آخر تحديث للموقع

 2022-08-20

 
Facebook Twitter Rss

الاجتماع والفلسفة  .  فلسفة الدين

الظاهرة الدينية    |    فلسفة الأخلاق    |    قضايا فلسفية    |    المرأة و النسوية    |    الإسلام و الغرب

  •     

فكر ابن تيميه الإصلاحي: أبعاده الفلسفية

أبو يعرب المرزوقي


. التمهيد والخطة:
السؤال الذي نبحث له عن جواب هو: هل يقبل ما في فكر ابن تيميه من بذرات فلسفية غير نسقية ومشتتة في كتاباته القراءة الفلسفية التي ألغتها القراءة السلفية عندما جعلت أقصى ما يمكن أن يؤول إليه فكره هو مجرد إصلاح فقهي لا يرقى إلى الإصلاح الديني التام لكونه يدعو إلى حصر الوجود التاريخي الحي في تقليد السلف ملغية بذلك ذرى الفكر الإنساني التي تتحد فيها التجربة العقلية أو التفلسف والتجربة الروحية أو التصوف؟ 
ما نريد أن نعلمه هو: هل كان ابن تيميه مجرد مصلح فقهي يقتصر فكره النقدي للفكر الفلسفي بفرعيه المشائي والصفوي والفكر الديني بفرعيه الكلامي والصوفي على مجرد الخطة الكلامية المتمثلة في إفحام الخصوم بإلزامات جدلية هدفها الوحيد الدفاع عن نوع من السلوك يعالج الأمور الإنسانية بمنطق سد الذرائع فينتهي إلى بتر كل أعضاء العقل المبدع؟ أم هل إن أعماله تمثل- كما هي فرضيتنا في هذه المحاولة- منجما ثريا من الفتوح النظرية الثورية التي تجعله فيلسوفا كبيرا يحاول علاج مآزق الفكر العربي الإسلامي التي اجتمعت كلها في مأزق رئيسي هو الفصام الذي لا زلنا نعيشه إلى اليوم والذي جعل ثقافتنا مصابة بداء ازدواج الشخصية أعني مؤلفة من ثقافتين تعيشان "حربا باردة" دائمة بين العقل وعلوم الدنيا والنقل وعلوم الآخرة والمحاولات العقيمة للتوحيد بينهما توحيدا خارجيا وشكليا؟
والمعلوم أن العداء بين ممثلي هذين المقومين قد ألغى كل تعليم جدي للعلوم العقلية في نظامنا التربوي خلال نهضتنا الأولى فجعله شبه مقصور على علوم النقل وبعض أدواتها من علوم العقل التي حصرت في أدنى درجاتها بحجة أن الأدوات لا فائدة من تجاوز ما ينفع منها في هذه الوظيفة لكانها عديمة القيام الذاتي خارج هذا الاستعمال. كما أصبح نظامنا التعليمي اليوم شبه مقصور على علوم العقل والدنيا وبعض أدواتها حصرا لعلوم النقل في عموميات لا تسمن ولا تغني. لذلك كان كل الفلاسفة في نهضتنا الأولى عصاميين. فلا أحد منهم تلقى فيها تعليما نظاميا بحق في النظام التربوي الإسلامي, لكون بقايا المدارس والأديرة المتقدمة على الإسلام أو التعلم العصامي لا يمكن أن تستند إليها نهضة فكرية جدية. والمعلوم أن الجامعات الغربية التي نشأت بداية من منتصف القرن الثالث عشر للميلاد لم تقع في هذا الخطأ الفادح. لذلك فهي قد تمكنت بفضل تعليم كل العلوم نقليها وعقليها تعليما نظاميا من تحقيق ما نطلق عليه اسم العلوم الحديثة. ويكاد الفكر الديني الذي يرقى إلى المستويات الكونية يصبح اليوم في نهضتنا الحالية عصاميا كذلك لكون جل الجامعات الدينية جمدت إن لم تشطب أو حدثت تحديثا ممسوخا كما حصل للزيتونة بخلاف ما عليه الشأن في الجامعات الغربية كذلك وخاصة ما اختص منها في الدراسات الدينية. 
ويعني ذلك طبعا أن بذرات الفكر الفلسفي في أعمال ابن تيميه ليست عملا فلسفيا ناجزا بسبب ما يغلب عليها من أسلوب الفتوى والأجوبة الظرفية المرتجلة, رغم كوننا لا ننكر وجود بعض الأعمال النسقية ذات النفس الفلسفي. فبذرات فكره الفلسفي تعبر عن مشروع ذي نفس فلسفي لم يكتمل لا في بعده السلبي ولا في بعده الإيجابي, أعني في نقده الفكرين بفرعيهما وفي الحلول البديلة التي قدمها. لذلك فنحن نقترح الخطة التالية للجواب عن سؤالنا, مقدمين للبحث بضرب مثال واضح مما نريد إثباته حول نوع الإصلاح النظري المقصود. وهذا المثال هو ما فعله ابن خلدون بالنسبة إلى العلم الأداة الرئيسية في ما كان يسمى بعلوم النقل تجازوا للتقابل بينها وبين علوم العقل في مجال العلوم الإنسانية كلها باعتبار هذا العلم الأداة يؤدي دور العلم الرئيس أو السيد في نسق العلوم التي موضوعها الظاهرات الإنسانية عامة والتي تؤدي دور العلوم المساعدة لتحقيق علمية التاريخ. فابن خلدون لم يصنف التاريخ بين ضربي العلوم التي أرخ لها في الباب السادس من المقدمة لكونه فعلا لم يكن منتسبا إلى أي منهما رغم وجوده عند علماء العقل وعلماء النقل بل وهو قد كان أهم أدواتهم. 
