|
|
التجديد والنهضة . إتجاهات الإصلاح |
|
|
|
. لم يعد التجديد والإصلاح الديني الإسلامي أمراً إقليمياً يخص العالم الإسلامي وحسب، فمنذ أحداث الحادي عشر من سبتمبر أصبح جزءاً من اهتمامات السياسية العالمية وقضاياها، بعد أن زُج الإسلام في وسط الأحداث الكبرى ووضع بشكل أو بآخر تحت سطوة عصا "الإرهاب" الأمريكية، مما ووضع تالياً المسلمين في حالة دفاع عن النفس جعلتهم في كل مؤتمراتهم وندواتهم واجتماعاتهم، المهمة منها والثانوية، يصدِّرون ختام اجتماعاتهم بالدعوة إلى "إصلاح الفكر الإسلامي" والديني! وتبدو أن "الصحوة" الإعلامية التي شهدها ترويج قضية إصلاح الخطاب الديني ومناهجه بعد الأحداث هذه جعلت مسألة التجديد والإصلاح تبدو وكأنها مطلب أمريكي خالص، ولكن من الخطأ أن نعتبر أن الخطاب الديني لم يدخل في حركة تجديد وإصلاح منذ أمد طويل، غير أن حركة الثقافة والسياسة في العالم العربي على وجه الخصوص لعبت دوراً سلبياً في نموه وتطوره، ومع ذلك فإن حركة الإصلاح الفكري التي كانت قائمة وبمختلف مراحلها تدل على محاولة دؤوبة لإقامة علاقة سوية مع العصر. وما بين إصلاحية محمد عبده، وانهيار خطاب الهوية مع انهيار الصراع الأيديولوجي المرير مع الماركسية الذي حشر الخطاب الإسلامي في زاوية "الهوية"، الهوية بمعناها النافي والمقصي للآخر دفاعاً عن النفس، وتشكُّل (خلال العقد ونصف العقد المنصرمين) ملامح "خطاب إسلامي جديد" لما بعد الهوية، كان على مقربة غير مسبوقة من نقد الحداثة وترجمة جزءاً مهماً من إرثها، مسافة أصبحت جديرة بالفهم والتحليل؛ إذ ما أن دخل في مرحلة ما بعد الصراع حتى تولد طبيعياً حركة فكرية نشطة تعيد التفكير في الذات نقداً وتركيباً. إن كل ذلك لن يتضح جلياً إلا من خلال تتبع حركة عناصر البنية التي يتألف منها الخطاب الإسلامي الجديد (الجديد هنا مقابل التراثي القديم) منذ عبده وحتى اليوم.
أولاً: التاريخ المفارق (الإطار المرجعي)
ليس من العسير ملاحظة تلك المسلمات والتصورات الكبرى التي شكلت أساساً لتوليد خطاب الإصلاح الديني على وجه العموم، فقد كانت البحوث الكثيرة (التي نعجز عن حصرها) أقيمت عن خطاب النهضة كاشفة بشكل كاف عن عناصر الإطار المرجعي، الذي يشترك فيه مختلف أشكال ما نسميه الخطاب الإسلامي الجديد، لكن تفسير الاختلاف في بنية الخطاب الجديد تكشف عن اختلاف في تفسيرات مكونات الإطار المرجعي ذاته؛ إذ من غير الممكن فهم التحولات الجارية في فكر الإصلاح والتجديد الإسلامي دون أن تكون التغيرات ثاوية في الإطار المرجعي ذاته. لقد تأسس هذا الفكر انطلاقاً من تصور محدد للعالم "الراهن"، وتحفز اعتماداً على "افتقار" الإسلام المؤسسة الدينية الكهنوتية (الإكليروس)(1)، كما أنه شرّع حركته على أساس إيمانه بـ"صلاحية الإسلام لكل زمان ومكان"، وإذا كانت الخطاب الإسلامي عموماً (وليس الإصلاحي والتجديدي فحسب) يشترك في الاعتقاد بانعدام المؤسسة الدينية الكهنوتية والإيمان بالصلاحية المطلقة للإسلام، فإن الفاعل الأساسي في هذا الإطار المرجعي ليس إلا "تصور العالم"(2)، أي تصور العصر. وليس بمقدورنا ملاحظة التغييرات الحاصلة في التصور بين أطياف الفكر الإسلامي التقليدي (الكلاسيكي) والفكر الإصلاحي والأجيال المتعاقبة للفكر التجديدي حتى خطابنا الراهن سوى بعقد المقارنات.
1ـ العالم سلفياً(3): الأزمنة المتشابهة! شيئان يؤمن بهما الخطاب السلفي تجاه العالم يصوغان رؤيته له، الأول رؤية التاريخ الإنساني ـ كما تصفه "العقيدة" السلفية اعتماداً على فهوماتها النصية في السنة النبوية الشريفة(4) ـ متقدِّماً نحو الأسوأ، فالزمان يمضي بالـ"فتن كقطع الليل المظلم"، "لا يأتي يوم إلا والذي بعده شر منه"(5)، حيث لا يتوقف تدحرج التاريخ الخاص بـ "الإسلام والعالم" في نهاية المطاف إلا عند قيام الساعة، إذ لا يبقى على وجه الأرض حينئذٍ "من يقول لا إله إلا الله". وبالرغم من أن هذا التصور للعالم يبدو في الرؤية السلفية نصياً إلا أنه في الواقع تأويلي فبالإمكان تقديم فهم آخر يقوم على تصور مغاير كما نشهده في خطابات الإصلاح والتجديد لاحقاً. الأمر الثاني الذي هو التعامل مع الأزمنة على أنها ثابتة لم تتغير في عمومها، فالتطورات الحاصلة في التاريخ الإنساني منذ عصر النهضة الأول ـ بل منذ عصر النبوة ـ وحتى الآن لا تعدو مجرد حصول "تقدم مادي" للغرب قام على أساس استثمار لنتاجنا العلمي "المغتصب"(6)، وهكذا ليس هناك داعٍ لإعادة التفكير في فهم للدين، فالدين في معناه النقي و"الصحيح" موجود هناك، حيث "السلف الصالح"! ولهذا نشهد تعبير "العودة إلى الإسلام"(7) دون أن يراود السلفي تفكير إشكالي في مؤدى هذا التعبير حيث يجعل الإسلام خلف الزمان دوماً، وليس معه أو أمامه، فهو يردد بلا كلل: "لا يصلح هذه الأمة إلا بما صلح به أولها" قاصداً من هذا الأثر ليس الدين نفسه بل "فهم الدين على طريقة السلف" دون زيادة أو نقصان. إن ذلك كله لا يلغي الشعور بالمشكلة الراهنة المتمثلة في "تقلص سلطان الإسلام"، و"تراجع فاعليته التي لا تحتاج إلى برهان"(8)، وهيمنة الغرب وتقدمه مادياً، إنها باختصار أزمة على صورة "فجيعة" بالعصر، انقلب فيه موقع الحضارة الإسلامية من المركز إلى الهامش والأطراف، فسرت هذه الأزمة على أساس ذات المنظور للزمن شبه "الثابت" بأنها جاءت بسبب عدم التمسُّك بالإسلام وشريعته، الإسلام كما يبدو في نقائه وصفائه في أطر أئمة من السلف (على اختلاف هذه الأطر)، وبالتالي فإن "الحل" ببساطة بأن "تعود هذه الأمة إلى وضعها السابق الذي كان فيه الإسلام هو الحارس على هذه المكاسب كلها"(9). لكن هذا الإسلام ذاته ـ كما سيأتي لاحقاً ـ ليس هو النص الإلهي نفسه، بل هو النص كما يبدو من خلال السلف. وهكذا يجد التصور السلفي في المقايسة التاريخية بين نهضة الإسلام الأولى ونهضة الإسلام المرتقبة "علة" يقاس عليها استئناف التاريخ(10) دون أن يعني ذلك له هتكاً لمفهوم التاريخ أو تجاوزاً لزمن معتبر، وعندما يبلغ الشعور بالفجيعة مداه يبدأ تفسير التاريخ المتدهور يأخذ دوره في "تفسير" (والأدق أن نقول: في تبرير)، الشعور بالإحباط في التواصل مع الآن والراهن وتغييره، لتصبح "الغربة" عن العصر ذاتها مفهوماً إيمانياً(11)! لكن الغريب أن الوعي السلفي لا يدرك هذا التناقض الحاصل بين "تاريخ متقدم نحو الأسوأ"، وبين "العودة للإسلام" في صورته الصحية النقية، بل مع أهم مبدأ إيماني يؤسس عليه تمسكه الديني: "صلاحية الإسلام لكل زمان ومكان"! وفي حدود هذا التصور المتناقض يسهل فهم كيف أصبح تفجير برجي التجارة في نيويورك في 11أيلول/سبتمبر "غزوة مانهاتن"!
