آخر تحديث للموقع

 2022-08-20

 
Facebook Twitter Rss

النص والتراث  .  دراسات قرآنية

دراسات حديثية    |    الفقه و الأصول    |    العقيدة و الكلام

  •     

كيف يفهم صاحب العالمية الثانية لغة القرآن؟

مسعود صحراوي


قراءة نقدية في تعامل "محمد أبي القاسم حاج حمد" مع لغة القرآن في كتاب: "العالمية الإسلامية الثانية"

توطئة عامة: تألق المفكر محمد أبو القاسم حاج حمد رحمه الله تعالى مؤلف كتاب "العالمية الإسلامية الثانية" في طبعته الثانية (1995) وهو يحاول فهم وتحليل العلاقة بين المطلق والنسبي، بين الكلي والجزئي، بين الله جل في عليائه والإنسان المبتلى في الطبيعة المنظورة وغير المنظورة في المشهد الكوني، من هنا تبدأ إشكالية الكتاب الفلسفية التي لن تجد حلها-في نظر المؤلف- إلا في القرآن الكريم عبر "المنهجية" التي يقدمها هذا الكتاب السماوي المعجز بوصفه مصدرا معرفيا يمتلك "منهجا" و"رؤية" يشق بهما طريقا متميزا نحو الربط بين عالميْ الغيب والشهادة في إطار جدلي كوني موحّد. وقد اقتضت منهجية كتاب "العالمية الإسلامية الثانية" أن يبحث عن الدلالات المستترة للحركة التاريخية من منظور قرآني متجسدة في الإنسان العربي ماضيا وحاضرا ومستقبلا... دلالات تنيط بالإنسان العربي دورا كبيرا ضمن مقومات عالمية جديدة تتجاوز كل التصورات بما فيها تصور الإنسان العربي عن نفسه، حتى وهو في قمة تخلفه ونكوصه وسلبيته. ولذلك حاول المؤلف أن يتجاوز الفهم التقليدي المجزأ للقرآن-كما يقول- وأن يقرأ القرآن الكريم في وحدته المنهجية الكلية(1) ، متوسلا إلى ذلك بأدوات معرفية حديثة مستقاة مما حققته العلوم الإنسانية والاجتماعية والطبيعية... وبعض ما ينبني عليها من فلسفات، ومن منجزات نوعية، ووعي منهجي وتأطير معرفي، وعمق في تحليل الصيرورة التاريخية للحضارة العالمية الراهنة، ولا يفوته أن ينتقد ما تعيشه من تحديات وأزمات وإخفاقات، كهروبها نحو البراغماتية المطلقة وتبريرها الفلسفي للصراع وما نتج عنه من نتائج وخيمة عالميا على الصعيد الفلسفي والنفسي والعملي. 
إن المؤلف لا يحاول طرح هذه المسائل في كتابه ولا مناقشتها وتعميقها فلسفيا إلا من خلال نص القرآن الكريم باعتباره "مصدر أولاًّ وأساسيا للمعرفة" وبوصفه "معادلا موضوعيا للكون وللحركة الكونية" وهذا المعادل الكوني "يبث وعيا متساميا على الوعي البشري ويستجيب لمتطلبات الوعي البشري في كل العصور"، أي يدرس القرآن بوصفه نصا معرفيا خالدا يتجدد الوعي بمضامينه في كل عصر ولا يتوقف عطاؤه عند عصر من العصور... إن الإيجابيات كثيرة في كتاب "العالمية" ومنها بلا شك كثير من الأدوات المعرفية والمنهجية التي توفر لها قدْر من الكفاية التحليلية التي استخدمها المؤلف في الكشف عن جوانب هامة وجوهرية من علم القرآن الكريم وحقائق الإسلام، وهي كثيرة، كما قلت، وليس المقام مقام إحصاء لها.
ولا بد من المبادرة إلى التنويه بأن جهد المرحوم أبو القاسم الحاج حمد هو جهد مبدع خلاق في بعض جوانبه وأبعاده الفكرية الفلسفية، ولا سيما في رأيه القائل بضرورة امتلاك منهجية معرفية قرآنية جديدة عبر تجديد قراءة القرآن وأن هذه المنهجية تكون منبثقة من القرآن، وأننا بهذه المنهجية نمارس عمليات النقد والتجديد، ومقتضى رأيه أنه لا يجوز أن نمارس التلفيق فنحاول تقديم حلول وخواطر عبقرية بدون أي منهج، فذلك أمر لا يقره العلم لا قديما ولا حديثا. كل ذلك صحيح لا غبار عليه.
غير أنه علي أن أسارع إلى التصريح بأن بعض المقولات التي انتهى إليها مشروع العالمية المعرفي هي مقولات غير مؤسَّسة علميا، والسبب لا يعود - في تصوري- إلى فحوى تلك المقولات ذاتها، ولكن إلى الأدوات الإجرائية التي توسل بها المؤلف إلى صياغة تلك المفاهيم والمقولات... فهو يدعي مثلا الاستعانة بالأدوات اللسانياتية /نسبة إلى اللسانيات/ الحديثة والمعاصرة (هو يقول: الألسنية، وهذا تعبير خاطئ لغويا) لفهم النص القرآني ولإنجاز قاموس لساني قرآني، وهي دعوة صحيحة، ولكن دون أن يستعين بأي مفهوم لساني من التيارات اللسانية الكبرى المعروفة في عصرنا وقبل عصرنا: لا من اللسانيات البنيوية وتفرعاتها، ولا من اللسانيات التوليدية والتحويلية وتفرعاتها، ولا من اللسانيات التداولية وامتداداتها الوظيفية؟! 
ومن تلك المقولات المقولة التي صاغها بقوله: "الجمع بين القرآتين" فهي مقولة تبدو جيدة نظريا، ولكن لا أساس لها إجرائيا، وإنه ليطيب لي أن أزعم أن من يقول بأن مبدأ "الجمع بين القراءتين" مأخوذ من الآيات الأولى في سورة العلق بفعل تكرر فعل القراءة مرتين [اقرأ باسم ربك/اقرأ وربك الأكرم] ومنه استنتج أن هناك قراءة باسم الله وأن هناك قراءة مع الله... من يقول أن هذا مستنبط من هذا النص القرآني بالذات إنسان مفتقر أشد الافتقار إلى علم لساني صحيح يتعلم به لغة القرآن الكريم ويعرف به مدلولات الألفاظ القرآنية! وأنا لا أوجه النقد إلى هذه المقولة الفكرية في ذاتها ولكني أطعن في الأساس الإجرائي الذي تقوم عليه، فهي شعار قائم على غير أساس ولم يستطع صاحب العالمية حتى الآن إقناع القراء المدققين بأنها مستنبطة من نص القرآن المجيد، إلى أن يثبت العكس.
ما أردت قوله أن علينا أن نتحلى بروح علمية نقدية نتجاوز بها حالة الانبهار الراهنة ونناقش بها ما يطرح اليوم من مقولات نظرية مهما بلغت منزلة قائليها في نفوسنا ونمتلك بها قدرا من البصيرة والرشاد في التعامل مع قضايانا المعرفية المعاصرة، كما علق أحد قراء الشهاب ذات يوم (2)، وأن نتوغل في هذا المجال بروية ومنهجية كي لا نقع في الانبهار والتيه في بعض الأطروحات منذ البداية. فالأمر يحتاج إلى الرواية والصبر في فهم وتعمق المشكلات المعرفية والأدوات المنهاجية والمعرفية المؤسِّسة لها. وأضم صوتي إلى صوت هذا الأستاذ المعقب في ضرورة أن يتوغل فيها الباحثون بروية وبصيرة بدلا من الانبهار المباشر والدوران في منظومتها المعرفية بدون وعي أو بوصلة تبين مواطن القوة فيها ومكامن الضعف وهي كثيرة. 
وقد يقال الشيء نفسه عن مقولات نظرية ومنطلقات مبدئية يقول بها المؤلف المرحوم والتي تعد خلاصات فلسفية لمشروع العالمية مثل: "مطلقية الإنسان" ومبدأ "المراحل الثلاث: الإحيائية، والثنائية والجدلية" ومبدأ "جدلية الغيب والإنسان والطبيعة" وغيرها كثير... دون أن يدرك المآلات المعرفية والمنهجية لها على مستوى تفهمنا لتراثنا ومستوى تفهمنا لمورثونا المنهجي والمعرفي والفكري والعلمي فإنه قد ينتهي بالقول أن كل ما أنتجه –وهذا ما ذهب إليه المرحوم- العقل المسلم في تفاعله مع النص والواقع؛ بما في ذلك الموروث اللغوي والفقهي والأصولي والفلسفي والمنهجي والمعرفي والحديثي... ولهذ فنحن نحتاج إلى المنهجية المعرفة القرآنية التي تتجاوز الموروث اللغوي السابق... والمطلوب إزاء هذه الحالة هو قاموس لساني قرآني جديد يضبط دلالات الألفاظ القرآنية برؤى منهجية جديدة ولكن دون أن يتنكر للتراث ودون أن يهمله.
*****
2-إشكالية هذه الورقة: إن ما أبديناه من إعجاب بالإيجابيات الكثيرة لكتاب "العالمية" ينبغي ألا يحجب عنا ما فيه من ضعف أدواتي إجرائي بل ما فيه من ثغرات أهمها الثغرة اللغوية اللسانية، ولذلك يهمنا في هذه الورقة الإجابة عن السؤال الكبير المتعلق بالمنهج اللساني الذي اعتمده المؤلف في عملية الفهم والاكتشاف هذه التي يتحدث عنها، والذي نصوغه في أسئلة جزئية كان يفترض أن نجد الإجابة عنها ضمنيا أو عمليا في ممارسات المؤلف: ما هي "المعارف اللغوية" المنجزة قديما أو حديثا التي بها "نفهم" "النص" القرآني و"نكتشف" دلالاته و"نرصدها"؟ ما هي "الأدوات اللسانية" التي تحققت لها "الكفاية العلمية التفسيرية" فصارت مؤهلة لأن تعتمد كأدوات نصية فاعلة؟ ما هي "الضوابط" التي تعصم الباحث من الانسياق وراء نظرات فلسفية أو صوفية غير مؤسسة ولا ناضجة علميا؟ هل يمكن أن يكون "فهم النص القرآني وتحليله" بمعزل عن "قرائن النص" المقالية والمقامية ضمن شبكة القرآن الدلالية في سياقيه: العام والخاص (أو الأكبر والأصغر)؟ ما دور "البنية التركيبية" للنص في فهم "بنيته الدلالية" بما تحمله من قرائن وعلاقات نَسَقية داخل التركيب؟ الخ ...
نحن نعتقد أنه لا يوجد مانع نصي ولا عقلي من اعتبار القرآن الكريم "نصا قابلا للدراسة"! ولا سيما إذا كان يقصد بتلك الدراسة الكشف عن جانب هام من علم الكتاب العزيز، ألا وهو فهم دلالات ألفاظه ومحاولة تقديم رؤية علمية لرصد تلك الدلالات (عملية تحليل)، ثم إعادة تشكيل وعي حديث بها وتأسيس مبادئ علمية مؤسسة تتموقع ضمن مناهجها من خلال علوم اللسان وغيرها كما تطورت عبر العصور المختلفة (عملية تركيب)، وعليه فإنه لا حرج على أي دارس منصف أن يقدم مقاربة علمية لسانية مفاهيمية تنبثق من النص القرآني وفقا لمقتضى قوانين التأويل العربي من أجل تأسيس معجم قرآني ناضج. لا سيما ونصوص القرآن ذاتها تحض على هذه الممارسات التدبرية، كما حاء في قوله تعالى: [أفلا يتدبرون القرآن ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا] (النساء- 82)، أو قوله: [أفلم يدّبّروا القول] (المؤمنون/ 68).

