آخر تحديث للموقع

 2022-08-20

 
Facebook Twitter Rss

النص والتراث  .  دراسات قرآنية

دراسات حديثية    |    الفقه و الأصول    |    العقيدة و الكلام

  •     

عولمة النجومية وفصام النخب العربية ( 2 )

أبو يعرب المرزوقي


. (القسم الثاني)

الفصل الثالث: النجومية في النخبة الذوقية
المسألة الثانية: مثال من النخب الذوقية
1- العلاج التصوري 
لن نتكلم في النخب الذوقية المبدعة للاعمال الفنية حتى لو سلمنا بأن مجتمعاتنا يمكن ألا تكون خالية من بذراتها رغم قلة ثمراتها. سنتكلم على المتكلمين في الابداع وهم من أكبر الاتباع. فمزاعم النقد عندنا يفضل كم الابداع فيها بما فيه من الفقاع. لكن أصحابها مع ذلك يحددون القيم الذوقية التي منها النقد الذوقي سواء جمع أصحابه بين الابداع والنقد او اقتصروا على النقد المتفرج مع سلوك الخيلاء والتبرج. وقد يتصور القارئ المتسرع أن مجال الذوق حكر على النخب المتكلمة باسم العقل بمقتضى كون النخب المتكلمة باسم الدين قد حسمت المشكلة بأن أخرجت الفنون من حياة المسلمين لفرط تفاهة فكرهم المزعوم دينيا وفقهيا. لكن ذلك مجرد ظاهر من الأمر. فموقف الفقهاء الذي تدنى وتجنى ليس كافيا لتبني الفكر الديني الاسلامي نفي الفنون لو لم يعضده ما أصاب المتكلمين باسمها من انحطاط ذوقي ومجون آل بهم إلى التحطيم الذاتي بأسباب الهرم البدني والجنون ناكرين الديني الأهلي في اعمالهم رغم استمدادهم اياه من تقليد الفن الغربي. 
فهذا الفن مثله مثل الفكر الفلسفي الغربي مشبع بالفكر الديني المسيحي ( الرموز التوراتية الانجيلية ) واليوناني (الاساطير اليونانية ) والجرماني ( الاساطير البربرية ). ولا يغفل عن ذلك إلا مأفون اطلاعه على الابداع في مجالي الفلسفة والفن لا يتعدى سطحيات أشباه المفكرين الذين يزعمون أنهم من العلمانيين أو من الماركسيين. لذلك فهم لم يخرجوا الديني عامة من الفن لاستحالته بمقتضى كون الديني من حيث هو ديني والفني من حيث هو فني هما عين المقدس. إنما أخرجوا الاسلام دون سواه مستبدلين رموزه برموز دينية يستعملونها في سرقاتهم الأدبية بوعي أو بغفلة غبية. ويصح هذا الوصف عن مزعوم ابداعهم سواء كان بالاداة اللسانية مباشرة ( كالشعر والقص ) أو في ترجماتهما الدرامية إما ترجمة مباشرة ( المسرح ) أو مسجلة ( السينما والتلفزة).
وحتى نفهم هذا الظاهرة لا بد أن نبدأ بالبعد التصوري من الفصام الحاصل في ميدان قيم الذوق بين نخب الحضارة العربية الإسلامية قبل الكلام على البعد التاريخي. فإرادة اخراج الفنون من الحياة عند المتخلف من المتكلمين باسم الدين لم يخرجها من الحياة بل أخرج أصحاب المحاولة منها. حتى إن المرء ليتساءل هل منهم من قرأ القرآن وهو حقا صاح؟ هل منهم من فهم ما وعاه الغزالي في المضنون الصغير إذ اعتبر الادراك النبوي من جنس التفرد العبقري في الادارك الفني تمثيلا بالشعر والموسيقى؟ أو المحاسبي في التوهم عندما صار عنده وصف الجنة نموذجا لدرس آمال النفوس التي تجعل المتخيل من جنس المحسوس فتتطابق العيانات والحدوس ؟ لذلك فليس الفن هو الذي خرج من الحياة بل الدين الإسلامي الذي فصلوه عن الفن هو الذي أصبح على هامش تجارب الحياة الصادقة. 
ولا غرابة! فلا يمكن لمن هم في أرذل العمر أشباه الموتى أن يفهموا أن الحياة هي الفن تعبيرا عن أسمى التجارب الروحية وأنها عبادة للمألوه بتوسط الرموز التي ندرك بها الالهي في آياته التي هي تجلياته الحية. لذلك فلا بد من فهم هذه الظاهرة التي أعتبرها أخطر على الاسلام من كل علامات الانحطاط الأخرى. ولا بد من التمثيل لها حتى نفهم مدلول عولمة النخب بما في ذلك النخب الدينية التي حددتها العولمة بالسلب: فهي تتحدد سلبا زعما إياها صمودا أمام الغزو الثقافي ومعارضة للعولمة الحالية بصورتها المشوهة وتعتمد على صورة أكثر تشويها حول عولمة الاسلام الماضية بدل ادراك الكوني في كل الحضارات من حيث هو الافق المبين الذي تطل منه على آيات رب العالمين .
وإذا كان المتكلمون باسم الدين قد أخرجوا الإسلام من الحياة لاخراجهم الفنون منه فإن المتكلمين باسم العقل قد أفقدوا حياة المسلمين معناها لانهم أخرجوا ضروب تجلي المقدس عندهم من الفن الذي حصروه في المدنس مرتين: بأن استعاروا الرموز التي يأباها الوعي الديني الاسلامي وبأن صوروا ذلك تحريرا للفن من الدين في حين أنه اخضاع له لأديان أخرى. فالفنان صار عبدا لسيد هواه الذي يمول ملهاه ليجعله " في كل حانة يهيم إدراكه بهيم ووعيه سديم فلا يصح لحدسه نفاذ يمكن لنور قلبه أن يستقيم" إلى أن يتعنس فيتكنس. وتلك هي الوظيفة الاستلابية التي حذقتها مافيات الاحزاب القومية ثم بعد افلاسها نابتها فيها قبائل الوبر بفضل جلوسها على زيت الحجر. لذلك فقد انقسمت نجوم الحياة الذوقية إلى نوعين. فأما النوع الأول فنجد ممثليه في المتكلمين باسم الدين: شيخ خرف جعل محاربة الفنون بكلام ذي شجون ترهب الفنانات وتلهب لا وعيهن خلطا بين سوي المعقدات ومرضي الخرافات جعلها غاية الحديث. وأما النوع الثاني فنجد ممثليه في المتكلمين باسم التنوير والتغيير: قزم صلف جعل مقايضة المسكرات بالمقدسات في سوق الاستعلامات سليلا لجرأة كل داعر على التشاعر بزاد لساني ووجداني شاغر جعلها غاية التحديث. 