2ـ العالم الجديد: التغير النوعي ما كان لدى السلفي التقليدي زمناً أسطورياً ثابتاً، يتخذ بعده الواقعي في الخطاب الإصلاحي والتجديدي(12)، فالتاريخ أزمنة وصيرورات، وليس زمناً أقنومياً واحداً توقف عن التغيُّر، وأول اعتراف نشهده على صورة إقرار بـ"الانحطاط" أو "التخلف" في المسلمين مقابل "التمدن" أو "التقدم" في الغرب الأوربي، أي في رؤية أزمة التخلف بوصفها "فواتاً حضارياً"، فقد شكلت الحداثة صدمة للوعي الإسلامي ووضعته في موضع السؤال التاريخي "لماذا تأخر المسلمون وتقدم غيرهم؟". الوعي بالتاريخ هنا ليس في الشعور بالتغير الثوري الذي حدث في العالم، فجميع أشكال الخطاب الإسلامي الإصلاحي والتجديدي "مؤمن" من غير تردد بذلك، لكن تحليل هذا التغير وتفسيره أمر بدا مختلفاً جداً في كل مرحلة من مراحله، وهو يتصل بمدى وعيه للحداثة وتطوراتها المتسارعة قرباً وبعداً، ففيما الخطاب النهضوي لحظ التقدم الغربي في شقه التنظيمي والمادي (الطهطاوي والتونسي) لم يرى ضرورة في تطوير الخطاب الإسلامي، فمسالة "الإصلاح الديني" لم تستبعد وحسب، بل استهجنت ورفضت التفكير فيها(13)، وسرعان ما أدرك الإصلاحيون "عبده وتلامذته" في إطار الحقبة الكولونيالية (الاستعمارية) أن المسالة أبعد من مجرد نقل للحضارة الغربية، وأن الفجوة الواسعة والمطردة بيننا وبين الغرب ليست مجرد تطورات تقنية وإدارية تنظيمية، إنها أيضاً مسألة تطور في المعرفة الإنسانية وليس في العلوم المادية فحسب، إلا أن تفسير التقدم الغربي بوصفه تطوراً عن الصراع مع الكنيسة، أدى بالإصلاحيين أن يقرروا وبمنطق المقايسة (بجامع "علة" متمثلة في النهضة الحديثة) صواب تفكير إعادة إنتاج تاريخ الغرب، أو تعريب تاريخه، مما بات يضع الخطاب الإصلاحي أمام خيار إعادة إنتاج للنهضة على نفس الإيقاع الغربي، وهكذا قرر زعماء الإصلاحية (عبده وتلامذته) أنهم لا بد أن يمارسوا دوراً لوثرياً، بل لقد صرحوا بأن الإصلاح الديني هو مثيل الإصلاح البروتستانتي تماماً! هنا يبدو أن الزمن بدأ يصبح في الوعي الإصلاحي على أنه زمن الغرب وحضارته، وليس زمننا الخاص. لكن هذا الوعي بالزمن كان ينبغي أن يقود إلى تحولات عميقة في الخطاب الإصلاحي، إلا أن هذه الرؤية للتاريخ المفترض أنها تؤدي إلى نمط تفكيري مشابه للإصلاح الديني اللوثري ما لبثت أن اصطدمت بالواقع الفعلي لمركب الدين الإسلامي: غياب سلطة دينية، ومشكلة مع العلم لا تماثل البتة المسيحية في القرون الوسطى! و سرعان ما أدى ذلك إلى انقلاب دراماتيكي للزمن في الإصلاحية إلى زمن السلف الصالح! فأصبح الإصلاح الديني يعني العودة بالدين إلى ما كان عليه سلف هذه الأمة على هدي العقل(14). انقلاب لا نعدم أن نلحظ تأرجح مفهوم الزمن فيه في مفهوم "العقلانية" الذي ينتمي إلى السلف والحداثة في لحظة واحدة! صحيح أن مسألة العقلانية ليست وافداً على الفكر الإسلامي وإرثه الفكر، لكن العقلانية كما تبدو في تجلياتها عند الإصلاحية هي العقلانية الغربية المادية غالباً، فالتفسير المادي للغيبيات معناه أننا أصبحنا في عالم حداثوي تماماً، على الأقل بالنسبة للإصلاحية، التي أصبح بإمكاننا القول إنها "تلفيقية" دون تأنيب الضمير. ما بين "وفاة" الإصلاحية وميلاد خطاب التجديد حوالي ثلث قرن(15)، تطورت فيه المعرفة الغربية الحداثية خطوات جبارة، خصوصاً في المعرفة الإنسانية بنتائج تجربة تطبيق مبادئ العلوم التجريبية على حقولها، أصبح الغرب هنا غرباً أعقد، ومسألة المقايسة مع اللوثرية وصلتها بالنهضة والتقدم ما عاد لها نفع، لا بل إن هذه المقايسة ذاتها أصبحت مستهجنة(16)، يعود ذلك ليس إلى إخفاق التجربة الإصلاحية التلفيقية فحسب، بل إلى حصاد التجربة الحرجة من الصراع الأيديولوجي "الأول" مع العلمانوي المحلي (الذي كان ليبرالياً، ثم أصبح يسارياً ماركسياً) بعد ظهور الدولة الوطنية بانقضاء الاستعمار (الأول)، فقد تبنى الحداثي العربي على الأقل المقايسة على التاريخ الغربي للنهضة والتقدم إلى أقصاها، ليبرر التعجل إلى النتائج، التي ما لبثت أن أصبحت بفعل إخفاق الدولة الوطنية المحدثنة في التنمية إلى أيديولوجيا(17) فوق تاريخية، وضعت الفكر التجديدي أمام إعادة تفكير جدية بالإصلاح الديني اللوثري، وإعادة موقعة للتفكير بالذات. ولا يبدو أن قطيعة مع رؤية الزمن جاثياً في الغرب الذي ولد مع الإصلاحية أمراً ممكناً، لكن ثمة مسافة أخذت من هذا الزمن حيث بدا أن الصراع الأيديولوجي أفرز عنصراً جديداً في مكونات الفكر التجديدي هو "الهوية" والخصوصية، وهكذا أسس أهم منظري الخطاب الإسلامي التجديدي في ذلك الوقت مالك بن نبي مفهوم الزمن كجزء من مفهوم "الحضارة" وهويتها، ولأن المعرفة بالغرب لم تكن على ذلك العمق الذي يمكن من استثمار الزمن الغربي ممثلاً بنتاج حداثته في العلوم الإنسانية فقد أصبح لزاماً أن نتصور كيف أن الزمن الحداثي أصبح باهتاً للغاية، عندما بقي الإرث السلفي هو الوحيد فعلياً المحرك للفكر التجديدي آنذاك، فشهدنا ظهور تيار تصالحي ساذج عرف بـ"الوسطية" و "الاعتدال"، وطالعتنا كتابات غاية في السطحية تحمل عناوين حداثية ومحتويات سلفية رخوة، مثل: علم الاجتماع الإسلامي، علم النفس الإسلامي، ..