آخر تحديث للموقع

 2022-08-20

 
Facebook Twitter Rss

الاجتماع والفلسفة  .  قضايا فلسفية

الظاهرة الدينية    |    فلسفة الدين    |    فلسفة الأخلاق    |    المرأة و النسوية    |    الإسلام و الغرب

  •     

سؤال الهوية ومتعلقاته النظرية ... الأدبيات والإشكاليات

محمد عادل شريح



. ليس سؤال الهوية سؤالاً عابراً أو سطحياً ولا هو تعبير عن حالة فكرية مصطنعة، بل هو سؤال يلامس العناصر الأعمق للوجود التاريخي والاجتماعي للأمة، كونه يلامس منظومات القيم والمبادئ المكونة للوجود الحضاري لهذه الأمة، فالهوية تعني التميز والخصوصية والتفرد، هذا التفرد وهذه الخصوصية التي تمثل في قراءة للظاهرة الحضارية من منظور اشبنغلر ومدرسته في فلسفة الحضارة، روح الحضارة وسر وجودها.
فالهوية إذاً هي تلك الحالة من التفرد والخصوصية التي تلامس المستوى القيمي والعقائدي للأمة، أما سؤال الهوية فهو يمثل اللحظة التاريخية لانكشاف هذه الخصوصية عن حالة استشكال مع مكونات المحيط تضع الهوية في حالة من التعارض مع مدخلات ثقافية تعبر عما هو سائد، لكنه مقابل لما هو راسخ.
وسؤال الهوية كتعبير نظري عن هذه الإشكالية، غالباً ما يكون لاحقاً ومتأخراً بالقياس إلى لحظة تكون هذه الإشكالية، ذلك لأن النسق الحضاري يعبر عن نفسه بتلقائية وتدفق طبيعي من دون تصورات نظرية واضحة لمكونات الهوية والذات، فالذات لا ترسّم حدودها إلا عند الاصطدام مع الآخر، أما قبل ذلك فهي تتحرك في شكل انتشاري عفوي في كل زوايا محيطها الخاص.
إن بدايات تبلور الهوية كإشكالية نظرية في الواقع العربي تعود إلى ما صار يعرف باسم «عصر النهضة» على رغم أننا لا نستطيع القول إن هذه الإشكالية كانت مطروحة أو حتى ناضجة أو متبلورة كسؤال، لكن هذه المرحلة كانت بالفعل هي مرحلة الاصطدام الحضاري مع الآخر التي أفرزت بعد ذلك فكر العودة إلى الذات أو خطاب الهوية كما صاغته الحركات الإحيائية كما يسميها الدكتور رضوان السيد في كتاباته. ويكفي أن نعود إلى عناوين أبرز ما كتب في تلك المرحلة لنلمس إلى أي مدى كانت هذه الكتابات مسكونة بالآخر:
1- تخليص الإبريز في تلخيص باريز – الطهطاوي.
2- منافع الأوروبيين ومضارهم – محمد رشيد رضا.
3- لماذا تأخر المسلمون ولماذا تقدم غيرهم – شكيب ارسلان.
تمثل هذه المرحلة مرحلة السعي نحو التقارب مع الآخر هذا السعي الذي يصل إلى حدود إذابة الحدود والفوارق الفاصلة وتمييعها، من دون الأخذ في الاعتبار لمكونات التمايز الحضاري ونتائجه، وفي حالات أخرى السعي لصوغ أطر نظرية تسعى إلى توظيف المنظومة العقدية الإسلامية بما يخدم هذا التقارب، وهذا ما سعت المدرسة الإصلاحية إلى تحقيقه.
لكن حالة الممانعة الحاصلة بتأثير وفعل كل المكونات الحضارية المجملة تحت اسم الهوية، قادت في النهاية إلى حالة من الطوفان والتدفق الهائل لحركات وجماعات الدفاع عن الهوية، وبخاصة بعد إلغاء نظام الخلافة على يد أتاتورك.
ولو عدنا إلى ابرز ما كتب في فترة ما بين الحربين فسنلمس إلى أي مدى كانت هذه الكتابات محملة بهم الهوية (مثل: الإسلام والحضارة الغربية لسيد قطب، والإسلام والحضارة الغربية لمحمد محمد حسين).
ان مفهوم الهوية المجرد يجد تجسيده في واقع الحياة المشخص من خلال مفهوم الأمة، وكان نظام الخلافة هو المجسد للوحدة السياسية للأمة على رغم أن مفهوم الأمة أكثر أساسية وأهمية. فالأمة بالمعنى الإسلامي مفهوم متميز لا نجد له نظيراً في أي مكان آخر وهو حقيقة يطابق على مستوى الوجود المشخص حدود الهوية بكل تفاصيلها ونستطيع أن نرى ذلك من خلال:
أولاً: إن رابطة الأمة هي رابطة عقائدية، وليست رابطة تاريخية أو عرقية لغوية أو سياسية، بل هي إعلان انتماء إلى عقيدة التوحيد بغض النظر عن الفروقات القومية والعرقية، وسواء تجسدت هذه الأمة في دولة واحدة آو دول عدة، أو حتى فقدت كيانها السياسي في شكل كامل، يبقى الانتماء إلى الأمة قائماً ومستمراً باستمرار الانتماء العقائدي.
ثانياً: إن رابطة الأمة تعطي الهوية الإسلامية بعدها الإنساني العالمي الذي يتجاوز كل أشكال الانتماءات الظرفية، الزمنية والمكانية، وهذا ما يتوافق مع حقيقة الإسلام كدين عالمي، في حين أن أي تقييدات أخرى ستنقص من عالمية الإسلام التي هي من أهم مقوماته.
