آخر تحديث للموقع

 2022-08-20

 
Facebook Twitter Rss

الفكر السياسي  .  الإسلام السياسي

التراث السياسي    |    الدين و الدولة    |    الحقوق و الحريات

  •     

إخوان مصر ..معالم تيار ديمقراطي جديد ( 1 )

حسام تمام


مع تصاعد الحديث عن الإصلاح السياسي في الأنظمة العربية يثور الجدل وتبدأ التساؤلات فلا تنتهي حول وضع تيار الإسلام السياسي في مسار الإصلاح المرتقب ومستقبله، وكلها تدور حول إمكانية ميلاد تيار إسلامي سياسي تتجاوز علاقته بالديمقراطية النظر إليها كآليات ضرورية لممارسة العمل السياسي إلي أن تصبح جزءا من بنيتها الثقافية والأيدلوجية، وعما إذا كان لنا أن نتحدث عن إمكانية تكرار حزب تجربة العدالة والتنمية التركي في بلدان عربية كمصر التي انطلقت منها شرارة الحركات الإسلامية في العالم؟
تصاعد الجدل، وربما بسببه، لازمه تصريحات ومواقف وكتابات إخوانية تحدد أو تعيد النظر في موقفها من المسالة الديمقراطية بشكل أكثر تفصيلا وتفسيرا وتأصيلا. ورغم أنه لم يصدر رسميا من الجماعة أي وثيقة جديدة في هذه المسالة بعد آخر وثيقة كانت قد صدرت عام 1994 عن موقف الإخوان من المرأة والشوري والأحزاب، إلا أن ما نسب في هذا الشأن لعدد من قيادات الجماعة وأعضاء مكتب الإرشاد – أعلي سلطة تنظيمية فيها- يستحق أن يرصد جملة واحدة ويوضع في إطار عام، وهو الأمر الذي من شأنه – إن تم – أن يدفع للقول بتطور الخطاب الإخواني في المسالة الديمقراطية وميلاد تيار جديد في الجماعة.
تناثرت التصريحات والبيانات التي تشي بهذا التطور في سياقات مختلفة وكان الجامع بينها أن خرجت من جيل الوسط، وخاصة الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح عضو مكتب إرشاد الجماعة وأهم رموز هذا الجيل. 
وفي خلال شهور قليلة وفي حوارات وأوراق مختلفة حاول أبو الفتوح فض الالتباسات وتحرير الإشكالات التي يثيرها موقف جماعته الدينية من الديمقراطية، فقدم أكثر الإجابات تفصيلا عن قضايا وإشكالات كثيرة لم يجاوز فيها الخطاب الإخواني من قبل حدود العمومية المفرطة والمواقف المبدئية التي ينقصها الوضوح والتفصيل .
تناثرت تصريحات أبي الفتوح وآرائه في صحف ومواقع إنترنت مختلفة، فنشرتها مجلة الصدي الإماراتية وصحيفتي "العربي" و" القاهرة" المصريتين، وموقع الجزيرة.نت وموقع إسلام أون لاين.نت ..وكلها يمكن أن تساعد في شرح موقفه الذي يقدمه باعتباره يمثل رؤية جماعته، ويمكن أن تبين معالم التغيير والتطور في الموقف الإخواني في المسألة الديمقراطية
***
ويمكن أن نلخص الخطوط الأساسية لما يمكن أن نسميه رؤية التيار الإخواني الجديد في المسالة الديمقراطية علي النحو التالي، وما بين القوسين اقتباسات ونصوص من كلام أبي الفتوح الأكثر تمثيلا لهذا الجديد :
* يقبل هذا التيار بالديمقراطية قبولا نهائيا (كآلية لاتخاذ القرار في كل مراحل العملية السياسية ومناصبها ومؤسساتها) ويثمنها باعتبارها (تجربة وتراث إنسانية فريد يعبر عما وصلت إليه البشرية من تطور) وهو يعني الديمقراطية مطلقا ولا يتحدث كما كان سابقا عن خصوصيات للديمقراطية باستثناء ما يطمح إليه من (مزاج أو روح خاصة للديمقراطية في بلادنا العربية والإسلامية) وهو لا يقصد الخصوصية بالمعنى الاستثنائي الذي اعتاد كثير من الإسلاميين الحديث عنه مدخلا للتحايل علي الديمقراطية! بل يعطيها- فقط- نفسا ثقافيا واجتماعيا (مثلما هو الحال في الديمقراطية الهندية).
