آخر تحديث للموقع

 2022-08-20

 
Facebook Twitter Rss

الاجتماع والفلسفة  .  المرأة و النسوية

الظاهرة الدينية    |    فلسفة الدين    |    فلسفة الأخلاق    |    قضايا فلسفية    |    الإسلام و الغرب

  •     

حــقــوق الــمـرأة: نظرة في إشكالية بعض الأحاديث

المرتضى بن زيد المَحَطْوَري


قد يكون في هتاف المنادين بحقوق المرأة حق مؤكد، لكنه حق يراد به باطل، تفاقم الاستهجان لوضع المرأة في الإسلام حتى وصل إلى الثوابت، وليس المستغرب أن تكون تلك لغة المستعمر القوي، ولا ينتظر منه أن يدافع عن قدسية الإسلام واحترام مبادئه، كما لا يطلب من الذئب أن يحك جلد الشاة حبا ورحمة.إنما المستغرب أن تكون تلك لغةَ الضعيف المُسْتَعْمَرِ رهبة أو رغبة، جهلا أو تزلفا.
إن المرأة مهما أسيء إليها في عصور الملك العضوض، ثم عصر الانحطاط- إلا أن لمسلمين لم يتقربوا إلى الله بالنفور منها، وتحريم وصلها، ولم يُحَرَّمِ الزواج على علماء الدين وخطباء المساجد والوعاظ كما حصل في النظام الكنسي سابقا، وترمل الرهبان والراهبات حتى الآن، رغم أنه ضد الفطرة.
لسنا بصدد المقارنة بين وضع المرأة في الجاهلية والإسلام، وعند الفرس والرومان، وفي القرون الوسطى، بل حتى الآن- وقد وصلت المرأة إلى ما وصلت إليه- إلا أنها ما زالت ضحية مظلومة في جوانب شتى.
إني أقدر رصانة الفكرة، ورجاحة الحجة، في استهجان التخلي عن قدسية النصوص القرآنية، وصحيح السنة؛ طلبًا لرضى السيد الغربي؛ أو انبهارًا بحضارته، أو خوفا من غضبه، فصار سواد عريض من المسلمين في هذا العصر يمضغون الأفكار الواردة كما يمضغون الجبنة والشكولاته بدون وعي ولا تفكير، أو بوقاحة واستهتار.
لكن هذا لا يعني أنَّا لا نقبل ولا نتأثر بأي فكر، ولا نتعامل مع أي جديد، بل ((الحكمة ضالة المؤمن أينما وجدها فهو أحق بها))، و"أينما وجدت المصلحة فثم شرع الله"، مع الجزم والتأكيد على وجوب الفصل بين ما هو قانون إلهي لا نملك التصرف فيه، وما هو قانون، أو اجتهاد بشري، أو عرف، أو سلوك لأمة من الأمم.
إن الذي يراد للمسلمين اليوم أن يتخلوا عن جهاد المحتلين، ومقارعة الغاصبين، وأن يمسحوا آيات القرآن حول الجهاد، وأن يصمتوا عن تلاوتها، وإلا وسموا بالإرهاب.
وقد مُنِعَتْ بالفعل جمعياتٌ ومؤسسات خيرية من مساعدة الفقراء؛ بتهمة دعم الإرهاب، والزكاة التي هي ركن من أركان الإسلام وأخت الصلاة أصبحت منبعًا لتمويل الإرهاب.
ولكي يرضى الغرب المستكبر فلا بد من هدم هذا الركن؛ لأنه يذهب إلى المنظمات الإرهابية في فلسطين, وتتسبب في تنغيص حياة المحتلين.
إن المرأة التي تُوسَمُ بالتخلف -إن هي تحجبت- يراد لها أن تخلع ملابسها؛ لتثبت عصريتها. حقا لقد أمعنوا في استحمارنا، وأمعنا في الاستحمار لهم، وإتقان طبائع الحمير؛ لنظهر تحضرنا.
لكن ماذا عن نقد ذواتنا معشر المسلمين؟! أليس لدينا روايات كثيرة حول المرأة باسم النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم تثير علامات استفهام، وتسبب لنا حرجا شديدا، وسأذكر منها: 
1- ((اطلعت على النار فإذا أكثر أهلها الأغنياء،والنساء)) [رواه أحمد برقم 6622], وفي رواية البخاري[رقم29] ومسلم[رقم884]: ((أُرِيتُ النارَ فإذا أكثر أهلها النساء يَكْفُرْنَ)) قيل: أيكفرن بالله؟ قال: ((يكفرن العشير، ويكفرن الإحسان، لو أحسنت إلى أحداهن الدهر، ثم رأت منك شيئًا، قالت: ما رأيت منك خيرا قط)).
