آخر تحديث للموقع

 2022-08-20

 
Facebook Twitter Rss

النص والتراث  .  دراسات قرآنية

دراسات حديثية    |    الفقه و الأصول    |    العقيدة و الكلام

  •     

التجديد: من النص إلى الخطاب (بحث في تاريخيّة المفهوم)

عبد الرحمن الحاج



. مفهوم "التجديد" ـ الذي شاع باعتباره رهان الفكر الإسلامي على المعاصرة ـ يبدو على درجة من الغموض والتعدد تقلل من فاعليّته عندما يُدعى ليكون مفهوماً عملياً، فكل منا يحمله تصوره الخاص عن "التجديد"، ورؤيته المُختلفه لوظيفته وغايته؛ ولأنه من غير الممكن الحديث عن خطوات عملية في التجديد دون إمكانية ضبط التصورات المتشكلة عنه، فإننا سنسعى في هذا البحث لإنجاز ذلك، ولأن "التجديد" ليس مصطلحاً حديثاً ومعاصراً فحسب، بل هو أيضاً مصطلح عريق في التراث الإسلامي، فقد كان من ضرورة البحث التنقيب عن تاريخيّتة، وكشف الملابسات التي تخلّق فيها.

أولاً: في التراث
أ- التجديد مصطلحاً:
لم يكن لهذا "المصطلح" (التجديد) أن يتحوّل في حقبةٍ ما من التاريخ الإسلامي إلى مفهومٍ "مفتاحي" في الخطاب الإسلامي، فلقد بدأ هذا المصطلح من النص النبوي فلم يغادر موضعه طوال التاريخ حتى هذا القرن، وهو النص الذي يقول "إن الله يبعث على رأس كل مئة سنة من يُجدد لهذه الأمة أمر دينها ، أو دينها." [أخرجه أبو داود بسند صحيح].
ولقد جاءَت تفسيرات هذا النص متقولبة في أشكال الردود على "تحديات العصر"، التي ظهرت بدورها في صور مختلفة، وساعد في ذلك المرونة التي تتمتع بها كلمة "التجديد" على مستوى الدلالة اللغوية، وقابليتها للاحتواءات الدلالية المتعددة. وتنتهي هذه التفسيرات إلى إلباس "التجديد" معاني تجعله في صف مرادف لمصطلحات أخرى من قبيل: (الاجتهاد، إحياء الدين، إتباع السنّة..) ، مما يعني أنه كانت هناك بدائل اصطلاحية أدت إلى تهميش مصطلح "التجديد"، إلى درجة لم يتجاوز فيها شروح النص النبوي! ، نظراً لسعة انتشار تلك المصطلحات البديلة وشدة حضورها. وبالتأكيد أن عبارة (التجديد) لم تكن لتذكر في التراث لولا ورودها في الحديث الشريف، ولا يعني ذلك أن التراث لا يستخدِم إلاّ ما جاء بالنص، ولكن هنا إنما يصدق بخصوص هذه الحالة للاعتبارات المتقدمة.
ب- التجديد مفهوماً:
ويمكننا أن نلاحظ من خلال تلك الشروح ثلاثة اتجاهات لتحديد مفهوم "التجديد":

1- الاتجاه الإحيائي:
يظهر هذا الاتجاه عندما تكون (تحديات العصر) الكبرى من النوع الذي يهدد الكيان الإسلامي على المستوى الوجودي الاجتماعي أو السياسي، ويفسر "التجديد" هنا بمعنى "إحياء ما اندرس من العمل بالكتاب والسنة والأمر بمقتضاهما"(1)، وهو أول ما وردنا في تحديد مضمون "التجديد"، وهو ما يفهم من قول الزهري -التابعي المعروف- في وصف عمر بن عبد العزيز بمجدد القرن الأول(2). 
وقد قال ابن حجر: "في الحديث ما يشير إلى أن المجدد المذكور يكون تجديده عامّاً في جميع ذلك العصر، وهذا ممكن في حق عمر بن عبد العزيز ثم الشافعي"(3)، "إلا أنه وإن لم يكن القائم بأمر الجهاد والحكم بالعدل"(4)، "فإن اجتماع الصفات المحتاج إلى تجديدها لا ينحصر في نوعٍ من أنواع الخير، ولا يلزم أن جميع خصال الخير كلها في شخص واحد، إلا أن يُدَّعى ذلك في عمر بن عبد العزيز فإنه كان القائم بالأمر على رأس المائة الأولى"(5).
على أن أمثال عمر بن عبد العزيز في زمانة كثير لكن هذا اللقب الذي منحه إياه الزهري جاء بسبب ما فعله من إعادة الحياة للدولة الإسلامية التي ما لبثت أن ارتدّت من بعده إلى أسوأ مما كانت عليه.
ونجد هذا أيضاً عند ابن الأثير، الذي ينحو بالتفسير باتجاه آخر، وإن كان لا يخرج عن معنى "الإحياء"، فهو يرى "التجديد" بأنه إحياء الدين ولكن من خلال حفظ المذاهب إذ يقول: "فالأجدر أن يكون ذلك إشارة إلى حدوث جماعة من الأكابر المشهورين على رأس مائة سنة يجددون للناس دينهم، ويحفظون مذاهبهم التي قلّدوا فيها بمهتديهم وأئمتهم"(6) والخلفية التاريخية لتفسير ابن الأثير هذا معروفة، وهي الحروب الصليبية التي كانت تدور رحاها آنذاك.
والملاحظ أن قول ابن شهاب الزهري السابق لم يكن له صلة "بالمذهبية"، إذ لم تكن المذاهب قد تبلورت بعد، "فلم يكن الناس مجتمعين على مذهب إمام بعينه، ولم يكن قبل ذلك إلا المائة الأولى، وكان على رأسها من أولي الأمر: عمر بن عبد العزيز، ويكفي الأمة في هذه المائة وجوده خاصة، فإنه فعل في الإسلام ما ليس بخافٍ"(7) حسب تعبير ابن الأثير. أما ابن الأثير نفسه فإنه رأى أن الإسلام يقوم على المذاهب، ومن ثم فالإحياء يكون من خلال "المذاهب المشهورة في الإسلام والتي عليها مدار المسلمين في أقطار الأرض"(8). وهكذا تظهر خلفية هذا التفسير في صورة أزمة وجوديّة اجتماعية وسياسية في آن معاً.

2- الاتجاه الفِرَقي:
يظهر تفسير "التجديد" هنا كمنعكس عن المواقف من الفرق، ليصبح معنى "التجديد": "قمع البدعة وبيان السنة"، وأول تفسير -بهذا المعنى- وصلنا هو تفسير الإمام أحمد، الذي بنى عليه اعتباره الشافعي مجدداً بأنه "يعلّم الناس السنن وينفي عن النبي  الكذب"(9)، ولعلّ الإمام أحمد كان تحت تأثير "فتنة" المعتزلة، التي كانت تخيّم على الأجواء آنذاك مترافقةً مع ظهور فرق متعددة. ولقد أسس هذا الموقف للاتجاه الفرقي الذي ساد لاحقاً -ولا يزال- لدى المحدثين، إذ يبقى أهل الحديث مسكونين بهاجس (الإتباع/الابتداع).
وقد انتقد بعض هؤلاء ابن الأثير، الذي عدَّ مذهب الإمامية من المذاهب التي يقوم عليها الإسلام!، وذكر منهم من اعتبره مجدداً في الدين!(10)، إذ قال: "فالعجب كل العجب من صاحب جامع الأصول أنه عدّ أبا جعفر الإمامي الشيعي، والمرتضى أخو الرضا الإمامي الشيعي من المجددين"(11)، "ولا شبهة في أن عدهما من المجددين خطأ فاحش وغلط بيِّن، لأن علماء الشيعة وإن وصلوا إلى مرتبة الاجتهاد وبلغوا أقصى المراتب في أنواع العلوم، واشتهروا غاية الاشتهار، لكنهم لا يستأهلون المجددية كيف وهم يخربون الدين [كذا] فكيف يجددون، ويميتون السنن فكيف يحيونها ويروجون البدع فكيف يمحونها"(12). وقد أشرنا قبل قليل إلى تأثير المرحلة التاريخية التي يمر فيها المسلمون، وهي الحروب الصليبيّة.

