|
|
التجديد والنهضة . قضايا التجديد |
|
|
|
الدعوة إلى تجديد الفكر الديني ليست ابتكارا حديثا أو وليدة الظروف والمستجدات التي حصلت منذ سنوات وتلاحقت بعد الحادي عشر من سبتمبر 2001.إن الوعي بضرورة إنجاز هذه المهمة الصعبة اقترن بالمحاولات الأولى الفاشلة للصمود أمام أطماع الغرب وسياساته الاستعمارية.فالمقارنات التي قام بها رواد النهضة والمصلحون الأوائل بين الحالة التي آلت إليها أوضاع الأمة الإسلامية وبين التفوق الغربي في جميع المجالات، جعلتهم يوقنون بأن الثقافة الإسلامية بعلومها ومناهجها ومقولاتها قد أصبحت تتحرك خارج التاريخ المعيش.كما اعتقدوا أيضا بأن النهوض بأحوال أي أمة من الأمم لا يكون بقطعها عن جذورها الثقافية ومطالبتها بالتخلي عن موروثها ومعتقداتها الدينية، وإنما بمراجعة مخزونها الثقافي وإعادة تأسيسه وفق حاجيات المرحلة التاريخية وأولوياتها.لهذا اعتمد أغلب المصلحين المنهج الإصلاحي القائم على التدرج والمراجعات المتفاوتة في عمقها وجذريتها، مع محاولة التأصيل المستمر لما يصلون إليه من قناعات ومواقف، حتى يصبغون عليه الشرعية الدينية الضرورية، ويثبتون الحيوية الذاتية أو الداخلية التي يتميز بها الإسلام.
استمرت هذه الجهود فترة هامة من الزمن، بل يمكن القول بأنها لم تتوقف نهائيا.قد تضعف أو تهمش وتقل وتيرتها ويتضاءل إنتاج أصحابها ويتراجع تأثيرها على الجماهير والنخب وأنظمة الحكم، لكن سرعان ما تحل أزمة أو تحدث حادثة خطيرة تعيد تذكير الأطراف المعنية بأن مهمة رئيسية من مهام مرحلة النهضة لا تزال تنتظر من يستكملها ويؤمن بضرورة العناية بها واعتبارها مهمة استراتيجية وليست مسألة عرضية أو ثانوية أو تكتيكية.فالكثير من الإنجازات التي تحققت خلال المائة سنة الماضية، ما كان لها أن تتم وتستمر وتصمد إلى حد ما أمام القوى المحافظة، لولا تلك المراجعات التي قام بها التيار التجديدي الإسلامي.
من أسباب تعثر التجديد الإسلامي قبل التطرق إلى قضايا أو محاور الإصلاح، واقتراح الصيغ المساعدة على نشر ثقافة دينية مستنيرة، لا بد من التساؤل حول الأسباب التي جعلت التيار التجديدي يتراجع أو يتعثر في العالم العربي والإسلامي، ولم يتمكن حتى الآن من إنجاز الأهداف التي طرحها على نفسه قبل أكثر من قرن ونصف.ويمكن في هذا السياق الإشارة إلى عوامل رئيسية أسهمت في ذلك:
- فك الارتباط الذي كان قائما بين مكونات المشروع النهضوي الذي لم يكن يميز بين الإصلاح الديني من جهة والإصلاح السياسي والاقتصادي والاجتماعي من جهة ثانية.بل إن مصلحين كبارا مثل الأفغاني وعبده في مرحلته الأولى وخير الدين باشا في تونس وغيرهم اعتبروا أن تجديد الفهم للدين هو المدخل لإصلاح الدولة والمجتمع.لكن عندما دخلوا في مرحلة التحرر الوطني بقيادة أحزاب وزعامات سياسية، انصب الاهتمام بشكل أساسي على النضال السياسي.وبدل أن يكون الانفصال بين البعدين الديني والسياسي حالة مؤقتة فرضتها ظروف مقاومة الاستعمار، ترسخ هدا الانفصال بعد الاستقلال، حيث اكتفت القوى السياسية التي أمسكت بدواليب السلطة هنا وهناك بالحصول على ولاء المؤسسات الدينية التقليدية، وتفرغت كليا لبناء "الدولة الوطنية ". وهكذا اتسعت المسافة بين الخطاب التحديثي الذي تبنته النخب الحاكمة في أكثر من بلد إسلامي، وبين ما أصبح يسمى بالإسلام الرسمي وكذلك الثقافة الشعبية الدينية.فأنظمة الحكم اعتبرت أن ولاء المؤسسات الدينية لها والتعاطف السياسي الظاهري أو الحقيقي للجماهير مع قادتها كافيان لإضفاء الشرعية واستمرار الحكم، وقدرت بأن التعارض المستبطن بين الخطاب الديني الرائج ومظاهر الحداثة في الدولة والمجتمع لن تكون له أية أهمية أو آثار خطيرة على الاستقرار السياسي القائم على الاستبداد والانفراد بالقرار.