لكن ابن خلدون جعل مشروع المقدمة متمثلا في تحقيق شروط نقل التاريخ إلى العلمية العقلية أو الفلسفية بتأسيس منهجه النقدي للخبر على علم متقدم عليه تقدم الشرط على المشروط هو علم العمران البشري والاجتماع الإنساني. وهذا العلاج لا نجد له مثيلا صريحا عند ابن تيميه رغم كون فتوحاته النظرية يمكن أن تعد من نفس الجنس الذي تنتسب إليه الفتوحات الخلدونية. وقد قال ابن خلدون في وجوب نقل علم التاريخ الابستمولوجية من منزلة العلم النقلي إلى منزلة العلم العقلي منذ مفتتح التصدير:" إذ هو( التاريخ ) في ظاهره لا يزيد عن إخبار عن الأيام والدول والسوابق من القرون الأول تنمو فيها الأقوال وتضرب الأمثال وتطرف الأندية إذا غصها الاحتفال وتؤدي إلينا شأن الخليقة كيف تقلبت بها الأحوال واتسع للدول فيها النطاق والمجال وعمروا الأرض حتى نادى بهم الارتحال وحان منهم الزوال وفي باطنه نظر وتحقيق وتعليل للكائنات ومباديها دقيق وعلم بكيفيات الوقائع وأسبابها عميق فهو لذلك أصيل في الحكمة عريق وجدير بأن يعد في علومها وخليق"(1) . 
ولعل من مؤيدات هذه المقايسة المحاولة الصريحة التي قام بها ابن قيم الجوزيه في مصنفه نقد المنقول الذي سعى فيه إلى تجاوز منهج التجريح والتعديل أو النقد الخارجي إلى النقد الداخلي مستندا إلى معايير كلها عقلية خالصة مثل التناسق مع وقائع التاريخ التي يتعلق بها المنقول ومثل التناسق مع القرآن الكريم والتناسق مع سلوك الأنبياء في الأقوال والأفعال الخ.. ونحن سنجيب عن الأسئلة التي طرحناها من خلال إرجاعها إلى مسألة واحدة هي مسألة التوحيد بين علمية علوم النقل وعلمية علوم العقل من دون أن ننسى أن ذلك يمكن أن يحقق نصف المطلوب. فقد يكون التوحيد بين ضربي العلوم حصرا لها في أحدهما فيرد المعرفة الإنسانية إلى العلوم النقلية وحدها أو إلى العلوم العقلية وحدها وبمعناهما التقليدي كما تذهب إلى الرد الأول القراءة السلفية لفكر ابن تيميه وإلى الرد الثاني القراءة الوضعية لفكر ابن خلدون. لكن ذلك مستبعد لكون وضعية المعرفة قبل هذا التوحيد الفلسفي بتجاوز التقابل هي وضعية التوحيد السلفي ووضعية الرد الوضعي بالرد المتبادل. وهي وضعية حاصلة من دونه مما يجعل تحقيقه يستهدف التحرر منهما.
وتعود مسألة التوحيد الفلسفي بتجاوز التقابل بين ضربي العلوم إلى هذه المسألة الواحدة: مسألة تحديد الشروط الضرورية والكافية للمعيار الذي رد به ابن تيميه على الفكرين الفلسفي والديني اللذين كانا سائدين في عصره من خلال ممثليهما الأربعة المشهورين: ابن رشد والسهروردي وابن عربي والرازي, أعني معيار درء التعارض بين صحيح المنقول وصريح المعقول. فابن تيميه وضع هذا المعيار لكنه لم يتساءل صراحة عن شروطه الضرورية والكافية رغم كون هذا التساؤل هو الذي كان يمكن ان يوحد كل الإرهاصات الفلسفية الثورية التي ننسبها إليه.
والأسئلة التي لم يسألها ابن تيميه صراحة رغم تضمن معياره لها هي: ما الذي يجعل صحيح المنقول وصريح المعقول لا يتعارضان؟ هل هما يصبحان من طبيعة واحدة بعد جعل أولهما صحيحا وثانيهما صريحا ؟ وكيف نعلم الصحيح والصريح أو كيف نخرج صحيح المنقول من المنقول عامة من دون تحقيق شروط علمية التاريخ وصريح المعقول من المعقول عامة من دون تحقيق شروط علمية المنطق ؟ وبصورة سالبة ما هو المنقول غير الصحيح والمعقول غير الصريح: أليس هو في الحالتين ما يمنع المعرفة التاريخية والمنطقية من أن تكون علمية؟ وما هو العلم المتقدم على الفصل بينهما والممكن من إدراك الواحد فيهما أعني ما يجعلهما لا يتعارضان سلبا ويتطابقان إيجابا؟ أهو من جنسهما أم هو ضرب جديد من العلم متقدم على تقابلهما اللاحق ومتعال عليه؟ تلك هي الأسئلة التي لم يسألها ابن تيميه وكان يمكن لو سألها أن يتجاوز مرحلة التفلسف السلبي إلى مرحلة التفلسف الإيجابي الذي حصل حصولا صريحا عند ابن خلدون في مجال البحث عن شروط علمية المعيار الأول أعني صحيح المنقول. وبذلك تكون دراستنا لدور ابن تيميه الإصلاحي في المستوى الفلسفي مؤلفة من مقالتين كلتاهما تتضمن فصلين بحسب المخطط التالي: 
المقدمة: تحديد المطلوب في هذه المحاولة
المقالة الأولى: كيف صار فعل التفلسف أمرا ممكنا:
الفصل الأول: عوائق قراءة فكر ابن تيميه قراءة فلسفية
الفصل الثاني: مآزق الفكر العربي الفلسفي والديني وتدرجهما في التجريد التنظيري 
المقالة الثانية: بذرات الحلول التي يقدمها ابن تيميه
الفصل الأول: تجاوز المقابلة بين التحليل والتأويل.
الفصل الثاني: تجاوز المقابلة بين الحقيقة والمجاز.
الخاتمة: نسق المذاهب التأويلية في الفكر العربي الإسلامي.