ولا ينحو هذا التيار في نظرته للديمقراطية إلى مقولات دينية من بعيد أو من قريب؛ فهو يتجاوز إشكالية التمييز بين الديمقراطية والشورى التي طالما تعمد الإسلاميون طرحها للحديث عن شيء مغاير للديمقراطية، فيؤكد أبو الفتوح على أنه لا خلاف ولا تعارض بين الديمقراطية والشورى لأن (الشورى خلق ديني لا ينحصر بالضرورة في السياسة، كما أن الديمقراطية هي آلية لضبط المشاركة والعملية السياسية) ولا يرى داعيا للخلط بما يشعر بمجرد احتمال التناقض أو حتى الاختلاف..يتجاوز أبو الفتوح (الخلاف المفتعل) ويتجاوز معه أيضا ولكن بلباقة ودون صدام تراث مؤسس الجماعة- الإمام حسن البنا- الذي كان يرى الشورى معلمة وليست ملزمة ليؤكد على إلزامية الشورى وأن الأمر اختلط علي أتباع الإمام في فهم رأيه بسبب طبيعة علاقتهم به التي كانت أقرب إلي علاقة المريدين بشيخهم!.
وأساس الديمقراطية عند التيار الإخواني الجديد هو الاحتكام للشعب؛ وهو يتحدث عن حكم الشعب دون ذكر لأي مقولات دينية ملازمة لهذا الاحتكام فلا يتحدث عن "حكم الشعب بشرع الله" مثلما كانت تردد الأدبيات الإسلامية، بل هو( مطلق الاحتكام للشعب أيا كانت توجهات أو ديانة مواطنيه، وأيا كان اختياره حتى ولو كان من الشعب غير مسلمين، وحتى لو كان الاختيار مخالفا للإسلام بل رافضا له من الأساس) وليس خارجا عن بعض تعاليمه فقط. ولا عبرة بالرفض القديم الذي يحتج أصحابه بعدم جواز تحكيم الشعب في أمر الله، فهو يري أن (الشريعة لا تحكم إلا إذا أرادها الشعب ولو رفضها فليست لها أي حجية ولا يجوز فرضها عليه بدون إرادته لأن النص القرآني يقول" فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر" و القرار للأغلبية دون أي اعتبارات دينية) بل هو يجعل العودة إلي الشعب مطلقة ويحرم أي تحايل أو التفاف على حرية إبداء الشعب لرأيه أو التحايل على القبول بقرار واختيار الشعب حتي ولو عبر "التربيطات" السرية!.
* وفي تطور لا يقل أهمية ينزع التيار الجديد في خطابه عن العملية السياسية بمجملها أي غطاء ديني كانت تيارات الإسلام السياسي- بما فيها الإخوان- تحرص علي أن تسربلها بها، وعليه فإن (الخلافة مسألة سياسية لا علاقة لها بنصوص دينية وهي في الحال المعاصرة ليست تبعد كثيرا عن أشكال الوحدة السياسية المعاصرة بما فيها الاتحاد الأوروبي)! ولا حديث عن أي غطاء ديني للسلطة أو شرعية تستمدها من خارج حكم واختيار الشعب، ومن ثم فإن (ممارسة الإخوان المسلمين السياسية لا تحميها أي شرعية أو غطاء ديني وما يحكمها هو حكم وتقييم الشعب) لها سلبا أو إيجابا ومن حق الشعب بل واجبه التقييم.
*وأهل الحل والعقد في خطاب التيار الجديد مصطلح تراثي لا وجود له بالمعنى التقليدي بقدر ما هو تعبير عن صيغة سياسية لممثلي الشعب وهي تاريخية كانت في مرحلة سابقة (والشكل الحديث لها هو من يختارهم الشعب لتمثيله نيابيا، ومن يختاره الشعب فهو من أهل الحل والعقد أيا كان دينه أو وظيفته أو نوعه، ومن ثم فليس بالضرورة أن يكون من العلماء والفقهاء).