2- ((ما رأيت من ناقصات عقل ودين أذهب للب الرجل الحازم من إحداكن)) قلن: وما نقصان ديننا وعقلنا يا رسول الله؟ قال: ((أليس شهادة المرأة مثل نصف شهادة الرجل)) قلن:بلى، قال: ((فذلك من نقصان عقلها، أليس إذا حاضت لم تصل ولم تصم))؟ قلن: بلى، قال: ((فذلك من نقصان دينها)).[البخاري رقم 298، ومسلم رقم 79].
3- ((لا يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة))[البخاري رقم 4163].
4- ((استوصوا بالنساء فإن المرأة خلقت من ضلع، وإن إعوج شيء في الضلع أعلاه، فإذا ذهبت تقيمه كسرته، وإن تركته لم يزل أعوج، فاستوصوا بالنساء))[البخاري رقم 3153].
5- ((يقطع صلاة الرجل إذا لم يكن بين يديه قيد آخرة الرَّحْلِ: الحمارُ، والكلبُ الأوسودُ، والمرأةُ ....))[أبو داود رقم702] .
6- ومما ورد في حث الزوجة على طاعة زوجها- أن الرجل لو دعاها لحاجته فلتجبه وإن كانت على التنور.[البيهقي 7/292].
7- ((لو أمرت أحدًا أن يسجد لأحد لأمرت الزوجة أن تسجد لزوجها))[ابن ماجة رقم 1852].
8- ((إن من حق الزوج على زوجته، أن لو سالت منخراه دمًا وقيحًا وصديدًا فلحسته بلسانها ما أدت حقه ...))[المستدرك 1/189].
فالمشكلة ليست فقط في هذه الروايات التي سأعلق عليها، لكن المشكلة الأعمق أنها وردت في كتب ضرب حولها سياج من القداسة تقارب قداسة القرآن؛ علمًا أن المتفق عليه أنه مقدس بعد القرآن هو ما صح عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم عند من صح عنده من علماء الأمة، لكن الحاصل أن المبالغة في تعظيم كتابي البخاري ومسلم، ولا سيما في العصور المتأخرة بلغت إلى حد الترهيب؛ فلم يعد يتجاسر أحد على نقدهما في الروايات التي فيها مقال: سندا أو متنا، وإلا تعرض للتهمة والأذية، وربما حكم عليه بالكفر،كما لحق شيء من ذلك العالم الجليل، والمدافع الجسور عن الإسلام وأهله الشيخ محمد الغزالي رحمه الله، وهو من قلب المدرسة السنية.
فكيف سيكون حال الناقد لو كان زيديًا أو معتزليًا أو نحوهما من الفرق المغضوب عليها سُنيًّا؟!
إن الشيخ الغزالي رغم شجاعته وبراعته وبيانه الساحر كان يدرك خطورة المساس بالقواعد والمسلمات التي دب ودرج عليها جمهور عريض يقلد اللاحق ما قاله السابق.
والقواعد التي ترسخت حتى صارت شبيهة بأركان الإسلام هي:
التعديل المطلق لصحابة رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فلا يسأل عنهم، وما رووه يقبل بدون تردد.
والصحابة الكرام الذين ظفروا بدرجة الملائكة في التعديل المطلق ليس المهاجرون والأنصار الذين خاضوا مع رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم معارك الشرف والدفاع عن الحق والعدل، وبذلوا في سبيل الله نفوسهم ونفائسهم في بدر وأحد والخندق وغيرها من غزوات وسرايا رسول الله قبل الحديبية، بل شمل الطلقاء الذين قاتلوا الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم وصحابته بشراسة شديدة، حتى قهرهم الجيش العرمرم بقيادة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يوم فتح مكة، بل شمل مَنْ رأى رسول الله ولو للحظة، ودخل في الصحابة رضوان الله عليهم خليط من دعاة النار وطلاب الدنيا.
قَابَلَ هذا الإفراطَ تفريطٌ آخر كفَّر الصحابة أو فسقهم، إلا عددا كأصابع الكف تحت لافتة موالاة علي وأهل بيته.
تولد بين الإفراط والتفريط سحاب كثيف قاتم من النفور والكراهية ألقت بِظِلالها على رواة الحديث؛ إذ استبعد المحدثون بزعامة البخاري رواة الحديث من الموالين لعلي، وبالغ البخاري في ذلك حتى تجنب رواية إمام كبير من أحفاد علي هو جعفر الصادق.
