آخر تحديث للموقع

 2022-08-20

 
Facebook Twitter Rss

النص والتراث  .  دراسات قرآنية

دراسات حديثية    |    الفقه و الأصول    |    العقيدة و الكلام

  •     

عولمة النجومية وفصام النخب العربية ( 1 )

أبو يعرب المرزوقي


 تمهيد:
نعالج في هذه المحاولة مسألتين تعللان ما سننسبه إلى القيم الذوقية (مجال الفنون) والقيم الوجودية (مجال ما بعد التاريخ أو الدين ومابعد الطبيعة أو الفلسفة) التي هي موضوع هذه المحاولة بالقصد الأول ما سننسبه إليهما من دور رئيسي في انواع القيم الثلاثة الاخرى (الرزقية والنظرية والعملية ) التي هي موضوعها بالقصد الثاني. وسنعتمد في علاجنا منهج التحليل التراجعي من العلة إلى المعلول أو من الشرط إلى المشروط لأن القصد هو تشخيص الداء ووصف الدواء علنا بذلك نسهم في التنبيه إلى بعض شروط الشفاء: 
1- المسألة الاولى نظرية خالصة: لماذا يعد تحرير القيم الذوقية والوجودية شرط استئناف الحضارة العربية الإسلامية دورها التاريخي الكوني الإيجابي وشرط تحرير الابداعات الثلاثة الأخرى تقديما للابداع الرمزي فيهما على الابداع الفعلي للوجود الانساني من حيث هو أداء الأمانة أو تحقيق شروط استخلاف الإنسان النظري المجرد والمطبق واستخلافه العملي المجرد والمطبق؟ 
2- المسألة الثانية عملية خالصة: وإذا كان ذلك كذلك فكيف نحرر القيم الذوقية والوجودية من سلطان القيم الرزقية والعملية ومن الدورة الجهنمية التي فرضتها عليها عولمة النجومية التي سيطرت على النخب العربية إلى حد بات فيه جل النخب العلمانية لا يستحون من العودة إلى الوطن راكبين الدبابات الغازية بعقلية المستعمر الذي يخرب ويدمر سواء بمنطق اجتثاث الصحوة الاسلامية المزعومة ظلامية ( الجنرالات وسعدي سعد في الجزائر) أو اقتلاع النهضة العربية المزعومة دكتاتورية ( عملاء الاستعلامات وجلبي في العراق ) ؟
فالمعلوم أن الكلام على اعتبار التحرير بهذا المعنى شرطا في استئناف الدور التاريخي الكوني الإيجابي يفترض أن تحرير ضربي القيم التي هي موضوع المحاولة بالقصد الأول هدفه تحديد الغايات. أما تحرير الضروب الثلاثة التي هي الموضوع بالقصد الثاني فهدفه تحرير الادوات. ويمكن التحريران الغائي والأداتي الأمة من استئناف دورها الكوني لارتباطهما بالرسالة التي أسست وجود الأمة ذاته فضلا عن الدور الكوني. كما أنه من المعلوم أن الكلام على كيفية التحرير يفترض أن شروطه التاريخية قد أينعت وحان قطافها. فلم يبق إلا الجهد الفكري لتأويلها تأويلا يجعلها تحول كل التناقضات التي تعوقها حاليا إلى محفزات. ورغم أنها من حيث الطبيعة مجرد عوارض خارجية فإنها من حيث الوظيفة أصبحت أهم المكبلات التي تعوق محركات الوجود العربي الإسلامي. وهدفنا أن نحولها إلى محفزات. ذلك أن النخب يمكن أن تكون من المحركات إذا توفرت فيها شروط التحرر من الاستيلاب لتصبح مبدعة في مجالات القيم الخمسة فلا تكون النجومية النخبوية مستندة إلى آليات مغشوشة تعطي الريادة والقيادة لمن غلبت عليهم البلادة والقوادة. 
وطبعا فهدف بحثنا هو تعيين الشروط التي نراها متحققة وتحديد كيفيات تأويلها وترتيبها بصورة تحقق التحرير عامة وتحرير النخب بصورة خاصة. إن تكبيل القيم الذوقية وتكبيل القيم الوجودية متواليان في الظهور التاريخي بعكس تواليهما في سلسلة العلل. فتكبيل القيم الوجودية هو الذي أفسد الثورة المحمدية بافساد القيم الذوقية والقيم الرزقية والقيم النظرية والقيم العملية كما أثبتنا في غير موضع. وقد ركزنا هنا على القيم الذوقية والوجودية لانهما موضوع المحاولة الرئيسي. فهدفنا الأول فيها هو فهم علل اخراج الفنون الجميلة من حياة الامة الروحية ومن فكرها. ما العلة التي جففت ذوق الوجود الحساني فلم يبق عند المسلمين من الأذواق المصاحبة للبعد الظاهر من الحياة الا الذوق الغذائي والجنسي من غير ملطفاتهما الفنية؟ لِمَ ارتد العربي والمسلم إلى الغرائز الحيوانية الفجة التي لم يهذبها فن جميل؟ ولم بات المسلم عامة والعربي خاصة غاطسين في شبه حياة بهيمية لا تتجاوز الاكل والنكاح كما يتبين من حياة مترفيهم الذين ذبل منهم الذوق والعقل وانتفخ منهم البطن والكفل ؟ وهدفنا الثاني هو اكتشاف العلة التي اخرجت كل التجارب الروحية من فكر الامة النظري ( الديني والفلسفي) ومن حياتها فجف ذوق الوجود الوجداني ولم يبق من الاذواق المصاحبة للبعد الباطن من الحياة إلا نفس الذوقين وإن بالسلب بزعم التعفف عن الحياة المادية من غير ملطفات الشهوة الحيوانية السلبية في الفكر الصوفي المنحط فارتد الانسان العربي والمسلم إلى عدمية الفعل التاريخي والاستسلام للامبلاة الوجودية؟
لذلك فلا يمكن أن نتصور المسلمين قادرين على استئناف دورهم من غير حياة هذين النوعين من القيم. ومن اليسير أن يلاحظ القارئ الفصامين اللذين تعاني منهما النخب في الوطن العربي سواء أخدناه قطرا قطرا كما هو الشأن في علاج هذه النخب الأعرج قضايا العصر من المنظور القطري العاجز أو أخذناه من منظور المجال الثقافي الواحد الذي شرع في التوحيد السلبي بينها بحسب منطق اللحظة التاريخية منطقها الذي يفرضه ما يسعى إليه العدو الأمريكي من توحيد لمجال استعداده لعماليق القرن الجديد بالاستحواذ على منابع الطاقة فضلا عن احتلال أفضل قاعدة أرضية قريبة منهم جمعيا . لكن تفسير هذين الفصامين لم ينل حظه من العناية والعلاج النظري لأنه لم يربط بما أصاب أسلوبي عمل الفكر البشري المضاعفين من عطل نتج عن التنافي بينهما من منظور أشباه النخب التي لم تغص إلى أعماق وحدة العقل المبدع رغم اختلاف الأساليب: أسلوب الفلسفة أو العقل ببعديه النظري ( علوم الطبيعة ) والعملي ( علوم الاخلاق ) وأسلوب الدين ببعديه النظري ( العقيدة ) والعملي ( الشريعة ). 