3- كيفية تعامل كتاب "العالمية الإسلامية الثانية" مع لغة القرآن: لا يتردد الكاتب المرحوم في عد "الأداة اللسانية" من بين أهم الأدوات التي لا بد من اعتمادها في الفهم، لأنه يعترف بأن النص القرآني "مركّب على اللغة كأداة تعبيرية"(3) ومن المبادئ التي يلح عليها "ضوابط الاستخدام اللغوي في القرآن وتحديد العائد المعرفي في معنى المفردة بطريقة ألسنية معاصرة تختلف عن الاستخدام الكلامي الشائع في اللسان العربي القديم"(4). وعلى الرغم من إعجابنا بذكاء المؤلف وموافقتنا إياه في تحديده العلمي الدقيق لدلالات بعض الألفاظ (مثل: التفريق بين لمس/مس، وبين: الروح والنفس، إلخ...) ونجاحه الجزئي في ذلك... فإننا نراه كثيرا ما يتعسف المنهج اللساني وينتهك النظام اللغوي للنص القرآني ويتجاوز معطيات اللغة، فيقفز من مقدمات صحيحة إلى مقدمات أخرى خاطئة تصادر المنهج وتئده. 
وهو يحاول أن يبني منهجا جديدا في فهم النص القرآني، وهذا من حقه، ولكن ليس من حقه أن يؤسسه على أرضية لا تستند إلى أي معقولية منطقية أو علمية، فنجده يدلي بتصريحات لا سند لها من العلم الحديث ولا من ممارسته الفعلية في الكتاب، منها قوله: "إن استخدام هذه الأداة التعبيرية –أي اللغة- يجب أن يكون بمستوى الانضباط المنهجي نفسه، بحيث تتحول المفردات من مجرد كلام إلى مصطلحات دقيقة، وبحيث لا تعطى المفردة أكثر من معنى واحد محدد حيثما استخدمت في الكتاب، وكيفما اختلف سياق توظيفها"(5). وهنا يأتي السؤال الجدي: أين يتجلى "التحليل اللساني" في كتاب "العالمية" كما يذكر المؤلف(6) ؟ وما موقعه من الجهاز الأدواتي الإجرائي للكاتب؟ 
إن القارئ المطلع في علوم اللغة المدقق في قراءة القرآن لن يفوته ملاحظة ضعف مرجعية الكاتب الإجرائية لا سيما إزاء المفاهيم والإجراءات اللغوية التي كثيرا ما يتجاهلها مع أنه يخوض غمار المشكلة النصية التأويلية في الصميم، ومن هنا تتبدى الأسئلة الأساسية والحقيقية في كتاب "العالمية" مشوشة، أو على أقل تقدير معلَّقة عنده دون جواب واضح مقنع يحقق شرط "الإشباع المعرفي، أو ربما أجاب الكتاب عليها ضمنيا من خلال الممارسة والتطبيق، ولكن بطريقة اختزالية انتقائية غير مؤسسة لسانيا، بل تكون أحيانا عديمة المعقولية ولا تستند إلى أي علم أو منطق... ومن هنا يقع القارئ الباحث الذي تؤرقه مسألة فهم دلالات ألفاظ القرآن في حيرة ولا يَشفي غليلَه، بل لا يفيده في شيء، كون المفكر المرحوم يرفع شعار "تحليل القرآن" بدلا من "تفسيره" كما يحلو له أن يعبر... ونعني بها الأسئلة التي من قَبيل:
هل يأخذ صاحب مشروع "العالَمية" بـ"السياق النصي المغلق" كما تراه البنيوية مثلا؟ وإلى أي مدى؟ وهل يأخذ بـ"سياق الحال" (أو السياق المفتوح) كما تقترح التداولية مثلا، وإلى أي مدى؟ وما قيمة "السياق اللغوي" عنده في تحديد دلالات الألفاظ القرآنية؟ وما علاقة الأنظمة اللغوية (النظام التركيبي والصرفي والدلالي خصوصا) بعضها ببعض وكيف توظف في علم النص وفهم النص؟ وما دور البنية التركيبية في تفسير البنية الدلالية؟ ومع علاقة ذلك بالظواهر الدلالية والمعجمية الكثيرة الورود في اللغة العربية وفي نص القرآن ذاته: كالاشتراك اللفظي (polysémie)، والترادف (synonymie)، والمجاز بأنواعه: اللغوي والعقلي؟ الخ... 
إن قارئ العالمية المدقِّق لا يقتنع أبدا ولا يسلّم للكاتب بكثير من الآراء والتحليلات المجازف بها دون تمحيص ولا استجماع أدوات لغوية وغير لغوية، بل قد تصل الرؤية المستهينة بالتراث اللغوي العربي إلى حد الإهدار، إهدار الكنوز العلمية العربية اللسانية وغير اللسانية وعدم الإفادة منها بحجة أن العقل العربي-الإسلامي مركَّب على تراث لغوي فقهي معاد أو مجاف للفلسفة والعقل التحليلي وأنه قائم على عقل ثنائي حدي، ومن ثم فهو عاجز عن إعادة قراءة النص ضمن واقع متغير وبأساليب جديدة(7)... وإذا كان الكاتب محقا في بعض هذه الأحكام فإنه واقع في خطأين كبيرين على الأقل:
-أولا: أنه من الخطأ أن يعممها على "كل العقل العربي الإسلامي"؛ فلولا قدرات العقل التحليلي الرائعة ما عرف العالم الإسلامي إنجازات فكرية رائدة كإنجاز "ابن خلدون" في "المقدمة" وتأسيسه لعلم الاجتماع العربي، والشافعي في "الرسالة" وتأسيسه لعلم أصول الفقه، و"الخليل بن أحمد" و"سيبويه" و"عبد القاهر الجرجاني" وتأسيسهم لنظريات رائدة في اللسانيات العربية... وغيرهم، وغيرهم... وقد يكون للمؤلف الحق في طغيان توجهات الرفض والنفي لكل ما هو جديد في مراحل متأخرة من التاريخ الإسلامي، ولكن ذلك كان في مراحل انحسار الوعي الحضاري الإسلامي وسيادة مظاهر التخلف والتقليد والمناداة بإغلاق باب الاجتهاد... 
-ثانيا: أنه يأخذ من التراث ما يناسبه من أفكار صوفية أو فلسفية، أو حتى لغوية... تناسب مشروعه، ويدع غير ذلك، فيمارس ذات الممارسات الانتقائية التي يَعيـبها على غيره من الحركات الدينية الحديثة.