لم يعد الفن تعبيرا عن تجربة الحياة والسمو الموجب بتجليات مفاعليها السمو الذي تكون فيه قيم الذوق آفاق الولوج إلى معاني الوجود للتعبير عن أفضل أبعاده الحية بتحرير الجسم بدل تخديره الذي يمارسه فنانو الحك الذاتي عند الأجارب. فالجسم هو المشعر المقدس الأسمى من منظور الإسلام. إنه المشعر الذي بناه الرب ووضع فيه بعض نفسه بنفسه. لذلك فهو أكثر قدسية من كل المشاعر التي بناها الانبياء فضلا عن التي بناها الناس العاديون. لذلك فطاقات الجسم الحية أو غرائزه بمعزل عن توظيفها سموا أو سفلا هي تجليات المشعر المطلق وحياته. وهو بحياته ومفاعليها الجميلة عينة من التنفس الالهي عينه فيه. فإذا لم يكن الفن الصراع الحي لتجلي مفاعيل الغرائز الفعلي سموا من مجرد الحياة إلى الحياة بمعناها الأتم فلن تكون متعة اللذة لذة الوعي بالمتعة. لن يكون تحقق الذات التطابق التام بين وعي الذة ولذة الوعي تطابقا هو حقيقة الحياة. فتصبح الحياة عيش بهيمي لا يختلف عن اللذة التي يجدها الحمار في أكل العشب والخضار أو عن اللذة التي يجدها بيادق المتشاعرة في الفنادق الفاخرة حيث يصبح اغراء العسل والكحول بعد حياة البصل والفول الشغل والمشغول الذي ينسي المبادئ والأصول. لا ذوق ولا ابداع لمن هو في سكر موصول. كيف وهو عن الصحو مفصول!؟ 
ومن ثم فهذا النوع الثاني من النخب ينفي غاية مفاعيل الحياة بحصر الفن في بداياته الاصطناعية بالبهارات والمخدرات مثل الرياضي الذي يتحرك بالمنشطات. لم يفهم هؤلاء أن الوعي بملتهب الشعورات سوانح مفطورات وقمة وجدانات شعورا قدسيا درجته الاولى هي العبادات وادراك فاني الحياة التي يذوقها المرء بلا تناه في كل تجل وتماه: معاملات الجوارج التي يعد الوعي بلذة الجماع أفضل رموزها لا معنى لها إذا لم تكن تعبيرا عن الشعور بالحياة الفانية آية للحياة الباقية. أما النوع الأول من النخب فينفي حياة الغرائز بحصر الدين في بداياته غير العفوية بالشعارات والتهديدات مثل مغاسيل الدماغ بالايديولوجيات. لم يفهم هؤلاء كذلك أن الوعي بلاهب السؤلات هو غاية الشعور الفني من حيث هو إدراك لما ترمز إليه حيرة الوجود من توق إلى الخلود والتشبه بالواحد المعبود: عبادات الجوارح التي تعد الصلاة أفضل رموزها لا معنى لها إذا لم تكن تعبيرا عن الشعور بالتواصل بين الحياتين الفانية والباقية. 
كلتا النخبتين لم تدرك بعد بسبب ما أصاب فكر الانحطاط من تبلد ذهني أن ما بين البداية والغاية الفنيتين هو عينه ما بين الغاية والبداية الدينيتين. إنهما تتبادلان الغاية والبداية حتى تتطابقا في تمام اللانهاية. فلولا عبادة الجوارج لامتنع الشعور الفني: وأرقاها عبادة المصلي. ولولا معاملة الجوارج لامتنع الشعور الديني: وأرقاها معاملة الرقص. ذلك أن عبادة الجوارج ليست الحركات العادية بل هي خضوع المشعر ( الجسد) الإرادي للروح الالهي الذي نفخ فيه. ومن ثم فهو إدراك يربي الارادة من أجل تحقيق التناغم بين المشعر والشعور شوقا تزول فيه الحواجز بين الشاعر والمشعور. ومعاملة الجوارج ليست اللذائذ البهيمية بل هي ظهور المشاعر ( حياة الجسد ) الارادي للوعي بصدور الروح من المشعر. فيكون الفن بذلك بدايته غاية الشعور الديني: من دون شعور بالمطلق لا معنى للتعبير الفني. ويكون الدين بدايته غاية الشعور الفني: من دون عيش المطلق في الذات والتعبير عنه لا معنى للشعور الديني. ولولا ذلك لما كان ينبغي أن يكون تصور الجزاء في القرآن الكريم بدنيا وروحيا ولصحت أفكار الفلاسفة السخيفة أفكارهم التي تقصر البعث على الروح من دون البدن بل وبعث النفس الكلية من دون النفوس الجزئية بلسان الفلسفة القديمة والوسيطة. 
2- العلاج التاريخي
ولنأت الآن إلى العلاج التاريخي. فهو مضاعف مثل العلاج التصوري. فتاريخ الموقف الفني في علاقته بالموقف الديني يمكن أن يعرض نسقيا برده إلى جنسين كلاهما ذي بداية ونهاية مضاعفتين. فالجنس الأول بدايته تمثلت في فهمين غير سويين لانهما يحطان من الحياة الطبيعية معتبرين إياها شريرة بالذات أو بسبب الخطئية الأصلية: 1- الفهم الفلسفي ( الأفلاطونية ) 2- والفهم الديني ( المسيحية ). أما غايته فتمثلت في اطلاقهما إلى حد البلوغ بهما إلى نقيضيهما بشبه قلب نيتشوي أعني: 1.1- الواقعية الماركسية 1.2- والنفعية المسيحية الصهيونية. فبات الفن مجرد أداة موظفة لخدمة إيديولوجيا مزعومة فلسفية أو موهومة دينية وليس أحد سبل الابداع الرمزي والفعلي المحدد لآفاق ادراك القيم وتحقيقها. 
أما الجنس الثاني فبدايته تمثلت في فهمين سويين ينميان الحياة الطبيعية: 1- الفهم الفلسفي (الارسطية) 2- والفهم الديني ( الحنيفية). لكن نهايته لم تتحقق بعد لأن كل محاولاتهما ما تزال تعاني من تعثر البداية بمفعول بداية الجنس السابق ( في قتل الغرائز الصوفي والغاء الفقهاء الحياة الروحية من الدين باخراج الفنون منه ) فضلا عن مفعول غايته ( بالفن التخديري وتسيب الغرائز البهيمي). وتلك هي علة حرب المسيحية الصهيونية على سعي القيم الذوقية التي حددها أرسطو (بالعقل ) وحددها محمد ( بالوجدان) وعلى مجالي تجليهما أعني الطبيعة والتاريخ نحو غايتهما. وينبغي أن تكون الغاية نقل ما كان مجرد تصور إلى حقيقة لأن المنطق في هذه الحالة لا يمكن أن يكون جدليا من النقيض إلى النقيض إذ إن التناقض في حقيقة الفن تم تجاوزه من البداية في الحلين الارسطي والمحمدي ولم يبق الاكتمال مقتضيا التجاوز بل التحقيق فيكون التوالي بين التصور والانجاز: أي إن غاية الفن الحقيقية هي استكمال البداية الأرسطية والمحمدية ببعديهما. 