ورد أولئك بإلغاء الروايات من طريق هؤلاء المحدثين؛ لأنهم في نظرهم نواصب أي يكرهون آل البيت.
وصار مصطلح سنة وشيعة من أخطر انقسامات المسلمين وأفدحها وأشدها حساسية؛ والدليل على ذلك أن أي نقد يوجه إلى صحابي من فئة الطلقاء أو أصحاب الرؤية فقط يثير عصبيةً جماعية؛ لأن فهم النقد لم يعد موضوعيا، وإنما يفهم، أو هكذا يراد له أن يفهم بأنه هجوم من جانب الشيعة الروافض على مقدسات السنة والجماعة؛ فضاعت حقائق كثيرة في خضم هذا التعصب والتوتر.
ولأني أومن بأن الحق في الوسطية، ولست مع المُفْرِطِينَ ولا المفرِّطين أرى أننا معشر المسلمين نتحمل مسئولية تاريخية في تقديم ديننا بصورة مشوهة ماثلة في: سلوكنا، في مروياتنا، في جمودنا أو تجمدنا. 
فلوعدنا إلى تلك الروايات حول المرأة لنستعرضها على القرآن الكريم والعقل والتطبيق النبوي -لرفض هذا الاستعراض الجامدون المقدسون لروايات مبنية على أساس هش.
لكني سأقارن وأستعرض وأترك للقارئ حريته في الفهم: مسلما كان أم غير مسلم، هذا لا يهمني فإن الحق مشترك إنساني، والمرأة لا يجوز أن تُظْلَمَ أو تَظْلِمْ: مسلمة أو غير مسملة، كما لا يجوز ذلك في حق الرجل؛ حتى لا يجوز عندي أن تقطع يد جرادة لمجرد منعها عن القفز والطيران.
لهذا فأنا سأتقبل الحديث الذي يتقبله القرآن ولا يعارضه، وينسجم مع العقل والوجدان، وترتاح له النفس، سأتقبل الحديث الذي كان النبي يمارسه سلوكا، فتعالوا بنا إلى تلك الروايات.
الرواية الأولى التي تقول: إن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم اطلع أو أُري النارَ، ووجد أكثر نزلائها النساء؛ لأنهن يكفرن نعمة أزوجهن.
وأتساءل مع القراء الكرام:
1- كيف اطلع الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم على النار وهي مكتظة بالنساء مع أن دخول النار للرجال والنساء، أعاذنا الله منها، إنما هو يوم القيامة بعد الحساب!!.
والحاصل للناس بعد الممات إنما هو عذاب القبر على خلاف حوله.
2- لماذا كانت النساء أكثر نزلاء جهنم بسبب كفران العشير؟! مع أن نسبة منهن عازبات، ونسبة عانسات، ونسبة مطلقات مكفورات لا كافرات، ونسبة صالحات غير كافرات بالعشير، ثم إن نسبة الكافرات بالعشير اللائي يشكلن أغلبية سكان جهنم حسب منطق الرواية لا يكفين لتشكيل هذه الأغلبية. فنهاك طوائف لا تحصى من أهل النار لم يدخلوها بكفران العشير، فكيف نصدق حصر الأغلبية النسائية الجهنمية من الكافرات بالأزواج؟! 
3- نعلم يقينا أن الزوجات في ا لغالب خاضعات ذليلات، يتصرف بهن الأزواج كيفما يشاءون، بل إن كثيرًا من النساء تنثر لزوجها بطنها ذرية، ويذبل عنده شبابها ونضارتها، ويبلى جمالها، فينقلب عليها ويُطَلِّقُهَا ويتركها، لا ضرعًا فيحلب، ولا ظهرًا فيركب، بائسة، يائسة،باكية، ولا تحصل في شرع الفقهاء إلا على نفقة ثلاثة أشهر، ونادرًا ما تحصل امرأة على نفقة، بل تشرب دموعها، وتجتر حسرتها ومرارتها، وتَنَكُّرَ زوجِها للذكريات الجميلة، والعشرة الطويلة.
بل إن كثيرًا من الشابات تتزوج،ولما تنزع بكارتها تطلق، فتبقى في ديار العرب والمسلمين غير مرغوب فيها، وبعضهن يُطَلَّقْنَ وهن حوامل بأول جنين،وبعد والولادة ينزع منها، ويحرم من رضاعها، وحنانها، وتحرم من أمومته، في حالة شبيهة بوأد النساء في عصر الجاهلية، ولا يجدن من يُنصفهن أو يرثى لحالهن، أو يرمش له جفن حدبا عليهن، بل يعشن مجتمعا في غاية الوحشية والقسوة في غالب أحواله.