والمهم من كل هذا أن المؤلف لم يباشر "تحليل النص" من بابه الطبيعي الذي يكون مدخله هو معطيات النص اللغوية بقرائنه كلها في المستويين السياقيين: العام والخاص، واكتشاف نظامه الدلالي العجيب وربط ذلك بالوعاء التأويلي لزمن التنزل القرآني، كما كان متوقعا منه، لا سيما وقد توصل إلى صياغة مفهوم إجرائي في غاية الأهمية، هو مفهوم "الناظم المنهجي"، وفحواه أن في نص القرآن العظيم أداة منهجية رابطة وناظمة لدلالات الألفاظ حتى تنسلك في إطار مفهومي واضح البِنية والأبعاد والوظيفة. على الرغم من ألمعية المؤلف وانتباهه إلى ذلك... لم يفد كثيرا من معطيات علوم اللسان في فهم النص، ولكن قام يـ"تفكيك" الخطاب الإلهي –كما يقول(8) - اعتمادا على ممارسة معيارية جاءت لخدمة قناعات فكرية مسبقة أو مسلّمات إيديولوجية، كتلك التي فحواها أن الأمر الإلهي مطلق وأن الإرادة نسبية وأن المشيئة مطلقة... أو خدمةً لتوجه قومي معلن كربطه بين كلمات اللغة العربية ونفسية الإنسان العربي المتفردة ؟! أو خدمةً لتصور معياري مسبق يتم تسطيره قبل مباشرة البحث النصي الحيادي، من ذلك تصريحه بأنه "لا يمكن تفسير القرآن بالاستطراد والتداعي على السياق". 
وأما دعوته إلى تأسيس "قاموس قرآني" فدعوة صحيحة ولكن ليس على نفس الأسس التي نادى بها المؤلف من اطّراح ظواهر الاشتراك والترادف والمجاز اعتمادا على موقف مبدئي غير مؤسس علميا، وقد يقع الكاتب أحيانا في التناقض أو النسيان كالدعوة إلى ترك السياق واطّراحه ثم العدول عن ذلك عمليا لأنه احتاج إليه في موضع آخر فاستدل به... (قارن بين الصفحات: (57/ 235 / 464/ من المجلد الأول). 
وقد نراه أحيانا يتبع منهجية معاكسة للمنهج العلمي كما هو متعارف عليه فيصبح قائما بدور إيديولوجي لا بدور علمي؛ فبدلا من أن يكون الفهم اللغوي مدخلا مؤسِّسا لفهم دلالة النص وبلورة الفكرة- بما يحمله من قرائن مقالية ومقامية وضمن شبكته الدلالية في السياق القرآني الأكبر العام وبما هو موافق للبنية التركيبية والدلالية للنص- صار النص خاضعا للقناعات والأحكام الإيديولوجية المسبقة، لا مؤسِّسا لها، وهذا مخالف للمنهج العلمي، وتكمن الخطورة في أن يصبح النص تابعا لذهن الملتقي وتوجهاته الإيديولوجية، إذ الأصل في المناهج العلمية أن النصوص هي التي تؤسِّس لفهم الأفكار وبناء القناعات والمعتقدات، لا العكس. فالمؤلف يفرغ الألفاظ القرآنية من دلالاتها- التي يُفترَض أن تكون بنتَ العرف السياقي العام للقرآن وموصولة بالوعاء التأويلي المرجعي لزمن النزول دون الاقتصار عليه بالطبع ولا الوقوف عنده - ويخلع عليها دلالات أخرى غير التي يمدنا بها النص، وهكذا تنتهك البنية التركيبية والدلالية للنص بملئه بمفاهيم إيديولوجية جاهزة فيصبح حاملا لمعان غريبة عنه. 
انظر إلى هذا الانتهاك لبنية النص القرآني التركيبية وممارسة الإسقاط الإيديولوجي الجاهز عليه في قوله تعالى: [إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون] (يس- 82)، يقول المؤلف ما نصّه: "فالفعل الإلهي كما هو محدد في القرآن لا يصدر بمحض القدرة الإلهية المطلقة- مع قدرة الله على ذلك- ولكنه يصدر عبر توسطات جدلية، إذ يبتدئ [أمرا] ثم يتحقق عبر [الإرادة] حتى ينتهي إلى [التشيُّؤ] وذلك ما تدل عليه الآية... فبتفكيك دلالات هذه الآية وتحليل مفرداتها يكون أمر الله- كن فيكون- متحققا عبر إرادة تنتهي إلى تشيّؤ، فالآية حاملة لهذه التوسطات الجدلية وليست نافية لها"(9).
ونحن نسأل: أين هو "التحليل الألسني" هنا؟ أين تحليل مفردات الآية الذي يزعم الكاتب أنه يمارسه وفق أصول منهجية لسانية؟ ما علاقة أطوار (أو أشكال) الفعل الإلهي الثلاثة: الأمر/ الإرادة/ المشيئة- بتركيب هذا النص؟ إن المؤلف لم يقدم أي تحليل مقنع، لغويا كان أو غير لغوي، فيه قدر من العلمية أو حتى من المعقولية، يجعل الربط ممكنا أو معقولا بين تركيب الآية وما ذهب إليه من حمولة دلالية، ومن ثمَّ فإن للقارئ الحق في رد هذا الفهم ونفي ارتباط هذه الثلاثية بهذا النص بالذات لأنه من قبيل تحميل الآية ما لا تطيق!. وتشكيكنا في هذا التحليل ليس إنكارا لتلك الثلاثية ذاتها ولكن ننكر أن يكون هذا المعنى محمولا دلاليا للآية، ولو بدرجة ثانية أو ثالثة. 
الآية السابقة لا تحمل أي إشارة إلى التوسطات الجدلية في الفعل الإلهي –على العكس مما ذهب إليه المؤلف- ولا يحتمل تركيبها أي دلالة أو إشارة مما ذهب إليه؛ لأن البنية التركيبية لهذه الآية القرآنية قائمة على علاقات نحوية تركيبية تؤديها عناصر معجمية تتآزر فيما بينها لتصل إلى بناء "دلالة الآية"، وبيان ذلك أن كلمة "شيئا" هي مفعول الفعل "أراد"، إذن فالشيء هو المراد، و"الإرادة" هي القصد الإلهي المتعلق بالإيجاد، و"الشيء" هو الموضوع المراد الذي تعلقت به الإرادة الإلهية، بما يؤول إلى أن مضمون الآية هو أن "الإرادة" و"الشيء" ليسا كينونتين مختلفتين تخلف إحداهما الأخرى، وليسا شكلين مختلفين للفعل الإلهي يُذكران في الآية على سبيل الاختلاف في التشيء أو التدرج التكويني المرحلي، فلو كان هذا هو المقصود لكان نص الآية –مثلا- كالتالي: "أمر... فأراد... فَشَيَّأَ"، فهما ليسا حدثين يُذكَران في الآية ذكرا تمييزيا على سبيل الإجمال ولا على سبيل التفصيل ولا على سبيل الترتيب ولا التفضيل، بل إن "الإرادة" في هذه الآية الكريمة حدثٌ صادرٌ من "محدِث" هو الله سبحانه وتعالى ومنصبٌّ على "محدَث" هو "الشيء"، وخاصية الأمر الإلهي، كما يُفتَرَض أن يُفهم من تركيب الآية- هي سرعة انوجاد (أي وجود /أو/ تخلّق) "الشيء" "المراد"، أي الذي تعلقت به الإرادة. وينتج مما تقدم أنه سبحانه وتعالى إذا أراد شيئا تعلقت قدرته بإيجاده بالأمر التكويني-كما قال بعضهم- المعبر عنه بكلمة: "كن"، وهو تعبير مختصر كناية عن "الانوجاد"، أي التخلق والتشيء. 