فادراك الممكن والتطهير من منطلق ما في الشخص الانساني من خصائص طبيعية ( أرسطو) يصبح من منطلق ما بين الاشخاص من أواصر اجتماعية ( محمد ) تحقيق الحريات القيمية في الذوق والرزق والنظر والعمل والوجود تحقيقا مضاعفا في الابداع الرمزي وفي الابداع التاريخي. وذلك هو ما يسميه القرآن الكريم التنافس في الخيرات. لذلك فغاية الجنس السوي من الفن نقل التحديد الارسطي والتحديد المحمدي من مجرد التصور إلى التحقيق. وما يهمنا هو التحديد المحمدي الذي يجهله أشباه علماء الدين فضلا عن أشباه علماء الدنيا. فأغلبهم يذهب بهم الغباء إلى حد تصور الدين الاسلامي والفلسفة متنافيين. لكأنه يمكن من دون إيمان بوجود الحقيقة وإيمان بقدرة العقل البشري على البلوغ إليها يمكن للعلم أن يشرع في الوجود فضلا عن تحقيق أهداف الانسان شرطين لكل فكر فلسفي. أو يمكن لدين يحتج لدعوته باعتبار الآيات الطبيعية والخلقية أن ينافي الحقيقة العلمية والفلسفية. 
إن ملخص التحديد الأرسطي يمكن أن يرجع إلى قضيتين: ففي كتاب الشعر يعرف أرسطو الشعر ببعده المعرفي الطبيعي ( النمذجة الرمزية: موضوع الادارك الفني يتوسط بين التاريخي أو العيني والفلسفي أو الكلي ) وببعده الخلقي الطبيعي ( التطهير: ثمرة الادراك الفني تتوسط بين اشباع الفعل بحركته الطبيعية من فعله أو اشباعه بحركة رمزية من خلال الانفعال بحدوثه رمزيا في الأثر الفني ). لكن أرسطو الذي يعلل الأمرين ادراكا معرفيا وادراكا خلقيا بالاليات النفسية والعضوية لم يذهب إلى ما هو أعمق من هذا الفهم. لذلك فإن التحديد الديني المحمدي لابعاد الفن هو الذي سيغوص إلى هذه الاعماق. فالتحديد المحمدي للفن يضيف إلى منطور التحديد الطبيعي المنظور التاريخي لعمل الابداع والاثر الفني في الجماعة وراء المنظور الطبيعي للفرد: علم نفس الفرد الذي بنى عليه أرسطو نظرية الفن ليس كافيا لكون الفرد في المنظور الديني عقدة وجودية تلتقي فيها المفاعيل الطبيعية والتاريخية فعلا وانفعالا ومن ثم فهو ليس مصدرا لأي منهما حتى وإن كان محطة ضرورية في بث الفعل وتلقيه بداية وغاية للتفاعل الفني في الوجود التاريخي للجماعات. فالرمز المعرفي في الابداع عند أرسطو وسيط بين علم الكلي الفلسفي وعلم الجزئي التاريخي. لذلك فهو عنده المتعين الحقيقي من الإنسان, المتعين الذي يقبل الحصول في كل مكان وزمان. والتطهير الخلقي في الابداع عنده وسيط بين فعل العنف وانفعاله الطبيعين. وكلاهما بعد من الإنسان من حيث هو ناطق الحيوان. 
وبذلك يتبين أننا بين البداية والغاية في الجنس الأول من النظريات النقدية انتقلنا من نفي الوجود الحسي باسم الوجود العقلي والمثالي ( طرد الشعراء الذين يحولون الواقع إلى مثال بأدبهم ) إلى نقيضه نفيا للوجود المثالي باسم الوجود الحسي ( الواقعية الأدبية التي تجعل التاريخ المادية التاريخية مثالا أعلى) ومن نفي الدفاع عن الذات باسم حب الجار والحياة الجنسية باسم العفة ( أخلاق الرهبان التي يذمها القرآن الكريم) إلى نقيضيهما في الفن المعتمد على العنف والبرنوغرافيا غرضين شبه وحيدين للابداع الفني (الفن الأمريكي). وبذلك فإن هذا النوع من النقلة من النقيض إلى النقيض علته ميتافيزيا وميتاتاريخ مطلقين ونهائيين يعتمدان على علم محيط مزعوم يحدد ما ينبغي أن يكون عليه الانسان ويكلف سلطة روحية معصومة بمراقبة الابداع الرمزي لئلا يفسد العقيدة والشريعة سواء كانتا عقليتين ( أفلاطون ) أو نقلية ( المسيحية). 
أما في الحالة الثانية فالنقلة علتها عدم القول بالعلم المحيط واعتبار الابداع الفني والابداع التاريخي مسهمين في تحقيق الادراك المتدرج للقيم ولتحقيقها تماما كما يحصل الامر في المعرفة العلمية المتدرجة للموضوعات ولكيفيات التعامل معها مع ما ينبغي من الحذر في التجريب العلمي. ولما كان أثر الفن في التاريخ لا يقل وقعا من أثر العلم فيه فإن نفس الحذر ينبغي أن ينطبق. فنحن لا نتهور فنجرب الابداع النظري من دون اخضاعه لمعايير منهجية تقرها الجماعة العلمية بوصفها سلطة نقد اجتهادي. وينبغي أن يكون الأمر بالمثل في الابداع الفني بشرط أن يقاس الأثر وتحدد المعايير بنفس السلطة الاجتهادية من دون أن تتحول سلطة النقد إلى سلطة رقابة. فنميز في الابداع الذوقي بين مستويين كما نفعل في الابداع العلمي: حرية البحث المطلق والتجريب العقلي مع الحذر الواجب في التجريب والتطبيق الفعليين. 
فلا يعقل أن نعمل بالحذر التجريبي في مجال الصحة العضوية ونحجم عن استعماله في مجال الصحة النفسية: ويكفي لفهم ذلك دراسة آثار العنف والجنس في الفن الامريكي على الاطفال في العالم. ومثلما ميزنا بين التجربة العقلية المجردة التي هي مطلقة الحرية وتجربة التطبيقات في الفنون عامة والآداب خاصة على نظيريهما في العلوم لما لكلا صنفي الابداع من التأثير في حياة الناس العضوية والنفسية وخاصة الأطفال فإنه ينبغي كذلك أن نميز بين أنواع الفنون. فما كان منها مباشر التأثير يكون فيه الحرص على هذا التمييز أكثر صرامة وما كان منها لا يؤثر إلا بمقدار ما يستدعي من جهد فكري لا يتم من غير النضوح الكافي عند المتلقي فإن حرية المبدع تكون أكبر. ومن ثم فإن الفنون ذات التأثير المباشر أعني الفنون التمثيلية أوغير المجردة ( مثل الرسم التمثيلي والمسرح والسينما ) هي التي لا بد فيها من الحذر الصارم. أما الفنون المجردة مثل الموسيقى أو الرسم غير التمثيلي فإن حرية المبدع فيها ينبغي أن تكون مطلقة لما أسلفنا من عدم تأثير هذه الفنون كرها لكون أثرها بما يقتضيه الوصول إليها من جهد فكري يكون طوعا.