3- الاتجاه المذهبي:
جاء التفسير هنا تعبيراً عن الصراع المذهبي الذي انفجر منذ القرن الثالث، حيث أخذت تتلبس نصرة المذهب بنصرة الدين، وإحياء المذهب بإحياء الدين، ومن ثم "فقد ادعى كل قوم في إمامهم أنه المراد بهذا الحديث"(13)، و"قد تكلم العلماء في تأويل هذا الحديث كل واحدٍ في زمانه، وأشاروا إلى القائم الذي يجدد للناس دينهم على رأس كل مائة سنة، وكأن كل قائل قد مال إلى مذهبه وحمل تأويل الحديث عليه"(14).
وهنا يبدو السيوطي أبرز ممثلي هذا الاتجاه، فهو يرى أن (التجديد) يطابق معنى (الاجتهاد)(15)، إذ يقول في قصيدته المشهورة(16): "... عالماً يجدد دين الهدى لأنه مجتهد"(17)، وهكذا راح السيوطي يذكر أسماء المجددين، فكانوا كلهم من فقهاء الشافعية!.
على أن تلك التفسيرات لمعنى "التجديد" استمرت منذ ظهرت على وتيرة واحدة لدى الأجيال اللاحقة، بحكم عقلية التقليد السكونية التي كانوا مأسورين لها، ولا يزال المشتغلون في حقول العلوم الإسلامية التقليدية، يكررون التفسيرات السالفة نفسها!، وكمثال على ذلك: رد الشيخ محمود طحان على دعاة التجديد من خلال تفسيرات الأئمة المذكورة، فاعتبر انطلاقاً من ذلك أن ما يذهب إليه أولئك خروج عن معنى التجديد!، فقد "اتجهوا بمعنى التجديد وتفسيره من غير [الوجهة] التي عرفها المسلمون على مرّ العصور لم يقل بها أحدٌ من أئمة المسلمين من سلف الأمة وخلفها"(18). 
وهكذا يبدو واضحاً أن تحديد مدلول "التجديد" -كمصطلح فرضه الحديث النبوي الشريف- تأثر بعوامل مختلفة تتعلق:
1- بالدرجة الأولى طبيعة تحديات العصر التاريخية، كل عصر منفرداً بخصوصياته، (وهي الأكثر حساسية التي ستفرض نفسها على التفسيرات الحديثة والمعاصرة فيما بعد).
2- طبيعة تكوين الشارح واختصاصه في أحد الحقول المعرفية الإسلامية.
3- شيوع حالة التقليد.
ونشير هنا إلى أن المحدودية الكمية في تفسيرات "التجديد" جاءت من أن تهديد تحديات العصر لم تكن لتتخذ معها غير هذه الصور. 
كما ساهم في ذلك وجود (بدائل) اصطلاحية قوية أكثر مباشرة وحضوراً في التعبير عن التحديات ومواجهتها، الأمر الذي أفضى إلى تركيز المفسرين على التاريخ الوارد في النص "رأس كل مائة سنة"، بحيث تم التركيز عليه أكثر من التركيز على "التجديد" نفسه، وفي هذه النقطة بالذات شاعت حرفية شديدة، بدأت بالمنازعة حول المقصود بالتاريخ المذكور هل هو آخر السنة؟ أم أولها؟ إلى الدرجة التي قيل فيها مثلاً: "إن من كان على آخر المائة ولم يبعد بعد انقضائها بل مات قبل المائة الجديدة بخمسة أيام مثلاً، لا يكون مجدداً"(19)، وقال بعضهم: "إن قيد الرأس [في العبارة المذكورة في النص النبوي] اتفاقي، وإن المراد أن الله يبعث في كل مائة سواء كان في أول المائة أو وسطها أو آخرها"(20)!.
وبسبب هذه الحرفية، فقد كان من الطريف أن يعتبر بعض أتباع المالكية، والحنابلة، والحنفية من المجددين، ولا يعتبر الأئمة مالك، وأحمد، وأبو حنيفة مجددين! ، لأنهم توفوا في منتصف القرن، أو قبل رأسه!. تتأكد هذه الحرفية في قول السيوطي في مرقاة الصعود: "قد يكون في أثناء المائة من هو أفضل من المجدد على رأسها"(21).

ثانياً: في الفكر الإسلامي المعاصر
أ- التجديد مصطلحاً:
ولم يظهر "التجديد" في الفكر الإسلامي إلا لتجاوز "التجديد" الحداثي(22) -الذي ظهر في العشرينات من هذا القرن- كتطور ضروري "للإصلاحية" على الخلاف تماماً مما يذهب إليه بعض الباحثين من أن قيام "التجديد" كان على خلفية قطيعة تدريجية مع فكر وممارسات "الإصلاحية"(23) فإنه من المؤكد أن ظهور "التجديد" في الفكر الإسلامي المعاصر كان على أيدي المتأثرين بالمدرسة الإصلاحية كما سيأتي.

1- الإصلاح والتجديد:
كانت إصلاحية محمد عبده(24) بشكلها التوفيقي(25) قد بدأت تتعرض -في بداية هذا القرن وعقب وفاة الإمام -لمأزق لم تخرج منه بعد ذلك! عندما دعا عدد من تلاميذ الإمام وبعض من تأثروا به إلى "تغريب العقل المصري"(26)، و"تبني العلمانية"(27)، في أحضان الجامعة المصرية وعقب ثورة 1919(28) من أمثال قاسم أمين، وأحمد لطفي السيد، وسعد زغلول، وعرّف هذا الاتجاه بنفسه باسم "التجديد"(29)، هذا "التجديد" الذي بدأ على أساس "الاحتفاظ بالعقيدة الإسلامية"(30)، وانتهى إلى القطيعة مع الدين والتراث.
وهكذا بدأ المأزق "ثقافياً" منذ بداية تحلل توفيقية "الإصلاحية"، مع قاسم أمين في كتاباته الجديدة عن المرأة، والتي بدا واضحاً فيها تغير المرجعيات التي كان يستند عليها، وبدأت الحالة السجالية تهيمن على المناخ الثقافي، فكتب رشيد رضا -الذي كان قدم بعض كتب قاسم أمين القديمة عن المرأة- (نداء إلى الجنس اللطيف) 1928(31) في محاولة لتعديل مواقفه السابقة. وكما تكشفت الدعوة "التجديدية" عن ميول باتجاه "التغريب" تكشفت ميول بعض الإصلاحيين الآخرين باتجاه السلفية التراثية، الأمر الذي أدى فيما بعد إلى حالة استقطاب أنهكت الساحة الثقافية بسجال مرّ تحول من الثقافي إلى الثقافي السياسي، فالسياسي في بداية الخمسينات مع ثورة الضباط الأحرار 1952.
ونستطيع القول أنَّ "الإصلاحية" قد تفرعت عنها مدرستين: الأولى اتجهت نحو الحداثة، والثانية نحو السلفية الإحيائية، والتي كانت ردة فعل على الأولى، وعن الأحداث الجارية وقتئذ، ويمثل الأولى قاسم أمين، ولطفي السيد، وحسين هيكل، أما الثانية فيمثلها بشكل أساسي رشيد رضا(32). 
وبقيت قلة متمسِّكة "بالإصلاحية" أو متأثّرة بها، وتمثل بشكل ما امتداداً لها، من أمثال مصطفى عبد الرازق، ومحمود المراغي، ومحمود شلتوت، ثم أحمد أمين، وعباس محمود العقاد، ومحمد عبد الله درّاز...