* ويؤكد التيار الإخواني الجديد القبول التام بمبدأ المواطنة وحفظ حقوقها لكل من يحمل جنسية البلد وتنطبق عليه صفة المواطن ويتمتع بهذا الحق كل المواطنين بمن فيه الأقباط وغير المسلمين عامة. فهو (يقبل بمبدأ توليتهم كل المناصب بما فيها منصب رئيس الجمهورية ما لم ينص الدستور- الذي أقره الشعب- على شروط فيمن يتولاه كما هو الحال في الولايات المتحدة مثلا، وتكون هذه الشروط من اختيار الشعب وليس وفق آراء دينية، ومعني هذا أنه إذا نص الدستور على أن يكون الرئيس مسلما فالحجة هنا باختيار الشعب وليس لنص ديني يحتم ذلك أو يمنع غيره. ويتبع ذلك أيضا إقرار حق المرأة أيضا في العمل السياسي وتولي كل المناصب بما فيها منصب الرئاسة ما لم يقيده الدستور باختيار شعبي لا بنص ديني، أي أن الحكم في المسألة هو قرار الشعب وليس النص الديني.
* من النقاط الخلافية التي يتجاوزها التيار الجديد القبول بمبدأ الحق والحرية المطلقة في تكوين الأحزاب لكل التيارات على اختلافها، بحيث تتكون الأحزاب تلقائيا دون انتظار موافقات الجهات الإدارية، وتتكون وفق توجهات وقناعات أصحابها دون مصادرة لتيار أو اتجاه بما فيها الاتجاهات العلمانية أو الشيوعية بل ويؤكد علي حق تكوين أحزاب دينية غير إسلامية على أن ينظم المسألة السلطة القضائية وحدها وهي بطبيعتها لها سيادة واستقلال تام عن الجهات الإدارية والسلطة التنفيذية، وهي وحدها التي تقرر إذا ما كان تشكيل حزب من جهة أو مجموعة من الشعب فيه ضرر علي البلاد، وتحدد ما إذا كان هذا الحزب أو ذاك خارج عن الدستور الذي أقره وقبل به الشعب، ومن ثم فلا مصادرة مبدئية على حق تكوين الأحزاب لأي تيار ولا مصادرة لاحقة من الجهات الإدارية والسلطات التنفيذية، والفيصل النهائي هو السلطة القضائية المستقلة.
* هناك نقطة خلاف تتحرر لدي التيار الأخواني الجديد، وهي تلك التي تتعلق بالقبول بحق ومبدأ تداول السلطة والتسليم باختيار الشعب مهما كانت نتائجه إذ ( لا مانع أن يسلم الإسلاميون السلطة لغيرهم طالما انتخبه الشعب حتى لو كان غير مسلم)، وهو على ثقة من أن اختيار الشعب سيكون الإسلام لكنه يسلم بحق الشعب في رفض الإسلام واختيار ما يشاء.وربما كانت هناك فتوي سابقة للشيخ يوسف القرضاوي تجاوزت هذه المسألة منذ سنوات لكن الجديد أن تعتمدها قيادة سياسية كبيرة في الجماعة بوزن أبو الفتوح وترحب بها.
* ووفق هذه الرؤية يقبل تيار الوسط الذي يقود العملية السياسية داخل الجماعة، ومن أبرز قياداته عبد المنعم أبو الفتوح، بالعمل داخل القوانين والأطر واللوائح التي تنظم العملية السياسية في مصر ويطلب قبوله بها وفق الشروط التي تتطلبها معلنا رفضه لمبدأ القطيعة مع العملية السياسية أو الدعوة للخروج على النظام وآلياته وقوانينه بالتحول إلى حزب سياسي بكل متطلبات هذا التحول وشروطه من حيث:
- تصفية الجماعة بشكلها وهيكلها الحالي وإعلان التحول إلى حزب سياسي علني تخضع علاقات أفراده وتصرفاتهم لما يحكم علاقات وسلوك المندرجين في الأحزاب السياسية. ويخضع الحزب الجديد لرقابة مالية وقانونية كاملة.
- إنهاء العمل السري ورفض كل ممارساته وإخضاع كل تنظيمات وحركة الحزب/ الجماعة سابقا إلى رقابة الرأي العام.
- إنهاء أي ارتباطات خارج القطر بحيث تتحول الجماعة المصرية لحزب مصري ليس له أي امتداد خارج البلاد بما يعني إنهاء التنظيم الدولي الذي ينسق بين التنظيمات الإخوانية في الأقطار المختلفة وتحويل هذا التنظيم إلى ملتقى فكري ثقافي للتواصل بين كالأحزاب والتنظيمات التي تحمل الفكر الإخواني علي غرار المؤتمر القومي العربي الذي يجمع الأحزاب والتنظيمات القومية أو منتدي الاشتراكية الدولية الذي آلت إليه تنظيمات الشيوعية .