المسألة الثالثة: مدلول إنما أتيت لاتمم كارم الأخلاق

1- مفهوم الاخلاق 
ونأتي الآن إلى التحديد القرآني لغاية النظرية الفنية وعلاقتها بمنزلة الاسلام في تاريخ الرسالات الاسلامية ومعنى كونه اتماما لمكارم الاخلاق. وقبل تحديد هذه العلاقة لا بد من تفسير غياب عنوان القيم الخلقية في منظومة القيم الخمسة التي اعتمدت عليها تحليلاتنا. فالأخلاق ليست عندنا ضربا من ضروب القيم بمعزل عن القيم الأخرى أو بجوارها بل هي تمامها أعني قيامها السوي: إنها مثال مجالها الأعلى جمعا لمعنيي المثال أعني تمام الخلق (جهدا تحصيليا: ومعنى ذلك أن كل موجود من حيث هو موجود جهد قيام يشرئب إلى كماله الذاتي) والخلقة ( حصولا: ومعنى ذلك أن حصيلة الجهد هي في كل لحظة من لحظات التحصيل كمال صوري يوحد ما تقدم من مراحل التحصيل ويوجه ما يلي منها ). ومن ثم فنسبة الأخلاق بهذا المعنى إلى أصناف القيم الخمسة هي عينها نسبة الإسلام إلى الأديان الكونية المنزلة ( قبل تحريف بعضها ليتحول إلى أديان قومية ) الخمسة الرئيسية التي تقدمت عليه. فمثلما لا تعد الاخلاق ضربا سادسا من القيم بل هي معنى كونها تلك القيم فإن الاسلام ليس رسالة سادسة بل هو معنى كون تلك الرسالات هي تلك الرسالات. لذلك كان الاسلام دينا نقديا للتحريف بالجوهر واستئنافا واحياء للرسالات لا رسالة جديدة. فكان مجيء محمد بهذا المعنى متمما لمكارم الاخلاق. فالأخلاق لا تعني ما فهمه الفقهاء حصرا إياها في احدى ثمراتها اعني سياسة التعامل بين البشر بل هي تمام القيم من حيث فعل تحصيلها وحصيلة هذا الفعل. ذلك أن السياسة يمكن أن يستغني أصحابها عن الأخلاق إذا عدمت فيهم الأخلاق كما نراه في كل الآفاق من الوطن الذي يعاني من الاختناق من الكذب والنفاق. فتكون مجرد منظومة من الحيل للنجاح كما هو الشأن عند الساسة والتجار وكل محتال من النخب التي تريك العجب بما تحذق من التلون والكذب. 
وهذه الرسالات التي سيكون الاسلام تمامها الخلقي بالمعنيين اللذين أشرنا إليهما هي: 1- الرسالة الآدمية تأسيسا لنظام الحياة الاسرية على الذوق والجمال 2- والرسالة النوحية تأسيسا لنظام الحياة الاقصادية على العمل الانتاجي والمال 3- والرسالة الابراهيمية تاسيسا لنظام الحياة المعرفية على النظر والسؤال 4- والرسالة الموسوية تأسيسا لنظام الحياة المدنية على العمل السياسي والجلال 5- والرسالة العيسوية تأسيسا لنظام الحياة الروحية على الزهد وادراك المتعال. ولما كانت الرابعة والخامسة قد حرفتا تحريفا أفسدت به الخامسة الأولى بأن نفت مبدأها أعني حلية الجنس وتحرير آدم وأبنائه من الخطئية وأفسدت به الرابعة الثانية بأن نفت مبدأها أعني كونية الرسالات وانجاء كل البشر من الغرق كان لا بد أن يأتي من يذكر بها جميعا من منطلق الرسالة الثالثة التي لم تحرف والتي كفرها التحريفان. وقد أنطلق منها الاصلاح المحمدي لأن القرآن الكريم أجاب ابراهيم عليه السلام: " واذ ابتلى ابراهيم ربه بكلمت فأتمهن قال إني جاعلك للناس إماما قال ومن ذريتي قال لن ينال عهدي الظالمين" ( البقرة 124). فكانت الرسالة المحمدية مسك الختام احياء للحنفية التي هي بناء على ما تقدم عليها واعداد لما تلاها من غير تحريفاتها. لذلك فهي بهذا المعنى تمام مكارم الأخلاق. 
وإذن فالمقصود بالسوي ليس أمرا معياريا. إنما القصد كون الاصناف تحصل بحسب ما تقتضيه فطرة الله التي فطرتها. فإذا كانت قيم الذوق وقيم الرزق وقيم النظر وقيم العمل وقيم الوجود ما هي كان ذلك هو المقصود بالحالة السوية. ولنضرب مثالا. فالقيم الذوقية يمكن أن تكون غاية لذاتها. ويمكن أن تكون مجرد أداة لغيرها. فتسعمل في التسويق ( اقتصاديا ). كما تستعمل في الدعاية ( ايديولوجيا). فيكون الفن عندئذ قد أصبح أداة للشر. لم يبق فنا سويا. بل هو لن يبقى سويا حتى لو استعمل أداة في الخير. فلم يكن خيرا لذاته. وكذلك الرزق. فهو قيمة إذا كان رزقا للحياة ورمزا لشروط الاطمئنان لتقلبات الزمان الاطمئنان الذي يحرر الفرد والجماعة من التبعية الناتجة عن الحاجة. أما إذا تحول أداة كبر وتعد على الآخرين فإنه يصبح غير سوي لأنه لا يحرر بل يستعبد. وهكذا بالنسبة إلى كل أنواع القيم التي أحصينا: ذلك أن تمام الخلق هو الطابع السوي للخلقة ومن ثم فهو كون الشيء موافقا لمفطوريته التي فطرته عليها فطرة الله. 
الآن يمكن أن نسأل عن نظرية القيم الذوقية كيف أتمها الاسلام في صيغتها النهائية أو كيف كانت الرسالة المحمدية تمام نظرية القيم الذوقية. وقد نجد أكبر الأدلة النقلية في أمرين يهملهما من لا يفهم طبيعة الثورة المحمدية ولا قيمتها إلى حد جعلها ضديدة نفسها:
الأول هو تبرئية اللذة عامة واللذة الجنسية خاصة تبرئتهما من التأثيم إلى حد صار فيه حب النساء معدودا مع الصلاة والعطر بين أقرب الامور إلى قلب الرسول الكريم.
والثاني هو العناية بالجسد إلى حد تحقيق أكبر ثورتين في تاريخ الوقاية الصحية أعني نظافة المدخل والمخرج بالنسبة إلى الصلة الحيوية بين حياة الجسد وحياة الكون أو الغذاء واعتبار أحب العبادات إلى الرسول الكريم رياضة بدنية دائمة (الصلاة).
أما الجواب العقلي فهو بتعيين ما أضافه التحديد المحمدي ذي المنطلق التاريخي وما بعده للتحديد الأرسطي ذي المنطلق الطبيعي وما بعده ببعديهما المعرفي والخلقي. فكيف صار البعد المعرفي والخلقي اللذين يعدان غاية تاريخ الانسان الطبيعي في منظور أرسطو الطبعاني منطلقين لجعل الإنسان مبدع تاريخه الثقافي الدال على كونه فاعل تاريخه ( انتقال نظرية الذوق من علم النفس إلى علم الاجتماع ) بالسنن التي ينظم بها حريته تنظيما لا يكفي فيه التفسير الطبعاني رغم أن الدين المحمدي يؤسس كل شيء على مفهوم الفطرة الذي ظنه أصحاب الفكر الكليل من جنس مفهوم الطبيعة الفلسفي؟ 
إن دور الفن عامة والأدب خاصة هو المرحلة الرمزية من صنع التاريخ الحضاري للامم طابقا أعلى فوق التاريخ الطبيعي في الرمز بالحيز المكاني رغم كونه متقدما عليه في الرمز بحيز الشرف والدور. فهو فعل فطري بشرط أن نفهم الفطرة بمعنى الخلقة القرآنية لا بمعنى الطبيعة الأرسطية. فالقرآن لا ينسب الفطرة إلى المفطور بل إلى الفاطر: فهي فطرة الله لا فطرة الانسان وإذن فهي تعود إلى الفاطرية لا إلى المفطورية. ومن ثم فالمقصود عملية التحصيل الحي الناتج عن النفخ الالهي في الانسان من حيث هو في كل لحظة من لحظات مجراه حصيلة مبدعة: قيم الذوق هي التعين الأول للنفخ لأنها أصل كل الادراكات التي هي تذوقات بالأساس ومن ثم فهي اتصال حي بالكون كله اتصالا هو في نفس الوقت ادراك وقيام يجعل الطبيعة تشرئب إلى ما يسمو عليها كما حول النفخ الطين إلى كائن متنفس. لذلك فنسبة الابداع الفني إلى الابداع التاريخي في مجالات القيم الاخرى جميعا هي نسبة الرؤى الصادقة إلى اليقظة. وإذن ففنون الأمة هي أحلام اليقظة التي يحاكيها تاريخها الفعلي من حيث هو الابداعات في اصناف القيم الاخرى. ومن ثم فإذا انحط الفن صار محاكاة للتاريخ بدل أن يكون مثالا اعلى له. ذلك ما يمكن أن نستنتجه من سورتي يوسف والشعراء تحديدا للبعد المعرفي والبعد الخلقي من منطلق التحديد التاريخي وما بعده ببعديه الموازيين لما يناظرهما من التحديد الطبيعي الارسطي وما بعده. 