2- الوعي المهاجر:
بدأت حالة الاستقطاب بالتوتر مع تلاحق الأحداث خصوصاً لدى المدرسة التي بدأت تتشكل مع تحولات رشيد رضا، ففي حين كان رضا عام 1913 قد دعم اللامركزية الإدارية العثمانية(33)، والانقلاب الدستوري العثماني 1908، و"تردد في تأييد ثورة الشريف حسين 1916"(34)، و"وقف مع مصطفى كمال عندما كان يقاتل للحفاظ على وحدة تركيا"(35)، تحول رشيد رضا -بعد الحرب العالمية الأولى وخيبة أمله بالغرب الذي قام بتقاسم الدولة العثمانية مناقضاً وعوده، وبعد تردد في تأييد ثورة الشريف حسين- إلى معارضة الهاشميين صراحة، منحازاً للملك عبد العزيز، ثمّ دعم الحركة الوهابية، وأنكر على قاسم أمين دعوته لسفور المرأة بعد أن أيد تلك الدعوة من قبل، ثم انقلب ضد الكمالية عندما ألغيت الخلافة رسمياً عام 1924(36). 
فبعد أن كان رضا يرى -كغيره من الإصلاحيين- في الثقافة الغربية أداة صالحة لتجديد الإسلام ودعوته ومؤسساته(37)، أحس بضرورة إعادة النظر في هذا التفريق بين الثقافي والسياسي الغربي، بمعنى أنه أصبح شكوكاً تجاه هذا الفصل. هذا التشكيك سيتحول فيما بعد -ومع صعود المشكلة السياسية وأزمة السلطة- إلى المماهاة بينهما. ومن هنا ما "عادت وجوه الغرب الإيجابية التي سبق أن نبه إليها [رشيد رضا] للظهور في كتاباته"(38).
ومع الإقصاء السياسي الذي مارسته الدولة الوطنية العلمانية ضد الإصلاحيين، وتزايد حدة الأزمة الثقافية التي وقعت "الإصلاحية" بين فكيها، "كفَّ [رشيد رضا] عن معالجة الأمور السياسية الجزئية في مجلته"(39)، وبدت كتاباته متسمة "بنزعة خطابية عاطفية"(40)، حيث تحول إلى معالجة أوضاع المسلمين في العالم وصراعهم مع الغرب المستعمر وأهمه ما سمي -فيما بعد- بالغزو الثقافي(41) بعد أن ظهر له أن الأزمة التي تواجه الإسلام وجماعته هي أزمة "وجود" لم تجدِ فيها الطروحات التقليدية. وهكذا ينتهي رشيد رضا في تحولاته إلى الدعوة إلى السلف الصالح، والتمسك بالهوية (السلفية)، حيث "أخذ يؤكد بنصوص من السنة على تحريم التشبه بالكفار معتبراً ذلك -شأنه فيه شأن ابن تيمية- أمراً اعتقادياً يخل بالعبودية لله تعالى، تماماً كما ذكر ابن تيمية في كتابه اقتضاء الصراط المستقيم [مخالفة أصحاب الجحيم]" (42).
وهكذا، ومع نهاية العشرينات كان رضا قد تحول إلى "السلفية" الإسلامية "الإحيائية"، حيث انتهى إلى ذلك بعد أن "اكتشف ابن تيمية، ثم الشيخ محمد بن عبد الوهاب، وانصرف للعناية بالسنة، والرجوع إليها في اجتهاداته الفقهية"(43)، وهو ما سيشكل الأرضية التي قامت عليها البنية الفكرية للحركات الإسلامية السياسية لاحقاً.
إذن فقد تحول رشيد رضا من شعار ومقولات "الإصلاحية"، إلى شعار "الإصلاحية" ومقولات "السلفية الإحيائية" وهو التحول الذي أسس لحالة من هجرة "الوعي الإسلامي" باتجاه السلف الصالح، والتاريخ!.
أما المدرسة "التجديدية" -إن صح هذا التعبير- ذات الطابع "الحداثي"، فقد أخذت تنحو نحو "التغريب" في نزوع واضح يظهر في كتابات تلك المرحلة، وكان بعض المتحمسين للتجديد قد تراجع عن أطروحاتها فيما بعد(44)، فيما واصلت أسماء لامعة طريقها نحو التغريب من أمثال لطفي السيد.
وفي الحين الذي كان فيه الوعي الإسلامي "يهاجر" باتجاه "سلفي تراثي" أو "سلفي حداثي"(45) (تجديدي)، انطلق تلامذة الإمام "الإصلاحيين" لمواصلة "الإصلاح الفكري" ، فجاءت نتاجاتهم النقدية المهمة لتشكل "الأرضية الفكرية" التي قام عليها الفكر الإسلامي المعاصر فيما بعد، و"التجديدي" بشكل خاص.

3- اللحظة التاريخية لولادة المصطلح:
إذ كنا لا نستطيع أن نحدد بدقة اللحظة التي ولد فيها "التجديد" الإسلامي (المنضبط بالنص)، فإنه يمكننا مقاربته في الحقبة الزمنية الممتدة بين منتصف الخمسينات وأوائل الستينات(46). 
حيث شهدت تلك الحقبة ظهور كتاب إقبال (تجديد التفكير الديني) الذي ترجمه عباس محمود عام 1955، وكتاب (المجددون في الإسلام - من القرن الأول إلى الرابع عشر) في العام نفسه لعبد المتعال الصعيدي، ودعى اقبال في كتابه العالم الإسلامي ليقدم "في شجاعة على إتمام التجديد الذي ينتظره"(47)، أما الصعيدي فقد حاول إثبات أن الإسلام "يتسع للتجديد"(49)، وذهب يبحث في شرعنته من القرآن والسنة(49)، ليخلص أخيراً للدعوة إلى الإيمان "بالمجدد المنتظر"(50)!.
وربما يؤكد ما نذهب إليه في هذه المقاربة الزمنية، أن الصعيدي نفسه كان قد أصدر كتابه (تاريخ الإصلاح في الأزهر) في أوائل الخمسينات، والذي يعتمد فيه على مصطلح "الإصلاح" بشكل كلي، ودعا فيه إلى "المصلح الثائر"(51)(51)، ولم يستعمل مصطلح "التجديد" إلاّ مـن بعيد، حتى إذا كتب (المجددون في الإسلام...) كان المصطلح الأساسي هو "التجديد"، والذي استخدمه كمرادف أو بديل "للإصلاح".
وربما كانت أجواء تلك الفترة سانحة لتقبل المصطلح خصوصاً بعدما ساءت سمعة "الإصلاحية"، بسبب تفريخها "للتغريبيين"، وهكذا لم تعد تتمتع بتلك الرمزية المعبرة عن روح النهضة والتغير الإسلامي. ومن ثمَّ فقد كان طلاق الإصلاحية غير قابل للعودة حيث بدت بمظهر الاستلاب للغرب، وبذلك أخذ شعار الإصلاح ينزوي إلى الظل.
في هذا الحين كان "التجديد" الحداثي قد اتجه هو الآخر إلى الغياب مع صعود المد القومي، وانقسام هذا الاتجاه إلى أيديولوجيات (مستوردة) متناقضة، ومتصارعة، بعدما أخذت الأنظمة القومية تجير مكتسباتها لبناء زعامتها المحلية(52)، فلم تعد تقبل من الفكر والأيديولوجيا إلا ما يدعم مركزها السياسي وتستبعد، أو تنفي من لا يخدم هذا التوجه، وبذلك دخلت الثقافة القومية أزمتها التي لا تزال في متاهتها،والتي كانت أهم تجلياتها ما يعرف بأزمة (المثقف والسلطة).
في تلك الأوقات التي كان فيها أوج صعود المد القومي حيث وقع غالبية الإسلاميين تحت وطأة إحساس عميق بالتحدي، والانهزام - حتى على مستوى الشارع الجماهيري- وبملاحظة الظروف السياسية في المنطقة العربية، والعالم الإسلامي، وتعقُّد المشكلة الفلسطينية، شعر المثقف المسلم أنه محاصر على المستوى السياسي، والثقافي معاً، الأمر الذي رفع حدة الصراع وهو الذي ولد عنف الحركات الإسلامية الإحيائية فيما بعد (في السبعينيات). لقد صارت حاجة الفكر الإسلامي للنشاط في استنفاره "الانفعالي" إلى "رمز" ، أو "شعار" بديل، أمراً ملحّاً، فكان ذلك ممهداً لتقبل شعار "التجديد"، الذي أمكن إيجاد مشروعية له(53) من خلال النص النبوي المعروف.