الخ. ليس غريباً بعد أن أصبح مفهوم الزمن الغربي المفارق أمراً مسلماً في خطاب التجديد أن نعود لنشهد إعادة تركيب لـ"زمن الحداثة" في حضور "أنا" في طور جديد، إذ خلقت الوسطية وكتاباتها السطحية وعلاقتها الباهتة بالزمن الغربي انطباعاً سيئاً للغاية بمعرفة زائفة بهذا الزمن، أعيد التركيب في صورة تأسيس نظري واسع النطاق للعلاقة مع المعرفة الحداثية الممثلة لزمنها في مشروعات متفاوتة الأهمية، لكن أهمها على الإطلاق مشروع "إسلامية المعرفة"(18)، الذي حاول بناء صورة واضحة عن هذا الزمن وامتلاكه من خلال تأسيس علاقة حضور "الأنا" بالعصر عبره ومن خلاله(19)، لكن هذا الـ"عبر" و "الخلال" جزء من عبور مكونات هوياتي، فـ"استعمال مصطلح الإسلامية في "إسلامية المعرفة" [بُرر] في محاولة لتأكيد الهدف التحريضي من جهود الأسلمة والإسلامية في العمل العلمي والمعرفي المعاصر، والهدف النقدي والتقويمي للمعرفة المعاصرة وإحالاتها الفلسفية وأسسها النظرية، والهدف العملي في توظيف المعرفة للأغراض المشروعة في الواقع الإسلامي"(20). لقد لقي هذا المشروع نقداً ابستمولوجياً حاداً(21)، لكنه في الواقع كان بمثابة "الفتح" في التنظير للتعاطي مع الزمن الغربي، فالحصار الذي وجد هذا الخطاب التجديدي نفسه فيه في الثمانينيات مالبث أن فتح الأفق ليتشكَّل خطاب جديد في التسعينيات مع استراحة العقل المسلم من أزمة الهوية بانقضاء الصراع الأيديولوجي مع الماركسية، إذ صاحب هذا التكون ولادة حركة نقدية واسعة للحداثة الغربية(22)، كان المثقفون الإسلاميون الجدد على مقربة منها، فاللغة ما عادت حاجزاً؛ إذ تطورت حركة ترجمة بالغة الأهمية توجهت نحو نتاج الغرب الليبرالي الفلسفي والمعرفي (حقل العلوم الإنسانية)، مما ساعد على تكوين رؤية أكثر عمقاً بالحداثة ذاتها، فلم يعد زمن الحداثة الغربية على صورته الأسطورية، كما لم تعد المعرفة الإنسانية ذاك المجهول المرغوب أو المفزع، هذه المعرفة "الجديدة" بالغرب ما كانت متيسرة من قبل، بل ما كانت ممكنة أساساً، فقد أصبح الانفتاح على الغرب انفتاحاً يسمح بالتعرف على حدود "الهوية" للأنا والآخر، وأصبح ممكنا التفكير التعاطي مع المعرفة الغربية باقتدار دون هتك للهوية أو الخوف من الانسياق مع الزمن الغربي الخالص والأسطوري(23).
3ـ العالم حداثوياً: الزمن "التقدُّمي" تماماً كما كان يتصور السلفي العالم متقدماً نحو الأسوأ، كذلك في النسخة المقلوبة للنمط الديني الكلاسيكي العالم متقدماً ولكن نحو الأفضل دوماً، ولأن آلية عمل الذهن الحداثوي لا تختلف في أصوليتها عن السلفية، فقد استنسخت نظرته التقدمية التنويرية (من عصر الأنوار) من عيون غربية لها تاريخها الخاص مع المسيحية، فمقولة "التقدم الإنساني" بمثابة الردِّ المباشر والصريح على تلك الترسيمة الدينية المسيحية المعيقة لحركة الإنسان، إذ تشدد على استمرار القطيعة التامة والحادة مع الماضي، وإقامة نظام لا يأخذ شيئاً من الأموات! إن "العقيدة" السائدة لدى الحداثوية العربية ما تزال هي التقدم، وإن نزعت ماركسيته، في وقت لم يعد هذا التصور الأسطوري الميتافيزيقي للتاريخ المتقدم كصيرورة مستمرة على نظام ونسق ثابت نحو الأمام، هو التصور الفلسقي الغربي، فابتداءاً من هايدغر ونيتشة لم يعد النظر للتاريخ صيرورة في نسق ثابت، بل التاريخ برصفه "حدثاً" يتحلل التاريخ وفقه إلى تآريخ وتواريخ متعددة ومشتتة مجهولة النهايات، ليس بالضرورة أن تكون نهايتها إلى الأمام!، وبهذا المعنى فإن التاريخ لم يعد تاريخ الغرب الممركز لغربيته، بل أصبح إمكاناً وفرصة إيجابية شاملة للإنسان ككل(24). إن اعتقاد أسطوري من هذا النوع يجعل العلاقة مع التراث والماضي قائمة على الصراع والقطيعة والتخلُّص، علاقة أقرب ما تكون إلى كره الذات، وهي علاقة تحول دون تصوُّر العالم فهماً جيداً؛ وأوضح مثال لذلك عجز التعليلات التقليدية لانفجار الوعي السلفي على شكل حركات عنف؛ إذ لم يعد ممكناً له فهمها على النحو الذي اعتيد تفسيره بها: بالظروف الاقتصادية (فأسامة بن لادن وقيادات القاعدة ليسوا من الطبقات الفقيرة)، ولا بالجهل (فمعظم الحركيين يحملون شهادات جامعية على الأقل)..الخ. فكرة التقدم وصلت إلى نهايتها المنطقية، عندما أصبحت فكرة استعمارية، تبرر غزو واستعمار الحضارات والشعوب الأخرى، لضمان تقدمها، وإدخالها في سلك الحضارة البشرية، وهكذا تتحول إلى فكرة نابذة واستبدادية عبر إعادة إنتاجها في إطار الحداثة الغربية، حتى مطلع القرن الحادي والعشرين في غزو أفغانستان والعراق؛ ذلك أنها تحولت إلى أداة لممارسة نوع من المركزية الغربية برر لها استعمار كل شيء، فهل يكون غريباً أن يعتبر الكثيرون ـ انسجاماً من إيمانهم التقدمي ـ أن التقدم أصبحت بوابته الاحتلال الأمريكي! كلا التصورين للزمن: السلفي والحداثوي نسختين متضادتين، يقف الخطاب الإسلامي الجديد على مسافة منهما ويبني تصوراته ومفاهيمه عن الحاضر المستقبل.