2- بعد الذوق المعرفي (= يخص العقل) من منطلق التاريخ
ففي تعريف البعد المعرفي من منطلق التاريخ يقول جل وعلا في قرآنه الكريم: " نحن نقص عليك أحسن القصص بما أوحينا إليك هذا القرآن وإن كنت من قبله لمن الغافلين" ( يوسف 3) محددا الهدف المعرفي التاريخي لفن القص القرآني. إنه التنبيه من الغفلة بأحكام العمران البشري والتاريخ الانساني في صلتهما بما بعد التاريخ كما تحددت في سورة يوسف عليه السلام. وإذن فأفعل التفضيل تعني هنا أن ما ورد في قصة يوسف من الأحكام يعد المثال الأعلى لطبيعة العلاقة بين ما يحصل في الابداع الرمزي وما يتحقق في الابداع الفعلي. فكيف يحدد القص في سورة يوسف منطق التاريخ الإنساني كله في صلته بما بعد التاريخ؟ فرضيتنا هي أن القص فيها يظهر هذه الصلة في التفاعل بين أصناف القيم الخمسة التي هي رهان العلاقات البشرية في المؤسسات التي لا يخلو منها عمران لكونها من جنس الوظائف العضوية في الكائنات الحية. وتعد هذه القيم غايات والمؤسسات أدوات شرط السلم الاجتماعية في مجريين متطابقين: 
1- مجرى الحصول الرمزي في الرؤى التي تفهم بالتعبير معنى أولا لعلم تأويل آيات الله ومجرى الحصول الفعلي لعمل التأويل. لذلك فالسورة ورد فيها التأويل بمدلوليه القرآنيين: أعني تعبير رموز الرؤيا لاستخراج مدلولها ( وهو ما قام به يوسف ثلاث مرات في القصة: تأويل رؤيي السحينين معه وتأويل رؤيا الحاكم ) 
2- ومجرى التحقيق الفعلي لما يتوصل إليه الحصول الرمزي من مقومات يقتضيها الواقع التاريخي بحسب النضوج المتدرج للوعي النظري والتحقيق العملي وهو المعنى الثاني من معاني التأويل القرآني( وهو ما حصل فاكتفي يوسف بملاحظة حصوله في التأويل الأخير للرؤيا الأولى التي بدأت بها القصة). 
وإذن ففي سورة يوسف تفاعلت صراعات القيم ( الغايات ) في مؤسسات العمران البشري ( الادوات ) بأصنافها الخمسة الرئيسية ( مؤسسة التربية ومؤسسة الاقتصاد مؤسسة التعليم ومؤسسة السياسة والمؤسسة الدينية ) لتمثل المحرك الفعلي للتاريخ من خلال تحريك يخضع لمنطق حبكة القصة الحادثة في مابعد التاريخ رمزا إليه بالرؤى الأربع ( رؤيا يوسف ورؤيا السجيين ورؤيا الفرعون) وفي التاريخ رمزا إليه بالتحقق المتدرج للرؤى الاربع. فتكون القصة اعتبارا يوقظ من الغفلة للوعي بآليات التاريخ البشري في صلته بالارادة الالهية صلة ترتبط مباشر الارتباط بأنواع القيم الخسمة. لذلك فقد كانت حبكة القصة لحمتها منطق المؤسسات العمرانية من حيث هي حيز درامي للعلاقات البشرية وسداها صراع القيم التي هي هدف الحياة الجماعية وموضوع التشريعات الاهية كانت أو بشرية بحسب الأفضل الذي يتوصل إليه الاجتهاد ( علما) والجهاد ( عملا) الانسانين: القيم الذوقية ( التي وردت مرتين جمال يوسف ومنزلة يوسف عند أبيه ) والقيم الرزقية (التي وردت مرتين: يوسف والتجار ثم يوسف وتنظيم الثروة بحسب التوقعات المناخية ) والقيم النظرية ( التي وردت مرتين تأويلا للرؤى وتوقعا للمستقبل ) والصلات العملية ( وزارة يوسف واشرافه على تنظيم الحياة الاقتصادية المصرية ) والقيم الوجودية (استناد كل القيم السابقة على صلة يوسف وأبيه بالله وعدم نسيانه في اللحظات الحرجة). 
ولعل مقارنة سريعة بين نصائح يوسف للفرعون كما رودت في التوراة وكما أوردها القرآن تفهمنا علة وصف القصص هنا بكونه أحسن القصص وعلة كون الاسلام متمما لمكارم الاخلاق. فهو قص للنماذج التي بفضلها يكون الفن وسيطا بين ما بعد التاريخ والتاريخ وساطة تنقل ما يحدده الأول مثلا تدرك ادراك رؤى إلى ما يحدده الثاني تحقق تحقيقا يتعاضد بفضله الابداع الوجودي في مابعد التاريخ والابداع الخلقي بتوسط الابداع الفني في القص القرآني. ففي التوراة جعل التحريف القصة تظهر يوسف وكأنه صاحب سوء ينصح حاكم مصر بخزن المؤن للسنوات العجاف ليسترق بها كل المصريين مقايضا إياهم أراضيهم بالغذاء. لذلك فهو أصبح في الصورة المحرفة مؤسس الاقطاع في مصر القديمة وليس النبي الذي يحدد القرآن الكريم أخلاقة السامية في علاقات الرحم والخدمة والعلم والنصيحة السياسية ومباشرة الحكم. أما في القرآن فهو قد أصبح ممثل مفهوم العدل الاسلامي ومؤسس التوزيع العادل للرزق شرطا للاخوة البشرية: وذلك هو المقصود بمكارم الأخلاق لأن تمام القيم هو كونها غايات بذاتها وليست وسائل للظلم والعدوان.