4- انتقاد "التجديد":
بالطبع تعرَّض "التجديد" -الذي انطلق في بداية هذا القرن- إلى انتقادات واسعة ربطته بالتجديد التركي الذي أنهى الخلافة العثمانية، حيث "رأى الإصلاحيون في رجالات الدولة الوطنية [أنصار هذا التجديد] مصطفى كمالات محتملين"(54) يحملون العداء اليعقوبي للإسلام(55)، وثم كانت أولى الانتقادات الموجهة هي "الاستلاب" للغرب، أو ما سماه رشيد رضا بـ "التجديد التقليدي"(56)(56) للغرب.
أما الانتقاد الثاني أو على الأصح (التهمة) فهو "الإلحاد" ، حيث هؤلاء الذين حاولوا "انتحال هذا اللقب الشريف (التجديد) في هذا العهد [هم] زعنفة من الملاحدة"(57).
وعلى أساس هذين الانتقادين الرئيسيين للتجديدية الحداثية، سرت عدوى التهمة إلى مؤسسي المدرسة الإصلاحية الأفغاني، وعبده، ليتهمهم مثلاً مصطفى صبري (رئيس المشيخة في السلطة العثمانية سابقاً) بالتآمر على الدين، ويشير إلى عبده على أن حقيقته هي العدو الماكر للدين! (58) ، ولينتقل هذا الانتقاد من جهة أخرى عبر التشاكل الاصطلاحي مع التجديد "الحداثي" . الأمر الذي أدى إلى الخلط بين الإثنين ليصبح النقد الموجه إلى الحداثيين موجه بحذافيره إلى التجديديين الإسلاميين، كما حصل مع الانتقاد الذي قام به محمد محمد حسين في (حصوننا مهددة من داخلها) 1970 ثم محمد سعيد رمضان البوطي في (حوار حول مشكلات حضارية)(59) وغيرهم كثيرون.
إذاً فقد استصحبت هذه الانتقادات نفسها فيما بعد على "التجديديين الإسلاميين"(60) أنفسهم، رغم تغير مضمون شعار "التجديد"، الذي بدأ برفعه الحداثيون، نظراً للقرابة التي تصلهم بالمدرسة الإصلاحية كما نوهنا إليه آنفاً، ليصبح تهماً لاصقة بالتجديد باستمرار!.
ب- التجديد مفهوماً :
إذن فقد كان التجديد وريث الإصلاح وامتداداً له، وكما أن مفهوم "الإصلاح"(61) لم يعن أكثر من التغيير الفكري بغرض النهوض، فإن "التجديد" أيضاً لم يكن منذ بدأ أكثر من ذلك(62). 
أما وسائل التغيير وموضاعاته وأدواته فذلك أمرٌ بقي رهيناً لتفسيرات الأزمة نفسها، وهكذا يوجد مع كل تفسير مفهوم خاص "للتجديد"، ومن هنا أصبح مفهوم "التجديد" غائماً، محدود الفاعلية في الخطاب الإسلامي خصوصاُ مع وجود تعبيرات بديلة أكثر وضوحاً.
وإذا كانت الأزمة التي سقط فيها الفكر الإسلامي تشفُّ عن "تحديات الغرب" المتمثلة في هيمنته الحضارية والسياسية والاجتماعية و... الخ، وتوقُّف فاعلية الإسلام في الحياة الراهنة، فإن التراث(63)(63) هنا يصبح أحد أهم العناصر التي تدخل في عملية "التجديد" ، والتغيير، لأنه يختزل التجليات المعرفية والثقافية للحضارة الإسلامية عموماً.
وفي تفسير آلية فعل هذه "التحديات"، بقي الفكر الإسلامي جزئي ومباشر حتى الستينات من هذا القرن، وتحديداً مع مالك بن نبي، حيث بدأت تنفذ التحليلات عميقاً إلى تحليل الوعي الإسلامي (والعربي)، حتى استطاعت في نهاية السبعينات أن تقدم تفسيراً عميقاً للأزمة التي أحد تجلياتها مراوحة الخطاب الإسلامي حول مشكلات ومفاهيم متكررة طوال عقود بدءاً من هذا القرن، وتفسيراً لأسباب تحلل المدرسة الإصلاحية على المستوى "الإبستمولوجي"(64). 
مع بروز "التجديد" كشعار جديد للتغيير في الفكر الإسلامي تنافس أصحاب الاتجاهات المختلفة فيه، انطلاقاً من الحالة السجالية الدائرة بين من يتبنى "التقليد"، أو مقولات "التراث" بحذافيرها، وبين من يدعو "للاجتهاد" المفتوح...، وهكذا لم تخرج فهوم التقليديين للتجديد عما رأيناه في التراث بين إحياء الدين بتطبيقه وقمع البدعة وإحياء السنة، على أساس أن فهم الدين اكتمل بشكل أو بآخر ليصبح الدين مساوياً للتراث! إلا أن دراسة هذا المفهوم عند الاتجاهات التي تتبناه، يكشف لنا أربعة مجموعات متمايزة في تفسيرها لمضمون "التجديد".

