو عن 1800 مخطوط. وهي القسط الأول من المخطوطات المهرَّبة قبل مغادرة كابروتي اليمن. لم تحل سنة 1909 حتى كانت 1610 مخطوطات عربية من مجموعة كابروتي ضمن ذخائر مكتبة أمبروزيانا. لينضاف خلال العام 1914 مائتان وخمسون مخطوطا آخر من "مجموعة كابروتي" وردت إلى أمبروزيانا بواسطة السيناتور لوكا بلترامي وهكذا بات بحوزة المكتبة 2040 مخطوطا ورد جميعها من جنوب الجزيرة العربية.

وحين أزمع كابروتي على العودة النهائية إلى بلده، كانت لا تزال في بيته في إيطاليا بضع مئات من المخطوطات اليمنية قدّرت بمائتين وثمانين مخطوطا، تم اقتناؤها في مرحلة لاحقة من قبل مكتبة الفاتيكان في عهد البابا الجديد حينها بيوس الحادي عشر.

ووِفْق ما تورده الباحثة أريانه دوتوني في مؤلفها "المخطوطات العربية اليمنية" الصادر عن منشورات جامعة روما 2006، أن كافة نسخ المخزون اليمني، في مكتبتي أمبروزيانا والفاتيكان، تتراوح تواريخها بين القرن الثاني عشر والقرن الخامس عشر. ولئن كانت المصنفات واردة من اليمن فهي في مجملها ليست مصنَّفة في اليمن. وتُقدَّر المخطوطات التي جلبها كابروتي ألفين ومائتي مخطوط، وهي موزعة بين حاضرة الفاتيكان وميلانو وإمارة موناكو.

المخطوطات العربية: الملامح والتوزّع والفهارس

تمثل اليمن وسوريا ومصر وبلاد الغرب الإسلامي –التي تشمل الأندلس- الفضاءات الرئيسية التي تأتّى منها مخزون المخطوطات العربية. وهي تتوزع في إيطاليا على مائتين وتسع وأربعين مكتبة ونقطة تخزين للكتب، متواجدة في سبع وأربعين مدينة. ويتجمع ثلثا تلك المخطوطات في مكتبتين، في حين تتقاسم الباقي سائر المكتبات. ووفْق بحث يغطي الفترة الممتدة بين 1921 و 1970 أجراه المستشرق ريناتو ترايني خلال مطلع السبعينيات، نُشر بعنوان: "ذخائر المخطوطات العربية في إيطاليا"، بلغ عدد المخطوطات التي شملها الاستقصاء 6798 مخطوطا. وهذا العدد سيتخطى الثمانية آلاف في حال أضفنا إليه مخطوطات الكاهن السرياني الحلبي بولس سباط (1887-1946) التي أودعها مكتبة الفاتيكان والبالغ عددها 1325 مخطوطا.

مكتبتا الفاتيكان وأمبروزيانا

بشكل متفرد تُعَدّ المكتبة الرسولية، المعروفة بمكتبة الفاتيكان، الأثرى من حيث احتضانها للمخطوط العربي في إيطاليا. فهي تضم 2217 مخطوطا ليس من ضمنها المخطوطات المسيحية العربية. وهي ذخائر في منتهى الأهمية لا تزال خارج الحصر، لعل من أبرزها ما منحه الكردينال إغناطيوس جبرائيل تبوني بطريرك أنطاكية للسريان، بين العام 1935 و1937. وهو ما أوردت بشأنه صحيفة "لوسّرْفاتوري رومانو" صحيفة الفاتيكان خبرا، بتاريخ: 28-10-1937، مفاده أن الهبة التي قدمها الكردينال تبوني تمت بمراعاة التراتيب القانونية.

وتتوزع النصوص العربية في هذه المكتبة على عدة مجموعات: الفاتيكانية العربية والبربرينية الشرقية والبورجيانية العربية والروسّيانية، علاوة على المخطوطات التي تم إدراجها حديثا عقب الهبة التي تقدم بها رجل الدين الحلبي بولس سباط.