والعلة الأساسية في اهمال هذا العلاج هي وهم التنافي بين هذين الاسلوبين والبدائل الزائفة الساعية إلى التخلص من ثنائية اسلوب الادراك البشري: بالرد المتبادل بينهما الذي هو الحد الأدنى من نفي المردود للابقاء على وحدانية المردود إليه. لذلك فنحن نشرع في هذا العلاج آخذين مأخذ الجد الأسلوب الديني لتحديد القيم وادوار النخب المتكلمة باسمها رغم انتساب محاولتنا إلى الأسلوب الفلسفي. وهدفنا في المحاولة هو تفسير الآليات التي تتحكم في نجومية النخب وربطها باطارين قاهرين لا يمكن من دونهما فهم دور النخب عامة والنخب العربية الحالية خاصة لفهم علاقة الفصام الذي أصابها بآليات النجومية في الرأيين العامين العربي الاسلامي والاوروبي الامريكي:
1- أولهما هو اطار الحرب النفسية التي تعينت في استراتيجية الاعلام والتدخل الأمريكيين لتوجيه مؤسسات ابداع القيم ورعايتها وتبادلها في كل مجتمعات العالم عامة وفي المجتمعات الاسلامية والعربية منها على وجه الخصوص.
2- والثاني هو ردود الفعل في مجالي الاعلام واصلاح مؤسسات ابداع القيم ورعايتها وتبادلها في مجتمعات العالم عامة وفي المجتمعات الاسلامية والعربية على وجه الخصوص.
وسنركز على تفسير الفصامين مقتصرين على النخب العربية نموذحا من النخب الاسلامية أولا ولمعرفتنا بتقازيحها ثانيا فضلا عن كونها ما تزال النواة الرئيسية في الثقافة الاسلامية حسب تصورنا لدورها في التاريخ الكوني. وذلك لعلتين موجبة وسالبة. وكلتاهما ليس للنخب العربية الحالية فيها يد. فأما العلة الموجبة فهي دور الثقافة الاسلامية الناطقة بالعربية عامة ودور اللسان العربي خاصة في تراث كل المسلمين. ومعنى ذلك أن العلة الموجبة لا يدين بها دور الثقافة العربية في الثقافة الاسلامية بشيء للنخب العربية الحالية بل العكس هو الصحيح أي أن النخب العربية التي قد يسمع لها أحيانا لا يسمع لها إل بقدر مواصلتها للثقافة الاسلامية الأولى. وتلك هي العلة في كثرة الطحالب الطفيلية من النخب العربية عامة والعلماني منها على وجه الخصوص الطحالب التي تتاجر بهذه الثقافة (كباعة الآثار المسروقة ) بخطاب قابل للنفاق في السوق الغربية تأييدا للموقف الغربي من الثراث العربي. والمعلوم أنه لا احد من الغرب يمكن أن يسمع لما يقولونه عن الفكر الغربي من سخافات. وسواء كان من يسمع لهم يدري أو لا يدري فإن ما يقولونه عن الفكر العربي أكثر سخافة مما يقولونه عن الفكر الغربي لكن تأييد الاحكام المسبقة يحقق بعض القبول لغير المقبول بحسب المعقول. 
وأما العلة السالبة لأهمية النخب العربية والتي ليس للنخب العربية فيها يد كذلك فأمرها بين حتى للغافلين: إنها علة سعي امريكا للاستحواذ على الوطن العربي لما فيه ولموقعه فضلا عن وجود اسرائيل. اسرائيل وأمريكا لا تحاربان الامة الاسلامية لأنها تعتبر النخب العربية الحالية تحديا فكريا أو علميا أو تقينا كما هو الشأن مثلا بالنسبة إلى النخب الاوروبية والصينية واليابانية والهندية. إنما التحدي علته أن العرب لا يزالون قلب العالم الاسلامي رمزيا ( عروبة القرآن والسنة والتراث الديني الاسلامي ) وماديا ( كون الوطن العربي يوجد في ملتقى القارات الثلاث التي أبدعت كل الحضارات وكون محرك الحضارة المادي أو الطاقة جلها والرمزي أو المشاعر كلها توجد فيه). ولعل ما قوى أثر هذين الاطارين الخاصين بالنخب العربية في حدود دورها في الثقافة اللاسلامية فضلا عن هاتين العلتين ظاهرتان كونيتان لا مرد لهما ظاهرتان تمثلان في الوقت نفسه علامة منزلة الوطن العربي السلبية والايجابية في التاريخ الكوني: 
1- فأما المنزلة السلبية فيمكن استنتاجها من الحقيقة التاريخية التي بدأت بعد تكون الدولة الاسلامية. فكل القوى التي سعت إلى تأسيس نظام طغياني عالمي حاربت المسلمين عامة والعرب خاصة لأنها اعتبرتهم عائقا أمام مشروعها. ذلك أن تمكين الاسلام العرب والمسلمين من تحقيق دار الإسلام حيث هي الآن جعلهم رقما ضروريا في المعادلة التاريخية الكونية بحكم كونهم رقما ضروريا في ما يستمد من االمكان والزمان من مقومات الوجود البشري فضلا عن تعريف القرآن المسلمين بكونهم الشاهدين على العالمين.
2- وأما المنزلة الايجابية فيمكن استنتاجها من حقيقة تاريخية مناظرة للحقيقة التاريخية الاولى. فكل محاولات التحرر العالمية من الطغيان العالمي القادم من الغرب بدأت باستئناف العرب دورهم في تكوين قاعدة الصحوة الاسلامية المادية والروحية ( بدءا بالقضاء على بقايا الاستعمار البيزنطي المسيحي في ملتقى القارات الثلاث منطلقا لتكوين دار الاسلام الحالية وختما بالحرب مع أمريكا وتوسطا بكل ما ما حصل بين الحروب الصليبية وحروب التحرر من الاستعمار ). ذلك أن تحقيق رسالة الاسلام التحريرية يشترط أمرين يتألف منهما معنى الشهادة على العالمين بالجهاد من أجل: 1- التصدي لافساد الطبيعة ( استغلال الطبيعة استغلالا فاحشا ) وافساد الثقافة ( استغلال الثقافية استغلالا فاحشا ) 2- والتصدي للظلم والعدوان ( حماية المستضعفين اقتصاديا ) وللعنصرية والمفاضلة بين الشعوب في الأرض ( حماية التعدد السلالي والثقافي ).
وبذلك فإن بحثنا سيتألف من ثلاثة فصول متعددة الفقرات:
1- أولها يمهد لمسألتي البحث فيعالج مقدمات التأسيس النظري لدراسة آليات تكون النخب عامة والنجومية خاصة تخصيصا بالنخب العربية في اللحظة الراهنة مع التركيز على دواعيها وأزوفها. 
2- والثاني يعالج آليات النحومية في أولى النخبتين المقصودتين بالذات في المحاولة أعني النخبة الوجودية مع التركيز على توضيح نظرية مجالات القيم الخمسة: مجال القيم الذوقية (الفنون الجميلة) ومجال القيم الرزقية (الاقتصاد) ومجال القيم النظرية (العلوم) ومجال القيم العملية (السياسة والقانون) ومجال القيم الوجودية (الفلسفة والدين). 
3- والثالث يعالج آليات النجومية في ثانية النخبتين المقصودتين بالذات في المحاولة أعني النخبة الذوقية مع التركيز على استخراج بذرات نظرية الفن الاسلامية من حيث إن الفن هو البعد الرمزي من الفعل التاريخي الشامل بأبعاده القيمية الخمسة التي أشرنا إليها في الفصل الثاني. 
--------------