1- المجموعة الأولى: استنساخ الفهوم التراثية واجتهاد مستجدات العصر 
إن أصحاب هذه المجموعة يرون في التجديد مصطلحاً تراثياً صرفاً، بل هو مصطلح شرعي لثبوته بالنص النبوي الذي سبق ذكره(65).
ولا يشكل التجديد هنا مفهوماً أساسياً في الخطاب، تماماً كما كان السلف رحمهم الله. ولكن الذي دفعهم لتداوله بروزه مصطلحاً فرض نفسه. لتصبح تأكيداتهم لتفسيرات السلف صورة من صور الدفاع عن النفس من خلال سحب المشروعية من الأطروحات الإسلامية الحديثة.
وفي استمرار تقديس التراث لما فيه من شخوص، ومتابعة حمل عبء التقليد ما يحفُّز على هذا التوجه، في وقت يهلل العالم لتجديد. 
يدخل في هذا الاتجاه عموم التيار السلفي بصوره المختلفة (المذهبي واللامذهبي)، ويعتبر محمد سعيد رمضان البوطي من بين من يمكن تصنيفهم ضمن إطار هذه المجموعة(66) ، وكذلك محمود الطحان كنموذجٍ مثالياً لسلفي اللامذهبي في الإطار نفسه(67).
إن هذا التفسير يعبِّر عن بنية تفكير كاملة تتميز بانغلاقها على التراث. ولكن وتحت ضغط الحياة المتطورة يجد هؤلاء أنفسهم في مأزق الانفصال عن الحياة العملية مما يدفعهم للاعتراف بالاجتهاد المحدود بـ "مستجدات العصر"، واعتباره لوناً من التجديد ضمن المناخ التراثي. 
ولكن ربط الاجتهاد بمستجدات العصر يكشف عن لون من التبني الحذر للتغير ويعكس تصور لوجود الأزمة خارج وعي المسلمين وعقولهم بشكل أساسي، وهكذا فتغطية مستجدات العصر بحلول شرعية هو "التجديد"..
ب- المجموعة الثانية: مقاربة الاجتهاد المفتوح/ تفاعل العقل والنص:
ترى هذه المجموعة في "الاجتهاد" بمفهومه العام والمفتوح مطابقة لمعنى "التجديد" حيث "الاجتهاد تعقل واكتناه لحقائق هذا التشريع وأسراره"، أو"التفاعل بين عقل المسلمين وأحكام الدين الأزلية".
ويتصـدر قـائمة هذه المجموعة على أساس أن فهم الدين اكتمل بشكل أو بآخر ليصبح الدين مساوياً للتراث! إلا أن دراسة هذا المفهوم عند الاتجاهات التي تتبناه، يكشف لنا أربعة مجموعات متمايزة في تفسيرها لمضمون "التجديد".
محمـد إقبـال الذي يرى أن أساس الحركة في بناء الإسلام هو الاجتهاد، بتحرير الفكر الإسلامي الحديث "رغبة في إقامة الشريعة من جديد على ضوء الفكر والخبرة في العصر الحديث" ويرى أن على العالم الإسلامي "وهو مزود بتفكير عميق نفاذ وتجاريب جديدة ينبغي عليه أن يقدم في شجاعة على إتمام التجديد الذي ينتظره، على أن لهذا التجديد ناحية أعظم شأناً من مجرد الملاءمة مع أوضاع الحياة العصرية وأحوالها.. يجب أن نفتح أعيننا على ما ينطوي عليه الإسلام من معنى وعلى مصيره"(68) وكذلك عبد المتعـال الصعيـدي(69) وأمين الخولي(70) وهم من أوائل الذين تبنوا هذا المفهوم.
ومن المعاصرين القرضاوي الذي يرى التجديد جمعاً بين "القديم النافع والجديد الصالح"(71)، و"انفتاح على العالم دون الذوبان فيه"(72)، تبدو مقاربته للتجديد مع الاجتهاد كما يلي: "الاجتهاد تجديد في الجانب الفكري والعلمي، أما التجديد فيشمل الجانب الفكري والجانب الروحي والجانب العملي"(73)، إذاً هو على المستوى الفكري واحد، لكنه يزيد بمستوى "حركي" ، و"روحي"، بمعنى التفعيل للاجتهاد.
يمكن أن ننسب إلى هذه المجموعة أيضاً بعض المفكرين من أمثال عمر عبيد حسنة(74)، ومنير شفيق(75)، وكمال أبو المجد(76)، وآخرين غيرهم.
كما يمكن اعتبار فتحي الدريني من هذه المجموعة؛ فهو يرى أن التجديد هو في "الإبداع الفكري المتجدد (...) الذي يجلو الحقيقة الإسلامية للعقول"(77)، فهو بذل "للجهد العقلي في طلب الحق".
وكذلك حسن الترابي، الذي ينتقد "الذين يقصرون التجديد على إحياء روح التدين، ويرتابون في تجديد يتعرض لأشكال التدين وأحكامه المرنة"(78) على أساس أن التجديد دعوة "لا تعدو أن تكون اجتهاداً"(79) "جماعياً"(80) نظراً وعملاً "لبناء نموذج جديد يوحد العنصر الشرعي الخالد في الواقع الظرفي الجديد، فيضاهي النموذج الأول في مغزاه الديني"(81) وهكذا يكون للتجديد الديني "وجهين اثنين من داخل الشريعة اسمي أدناهما إحياء وأقصاهما تطويراً للدين"(82).
أما عمارة فيرى التجديد "سلفية عقلانية - مستنيرة"(83) ولأن الأزمة التي يغرق فيها المسلمون عامة شمولية فلا بد أن يكون التجديد استصحاباً للنصوص للتلاحم مع الواقع الجديد(84) وهكذا "بالعقلانية والاجتهاد"(85).
تكشف هذه الرؤية "للتجديد" عن عجز نسبي في تلمس حقيقة المشكلة (الأزمة) ولهذا فالاجتهاد هنا هيولي مجاله كل شيء، ومن الواضح أن هذه المجموعة تنزع إلى تصوير الأزمة في الواقع أكثر منها في العقل المسلم، من هنا يمكن فهم أطروحة الترابي -مثلاً- في (تجديد أصول الفقه) على أنها تعبير عن هذا النزوع القانوني.
على إنه هنا لابد من الإشارة إلى أن تعريف التجديد لا يصف بشكل صارم المشروع التجديدي بقدر ما هو تعريف إجرائي للمفهوم. وهو الأمر الذي يسمح لنا تصنيف هؤلاء جميعاً في فئة واحدة رغم التباين الكبير بينهم، ذلك لأننا نركز على تعريف المصطلح كما اشرنا قبل قليل. 
أن الدعوة للاجتهاد المفتوح قديمة أخذت ثورتها مع المدرسة الإصلاحية.. مما يعني في النتيجة أن المفهوم هنا لا تقدم جديداً حول موضوع التغير، اللهم إلاّ الربط بين التجديد كمصطلح والاجتهاد كمضمون لإضفاء الشرعية عليه. 
وهكذا فالبحث في خلفية هذا المفهوم هنا هو بحثٌ في ملابسات تاريخ الدعوة إلى الاجتهاد ليس إلا.