المقالة الأولى
مآزق الفكر العربي الإسلامي وتدرجه في فعل التنظير

تمهيد:
نذكر في المقالة الأولى بأن الفكرين الديني والفلسفي كانا بعد محاولة الغزالي قد اتحدا اتحادا إرجاعيا أساسه القول بالعلم الإنساني المحيط بالحقيقة التي يمثل الدين ظاهرها لكونه صورتها العامية والفلسفة باطنها لكونها صورتها الخاصية, فعادا عودة صريحة إلى السنتين المحرفتين اللتين سيطرتا منذ العهد الهلنستي. فقد تمكنت هاتان السنتان من تحقيق السيطرة على الفكر العربي الإسلامي رغم نقد الغزالي بل وبفضله - إذ الغزالي نفسه قبل الحلول الفلسفية في الغاية- وبسبب عملية الترميم التي تحققت فلسفيا في مشروعي ابن رشد ( إحياء ما بعد الطبيعة إحياءً يجمع بين التحريفين الفلسفي والديني من منطلق الفكر الأرسطي المحرف: الشروح اللفظية لفرضيات ميتافيزيقية بديلا من العلم ) والسهروردي ( إحياء ما بعد الطبيعة إحياءً يجمع بين التحريفين الفلسفي والديني من منطلق الفكر الأفلاطوني المحرف: التوهم اليتوبي لفرضيات جدلية بديلا من العلم ) وتحققت دينيا في مشروعي ابن عربي ( إحياء ما بعد التاريخ إحياء يجمع بين التحريفين الديني والفلسفي من منطلق الفكر الإنجيلي: فقه الباطن الشكلي ) والرازي ( إحياء ما بعد التاريخ إحياء يجمع بين التحريفين الديني والفلسفي من منطلق الفكر التوراتي: فقه الظاهر الشكلي ).
وقد كانت هذه العودة أو النكوص آخر مراحل التطور الفلسفي في تاريخ فكرنا قبل البلوغ إلى النقد الجذري الذي نريد وصفه والذي ننسب إليه إدراك طبيعة التجريد التنظيري وشروطه من خلال نتائج ذهاب النكوص إلى غايات الشكل البدائي من التنظير الموروث عن العلم القديم في مرحلتيه اليونانية والهلنستية. ويمكن أن نعتبر هذا النقد الجذري الذي أدرك طبيعة التجريد النظري ما هي بكونه الإرهاصة الأولى لطرح إشكالية العلاقة بين ابستمولوجية العلوم الطبيعية والمحاولات الجنينية لما سيصبح ابستمولوجية العلوم الإنسانية من خلال السعي إلى تجاوز إشكالية المقابلة بين العلوم العقلية والعلوم النقلية. فتحدد بذلك الإشكال العويص الذي تعالجه تحسسات الفكرين النقديين التيمي والخلدوني الفكرين اللذين صارا معبرين عن بداية هذا التجاوز. لكن فهم الدور الذي أداه فكر ابن تيميه قياسا على الدور الذي أداه فكر ابن خلدون يشترط التخلص من العوائق التي تحول دون قراءة فكره قراءة فلسفية بمعزل عن المذاهب الدينية التي يراد حصر فكره فيها.