ثانياً: مُركَّب الذات (عناصر الخطاب)
خلقت رؤية العالم الجديد خطاباً على صورتها ومثالها، وهي صورة لم تخلف جديداً في عناصر الخطاب التجديدي في طوره الثالث والذي ورثته مكتمل العناصر، لكنه اكتمال نظري، أصبح في مركب الخطاب الجديد جزءاً فعلياً بدأ يأخذ حظه من الفعل والتأثير. فلقد انتهت المركب المكون للخطاب التجديدي الإسلامي إلى تشكل بنية مؤلفة من علاقات لعناصر ثلاثة: التراث، المعرفة الحداثية، النص (الوحي) بوصفه مرجعاً. يحكمها نظام ناشئ من فهم مكونات هذه العناصر ذاتها، ولا شك أن معالم الخطاب الجديد تتضح من خلال تركيبة نظام العلاقات بينها. وإذا كان النظر إلى النص بوصفه حاكماً للمعرفة الدينية لم يطرأ عليه تغيير في مفهومه، في مجمل التطورات الحاصلة فيه ليست إلا امتداداً طبيعياً للرؤية التقليدية في نهاياتها القصوى، فالموقف من النص مازال نظرياً ـ ابتداءًَ من التقليدي السلفي وصولاً إلى الخطاب الجديد الذي نحن بصدده ـ يقف على مسافة من القارئ هي: مسافة اللغة التي تكسوه بالموضوعية، وتحيده عن ذات القارئ إلى درجة ما مبدئياً، ومسافة العقل (وفق مبدأ: درء تناقض العقل والنقل(25) التي تمنحه القدرة على الاستمرار والبقاء وتوليد المعنى، مع ملاحظة أن مساحة فعل العقل ليست دوماً في موافقة ما يقوله النص، بل فيما لا يقوله النص أيضاً، وبالتالي فإن التطور الفعلي حاصل في عنصري التراث والمعرفة الحداثية دون غيرها.
1ـ طاقة التراث: الماضي في الحاضر إدراك التراث الإسلامي بوصفه مخزوناً حضارياً للتجربة الإيمانية والمعرفية مع النص وفضائه الثقافي والاجتماعي التاريخي المتولد حوله يجعل الانقطاع عنه بهذا المعنى غير ممكن حتى على المستوى النظري، فهذا التراث لا يتضمن ثقافة قرن أو اثنين إنه يتضمن تجربة معرفية إيمانية على مدى ثقافات متنوعة على امتداد مئات السنين ابتدءاً من عصر النبوة. مفهوم التراث بالنسبة للعقل السلفي مرتبط بخط زمني مقلوب، ينسجم مع تصور التاريخ متقدماً نحو الأسوأ، فكلما اقترب الزمان من عصر النبوة كان أقرب على فهم الدين وطبيعته ومقاصده من مما تلاه، وعلى هذا الأساس فكلما ازدادت المسافة الزمنية الفاصلة بين متلقي النص الموحى وبين عصر الوحي كلما كان عرضة لسوء الفهم، فالأساس المعقلٍن لهذا المبدأ هو مبدأ "قرب العهد" بالنبوة، فإذا أضفنا إلى هذا الأساس مستنداً شرعياً من السنة النبوية، فقد أصبحت دائرة المشروعية محكمة تأخذ بعداً يتجاوز المعرفي، لتصل إلى المجال العقدي. فالحديث الصحيح "عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين، عضوا عليها بالنواجذ"(26)، يتجاوز معنى التمسك بالدين إلى التمسك بفهمهم للدين، ثم يأتي الفهم الظاهري لحديث "خير القرون قرني ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم..الخ"(27)، ليقلب الخيرية (بغض النظر عن الفهم الممكن للحديث الشريف) من حالة أخلاقية وإيمانية عامة (كما تشير إلى ذلك بقية الحديث) إلى حالة معرفية لا تلبث أن تنقلب جزءاً من الاعتقاد بهم ذاته! وربما هذا الانقلاب بين المعرفي والأخلاقي والعكس الذي يسم تعامل العقل السلفي مع المعرفة الجديدة أو حتى التاريخية هي سمة العقل الديني في حالات انحطاطه على وجه العموم(28). وهكذا يكتسب التراث الأقدم احتراماً أكبر، بل وصفة دينية تمتح من قداسة النبوة بقدر اقترابها زمنياً منها، فالسلفي أصبح يرى في التراث مرجعية تامة وكاملة وشبه مقدسة لارتباطه (بالمقدس) من جهة، وبماضٍ شكّل هويتنا تاريخياً من جهة ثانية، وسلف "شبه مقدس" أيضاً من جهة ثالثة، حيث يُصبح هنا التراث جزءاً ساكناً من مفهوم الذات، وبالتالي لا يستطيع أن يشرع بالنقد إلا في الحدود التي حدها السلف أنفسهم، وفي إطار الاختلافات التي اختلفوا فيها هم، وليس له إلا القياس على آرائهم، أو "التأصيل" بناء عليها، أو الترجيح بين أقوالهم وبأدلتهم وأدواتهم ومناهجهم، والقول الجديد الذي لم يقل به أحد "بدعة" مستهجنة، أو في أحسن الأحول مما "لا يُعتدُّ به"، فالنقد سيصبح تفكيك وهدم للذات نفسها، وهكذا يضطر السلفي للتمترس في موقف تبريري عنيف، كلما اتسع الخرق على الواقع، فالتراث هنا أصبح يساوي الدين عملياً إن لم يكن ذلك نظرياً (وكل حسب سلفه) (29). المعرفة وفقاً لهذا المنطق لا تبنى تراكمياً، فالكمال تحقق عند سلف معين، وعلامته "تلقي الأمة بالقبول"(30)، التراكم صفة النقصان، هنا اللحظة التي يتمفصل فيها فكر الإصلاح الديني مع المنطق والرؤية السلفيين في علاقتهما بالتراث، فالبصمة الإنسانية تغزو التفكير الإصلاحي، وصورة الأزمنة المتعددة قارة على درجات متفاوتة، فوفقاً لتلفيقية الإصلاحية (مدرسة محمد عبده) فإن السلف مازال يمتلك درجة امتيازية، درجة لا تمنع اعتبار فهمهم للدين مرجعاً يصار إليه، ولكن على شرط "العقل" الذي قلنا من قبل أنه أقرب على عقل الأنوار منه إلى العقل كما يتبدى مفهومه في الحضارة الإسلامية. لقد وعت المدرسة الإصلاحية سابقاً قيمة التراث ونسبيته ولكنها ـ بحكم تلفيقيتها ـ تعاملت معه بطريقة جعلها سلفية، ولكن بقدر ما كانت