وإذا علمنا أن موقع هذه الآية الكريمة من سورة يس أنها جاءت في سياق الرد على المشركين المنكرين للبعث [قال من يحيي العظام وهي رميم] (يس- 78)، والتعقيب بأن خلق السماوات والأرض أجل وأعظم من خلق الإنسان، وكيف يكون الذي خلقهن عاجزا عن خلق أمثال هؤلاء المكذبين... فهمنا أن السياق سياق إظهار القدرة الإلهية التي ما إحياء الرميم إزاءها إلا شيء هين، فالأمر الإلهي لا يعجزه شيء في السماء ولا في الأرض، وإن تكوينه وتنفيذه بسرعة فائقة عبرت عنه آية أخرى بأنه [كلمح البصر أو هو أقرب]. 
وفي الآية الكريمة ظرف زماني، هو إذا، وهو حيِّز زماني للحدث التكويني الذي هو "الإرادة": [إذا أراد شيئا] أي حين إرادته شيئا، ودلالة هذا الظرف اللغوية تفيد تقييدَ الشيء بالإرادة، فما أراده الله كان، وما لم يرده لم يكن، وما لا يريده لا يكون. ففعل الله سبحانه وتعالى لأي شيء محكوم بإرادته ذلك الشيء، هذا ما تفيده البنية التركيبية والدلالية للآية.
وهناك مثال آخر للقفز فوق معطيات اللغة وتطويع النص القرآني لقناعة المؤلف في آية قرآنية ذكرها المؤلف في الطبعة الأولى لكتابه (دار المسيرة) ثم أعادها في طبعته الثانية (دار ابن حزم)، وهي تحليله لسورة "العلق"ولا سيما في قوله تعالى [إن إلى ربك الرجعى] (العلق- 8)، يقول رحمه الله: "والرجعى هنا –خلافا لقول المفسرين- لا تعني الإرجاع الأخروي، وإنما هي دلالة العود على الأثر نفسه، وهي تصريف من "الرجع" أي الاسترداد الذاتي كالسماء ذات الرجع: أي في حالة التفاعل المستمر بالحركة بين السماء والأرض"(10)!! هذا رأيه، وهو كما القارئ رأي ضعيف؛ فلا علاقة بهذا بذاك، لأن قوله تبارك وتعالى "السماء ذات الرجع" جاءت في سياق، و"الرجعى" في سياق آخر ولم يتمكن المؤلف من ملاحظة الفارق بين السياقين-على الرغم من استدلاله بالسياق (انظر: ج1، ص 464) ... ونحن ندعو إلى ضرورة التمييز بين استعمالات الكلمة في سياقات مختلفة لأن لكل سياق بنية تركيبية ودلالية وقرائن تضبط الأمر وليست الدلالة معطى مسبقا بمعزل عن السياق والاستعمال. ويمضي المؤلف على هذا النحو في تحليلات فيها قدر من الذاتية أكبر من قدر العلم وفيها الكثير من تحميل الآية ما لا تحتمل حتى يصل إلى آيات في آخر السورة حيث لا مناص له من رد دلالتها، وهي قوله تعالى: [سندع الزبانية] (العلق- 18)، وهنا يضطر إلى اختلاق معنى وهمي (أعني: معنى المشهد الدنيوي) يطوّع به الآية نحو وجهته وقناعته حتى ولو كان هذا المعنى بعيدا عنها، فيقول: "...وبهذا المعنى تَرِد عبارة [سندع الزبانية] بمعنى قوة مدافعة الشيء بالشيء... ومما يؤكد المعنى الدنيوي في هذه الآية وضع دعوة الزبانية كمقابل شرطي لـ[فليدع ناديه] وناديه أي جماعته دعوة تتم في الدنيا، حيث يتداعى الرهط وليس في الآخرة، فليس ثمة جنود يلوذ بها الإنسان هناك"(11).
ولم يتفطن –رحمه الله- إلى أن أسلوبَ الآية أسلوبُ تهديد ووعيد [سندع الزبانية] مبطَّنا بسخرية وتهكم في قوله [فليدع ناديه]! وقد ربط السياق دعوته لناديه بدعوة الله للزبانية على سبيل المشاكلة كما قال بعضهم، وما المانع أن يكون [الملائكة الغلاظ الشداد] هم [الزبانية]؟؟ وأن المشهد هنا مشهدٌ أخرويّ لا دنيوي، بل هذا هو الراجح، وحينئذ فما الداعي لهذه المكابرة وهذا الرفض لأقوال المفسرين حتى ولو كانت صحيحة. وقد ورد الأسلوب الوعيدي والتهكمي في آيات قرآنية أخرى منها قوله تعالى: [ذق إنك أنت العزيز الكريم] (الدخان- 49)، هل يقول الأتباع المنبهرون هنا أيضا إن المشهد دنيوي لا أخروي؟ والرد عليهم واضح من سياق الآيات الذي يأتي هكذا [إن شجرة الزقوم طعام الأثيم، كالمهل يغلي في البطون، كغلي الحميم، خذوه فاعتلوه إلى سواء الجحيم، ثم صبوا فوق رأسه من عذاب الحميم، ذق إنك أنت العزيز الكريم، إن هذا ما كنتم به تمترون] (الدخان- من 43 إلى 50)، فسياق الآيات يدل دلالة قاطعة على أن المشهد أخروي لا دنيوي. وقد يكون هذا التهكم- الذي هو من قبيل التنكيل بالمجرمين – إرضاء للمؤمنين حتى إن السياق القرآني ليلمّح إلى ذلك في [فاليوم الذين كفروا من الكفار يضحكون، على الأرائك ينظرون، هل ثوب الكفار ما كانوا يفعلون] (المطففين- 34/35/36). وعليه فنحن نفهم أن "الرجعى" هنا و"ثم إليه ترجعون" في سورة البقرة على أنها رجوع إلى الله في الآخرة، وقد ورد ذلك المعنى في مستوى السياق القرآني الأكبر في آيات كثيرة فيها من القرائن الواضحة الشيء الكثير، منها قوله تعالى [واتقوا يوما ترجعون فيه إلى الله ثم توفى كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون] (البقرة- 281)، وقوله [متاع في الدنيا ثم إلينا مرجعهم ثم نذيقهم العذاب الشديد بما كانوا يكفرون] (يونس- 70)، وقوله: [ثم إن مرجعهم لإلى الجحيم] (الصافات- 68).
هذا وقد ورد لمادة "رجع" معنى آخر هو الرجوع الدنيوي وهو كثير في القرآن.
وقد كنا ذكرنا في بداية هذا البحث-الذي كتب منذ أكثر من سنة ولم يكتب له النشر وقتها- أن ما سماه المؤلف "الجمع بين القراءتين" وزعم أنه مأخوذ من أوائل سورة العلق حيث يتكرر فعل القراءة مرتين... وقلنا هنالك أن هذا المبدأ لا علاقة له بهذا النص المجيد، وأن ذلك مجرد تأويل بعيد لا تطاوعه البنية التركيبية للنص، ومن ثم نقول إن الكاتب فهم سورة العلق فهما ذاتيا يفتقر إلى الموضوعية، والموضوعة هنا بالذات تتمثل في معطيات النص السياقية لا في شيء آخر!؟