الفصل الأول
العوائق التي تحول دون قراءة فكر ابن تيميه قراءة فلسفية

تنقسم هذه العوائق إلى جنسين كلاهما مضاعف:
الجنس الأول: عوائق ذاتية لفكر ابن تيميه, وهي صنفان: 
1- ما نتج منها عن الطابع المتقطع وغير النسقي الغالب على أعماله لصلتها بالطابع الظرفي والمناسباتي لجل كتاباته وعرضه لإبداعاته كما يتبين ذلك من شكل الفتاوى والرسائل الظرفية حول مسائل خلافية يكون الكلام فيها عن المسائل الفلسفية عرضيا وغالبا ما يكون ذلك من منطلق محددات خارجية لفكر أصحابها مثل سلوكهم وأخلاقهم وعقيدتهم الخ...
2- الهم العملي الطاغي الذي جعله يقدم منطق سد الذرائع فيؤول العلاج إلى بتر الأعضاء بدلا من تطبيبها ظنا بأن أخلاق ممثلي العلوم العقلية ومواقفهم من الدين نتيجة حتمية لهذه العلوم رغم كونه قد انتبه إلى أن المصدر الأساسي لهذا التحريف هو عدم اكتمال العلم عند المتكلمين باسم الفلسفة والعقل ورغم كونه لا يجهل أن علماء النقل ليسوا كلهم أفاضل أو يخلون من النفاق. وافضل مثال لطغيان هذا الهم العملي ما نجده في نوع الردود على المنطقيين والميتافيزيقيين والمتصوفة والمتكلمين وأغلبها من الكتابات التي تحتج بالحجج الخارجية التي أشرنا إليها.
الجنس الثاني: عوائق عارضة لفكره وسببها العوائق الذاتية, وهي كذلك صنفان:
1- استعمال فكر ابن تيميه في إسلام بعض البلاد الرسمي استعمالا أطلق علاج البتر وسد الذرائع فانتهى إلى عكس المطلوب, إذ هو قد ألغى كل فكر نظري حقيقي دينيا كان أو فلسفيا وأبقى المجال خاليا للفكر المباشر. فغاب الفكر الفلسفي النقدي الذي يحرز المجتمع من أخطار الفكر الوضعي والتكنولوجيا اللذين لا روح لهما. لذلك التقت ذهنيتان آليتان قاصرتان عن الإبداع: الوضعية العلمية الحديثة والنصية الفقهية الوسيطة دون وعي فلسفي يناسب شروط الإبداع الذي لا يمكن أن ينتج في مناخ الآليتين الخاليتين من السؤال الفلسفي, 
2- واستعماله في إسلام بعض الحركات المعارضة التي اقتصرت على الوجه السلبي من الفكر التيمي مطبقة إياه في علاقتها بمن يقدم نفسه ممثلا للفكر الفلسفي في عصرنا بعنوان العلمانية الوضعية النظرية والعلمانية العملية أو الماركسية ظنا منهم أن الموقف المرفوض من القيم الدينية علته الفكر الفلسفي بإطلاق وليس خيارات فلسفية بعينها. وهذا الاستعمال أخطر من ذاك لكونه أعادنا إلى الفصام الحضاري والحرب الأهلية اللذين أجهزا على نهضتنا الأولى في القرون الوسطى.
وهذه العوائق لا يمكن نفيها أو التهوين مما أدت إليه من نتائج وخيمة على فكرنا لا ينكرها إلا معاند لكونها تعاضدت مع النكوص الفلسفي للحيلولة دون تحقيق شروط المعرفة السوية. لذلك فقصدنا من عرضها عرضا نسقيا هو تخليص فكر ابن تيميه مما يحول دون النفاذ الفلسفي إلى ما في أعماله من بذرات كان يمكن أن تجعله فيلسوفا كبيرا. ففي مصنفاته مشروع ثورة فلسفية لو تحققت لأخرجت الفكر العربي الإسلامي من مآزقه النظرية والعملية التي عطلت ملكة الإبداع العلمي المؤثر في علاقة الإنسان بالظاهرات الطبيعية والتاريخية. وحاجتنا إلى هذه الثورة اليوم اكبر من حاجتنا إليها في عصره: فبسبب هذه العوائق عامة وهذين الاستعمالين خاصة صارت نهضتنا الثانية معرضة لأخطر مما كانت النهضة الأولى معرضة له وقد يتجاوزنا التاريخ فنصبح مجرد توابع في كل المجالات ما ظللنا توابع في أساس كل إبداع أعني في التنظير الفلسفي والعلمي لكل المجالات طبيعية كانت أو خلقية. 
ومعنى ذلك أن ابن تيميه لا يعنينا هنا من حيث هو مصلح شرعي يقتصر على العلاج الوقائي بالبتر الناتج عن تشخيص ناقص لأدواء العمل المباشر في بعديه السياسي والفقهي. ما يهمنا ليس الإصلاح العملي المباشر الذي ينتهي عادة إلى عكس ما قصد به لكونه يعتمد على المنع وسد الذرائع, بل يهمنا الإصلاح غير المباشر أعني الهم النظري الخالص الساعي إلى وضع نظريات جذرية في مسألتي المعرفة والوجود من منطلق يتعالى على التنافي السطحي بين الفكرين الفلسفي والديني. وكنا قد بينا في بعض أعمالنا السابقة (2) أن الكثير من أفكار ابن تيميه لا يفهم إلا في ضوء هذا الهم النظري مثلها مثل أفكار ابن خلدون( رغم تقديم ابن خلدون نموذج المعرفة التحليلي وتقديم ابن تيميه نموذجها التأويلي: وهذه ملاحظة ليس هذا محل تعميقها ), مما يجعل القرن الثامن المرحلة الحقيقية التي أدرك فيها الفكر العربي الإسلامي طبيعة فعل التنظير بمعناه الفلسفي الحقيقي أعني إبداع الأنساق المجردة - أو أنساق المقدرات الذهنية بلغتهما- التي يمكن أن تكون الظاهرات الطبيعية أو التاريخية أحد موضوعاتها أو تأويلاتها العينية. 
لكننا لا ننكر أن طغيان التشخيص الفقهي الفاسد على أصحاب هذا الإدراك قد انتهى إلى فشل مشروعاتهم لكونه جعلهم يعتبرون الفلسفة بما هي فلسفة علة العيوب الخلقية أو الدينية التي ينسبونها إلى بعض المتكلمين باسمها خلطا بين العلماء من الفلاسفة وممثلي توظيفها الإيديولوجي كما هو الشأن اليوم عند بعض العلمانيين الفصاميين من الوضعيين أو الماركسيين, متناسين ما أشار إليه الغزالي في تمهيد التهافت ومقدماته الأربع(3) . وطبعا فهمنا الأول والأخير هو أن نبحث عن البذرات الأولى للفهم الفلسفي العلمي في علاج قضايا الحضارة العربية الإسلامية البذرات التي تخلصها من الانشغال بالحل الغفل المقصور على المنع والبتر الحل الذي يفسد الممارسة العملية بدلا من علاجها لكونه يجعلها عملا على غير علم, رغم كون هذه البذرات قد بقيت في مستوى الإرهاصة ولم تكتمل. 
ولا يمكن أن نزعم أن هذه الإرهاصات قد اكتملت, إذ لو حصل ذلك لما انحطت حضارتنا بل ولتحققت النهضة الحديثة عندنا بدلا من تحققها في الغرب. وينبغي أن نؤكد على أهمية العقل النظري المجرد والخالص الذي لا تزال حضارتنا تشكو من نقص فيه كبير. فأغلب ما يسمى بالفلسفة العربية الإسلامية - الوسيطة أو الحالية- لم يكن ثمرة فعل تنظيري حقيقي بل هو مجرد أنساق مستوردة أصبحت أشكالا لفظية جوفاء لكونها عديمة الصلة بالمادة التي يراد تطبيقها عليها. ونحن نعتبر الفكر المهموم بالعمل المباشر الذي يظنه البعض مميز حضارتنا الأساسي هو العلة الرئيسية في هذا القصور التنظيري, بل هو عندنا من أكبر العوائق التي حالت دونها وتحقيق شروط الثورة الحديثة في مجال العلوم النظرية أو الطبيعية وعلومها المساعدة وما بعدهما العلمي ( حيث يهمل البحث الأساسي الذي ليس له غايات محددة مسبقا ) وفي مجال العلوم العملية أو الإنسانية وعلومها المساعدة وما بعدهما العلمي ( حيث يتصور العمل المباشر أهم من العمل غير المباشر مما جعل الصحوة الإسلامية تتحول إلى اضطراب سياسي دائم مع إهمال كامل للفكر الذي صار من مشمولات البعثات الغربية والمعاهد المسيحية في البلاد العربية والإسلامية لاقتصار أصحاب الاضطراب السياسي على الإيديولوجيا والفقه ) رغم وجود بواكيرهما فيها.
وهكذا فان فرضية محاولتنا الأساسية تقول: إن عمل ابن تيميه فيه الكثير مما يمكن أن يفيد أن صاحبه قد استهدف نفس الغاية التي استهدفها ابن خلدون ولكن بصورة ضمنية ومن منطلق مختلف رغم كون فكره يتبين عندما يصاغ صراحة أعم من فكر ابن خلدون وأتم. فسعيه التجاوزي لو فهم على حقيقته لتبين أنه يشمل كل العلوم نقليها وعقليها ولا يقتصر على علم واحد فضلا عن كونه متحررا من نموذج العلم الأرسطي. ذلك أن المعيار الأساسي الذي يستند إليه فكره كله يؤول إلى محاولة وضع نظرية في العلم والوجود تمكن من تجاوز الفصل بين ضربي العلوم عامة وبيان أن كل ما يوصف بالنقلي منها لا يكون علميا إلا إذا توفرت فيه شروط العلمية التي تقتضيها طبيعة صياغة مادته لتكون قابلة للعلاج التحليلي بشرط أن يكون التحليل قد حرر من شكله البدائي الذي يتصوره مستغنيا عن التأويل , وأن كل ما يوصف بالعقلي منها لا يكون علميا إلا إذا كان صريحا ومن ثم إلا إذا توفرت فيه شروط العلمية التي تقتضيها طبيعة صياغة مادته لتكون قابلة للعلاج التحليلي بنفس الشرط: فيكون مشروعه هو تحديد شروط العلمية والصياغة التحليلية لكل موضوع علم ممكن عامة وصلة هذه الصياغة بما لا بد منه من التأويل تأسيسا لمبادئ العلم وتطبيقا لنظرياته على موضوعه: وتلك هي الإشكالية الفلسفية الأساسية التي يمكن أن نجمع تحتها البذرات أو الفتوحات التي ننسبها إليه والتي بقيت محولة ابن خلدون دونها بكثير لبقائها حبيسة النموذج الأرسطي على الأقل بمفهوم المطابقة. 