- اهتمت الدولة الوطنية بالتعليم الذي يمدها بالكوادر الفنية وأصحاب الاختصاص في مختلف المجالات التي تحتاجها.وهو ما ساعد كثيرا على تعميق فك الارتباط الدي تمت الإشارة إليه في الفقرة السابقة، حيث بقى خريجو مؤسسات التعليم الديني يعيشون غربة أو انفصالا معرفيا بينهم وبين خريجي بقية المؤسسات التربوية.لكنهم في الآن نفسه يشعرون بأن لهم سلطة أدبية لا يملكها الآخرون، حيث إنهم أقدر على مخاطبة الجماهير العريضة وكسب ثقتها وولائها نظرا لما يتمتعون به من صلاحيات الافتاء والتوجيه الديني.إن بقاء مؤسسات التعليم الإسلامي بعيدا عن المراجعات الجدية لمناهجها ومقرراتها الأساسية وتكوين أساتدتها، زاد في تعقيد عملية الإصلاح، وولد صعوبات ضحمة أمام المجددين.
- لم يأخذ التيار العلماني في البلاد العربية والإسلامية مسألة التجديد الديني بالجدية المطلوبة.بل إن أجنحة من هدا التيار دفعت في اتجاه تحويل فك الارتباط إلى دعوة للفصل الكامل بين الدين والسياسة، ليس خدمة لقيام دولة ديمقراطية حديثة تحترم المعتقدات والحقوق الأساسية لمواطنيها والحريات العامة، ولكن بهدف إضعاف دور الدين في المجتمع وتقليص آثاره داخل دائرة ضيقة.فهدا التيار لم يعتبر الإسلام مكونا من مكونات المشروع الحداثي الوطني، وبالتالي لم يعتبر نفسه معنيا بمسألة تجديد الثقافة الإسلامية.قد يكون هذا الحكم قاسيا، وظالما في تعميمه، لكن المحصلة النهائية للخمسين سنة الماضية تؤكد بأن التيار العلماني العربي مشارك - بسبب لاديمقراطيته وتطرفه أحيانا واستهانته بالحجم الحقيقي للإسلام في معركة التحديث – في ما آلت إليه أوضاع الأمة.