ومن لجأت منهن إلى المحكمة-وهن النادر- فستحتاج إلى عشرين سنة، وربما أربعين حتى يحكم لها أو عليها من القضاء الإسلامي الفاسد الممل، فمن يا ترى كافر بالآخر؟! هل الزوج الظالم المستبد المستغل لحقه في الطلاق أسوأ استغلال؟! أو الزوجة الطيبة المحبة المسكينة التي نادرًا ما تتمرد على زوجها؟! بل لا نعرف عن الأكثر سوى الطاعة، والطبخ، والكنس، والغسل، والخدمة للزوج، والحمل، والوضع.
روغم هذا كله فلماذا لو كان الحديث صحيحًا لم يجعل النار كالميراث للذكر مثل حظ الأنثيين، لكن لا يعدم الجامدون جوابًا بالقول للأنثى مثل حظ الذكرين، أو إن الكافرات أربع مقابل واحد على قاعدة الزواج،فينبغي حسب القسمة العادلة أن يكون واحد في جهنم من الرجال مقابل أربع من النساء.
4-الرواية مخالفة للقرآن الكريم الذي نص على الحقوق المتبادلة: ((ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف)).
5- الرواية مخالفة لقوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ((أوصيكم بالنساء خيرا)).
ومخالفة لمعاملته الرقيقة للنساء حتى رق لهن من سرعة الإبل حين حركهن صوت حاديه الجميل أنْجَشَةَ، فناداه: ((رفقا بالقوارير يا أنجشه)).
ثم إن نساء النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لمَّا خُيرنَ بين الآخرة وزينة الدنيا اخترن الله ورسوله، وآثرن الآخرة وفاء لزوجهن الكريم رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم وتصديقًا بالله سبحانه.
وكانت أم المؤمنين الأولى خديجة سيدة نساء العالم في الوفاء لزوجها رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فكانت أول المؤمنات به، وبذلت له مالها، وآثرت التقشف والعناء؛ عوضًا عن الرفاهية والراحة والحالة التي كانت عليها يوم كانت سيدة أعمال كبيرة قبل ارتباطها برسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
فهل يعقل أن يقول الرسول تلك المقولة القاسية التي لا تصدر إلا عن شخص معقد من النساء، مخدوع منهن معذب بغدرهن؛وذلك بحمد الله لم يحصل.
أما الرواية الثانية: فإني أراها بعيدة تمامًا عن الهدي النبوي ومنطقه؛ لعدة أسباب:
الأول: لأنها تخالف قوله تعالى: ((يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا))، والقول الذي حملته الرواية غير سديد؛ لأنه تعيير بشيء لا علاقة للنساء به، وإنما هو حكم الله. والتشريع لا يتسند على أشياء غير منضبطة، فهو لم يجعل شهادة امرأتين بشهادة رجل؛ لأن عقل المرأة مثل نصف عقل الرجل بل لمجرد الاحتياط خوفًا من النسيان؛ لما يعتري المرأة من ظروف الحمل، ومتاعب التربية، وما شابه ذلك.
والقرآن الكريم لم يقل رجل وامرأتان لنقصان عقل المرأة، بل خوفًا أن تضل أي تنسى فتذكر إحداهما الأخرى، ولم يقل تُكَمِّلُ إحداهما بنصف علقها نصفَ عقل المرأة الأخرى.
فالصبي المميز لا تصح شهادته إذا اقترن به صبي آخر؛ لأنه غير ناضج عقليًا في حكم الشرع، فلا عبرة بنصف عقله أو ثلثيه.
أما نقصان الدين فليست النساء ناقصات إطلاقًا؛ لأن المُحَافِظَاتِ على الصلاة لم يخترن لأنفسهن ترك الصلاة أيام الحيض بل مُنِعْنَ من جهة الشرع؛ فامتثلن لأمر الله، فهن بانقيادهن لأمر الله في حكم المصليات، ولهن أجر الفروض المتروكة بسبب الحيض كاملا غير منقوص؛ لأن التقصير ليس منهن، ولا يقضي العدل الإلهي بغير هذا، وحاشا رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم أن يظلمهن.