الفصل الأول: مقدمات المحاولة ودواعيها

1- المقدمة الأولى: الأخطار التي تهدد نسيج الوطن العربي
ولنأت الآن إلى تحليل المقصود بالاطارين القاهرين في الظرف العربي الراهن من حيث صلتهما بقضية فصام النخب ومدلول عولمة النجومية في الاضطراب القيادي الذي عم على نخب حركتي النهضة العربية والصحوة الاسلامية:
فأما الإطار الأول فقد حددته ظاهرة كونية جعلت فكر النخب العربية لا يستطيع أن يلتفت إلا إلى ماض يحدده منظور الاعداء. ذلك أن نظرة الحفاظ على الماضي لو كانت من المنظور الذاتي لكان المقصود بها معاني الماضي التي تؤسس للمستقبل. ورغم أن المعاني التي اختارتها نخب الاقطار فتتت الأمة بمحاولة احياء قوميات وهمية متقدمة على التاريخ الاسلامي لتناسب الحدود القطرية فإن العدو لم يعد يرضيه ذلك لانه لم يكن كافيا للقضاء على مركزي الأمة أعني أكبر قطريها عددا وعدة: مصر زعامة للعروبة والسعودية زعامة للاسلام. وذلك أمر لم يعد يحتمله مستقبل الامبراطورية الاسرائيلية الامريكية. لكن أمريكا واسرائيل لا تستطيعان مجابهته المباشرة. وليس ذلك بسبب قوة المركزين المادية بل لما يعلمانه لهما من قوة رمزية إذ المجابهة المباشرة قد تسرع بداية التوحيد الحقيقي لمقومي الأمة فتصبح أمة لا تقهر: العروبة والاسلام. لذلك نسبنا الماضي الذي التفتت إليه النخب نسبناه إلى منظور الاعداء. فالعرب ليس لهم اليوم منظور استراتيجي يمكن أن يميز بين ما ينتسب إلى الماضي المعد للمستقبل وما ينتسب إلى الماضي الميت: فهم غالبا ما يدخلون التاريخ دخول القهقرى فلا يرون أن لا دور كوني لهم من غير استئناف دورهم قلبا للاسلام. 
لذلك فإن ما يهم استراتيجية العدو في علاجه لمعضلة التغلب على الصمود العربي الإسلامي هو كيفية استغلال بقايا الصراعات العربية العربية الناتجة عن توظيف القومية (مصر خاصة ) وتوظيف الاسلام ( السعودية خاصة ) والصراعات الاسلامية الاسلامية لعلمه أن نوعي الصراعات كفيلان بالقضاء على النهضة والصحوة معا قبل أن تثمرا ما يخشاه على أدوات فعله في عصر العماليق الذين لاحوا في الافق. وهذان الصراعان لم يبق منهما شيء عربي ولا اسلامي بمقتضى انحطاطهما التدريجي إلى مجرد أداتين في الصراع بين العملاقين ولدى عنصري الاطار الأول الذي حددته ظاهرة اقحام العرب والمسلمين في الحرب الباردة: 1- الارهاب الديني الرمزي والمادي 2- والارهاب اليساري الذي لم يبق منه إلا البعد الرمزي. فبعد سقوط الاتحاد السوفياتي بات الارهابان مجرد أداتين في الخطة الأمريكية الاسرائيلية: الارهاب الديني لتهديم محاولات الاصلاح في مجال العنصر الروحي الديني ( قيم الايمان الديني ) ولتهديم محاولات الاصلاح في مجال العنصر المادي القومي باسم الدفاع عن الاسلام والارهاب العلماني لتهديم محاولات الاصلاح في مجال العنصر الفلسفي الروحي ( قيم الايمان العقلي ) ولتهديم محاولات الاصلاح في مجال العنصر القومي المادي باسم التحديث والعولمة الأمريكية فضلا عن استعمال الارهاب الاول لتجنيد الرأي العام الغربي في تأييد مغامرة الاستعمار المكلفة وتجنيد الارهاب الثاني لتحريك الرأي العام العربي في تأييد مغامرة الخيانة المقرفة.
وأما الاطار الثاني فقد حددته ظاهرة كونية جعلت فكر النخب العربية ملتفتا إلى مستقبل حدده منظور الاعداء كذلك. فالعرب لا منظور لهم لمستقبل بيٌن بسبب غياب المشروع الذي يكون من مقاس المشروع الذي استند إليه بزوغ الأمة الكوني الأول حتى ولم يكن بالضرورة مواصلا له. فنخبهم بنوعيها قد انكمشت إلى ما دون الاقطار فضلا عن الوطن العربي أو الأمة الإسلامية أو الكون. فعادت بالشعوب العربية إلى العشيرة والطائفة المذهبية والعرقية بعد فشل احياء القوميات الوهمية المتقدمة على التاريخ الاسلامي. 
ولما كان العدو "الأمريكي-الاسرائيلي" يسعى إلى توظيف تلك البقايا (الارهابين) وغياب المشروع المستقبلي في سعيه إلى تحقيق التوحيد السلبي للعالم الاسلامي مجالا لفعله الاستعدادي لعماليق القرن الحادي والعشرين أعني فكي الكماشة المحيطة بدار الاسلام ( الهند وتوابعها والصين وتوابعها شرقا ثم روسيا وتوابعها وأوروبا وتوابعها غربا ) فإنه سيحاول كل ما يستطيع لئلا يكون المستقبل ذاتي الغاية. لذلك فإن هذا التوحيد السلبي من أجل مشروع الاستعمار الامريكي الاسرائيلي يحتاج في مرحلة أولى إلى تصفية شروط بقاء المقاومة شروطها التي يمكن أن تنقل المسلمين عامة والعرب خاصة من المنظور الأجنبي للماضي وللمستقبل إلى المنظور الذاتي فنحقق ما لم تحققه حروب التحرير القطرية لتصبح حرب تحرير قومية من أجل تحرير الأمة كلها تحريرا يكون القطب الدولي الذي تحتاجه المعادلة الدولية التي هي بصدد التشكل. وإذا كان الأعداء يعتمدون احياء الفوضى الطائفية والعقدية والعرقية لتفجير ما بقي من كيانات كبرى مثل العراق والسعودية ومصر وسورية والجزائر والمغرب والسودان واليمن فإن الفعل الموجب هو في تحقيق المجال الايجابي لفعل المسملين: فهم الاخطار المشتركة على الأقل في قلب الأمة أعني الوطن العربي ومحيطه الاسلامي المباشر من خلال الصلح بين القوميات الخمس الرئيسية العربية والبربرية والفارسية والتركية والكردية والهندية. 
فإذا سمحنا له بالنجاح في ذلك من دون أن نحوله إلى جزء من خطة لبناء الكيان الكبير من خلال تحقيق الصلح التاريخي بين النهضة والصحوة فإن الوطن العربي سيصبح لقمة سائغة بيد اسرائيل وكيل أمريكا. ذلك هو دور الارهاب والحرب عليه. وتلك هي غاية تغذية العداوة السخيفة بين قوميات الاسلام الرئيسية. فكلاهما معول لتهديم الوطن من الداخل ومن محيطه فضلا عن منع المسلمين من التوحد الشارط لدورهم قطبا دوليا في عالم القرن الحادي والعشرين. كما أن الارهاب والحرب عليه وعدم استقرار العالم الاسلامي عامة العالم العربي خاصة يعدان المحفز الرئيسي لتأليب الرأي العام الغربي وجعله يقبل بكلفة الحرب الاستعمارية الجديدة ضد ما يقدم على أنه خطر على الحضارة والحرية. وهي حرب ضميرها الأساسي هو فرض تصور أساسي يجعل ما بقي عربيا من الثقافة الاسلامية هو رحم الارهاب في العالم الاسلامي وما بقي اسلاميا في الشعوب الاسلامية هو رحم التخلف والبربرية.