الفصل الثاني

صياغة مآزق الفكر العربي الإسلامي بضربيه الفلسفي والديني
ومراحل تدرجه إلى التجريد التنظيري 

نحاول الجواب عن السؤال التالي: ما هي مراحل البلوغ إلى التعليل الفلسفي أعني التنظير العلمي المجرد للظاهرات التي تجري في الطبيعة والتاريخ وكيف استعملت للتخلص من المقابلة الزائفة بين العقل والنقل وبين الفلسفة والدين لفهم ما يعتمل في مجريات الأمور الطبيعية والتاريخية في الحضارة العربية الإسلامية؟ ولماذا تعتبر اللحظة التيميه الخلدونية لحظة واحدة أولا ولحظة أساسية ثانيا لفهم هذا الأمر الذي نعتبره غاية بالقياس إلى ما تقدم عليه في فكرنا الديني والفلسفي وبداية بالقياس إلى ما تأخر عنه فيهما أو إن شئنا لحظة قادرة على الربط بين النهضتين المتقدمة على عصر الانحطاط والحالية ربطا قد يحررنا من عطالة الانحطاط فيجبر الكسر الذي تعاني منه حضارتنا من خلال الإشارة الدقيقة لموطن الداء الذي ما زال ينخرها فيفقدها القدرة على الإبداع؟ 
فهذا الفصام بين الفكرين اللذين يدعيان الكلام باسم الفلسفة والدين يجعلهما يتصرفان دون اعتبار للثورة المحمدية التي استندت كما أسلفنا إلى التخلص من التنافي بين الطبائع والشرائع من خلال تحديد الدين الكلي المنزل تحديدا يجعله عين الدين الطبيعي الكلي أعني الفطرة الإسلامية كما تبين ذلك الآية الكريمة التي جعلت الإيمان مرسوما في الإرث العضوي ومتحررا من تأثير الكسب الثقافي:" وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم: ألست بربكم؟ قالوا: بلى شهدنا. أن تقولوا يوم القيامة: إنا كنا عن هذا غافلين. أو تقولوا: إنما أشرك آباؤنا من قبل وكنا ذرية من بعدهم أفتهلكنا بما فعل المبطلون"(4) , ومن خلال المطابقة بين المعطى الديني و المعطى التاريخي في عرض القرآن الكريم النقدي لتجربة الأمم الروحية كما يتبين ذلك من القصص بوصفه اعتبارا للتاريخ الروحي نظيرا موازيا لاعتبار الطبيعة. 
فرضيتنا تتمثل إذن: في اعتبار اللحظة التيميه الخلدونية غاية لتدرج الفكر العربي الإسلامي قبل الانحطاط نحو الفكر النظري الفلسفي الخالص لكونها تمثل لحظة تخلصه من الكلام على الفكر الفلسفي من خارجه وبوصفه مجرد شكل أجنبي. فهي لحظة أصبحت تنظر إلى الكلي الذي يجمع الفكر الديني والفكر الفلسفي استنادا إلى مفهوم الدين الكوني والفلسفة الكونية كما حددهما الإسلام في التوحيد بين اعتبار العالم التاريخي أو الروحي والعالم الطبيعي أو المادي. لذلك كان الاقتران بين الكتاب والحكمة أو الحكم أمرا لا يتخلف في القرآن الكريم: "ما كان لبشر أن يؤتيه الله الكتاب والحكم والنبوة ....بما كنتم تعلمون الكتاب وتدرسون "(5) ؟ ولكي نفهم هذا المآل لا بد من الجواب عن السؤال المضاعف التالي:
الوجه الأول من السؤال: كيف آل الفكر الفلسفي بفرعيه إلى مآزقه؟ فمآزق الفكر الفلسفي ( المشائي والصفوي ) نتجت جميعها عن المثنوية الوجودية وتجاوزها الخارجي برد الشرائع إلى الطبائع وبلغة العصر رد العلوم الإنسانية إلى العلوم الطبيعية: كل ما لا يقبل هذا الرد يلغى وتكون العلوم العملية مجرد يتوبيات حول المدينة الفاضلة بدلا من ان تكون علما للظاهرات الإنسانية(6) . 
الوجه الثاني من السؤال: كيف آل الفكر الديني بفرعيه إلى مآزقه؟ ومآزق الفكر الديني ( الكلام والتصوف ) نتجت جميعها عن القول بالمثنوية الوجودية وبتجاوزها الخارجي برد الطبائع إلى الشرائع أو بلغة العصر رد علوم الطبيعة إلى العلوم الإنسانية: كل ما لا يقبل هذا الرد يلغى وتكون العلوم النظرية مجرد يتوبيات حول الطبيعة الفاضلة التي هي من جنس دلائل العدل الإلهي بدلا من ان تكون علما للظاهرات الطبيعية(7) 
وكنا قد أشرنا إلى أن ما يدفعنا إلى التركيز على هذه الظاهرة ليس مجرد النبش في الماضي بل هو التناظر العجيب بين وضعية النهضة العربية الإسلامية الوسيطة ووضعية النهضة العربية الإسلامية الحديثة من حيث الوقوع في هذه المآزق(8) . فالمتكلمون باسم الفكر الفلسفي والمتكلمون باسم الفكر الديني في نهضتنا الحالية عادا بنا من جديد إلى الفصام بين الفكرين وإلى الحرب الأهلية بين المتكلمين باسمهما. وقد أدى موقف الفكرين, المنتسب إلى الدين والمنتسب إلى الفلسفة أحدهما من الآخر, إلى أزمة حضارية من طبيعة واحدة. ففي كلتا الوضعيتين حصل صدام مدمر بين متطرفيهما في الممارسة الفكرية التي فقدت استقلالها عن الممارسة العملية فصارت المعركة السياسية الاجتماعية المتطرفة الهم الأول والأخير. وبذلك تردت المسألة النظرية الفلسفية والدينية إلى مجرد توظيف إيديولوجي مما حول النهضتين إلى فصام حضاري وحرب أهلية دائمة بين تصورين للفكر الديني والفكر الفلسفي كلاهما يلغي الآخر. وكلا الموقفين موجود في السنتين الممثلتين لهذين الفكرين أعني عند من يطلق عليهم اسم علماء "العقل" وعند من يطلق عليهم اسم علماء "النقل". وهم في الحقيقة ليسوا علماء لا عقلا ولا نقلا بل هم رؤساء مذاهب وأحزاب:
أحدهما – وذلك في الفكر النظري والممارسة العلمية على حد سواء- يريد أن يواصل السنة الإنجيلية المحرفة دينيا ( ممثلة بدين موسى ودين عيسى المحرفين وأثرهما في علوم العمران خاصة ) والثاني يريد أن يواصل السنة اليونانية اللاتينية المحرفة فلسفيا ( ممثلة بفلسفة أفلاطون وفلسفة أرسطو المحرفتين وأثرهما في علوم الطبيعة خاصة ). ويحاول كلا الفريقين الوصل الفصامي بينهما في شكل تواز مرضي بين الشرائع والطبائع وبين البعد الروحي والبعد الزماني وبين التصور الديني والتصور الفلسفي وكأن الثورة الإسلامية ( الإصلاح المحمدي الناقد للتحريفين التوراتي والإنجيلي ) لم تحصل أو كأنها قوسان فتحا عبثا وينبغي أن يغلقا دون تأثير على التاريخ الإنساني(9) .
ولم يبق إلا أقلية قليلة لا يكاد يسمع لها أحد تحاول التخلص من التحريفين بتجاوز التقابل بيهما وبتأسيس إبستمولوجية تتجاوز التنافي بين التحليل والتأويل لتجاوزها التقابل بين الطبائع والشرائع وسيطا وبين علوم الطبيعة وعلوم الإنسان حاليا. وهي إذ تفعل ذلك إنما تفعله تماشيا مع مقتضيات الثورة الإسلامية التي تصلح تحريف الفكرين الديني والفلسفي ختما لعهد الفصل بينهما من خلال نفي التقابل السطحي بين العقل والوحي. فالإسلام إنما جاء للتوحيد بين أسمى الأديان المنزلة غاية الوحي والوجدان وأسمى الأديان الطبيعية غاية العقل والفرقان في الدين الخاتم تحت اسم دين الفطرة حيث يعد الاعتبار ( اعتبار الطبيعة واعتبار التاريخ ) سبيل العلم وغاية الإيمان: وليس الإسلام إلا إدراك ذلك مما جعله خاتمة الوحي ومنطلق تحميل العقل أمانة الاستخلاف أعني العقل المدرك لحدود الإدراك والممثل الوحيد للعمل الإنساني في صلته الاستخلافية بالمطلق أو بالمستخلف.