- الحركات الإسلامية التي تبنت مند نشأتها خطابا دفاعيا قائما على الإحساس بأن الإسلام في خطر، وأنه يتعرض إلى هجمات عدائية من خارج جسم الأمة ومن داخلها.وأن دورها يتمثل في حماية الدين والرد على الانتقادات والاتهامات الموجهة للفكر الإسلامي بهدف إثبات تفوقه على خصومه في جميع المجالات انطلاقا من الشعار القائل بأن " الإسلام هو الحل ". وإذ لا يجوز التقليل من أهمية ما قامت به هذه الحركات على أكثر من صعيد، لكن عيب الكثير منها هو عدم إدراكها بأن جزءاً هاما من مضامين هذا الفكر الذي تدافع عنه وتضفي عليه شيئا من القداسة هو فكر بشري، تجاوزته الأحداث ولم يعد يستجيب لمشكلات المرحلة وهموم المسلمين.كما أن أغلب هده الحركات رفضت الإقرار بضرورة إعادة النظر في فهم النصوص المرجعية وفي بعض الأحكام من أجل إعادة الانسجام بين مقاصد الإسلام ومصالح المسلمين وحقوق جميع الناس.ومن هنا اصطدمت معظم هذه الحركات بالتيار التجديدي، وحاربته، وبذلت جهودا كبيرة لعزله وسحب الشرعية عنه، والتورط أحيانا في تكفير بعض رموزه أو القدح في وطنيتهم وولائهم للوطن والأمة والإسلام، واتخادهم خصوما يجب الحذر منهم وعدم اتخاد فكرهم مرجعا موثوقا به.وإن كانت بعض هده الحركات وقادتها قد أخذوا في السنوات الأخيرة، وبسبب ضغط الأحداث وتزايد الدعوة إلى ممارسة النقد الذاتي، يراجعون الموقف من بعض رموز النهضة، ويستفيدون من اجتهاداتها.بل منهم من أصبح يعتبر نفسه امتدادا لمرحلة النهضة العربية واستمرارا لها.
- عجز التيار التجديدي على تجاوز عوائقه الذاتية. والحقيقة أن هذا التيار ليس متجانسا بين مختلف مكوناته، وهو بدوره ينقسم إلى تيارات واتجاهات تصل إلى حد التعارض. لكن ما يجمع بينها هو الإيمان بدور الإسلام في البناء الثقافي والتغيير الاجتماعي، والاعتقاد بأن ذلك يستوجب عملا اجتهاديا مستمرا للملاءمة بين مقاصد الدين ومصالح المسلمين المتغيرة.أما بالنسبة للعوائق فهي متعددة، بعضها يخص المنهج، وأخرى تتعلق بالأوليات أو حرق المراحل وعدم الانشغال بالقضايا التي تهم الأمة.وهو ما جعل هذا التيار معزولا عن الجماهير، مهادنا أحيانا للحكومات المتسلطة، فاصلا بين الديمقراطية والإصلاح الديني، مترددا أحيانا أخرى في طرح القضايا الحارقة خوفا من الأنظمة أو تجنبا للدخول في مواجهة مع الرأي العام المتدين أو الحركات الإسلامية.
قضايا ذات أولوية قضايا التجديد الإسلامي متفرعة وكثيرة، وتختلف من مرحلة إلى أخرى، ولا يدخل جميعها ضمن اهتمامات حركة حقوق الإنسان العربية التي يمثل " مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان" إحدى مؤسساتها الهامة. لهذا يصبح من المطلوب تحديد عدد من الأولويات في ضوء التحديات الراهنة، وأولويات الحركة الحقوقية.لأن المطلوب في هذا السياق ليس أن يصبح نشطاء حقوق وعاظا أو يحتلون مواقع الفقهاء، وإنما هم مدعوون إلى المساهمة في إدارة نقاشات وطنية حول قضايا لها صلة بالإسلام. ويمكن في هذا السياق اقتراح التركيز على المسائل التالية باعتبارها قضايا ذات أولوية في هذه المرحلة التاريخية :
- العلاقة بالآخر : لقد عادت هذه المسألة لتفرض نفسها من جديد على علاقة المسلمين بغيرهم وعلاقة الآخرين بهم.وإذ أسهمت التوترات السياسية ونزعات الهيمنة الغربية والأمريكية في تغذية مشاعر الرفض والإحساس بالضيم والاضطهاد، إلا أن السنوات الأخيرة كشفت عن امتداد الرؤية الكلاسيكية للعالم التي يعتقد أصحابها بأن الانتماء الديني هو المحدد لطبيعة العلاقات الدولية بين الشعوب والأمم وحتى بين الأفراد.وخلافا لما يظن البعض فإن هذا الإشكال ليس مطروحا فقط داخل الدائرة الإسلامية، حيث كشفت الأحداث الأخيرة عن تأثر سياسة الكثير من الدول والحكومات الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة بالخلفية الدينية التاريخية التي لا تخلو من عنصرية ونظرة استعلائية وجنوح نحو الإقصاء والوصاية.لكن ذلك في المقابل لا يبرر القول بأن الصراعات الدولية حاليا هي صراعات دينية، ,وأن المسلمين في حالة حرب مفتوحة مع اليهود والنصارى.