2- المقدمة الثانية: منطق الفصام في الثقافة العربية 
ولنعد إلى الفصامين من دون أن ننسى هذا الوراء الذي شرحناه في المقدمة الأولى وصفا لخاصيات القضية ومنظورنا إليها. فهما يقبلان التعيين بخطين متعامدين يحددان أربعة خانات ممثلة لاصناف الفصام الذي تعاني منه نخب الامة. فالخط الاول منهما يقسم النخب العربية ( ومثلها كل النخب الاسلامية من غير العرب ) عموديا إلى نحلتين لا تتعايشان إلا بمفهوم الحرب الدينية إيجابا من منظور احداهما وسلبا من منظور الأخرى. ذلك أن العلمانيين هم أيضا فكرهم ديني بالسلب تماما مثل الدينيين الذين يمكن اعتبار فكرهم فلسفيا بالسلب. فما يثبته أحدهما لما يدعي الاستناد إليه يكتفي الثاني بنفيه فيكون كلاهما قابلا للتعريف بسلب الثاني. ومن ثم فكلاهما يتناسى أن الفكر البشري لا يمكن أن يخلو من البعدين الديني والفلسفي ليس فحسب بالمعنى الهيجلي للعلاقة التي تجعلهما متحدين بالمضمون ومختلفين بالشكل بل بمعنى أكثر عمقا. فالشكل الفلسفي لم يبق جدليا كما يدعي هيجل بل بات أصحابه يفضلون الشكل التأويلي والمضمون الديني لم يبق عقائد ذات صيغة عاطفية كما يدعي هيجل بل بات أهله يفضلون المضمون ذا النسق العقلي كما هو شأن كل الثيولوجيات. وبذلك فهما قد اتحدا شكلا ومضمونا ولم يبق مختلفا إلا الاسلوب!
أما الخط الثاني فيشق كلتا النحلتين أفقيا في العمق. فكلتاهما تنقسم بحسب تصور مقومات الفعل التاريخي حصرا إياها في بعدها المتعين في أعراض حصوله الأول أو فتحها على الممكن اللامتناهي في الحيز الفاصل بين الحاصل والمثال الأعلى من الوجود الفعلي. لذلك كان الأصلانيون صنفين: احدهما يتصور احد تعينات الاسلام أو ما تحقق منه في الماضي الإسلامي التعين الوحيد الممكن والثاني يراه قابلا لأن يتخذ أشكالا جديدة بحسب التدرج في الوصل بين مثله العليا وتاريخ تعيناتها. كما كان العلمانيون صنفين: احدهما يتصور احد تعينات التحديث أو ما تحقق منه في قرون الغرب الأخيرة التعين الوحيد الممكن والثاني يراه قابلا لأن يتخذ أشكالا اخرى بحسب التجارب اللامتناهية في المستقبل. والغالب على الساحة حاليا هو الصنف الاول من كلا الفريقين: وهما مصدر الحرب الأهلية العربية والحرب الأهلية الاسلامية. 
أما الصنف الثاني منهما فهو لا يزال جنينيا في كلا فرعيه. والمفروض أن يكون فرعاه متحدين على الاقل بمقتضى الانفتاح على المستقبل مشروعا وعلى الماضي تأويلا. لكن المحدد الفعلي للحظتنا التاريخية لا يزال متمثلا في الصنفين الغالبين اللذين يعتبران التاريخ محاكاة لأمر حاصل في ماضينا البعيد أو في ماضي الغرب القريب وليس ابداعا لامر لا يقبل التحديد النهائي مسبقا. فأصبح عمل التاريخ مستحيلا في مستوى التصور الرمزي والتحقيق الفعلي بما أصبح المثال ماضيا حاصلا والممثول تكرارا له وليس ابداعا لتصورة الرمزي أولا ولتحقيقه الفعلي ثانيا مع ما بين التصور الرمزي والتحقيق الفعلي من جدل متواصل جيئة وذهابا من أحدهما إلى الآخر حتى يتطابق بعدا الحضارة الرمزي والمادي. وبذلك فإن النخب العربية من كل مجالات التقويم الخمسة تبرز على أرضية الشعب بوصفه منبع الجميع وأصل التقويم والتنخيب فتنقسم بحسب الخطين المتعامدين إلى الاحزاب الخمسة التالية بحسبان المجموعة مع أقسامها حتى وإن لم تكن من رتبتها:
1- حزب المحافظين الديني: تكرار أعراض التجربة الماضية من التاريخ الاسلامي .
2- حزب التحرريين الديني: المشاركة في فتح آفاق جديدة للفكر الديني . 
3- حزب المحافظين العلماني: تكرار أعراض تجربة التحديث الغربية .
4- حزب التحرريين العلماني: المشاركة في فتح آفاق جديدة للفكر الفلسفي .
5- أما الحزب الخامس فهو حزب الأغلبية الصامتة التي تنبع منها النخب ولا تكون احداها فاعلة إلا باستتباعها إياه أو بزعمها تمثيله. 
فكل الاحزاب السابقة تنسل من الحزب الخامس أو القسم التام من التصنيف بمجرد أن ينتقل البعض من الصمت إلى التعبير عن أحد أنواع القيم وما يتصل بها من تعارض المصالح بين المتنافسين عليها. لذلك كان الحزب الصامت الحزب الشامل الذي يغازله الجميع لاستمداد شرعية دعواه منه أعني الرأي العام الذي له وجهان داخلي وخارجي مع تعاكس في تغليب الاستناد إلى الخارجي أو إلى الداخلي منه من حيث الايجاب أو السلب. فالحزبان الدينيان يستندان إلى الرأي العام الداخلي إيجابا وإلى الرأي العام الخارجي سلبا. والحزبان العلمانيان يعكسان فيكون سندهما الموجب الرأي العام الخارجي و سندهما السالب الرأي العام الداخلي. وتلك هي آليه التنجيم ( = اعتبره أو جعله نجما وللمعنى صلة بالمعنى الأصلي أعني الدجل التنبوئي عند المنجمين). فجعل أي مبدع أو مفكر نجما يكون إيجابا بمدح منتوجه أو سلبا بذمه. وهو عند النخب الدينية أهلي في المدح وأجنبي في الذم أي إن من يمدحه المسلمون ومن يذمه الغرب من النخب الدينية يصبح نجما عند المنتسبين إلى الحزب الديني. والعكس بالنسبة إلى النخب العلمانية: يصبح العلماني نجما بمجرد أن يدمه المسلمون أو يمدحه الغربيون أو بحصول الأمرين.