3- بعد الذوق الخلقي (= يخص الارادة ) من منطلق التاريخ
أما في تعريف البعد الخلقي من منطلق التاريخ فيقول جل وعلا في سورة الشعراء : "والشعراء يتبعهم الغاوون. ألم تر أنهم في كل واد يهيمون. وأنهم يقولون ما لا يفعلون. إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وذكروا الله كثيرا وانتصروا من بعد ما ظلموا. وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون" ( الشعراء 224-227). وليس من اليسر فهم هذه الآية إذا واصلنا قراءتها من منطلق مدلولها السطحي دون ربطها بالمعنى المعرفي من الادراك الفني في المفهوم القرآني الذي حللنا من منطلق سورة يوسف. وأولى ملاحظاتنا هي أن الأمر لم يعد متعلقا بالمعنى النفسي من التطهير. لن نعامل النفس معاملة طبيعية بوصفها محل الفعل والانفعال العاطفي الذي يطهر الفن تجلياته وتعبيراته بل سنعاملها معاملة تاريخية بوصفها ملتقى العلاقة الوطيدة بين الابداع الذوقي والابداع الخلقي أساسين للحياة الجماعية والفاعلية التاريخية فيكون التحقق الرمزي ممهدا للتحقيق الخلقي بالمعنى العام الذي يتضمن تمام أنواع القيم الاخرى جميعا: كيف يتحقق التطابق بين القول والعمل في فعل الانسان الذي لم يعد غافلا؟ ولا يعني ذلك فهما أفلاطونيا للفن فنطرد الشعراء لئلا يشوشوا على الجمهورية ونعيدهم إليها بشرطه الذي هو عين شرط الفقهاء والغاية التي وصل إليها المنظور غير السوي في الواقعية الماركسية والنفعية المسيحية الصهيونية . 
كذلك فهمت الآية الأخيرة إلى حد الآن. وذلك لأنها قرئت بمعزل عن دور أباديع الذوق في القرآن نفسه فضلا عن الدور الذي يحدده لها في الحياة المدنية. فدور الفن في القرآن نفسه لا بد من ربطه بأول فهم للاعجاز القرآني بدر إلى ذهن الأمة: إنه الاعجاز الفني سواء تعلق الفن بخصائص التعبير اللساني العادي أو بالفنون المستعملة لغة من القوة الثانية للتبليغ وخاصة لغة القص القرآني. وأما الدور الذي يحدده له في الحياة فهو مضمون الآية الاخيرة من آيات الشعراء الخاصة بالشعراء بشرط ربطها بمعنى الاعجاز الفني وبمعنى الآيات الثلاث المتقدمة عليها: 
1- فالآية 224 تشير إلى طبيعة تأثير الشعراء المذموم: أعني ما آل إليه الفن عامة والأدب خاصة في الغاية التي انحط إليها الفن كما تعين في نقيض الحل الافلاطوني المسيحي. 
2- والآية 225 تشير إلى بطالتهم: أعني ما آل إليه حال المبدعين الذي صاروا يعيشون على ما يجعلهم عبيدا لاصحاب القيم الرزقية الذين يعولونهم ويغذونهم بالسموم كما تفعل الأحزاب المافياوية الحاكمة عندنا. 
- والآية 226 تشير إلى الفارق بين قول الشعراء وعملهم علامة على عدم الصدق ليس بمعنى الصدق المطابقة مع الموضوع ( وإلا لصار ذلك دعوة للواقعية التي هي المطابقة مع الوقوع أو السقوط) بل الصدق بمعنى المطابقة مع الذات التي تخلصت من الغفلة.
وبذلك نحافظ على الاباديع fictions دون أن يؤول الابداع إلى التوهيم التخديري الذي يوطد الغفلة عن المقدس. فالفن هو محاولات السمو إليه بالرسم الأمين للصراع القيمي بأنواعه الخمسة وصراع التعامل مع الذات ومع الآخرين من أجل القيم الخمس في العمران البشري. لينتهي في الآية الأخيرة إلى تحديد المعيار الذي يحدد طبيعة الشعر ورسالته. فأما طبيعة الشعر فهي معرفية مابعد تاريخية أعني التنبه إلى المقدس وعبادته وهو عكس الغفلة. وأما رسالة الشعر فهي خلقية تاريخية أعني التغلب على الظلم. فيتبين من المقارنة بين التحديدين الديني والفلسفي أن ارسطو قد اهتم بالوظيفة الطبيعية من بعدي الفن من حيث هو ادراك معرفي ومن حيث هو سلوك خلقي دون أن يعالج الكيفية التي تحقق بها الوظيفة الطبيعية هذين البعدين المعرفي والخلقي في الوجود التاريخي. لكن التعريف المحمدي يبين كيف يكون ادراك الممكن (الادراك الفني حسب أرسطو) وسيطا بين ادراك الضروري (الفلسفة) وادراك العرضي (التاريخ) شرط ادراك الضروري وشرط ادراك العرضي بل وكذلك شرط وجودهما الفعلي لأن الفن ليس أدراكا لسابق الوجود بل هو إيجاد لما لم يوجد بعد بفضل كونه شرط نقل الإنسان من الغفلة عن آيات الله إلى اعتبار ها ( بداية سورة يوسف) وشرط نقله من الاقتصار على الابداع الرمزي ( الهيام في الوديان ) إلى الابداع الفعلي ( عمل ما يقول) بفضل الصدق في ادراك المتعالي والعمل على مصارعة الظلم. 
وقد يفهم سطحيو الفكر أن تأويلاتنا التي تصل الفن بالدين تنتهي إلى جعل الفن بهذا الفهم خاضعا للفكر الفقهي. وما ذلك إلا للظن السخيف بأن الدين هو تصوره الفقهي. فالدين من المنظور الفقهي ليس إلا مصدرا للتنظيم التعبدي والقانوني للحياة الخاصة والعامة. فيكون الدين لو حصرناه في منظور الفقه فكرا يجعل الآخرة مطية الدنيا أي إن العقيدة تصبح عندئذ في خدمة الشريعة والشريعة في خدمة المصالح الدنيوية غاية بذاتها وليس مطية لما يسمو عليها. فتكون الشريعة مجرد قواعد لضبط السلوك وسلطة خارجية تراقب تطبيق هذه الضوابط فتتدخل بطلب من صاحبه ( الفتوى) أو من غيره ( القضاء ) أو من السطة العامة بحسب درجات تدخلاتها في العقائد ( النظام العام). والمعلوم أن جل علماء الاسلام الكبار يعتبرون أغلب الفقهاء لهذا السبب بالذات أقل الناس علما بجوهر الدين بل وأقلهم عملا بقيمه الحقيقية. فأغلبهم يصيبه عيب مهني يجعله أكثر الناس تحيلا على قيم الدين الحقيقية من أجل ظاهر الحياة العملية التي تكاد تقتصر على ما لا يتعارض مع مصالحهم المادية. 