- الدين والسياسة : لا يزال موضوع العلاقة بين الدين والدولة يحتل موقعا متقدما في الجدل الفكري والسياسي الدائر منذ أكثر من قرن.وما يهم الحركة الحقوقية هو تداعيات هذه العلاقة على الحقوق الأساسية للمواطنين والحريات العامة.فالدين في نظام استبدادي يتحول إلى أداة لتبرير القمع ومحاربة الفكر ومنع الاجتهاد والتدخل في الحياة الخاصة للأفراد.
- الاجتهاد والتعددية : كلما سيطر فكر واحد إلا ونتج عن ذلك استبداد أسود. ولا يوجد خطر على الدين والفكر أشد من " احتكار " فهم النصوص المرجعية وادعاء امتلاك الحقيقة المقدسة.لهذا فإنه من مصلحة المؤمنين بالقيم الدينية والمؤمنين بحقوق الإنسان اطلاع جميع الناس على ما يتمتع به التراث الإسلامي من ثراء بفضل تعدد مدارسه، وتنوع مشاربه ومراجعه.فعندما يدرك الناس بأن أسلافهم اختلفوا في قراءة النصوص المرجعية، ومع استمرار تعايشهم، فإنهم سيعتبرون من باب أولى أن يختلفوا في السياسة وفي نظرتهم لحكامهم.فاليمقراطية تترسخ عندما تزول النظرة السلبية للحق في الاختلاف.
- حرية المعتقد وحرية التفكير : هذه قضية جوهرية في الفكر الديني والسياسي.لا إيمان بدون حرية الاختيار وحرية الاعتقاد.الإيمان تحت الإكراه إيمان باطل، وتدين لا معنى له.الحقيقة نسبية ، وهي موزعة بين الجميع بمقادير مختلفة.
- الجهاد والعنف : هذه المسألة ستبقى مصدر توتر وتهديد للأرواح البريئة والمكاسب الديمقراطية ما لم تحسم بشكل معمق وهادئ وجماعي.الخلط بين الجهاد والعنف لا يخص فقط بعض الغلاة من الإسلاميين، وإنما تمارسه أطراف عديدة لأغراض متعددة. هناك فرق شاسع بين الاعتقاد بأن الجهاد حالة دفاعية عن الوطن ومقدساته عند حصول حدوث خطر خارجي يستوجب التعبئة العامة. وبين الاعتقاد بأنه أسلوب هجومي، وأداة لنشر الإسلام ومحاربة من يقع التشكيك في إيمانه.لقد عانى الإسلام والمسلمون كثيرا من هذا الخلط في الماضي والحاضر.