إن الفصام الثاني الذي يشق كلا الفريقين الاصلاني والعلماني هو الفصام الاصلي. إنه الفصام الذي يعنينا لكونه يفسر الفصام الفرعي الذي يقابل بين الاصلاني والعلماني فيغوص إلى أعماق آليات التنخيب المستلب الغالب على اللحظة العربية الحالية. فالعلماني يصبح نجما أولا وقبل كل شيء بفضل موقف المسلمين السلبي منه ممثلين بالنجوم الاصلانية والأصلاني يصبح نجما أولا وقبل كل شيء بفضل موقف غير المسلمين منه ممثلين بالنجوم العلمانية. لذلك فهما نخبتان متضامنتان جدا في هذه اللعبة التنجيمية التي برعوا فيها بالدجل على الرأيين العامين. فصارت هذه اللعبة جوهر الازمة الحضارية التي يعيشها المسلمون والعرب منذ قرنين: نخب زائفة تدعي ما ليس لها وخاصة منذ ذهاب الاجيال الأولى التي كانت محاولاتها واعدة والتي قتلها طاغوت الثورات المزعومة قومية الثورات التي وزعت السلطات بين النحل المذمومة والشلل الخدومة بشعار الطبقات المحرومة وبهار الشعوب المظلومة. 
إن النوع الاول من الفصام هو النوع الأيسر على الفهم. فنحن نراه بالعين المجردة. ويمكن أن نعتبره الوجه الظاهر من ازمة الأمة الاسلامية كلها أزمتها التي يعد النوع الثاني من الفصام عرضها الأهم. وقد تعين هذا العرض أتم تعين في النخب العربية لما لمقومي الثقافة العربية ( الدين واللسان بمقتضى نصي الدين الإسلامي) من منزلة في تاريخ الأمة الإسلامية. وطبعا فهذه المنزلة يمكن أن تتبخر إذا لم نتداركها فنستفيد من الصحوة لاسترداد منزلتها الاصلية. فالنخب العربية تستمد منزلتها الكونية من دور العروبة في الإسلام ودور الاسلام في العالم. ولذلك فالعروبة ولله الحمد لا تزال هي مصدر أهم الرموز والمقومات الاسلامية في كل دار الاسلام. والشعب العربي بخلاف كل ما يزعم في الاسلام غير العربي سواء كان في آسيا أو في جنوب شرقي آسيا لا يزال الأكبر عددا والأغني ثروة والاعرق تراثا والأقرب إلى الحداثة الغربية من كل الشعوب الاسلامية. لكن هذه النخب العربية التي جعلها الفصام العميق الذي نحاول توصيفه قبل الكشف عن دائه ووصف علاجه مترددة بين الأصولية الدينية والأصولية العلمانية أنفصمت في العمق بحسب النوع الثاني الذي هو الفصام الأكثر تأثيرا على دور النخب لكونه يصيبها بالعقم الابداعي في كل مجالات التقويم البشري:
1- في مجال القيم الذوقية : فكل الفنون العربية صارت نسخا مضحكة من الابداع الغربي رغم أن من تأثر بآدابنا من ذوي الثقافة الاسبانية مثلا باتوا نماذج على الأقل في الرسم والقص.
2- في مجال القيم الرزقية : وكل الاقتصاديات العربية توابع هزيلة رغم أن الامكانيات العربية كان يمكن أن تجعل الوطن قطبا عالميا لو وجهت الثروات السائلة التي تشجع العطالة والفساد إلى استثمارات منتجة تقضي على الجهالة والكساد. إذا كانت أغنى الاقطار العربية يمكن أن تفلس بين عشية وضحاها لأن رئيسا أمريكيا مهوسا يمكن أن يجمد رصيدها فهل نحتاج إلى دليل آخر؟ 
3- في مجال القيم النظرية : وكل الجامعات ومعاهد البحوث العربية لا تعدو ان تكون اضحوكات العصر ما ورثناه منها عن الماضي التليد بالتقليد أو ما حاكته محاولات التجديد بالتوريد. ويكفي دليلا أهم تطبيقات العلوم في حكم كل إنسان سوي حتى الأمي: الطب. فإذا كانت الكليات الطبية عاجزة عن حماية أسرار الدول العربية التي باتت صحة قادتها مرهونة بالمصحات الاجنبية بعد قرنين كاملين من التحديث فهل نحتاج إلى دليل آخر ؟
4- في مجال القيم العملية : وكل المؤسسات السياسية العربية لا تعدو أن تكون مهازل الدهر: إذا كانت أكثر الدول العربية شروعا في العلمنة أعني الدول التي حكمتها الاحزاب القومية قد تبين من أكبرها أنه قد عاد بشعبه إلى العشائرية والقبلية المتقدمة حتى على الإسلام فهل تبقى حاجة لدليل؟ 
5- وفي مجال القيم الوجودية : وكل الفكر الديني والفلسفي العربي الحالي لا يحرك أي عمق من أعماق النفس البشرية الحائرة أمام أسرار الوجود لفرط تحوله إلى مضغ ايديولوجي ثقيل عششت فيه طحالب الفكر الكليل لخلو اصحابه من عميق الحدس وصحيح الدليل.