يقول أبو القاسم إنه يحاول دراسة القرآن الكريم في كليته العضوية الواحدة عبر دلالات الحروف؟؟؟ فدراسة البقرة تتم بسياق (ألم)، (أ) عالم الأمر، واختصام الملأ الأعلى، ثم (ل) عالم الإرادة وبني إسرائيل، ثم (م) عالم المشيئة بداية من آية نسخ التجربة اليهودية رقم (106) وإلى آخر البقرة ؟ أين هي المعقولية العلمية هنا؟ وكيف يتسنى لأبي القاسم أن يقول هذا الكلام؟ وكيف طاوعه عقله على ذلك؟ وهذه التحليلات المتعلقة بالحروف المقطعة تبدو تأويلات تذهب بعيداً عن دلالات النصوص وحدودها اللغوية، بل تبدو شطحات صوفية لا معقولية لها. ثم يأتي ليقول إنه يطبق اللسانيات في فهم لغة القرآن الكريم وتحليل نصوصه!
*******
الوضعانية المنطقية ومغالطة الاستدلال: يعتقد أبو القاسم -رحمه الله تعالى رحمة واسعة- أن لغة القرآن الكريم "لغة مثالية" لا تجري عليها الظواهر التي تجري على اللغة العربية المعتادة؛ مثل المجاز والاشتراك اللفظي والترادف... فيصادر لغة القرآن من بعض خصائصها الجوهرية، والغريب أنه ينسب ذلك إلى المعرفة اللسانية المعاصرة، والأكيد أن هذه المصادرة لم تكن بفعل تأثره باللسانيات كما يوحي إلى قرائه، والواضح أنها بفعل تأثير تيار الوضعانية المنطقية (Positivisme Logique) في مدرسة فيينا المعاصرة التي كثيرا ما يمجدها أبو القاسم؛ فمن المعلوم أن تيار الوضعانية المنطقية ضاق ذرعا بما في اللغات الطبيعية من ظواهر المجاز والمشترك اللفظي والترادف... فدعا، من ثَمَّ، إلى نبذ اللغات الطبيعية كلها واستبدالها بلغات صناعية، والفيلسوف الذي رفع راية "اللغة المثالية" وقاد هذا التيار هو رودولف كارناب Rudolph Carnap الذي تأثر كثيرا بالفيلسوف فريجه – مؤسس المنطق الحديث والفلسفة التحليلية – والذي كان أستاذه بين 1910 و1913، فانفعل بمجمل آرائه التجديدية في الفلسفة والمنطق. 
يقوم مشروع كارناب على استبدال لغة منطقية صارمة (مثل لغة الرياضيات) بهذه اللغة العادية التي تسيء إلى الواقع بما تنطوي عليه من اعتباطية وتناقض وغموض بسبب المجاز والترادف... فسعى من ثم، بوصفه عالم منطق وفيلسوف علم، إلى تكوين لغة صناعية تتوفر لها متطلبات الصرامة والدقة اللتين افتقدهما في اللغات الطبيعية. غير أنه سرعان ما تبين له غلو هذا الزعم، فخَفَتَ حماسه له ولكن لم يتخل عنه نهائيا، فأخذ يعيد النظر شيئا فشيئا في دعواه، فتخلى عن فلسفته "النحوية المنطقية" لمصلحة البحث عن بديل عقلي يتوخى المعنى (13) ، واتجه إلى تأسيس فلسفة دلالية ذات طبيعة مثالية على أن الدلالة - برأيه -تضيف إلى النحو قوة توجيه من شأْنها أن تكسب عبارات اللغة قدرا من المعقولية والبراغماتية، وذلك سر تنويه "كارناب" بالتداولية باعتبارها "قاعدة كل اللسانيات"(14)، ما دامت تستمد من السيميائيات والمنطق والفلسفة. ما يميز فلاسفة هذا التيار أنهم متبرِّمون باللغات الطبيعية بسبب ما فيها من تناقض واعتباطية، الأمر الذي حملهم على تفحص هذه اللغات بحثا عن الثغرات التي تتيح صياغة تلك اللغة المصطنعة بديلا عن اللغات الطبيعية التي وُصِمت بالاعتباطية والغموض.
ولا يتفق أحد من اللسانيين مع المناطقة الوضعانيين في سعيهم إلى استبدال اللغة الطبيعية العادية باللغة الصورية لأسباب، منها :
- استحالة تحقيق هذا المطلب في الواقع.
- أن رمزيتها الرياضية وصرامتها المنطقية تجعل منها لغة مقصورة على فئة محدودة من الناس، ومن ثم ندرة من يستعملونها ومآلها إلى الفشل والاضمحلال... وذلك ما حدث فعلا، بخلاف اللغات الطبيعية التي هي لغة يستعملها جميع البشر دون استثناء.
- أن "صورانيّة" تلك اللغات لا تؤدي أغراض المتكلمين العاديين الطبيعيين، ولا تحقق مقاصدهم في الطبقات المقامية المتباينة وفي جميع السياقات. بل تعمل على قتل الروح الإنسانية وتبليد القوى النفسية العظيمة اللامحدودة التي أودعها الله في فكر الإنسان وقلبه، والتي تحييها وتنمّيها اللغة الطبيعية وحدها، وصدق الله العظيم القائل: [خلق الإنسان، علمه البيان] (الرحمان- 3، 4).