- الشريعة والقانون : عندما انتقل التنظيم الاجتماعي الإسلامي من العصر الوسيط إلى العصر الحديث، تولدت عن ذلك أزمة تكيف شملت كل جوانب الحياة.ومن بين أهم مخلفات تلك المرحلة الجانب القانوني الذي لا يزال يشكل مصدر توتر داخلي، ومحل جدل وصراع بين مختلف التيارات السياسية والفكرية.فمن جهة يعمل التيار التحديثي العلماني على قطع مصادر التشريع الوطني عن الشريعة، ويرون في ذلك شرطا من شروط اكتمال عناصر الدولة الحديثة.لكن المشكلة التي يولدها هذا التوجه استهانته بأهمية العلاقة بين الثقافة والتشريع، واعتقاده المعلن أو المسكوت عنه بعدم قدرة التشريع الإسلامي على التطور والاستجابة لمبادئ الحرية والعدل. وفي المقابل تعتقد الحركات الإسلامية، أو بالأحرى الجزء الأكبر منها بأن الإسلام لا يتجسد ولا يؤثر في الواقع ويغيره إلا من خلال تطبيق الشريعة.وما يتغافل عنه هؤلاء هو أن المشكلات الكبرى التي أفرزتها التحولات الضخمة التي توالت منذ القرن الخامس عشر ميلادي، تختلف في طبيعتها وإشكالياتها عما بلورته مختلف المدارس الفقهية منذ نشأتها حتى الآن.لهذا أصبح من الضروري تخليص الفرد المسلم والجماعة المسلمة من حالة الانفصام القانوني والثقافي والاجتماعي الذي تزيد من حدته الصراعات السياسية المحلية والدولية، وكذلك الإخفاقات المتواصلة لأنماط وخيارات التنمية الاجتماعية.
- المرأة والمساواة : رغم انخراط المرأة في دورة الإنتاج منذ أكثر من نصف قرن، ورغم اهتمام الفكر الإسلامي المعاصر بقضايا المرأة من جوانب متعددة، إلا العلاقة بالنساء لا تزال محكومة في كثير من الحالات بنزعة محافظة قوية.فالنساء لا يزلن مهمشات، أو معرضات للتهميش، ولا يزال البعض يعمل جاهدا علنا أو ضمنيا من أجل إخضاعهن لنمط اجتماعي وأيديلوجي قائم على تقسيم العمل، ويجعل منهن كائنات تابعة لا يتحملن سوى مسؤوليات ثانوية. لهذا بقى موضوع المساواة من بين القضايا الرئيسية التي تشغل الفكر الإسلامي التجديدي، يبحث لها عن إجابات من داخل المنظومة الثقافية. تلك أبرز القضايا المطروحة التي تتطلب مزيدا من المراجعات والنقاشات. وما ينقص المكتبة الحقوقية هو سلسلة من الكراسات التي تجمع بشكل مكثف أهم ما توصل إليه الفكر الإسلامي المعاصر من إجابات حول هذه القضايا.
ملاحظات منهجية إن بلورة خطاب إسلامي مستوعب لمكتسبات الحداثة، ومنسجم مع منظومة حقوق الإنسان، ومحترم للتنوع والتعدد والتعايش، يشكل خطوة هامة، لكنها تبقى غير كافية إذا لم يقع وضع خطة وآلية تساعدان على نشر هذه الثقافة على نطاق واسع.وهي غاية تفترض تحديد الجمهور المستهدف، ومعرفة القنوات الرئيسية التي تمر من خلالها الخطابات الدينية المتعددة. وقبل تحديد هذه القنوات يكون من المفيد الإشارة إلى عدد من الملاحظات المنهجية : - التجديد حالة فكرية واجتماعية وسياسية شاملة.وبما أنه نزعة نحو إعمال العقل والمراجعة فإنه لا ينمو وينتعش ولا يقوم بوظيفته إلا في مناخ يتسم بالحرية، حرية التعبير، وحرية الاعتقاد، وحرية البحث. لهذا لا يمكن الفصل بين الدعوة إلى تجديد الثقافة الدينية والمطالبة بالإصلاح السياسي. وبالتالي فإن كل خطوة في اتجاه تعزيز الديمقراطية هو خطوة نحو توفير المناخ الأفضل لإحداث المراجعات الثقافية والتشريعية الضرورية.