سلفيةً في تراثيتها، بقدر ما كانت «حداثيةً» بمقولاتها!. في الخطاب التجديدي الوريث للإصلاحية في إصلاحها الديني تكوَّنت رؤيته للتراث على نحو أكثر انسجاماً مع مفهوم التاريخ والزمن المتعدد، فالتراث الذي يمثل كل ذلك الجهد الفكري الهائل المحاك حول النص (نص الوحي)(31) تشكّل وتطوّر ـ كما يبدو في الخطاب الجديد ـ تبعاً لأمرين (عدا صلته بالنص)، هما: الأول: علاقته بالمجتمع وتطوراته وتحولاته المرتبطة بالجدل السياسي الاجتماعي، فلقد كان لانفجار المشكل السياسي (أي: ما عرف بقضية الإمامة) نتائج لا حصر لها، تحوّل معها الفقه إلى قانون، وتضخم الجانب القانوني إلى درجة هائلة تبعاً لتنظيم الدولة، كما قامت حركة التصوف مقابل هذا الجفاف الفقهي وأخذ بالتطرف كلما ازدادت المادة الفقهية بهيمنتها في مقابل تزايد التلاعب الذي قام به الأمراء والملوك بالدين، وما تثبيت الرمزية للأئمة الأربعة التي لعبت في إنشائها ظروف سياسية بالدرجة الأولى، إلاّ محاولة اجتماعية ومعرفية لا واعية لسحب يد التلاعب من السلطان في استغلال العلماء وقهرهم. إن هذا التراث جاء إلينا يحمل تاريخه الذي علينا أن نفهمه جيداً، ونفهم لماذا جاء بتلُّونات محدّدة وتضخيمات جوانب على حساب أخرى، فمشاكله تختلف عن مشاكلنا، والتعامل معه لابد أن يضع بحسبانه أن ينقل معه مشكلاته التي باتت مفوَّتة الآن. إذا العين هنا ترقب تلون التراث وفقاً لرؤيتها بتعدد الأزمنة وتحولها. الثاني: أن التراث الذي ينتمي إلى ثقافة تاريخية ما لا يعني البتة صلاحيته المطلقة، كما لا يعني عدم صلاحيته المطلقة أيضاً؛ «فمن الثابت أن التراث يشتمل على عناصر ذات جدوى، أي عناصر يمكن استخدامها في الزمن الحاضر، وهذه العناصر مثبتة في جل أرجاء التراث (...) والقضية هنا قضية «استخدام» لا «استلهام» أو شيء آخر سواه. وبهذا الاعتبار لابُدّ من القول أن الإطلاع على التراث أمرٌ مفيد في إغناء المصادر التي تمنح من أجل معالجة قضايانا الحديثة أو الراهنة»(32). بكلمة أخرى، بقدر ما يتضمن التراث نسبية تاريخية (ثقافية ومعرفية)، يتضمن قدراً كبيراً من المعرفة العلمية ومن الإنجازات المعرفية، التي لا يمكن القول حتى الآن إنها أصبحت مفوَّتة تاريخياً بالكامل، وخصوصاً تلك التي ترتكز عليها الإبستمولوجيا الإسلامية،. قد يكون في أصول الفقه ـ مثلاً ـ ما هو تاريخي، وقد يكون فيه ما هو قابل للنقد والتجاوز، وقد يكون فيه ما هو ميت، ولكن فيه أيضاً الكثير مما هو معرفياً صالح للحياة والفعل، خصوصاً فيما يتعلق بعلم الدلالة وتحليل النّص على المستوى اللغوي، إن ما يثبت تلك القيمة قدرة تلك المناهج الفعلية الراهنة على تحليل النّص واتساقها مع طبيعة النص القرآني وخصائصه، وإشباعها أو لكثير من تطلعات العقل الإنساني الراهن بخصوص المعرفة الدينية الإسلامية من النص مباشرة، وقد قامت أساساً على هذه الخصائص، بل إن مقارنتها بالمناهج الحديثة يثير الدهشة في القيمة العلمية التي لا تزال رابضة فيها(33). وإذا كان التأصيل آلية ذهنية تبحث عن "شرعنة" فكرة ما في النَّص أو التراث المرجعيان، فإننا إذ نرفض هذه العملية التي تضمر على نحو غير واع وجود مسبق للتاريخ بمجموعه حتى قيام الساعة داخل التراث! مما يرفع التراث ـ بدون قصد ـ من البشري إلى مرتبة الإلهي. أما النص فلا يتحدث عن تفصيلات إمبريقية مغرقة في واقعيتها، إنه يمتلك إطاراً معرفياً وإيمانياً يسمح لنا بالتعامل مع تلك الحوادث، لا بمعنى جرّ النص إلى الحادثة، بقدر ما هو جرّ لعلاقتنا بالنص إلى التعامل مع الحادثة. إذا كان التأصيل كذلك، فإن التجديدي مارس عملية تأصيلية واسعة النطاق في مراحله الأولى، حيث أسقط ـ انطلاقاً من مبدأ التأصيل ـ المعرفة الحداثية على التراث، واستنطقه بها تارة، وتارة أخرى استنطقها به! لكن مع ذلك فإن النظر إلى التراث على أنه تراكم معرفي في أزمنة متعددة بقي قائماً، فسرعان ما استعاد وعيه بالتراث وبآلية الأصيل هذه عبر حركته النقدية المستمرة لذاته، فأحال نفسه إلى مبدأ «استكمال التراث» في جيله الثالث، إذ ماذا تعني الاستعانة بالمعرفة الغربية (ونحن هنا نشير إلى لحظة انطلاق فكرة إسلامية المعرفة) سوى تكميل ما نقص من المعرفة التراثية في حاجتنا للحاضر وسدِّ عيوبها؟ فنحن إذاً يجب أن نسعى لكي نشكِّل تراثنا الخاص بنا، لا على أنه في قطيعة مع التراث السابق، بل على أنه استكمال له، حيث نضيف إليه تجربتنا المعاصرة الإيمانية والمعرفية، وهكذا فإن صنع التراث «لا يتوقف، فنحن على الدوام، وفي كل العصور نصنع عناصر تراثية جديدة، ونورثها لمن يأتي من بعدنا، وموقفنا الطبيعي هو أننا في الوقت نفسه الذي نتلقَّى تراثنا فإننا نصنع تراثاً آخر جديداً يغني التراث الذي تلقيناه أو ورثناه بحيث يصح القول أن مهمتنا لا تنحصر فقط في تلقي التراث، وإنما أيضاً، وربما بقدر أكبر في «إبداع التراث» واستكماله، فإنه ليس لنا أن نتوهم إلاّ ما هو واقعي، أي أن التراث «تاريخي» يعرفنا بصورة صانعية وأحوالهم قبل أن يعرفنا بأي شيء آخر، لكن من المؤكد أنه سيكون هناك «تراخي» يتبلور