3- المقدمة الثالثة: موضوعنا بالقصد الأول

إذا كنا قد احجمنا عن ضرب مثال من الحالة الأولى ( القيم الذوقية ) ومن الحالة الأخيرة ( القيم الوجودية ) لتعيين القصد في المجالين الأول والثاني فالعلة هي كون فصام النخب فيهما بالذات بيانه هو مطلوب المحاولة بالقصد الأول. ففيهما بالذات تعينت أزمة النخب العربية. فهي عرض المرض الذي ينخر المجالات الثلاثة الأخرى. ذلك أن هذه المجالات توابع المجال الأول تبعية المدفوع للدافع. وهي كذلك توابع المجال الاخير تبعية القيمة المؤسَسة للقيمة المؤسِسة. ولن تتبين هذه العلاقة المضاعفة إلا بعد أن نكشف ما في الفكر المسيطر على هذين الميدانين من دجل وعجل أفقد الثقافة العربية أكبر ثرواتها افقادا يعد ما حصل من نكبات في المجالات الثلاثة الأخرى(نكبات القيم الرزقية والنظرية والعملية) لعب أطفال بالقياس إلى ما حل بالقيم الذوقية والقيم الوجودية. ذلك أن المعادلة التي تحكم تراتب النخب بفرعيه السوي وغير السوي هي عينها المعادلة التي تحكم تراتب القيم في كل الحضارات وفي كل مراحل التاريخ. وهذا أحد القوانين الكلية التي نبحث عنها في كل محاولاتنا لمواصلة جهد ابن خلدون وابن تيمية في فهم الثورة المحمدية بتغيير نظرية المعرفة والوجود الموروثة عن اليونان ( ابن تيمية ) وبمحاولة تأسيس علوم الانسان بصورة تدعم الثورة الميتافزيقية الناتجة عن هذا التغيير ( ابن خلدون). 
ففي الترتيب غير السوي تكون القيم الذوقية ( المجال الأول ) لعبة في يد نخب القيم الرزقية ( المجال الثاني ) خاصة وتكون نجب القيم الوجودية ( المجال الخامس) لعبة في يد نخب القيم العملية خاصة ( المجال الرابع ) بسبب فشل نخب القيم النظرية ( المجال الأوسط ) في ابداع المؤسسات العلمية والمؤسسات العملية لبناء الوجود الرمزي والفعلي للعمران بالمنظومتين التربوية والسياسية ( مقوما صورة العمران أو الدولة ) بناء يصور مقومي مادته أعني الابداع الذوقي والابداع الرزقي ( مقوما مادة العمران أو المجتمع المدني). أما الترتيب السوي فهو في الوضعية المقابلة أعني في وضعية ابداع المؤسسات التي تحول دون هذين الاستتباعين. وقد اعتبر ابن خلدون النقلة من الترتيب السوي إلى الترتيب غير السوي بداية هرم الدولة وانحطاطها.
ورغم ما أشرنا إليه من غياب المنظور الموجب للماضي والمستقبل ومن ترتيب غير سوي للقيم غيابين كلاهما يقتضي ضرورة عدم وجود نخب مبدعة ومؤثرة حقا فإن لنا مع ذلك من النجوم الذوقية والرزقية والنظرية والعملية والوجودية ما لا يكاد يحصيه عد! فما السر يا ترى وكيف نفهم هذه المفارقة التي لا يكاد المرء يجد لها تفسيرا ؟ لذلك فقد اعتبرنا التعريف بمصدر تحديد النجومية في البلاد العربية منطلقا لتحديد بدايات الجواب عن هذا السؤال المحير. ويقتضي ذلك أن نميز بين وضعيتين جزئيتين كلتاهما مضاعفة بحسب المقابلة بين الظاهر والباطن ثم وضعية ذات صيغة جامعة: 1و2- الوضعية في البلاد التي يكون فيها النفوذ الحقيقي للقوة المباشرة في الظاهر أو في الباطن ( أي القوة العسكرية والبوليسية وهي الوضعية الغالبة في البلدان المتخلفة ) 3و4- والوضعية التي يكون فيها النفوذ الحقيقي للقوة غير المباشرة في الظاهر أو في الباطن ( أي القوة الاقتصادية والتقنية وهي الوضعية الغالبة في البلدان المتقدمة ) 5- والوضعية ذات الصيغة الجامعة أعني منطق النخب في العالم كله بسبب خضوع الوضعية الأولى للوضعية الثانية التي يستخدم فيها أصحاب القوة غير المباشرة الجميع. 
1و2- ظاهر وضعية البلدان المتخلفة وباطنها.
3و4- ظاهر وضعية البلدان المتقدمة وباطنها.
5- الوضعية الصيغة الجامعة.
فقد ذكرنا أن النخب الذوقية أصبحت تابعة للنخب الرزقية. لكن ذلك ليس كذلك لأن المنتَج الفني صار بضاعة سوقية ( بمعنيي الكلمة ) فحسب بل لأن منتِج العمل الفني أصبح مضطرا لبيع نفسه. فهو قد صار يعيش على غذاء صناعي يحقق له القطيعة مع الادراك العادي للجمال ويضطره إلى تعويضها بتجارب ادراكية لا تحصل من دون مؤثرات كيمياوية ثمنها تخلي المدمن عن حريته بالتدريج: أهمها الخمر والمخدرات والجنس والمآدب الباهضة. وطبعا فليس كلامي في هذا الأمر من باب اخضاع القيم الذوقية للقيم الخلقية. فعندما يكون المبدع الذوقي قادرا على ذلك بحيث يكون غنيا عن التنازل عن القيم الفنية ثمنا لارضاء من يوفر له أدوات اللذة فلن يكون عندي مانع أصلا لاستمتاع الفنان بهذه المتع. 
فكيف يستطيع السائلون وأبناء السبيل الحصول على مشروباتهم ومأكولاتهم في أفخر الفنادق إذا لم يدفعوا من حريتهم للأحزاب التي افسدت من كان يمكن أن يصبح مبدعا ففرضت عليه منزلة الكدائين ؟ وفي الحالتين- سواء كان من الأثرياء أو من الكدائين- فإن محفزات الابداع المزعوم التي لا يحيا المبدع المزعوم من دونها دليل قريحة تعمل بالمنبهات كعجوز العضلات أوبالدفع الوارد كالمحرك البارد. فكيف يكون ما انحط إلى منزلة البضاعة الكاسدة ثمرة لتجربة فنية صادقة؟ إن مثل هذه التجارب حتى إذا صدقت فإنها لا تكون حقيقية إلا في حصولها الأول ومرة واحدة. أما إذا تكررت ادمانا فإنها لن تضيف للتجربة الشعورية إلا ثرثرة شعارية فيكون صاحبها بلسان أفلاطون كالاجرب يستمتع بحك بشرته الجرباء وليس مبدعا يرتفع بوجدانه إلى السماء. 
وذكرنا كذلك أن النخب الوجودية أصبحت خاضعة للنخب العملية ليس فحسب لأن منتَج العمل الوجودي صار بضاعة سوقية ( بمعنيي الكلمة ) بل لأن منتِج العمل الوجودي أصبح مضطرا لبيع نفسه لانه صار يعيش على سلطان صناعي يحقق له القطيعة مع الادراك العادي للجلال ليعوضه بتجارب ادراكية لا تحصل من دون مؤثرات دعائية باهضة الثمن: أهمها علامات الجاه والشهرة ومغالطة الجماهير الغارقة بالرموز المنافقة. وطبعا فليس كلامي في الأمر من باب اخضاع التجربة الوجودية للقيم الخلقية. فعندما يكون المبدع الوجودي غنيا عن التنازل عن القيم الوجودية ثمنا لارضاء من يوفر له أدوات الشهرة هذه فلن يكون عندي مانع أصلا لاستمتاع الفيلسوف أو رجل الدين بهذه المتع التي هي من جنس حكاك الاجرب. لكن كل سلطان رمزي ليس غنيا عن الاستناد إلى السلطان المادي ليس سلطانا أصلا فضلا عن أن يكون رمزيا. لذلك فبمجرد أن يفقد المثقفون متكأهم تراهم أذل الخلق وأكثرهم تذمرا بعد أن كانوا أشد الناس كبرا وأمشاهم تبخترا.