تولى جورجيو ليفي ديلاّ فيدا مهام جرد المخطوطات العربية في مكتبة الفاتيكان، نشر عقب ذلك فهرسين، الأول بعنوان: "فهرس المخطوطات العربية الإسلامية في مكتبة الفاتيكان" ج: 1، صدر سنة 1935 وضم 1152 مصنفا، واحتوى الفهرس الثاني، المنشور سنة 1965، على 276 مصنفا، وقد بلغت مجمل الأعمال التي تولى ديلا فيدا دراستها 1428 عملا.

وأما مكتبة أمبروزيانا في ميلانو، التي تأتي في المقام الثاني بعد مكتبة الفاتيكان من حيث احتضانها للمخطوط العربي، فهي تضم على رفوفها 2040 مخطوطا من مجموعة كابروتي اللومباردي، الذي سبقت الإشارة إليه. وتتكون ذخائر المخطوطات العربية في هذه المكتبة من جملة من الأعمال الأدبية تعود إلى القرن الحادي عشر، ونصوص دينية، فضلا عن مصنفات في الشعر والأدب واللغة وعلم الحساب وعلم التنجيم وعلوم الطبيعة. هذا علاوة عن مجموعة أخرى تبرع بها المستعرب اللومباردي أوجينيو غريفيني (1878-1925).

ومنذ سنة 1905 اشتغل غريفيني على ذخائر أمبروزيانا الجديدة حتى رحيله. تخللتها سنوات عمل فيها حافظ مكتبة فؤاد الأول في القاهرة. وقد توقّف غريفيني بعد أن بلغ جرد أكثر من خمسمائة مخطوط، بما يقارب ربع ذخائر أمبروزيانا. ليتولى بعده السويدي أوسكار لوفرغين، بالتعاون مع ريناتو ترايني، إتمام فهرسة مخطوطات أمبروزيانا. نُشر الجزء الأول من فهرس أمبروزيانا بالإنجليزية بعنوان "فهرس المخطوطات العربية في مكتبة أمبروزيانا" سنة 1975، وقد ضم 356 مصنفا من حصيلة المخطوطات القديمة والمتوسطة، لتتوالى الأجزاء الأخرى. في حين ضم الجزء الثاني من الفهرس 830 مصنفا، ثم الجزء الثالث وقد ضم 465 مصنفا، فضلا عن رابع هو بصدد الإنجاز، ويُنتَظر كذلك خامس ليشمل الفهارس باللغة العربية.

جرد المخطوطات العربية

ضمن العناية بالمخطوطات العربية في إيطاليا، كان أول الفهارس العلمية التي أُنجِزت فهرس المستشرق كارلو ألفونسو نالينو لفائدة المكتبة الوطنية في تورينو، وقد ضمّ 109 من المخطوطات الإسلامية. وقد بات هذا الفهرس -للأسف- خارج الاستعمال جراء الحريق الذي شبّ في المكتبة سنة 1904 والتهم قسما من المخطوطات الشرقية. وبناء على ما تبقى من المخطوطات العربية –اثنان وعشرون مخطوطا-، وما اقتني في مرحلة لاحقة للحريق –خمسة وأربعون مخطوطا- (ذخائر لانزوني)، إضافة إلى مخطوطات أخرى تركية وفارسية، تولى المستشرق سرجو نويا فحص تلك المخطوطات ونشرت ضمن "فهرس المخطوطات العربية والفارسية والتركية في المكتبة الوطنية بتورينو" (1974). غدا فهرس نالينو وثيقة إخبارية عن قسم هائل من المخطوطات التالفة. وضمن ما تبقى أحصى ريناتو ترايني أربعة وخمسين مخطوطا عربيا.