ولكن يبدو أن ما فشل فيه المناطقة الوضعانيون في فيينا نجح فيه أبو القاسم حاج حمد، فلقد وجد "اللغة المثالية" التي افتقدها القوم... وجدها في لغة القرآن الكريم! فهو لم يوظف التحليل اللساني –كما كان يقول- ولكن كان متأثرا بتيار الوضعانية المنطقية وبمفاهيمها وأسقطها على القرآن إسقاطا، فالقرآن عنده ليس فيه ترادف ولا مشترك، بل لغة مثالية أو "استخدام رياضي" على حد تعبيره، فذهب إلى نفي المعنى النصي السياقي عن ألفاظ القرآن وإحلال معنى جديد في قاموس مستحدث يريد بناءه. يقول: "...إن استخدام هذه الأداة التعبيرية –أي اللغة- يجب أن يكون بمستوى الانضباط المنهجي نقسه، بحيث تتحول المفردات من مجرد كلام إلى مصطلحات دقيقة، وبحيث لا تعطى المفردة أكثر من معنى واحد محدد حيثما استخدمت في الكتاب وكيفما اختلف سياق توظيفها... دون ذلك تصبح مفردات الكتاب عرضة لتضاربات المعاني واختلاف التأويلات والتفاسير"(15)
في هذا النص يُغالط المرحوم أبو القاسم قارئه في خطواته الاستدلالية حينما يضع مقدمات ثم يبني عليها نتائج غير صحيحة: 
- فهو يضع المقدمة الآتية: "القرآن إلهي المصدر والنظم والتركيب"، وهذا صحيح 
- ثم يضع مقدمة ثانية وهي: "اللغة التي فيها مجاز وترادف واشتراك... تكون عرضة لتضارب المعاني واختلاف التأويلات والتفسيرات"، وهذا كلام غير دقيق ولا يُقبل هكذا على إطلاقه، ففي بعض ظواهر المجاز ما هو أوضح وأبلغ من الحقيقة، وسنورد مثالا لذلك من القرآن. 
- ثم يبني على ذلك نتيجة مرسومة سلفا، وهي: "ما دامت لغة المجاز والاشتراك والترادف لغة مضللة وتسيء إلى فهم القرآن، فاستخدام القرآن للغة العربية غير الاستخدام البلاغي العربي"، وهذا كلام غير دقيق أيضا؛ وهو قائم على مقدمة خاطئة [لغة المجاز والاشتراك والترادف لغة مضللة وتسيء إلى فهم القرآن] فالنتيجة تكون خاطئة حتما. 
والحقيقة أن الخلل ليس في النص القرآني ذاته وحاشاه، الخلل ليس في النص القائم على مجاز أو ترادف أو اشتراك، ولكن المشكلة كامنة في عملية التأويل، أي في لحظة التقاء ألفاظ النص وعباراته مع الإطار الذهني المفاهيمي والإجرائي المستقبِل للنص، ذلك أن الدلالة القرآنية قائمة في مجملها على مفهوم الاحتمال أو الظن، وهذه الطبيعة اللغوية في القرآن لم تأت عبثاً، وإلا لكان القرآن كله أوامر ونواهي لا يتطرق إليها الاحتمال من أي وجه، ونحن نرى في هذه الطبيعة الاحتمالية للغة القرآن تأكيداً على هامش الحرية الاجتهادية في النص، أي حيث يكون النص القرآني محتَمَلاً في دلالته حتى يفسح المجال لتفاعلات متعددة مع النص.
والاحتمال الدلالي في النص القرآني لا ينفي أن توجد فيه مفردات ترقى إلى درجة "الاصطلاح" الدقيق المضبوط –كما ذهب أبو القاسم- (مثل الفرق بين: مس، ولمس/الروح والنفس، ولكن مع احتفاظنا برأينا في قبول المصطلحين للاشتراك، كما سيأتي)، فهو أمر صحيح مبدئيا؛ وذلك راجع إلى أن السياقات القرآنية الصغرى والكبرى-التي جاءت فيها هذه الكلمات- بما تحمله من قرائن متعددة وبما لا بصادم قانون التأويل العربي في مستويي: البنية التركيبية والدلالية للنص، وليس سببه أن لغة القرآن خالية من المجاز والمشترك والمترادف... فلم ير المؤلف هذا الرأي ولم يقِف هذا الموقف من لغة القرآن بعد بحث حيادي وتحليل استقرائي واف لألفاظ القرآن في السياقات الكثيرة المتنوعة، بل هو موقف إيديولوجي وهو من معتقدات فلاسفة "المدرسة الوضعانية المنطقية" في فيينا، وهو قائم في كتاب "العالمية" على استقراء جزئي ناقص. 
فهل يستطيع أحد أن ينفي المجاز مثلا من قوله تعالى: [ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ولا تبسطها كل البسط فتقعد ملوما محسورا] (الإسراء- 29)؟ هل تُحمَل هذه العبارة على حقيقتها [ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك] !؟ إن نفي المجاز عنها يجعل النهي مقصودا به تحذير الرسول محمد-صلى الله عليه وسلم- أن يكون في صورة كاريكاتورية مضحكة، إذ يبدو وكأنه جسدٌ أعكف مَلويّ، يده معلَّقة في عنقه... بينما الدلالة هي النهي عن البخل والشح والتقتير، وبسط اليد أيضا مجاز وهو كناية عن الإسراف والتبذير. والتصرف المحمود في العطاء والإنفاق هو التوسط بين طرفي الإفراط والتفريط، وهذا من "الحكمة" التي أشار إليها النص القرآني الكريم في التعقيب على هذه الآيات البديعة من سورة الإسراء، فقال [ذلك مما أوحى إليك ربك من الحكمة] (الإسراء- 39)، والقرآن يصوّر نهاية البخل ونهاية الإسراف في صورة قعدة الحسير، وهو الواقف منهوك القوى ضعفا وعجزا كما قال: [ينقلب إليك البصر خاسئا وهو حسير] (الملك- 04).
قال بعض المفسرين: "بلاغة الآية بتمثيل الشح والإمساك بغل اليد إلى العنق، وهو تمثيل مبني على تخيُّل اليد مصدرا للبذل والعطاء... وهي استعارة قوية لأن مغلول اليد لا يستطيع بسطها بسرعة"(16).
وقد كانت هذه الطريقة المجازية التخييلية معروفة عن العرب واستعملها القرآن في أكثر من موطن، فقال جل شأنه: [وقالت اليهود يد الله مغلولة غُلّت أيديهم ولعنوا بما قالوا بل يداه مبسوطتان ينفق كيف يشاء] (المائدة- 64)، وكانت هذه الصورة التخييلية محببة إلى العرب في عد اليد مصدرا للبذل والعطاء، فقد قال الأعشى:
يداك يدا صدق؛ فكَفٌّ مفيدة وكفٌّ إذا ما ضُنّ بالمال تنفق

