آخر تحديث للموقع

 2022-08-20

 
Facebook Twitter Rss

النص والتراث  .  دراسات قرآنية

دراسات حديثية    |    الفقه و الأصول    |    العقيدة و الكلام

  •     

هل أصبحت الديمقراطية "إسلامية"؟

عبد الرحمن الحاج


هل أصبحت الديمقراطية خياراً لمعظم الإسلاميين في العالم الإسلامي؟ وهل يعني ذلك أنهم تخلوا عن فكرة "الدولة الإسلامية" لصالح دولة مدنية؟ أم أنها خيارات الضرورة؟ وهل أصبح الإسلاميون أمام وعي جديد بالسياسة ودولتها الحديثة، أم أن خيال "الخلافة" مازال يراودهم؟ أسئلة لابد من إعادة طرحها فالحديث عم الديمقراطية وموقف الإسلاميين منها أصبح اليوم غيره بالأمس.
فحتى نهاية القرن الفائت بدا أن الإسلاميون منقسمون على أنفسهم بشأن المسألة الديمقراطية، بين مجيز لها شرعاً باعتبارها متطابقة مع الديمقراطية، وبين من يضع عمامة لها (بدل طربوشها) فتصبح الدعوة القرآنية للشورى نظام "الشورقراطية"! وبين من يعتبر الديمقراطية حكم لغير الله؛ باعتباره حكم للشعب، ومن يرى في الديمقراطية "دين، واعتقاد كفري" (حسب تعبير بعض كتابات المنسوبة للقاعدة وأخواتها من تيارات التكفير)، وبين من يرى في الديمقراطية عيوبها فحسب مستفيداًَ من أخيراً من الحديث عن مثالب الديمقراطية، وذلك في مقابل حداثويين عرب يلحون ودون كلل (بعضهم ما يزال إلى اليوم يفعل ذلك) على أن الديمقراطية في الدولة الحديثة مشروطة بـ"العلمانية" وأحياناً بـ"الإلحاد" أيضاً! أما الماركسيون فقد كان الحديث عندهم عن الديمقراطية بمنزلة الـ"ردة"؛ إذ الخيار الوحيد والحقيقة الواحدة كانا "دكتاتورية البروليتاريا" و"طليعتها الثورية"، وما الدعوة الديمقراطية إلا وجها آخر للفكر البرجوازي وامتداده الرأسمالي.
في بداية السبعينيات أصبح التفكير في الديمقراطية ضيِّقاً إلى حدود لم يعد يُسمع فيه حديث عنها، حيث أجج الأصوليون الماركسيون ويسران العرب الحداثويين المعركة مع الفكر الديني (الإسلام) وثقافتة "الرجعية" المتخلفة التي علقوا عليها كل الهزائم السياسية والثقافية، فبدا أنه لم يعد يسمع سوى صوت المعركة، وفي المعركة يصبح العنف أساساً في التفكير، ولهذا لم يلبث احتدام الصراع أن ولد أول تنظيم إسلامي يتبنى العنف طريقاً في التغيير، هو "تنظيم الجهاد" المصري عام 1976م، وبلغ العنف الإسلامي الأصولي ذروته صعوداً في الثمانينيات، ثم خلال التسعينيات أصبح العنف الأصولي آخذاً بالانحسار، فقد انتهى الصدام مع الماركسية (الأصولية بطبيعتها) بفجيعة الانهيار المروّع للاتحاد السوفيتي، وبعد أن تم الحديث عن ديمقراطية إسلامية لمرة واحدة (تجربة جبهة الإنقاذ) وذهب بها الحداثويون العرب ـ ومعهم صحفيون وباحثون أوربيون ـ حجة دامغة على أن الإسلاميين كلهم مؤمنون بالديمقراطية لمرة واحدة، وأنهم في حقيقة الأمر يتعاملون معها باعتبارها وسيلة للاستبداد بالسلطة، ولكن نشأت طروحات جديدة مثل "العدالة والتنمية" في المغرب. 
والآن بعد ومنذ أحداث الحادي عشر من أيلول 2001 فإن الحديث عن الديمقراطية لم يعد كما قبل، فالحركة الإسلامية انشقت في حالة استقطاب شديد، بين مؤمن إيماناً مطلقاً بالعنف سبيلاً لحل المعضلة السياسية وفق لاستراتيجية أسامة بن لادن في "رأس الأفعى)) (أميركا) وهم أقليّة، وبين مؤمن إيماناً حاسماً بالحل الديمقراطي أطلق عليهم أحياناً "الإسلاميون البرلمانيون"، وهنا علينا أن نلاحظ أن العنف منذ نهاية التسعينيات لم يعد محلياً، وإنما بدأ منذ 1998 (أي منذ حادثة تفجير السفارتين الأميركيتين في أفريقيا) ثم حادثة المقاتلة البحرية "كول" وهذه الملاحظة ـ أعني تراجع العنف الإسلامي المحلي ـ ظنه (جيل كيبل) في ذلك الوقت انحساراً تاريخيا للأصولية الثورية العنيفة إلى غير رجعة، لكنه ما لبث بعد أطروحته بضعة أشهر حتى ظهر عنف الأصولية الإسلامية في أحداث سبتمبر في نيويورك، وكأنها تزداد قوةً وتصعد صعوداً مذهلاً لتصبح جزءاً من المعركة السياسية الدولية.