ج- المجموعة الثالثة: إسلامية المعرفة وإصلاح مناهج الفكر/ مقاربة "أزمة الحضارة":
واضح تماماً كيف كانت المجموعتان السابقتان تركزان على وسيلة "التغيير" أكثر من موضوعات التغيير حيث تنقلب المسألة هنا إلى العكس. يمثل هذه المجموعة رجالات (المعهد العالمي للفكر الإسلامي) 1981.
قام هذا المعهد على أساس تشخيص الأزمة على أنها أزمة "فشل المدرسة التقليدية التاريخية"(86) للفكر الإسلامي في تغير الواقع والتحكم به، وأن الأزمة إنما وجدت في ظل "المنهج التاريخي التقليدي"(87) له، كما تبدو تجليات الأزمة أيضاً في مظاهر الاستلاب للغرب، في فكر وثقافة "النخبة" ، وهو ما يتكشف عن "أزمة المنهجية العلمية"(88). وهكذا فالتجديد هو من أجل "الخروج عن الحلقة المفرغة من التقليد التاريخي، أو التقليد الدخيل الأجنبي"(89)، وبالتالي يتلخص التجديد في عبارة "إصلاح مناهج الفكر، وإسلامية المعرفة"(90) وهي العبارة التي صارت شعار المعهد لفترة طويلة.
1- أما إصلاح مناهج الفكر الإسلامي: فتهدف إلى (إعادة تشكيل العقل المسلم) (91) "من خلال ممارسة النقد والمراجعة للذات لتحديد موطن الخلل والإصابة وإدراك آليات التوليد فيها ثم التركيب الذي يحقق الأصالة الإسلامية والمعاصرة" معاً ويمكّن "الأمة من الشهود الحضاري"(92). وهنا تصبح إعادة قراءة "نص الوحي" مسألة أساسية والعودة منها بأثر رجعي إلى قراءة التراث مرة أخرى. وبالطبع إن ذلك لا يتم إلا بالبحث عن مناهج جديدة.
2- وأما إسلامية المعرفة: فهي منهج يهدف للاستفادة من المعرفة الإنسانية، على أساس أنها إرث فكري إنساني مشترك بربطها بالإيمان، وضبطها بكليات الإسلام، أو قل (فلترتها) بالقيم الإسلامية، على أساس التفريق "بين العلم من جهة، وبين منطلقاته، وهدفه، وقيمه، وحكمته من جهة أخرى"(93)، وربما -أيضاً- ينطوي منهج "إسلامية المعرفة" على إنتاج المعرفة منضبطة بالقيم الإسلامية.
بيد أن الفصل بين "إصلاح مناهج الفكر" الإسلامي، و"إسلامية المعرفة" ، يبدو غير دقيق، ذلك أن هناك جدل بين "المعرفة" ، و"مناهج الفكر"، فلا يمكن بلورة مناهج بحث معاصرة للفكر بمعزل عن النقد الموجه للمناهج التقليدية، بل يمكننا إضافة أدوات ووسائل البحث التي توصلت إليها الحضارة المعاصرة (الغربية)، خصوصاً فيما يتعلق بأدوات تحليل "النص اللغوي" فضلاً عن العلوم الاجتماعية التي تمكّن من فهم موضوعات النص.
وبالرغم مما يثيره مصطلح "إسلامية المعرفة" من إشكالات أهمها توهم القراءة "الأيديولوجية" للمعرفة(94) ، فإن مدلوله -وإن اختلف فيه الذين نادوا به(95) - يشكل في النهاية خطوة متقدمة لاقتحام منجزات العصر وتحدياته.
لقد أدت "الموازاة" بين (إصلاح مناهج الفكر) الإسلامي و(إسلامية المعرفة) إلى محاولة ضبط خطوات "المنهجية" قبل ولادتها! بفهوم كلية مستقاة من نص الوحي بدلاً من التقيد بالنص نفسه! (96).
وإذا كانت رؤية المعهد "للتجديد" تبدو تجزيئية فإنه قد تجاوز ذلك فيما بعد إذ تطور مفهوم "إسلامية المعرفة" ليصبح غير مفصول عن إصلاح مناهج الفكر(97).
فبغض النظر عن التفسيرات الممكنة "لإسلامية المعرفة" ، فإن المعهد العالمي كمؤسسة عندما تبنى هذا المنهج تبنّاه بصورة "الفكرة المنهجية المنضبطة"(98)، في بادئ الأمر، ثم رأى فيها أنها منهجية معرفية لا تقبل هذا الضبط، وإنما تسعى دائماً "إلى التجدد، والتبلور، واكتشاف الذات"(99)، وهكذا لم يغفل المعهد "عن خصائص هذه القضية المنهجية، والمعرفية التجديدية، التي قد لا تتبلور بشكل محدد قبل مضي عقود من السنين، فهي ليست مما يمكن أن يحدد في إعلان مبادئ، أو بيان، أو برنامج حزبي، بل هي معالم منهجية معرفية تسعى لتتجسد في معارف"(100)، وهكذا لا يمكن تعريفها بشكل محدد، ولكن يمكن تقريبها للأذهان(101). 
وبهذا يتسع مفهوم إسلامية المعرفة بشعاره "الجمع بين القراءتين" قراءة الوحي، وقراءة الكون، على أساس أن الوحي -كحقيقة مطلقة-معادلٌ موضوعيٌّ للكون(102)، واكتشاف العلاقة المنهجية بين الوحي والكون، التي تكتسي ضرورةً صفة التداخل والتكامل المنهجي(103).
وعلى هذا، فإن المعهد قد تجاوز الرؤية "التجزيئية"، التي سبق أن وقع فيها بالفصل بين إصلاح مناهج الفكر الإسلامي، وإسلامية المعرفة -كما سبق-، حيث يندمج هنا "إصلاح المناهج" في "إسلامية المعرفة" ليصبح شعار "إسلامية المعرفة" شاملاً لـ:
1- بناء النظام المعرفي الإسلامي(104). 
2- بناء المنهجية المعرفية القرآنية(105). 
3- بناء منهج التعامل مع القرآن الكريم "من خلال الزاوية المنهجية، باعتبارها مصدر مسلمات ما قبل المنهج"(106). 
4- بناء مناهج للتعامل مع السنة النبوية المطهرة، باعتبارها المصدر التفسيري البياني الملزم الوحيد للنص القرآني(108). 
5- قراءة التراث الإسلامي قراءة سليمة، تخرج عن الدوائر الثلاث التي غالباً ما تحكم أساليب تعاملنا مع تراثنا في الوقت الحاضر: دائرة الرفض المطلق، ودائرة القبول المطلق، ودائرة التلفيق والانتقاء العشوائي، كما لا يمكن أن تحقق القطيعة المعرفية مع ما يجب إحداث القطيعة معه من ذلك(108). 
6- بناء منهج للتعامل مع التراث الغربي.
وبهذا الشمول لإسلامية المعرفة، تصبح مطابقة "للتجديد" الفكري وانتقادنا على هذا التوسيع في شموله (لقراءة التراث) يكمن في أن قضية إسلامية المعرفة في الأساس قضية "منهجية معرفية"، أما قراءة التراث فهي ممارسة لهذه المنهجية.
هذا من جهة ومن جهة أخرى فإن "إسلامية المعرفة" لا ينبغي لها أن تتعدى حدود الجانب الميتافيزيقي للعلوم المادية، والتوظيف الغائي لها؛ لأنها إن جاوزت ذلك فستوقع الفكر الإسلامي في مأزق شبيه بمأزق المسيحية في القرون الوسطى. وتلك مغامرة لا تحمد عقباها.
والمهم أن هذه المنهجيات ستتكون نتيجة جدل مستمر "مفترض" بين المناهج المقترحة، ودلالات النص الإلهي، حيث المناهج ستبنى اعتماداً على تصورات أولية (فرضية) عن النص، سوف تؤثر بدورها على دلالات النص، وستتولد دلالات جديدة تعود بأثرها على بلورة المنهج نفسه وهكذا.
وفي هذا الإطار تدخل مجمل الدراسات التي تبناها المعهد، والتي نرى أن بعضها يجب أن يتم تجاوزه والتخلي عنه بعد أن صار مفوّتاً من الناحية النظرية وخصوصاً أوائل مطبوعات المعهد.
- المجموعة الرابعة: "خصائص الإنسان المعاصر"/بنية الفكر:
هنا يظهر التوجه نحو كشف الأزمة بأبعاد أكثر شمولية، وعلى مستوى "كوني"، حيث البحث في الأزمة انطلاقاً من الخصائص "الجديدة" للإنسان المعاصر. وهو الأمر الذي لم يفكَّر فيه من قبل- هذا الإنسان الذي جاء نتاج التجربة الإنسانية مع المعرفة والحياة، وخلاصة الحضارات في التاريخ، فإذا كانت الحضارة الإسلامية قد استفادت مما حولها من الحضارات السابقة، فإن الحضارة الأوربية استفادت من الحضارة الإسلامية وتجاوزتها. وهكذا تأتي خصائص الإنسان المعاصر في ثوب خصائص الإنسان الأوربي ليس إلا(109)، هذا الإنسان الذي دخلت مفاهيمه ديار العالمين بقوة أضحت شئنا أم أبينا مفاهيم العالم(110). 
تتجسد المشكلة في خصائص الإنسان المسلم المفارقة لخصائص الإنسان المعاصر (العالمي)...، فالتجديد -من هنا- هو التوجه نحو العالمية نفسها، حيث سيكون الاختبار الحقيقي للفكر الإسلامي على محك التجربة البشرية الواسعة في إطار تصور كوني جديد، ليصبح تفاعلنا مع كل خبرات العالم الفلسفية "ضرورة لطرح ما لدينا على بساط العالمية الشاملة"(111).
ربما كان السابق إلى هذه الرؤية في الفكر الإسلامي والعربي هو محمد أبو القاسم حاج حمد(112)(112) ، 1979 في كتابه (العالمية الإسلامية الثانية: جدلية الغيب والإنسان والطبيعة).
وهكذا فالتجديد هنا لا يسعى إلى "فهم المقولات الدينية عبر تواصلنا التاريخي الخاص كحضارة إسلامية ولكن عبر العالمية الأوربية التي تستوعب معالم تطوّرنا الحديث"(113) بمعنى استيعاب شروط الوعي التاريخي للإنسان المعاصر في عالميّتَة ضمن محاولة بناء جديد لمنظومة الفكر الإسلامي. وليس ذلك قياسٌ على العقل الأوربي بقدر ما هو استفادة من إنجازاته.
وبالتالي يصبح الاجتهاد هنا بمفهومه العام، والخاص، عنوان شامل لوسائل التغيير المختلفة، التي تشتغل بدءاً من النص القرآني وصولاً إلى التراث الإنساني بما في ذلك من مرر بالتراث الخاص، وإذن لا يمكننا هنا ضبط هذا التجديد بسوى النص نفسه انطلاقاً من "محددات معرفية ومنهجية متطورة ثم اكتشافها علمياً في سياق التطور الفكري الغربي"(114).
وهكذا في هذه الرؤية يتم قراءة كل تجربة الحركة الإسلامية بمفهومها الشامل وبطروحاتها المختلفة، لتستخلص هذه النتيجة التي تضيفها إلى مفهوم التجديد. فانطلاقاً من هذا الأساس يمكن تقييم التجارب "التجديدية" كما يلي:
يفسر الفشل الذي أصاب حركات التجديد في تحقيق هدفها "بحكم تقييدها إلى مراحل الفكر السابقة، وبحكم تركيبها الانتقائي والتوفيقي"(115). فإشكالية "الحركات الدينية أنها مازالت تعالج بمنطق التدوين إشكاليات معاصرة لا يمكن معالجتها إلا باستلهام نظم معرفية معاصرة"(116)، حيث "كانت تراوح في جو من الأزمات الخانقة للتدهور ما بين تمثلها لمثالية الإسلام، وانطلاق العالمية الأوربية بإنجازاتها الوضعية، فحاولت أن تتحول بالجسد الآخذ في الموت لتعيد شحنه بمثاليات الإسلام، ضمن تعلقها بالمراحل السابقة، مع إضفاء مسحة تجديدية وضعية على هذه المثاليات تجعلها ملائمة لخصائص التحولات الاجتماعية والفكرية الجديدة، أي محاولة لتقريب الشقة بين واقع القوى الاجتماعية الحديثة، والمثل الإسلامية في حدود الاجتهاد الممكن (...) أي تحديث الإسلام دون مساس بأطره السلفية كثيراً ليتناسب ورياح التغيير(117)، غير أن كل تطور أحدث في هذا المجال لم يلبث أن تحول إلى طاقة دفع للعالمية الوضعية، فقاسم أمين تبنى حرية المرأة في إطار أفكار محمد عبده، غير أن الثغرة التي فتحها سرعان ما اتسعت لتمضي بحرية المرأة ضمن المنهج الغربي الوضعي... بذلك لم تستطع حركات التجديد أن تسيطر على نتائج اجتهاداتها، وما ذلك إلا لأنها لم تكن قطباً مستقلاً بين سلفية المجتمع التقليدية، وقوى الوضعية الحديثة، وكان كل اجتهاد منها يتحول تاريخياً في النهاية لمصلحة القوى الوضعية، هكذا بدأ جمال الدين الأفغاني، ومحمد عبده وعبد الرحمن الكواكبي ورشيد رضا وغيرهم..
وكذلك لم تستطع حركات التجديد تلك أن تقدم ضمن تحليلنا لانتقائيتها، وتوفيقيتها، رداً كلياً على التدهور، بل ظلت تتناول الجوانب كلاً على حدة بطريقة مجزأة تشابه مواضع النزول الأولى دون اتخاذ منهج للرد الكلي، وبالطبع لم يكن ذلك ممكناً وقتها"(118). 
إذن فالمسألة تتعلق بـ "نتاج لأزمة فكرية تاريخية" حقيقية، وبالتالي الجهود المهمة التي تشكل "جهوداً تأسيسية" للتجديد هي تلك التي تبدأ "بتفكيك الاستخدام الشائع للنص وإعادة تركيبه ضمن دلالات محددة؛ أي النص التراثي وليس القرآني"(119)، فهي "تعيد قراءة الماضي بمنطق الحفر المعرفي"(120). إنها الجهود التي تعيد قراءة التراث قراءة نقدية، وتحليلية، لضبط إنتاج ما كان في تراثنا وتحديد الدلالات الفاعلة فيه(121). يضاف إلى ذلك "الجهد التصويبي"(122) في نقد التفسيرات الموروثة في أمهات كتبنا التاريخية. 
إن هذه "الجهود التأسيسية" سوف تهيئ المناخ "للانطلاق من فهم تاريخي ومفهومي مغاير لذات النص المطلق"(123)، فالتراث سيخضع هنا لمنطق حساب آخر.
وبالنتيجة فإن المسألة كلها تنحصر في إعمال مناهج رؤية مختلفة عن تلك التي أنتج بها التراث وضمن خصائص تكوينية مختلفة عن خصائصهم. فلسنا هنا نتمتع بعبقرية وذكاء أكبر، ولكن هم "قد أنتجوا ضمن خصائصهم كما ننتج نحن ضمن خصائصنا"(124).
وبذلك يبدو فكر "المقاربات"(125) على أنه وليد تلفيقية جاءت تحت ضغط الحداثة والتحديث الغربي(126). فالليبرالي الإسلامي موزع بين بنيتين فكريتين المحلية والعالمية، يقوم غالباً تزوير الحقيقة الدينية تحت تأثير القيم التي رضي بها العالم الحديث، وهو ما سيؤدي في النهاية إلى تفريغ واعي للنص الديني لصالح رغبات العالم المعاصر!
ويمكن القول أذاً:
أنه حين يعاد قراءة النص القرآني، وإنتاج مفاهيمه ضمن الأسلوب الجديد الذي حمله تاريخنا المعاصر، والذي يختلف -كما سبق- جذرياً عن الأسلوب التاريخي السابق، فعندئذ نكون قد بدأنا التجديد بشكل حقيقي.
فالتجديد -هنا- رؤية أكثر شمولاً وعمقاً فهو يستوعب تماماً مشروع "إسلامية المعرفة وإصلاح مناهج الفكر الإسلامي" وإن كانت رؤية الأخير تجزيئية والأول كلية. وانطلاقاً من هذه القرابة كان من الطبيعي أن يهتم "المعهد العالمي للفكر الإسلامي" به. وهو اهتمام يبدو "فوق العادة" -بكل ما تحمل هذه الكلمة من ظلال- لكون المشروع التجديدي هذا "قاعدة أساسية نحتاج إليها في بناء إسلامية المعرفة" حسب تعبير العلواني(127) الذي يرى أنه "يشكل إضافة إلى مدرسة إسلامية المعرفة"(128) وتأتي الأهمية القصوى في اكتشافه لعمق الأزمة الحضارية وبنائه "منهجية معرفية قرآنية"(129) تقوم على جمع وتوحيد القراءتين.
وبعد ذلك ليس غريباً أن نجد رؤية العلواني قد بدت متقاربة جداً من أبي القاسم إن لم تبد مطابقة، خصوصاً في كتابه (أبعاد غائبة عن فكر وممارسات الحركات الإسلامية المعاصرة) (130) إلى درجة استخدام المصطلحات نفسها.
ويبدو لنا أن التحدث عن "إنسان معاصر" أمر مبالغ فيه، بل نتشكك في صلاحية هذا التعبير وواقعيته. ولكننا ومن جهة أخرى سوف نقبله بتحفظ شديد على اعتباره مصطلح يحمل شحنة تشير إلى منجزات العقل البشري في أنساق المعرفة المختلفة.
ويمكن اعتبار باحث جمال الدين العلوي(131) وآخرون غيره من هذه المجموعة.