***
وأهمية هذا الكلام لا تأتي من حيث جدته فقط بل تأتي أيضا من جهة إعلانه وأقصد بها عبد المنعم أبو الفتوح فهو ليس عضو هيئة الإرشاد أعلي سلطة في الجماعة فحسب بل هو أحد أهم قيادات جيل الوسط بالجماعة وأكثرهم قدرة علي الاستجابة ليس لمتطلبات التجديد والتطوير فحسب بل وفرض مسارات واتجاهات هذا التطوير في بنية الجماعة وهياكلها الداخلية نظرا لطبيعة وضعه التنظيمي وحجم دوره التاريخي في إعادة بناء الجماعة، فقد كان قراره – وقت أن كان أميرا للجماعة الإسلامية بجامعة القاهرة في السبعينيات- بالموافقة علي انضمام الجماعة لتنظيم الإخوان حاسما في عودة الإخوان ثانية للساحة وضخ دماء جديدة بالجماعة العجوز لم تكن لتستمر دونها.
ويؤكد أبو الفتوح علي أن مسار الجماعة في السنوات الأخيرة يحمل كثيرا من دلائل هذا التوجه، كما أن الأدبيات الحديثة للجماعة( آخرها البرنامج الانتخابي لمرشحي الإخوان سنة 2000 الذي أعادت إعلانه تحت ما يسمي بمبادرة الإصلاح السياسي!) تؤكد على هذه التحولات، لكنه يربط إمكانية حدوث ذلك بحدوث متغيرات حقيقية لا باعتبارها شرطا يضعه والتيار بقدر ما هو بيئة لازمة لإعلان هذا التوجه كاملا ونهائيا بحيث تتقبله القيادة العامة والقواعد داخل الجماعة، وأهم المتغيرات اللازمة.
- انفتاح سياسي يسمح بوجود قانوني للجماعة، وأهم مؤشراته إلغاء قانون الأحزاب بصيغته الحالية.
- تخفيف القبضة الأمنية وإفساح المجال للحريات السياسية بما يسمح بالتواصل بين قيادات هذا التيار وكوادر الجماعة ويضمن انتقال الأفكار والقناعات بشكل طبيعي.
يحمل أبو الفتوح السلطة والقوي السياسية الأخرى جزءا من المسئولية عن تعثر التطور الديمقراطي داخل الجماعة وتراجع احتمالات إدماجها في العملية الديمقراطية لعدم تفاعلها مع هذه التطورات بتثمينها وتنميتها بإزاء تيارات أخري داخل الجماعة هي في منطلقاتها مناقضة للديمقراطية، فكل الضربات الأمنية الكبرى جاءت لإجهاض التطور الديمقراطي الداخلي مثلما حدث بعد أكبر انتخابات داخلية شهدتها الجماعة في نهاية 1994، كما أن الاعتقالات والمحاكمات تطال القيادات المطالبة والمرشحة لقيادة عملية التحول الديمقراطي فيما بدا وكأنه تحالف بين تياري التشدد ومعارضة التحول الديمقراطي في السلطة وفي الإخوان!.
إن من مفارقات جدل الإصلاح السياسي في العالم العربي أن الوضع صار معكوسا ففي حين تمانع الأنطمة بدعي "الخصوصية" الثقافية والحضارية والدينية أحيانا؛ بدا التيار الإسلامي أشد التيارات السياسية- كانت -تمترسا حول هذه الخصوصية في سباق مع الزمن لنقض كل مقولات ودعاوي الخصوصية في سبيل التحول الديمقراطي! 
 

 

تاريخ النشر : 11-01-2005

6334 : عدد القراءات


يلفت موقع الملتقى الألكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.


 

 

 

 

 

الصفحة الرئيسية   l   دراسات قرأنية   l   دراسات حديثة   l   الفقه و الأصول   l   العقيدة و الكلام   l   فلسفة التجديد

قضايا التجـديـد   l   إتجاهات الإصلاح   l   التعليم و المناهج   l   التراث السياسي   l   الدين و الدولة   l   الحقوق و الحريات

مفاهيم و مصطلحات   l   الإسلام السياسي    l    الظاهرة الدينية   l   فلسفة الدين   l   فلسفة الأخلاق   l    قضايا فلسفية

المـــرأة و النسوية   l   الإسلام و الغرب    l   عروض و مراجعات   l   إصدارات   l    حوارات و شخصيات   l    مـؤتـمـرات و متابعات

جديد الملتقى   l   سجل الزوار   l    رأيك يهمنا   l   اتصل بنا

   ©2024 Almultaka  جميع الحقوق محفوظة 

Designed by ZoomSite.com