والمعلوم أن النخب الرزقية والنخب العملية الداخلية متداخلتان ومتناجبتان. فكلتاهما تابعة للاخرى مع غلبة تبعية الأولى للثانية في الظاهر خلال بداية العهود التي تحتاج إلى القوة المباشرة ( قوة السلاح ) وغلبة تبعية الثانية للاولى في الباطن خلال غايتها التي تحتاج إلى القوة غير المباشرة ( قوة المال ). ففي بداية العهد تكون القيم الرزقية تابعة للقيم العملية في الظاهر لأن برجوازيتنا إن صحت التسمية والنسبة وصلت إلى الثروة عن طريق السلطة بخلاف البرجوازية الغربية التي وصلت إلى السلطة عن طريق الثروة. والأمركذلك لغياب الدور المؤثر لملطفات القوتين. فالملطف المدني ( المجتمع المدني من حيث هو مصدر القيم: دور التنظيمات غير السياسية لحماية الحقوق المادية والمعنوية مثل النقابات والجمعيات ) والملطف السياسي ( والمجتمع السياسي من حيث هو مصدر الشرعية: دور الأحزاب أو العشائر أو الطوائف بحسب المجتمعات ) كلاهما شبه معدوم. وفي غاية العهد تكون القيم العملية تابعة للقيم الرزقية في الباطن عندما يصبح للملطفات دور مهم وبعد أن تكون النخب السياسية قد استحوذت على الثروة الوطنية فتسعى للحفاظ على راهن الوضع (الستاتيكو) بلعبة دولة القانون والديموقراطية شرط النأي عن سؤال من انتقل من مد اليد للسؤال إلى ملء الجيب بالمال من غير مواريث أو اعمال. 
وبذلك فالنخب الذوقية تكون في البداية تابعة بصورة غير مباشرة للنخب العملية بتوسط النخب الوجودية التي تعلل سلوكها والنخب الوجودية تكون تابعة بصورة غير مباشرة للنخب الرزقية بتوسط النخب الذوقية التي تعارض النخب الوجودية. ثم ينعكس الامر في الغاية. لكن التداخل المحدد لتبعية القيم بعضها للبعض لا يقتصر على علاقات نخب الداخل بعضها بالبعض. لذلك فالمعادلة تحتاج إلى تدقيق التحليل. ففي البلدان المتقدمة التي تستتبع البلاد المتخلفة تكون القوة غير المباشرة هي الأساس مباشرة بشراء النخب السياسية وبصورة غير مباشرة بتوجيه الرأي العام تحكما في الآلية الديموقراطية بشراء النخب الذوقية والنخب الوجودية المتواطئتين معها من خلال اضفاء المشروعية على سلوكها. لذلك فينبغي أن نعكس في وضعية البلاد المتقدمة. إذ تكون النخب العملية هنا تابعة للنخب الرزقية مباشرة أو بتوسط دور النخب الذوقية والنخب الوجودية التي تعيش على ما ترميه لها من فتات لتؤثرا في الرأي العام وتسيطرا من ثم على المجتمع المدني في بعده الرمزي.
أما السيطرة على البعد المادي من المجتمع المدني فهي جزء من سلطان النخب الرزقية سواء كانت من أصحاب رأس المال ونوابهم أو من اصحاب القوة العاملة ونوابهم أو من النخب المتكلمة باسم هؤلاء أو هاولئك من طحالب المثقفين والاعلاميين. ومن ثم فنخبنا تستمد نجوميتها من سلسلة نفوذية معقدة ومركبة يمكن وصفها على النحو التالي. فهي لا تستمد دورها من كونها مبدعة لما تتحدث باسمه فتسمى بالنسبة إليه. وليس ذلك لضآلة الابداع فحسب بل لأن الابداع لم يصبح مصدرا لمنزلة فاعلة في المجتمع فتمكن صاحبها من أن يكون ذا تأثير رمزي يحرك وذلك بسبب ما حل بالذائقة العامة من تبليد لعل أهم اسبابه النسخ المسيخة من الابداع الحقيقي في الغرب وخاصة نسخ الادب الممسرح أو المسنمن. ما تزال الذائقة العربية محكومة بالمفارقة التالية. فالنخب القديمة المؤثرة فقدت تأثيرها لزوال التأثير الرمزي الذي يعد أساس الدور الذي يؤديه فقهاء الشرع والمتصوفة ومتكلمو اللاهوت وشعراء البلاط والنخب البديلة لم تصبح بعد مؤثرة لعدم شروع التأثير الرمزي للدور الذي يمكن أن يؤديه فقهاء الوضع والفنانون ومتكلمو الناسوت وشعراء المخاط. لذلك فإنه يمكن لإعلامي كذوب أو لمغنية طروب أو لراقصة لعوب أن يكونوا أكبر تأثيرا من كلا الصنفين صنف النخب التي دورها فات أو صنف بدائلها التي تزعم أن دورها آت. 
وإذن فليس من المصادفة أن احتاجت النخب التي تدعي اداء دور المثقف إلى الاتكاء على سلطان براني يكون سلطان النخب الرزقية أو النخب العملية الأهليتين أو الأجنبيتين. وذلك هو مفهوم الجاه بمعناه الخلدوني. بل إن النخب الذوقية والنخب الرزقية والنخب النظرية والنخب العلمية والنخب الوجودية نخب يحددها ذوق ورزق ونظر وعمل ووجود خمستها سلبي مصدرها لاستنادها إما إلى الماضي الأهلي المعارض لما بدأ ينبت من الماضي الغربي في مجتمعاتنا أو إلى الماضي الغربي المعارض لما بدأ يستعاد من الماضي الأهلي. ومن ثم فالرأي العام المحدد تحديدا إيجابيا ليس هو الرأي العام الأهلي ولا حتى الرأي العام الغربي مصدر القيم في وطنه بل هو المافيات الغربية التي تقاسم المافيات المحلية ثمرات الاستعمار الباطن ( وهو استعمار بالنخب التي نوبها الاستعمار في ادارة مستعمراته السابقة ) الذي وليى الاستعمار الظاهر. ولعل الشكل الظاهر من الاستعمار سيعود من جديد لأن أمريكا بدأت تخشى من التدخلات الخفية للقوى المنافسة. لم يعد التسيير عن بعد يكفي لانفتاح لعب القوى المحلية قريبا انفتاحه على الأقطاب الاربعة في ما تعتبره مجالاتها الحيوية من منطلق الاستعداد للعماليق الأربعة التالية: الصين وتوابعها والهند وتوابعها وروسيا وتوابعها وأوروبا وتوابعها. ولم يبق للرأي العام الاهلي إلا التحديد السلبي فضلا عن امتناع الوصول للرأي العام الغربي المبدع حقا للقيم في بلده. 
ويكون هذا التحديد السلبي إما برفض ما بدأ ينبت من الماضي الغربي في مجتمعاتنا (قيم الحداثة وهي ماض لان الحاضر الغربي محكوم بقيم أخرى فضلا عن كون الحاضر لا يحاكى لعدم استقراره وعدم تحدد خطوط قواه ) رفضا يتأسس على تجميد قيم الدين في الشكل الذي حصل لها في ماضي المسلمين أو برفض ما بدأ يستعاد من الماضي العربي فيها ( قيم الأصالة لأن القيم التي تحكم الحاضر مجهولة ومن ثم فتأثيرها مغيب فلا نعلم على وجه التحديد طبيعة القيم المؤثرة في حياتنا الخلقية لغلبة التكاذب الجمعي والنفاق في كل مجالات القيم الخمسة) رفضا يتأسس على تجميد قيم العقل في شكل التحقق الذي حصل لها في ماضي الغرب. ومعنى ذلك أن كلا الموقفين يجمد واقعا قد حصل ( صورة عن الماضي الأهلي أو الاجنبي ) فيحوله إلى مثال أعلى قاتلا لذلك الحاضر وحائلا دون أي تحقيق لمستقبل حر يتحدد عادة بالعلاقة بين واقع حي ومثال أعلى لم يتحقق سابقا حتى يكون الوصل بين الواقع الحي والمثال المطلق مغامرة وجودية فعلية وليس محاكاة لاعراض مجردة من تصورات ميتة لواقعين كلاهما شبع موتا.