الخلاصة:
1- ركزت السلفية الإحيائية على الرصيد الرمزي فتعاملت بحالة نفسية متشنجة، مما جعل خطابها مشبعاً بالاتهام، وذهينتها مصابة بالتفكير التآمري تجاه كل من يتبنى مبدأ التجديد في غير مفهومه التراثي، يتساوى في ذلك الإسلامي وغير الإسلامي، وتعاملت مع المستجدات والعصر بهدي التراث ومظلة التاريخ.
وجاءت مقاربة التجديد بـالاجتهاد الفقهي، لتصنيف إلى السلفية الإحيائية بعداً جديداً هو الاجتهاد لكنه جائر عنواناً محدود المجال بما يشبه الإطار الفقهي فهو لمواجهة "مستجدات العصر" انطلاقاً من النص نفسه مباشرة مستفيداً من فهوم التراث وربما يكتفي بنصوص التراث!. وهكذا يظهر الاتجاه هنا مستبطناً الإحيائية، ولكن بصيغة أكثر تطوراً مما كانت عليه في السابق.
2- أما اتجاه (الاجتهاد المفتوح) في مقاربة التجديد فقد فرق بين الثوابت والمتغيرات وفتح الاجتهاد بمفهومه العام المؤطّر بمقاصد التشريع نقداً للتراث واستنباطاً من النص وهنا تظهر الشمولية لكنها تنعكس على التجديد بالضبابية في الوقت نفسه.
3- أما اتجاه (إسلامية المعرفة وإصلاح مناهج الفكر) فهو يستفيد مما سبق ويحدد مبدأ التغيير ابتداءاً من أدواته المنهجية فينظر إلى الأزمة التي وقعت فيها الأمة على أنها قامت في ظل المنهج التقليدي التاريخي وبسبب حالة الاستلاب للغرب المتفوق، هذا الاستلاب الذي تولد عن الإحجام في التعامل مع الإرث الإنساني المعرفي نقلاً وإنتاجاً برؤية القيم الإسلامية.
يشكل الاتجاه السابق رؤية محلية للمشكلة، ولذلك جاءت بصورة تجزيئية تفصل بين (إصلاح مناهج الفكر)، و(إسلامية المعرفة). 
4- تتصل هذه الرؤية السابقة للأزمة بالرؤية المطروحة هنا، والتي تنطلق من خصائص الإنسان نفسه (المعاصر) ولكن من منظور عالمي يكتشف في المحصلة الفارق بين المنظومة المحلية الحالية والمنظومة العالمية التي فرضها الإنسان الأوربي، باعتبار أن حضارته هي خلاصة الحضارات، ونتاج التجارب الإنسانية، ومن ثم يتحدد مفهوم "التجديد" بناء على رؤية شمولية تلتقي بالنهاية مع "إصلاح مناهج الفكر" على أنها لازم ضروري لـ "إسلامية المعرفة" وتتكشف عن تصور لمنهجية التعامل مع النص الإلهي على أساس أنه المعادل الموضوعي للكون.
ونحن هنا نتبنى هذه الرؤية حول خصائص الإنسان المعاصر، إنسان العالمية الذي جمع خلاصة التجارب الإنسانية، وخصوصاً الإسلامية، حيث انفتح العقل على مصراعيه، ليلج باحثاً في كل شيء.
وهكذا نخلص إلى تحديد "للتجديد" كمفهوم نتبناه بصورة أكثر دقة نقول:
- أولاً: بما أن "التجديد" ينطلق من بنية فكرية جديدة، فهو يتطلب "لزوماً" إضافة معرفية بالنسبة للمنظومة القديمة، تظهر إما بشكل "نقدي"، أو "تركيبي" لمناهج بحث وفهوم النص الإلهي والإرث المعرفي الإنساني.
- وثانياً: "التجديد" الذي يعبر عن انتقال نهضوي تاريخي إسلامي، يعبر في الوقت ذاته عن (حالة) لم يكن ليشهدها الماضي العربي، ولا يمكن أن يعرفها الغرب الحديث في بناء المنظومة الفكرية الإسلامية، هي شروط تفجر لها امكاناتها وقدراتها في السيطرة على العصر، فهي أشبه بـ "الحداثة" من حيث أنها (حالة) تحول تاريخي إلا أن لكل منهما شروطه التاريخية الخاصة، ومن ثم فالمقابلة التي يجريها البعض بين "التجديد" الإسلامي، والتحديث (الحداثة) تبدو مقابلة غير ممكنة.