وفي خط موازٍ فإن الإصلاح الديني شرط أساسي من شروط دعم الديمقراطية وتأصيل حقوق الإنسان. - السلطة طرف من الأطراف الأساسية القادرة على تقديم المساعدة لتطوير الفكر الإسلامي، كما كانت مساهمة بقدر كبير في جمود هذا الفكر وانغلاقه، لكنها ليست الطرف الوحيد الذي يحق له وضع شروط أو احتكار المبادرة في هذا المجال.إنها مطالبة بتوفير المناخ الحر الذي يسمح بالتفكير والبحث والمراجعة. وهي مدعوة إلى رفع يدها أو الحد من احتكارها لوسائل الإعلام الجماهيرية مثل الإذاعة والتلفزيون حتى تكون أداة تواصل فعالة مع الناس.وهي أيضا طرف مهم في مراجعة برامج التعليم، وإعادة هيكلة المساجد. - امتدادا للملاحظة السابقة يجب أن يكون المجددون أو دعاة التجديد مستقلين عن السلطة، حفاظا على مصداقيتهم وحماية للأفكار والآراء والاجتهادات التي يتوصلون إليها. فكم من جهود هامة ضاعت بسبب التوظيف الرسمي لها ولأصحابها؛ لأن الحكومات غالبا تبحث عمن يساندها في معاركها السياسية أو في اختياراتها الاجتماعية، ولا تهتم كثيرا بتداعيات ذلك على عالم الأفكار والقيم. - ليس بالضرورة أن يتفق دعاة التجديد على استراتيجية واحدة، لكن عامل التدرج يجب أن تأخذه حركات حقوق الإنسان بعين الاعتبار.فالمجتمعات العربية تختلف كثيرا فيما بينها، ولا يمكن التعامل معها على نفس الدرجة.ومسألة كسب الرأي العام مسألة حيوية جدا لتحقيق مكاسب على الأرض. كما أن الاصطدام بالرأي العام، والدخول في معارك غير مدروسة مع قطاعات عريضة من المواطنين حول قضايا ليست ذات أولوية قد تكون له انعكاسات سلبية على وجود هذه الحركات.لا يعني ذلك الوقوع في المهادنة والتخلي عن القضايا المشروعة، ولكن الأمر يتعلق بالنمهج والبيداغوجيا ورسم أولويات تصاعدية. - النجاح في إبراز أصالة الدعوة إلى التجديد، حتى لا تفسر بكونها خضوعا للضغوط الأمريكية. فما يردده السياسيون والخبراء الأمريكان لا يرتكز على رؤية واضحة لطبيعة الرهان المطروح على المسلمين. وهم يطرحون موضوح الإصلاح الديني ضمن معركتهم الغامضة والملغومة ضد كل ما يسمونه " إرهابا ". - دعم التجديد لا يعني المساهمة أو إضفاء الشرعية على ملاحقة بقية التيارات الإسلامية الموصوفة بالتطرف.إن نشطاء حقوق الإنسان والمتحمسين للتجديد لا يمكن أن يكونوا جزء من سياسة أمنية استئصالية لا تميز بين من يمارس الإرهاب ويعتدي على المدنيين والأبرياء وبين من يمارس حقه في المعارضة المدنية السلمية بطرق ديمقراطية.
مجالات لابد من اقتحامها في ضوء التوجهات السابقة لابد أن تجد حركة حقوق الإنسان موطن قدم داخل عدد من القنوات الرئيسية، إذا أرادت أن تؤثر وأن تغير من هذه القنوات : - القناة المسجدية : لا يزال المسجد يلعب دورا رئيسيا في نقل الثقافة الدينية ورواجها على نطاق واسع.كما أن للواعظ وإمام الجمعة سلطة أدبية حيوية على المصلين . وبالتالي لا مفر من ربط صلات بهؤلاء عن طريق تنظيم دورات تدريبية متخصصة حول قضايا تتعلق بحقوق الإنسان ويمكن إدراجها ضمن التكوين العام للكادر الديني.
- وسائل الإعلام : يسهم الإعلام في نحت الثقافة الشعبية وثقافة النخبة.وتحليل مضامين الصفحات الدينية يعطي فكرة عن نوعية الخطاب السائد. لهذا يكون من المفيد تنظيم لقاءات بالمشرفين على الصفحات الدينية في الصحف أو البرامج الإسلامية بالتلفزيون والإذاعات، للبحث عن الطرق الأفضل لجعل هذه المنابر مدركة لوظيفتها التوعوية، وحاملة لثقافة إسلامية مستنيرة.