ولولا ذلك لما احتاج الغزالي إلى التفكير في احياء علوم الدين بالتصوف ( ذوقا وجدانيا ) والفلسفة ( علما عقليا ) حتى يتخلص من قتلهم الدين وعلومه. عساهم نسوا أن الله لو كان يريد سياسة سد الذرائع التي يتوخونها لأغناهم عن الذرائع بعدم خلق الغرائز وبعدم امتطاء الدنيا للاخرة بل وبعدم خلق الانسان أصلا ولاستمع إلى احتجاج الملائكة الذين يعتبرون الإنسان غير أهل للاستخلاف لكونه يفسد في الارض ويسفك الدماء. ما كان يمكن للانسان ان يسمو إلى المتعاليات من دون مصارعة المتدانيات. لذلك علمه الله التسمية ليكون قادرا على الصياغة الرمزية ذوقا قبل الصياغة المعرفية علما والصياغة التقنية تطبيقيا للذوق والعلم فيتمكن من السلطان على صراعاته القيمية التي هي لحمة العمران وسداه بدءا بالمتدانيات التي تعد معاناتها سلم السمو إلى المتعاليات في مجالات القيم الخمسة. 
وهدف الفن دراسة دراما هذا الصراع بصورة لا تقصره على ما يحصل مع من يستطيع بيسر أن يبلغ القمة كما فعل يوسف. نبينا يبين أن التغلب والتسامي يكونان أتم إذا بدآ من أدنى السلم إلى أقصاه عندما يكون التحصيل بحسب ما هو في مستطاع الانسان العادي بهدي من النماذج دون الزعم بالتطابق معها: ولولا ذلك لكانت حجة من يريد أن يخرج السياسة والجهاد من الدين حجة صحيحة ولأصبح الدين الدين الاسلامي خاضعا لاخلاق تجانس النفاق البابوي والرهباني ورعا وتقوى في الظاهر و" أكثرهم فاسقون" في الباطن. وما أظن أحدا بحاجة إلى التذكير بأن الرسول الكريم برأ الغرائز والصراع من أجل مطلوباتها تبرئته لصراع الارادات في التاريخ لأن معاناة الأولى هو معين مكارم الأخلاق مثلما أن معاناة الثانية هو التسابق في الحسنات بمنطوق القرآن الكريم نفسه. 
وهذه التبرئة هي التي جعلت السياسة تصبح أسمى أعمال الانسان إذا كانت في خدمة القيم ومثلها الفن إذا كان اجتهادا لمعرفة كمائن النفس البشرية رمزيا لعلمها والسلطان عليها والارتفاع بها إلى مكارم الاخلاق. لم يلغ الاسلام الحرب والقتال والصراع الرزقي بل هو وضع لهما قيما لتحقيق الوعد بأن الارض يرثها العباد الصالحون. ولم يلغ الغرائز والصراع الذوقي بل وضع لهما قيما لتحقيق الوعد يعد السمو الدنيوي إلى الرفعة الاخروية. وسورة يوسف تبين نموذج الغاية وتشير إلى منطلق البداية لذلك فهي لا تكون ذات معنى إلا بكل ما يمكن من النقلة من البداية الى الغاية.
ولا يحصل ذلك من دون الجمع بين الابداع الرمزي في كل أجناس القيم والابداع الفعلي فيها ليحصل الابداع التاريخي. فالابداعان يتحدان في الابداع التآنسي لأن أجمل الفنون هو فن التقاسم المعيشي بين البشر حيث يبلغ الفن ذروته في الادراك المشترك للذة والسعادة الدنيوية عينة من الوعد: علما وعملا. وذلك هو البعد المقدس من الفن الذي لا ينبغي أن يرتد إلى المتعة الذاتية من دون مشاركة جماعية إذ اللذات الحقيقية لا تكون فردية بما في ذلك اللذات الجسدية. فأسمى هذه اللذات هي اللذة الجنسية وهي لا تكون كونها الحقيقي إلا توحيدا بين الجنسين بدليل أن أكبر دليل على فشل الفعل الجنسي حصول اللذة القاصرة لاحدهما من دون الآخر. لذلك فقصة موسى لم تنزهه عن مفعول الغرائز بخلاف ما يحاول الفقهاء والمفسرون عمله. فهو وامراة العزيز كلاهما هم بالآخر. الفرق ليس في حدوث الهم فقد جربه الاثنان بل في عدم حدوث التذكر الذي غاب عند زوجة العزيز.
ولا يمكن لمن يحسن القراءة أن ينكر أن كل اللذات التي يمكن تصورها حتى في الخيال الجامح أوردها القرآن في وصف الجنان بما فيها من لذات وولدان. وقد بنى عليها المحاسبي محاولته في التوهم لكي يبين أن اللاتناهي الذي يصل إليه الانسان ليس متعلقا بكم اللذات بل بلاتناهي القدرة على ابداعها بمجرد تخيلها فيصبح فعل الادراك الانساني مبدعا وجوديا وراء الابداع الرمزي المعبر عما يدرك من الموجود الحاصل بل هو يصبح من جنس كن الالهية: يبدع كل ما يفكر فيه فيكون فعل الادراك فعل ابداع رمزي متقدم على المرموز بل وموجد له. وتلك هي غاية الفن حتى في الدنيا. فإذا توفرت فيه الشروط التي وضعتها الآيات التي شرحنا يصبح مبدعا للآفاق الجديدة في الامكان المطلق الذي يعرف ارادة الانسان الخلاقة رمزيا في الفنون والآداب وفعليا في الاخلاق والسياسة خاصة بوصفهما شرطي الخلق في مجالات القيم جميعا. وإذا تخلصنا من الأوهام كانت نسبة الفن المبدع حقا إلى الفن الموهم هي نسبة الجنس الحقيقي إلى الاحتلام. 