كما تُعَدّ مكتبة أكاديمية لينشيه الوطنية مستودعا مهمّا لنفائس المخطوطات العربية في روما، حيث تَعُدّ قائمة المصنفات العربية اثنين وثمانين مخطوطا من ضمنها تلك المتأتية من مجموعات كورسيني وأكاديميكا وكايطاني، علاوة على خمسة وسبعين مخطوطا حديثة الاقتناء، تولى ريناتو ترايني جردها في بحث بعنوان: "المخطوطات العربية والإسلامية الواردة حديثا على مؤسسة كايطاني" منشور سنة 1967، ضم خمسة وسبعين عملا منها ثلاثة وستين مصنفا يمنيا، وخمسة وردت من إتوري روسي (سنة 1938)، والثمانية الأخرى تم اقتناؤها من الدكتور شيزري أنسالدي، الذي عمل ضمن فريق البعثة الصحية في اليمن مطلع الأربعينيات من القرن الماضي.

كما تحصي الباحثة أريانّه دوتوني أربعة وثمانين مخطوطا في دار الكتب الوطنية في روما، وذلك ضمن بحث صادر لها سنة 2002، سبعة وثلاثون فقط من تلك المخطوطات مدرجة في فهرس المكتبة. وهي مخطوطات متنوعة الأغراض: نحوٌ، وأدعية، ونصوص لاهوتية، ونصوص أدبية، وقواميس.

بالإضافة توجد العديد من المخطوطات العربية المتناثرة في إيطاليا في مكتبات تابعة للمحافظات أو في مكتبات جامعية، على غرار المائة مخطوط في المكتبة الوطنية في نابولي، التي تشمل من ضمنها أحد وعشرين مخطوطا مسيحيا مدونة بعربية مشوبة بالعامية سواء منها اللبنانية أو المصرية؛ أو كشأن المائتي مخطوط في جامعة الأورينتالي في نابولي؛ أو في مكتبات خاصة أو في أديرة للرهبان. فمثلا المخطوطات العربية (رق: 6-7-8-10) المدرجة ضمن فهرس كارلو ألفونسو نالينو، الذي أُعِدّ لفائدة المكتبة الوطنية في تورينو، هي واردة من مكتبة دير القديس توما الأكويني. وبما يشبه ذلك ينسحب الأمر على المخطوطات القبطية الستة المدرجة في الفهرس، فهي تعود إلى القنصل البيومنتي برناردو دروفيتي.

وفي بحث ريناتو ترايني "ذخائر المخطوطات العربية في إيطاليا" الذي سبقت الإشارة إليه، نجد قائمة مطولة بالمكتبات الإيطالية وبأعداد المخطوطات فيها، من التي تُعَدّ مخطوطاتها العربية بالمئات إلى التي بحوزتها نسخة وحيدة.

مخطوطات القرآن الكريم

تُصنَّف مخطوطات القرآن الكريم في مكتبة الفاتيكان ضمن النفائس النادرة في ذخائر هذه المكتبة، وتبلغ أعدادها مئة وأربع وأربعين مخطوطا متباينة الأحجام، وهي موزعة على مجموعات مختلفة: 93 منها فاتيكانية عربية، و28 بورجيانية عربية، وواحدة بورجيانية تركية، و14 بربرينية شرقية، وأربع روسّيانية، وثلاث فاتيكانية تركية، وواحدة فاتيكانية عبرية. وإلى الثلاثة والتسعين من المجموعة الفاتيكانية أضيفت مخطوطات جديدة لم تنل حظا كافيا من الدراسة.

في حين يبلغ عدد نسخ مخطوطات القرآن الكريم المتواجدة في سائر مكتبات العاصمة روما إحدى وسبعين نسخة وهي تتوزع كالتالي:

-        مكتبة كازاناتينسي وهي تضم أكبر عدد من مخطوطات القرآن الكريم في روما (أحد وثلاثون مخطوطا).

-        مكتبة أكاديمية لينشيه الوطنية (ثمانية عشر مخطوطا).

-        دار الكتب الوطنية في روما (ثلاثة عشر مخطوطا).