أما الذين كانوا مترددين بين عالمية يقتضيها مفهوم "الأمة" أو"الجماعة" وبين مفهوم "الوطن" المحدود بحدود ترابية وتعدد عرقي وديني (وهم الأكثرية) فقد حسموا أمرهم باتجاه الوطنية، وأصبحت الوطنية كمقابل للعالمية أو الأممية خياراً اضطرارياً كما يشير بعض الإسلاميين كالدكتور أحمد الريسوني (في قناة الجزيرة 7/8/2005 برنامج الشريعة والحياة) الذي يرى أن "الدولة الوطنية واقع، والإسلام يقبل بهذا على أساس أن الإسلام لا يفرض على المسلمين ما لا يطيقون، من هذه الناحية نعم الإسلام واضح ﴿لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إلاَّ وسْعَهَا﴾، (...) الأصل في الإسلام وفي المسلمين أن يكونوا أمة واحدة ودولة واحدة، هذا شيء مسلم ومقرر، وعرفه التاريخ، لكن حينما ابتعدنا عن هذا الواقع لأسباب متعددة فعلى الأقل وحدة الأمة هذه قائمة، (...) بدليل أن المسلمين في جميع الأماكن يحسون أنهم ينتمون إلى هذه الأمة (...) لكن الواقع أننا الآن بيننا وبين الدولة الواحدة ما بين السماء والأرض إذا ليس مطلوب منا أن تصل هاماتنا وأيادينا إلى السماء، هذا لا طاقة لنا به، فإذاً الإسلام ـ سواء على مستوى التدين الفردي أو على مستوى الأمة ـ ﴿لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إلاَّ وسْعَهَا﴾، ما يطاق وما لا يطاق هذه قضية أساسية (...) الاستجابة إلى القطرية هذا شيء طبيعي سواء كنا ـ لو افترضنا ـ أننا دولة واحدة أو قاب قوسين أن نكون دولة واحدة، نحن المسلمين ـ حتى في هذه الحالة ـ يجب أن يشتغل أهل المغرب في المغرب، ويجب أن يشتغل أهل إندونيسيا في إندونيسيا".
صحيح أنه لم تعد الحساسية من الديمقراطية كما كانت عليه بالأمس، لكن من الناحية التنظيرية فإن خطاب الضرورة هذا قد يمثل انتكاساً عما بدأه الخطاب الإسلامي الإصلاحي مطلع القرن الماضي (كم نراه في نصوص السيد محمد رشيد رضا مثلاً التي ينوه على أهميتها الدكتور رضوان السيد كثيراً) الذي كان يرى في الديمقراطية نوعاً من الانسجام العميق مع الذات، بحيث تبدو الديمقراطية الحديثة وكأنها نوع من إعادة اكتشاف الذات نفسها، لا شيئاً غريباً عنها. لكن مع ذلك فإن الوعي السياسي على الرغم من إيمانه بأنه خطاب ضرورة إلا أن هذه الضرورة (كما يبدو من ماهية الضرورة ذاتها) تصلح أساساً قوياً لاستراتيجية إسلامية سياسية طويلة الأمد، تؤمن بالعمل الوطني كواقع لا مناص منه، وهي إذ تكيف هذا فقهياً على أنه خطاب ضرورة فإنها بذلك تكون قد قدمت خطوة مهمة باتجاه تأصيل الديمقراطية في الخطاب السياسي الخاص بها. 
لا يعني ذلك زوال ظل "الدولة الإسلامية" من المخيلة بالمطلق، بل إن خطاب الديمقراطية الوطنية يعدل مفهوم الدولة الإسلامية من نموذج "الدولة الدينية" إلى "الدولة المدنية" وهو أمر أصبحت تصرِّح به الآن بعض الحركات الإسلامية، لقد أصبحت "الخلافة" في الحركات الإسلامية الديمقراطية الجديدة خيالاً ليس إلاَّ، ولم يبق "حقيقة" مرتقبة إلا في أذهان أصوليي حزب التحرير. 
لقد قدم حزب "العدالة والتنمية" التركي نموذجاً ملهماً بنجاحه في تبني خطاب سياسة وطنيان وأصبح نجاحه إقليمياً ودولياً تأكيداً لإمكانية أن يكون الإسلام السياسي مُسهماً اللعبة السياسية في إطار الدولة العلمانية الحديثة والمجتمع الدولي، ويمكن القول إذاً إن الديمقراطية توطَّنت الآن في الخطاب الإسلاميين، وأصبحت ـ وربما عادت ـ لتكون إسلامية.
 

 

تاريخ النشر : 26-12-2005

6309 : عدد القراءات


يلفت موقع الملتقى الألكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.


 

 

 

 

 

الصفحة الرئيسية   l   دراسات قرأنية   l   دراسات حديثة   l   الفقه و الأصول   l   العقيدة و الكلام   l   فلسفة التجديد

قضايا التجـديـد   l   إتجاهات الإصلاح   l   التعليم و المناهج   l   التراث السياسي   l   الدين و الدولة   l   الحقوق و الحريات

مفاهيم و مصطلحات   l   الإسلام السياسي    l    الظاهرة الدينية   l   فلسفة الدين   l   فلسفة الأخلاق   l    قضايا فلسفية

المـــرأة و النسوية   l   الإسلام و الغرب    l   عروض و مراجعات   l   إصدارات   l    حوارات و شخصيات   l    مـؤتـمـرات و متابعات

جديد الملتقى   l   سجل الزوار   l    رأيك يهمنا   l   اتصل بنا

   ©2024 Almultaka  جميع الحقوق محفوظة 

Designed by ZoomSite.com