بعملية التثقيف، ويمكن إدماجه في منظومة الحاضر وعيشه على نحو غير قسري. إن التفكير بهذا المنطق الذي "ينسِّب" (من النسبية) التراث يبدو أنه يكفي لحل مشكلة الانتقائية التي مورست من قبل السلفي والحداثي معاً على التراث، ولكنه يكفي نظرياً فحسب، إذ لا نجد في جهود الخطاب التجديدي تحققات حقيقية إلا في مؤخراً، أي في الجيل الأخير، أي ما أسميناه «خطاب ما بعد الهوية»، ذلك أن التعامل الفعلي مع المعرفة الحداثية لم يأخذ مداه إلا من سنوات قليلة، وانطلاقاً من هنا أصبح من المؤكد أن ما يُفكر فيه اليوم لم يكن مفكراً فيه من قبل، فتطور الوعي الإسلامي وخبراته، وتطورات الواقع ليست مماثلة على الإطلاق لأي حقبة من الحقب التي مرّ فيها تراثنا(34). ضمن المنظور الذي قدمناه عن التراث وصلتنا به في الخطاب الجديد، يصبح من الضروري ـ لإقامة تواصل مع التراث في والبحث عن طاقة المعرفية الكامنة في التراث لاستكمالها ـ إعادة قراءته، ونقده، وهكذا شرع الخطاب الجديد بدراسة التراث وتفكيكه على المستوى الحفر التأريخي الذي يستطيع أن يفصح عن طريقة تشكله وحجم تدخل الظروف المحيطة، ويتيح لنا الفرصة في الوقت نفسه ملاحظة النسبية الإنسانية بوضوح(35). بهذه المقولة تتحدد علاقة الوعي التجديدي بالتراث، الذي بدا لكلا الاتجاهين السلفي والحداثوي العربي بصورة متناقضة، ففي حين بدا للسلفي أن التجديدي إذ ينتقد التراث «يحتقره» ولا يحترمه، بما يستدعي النظر إليه على أنه يقوم بما يشبه «خيانة» للأمة؛ فجهوده في المحصلة لا يمكن أن يفهمها العقل السلفي إلا على أنها "تدمير للتراث" وتخريب للدين نفسه؛ فهناك ـ كما أسلفنا ـ التباس بين مفهوم الدين ومفهوم التراث، صحيح أن الدين لا يتجلى إلى من خلال فهومه، إلا أن فهومه لا تعني البته أنها تقوم مقام النص(36)، أو أنها ليست نسبية. في الوقت نفسه يرى الحداثي في التجديدي سلفياً بالنظر إلى علاقته بالتراث، التي يراها "مرجعيةً"؛ لشدِّة تمسكه به، الأمر الذي كان يدعوه للقول إن الخطاب الإسلامي لا يختلف بالنوع بل يختلف بالدرجة(37) (أي بدرجة تشدده)، والواقع أنه لم يكن هذا ولا ذاك. صحيح أن العلماني العربي في صورته الجديدة (المواكبة في ظهورها لظهور الخطاب الإسلامي الجديد) أصبح يرى في التراث ضرورة نفسية مجرّدة، إلا أن رؤيته و تعامله مع التراث بقيا عملية «انتقائية» مغياة بالدفع إلى مستقبل حداثي "مأمول" بالنسبة له، وهي انتقائية لم يكن السلفي الإسلامي بعيداً عن ممارستها بنفس الآلية التي كان يقوم بها الحداثي، فكلاهما عندما يحاول جرّ «الواقع» إلى مرجعيتة (التنويري إلى الحداثة والسلفي إلى التراث) يستلهم من التراث مواقف و أفكاراً أو قيماً يدمجها في أحوالنا الراهنة، التي أسهم العالم الحديث في تشكيلها إسهاماً حاسماً لا يقل كثيراً في أهميتة عن إسهام التراث، وذلك بالانتقاء من التراث جملةٌ المواقف التي «تصلح» لأن تسهم في تدبيره وتنمطيه طبقاً للمرجعية. فلم تكن عملية «الاستلهام» هذه لدى الحداثي «إلاّ عملية «تسويغ» لقيم الحاضر بإسقاط غطاء تراثي عليها. والذي يحدث عملياً أن الحاضر هو الذي يفرض قيمه ويُلزم بها (..) عملية الاستلهام [هذه] هي أصلاً وابتداءً عملية مصطنعة أو تسويغيّة»(38). هذه العملية ذات النهاية الواحدة، هي نقطة التقاء موقفين نقيضين للفكر السلفي والحداثي العربي. حيث في أقصى السلفية إعادة إحياء التراث، وإعادة قراءة التراث «أيديولوجياً» لدى الحداثية التي تتمثل بشكل واضح مع مشروعات إعادة قراءة التراث(39) من أجل تفكيكه تحت مظلة تجديده(40)! ثمة إشكالات حقيقية في التراث، تخترق التراث أفقياً وعمودياً، كان كثير من هذه الإشكالات مثاراً في التراث الإسلامي نفسه (بمعناه العريض جداً الذي يشمل كل الفرق والمذاهب الفقهية والكلامية)، ولكن التيار العام في التراث همشّها وحاربها في أحايين كثيرة. إن إشكالات التراث يمكن إدراكها دون لوثة الحداثة، بل في ظل «نقاء تراثي» إن جاز التعبير، فثمّ منطقية ومناهج تحكم التراث أو تحتكم إليها. وحتى في أكثر الظروف سلفيةً (أواخر السلف) كانت تلك الإشكالات تطلُّ برأسها ويتم تجاهلها عن عمد أحياناً هيبةً من التراث نفسه(41)! والواقع أن التيار السلفي، وخصوصاً «المذهبي» يعترف ضمناً بهذه الإشكالات التي يراها بنفسه، أو يقدمها له التجديدي أو يستفزه بها الحداثي، فبينما هو يصرُّ على سلامة التراث من الخطأ والدفاع عنه إلى درجة تجعله مقارباً للعصمة، يقوم بتقديم تبريرات معقلنة، تتضمن أيضاً بعض الانزياحات عن الصورة الأصلية للتراث. إن هذه الإشكالات ليست سطحيّة دائماً ـ والتي يعزوها التيار السلفي ـ تهرباً منها ـ إلى «هوى النفس» و«التآمر على الإسلام» و«الجهل».. ثم يقوم بعد ذلك بعقلنة تبريرية لها دون أن يشعر بتناقض! لا شك أن معرفتنا بإشكالات التراث وإشكالياته سوف تزداد مع ازدياد معرفتنا ووعينا بإنجازات الحداثة المعرفية. ويبقى أن أي تحوّل لصالح التراث مرهون بالاعتراف بتلك الإشكالات والإشكاليات والتعامل معها على سبيل المواجهة والحل، وليس الطمس والتجاهل.