-        مكتبة أنجيليكا (خمسة مخطوطات).

-        مكتبة فاليشيليانا (مخطوط واحد).

ترد المخطوطات القرآنية من ستة مصادر: من بلاد المغرب، ومن بلدان ما وراء الصحراء، ومن المشرق العربي، ومن الدولة العثمانية، ومن فارس، ومن الهند. وأهمها تلك الواردة من الفضاء المغاربي، ويبلغ عددها أربعة وعشرين. وما يميز المخطوطات المغاربية أنها فاخرة الإنجاز ومنسوخة وموشاة بحِرَفية عالية، وهي مجموعة مدوّنة في مجملها على الرقّ. كما أن هناك مجموعة مغاربية مدوّنة على الورق تعود إلى العام (1488م) وردت من جامع الزيتونة في تونس، وهي تتميز بأحجامها الكبيرة، وبجودة توشيحاتها.

المجموعة الثانية من المخطوطات تتكون من مصاحف قرآنية تركية عثمانية، ويبلغ تعدادها في مكتبات روما مائة وسبعة وخمسين، وهي موزعة على جملة من المكتبات. وهي تمثل المجموعة الأكبر من حيث العدد. ويعود تاريخها إلى القرنين السادس عشر والسابع عشر. والخاصية العامة التي تميز هذه المجموعة من المصاحف أنها تندرج ضمن مصاحف التلاوة الخاصة والمتوسطة الحجم.

ثمة مجموعة ثالثة من المصاحف واردة من مصادر مختلفة: اثنا عشر من بلاد المشرق، اثنا عشر من فارس، أربعة من بلدان ما وراء الصحراء، وهي مدوّنة بالخط المغربي. كما أن هناك ضمن المجموعة الفاتيكانية نسخة، لنص قرآني مدون بالحرف العبري، تعود ملكيته إلى جوفاني بيكو ديلا ميراندولا ويعود تاريخ كتابته إلى مطلع القرن الخامس عشر.

كان الباحث كارلو ألبرتو أنزويني قد تناول مجمل المخطوطات القرآنية بالدراسة ضمن فهرس أعده للغرض بعنوان: "المخطوطات القرآنية في مكتبة الفاتيكان وفي مكتبات روما"، نُشر ضمن منشورات مكتبة الفاتيكان سنة 2001. وقد اعتمد الباحث منهجين في دراسة المخطوطات: منهج خارجي يصف من خلاله العمل، ومنهج داخلي يتناول بمقتضاه مضمون المخطوط وإن كان جزءا أو مكتملا.

تفتقد إيطاليا في الراهن إلى تكوين علمي يستهدف العناية المتكاملة بالمخطوط العربي. وهو ما أبقى هذه الثروة خارج الدراسة المعمقة والاكتشاف الشامل، كما أن الطرف العربي يبدو غافلا عن الأمر، حيث يكاد يكون التعاون بين المكتبات الإيطالية والمؤسسات العربية المنشغلة بهذا المجال مفتقدا. فبعد العناية بفهرسة المخطوطات الشرقية، ونشر بعض الأعمال مع كوكبة من المستشرقين والمستعربين الإيطاليين، أمثال ميكيلي أمّاري وأوجينيو غريفيني وكارلو ألفونسو نالينو وأليساندرو باوزاني وفرانشيسكو غابريالي وسرجو نويا وغيرهم، تبقى جهود الباحثين الجدد في هذا الحقل، أمثال أريانه دوتوني وباولا أورساتي وفالنتينا روسي وكارلو ألبرتو أنزويني، ممن يشغلهم موضوع المخطوط العربي مبادرات شخصية، ونادرا ما تأتي بتشجيع من مؤسسات حاضنة لأعمالهم وأبحاثهم. وهو ما أبقى إيطاليا حتى الراهن مفتقرة إلى "فهرس الفهارس" بشأن المخطوطات العربية.

 

 

05-10-2016 .   الملتقى /  /    .   http://almultaka.org/site.php?id=991