الرواية أيضًا مخالفة للقرآن من حيث إنها إيذاء للنساء بفعل هو من الله لا منهن، وقد نهى الله عن ذلك بقوله: ((والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا بهتانًا وإثمًا مبينا)) مع العلم أن الرواية لم تأت بحكم شرعي وإنما مجرد غِيبة محرمة نهى الله ورسوله عنها.
الرواية تخالف واقع النساء، ولا سيما المؤمنات بالنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وعلى رأسهن أعقل أهل الأرض بعد الأنبياء خديجة رضوان الله عليها، أول المؤمنين بالله بعد رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم،و ابنتها فاطمة سيدة نساء العالمين، وأم سلمة المؤمنة المهاجرة المجاهدة الصابرة، وأم حبيبة بنت رأس الكفر أبي سفيان آمنت بالله متحدية أباها وإخوتها، وهم أشد الناس عداوة للإسلام، وهاجرت إلى الحبشة، وتنصر هناك زوجها، وثبتت على دينها، فتزوجها رسول الله مكافأة لها على دينها وعقلها وقوة شخصيتها؛ إنها تشبه امرأة فرعون ((إذ قالت رب ابن لي عندك بيتا في الجنة ونجني من فرعون وعمله ونجني من القوم الظالمين)). وأم ياسر التي ماتت شهيدة بسبب إصرارها على دينها وثباتها على مبادئها بطعنة غادرة لئيمة حقيرة من رجل يمثله أبو جهل، ولفظت أنفاسها معلقة من رِجْلَيْهَا، وكانت أول شهداء الإسلام على الإطلاق، وقُتل بجانبها شهيدا زوجها ياسر والد الصحابي الكبير عمار بن ياسر.
فأي عقل وأي دين يتنقص ويزدري المحصنات المؤمنات القانتات التائبات العابدات السائحات الذاكرات الله كثيرًا والصابرات.
أما الرواية الثالثة: فلا يصح عندي متنها على إطلاقه؛ لأني وجدت القرآن الكريم يتحدث عن قوم ولو أمرهم امرأة فأفلحوا أيما فلاح؛ بفضل قيادة تلك المرأة التي جنبتهم كارثة الصدام مع قوات نبي الله سليمان الكاسحة، ولم تنتفخ بقولهم: ((نحن أولو قوة وأولوا بأس شديد والأمر إليك فانظري ماذا تأمرين)) كما انتفخ كثير من القادة الرجال الذين جلبوا على شعوبهم، وجلب الكثير منهم على البشرية جمعاء وبالا، ودمارًا، وموتا، وخزيا، ويتما، وعارًا في قديم الزمان وحديثه.
ويمكن حمل الرواية على تولي امرأة حمقاء لملك مهلهل تداوله ملوك غير مؤهلين؛ بدليل أن ملك فارس مزق رسالة رسول الله، وكتب إلى عامله بصنعاء أن يأتيه بمحمد، فدعا عليه رسول الله بأن يمزق الله ملكه ففعل؛ إذ لم يلبث أن قتله ابنه.
فأي عقل لهذا الملك الذي كان الأحرى به أن يتريث حتى يستطلع خبر هذا الذي تجرأ على مقام ملك الملوك كما كان يُسَمَّى.
ولو كان عاقلا لتأدب وأهمل الرسالة دون أن يمزقها ليظهر عدم اكتراثه بها؛ ليتسنى له مهاجمة النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بواسطة عامله بغتة، لكنه أحمق، فالفلاح وعدمه لا يختص بولاية المرأة.
فالحالة التي قيلت فيها الرواية على صحتها حالة امرأة تعيسة تولت أمة تعيسة، وملكًا ممزقًا في طريقه للزوال.
أما الرواية الرابعة: فهي غير مستقيمة؛ لأنها ركيكية، فلو فرضنا خلق المرأة من ضلع فما معنى وصفه بأعوج؟! إذ الضلع لا يكون إلا أعوج، ثم إن حواء خلقت من نفس آدم، وروحه، ووجدانه، ومشاعره، قال تعالى: ((وخلق منها زوجها))، وقد فسر الآية بعض المعتزلة أن حواء خلقت من نفس المادة التي خُلِقَ منها آدم. ((خلق لكم من أنفسكم أزواجًا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة)).