- برامج التعليم : معركة إصلاح التعليم بشكل عام والتعليم الإسلامي بشكل خاص معركة بدأها المجددون منذ أكثر من قرن ونصف.وحتى تكون المراجعات في هذا المجال فاعلة وبناءة، يجب أن تكون نتيجة استشارة واسعة، وألا تكون مسقطة، وأن يراعى فيها الترابط والتكامل بين المضمون والجوانب البيداغوجية.فمنظمات حقوق الإنسان مدعوة إلى الطرق مطولا على هذا الباب الصعب، لكن عليها أيضا أن تكون حذرة وعملية وقادرة على الإقناع بمقترحاتها.لقد أثبتت التجارب أن الإصلاحات المسقطة أو غير المدروسة لم تعمر طويلا وخلقت قطيعة مع الطلاب والتلاميذ.
- المؤسسات الدينية : هذا ملف هام وخطير. لا يمكن أن ينتعش الفكر الإسلامي، ويقل حجم المخاطر، إلا بعد أن تخضع المؤسسات الإسلامية من جامعات ومراكز خريجي الكوادر الدينية ومدارس تعليم القرآن إلى مراجعات تشمل المضمون والمناهج والطرق البيداغوجية.فهذه المؤسسات متخلفة عن شبيهتها لدى ديانات أخرى مثل المسيحية وحتى اليهودية.بل هي متخلفة عن المؤسسات الإسلامية في القرنين الثاني والثالث من الهجرة.ويمكن إرساء لجان تفكير مشتركة حول مستقبل هذه المؤسسات وبحث وسائل تطويرها في اتجاه يخدم حركة حقوق الإنسان ويدعم التوجه الديمقراطي.
- الحركات الإسلامية : بقطع النظر عن الأغراض السياسية لهذه الحركات، إلا أنها نجحت في أن تكون ضمن الجهات المشاركة في نشر نوع من الخطاب الديني الذي أثرت بعض أجزائه سلبيا على الوعي الإسلامي العام، وأدخلته في أكثر من دوامة.والاختلاف مع هذه الحركات أو الصراع معها أيديلوجيا وسياسيا، لا يمنع أخذها بعين الاعتبار ضمن أية رؤية إصلاحية شاملة.فالدخول في حوار مع بعض فصائلها أو أجنحتها سيكون له أكثر من فائدة، سواء من حيث تحسيسها وممارسة الضغط عليها لمراجعة بعض المواقف أو تصحيح بعض المعلومات المغلوطة، وصولا إلى كسبها في معارك هامة تخص عددا من الحقوق الأساسية للمواطنين. هذه بعض الأفكار والمقترحات مساهمة في نقاش يعتبر من وجهة نظر أي راغب في الإصلاح، حيويا واستراتيجيا.
تاريخ النشر : 26-11-2005
|
|
|
|
|
|
|
الصفحة الرئيسية
l
دراسات قرأنية l
دراسات حديثة l
الفقه و الأصول l
العقيدة و الكلام l
فلسفة التجديد
قضايا التجـديـد l
إتجاهات الإصلاح
l
التعليم و المناهج l
التراث السياسي l
الدين و الدولة l
الحقوق و الحريات
مفاهيم و مصطلحات l
الإسلام السياسي l
الظاهرة الدينية l
فلسفة الدين l
فلسفة الأخلاق l
قضايا فلسفية
المـــرأة و النسوية l
الإسلام و الغرب l
عروض و مراجعات l
إصدارات l
حوارات و شخصيات l
مـؤتـمـرات و متابعات
جديد الملتقى l
سجل الزوار l
رأيك يهمنا l
اتصل بنا
©2024
Almultaka جميع الحقوق محفوظة
Designed by
ZoomSite.com
|
يلفت موقع الملتقى الألكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.