4- المقدمة الرابعة: موضوعنا بالقصد الثاني
وسنقدم في هذه المحاولة فصليها الثاني والثالث مثالين من كلا النوعين من القيم الذوقية والوجودية ببعدي المثال التصوري والتاريخي. إنهما مثالان كلاهما ذو بعدين تصوري وتاريخي يبينان التعامد بين خط الفصام العمودي (بين الاصولية الدينية والأصولية العلمانية ) وخط الفصام الأفقي ( بين العمل على علم بطبيعة الفعل التاريخي والتخبط للجهل بها ). أما الأنواع الثلاثة الأخرى فلا أظن أحدا يناقش في ما زعمناه توصيفا لأصحابها بحسب التحديد النظري والتمثيل التطبيقي. فنخب القيم الرزقية (نخب الاقتصاد) والقيم العملية (نخب السياسة) أمرهما بين للعيان ومن ثم فهو غني عن التمثيل. لا أحد يشكك في تبعيتهما أو في كونهما يتسمدان النجومية سلبا ( من لا ترضى عنه نخب مجاله في الغرب ) أو إيجابا ( من ترضى عنه نخب مجاله في الغرب ) من القوى الاستعمارية. لا أحد يمكن أن يزعم أن رجال الأعمال في الوطن العربي يمثلون نخبة ذات ابداع قيمي: ويكفي دليل واحد لبيان شرطي نفي كل ابداع في الحالتين. 
فلو كانت نخب الرزق نخبا ذات قوة غير مباشرة مستقلة عن أصحاب القوة المباشرة ( المافيات الحاكمة ) لكانوا أول الساعين للتوحيد العربي على الأقل ليكون لهم قاعدة كافية لخوض صراع الحيتان في السوق العالمية في أي مادة للاعمال. لكنهم في الحقيقة إما ظل لاصحاب القوة المباشرة أو هم هم. فالفصل المحقق لشروط تقابل المصالح بين النخبتين لم يحصل بعد حصولا كافيا يمكن من العمل المستقل. لو كانوا نخبا ذات أفق يتجاوز الأعمال الحقيرة لكانت عيونهم بصيرة ولما بقيت أيديهم قصيرة! لو كانوا حقا نخبا مبدعة لاصبحت القوة المباشرة تابعة لهم بدل أن يكونوا هم تابعين لها ومن ثم لخلقوا قوى سياسية تحقق الوحدة كما حصل في أمريكا سابقا وكما نراه يحصل في أوروبا حاليا وكما هو منطق كل الوحدات في التاريخ الانساني. ولا نستثني من هذا المنطق الوحدات التي حققتها العقيدة الدينية. فالدين عندما يكون دينا صادقا وليس مجرد نفاق كما هو شأن الاديان المحرفة يكون سعيا لارث الأرض ومن ثم فلعامل القوة غير المباشرة دور الدافع الأساسي في تحقيق الوجود السياسي والحضاري للاديان. ولعل أهم مضامين الرسالة القرآنية في قصص الأنبياء بيان هذه الحقيقة التي لاجدال فيها: لا معنى للاخرة من دون مطيتها التي هي الدنيا إرثا لها وحماية من الفساد في الأرض ومن ظلم المستضعفين.
ولو كانت نخب العمل نخبا ذات قوة ذاتية وليست تابعة للمافيات الاستعمارية التي تستبعهم للنخب الرزقية في بلادها ( على الاقل بجعلها في خدمة الصفقات التي هي نهب مشترك ومنظم لثروات بلادنا ) لكانوا أول الباحثين عن شروط استقلال القرار السياسي أعني الحجم الفعلي للارادة تماما كما فعلت نخب أوروبا التي تنازلت عن العقيدة القومية رغم وجود القوميات وجودا فعليا ( تعدد اللغات والثقافات الاوروبية أكثر من عشرين لغة ) في حين أن نخبنا السياسية هي أكثر النخب الساعية إلى خلق قوميات من عدم باحياء ماض متقدم على الإسلام لم يعد إلا سلعة سياحية وبالنفخ في بقايا الاستعمار إلى حد تقسيم الوطن إلى جهات مناظرة لمناطق الاستعمارات والتبعيات.
ونأتي الآن إلى النخب النظرية أعني أولئك الذين يتصورون أنفسهم باحثين أو علماء أو اساتذة جامعيين لمجرد كونهم لهم هذا الموقع في أشباه الدول التي تحكم في أقطار الوطن. فأكثر هؤلاء تزعما للتنوير أكثرهم نفيا لشروط القيام الحضاري والتاريخي للامم عامة وللامة العربية خاصة ومن ثم لكل معنى يمكن أن ينسب إليه مشروع التنوير: تجاوز الحدود القومية بل والثقافية إلى الكونية المتوالية في الزمان والمتساوقة في المكان بخلاف ما يسعى إليه أشباه مفكرينا ممن يريدون العودة إلى قوميات شبعت موتا لمجرد أن ذلك يمدهم بمقفاز النجومية. إنهم يريدون أن يحققوا تحديثا فوقيا بحسب ايديولوجيات لم يستعوبوا لوازمها ومن ثم فهي غير مفهومة لهم لمجرد جهلهم بشروط تحقيقها في الواقع التاريخي الفعلي بحيث إن
تاريخ النشر : 29-04-2005

6347 : عدد القراءات


يلفت موقع الملتقى الألكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.


 

 

 

 

 

الصفحة الرئيسية   l   دراسات قرأنية   l   دراسات حديثة   l   الفقه و الأصول   l   العقيدة و الكلام   l   فلسفة التجديد

قضايا التجـديـد   l   إتجاهات الإصلاح   l   التعليم و المناهج   l   التراث السياسي   l   الدين و الدولة   l   الحقوق و الحريات

مفاهيم و مصطلحات   l   الإسلام السياسي    l    الظاهرة الدينية   l   فلسفة الدين   l   فلسفة الأخلاق   l    قضايا فلسفية

المـــرأة و النسوية   l   الإسلام و الغرب    l   عروض و مراجعات   l   إصدارات   l    حوارات و شخصيات   l    مـؤتـمـرات و متابعات

جديد الملتقى   l   سجل الزوار   l    رأيك يهمنا   l   اتصل بنا

   ©2024 Almultaka  جميع الحقوق محفوظة 

Designed by ZoomSite.com