الخاتمة
وفي الجملة فإن النخب العربية بكل أصنافها تخلت تخليا شبه تام عن المؤثر الرمزي المستمد من الحضارة الاسلامية لسيطرة النخب العربية غير الاسلامية على النجومية الفكرية. ذلك أن النخب التي تتكلم باسم الدين ليست أقل اهمالا لهذا المؤثر من النخب المتكلمة باسم العقل. فهم لم يفهموا بعد أن الرمز لا يواصل التأثير بمجرد علاقة بالماضي مقصورة على التذكير وعلاقة بالحاضر منحصرة في التشهير بل لا من التدبير والتحيير. فمن دون التدبير يكون التذكير مجرد تغبير. ومن دون تحيير يكون التشهير مجرد تكدير. فهم بذلك قد خلقوا كل النجوم العلمانية التي تجتر سطحيات فكر التنوير وثرثرات فكر التثوير بعلم زائف وعمل ناحف. والتحيير مستحيل من دون الاجتهاد والتخيير لأن قدر العقل الجول والصول بين الأزل والأبد دون سد أو حد. 
لذلك أقدمنا على مجازفة التحيير في أهم مجالين قتلهما إلى حين ترديد التذكير وتشديد التشهير: مجال القيم الذوقية ومجال القيم الوجودية. ذلك أننا نعتقد أنه لا يكفي لتفسير انحصار شبه الابداع في العرب المنتسبين إلى ملة أخرى او إلى بقايا الفرق الغالية أو إلى العلمانية الليرالية أو الماركسية كما ينسب ذلك البعض إلى شيخ النقاد المرحوم احسان عباس. فلا بد أن نعلل العقم بقتل آفاق التحيير للجهل بأن الابداع مصدره الحيرة الوجودية التي من دونها لامعنى للنبوة من حيث هي مناظرة في القيم الوجودية نظرية العبقرية في القيم الذوقية ومحو شروط التخيير للغفلة عن أن الابداع لا يمكن أن يحصل من دون مطلق الحرية في التجريب. ومن السخف تطبيق الاحكام الشرعية في فعل الابداع حتى من المنظور الشرعي: فهو عمل رمزي من جنس السرائر او حديث النفس الذي برأه النبي نفسه من الخضوع للاحكام. لكن القتل والمنع مع ذلك بلغ حدا حال دون المسلمين من العرب والاسهام الفعلي في الحضارة الرمزية بعد ما كان لهم في الجاهلية حتى باتت الابداعات الفنية لا تصل إليهم إلا في مستوياتها الردية - بعد أن صارت نبتة مرمية- وبتوسط الاقليات الهامشية في الحضارة العربية الاسلامية. 
لكن العلاج الفلسفي لما أصاب النخب والقيم في مرحلتنا التاريخية الحالية وحده لا يكفي. فلا بد من التصدي للآزف من المآسي بنفس المنطق المتجاوز لامراض النخب التي قضت على وحدة الأمة. ذلك أن استراتيجية العدو ذات المنظورين الاستلابيين اللذين أفسدا تصور الماضي والمستقبل تعتمد على نوعين من الحلفاء الداخليين. ولعل خطر الأعداء الداخليين أكبر من خطر العدوين الخارجيين حاليا ومن خطر فكي كماشة الأعداء المنظورين. فحلفاء الأعداء في أضيق الداخلين ( الوطن العربي) وفي أوسعهما ( العالم الاسلامي) كلاهما أخطر على الأمة من امريكا واسرائيل إذا لم نحسن التعامل مع صورتي الماضي والمستقبل المشوهتين تعاملا يلغي شرور الفتنة الداخلية بهذين المعنيين. لكن خطر ممثليهما من النخب الثلاث التي ضربنا منها أمثلة وجيزة يبقى دون خطر النخبتين اللتين خصصنا لهما فصلين لأن علاج النوعين من العداء مرهون بعلاج خطر الفصام الذي أصاب هاتين النخبتين. والمعلوم أن تعينات العداوتين وشراستهما تختلفان من حيث الحدة بحسب التجمعات الجهوية العربية الخمسة تنازليا: بدءا بمجموعة الهلال فمجموعة الخليج فمجوعة القرنين فمجموعة النيل فمجموعة المغرب العربي. لكنها تشترك جميعا في ما أدى إليه تصورا الماضي والمستقبل هذان من أدواء كامنة هي أسباب الفتنة بنسب متفاوتة بعضها موجود قبل الاستعمار وبعضها أوجده الاستعمار أو هو بصدد إيجاده كما هو الشأن بالنسبة إلى التنصير في بعض مناطق افريقيا الاسلامية ما دون الصحراء وما فوقها. 
ولعل أفضل ممثل لتعين هذه العلل وشراستها ما نراه في العراق. ولعل ذلك هو ما يعلل كونه أول بلد سعى الامريكان إلى تفجيره. وقد يليه السودان. ولعل دور السعودية فسورية فليبيا فالجزائر فالمغرب فمصر ليس بالأمر المستبعد إذا لمن نتدارك الامر بخطة جريئة تبدأ بحماية العراق مما فيه من ميسرات لعمل العدوين ومن تحويله إلى بؤرة بيد الارهاب فضلا عن ابقائه مجرد ورقة في المقايضة الإيرانية مع أمريكا. فلم يعد بالامكان التردد في الرد بالسرعة والدقة اللازمتين. ففي العراق نجد كل هذه العلل بأقصى ما يمكن أن تبلغه من الحدة: 1- علة العرق في ( بين العربي والكردي مثلا ) 2- وعلة النحلة ( بين السني والشيعي مثلا ) 3- وعلة الملة ( بين المسلم والمسيحي مثلا) 4- وعلة التمايز الجهوي ( بين المناطق البترولية والمناطق غير البترولية) 5- وعلة الثقافة ( بين الأصولية الدينية التي عادت إلى العشائرية والاصولية العلمانية التي عادت مع الدبابة الأمريكية ). 
لكن أي رد لا ينطلق مما يقتضيه الوضع المحدد والملحلل بصورة موضوعية لفهم ما فيه من ميول وتوجهات حقيقية لن يكون ذا جدوى تذكر. ولحسن الحظ فإن كل الظروف حول العراق تحول دون توجه آثار هذه العلل الوجهة التي يريدها لها العدو إذا نحن أحسنا العلاج وترتيب الأوليات. فيمكن قلب الأمر على الأعداء الخارجيين إذا ركزنا على الفصل بينهم وبين الاعداء الداخليين. ذلك أنه لو كانت هذه العلل لا تهدد إلا العراق وحده أو العرب وحدهم لأمكن للعدو أن يستغلها بصورة تؤدي حتما إلى تفجير العراق والانتقال إلى تفجير الكيانات العربية الكبرى الأخرى. فاللحظة التاريخية فرضت على أمريكا خيارا تصورته أحسن بداية فكان أسوأها: العراق. تفجير العراق في حد ذاته أمر يسير. لذلك بدأت به أمريكا. لكن تفجيره يمكن أن يكون بداية لفوضى عارمة ستعم كل المنطقة بقومياتها الثلاث المؤثرة ( العرب والفرس والترك ). 
وهذا يقتضي أن أمريكا نفسها ستراجع حساباتها. ستعتبر ذلك مضرا بمصالحها في سعيها للتوقي من الاقطاب المقبلة. ومن ثم فهو يوجب عليها السعي إلى التحالف مع البعض ضد البعض أو مع كل المسلمين إذا حزموا أمرهم فنظموا شبة تنسيق استراتيجي ايجابي يناسب مفهوم الشرق الأوسط الموسع. ولما كان الأمر يهدد الجميع في المنطقة فإنه لا يمكن لأمريكا أن تنجح في تأليب الأتراك والفرس مثلا ضد العرب ولا هؤلاء ضد أولئك. لذلك فالفرصة سانحة للرد الموجب المؤثر.
لا بد من الشروع في العلاج بدءا بالعراق وبصورة سريعة. فسلبا يمكن للحرب الأهلية العراقية أن تحول العراق إلى افغانستان ثانية خطرها علينا أكبر من خطر الاحت
تاريخ النشر : 01-05-2005

6321 : عدد القراءات


يلفت موقع الملتقى الألكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.


 

 

 

 

 

الصفحة الرئيسية   l   دراسات قرأنية   l   دراسات حديثة   l   الفقه و الأصول   l   العقيدة و الكلام   l   فلسفة التجديد

قضايا التجـديـد   l   إتجاهات الإصلاح   l   التعليم و المناهج   l   التراث السياسي   l   الدين و الدولة   l   الحقوق و الحريات

مفاهيم و مصطلحات   l   الإسلام السياسي    l    الظاهرة الدينية   l   فلسفة الدين   l   فلسفة الأخلاق   l    قضايا فلسفية

المـــرأة و النسوية   l   الإسلام و الغرب    l   عروض و مراجعات   l   إصدارات   l    حوارات و شخصيات   l    مـؤتـمـرات و متابعات

جديد الملتقى   l   سجل الزوار   l    رأيك يهمنا   l   اتصل بنا

   ©2024 Almultaka  جميع الحقوق محفوظة 

Designed by ZoomSite.com