وقد حال هذا الصدام- الذي كانت الغلبة فيه للسلب المتبادل الناتج عن التنافي الدائم بين طرفي الموقف الأول في الفكر والوجود- بين حضارتنا وتحقيق رسالة الإسلام في التاريخ الحقيقي مما أبقى القيم الإسلامية مجرد مشروع لم ينجز منه إلا القليل فلم تتحقق الكونية الإسلامية التي تتميز بتشخيصها بدارا لعيوب العولمة الحالية أعني سلبيات الوصل الخارجي بين السنتين المحرفتين وصلا يلغي الإصلاح المحمدي: السنة التوراتية الإنجيلية ممثلة للوحي أو للدين المنزل الذي يجعل الشرائع متنافية مع الطبائع والسنة اليونانية اللاتينية ممثلة للعقل أو الدين الطبيعي الذي يجعل الطبائع متنافية مع الشرائع, السنتين اللتين أشاحتا بوجهيهما عن الإصلاح المحمدي.
هدف المحاولة المباشر- وهو هدف نظري خالص- هو إذن تخليص فكر ابن تيميه من حصره في الظرفيات التي أرجعته إليها القراءة السلفية ومحاولة البحث عن أعماقه من خلال تحليل الدلالة الفلسفية لنقده الفكر الفلسفي ببعديه المشائي ( ابن رشد خاصة ) والصفوي ( السهروردي خاصة ) والفكر الديني ببعديه الكلامي ( الرازي خاصة ) والصوفي ( ابن عربي خاصة ) وصلة ذلك بالخصومة السينوية الغزالية في تكوينية فكر المسلمين الديني والفلسفي . أما غرضنا غير المباشر- وهو هدف عملي مما يعني أننا نقلب الترتيب فنجعل العملي دائما غير مباشر لكونه من وجهة نظر المعرفة والإيمان ينبغي ان يتلو النظر ليكون عملا على علم- هو كيفية الوصل بين ما تقدم على الانحطاط وما تأخر عنه لجبر الكسر الذي أصاب تاريخنا الفكري. 
والمعلوم أن جبر هذا الكسر هو الشرط الضروري لتيسير الوصل بين النهضتين وصلا حيا يجعل الاستئناف لا يقتصر على سطحيات التخبط السياسي المباشر الذي تردت إليه الحركات السياسية الإسلامية بل هو يحاول تأسيس نهضة جذرية في مستوى فعل التجريد التنظيري الذي هو شرط العمل على علم نهضة تجعلنا قادرين على الإسهام في ثورات العقل الإنساني بالاستناد إلى قيم الإسلام وبالأدوات الحقيقية أعني بالعلم والفلسفة اللذين لا يتضمنان ما يجعلهما متنافيين بالذات مع الممارسة الدينية الصحيحة. فلا يمكن أن يسعى الدين إلى الغايات من دون الأدوات أو أن يقتصر على العلاج العقيم بسد الذرائع وبتر الأعضاء لكون بعض المرضى تكلموا باسمها ( الثورة الفلسفية والثورة العلمية وثمراتهما في مجال الثورة الاقتصادية والثورة السياسية والثورة الاجتماعية ). ينبغي ألا يقتصر فكرنا على مجرد ثرثرة إفتائية وحيل فقهية كادت تقتل الفكر الديني وتقصر الدين الإسلامي على الشكل البدائي من التعبد الشعبي الجامد فتصبح الشريعة فقها ميتا خلوا من الفكر الفلسفي العميق أعني من مصدر الحيوية الحضارية للامة شرطا في استئناف دورها التاريخي الكوني.
فتاريخ فكرنا يبين أن هذا الخطر قد كاد يقضي في كلتا محاولتي النهضة على التجريد التنظيري أعني دراسة الأمور بالتجريب العقلي الخالص أو التجريد الذي يضعها في حالة الإطلاق المثالي الفرضي. فالتجريد التنظيري هو المحرك الحقيقي لكل إبداع حضاري حقيقي. وهذا الخطر قضى على شرط الإبداع في حالتي النهضة العربية الإسلامية فكان العامل الموحد بين التيارات الفلسفية والدينية التي أفسدت النهضة الأولى وجنيستيها الحاليتين اللتين هما الآن بصدد إفساد النهضة الثانية للجهل بطبيعة هذا الفعل الذي من دونه ليس للعقل القدرة على العلاج العلمي: 
ففي الأولى: كانت العلة الرئيسية للتنافي بين المشائية ( التي افسدت النظر الفلسفي خاصة ) والصفوية ( التي أفسدت العمل الفلسفي خاصة ) فلسفيا نظريا ثم بين الكلام ( الذي أفسد النظر الديني خاصة ) والتصوف ( الذي أفسد العمل الديني خاصة ) دينيا عمليا ثم بين الفريقين الأولين والفريقين الثانيين هي عدم فهم طبيعة هذا الفعل التنظيري المبدع الذي استعمله كبار فلاسفة اليونان ليصوغوا به الطبائع والشرائع في حدود ما توصل إليه جهازهم الإدراكي عقلا وحسا وتصوره المفكرون العرب حقائق نهائية. فلم يكن التجريد عندهم أداة علاج بل هو كان هروبا من الأمر المعالج وإهماله لدراسة أمر بديل منه: فيموت الأمران العلاج والظاهرة المعالجة.
وفي الثانية: كانت العلة الرئيسية التنافي بين الوضعية ( التي أفسدت النظر الفلسفي خاصة ) والماركسية ( التي أفسدت العمل الفلسفي خاصة ) فلسفيا نظريا وهما مشائية وصفوية محدثتان وبين الكلام ( الذي أفسد النظر الديني خاصة ) والتصوف ( الذي أفسد العلم الديني خاصة ) المحدثان دينيا دينيا عمليا ثم بين الفريقين الأولين والفريقين الثانيين نفس العلة: أخذت ثمرات الإدراك الغربي الحديث دون جهاز الإدراك الغربي الحديث وشروطه مما ألغى الظاهرة المدركة وحول النظر إلى قول أجوف. 
وقد صاحب ذلك في الممارسة العملية بل وفي ساحات القتال التنافي بين حركتين فكريتين أخطر من هذا الموقف الفكري العقيم هما: ما يمكن ان يوصف بالخروج على السنة أو الفهم الظاهري للفكر السني وسيطا وحديثا وما يمكن أن يوصف بالخروج على الشيعة أو الفهم الباطني للفكر الشيعي وسيطا وحديثا والخروج الأول حصل باسم ظاهر النص والخروج الثاني حصل باسم باطنه وكلاهما يتذرع بنصوص معزولة عن شروط إفادتها(11) . وهكذا فان حصر هذه المآزق بنوعيها يقتضي أن نشير في غاية هذا الفصل إلى أن حديهما النظريين هما انحرافا الكلام السني والفلسفة المشائية اللذين اتحدا في غاية الصلة بين الفكرين وحديهما العمليين هما انحرافا الكلام الشيعي والتصوف اللذين اتحدا في غاية الصلة بين الفكرين, مما جعل المآزق كما صاغها ابن تيميه من المنطلق الديني تتحدد نظريا مع الرازي وابن رشد من جهة وتتحدد عمليا مع ابن عربي والسهروردي من جهة ثانية. لكن الأمر ينعكس من المنطلق الفلسفي فيصبح تحديد النظري منها موجودا عند الرازي والسهروري ويصبح تحديد العملي منها موجودا عند ابن عربي وابن رشد. أما الجدل مع ابن المطهر فهو سياسي مباشر ولا يهمنا منه إلا ما يرد منه لضربي المآزق السابقة أعني مآزق النظر ومآزق العمل: 
أولا مآزق النظر: 
1- من المنطلق الديني وتعود كلها إلى التقابل بين نظرية العلم الإنساني المحيط بالحقيقة( وتلك هي علة اللجوء إلى نظرية التأويل الذي يتوسل لرد النقلي بما هو ظاهر إلى العقلي بما هو باطن عند التعارض ) ونظرية العلم الإنساني النسبي غير المحيط بالحقيقة مما يغني عن التأويل بالرد والاكتفاء بالعلم المناسب. 
2- من المنطلق الفلسفي وتعود كلها إلى التقابل بين نظرية الوجود التي تؤسس لمسألة الحقائق المؤلفة من كليات وما يترتب عليها من نظرية في المعرفة تقول بالحقيقة المطابقة ونظرية الوجود التي تنفي التأليف من الكليات وما يترتب على هذا النفي من نظرية في المعرفة تقول بالعلم النسبي لكونه مجرد ترميز اسمي للممارسة النظرية والعملية الإنسانية.
ثانيا مآزق العمل: 
1- من المنطلق الديني وتعود كلها إلى التقابل بين العمل الاجتهادي الذي يقتضي حل الاختيار في المسألة السياسية ونظرية العمل المؤيد الذي يقتضي حل الوصية في المسألة السياسية .
2- من المنطلق الفلسفي وتعود كلها إلى المقابلة بين العمل الإنساني المطابق للواجب ( للقول بالتحسين والتقبيح العقليين ) والعلم الإنساني النسبي الذي يربط دائما بين الواجب والواقع في التاريخ الفعلي لتحقيق القيم المتعالية عليه.