وقال الفرزدق في مدح زين العابدين علي بن الحسين رضي الله عنهما:
كلتا يديه غياثٌ عمَّ نفعهما يستوكفان ولا يعروهما عدم

ولعل هذه النقول عن السابقين توضح دور الوعاء التأويلي لألفاظ القرآن وقت نزوله إذ لا يمكن إغفالها كليا كما لا يجوز الوقوف عندها كليا دون الاستعانة بمفاهيم إجرائية أخرى ستتبين لنا من بعد حين الحديث عن السياق.
ومن أمثلة الألفاظ القرآنية التي استعملت استعمالا مجازيا: الظلمات والنور، العمى والبصر، الموت والحياة، الحبل، الإنزال، الأكل... 
*******
هذا، ومما يدل أيضا على تأثر المرحوم حاج حمد بالفلسفة التحليلية عموما - والوضعانية المنطقية خصوصا- طريقة تأويله لاسميْ: "أحمد" و"محمد" فهو متأثر بمقولتيْ: "الاسم الموضوع والاسم المحمول" اللتين قال بهما الفيلسوف الألماني "غوتلوب فريجه" Gottlob Frege (1848-1925) في كتابه أسس علم الحساب (17) فقد ذهب "فريجه" إلى أن الاسم ضربان هما : اسم العَلَم والاسم المحمول، وهما عماد القضية الحملية. ولا شك في أن هذا التمييز من اكتشافات المنطق الحديث، لأن أرسطو – مع أنه عرف هذا التمييز- كان يخلط بين القضية الحملية وغير الحملية (18)، ولم يتم التمييز بيتهما إلا بعد صياغة المنطق الحديث. والقضية الحملية هي التي تتكون من طرفين : اسمِ علَم، ومحمول يسند إلى اسم العلم. والقضية غير الحملية (أو العلاقية) هي التي تتكون من علاقات أخرى خارجة عن الإطار الحملي(19). 
ولم أقتنع أنا شخصيا- بوصفي واحدا من "قراء" "العالمية الثانية"، وباحثا يحاول فهم لغة القرآن- بجدوى استعارة المرحوم أبي القاسم لهذا المفهوم التأويلي المنطقي الذي يبدو أنه ما أخذه إلا ليلبي حاجة في نفسه، مع أن قيمته التحليلية محدودة، وكان يمكن الاستغناء عنه بمفاهيم إجرائية دلالية أخرى (مثل: النظرية التحليلية/نظرية الحقول الدلالية، أو غيرها)، ولعله وجد فيه ما يرجوه من إعطاء "سلطان" أو "قوة" للأسماء، وهذا من تأثير التوجهات الصوفية التي يحلو لها أن تخلع على الألفاظ خصائص وصفات هي ليست فيها. 
ولم يأخذ أبو القاسم-رحمه الله- أي مفهوم إجرائي من اللسانيات يدعم به آراءه في تحليل دلالات الألفاظ، ولو كان قد اتخذ منها مرجعية أداتية لكان قد حدثنا عن قضايا تندرج ضمن النظريات الدلالية المعروفة: كنظرية السياق، أو نظرية الحقول الدلالية، أو النظرية التحليلية، أو علم الدلالة البنيوي، أو... أو... ولكان قد طبق شيئا من المعرفة اللسانية المعاصرة أو القديمة، وكان تحليله تحليلا علميا مؤسسا واضح المرجعية والمنهج. ولو أنه قام بنقد بعض تلك المفاهيم الدلالية الإجرائية التي جاءت بها اللسانيات الحديثة والمعاصرة، أو كلها، نقدا إبيستيمولوجيا أو منهجيا وأضاف إليها رأيه الخاص لكان لكلامه مصداقية في ادعاء المعرفة باللسانيات، ولكنه لم يفعل أي شيء من ذلك، مما يجعل إمكانية اتهامه بالمزايدة المعرفية على القراء ممكنة! وهو أمر لو صدر من القراء لكان مقبولا! فلماذا فعل المرحوم أبو القاسم ذلك؟ ربما يكون قد فعله بسبب رغبته في تصوير منهجه بأنه غير غافل عن السياق المعرفي الحديث والمعاصر وأنه موصول بكل (أو جلّ) المعارف الإنسانية والاجتماعية الحديثة، ويعطي –من ثَمَّ- لآرائه قدرا أكبر من المقبولية والحضور في الساحة الفكرية المعاصرة.
الترادف في القرآن تتميز ألفاظ القرآن العظيم بميزة الدقة الدلالية، فالله سبحانه يختار لمعاني كتابه الألفاظ التي تعبر بدقة عنها، ومن ثم فإن لغة القرآن لغة دقيقة مضبوطة... ولكن هذا لا ينفي أن النص مركب من اللغة العربية ومحكوم بقواعدها وخصائصها وأنظمتها النحوية والمعجمية والدلالية جميعا، ولا يمكن لأي باحث في النص القرآني إلا أن يتعامل معها، إذ بدون التزام الباحث في القرآن بهذه الأنظمة والقواعد والخصائص لا يكون النص القرآني كلاماً عربيا، ولا يكون "بلسان عربي مبين"، ومن ثم تنقطع الحجة التي هي له على العرب، وتنخرم الرسالة التي أرادها الله بينه وبين عباده. وكما قال أحد الباحثين إذا سلمنا بأن في القرآن لغة اصطلاحية فما الذي يمنع أن تتعدد دلالات القرآن الاصطلاحية؟ وهل ينافي ذلك خاصية الضبط اللغوية ومقتضيات الدقة اللسانية ما دامت هناك قرائن لضبط المعنى المقصود؟ وما الذي يمنع وجود دلالة لغوية معجمية غير اصطلاحية في مفردات القرآن إلى جوار الدلالات الاصطلاحية؟(20).
وعليه فإننا نذكر هنا بعض المفردات القرآنية القليلة التي تتقارب معانيها إلى درجة نستطيع معها أن نقول إن فيها ترادفا، ونحن لا ننسب الترادف إلى لغة القرآن بناء على موقف عقائدي مسبق أو قناعة إيديولوجية، بل لا نقول به ولا ننفيه انطلاقا من تصور مبدئي معياري يوضع سلفا قبل الدراسة والتحليل، وإنما نحاول أن نستعرض النصوص ثم نحللها لنصل إلى إثباته أو نفيه، ومنهجنا في ذلك هو المبدأ الذي اتفق عليه جميع اللغويين القدامى وجميع اللسانيين المحدثين والمعاصرين وهو: [ليس للكلمة معان مسبقة ولكن لها استعمالات]، فنحن نحتكم إلى "الاستعمال" لأنه هو المحكّ الحقيقي ولا نكتفي بـ"الوضع". 
- ومن الكلمات التي يبدو أن فيها تقاربا في المعنى إلى درجة "الترادف" في بعض السياقات لا كلها: 
1. "خوف" و"خشية" وذلك في قوله تعالى [فلا تخافوهم وخافون إن كنتم مؤمنين] (آل عمران-175)، فقد صرح بأن الخوف يكون من الله ومن الناس، ومنه قوله تعالى [تخافون أن يتخطفكم الناس] (الأنفال-26)، ومما جاء على لسان موسى عليه السلام [فأوجس في نفسه خيفة موسى، قلنا: لا تخف] (طه، 67)، وكان يخاف أن يفشل وينهزم أمام سحرة فرعون ويظهر باطلهم على حقه وينتصر، وجاء على لسان زكريا عليه السلام: [وإني خفت الموالي من ورائي] (مريم- 5)، وكان زكريا خائفا من الموالي أن يسيئوا وراثة الدين.
- أما "الخشية" فقد ذكرت في بعض الآيات بنفس المعنى، منها قوله: [فلا تخشوهم واخشون] (المائدة-3)، وهنا يصرح بأن الخشية تكون من الله ومن الناس تماما كما كان الخوف، فهي مماثلة لقوله في سورة آل عمران الذي سبق أن ذكرناه [فلا تخافوهم وخافون] ففي مثل هذه السياقات استعملت "الخشية والخوف" بمعنى واحد.
ومن علمائنا القدامى من ذهب إلى أن: "الخشية" خوف مصحوب بالتعظيم (الراغب الأصفهاني- معجم ألفاظ القرآن- ص 283)، وهذا تقييد لمعنى الخشية لا يؤيده الاستقراء القرآني في جميع السياقات، والدليل على ذلك أنه قال: [وأما الغلام فكان أبواه مؤمنين فخشينا أن يرهقهما طغيانا وكفرا] (الكهف-80)، فأين هو التعظيم المزعوم في هذه الآية؟ يمكن أن تكون الخشية بمعنى الخوف مصحوبا بالتعظيم في آية أخرى أو في سياقات أخرى، لا في كل الاستعمالات القرآنية، كما في هذه الآية: [من خشي الرحمان بالغيب وجاء بقلب منيب] (ق- 33) ما دام المخشي هو الله سبحانه وتعالى، فالمؤمنون يخافونه ويعظمونه، أما في آية الكهف فلا يستقيم هذا المعنى.
2. ومنها: وجد، ألفى، فقد جاءت الكلمتان بمعنى واحد في بعض السياقات منها: [وإذا قيل لهم اتبعوا ما أنزل الله قالوا بل نتبع ما ألفينا عليه آباءنا أولو كان آباؤهم لا يعقلون شيئا ولا يهتدون] (البقرة-170)
- [وإذا قيل لهم تعالوا إلى ما أنزل الله وإلى الرسول قالوا حسبنا ما وجدنا عليه آباءنا أولو كان آباؤهم لا يعلمون شيئا ولا يهتدون] (المائدة-104). 