-----------------------
(1) - العظيم آبادي، أبي الطيب محمد شمس الحق، (ت 1329هـ)، عون المعبود شرح سنن أبي داود، بيروت، دار الكتب العلمية ،ط2، 1995، ج6، ص263.
(2) - ابن حجر شهاب الدين العسقلاني، (ت 852هـ)، توالي التأسيس لمعالي محمد ابن إدريس، تحقيق عبد الله القاضي، بيروت، دار الكتب العلمية، ط1، 1986، ص48.
(3) - م .ن
تاريخ النشر : 03-06-2006

6303 : عدد القراءات


يلفت موقع الملتقى الألكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.


 

 

 

 

 

الصفحة الرئيسية   l   دراسات قرأنية   l   دراسات حديثة   l   الفقه و الأصول   l   العقيدة و الكلام   l   فلسفة التجديد

قضايا التجـديـد   l   إتجاهات الإصلاح   l   التعليم و المناهج   l   التراث السياسي   l   الدين و الدولة   l   الحقوق و الحريات

مفاهيم و مصطلحات   l   الإسلام السياسي    l    الظاهرة الدينية   l   فلسفة الدين   l   فلسفة الأخلاق   l    قضايا فلسفية

المـــرأة و النسوية   l   الإسلام و الغرب    l   عروض و مراجعات   l   إصدارات   l    حوارات و شخصيات   l    مـؤتـمـرات و متابعات

جديد الملتقى   l   سجل الزوار   l    رأيك يهمنا   l   اتصل بنا

   ©2024 Almultaka  جميع الحقوق محفوظة 

Designed by ZoomSite.com