المقالة الثانية
كيف صار فعل التفلسف أمرا ممكنا

تمهيد:
يبين نقد ابن تيميه لفكر هؤلاء الأعلام الأربعة أنه كان مدركا لهذه المآزق فكان فكره لذلك سعيا لإحياء الإصلاح المحمدي بمعناه النقدي للتحريفين الديني ( في تحريف التوراة والإنجيل ) والفلسفي ( في تحريف فلسفة أفلاطون التي صارت صفوية وفلسفة أرسطو التي صارت مشائية). كان عمله سعيا حثيثا لتأسيس ما بعد طبيعة بديلة من التحريف الفلسفي وما بعد تاريخ بديل من التحريف الديني مستمدا أصولهما من إعادة تأويل للقرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة تأويلا يؤسس لشروط فهم الثورة الإسلامية ببعديها النظري العلمي والخلقي العملي. وهما سعيان يمكن إذا تحققا بحسب ما نحاول وصفه أن يخلصا الإنسانية من شرور العولمة التي كانت بينة منذ عصر بان تيميه وابن خلدون في فلسفة وحدة الوجود الطبيعية ( عند ممثلي الفكر الفلسفي المشائي والصفوي ) أو فلسفة وحدته التاريخية ( عند ممثلي الفكر الديني الكلامي والصوفي ) كما تعينتا عند هؤلاء الأعلام الأربعة.
لذلك فهذه الخاصية قد جعلت الفكر التيمي ( والخلدوني ) بالضرورة مصدرا مباشرا لفكر النهضة العربية الإسلامية الثانية منذ بدايات القرن التاسع عشر قبل نكوصها إلى المآزق التي آل إليها فكر النهضة الأولى نكوصا تعين خاصة في نتائج العوائق التي أشرنا إليها. فهذا المصدر لم يستعمل الاستعمال الفلسفي الجدير به بل اقتصر مستعملوه على فهم مقصور على ما فيه من أمور عرضية ناتجة عن التزام ابن تيميه بالفعل التاريخي ودخوله في المعارك المباشرة التي خاضها والتي هي ليست جوهر فكره الإصلاحي بل هي مجرد استجابة لمتطلبات الظرف. فكان موقف حركات الصحوة من فكره وحصرها إياه في هذه المعاني المباشرة جنيس موقف من يتصور معاني القرآن الكريم مقصورة على مدلولها عند نسبتها إلى أسباب النزول دون سواها مهملا بذلك المقاصد الكلية.
وبذلك يصبح مطلبنا في هذه المقالة الثانية أن نجيب عن الأسئلة التالية التي تصوغ الوجوه المتعددة من نفس الإشكالية: ما هي العلاقة بين نقد الفكر الفلسفي بفرعيه ونقد الفكر الديني بفرعيه؟ ولماذا كان اندماج الفلسفة في الكلام والتصوف بداية التطور الذي جعل علاج مسائل الحضارة العربية يصبح فلسفيا؟ وكيف آل هذا التطور فجعل علاج مسألة المنطق والميتافيزيقا عند ابن تيميه مثل علاج مسألة التاريخ وما بعد التاريخ عند ابن خلدون نقلة نوعية يصبح الفكر الفلسفي بمقتضاها ظاهرة غير أجنبية بل نابعة من الممارسة المعرفية العربية الإسلامية التي تجاوزت المقابلة السطحية بين العقل والنقل وبين الحكمة والشريعة ؟
وطبعا فنحن سنكتفي بالبحث في مآزق المسألة النظرية لكون المسألة العملية ليست مطلوبنا الآن علما وأنها هي الدافع الحقيقي لكل بحوث ابن تيميه وأن نتائجها المؤثرة في النظر بينة ولا تحتاج إلى توضيح في هذه المحاولة الوجيزة. مدخلنا إلى فكر ابن تيميه الإصلاحي في مجال الفكر هو إذن معيار التطابق النظري بين صحيح المنقول وصريح المعقول الذي ليس هو سلبا إلا نفي الفصام بين الفكرين وإثبات وحدتهما في المجال النظري وما ينتج عنه في المجال العملي: إنه معيار درء التعارض بين العقل والنقل أو معيار عدم التعارض بين صحيح المنقول وصريح المعقول الذي يرد به ابن تيميه على معيار التأويل الذي صار واحدا عند ممثلي الفكرين بفرعيهما. 
فدرء التعارض الذي يرد به ابن تيميه على معيار التأويل الذي انتهى إليه الكلام والفلسفة في الغاية هو في الحقيقة تسمية غير دقيقة لعملية ثورية تمثلت في السعي لتجاوز مصدر كل المآزق التي وصل إليها الفكر العربي الإسلامي المآزق الناتجة عما يشبه القول بثنائية المعرفة الإنسانية خاصية باطنة وعامية ظاهرة ( العقل والنقل ), وهو قول لا يمكن مواصلته بعد الثورة المحمدية التي ألغت الخصوصية الدينية فرفعت الفكر الديني إلى الكلية وألغت من ثم التنافي بين الدين الطبيعي والدين المنزل الخاتم من خلال المفهوم الجديد للدين الفطرة. 
فتكون الثورة التي نزعم أن بذورها موجودة في فكر ابن تيميه متعلقة بمسألتين أولاهما طغت على ممثلي العقل والثانية طغت على ممثلي النقل: الأولى تتعلق بنظرية العلم خاصة وهي مسألة المقابلة بين التحليل والتأويل صورتين للمعرفة التي تنبني على نظرية الوجود القائلة بتركيب الجواهر من المقومات الصورية باستثناء الأعراض والثانية تتعلق بنظرية المقابلة بين الحقيقة والمجاز مادتين للمعرفة التي تنبني على نظرية في اللغة والوجود تقول بتركيب المعاني من الحقيقة أي المقومات أو الباطن دون المجاز أي الأعراض أو الظاهر.
والمعلوم أن ترتيب الشرف بين المسألتين يتغير بحسب الموقفين: فمسألة مقومات المعلوم هي الأساس من منطلق الفكر الفلسفي لكونها تعود إلى نظرية الوجود في الميتافيزيقا, ومسألة الحقيقة والمجاز هي الأساس من منطلق الفكر الديني لكونها تعود إلى نظرية نص الوحي الذي له منزلة نظرية الوجود في الفلسفة. وقد تبين في عصرنا أن المنطلق الثاني أسلم بمقتضى تعليل آخر غير التعليل الديني هو: تقدم نظرية اللسان على نظريتي الوجود والقيمة. ولما كان من المعلوم أن المتكلمين والفلاسفة والمتصوفة قد جعلوا نظرية الحقيقة والمجاز مطية لرد ما يسمونه ظاهر النص ( المجاز ) إلى ما يسمونه باطنه ( الحقيقة ) أعني ما توصلت إليه علومهم المزعومه عقلية فيصبح القرآن الكريم عرضة لتأويلات تحكمية كالعرش الذي يتأول سطح جرم السماء بالمعنى الأرسطي بات من اليسير أن نفهم لم كانت هذه المسألة مدخل ابن تيميه الرئيسي لكل ردوده عليهم ولم سنجعلها غاية محاولتنا.