ولا ندّعي تعميم ظاهرة الترادف في كل الثنائيات المفرداتية (وجد/ألفى) أينما وجدت؛ فذلك منهج غير علمي، ولكن نقوم بتحليل السياقات بالأدوات اللغوية القرائنية والأدوات البنيوية المعجمية الوظيفية ثم نربط سياق الآية الخاص بالسياق القرآني العام قبل أن نصل إلى نتيجة. هذا، و"الترادف" أمره يسير، إذ يمكن أن ينفى بإثبات الفروق الدلالية بين المفردات التي ذكرناها، أما ما لا يمكن لأحد نفيه فهو "الاشتراك اللفظي" الذي قد خصصنا له دراسة سابقة.

5- كتاب "العالمية" ومستويات النظام اللغوي: يقوم النظام النحوي للغة العربية على مجموعة من الأسس:
- طائفة من المعاني النحوية العامة (معاني الأساليب)
- مجموعة من المعاني النحوية الخاصة، أو معاني الأبواب النحوية: كالفاعلية والمفعولية والإضافة... 
- مجموعة من العلاقات التي تربط بين المعاني الخاصة حتى تكون صالحة لما يراد منها في التركيب، مثل: علاقات الإسناد والتخصيص (كالمفاعيل والحال والنعت والتمييز... ) والإضافة 
- القيم الخلافية التي تجسدها المقابلات بين عنصر وغيره من العناصر في النظام اللغوي
- ما تقدمه بعض العلوم اللغوية النسقية الجزئية لعلم التراكيب من معطيات: كالقرائن الصوتية التي يقدمها علم الصوتيات ومباني الصيغ الصرفية التي يقدمها علم الصرف، ومنها الحركات والحروف ومباني التقسيم ومباني التصريف.

ولا بد أن يكون هذا النظام التركيبي منسجما مع النظام الدلالي الذي يتألف من عناصر أخرى كالمعجم وضعا واستعمالا، حقيقة ومجازا، وسياق الحال وغرض المتكلم وحال المخاطَب... ولكي يكون التأويل موافقا للنظام اللغوي فلا بد أن يفرق بين مستويين لغويين هما: مستوى الوضع ومستوى الاستعمال، والأول ذو منهج بنيوي صوري، والثاني منهجه وظيفي-تداولي. ويتضافر المنهجان مع المعطيات والمكونات والأسس السابقة للوصول إلى المعنى الدلالي الشامل.
ومن الدواعي التي جعلتنا نبسط هذه البديهيات حول النظام اللساني للغة العربية أننا رأينا المؤلف يجهل طرق اشتغال الأنظمة الأساسية للغة العربية التي نزل بها القرآن العظيم (أي النظام التركيبي/ النظام المعجمي/ النظام الدلالي) وفق ما هو مقرر في أبجديات اللسانيات الحديثة والمعاصرة ولا يحتكم إليها ولا يوظفها توظيفا منهجيا عاديا كما هو متعارف عليه، بل رأيناه أحيانا يتصرف فيها تصرفا انتقائيا فيحتكم- بصورة انتقائية تجزيئية غير مبررة، لا علميا ولا منهجيا - إلى بعض تلك الأنظمة دون بعضها الآخر، فيظن أن النسَق الدلالي للنص مثلا يمكن أن يكون معزولا عن أنساقه الأخرى: كالنظام التركيبي والنظام المعجمي، مما قد يوقعه في تفسيرات صوفية غامضة لا سند علمي لها، ويمارس على القارئ فعلا تأثيريا ق
تاريخ النشر : 14-05-2006

6378 : عدد القراءات


يلفت موقع الملتقى الألكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.


 

 

 

 

 

الصفحة الرئيسية   l   دراسات قرأنية   l   دراسات حديثة   l   الفقه و الأصول   l   العقيدة و الكلام   l   فلسفة التجديد

قضايا التجـديـد   l   إتجاهات الإصلاح   l   التعليم و المناهج   l   التراث السياسي   l   الدين و الدولة   l   الحقوق و الحريات

مفاهيم و مصطلحات   l   الإسلام السياسي    l    الظاهرة الدينية   l   فلسفة الدين   l   فلسفة الأخلاق   l    قضايا فلسفية

المـــرأة و النسوية   l   الإسلام و الغرب    l   عروض و مراجعات   l   إصدارات   l    حوارات و شخصيات   l    مـؤتـمـرات و متابعات

جديد الملتقى   l   سجل الزوار   l    رأيك يهمنا   l   اتصل بنا

   ©2024 Almultaka  جميع الحقوق محفوظة 

Designed by ZoomSite.com