ثالثا: إن رابطة الأمة تعني تحديداً دقيقاً للمرجعية العليا في تصريف كل الشؤون الفردية والاجتماعية في الشؤون الدينية والدنيوية، وهي متمثلة في القرآن والسنّة.
هذه هي الملامح الأساسية لمفهوم الأمة، والتي تشكل أبرز مكونات الهوية الإسلامية وحدودها الجامعة.
إذا كان مفهوم الأمة هو الإطار الجامع لمكونات الهوية، فإن الهوية كإشكالية حضارية عبرت عن نفسها في الفكر الإسلامي الحديث عبر أسئلة محورية ثلاثة:
1- ما هو الموقف من الآخر المتمثل في الغرب الأوروبي؟
2- ما هو الموقف من الذات، بما تمثله هذه الذات من موروث فكري وسياسي واجتماعي؟
3- ما هو السبيل إلى ردم الهوة الحضارية بين واقع الأمة وطموحها؟
هذه هي الأسئلة التي تجلت فيها إشكالية الهوية تاريخياً والتي نستطيع أن نجدها أو نجد تجلياتها وامتداداتها في معظم الأدبيات الفكرية الحديثة.
مع نهاية الحرب العالمية الأولى دخلت المنطقة العربية في حالة من الفرز الفكري تمخضت بعد الحرب الثانية عن ثلاثة تيارات واضحة المعالم، هي: التيار الإسلامي والقومي واليساري الماركسي. وصارعت هذه التيارات الاستعمار الغربي وتصارعت في ما بينها كل لتكريس مشروعها الحضاري الخاص. وبينما كان المشروع الماركسي هو مشروع الخروج من دائرة الهوية نحو منظومات قيم بديلة، مثل المشروع القومي محاولات استبدال مكونات الهوية، ونستطيع أن نلمس التكلف الشديد الذي أبداه منظرو القومية وفلاسفتها في محاولاتهم لصوغ فلسفات هوية جديدة وعناوين حضارية بديلة، نلمس ذلك من مطالعتنا لفلسفة الأرسوزي الرحمانية ومنهجها الفني، التي يقدمها لنا على أنها رؤية الأمة العربية للكون والإنسان في علاقتهما المتبادلة. ونجد ذلك لدى ميشيل عفلق عند حديثه عن الرسالة الخالدة للأمة العربية، هذه الرسالة التي تمتد لتشمل الحياة العربية كلها في ماضيها وحاضرها ومستقبلها من دون أن نتبين معنى هذه الرسالة وحقيقتها.
لقد تميز القرن الواحد والعشرون بأنه أزال كل البدائل المقترحة لاستبدال خطاب الهوية بمشاريع حضارية نقيضة أو موازية، لكن هل يعني هذا نهاية سؤال الهوية في الفكر العربي المعاصر؟
الحقيقة هي أن القرن الواحد والعشرين نقل هذا السؤال نقلتين مهمتين بل وخطيرتين:
أولاً: إن سؤال الهوية لم يعد صراعاً بين التيار الإسلامي والتيارات المنافسة البديلة التي سقطت فعلياً ولم يعد لها وجود مؤثر، بل صار صراعاً داخلياً في الدائرة السياسية والفكرية الإسلامية والى حد كبير الحركية، حول مكونات هذه الهوية وأشكال تجلياتها في السياسة والاقتصاد والاجتماع في جميع نواحي الحياة.
ثانياً: إن هذا السؤال صار سؤالاً عالمياً ينتظر العالم بأسره الإجابة، وفي الوقت نفسه صار صراعاً على مستوى العالم بين رؤيتين حضاريتين تسعى أولاهما لفرض هيمنتها على العالم بأسره، وترفض الثانية هذه الهيمنة وتقاومها بقدر ما تستطيع. وإذا كانت الثانية تمثل في هذا الانقسام العالمي خطاب الهوية، فإن الجهة المقابلة تمثل خطاب «اللاهوية». فالحضارة الغربية الحديثة التي تركت نصف مقولاتها ومقدماتها النظرية في القرن التاسع عشر، قد تخلت في القرن العشرين، اثر عبورها بوابة ما بعد الحداثة عن النصف الآخر.
إن القيمة الوحيدة التي يتمسك بها الغرب المعاصر هي الليبرالية، أي التحرر من كل المرجعيات نحو تعميم ثقافة اللإنتماء وصولاً إلى تحقيق رؤية جاك آتالي حول حقبة البداوة والارتجال الجديدة التي تقودنا نحوها الحضارة الغربية الحديثة في القرن الواحد والعشرين.
 

 
 

تاريخ النشر : 19-06-2005

6317 : عدد القراءات


يلفت موقع الملتقى الألكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.


 

 

 

 

 

الصفحة الرئيسية   l   دراسات قرأنية   l   دراسات حديثة   l   الفقه و الأصول   l   العقيدة و الكلام   l   فلسفة التجديد

قضايا التجـديـد   l   إتجاهات الإصلاح   l   التعليم و المناهج   l   التراث السياسي   l   الدين و الدولة   l   الحقوق و الحريات

مفاهيم و مصطلحات   l   الإسلام السياسي    l    الظاهرة الدينية   l   فلسفة الدين   l   فلسفة الأخلاق   l    قضايا فلسفية

المـــرأة و النسوية   l   الإسلام و الغرب    l   عروض و مراجعات   l   إصدارات   l    حوارات و شخصيات   l    مـؤتـمـرات و متابعات

جديد الملتقى   l   سجل الزوار   l    رأيك يهمنا   l   اتصل بنا

   ©2024 Almultaka  جميع الحقوق محفوظة 

Designed by ZoomSite.com