الفصل الأول
العلاقة بين التحليل والتأويل


كان لرد ابن تيميه على الحل المشترك بين الفكرين الفلسفي والديني في مستوييه المعرفي ( تحليل- تأويل ) والوجودي ( مقوم- حقيقة: عرض- مجاز ) وجهان كلاهما مضاعف إذا نظر إليه كما تعين في الردود على المدرستين المزدوجتين الفلسفية المضاعفة ( ابن رشد والسهروردي ) والدينية المضاعفة ( ابن عربي و الرازي ) ويصبحان متطابقين بفضل نفي ثنائية المعرفة الذي يسعى إليه ابن تيميه بتجاوز المقابلة وليس بالإرجاع ليكون التوحيد توحيدا فلسفيا يحقق ما دعا إليه الإسلام في نظرية الدين الكلي حيث يتطابق الدين المنزل الخاتم مع الدين الطبيعي العقلي أعني دين الفطرة:
1- فرع صراحة العقل ويتضمن صراحة المعرفة العقلية الخالصة وصراحة المعرفة العقلية المطبقة أعني ضربي الحقائق العقلية ممثلة بالصورة المنطقية والتجربة الطبيعية ( الخصومة مع فرعي الفكر الفلسفي ): إصلاح نظرية المعرفة العقلية والمنطق وما بعد الطبيعة والفلسفة الطبيعية. والهدف هو أن نعلم كيف عرف ابن تيميه طبيعة الحقيقة الطبيعية ليقربها من الحقيقة التاريخية التي هي غير الفلسفة العملية لكون هذه الفلسفة لم تكن عند علماء العقل مستندة إلى الخبر التاريخي بل كانت مستنبطة من الفلسفة الطبيعية أعني من مفهوم الإنسان وشروط وجوده الاجتماعية. ومن ثم فالشرائع ترد عندهم إلى الطبائع. فينحصر الأمر في مسألتين تخصان المعرفة التحليلية:
أ‌- المنطق الخالص أو صورة العلم التحليلية
ب‌- المنطق المطبق أو الصورة التحليلية ذات المضمون المستمد من التجربة الطبيعية 
2- وفرع صحة النقل ويتضمن صحة المعرفة النقلية الخالصة وصحة المعرفة النقلية المطبقة أعني ضربي الحقائق الدينية ممثلة بالتاريخ والتجربة الخلقية ( الخصومة مع فرعي الفكر الديني ): إصلاح نظرية المعرفة النقلية والتاريخ وما بعد التاريخ والفلسفة التاريخية والعمرانية المبنية عليها. والهدف هو أن نعلم كيف عرف ابن تيميه طبيعة الحقيقة التاريخية لتقريبها من الحقيقة الطبيعية التي هي غير النظرية لكونها لم تكن عند علماء النقل مستندة إلى التجربة الطبيعية بل كانت مستنبطة من الفلسفة العملية ومفهوم الإله وشروط حرية الخلق. ومن ثم فالطبائع ترد عند علماء النقل إلى الشرائع. فينحصر الأمر في مسألتين تخصان المعرفة التأويلية:
أ‌- التاريخ الخالص أو صورة العلم التأويلية
ب‌- التاريخ المطبق أو الصورة التأويلية ذات المضمون المستمد من التجربة العملية.
والجامع بين الأمرين عند تجاوز التقابل الوهمي بين ضربي العلوم يتمثل في بيان أن طبيعة مادة المعرفة ليست هي المحدد لكونها في الحالتين قابلة للتوحيد تحت اسم الوظيفة التي تؤديها في المعرفة الطبيعية ( المعطى المجرد ) وفي المعرفة الخلقية ( المعطى القيمة ) فيكون المشكل هو كيف يتم نقلها من منزلة المعطى المهمل إلى منزلة المعطى المسور بالمعنى المنطقي للكلمة والمعطى المفهوم بالمعنى التأويلي للكلمة أو بصورة أوضح كيف يمكن الجمع بين صورة العلم التحليلية وصورة العلم التأويلية في صياغة مادة المعرفة طبيعية نظرية كانت أو تاريخية عملية, ثم كيف يمكن علاج المادة بعد ذلك. وهاتان المهمتان هما مهمتا المعرفة التي تستعمل نفس الآليات أعني آليات حصر المعطيات لتحليلها ( بأدوات المنطق والرياضيات ) وتأويلها ( بأدوات التاريخ واللسانيات ) سواء كانت المعطيات طبيعية أو خلقية لكون كلا منهما لا يخلو من مقوم الآخر. لذلك بات المشكل متمثلا في تخليص الفكر العربي من المقابلة بين الزعم القائل بان التحليل و الحقيقة يمثلان العلوم العقلية والتأويل والمجاز يمثلان العلوم النقلية. والتخلص النهائي من الفصل المؤدي إلى محاولات التوفيق اليائسة لا يكون إلا ببيان سطحية المقابلتين الناتجتين عن الشكل البدائي من نظرية العلم: المقابلة بين صورتي المعرفة ( التحليل والتأويل ) ومادتيها ( الحقيقة والمجاز ).
وبين أن المقابلة الأولى متقدمة معرفيا على المقابلة الثانية. وعلاجها لا يكون إلا بتجاوز المقابلة السطحية بين التحليل والتأويل. ويتضمن علاج هذه المسألة مستويين: 1- مستوى طبيعة المقابلة السطحية التي تدور حول أساسي نظرية البرهان الأرسطية, أعني الحقائق الأولية أساس نظرية القياس, والصور الجوهرية أساس نظرية الحد والجمع بينهما جمعا يؤسس لنظرية البرهان. ذلك ان المنطق من دون الجمع بين هذين المفهومين لا يمكن ان يستنتج حقائق يتصور قوانين استنتاجه لها هي عين قوانين صلاتها بعضها بالبعض خارج القول العلمي أولا ويتصورها مطابقة للوجود في ذاته ثانيا, 2- ثم مستو
تاريخ النشر : 25-07-2005

6605 : عدد القراءات


يلفت موقع الملتقى الألكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.


 

 

 

 

 

الصفحة الرئيسية   l   دراسات قرأنية   l   دراسات حديثة   l   الفقه و الأصول   l   العقيدة و الكلام   l   فلسفة التجديد

قضايا التجـديـد   l   إتجاهات الإصلاح   l   التعليم و المناهج   l   التراث السياسي   l   الدين و الدولة   l   الحقوق و الحريات

مفاهيم و مصطلحات   l   الإسلام السياسي    l    الظاهرة الدينية   l   فلسفة الدين   l   فلسفة الأخلاق   l    قضايا فلسفية

المـــرأة و النسوية   l   الإسلام و الغرب    l   عروض و مراجعات   l   إصدارات   l    حوارات و شخصيات   l    مـؤتـمـرات و متابعات

جديد الملتقى   l   سجل الزوار   l    رأيك يهمنا   l   اتصل بنا

   ©2024 Almultaka  جميع الحقوق محفوظة 

Designed by ZoomSite.com