2- المعرفة الحداثية: معايشة الزمن الحاضر ما بين تصور التراث وتصور العلم نسبة هي نسبة الهوية بالمعرفة، لا تختلف هذه النسبة في أهميتها في المعرفة الحداثية التي ترتبط بحضور العصر والتفاعل معه، فالانفصال عنها يعني الارتكاس إلى الماضي والانقطاع عن الراهن، وتصبح صورتنا غريبة غربة "طالبان" عن العالم. لقد تجاوزت المسألة في الخطاب الجديد مجرد التلقي، أياً كان شكل هذا التلقي بعد الفلترة الأيديولوجية أم بدون ملاحقة هذه النهايات الفلسفية المادية، فالمعرفة الحداثية أضحت ممارسة فعلية نامية باطراد، هنا تحولت الدعوات "العمومية" الموجهة للمثقفين المسلمين ليتفهموا "الحضارة الغربية فهماً شمولياً دقيقاً من غي إعجاب وانبهار وذوبان فيها، أو اتهام وإعراض عن عجز أو جهل" من أجل أن يكونوا قادرين على "التعامل مع نتاج الغرب بالطريقة البناءة"(42) إلى حقيقة، فلقد بدأنا نشهد عدد من التجارب تتعامل جدياً مع الغرب في مختلف حقول المعرفة الإنسانية الحداثية(43)، وإن أبرز سمات التفاعل في الخطاب الجديد تراجع مسألة "الهوية" إلى موقع خلفي، حيث تخرج عن كونها مركزاً لخطاب أيديولوجي، وعقدة مقابلة لمركزية الغرب، تراجعت إلى حيث ليس بالإمكان قبول أن تكون المعرفة الغربية معرفة كونية وحسب، وهنا تتخذ الهوية موقعها في تغذية النقد وتقوية السؤال الإبستمولوجي عن الممكن وغير الممكن في الذات والآخر. صحيح أن الحداثة الغربية طموحة إلى درجة تنميط العالم على مثالها(44)، إلا أن مفهوم "الهوية" يكبح جماحها نحونا. وحينما نقول إننا بدأ تعامل فعلي بالمعرفة الغربية الحداثية في إطار مشروع الإصلاح الديني فعلينا أن نتوقع تحولات جديدة في الوعي ونتاج جديد في المعرفة الدينية، فـ"الفهم الديني يتغذى ويتلاءم مع المعارف البشرية، وهناك أخذ وعطاء في الجدلية الدائمة بين المعرفة الدينية والمعارف غير الدينية، وإذا حصل قبض أو بسط في المعارف غير الدينية فإن فهمنا الديني [ذاته] عرضة للقبض والبسط"(45)، و"إذا حصل تموج وتحول في زاوية من زوايا بحر المعارف البشرية الهائج فلن تبقى بقية الزوايا هادئة، وسيكون [ذلك] مؤثراً في إدراك الأقسام الأخرى"(46). بإمكاننا مشاهدة كيف أثرت الوعي الحداثي الناشئ من التعامل مع العلوم الإنسانية في إنتاج معرفة دينية ماكان من الممكن تصورها ولا التفكير فيها لولا هذا الانخراط في هذه العلوم، وخصوصاً في حقل التفسير وإعادة قراءة القرآن(47)، وعندما نتحدث عن تفسير القرآن فإننا نمسك ـ دون شك ـ في مسألة الإصلاح الديني بالمحرك المرجعي الذي لا يقبل التفاوض، وهذا يعني بحد ذاته توقع تحولات فكرية من المحتمل أن تكون من سمات فكر جديد آخر، هو نتاج تطبيقات العلوم الإنسانية على المعرفة الدينية. لقد وقف السلفي التقليدي من استخدام العلوم الإنسانية موقف المكفِّر أحياناً، على أساس أن "في تراثنا الغنى"(48) فهذه العلوم مازالت من أنماط التفلسف الغربي، وبالتالي فإن نقل هذه العلوم أو استخدامها يسهم تحقيق "ما هو شر من أهداف التبشير والاستعمار، بنقل الكفر بأثوابه الجديدة لتتسمم به عقول أبناء أمتنا"(49)، ومن الأفضل النظر إليها ـ بحسب الوعي السلفي المختزل ـ على أنها "عقائد غازية"(50)! وهذا الوعي يجد في ملاحظة هذه العلوم دليلاً على أن الخطاب الجديد خطاب مشبوه، هدفه "مسايرة الحضارة الغربية فكراً وتطبيقاً"(51)، إنهم علمانيون لا دينيون في الحقيقة(52)، أو بينهم وبين العلمانية فاصل ـ إن وجد ـ "رقيق جداً"(53)! ليس بعيداً عن النمط السلفي الإسلامي التقليدي يشتغل عقل الحداثي العربي في طبعته الجديدة المنقحة، إذ مازال يفكر أن يكون الإصلاح الديني حصان طروادة، ويعقد آماله على ما عجز عنه على هذا الخطاب الجديد، في "تبيئة" المفاهيم الحديثة، ونزع سمة "التفرنج" أو "الخارجية" عنها، من قبيل التعرف عليها كما لو أنها "معلومة مسبقاً في النص"(54)! فهو ما يزال يلحظ مرجعيته النصية التي تجعل منه سلفياً تقليدياً بامتياز، فمهمته التي تستحق الدعم هي سحب "القبة الرمزية" (حسب اصطلاح الأنثروبولوجي جورج بالاندييه) وتوسيعها لتوطِّن مفاهيم الحداثة عبر بوابة خلفية. ما استطاع الخطاب الإسلامي الجديد تكوين نموذجه المعرفي (Paradigm) بعد، لكن عناصر مكونات وآلية ترابطها وعملها تنبئآن عن إمكانية قريبة، نقول نموذج معرفي ونحن ندرك تماماً معنى أن يتشكل نموذج جديد في انطلاقة «ثورية» للمعرفة الدينية وربما النهضوية العربية على وجه العموم.
ثالثاً: ما بعد الهوية وما بعد 11 أيلول (معضلة السياق التاريخي)
ليس لنا أن نتوقف عن المراهنة على مستقبل هذه النقلة التي أحدثها خطاب ما بعد الهوية الجديد؛ ذلك أن المكاسب التاريخية لا تقبل التراجع والنكوص، إلا أن المهم هو فعلاً إدراك تأثيرات ومآلات أحداث سبتمبر والدعوة الأمريكية الصريحة لإصلاح الخطاب الديني في سياق حربها ضد ما أسمته بـ"الإرهاب" ، التي فهمت فعلياً على أنها حرب "ضد الإسلام" والمسلمين. وكما بدأنا القول فإن المشكلة أن ضخامة الحدث في الحادي عشر من سبتمبر وضخامة تبعاته جعلت الحديث في التجديد الإسلامي يبدو وكأنه وليد اللحظة الأمريكية، ولاشك أن الترويج الكبير الذي حشد لهذا الموضوع كان وراءه أطراف سياسية في المنطقة العربية والعالم الإسلامي ذات مصلحة؛ إذ العدو اللدود للأنظمة الدكتاتورية ـ مهما كان شكلها ـ هم الإسلاميون (جماعات الإسلام السياسي)، ومعظم هذه الأنظمة مستفيدة من محاربة الفكر الديني «المتشدد» كما الأمريكيون مستفيدون من ذلك، الأمريكيون والنظم في العالم الإسلامي والعربي على وجه الخصوص مشتركون في الهدف، ولنلاحظ كيف أن النظم سارعت لتحسين صورتها بدل تحسين «صورة الإسلام» الذي قيل إنها تشوهت بعد أحداث أيلول تلك. حتى الأعداء الأيديولوجيون التقليديون الذين فوجئوا بأحداث سبتمبر وهي تعيد لهم الأمل بالعمل الثوري بعدما قيل إن «الثورة» فات عهدها إلى غير رجعة، لكن الأيديولوجيا الدينية اليسروية كانت تقرأ الحدث بعين العدو الأيديولوجي، مما جعلنا نشاهد مراراً ـ في الصحافة العربية ـ صورة المناضل العتيد تشي غيفارا بوجه الشيخ بن لادن! وكان ذلك بمنزلة تفكير بأن ذلك الحدث كان سيكون عظيماً للإنسانية (الوقوف في وجه الإمبريالية المتوحشة) لولا أن الذين قاموا بها «رجعيون»! لقد فقدت الماركسية توهجها «الثوري» وانتزع الإسلاميون (الأعداء التقليديون في المنطقة) لواء الثورة في أضخم حدث عالمي، وقد وجدوا فرصة تاريخية للضغط على العدو الأيدلوجي، وهكذا جرت محاولة كسب الفرصة ـ التي قد لا تتكرر ـ على أمل أن يكون تجديد الخطاب الديني خطوة كبيرة باتجاه تفكيك بنية الثقافة الإسلامية، وتراجع الفكر الديني إلى الخلف وإلى الأبد! لم تختلف آمال كثير من «الليبراليين» الحداثويين الجدد من انتهاز «سياسي» للحدث، فلطالما كان الإسلاميون السلفيون يشكلون عقبة كأداء أمام دخول الفكر العلماني الليبرالي الجديد والتهام الثقافة الإسلامية، وحدهم الإسلاميون "التنويريون" ـ وهم بطبيعة الحال من المفترض أن يكونوا أنصار الخطاب الإسلامي الجديد ـ وجدوا أنفسهم أمام مأزق كبير، فإن هم ألحوا على قضية تطوير الخطاب الديني ونقده وإعادة بنائه يخشون أن يوصموا بالخيانة، ويتورَّطوا في التّصنيف التلقائي تحت عباءة "الحرب الأمريكية على الإسلام"! وإن هم صمتوا ظن فيهم الآخرون أنهم انتكسوا وعادوا إلى حقيقتهم، وأكدوا بذلك المقولة الاستشراقية التي يكررها كثير من مثقفي العرب، بأن الإسلام عاجز عن الدخول في "التحديث"(55)! أو القول بأن الإسلاميون كلهم سلفيون وإنما يختلفون بالدرجة لا بالنوع! و قبل ذلك كله سيكون سكوتهم خيانة لأنفسهم. طيلة الستة العقود الماضية دفع الصراع الأيديولوجي الماركسي ـ الإسلامي إلى تحول الفكر الإسلامي نحو موقف نفسي وجودي، فوجدناه يمضي شيئاً فشيئاً نحو «هوس» الهوية، عطلت المشاريع التجديدية والإصلاحية في الفكر الإسلامي لصالح الدفاع عن الهوية(56)، ثم شهدنا بعدها المفكرين الإسلاميين كيف انقلب جميعهم مفكرو هوية. ولقد كان الخطأ التاريخي الذي ارتكبه متدينو اليسار هو أنهم كانوا يفكرون بنفس الطريقة التي يفكر فيها الجندي، فيمارسون الفكر على أنه «نضال»، أي أنهم فعلياً كانوا يستهدفون بأوهامهم الأيديولوجية اقتلاع الثقافة الإسلامية واستئصالها لصالح التبشير بديانة جديدة ملبَّسة بالفلسفة وأوهام العلمية. لقد انطلق التجديد الديني على قاعدة الإحساس بحركة التاريخ والضرورة التاريخية، وعلى أساس شعور بفجوات في المعرفة الدينية، ورغبة في القبض على إيقاع الحياة المعاصرة دون أن يؤدي ذلك إلى خدش الإيمان أو مفارقة العصر نحو تاريخ موغل في القدم، إلا أن الظروف الجديدة سيكون لها انعكاس سيء للغاية على مستقبل هذا الفكر الجديد، والخوف من أن يكون اجتماع رغبات الأمريكيين مع رغبات الأنظمة (القمعية عموماً) ورغبات «الأعداء» الأيديولوجيين التقليديين دافعاً جديداً للخطاب الإسلامي الجديد لكي يعود إلى الظل إلى قمقم الدفاع عن الهوية ويتوقف عن التطور من جديد، صحيح أنه لم ليس بالإمكان الحديث عن النكوص إلى مراحل سابق للخطاب الجديد، فقرار التجديد الديني قرار لا يقبل الاحتلال، أملته الضرورة التاريخية وليس إيقاع الحراك السياسي، وإذا كان بالإمكان التحدث عن تباطؤ وشبه توقف في الخطاب الجديد، فمن المؤكد ـ بالنسبة لنا على الأقل ـ أن مستقبل التطور في هذا الخطاب (تسارعاً أو بطئاً) رهن بمدى استقلاليته عن الفعل السياسي وانفراج قضية الهوية أمامه.
------------------------ الهوامش
( ) انظر مثلاً: الإمام محمد عبده، الإسلام والنصرانية بين العلم والمدنية، المؤسسة الوطنية للكتاب، الجزائر، ط1، 1988م، ص49-50، وقد عدَّ عبده نفي الكهنوت أحد أصول الإسلام. (2) تصور العالم مفهوم من الفلسفة الألمانية، وهو في الواقع يشير إلى نمطين من التصور، الأول التصور الشامل للوجود، والثاني التصور المتعلق بالعالم المحيط أي الحالة التاريخية بمعناها العام، فالأول ما ورائي (ميتافيزيقي) والثاني تاريخي واقعي متغيِّر بطبيعته. (3) نعني بـ"السلفي" هنا ـ كما هو الشأن في بحوثنا العديدة من قبل ـ ذلك الفكر الذي يجد في السلف مرجعية يفسِّر عبرها النص الإلهي الموحى، ويكتفي بها على نحو واع، سواء أكان هذا السلف أصحاب "القرون الثلاثة الأولى"، أم كانوا "الخلفاء الراشدين" (رضي الله عنهم)، أم كانوا "الأئمة الإثنا عشر"، أم غيرهم، وحتى عصر الإمام محمد بن علي الشوكاني. (4) خصوصاً الحديث الشريف: "خير القرون قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم، ثم يأتي زمان على أمتي ..الخ" ، والنصوص الأخرى جزء من أحاديث شريفة أخرى معروفة في كتب الصحاح، ونحن نذكرها في سياق نقدنا لطريقة فهمها واستخدامها من قبل العقل السلفي، لا نقداً لها. وحديث (خير القرون) مروي بمعناه عن عدد من الصحابة رضي اله عنهم، منهم عن عمران بن حصين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "خيركم قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم". قال عمران: "لا أدري ذكر النبي صلى الله عليه وسلم بعدُ: قرنين، أو ثلاثة". رواه البخاري، ومسلم ، وأبو داود، والترمذي، والنسائي، وأحمد. وممن روي عنه بمعنى الحديث: عبد الله بن مسعود، وعائشة، وأبو هريرة، وعمر بن الخطاب، والنعمان بن بشير، وبريدة الأسلمي رضي الله عنهم. (5) من كلام النبي صلى الله عليه وسلم، وهو جزء من نص الحديث الآنف الذكر (انظر: حاشية رقم 4 السابقة). (6) من الحق القول إن الحضارة الغربية غمطت مساهمة الحضارة الإسلامية حقها في تطور الفكر الإنساني وعلومه الحاضرة، ولكننا نبحث هنا كيف يتم توظيف هذا الغمط في إطار رؤية العالم في الفكر السلفي. (7) هذا التعبير سائد إلى درجة أمكن فيها أن يتحول إلى شعار تعبوي للحركات الإسلامية الراديكالية، وكتب فيه كثير حتى أصبح عنواناً للكتب. (8) محمد سعيد رمضان البوطي، يغالطونك إذ يقولون، دا
تاريخ النشر : 02-03-2006
|
|
|
|
|
|
|
الصفحة الرئيسية
l
دراسات قرأنية l
دراسات حديثة l
الفقه و الأصول l
العقيدة و الكلام l
فلسفة التجديد
قضايا التجـديـد l
إتجاهات الإصلاح
l
التعليم و المناهج l
التراث السياسي l
الدين و الدولة l
الحقوق و الحريات
مفاهيم و مصطلحات l
الإسلام السياسي l
الظاهرة الدينية l
فلسفة الدين l
فلسفة الأخلاق l
قضايا فلسفية
المـــرأة و النسوية l
الإسلام و الغرب l
عروض و مراجعات l
إصدارات l
حوارات و شخصيات l
مـؤتـمـرات و متابعات
جديد الملتقى l
سجل الزوار l
رأيك يهمنا l
اتصل بنا
©2024
Almultaka جميع الحقوق محفوظة
Designed by
ZoomSite.com
|
يلفت موقع الملتقى الألكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.