فما الذي حوَّلها إلى العظام العوج؟! ولماذا لا يكون أولادها الذكور نصف عوج؛ لأنها تسهم على الأقل بنصف تكوينهم إن لم تكن المسئولة عن تسعة أعشار تكوين الجنين الذي وضع حيوانًا تافهًا في رحمها، فالتحم ببويضتها، ثم تغذى على لحمها ودمها، وعاش في حناياها الدفئ والحنان، فلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
أما الرواية الخامسة: فإنها رواية لا تستحق التعليق؛ إذ يكفي مجرد قراءتها، حتى وإن تمذهب بها أصحاب الظواهر، والجامدون على النصوص لا يدرون ما وراءها.
وقد كان الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم يصلي وزوجاتُه بين يديه في بيته، وربما سجد على قدم إحداهن فانكمشت؛ ليمكن جبهة الشريفة من الأرض، وأيضًا فالرواية مُعَارَضَةٌ بقول عائشة: قد شبهتمونا بالحمير والكلاب، والله لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم يصلي وإني على السرير بينه وبين القبلة مضطجعة، فتبدو لي الحاجة فأكره أن جلس فأوذي رسول الله فأنسل من عند رجليه. [مسلم برقم 512]. وقد قال أحمد بن حنبل: في قلبي من المرأة والحمار شيء. 
أما الروايات (السادسة، والسابعة،والثامنة) فتتعارض مع قوله تعالى: ((ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف)) وتتعارض مع حث النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم على حسن العشرة.
وإن التنور، والسجود، ولحس الأذى ينافي العشرة السيئة، ناهيك عن العشرة الحسنة.
وقد سمعنا بأزواج يدَّعون التدين يُرَوِّجون لهذا الهراء ويقولون: ليس من حق الزوجة أن تنزل من الطابق الأعلى لزيارة والدها المريض في الطابق الأسفل إلا بإذن زوجها حتى وإن مات.
فإذا لم يستح هؤلاء ويتأدبون بأدب الإسلام، فإن تسليط المستعمر لإهانتم إنما هو عقاب.
نخلص من هذا إلى القول بعدم المانع من تولي أي منصب حتى رئاسة الدولة ما دامت قادرة مؤهلة، فربما كانت أحنَّ وأرأف بالناس من كثير من الرجال المتوحشين؛ والدليل على جواز توليها أي منصب هي أكفأ من غيرها فيه قوله تعالى: ((والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعضم يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر)) والآية واضحة كالشمس بدون أي سفسطة أو فلسفة، والمتجمدون سيبقون متجمدين حتى يأتي المستعمر لتذويبهم.
أما أنا فلو أذن الله ببلقيس أخرى لبادرت بانتخابها لأي منصب ترشح نفسها له؛ لأني أثق في بلقيس سبأ بأنها ستحفظ الأرض والعرض.
-----------------------------------
(*) ورقة عمل قدمت في مؤتمر "نحو خطاب إسلامي ديمقراطي مدني " الذي نظمه مركز القدس للدراسات السياسية في 27-29 مايو 2006 - عمان - الاردن

 

تاريخ النشر : 21-06-2006

6168 : عدد القراءات


يلفت موقع الملتقى الألكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.


 

 

 

 

 

الصفحة الرئيسية   l   دراسات قرأنية   l   دراسات حديثة   l   الفقه و الأصول   l   العقيدة و الكلام   l   فلسفة التجديد

قضايا التجـديـد   l   إتجاهات الإصلاح   l   التعليم و المناهج   l   التراث السياسي   l   الدين و الدولة   l   الحقوق و الحريات

مفاهيم و مصطلحات   l   الإسلام السياسي    l    الظاهرة الدينية   l   فلسفة الدين   l   فلسفة الأخلاق   l    قضايا فلسفية

المـــرأة و النسوية   l   الإسلام و الغرب    l   عروض و مراجعات   l   إصدارات   l    حوارات و شخصيات   l    مـؤتـمـرات و متابعات

جديد الملتقى   l   سجل الزوار   l    رأيك يهمنا   l   اتصل بنا

   ©2024 Almultaka  جميع الحقوق محفوظة 

Designed by ZoomSite.com