آخر تحديث للموقع

 2022-08-20

 
Facebook Twitter Rss

الاجتماع والفلسفة  .  قضايا فلسفية

الظاهرة الدينية    |    فلسفة الدين    |    فلسفة الأخلاق    |    المرأة و النسوية    |    الإسلام و الغرب

  •     

باطنية الفلسفة وظاهريتها

أبو يعرب المرزوقي


التمهيد:
هدفنا في هذه المحاولة أن نفضح تذاكي الفكر المزعوم متفلسفا وتغابيه لنحلل خطاب باطنية الفلسفة وظاهريتها كما حلل الغزالي باطنية الدين وظاهريته. ولن نتبع في ذلك أسلوب الغزالي لاختلاف الغرض. فليس من همنا مناقضة ما عندهم من المضامين المعرفية ولا المواقف العقدية. وليس من همنا أن نصلح أحدا ولا أن نلتزم بالدفاع عن حزب بعينه. ما يعنينا هو أن نناقش دعاوى التعالم دون المساس بحق المدعين في اعتقاد ما يعتقدون: لهم أن يعتقدوا ما شاءوا ولكن فليقولوا إنه معتقد وليس علما وليقولوا إن كلامهم ضرب في عماية وليس معرفة ذات منهج ينتسب إلى العلوم التي يذكرونها بالاسم ولا يعرفونها حتى بالرسم. 
ولما كانت الأحزاب بصنفيها المتدرعة بالدين والمتنكرة بلبوس الفلسفة قد وقعت في ما يحول دون الأمة والحيوية المستقلة التي تجعل فكرها فلسفيا كان أو دينيا ذاتي القيمة وقادرا على الإبداع فإننا لن نحاول ما حاوله الغزالي من سعي إلى تقويم المعتقدات أو تصويب المعارف فضلا عن الإصلاح الفكري والروحي إذ نحن لا نجهل بل نعلم علم اليقين أنه قد فشل لعلتين:
لأن محاولته لم يفهمها كلا الحزبين. فكلاهما اتهمه بالانتساب إلى الحزب المضاد: المتغابون ظنوه من المتذاكين والمتذاكون ظنوه من المتغابين. وهو في الحقيقة لا من هؤلاء ولا من أولئك بل هو كان يدافع عن الدين والفلسفة ضد التغابي والتذاكي الذي يمارسه التدين المزيف والتفلسف المكيف.
ولأن محاولته أدت إلى عكس ما كان يسعى إليه إذ لم ينتج عن فعله النقدي حركة فكر نقدية تبني العلاج البديل من أجل التحرر من شكل الفكرين الديني والفلسفي في العينيين الميتتين عصرئذ واللتين ليستا من الدين والفلسفة على الإطلاق بل تزايد التذاكي فبات التصوف غطاء الباطنية وتعاظم التغابي فبات التسفسط رداء الظاهرية. 
فتجهيز شكل العلوم الدينية بالأدوات الفلسفية دون مبدأ حياتها الذي هو جوهر المطلوب الديني حصر الفلسفة في الأدوات فأهمل الوجه الفلسفي من المضمون الديني الذي بقي على ما كان عليه ولم يصبح اجتهادا عقليا كما يدعو القرآن إلى ذلك بل سفسطة قشورية. 
وتجهيز مضمون العلوم الدينية بالمضامين الصوفية دون مبدأ حياتها الذي هو جوهر المفعول الديني حصر التصوف في المضامين فأهمل الوجه الصوفي من الشكل الديني الذي بقي على ما كان عليه ولم يصبح جهادا روحيا كما يدعو القرآن إلى ذلك بل دروشة بهلوانية. 
وما كان ذلك ليحصل لو لم يكن الفقه والتصوف عمليا والكلام والفلسفة نظريا قد أصبحت أربعتها في حضارتنا مجرد خطابات جوفاء خالية من الممارسات التي تحييها كما أراد ذلك خطاب القرآن الكريم: أعني الممارسة الحقوقية بالنسبة إلى الفقه والممارسة الخلقية بالنسبة إلى التصوف وممارسة الإصلاح الروحي بالنسبة إلى الكلام وممارسة المعرفة العلمية بالنسبة إلى الفلسفة. 
فجميعها صارت خطابات إيديولوجية تدافع عن منازل المتكلمين باسمها وليست ممارسات فعلية تعالج الموضوعات التي تزعمها مجالات فكرها والتي كان القرآن يوجه إليها عقل الإنسان وإرادته. وذلك ما ننوي بيانه في كلامنا على ما يحصل اليوم في الأفق الفلسفي بعد أن تجمد الأفق الديني الذي عالجه الغزالي وبات جوهر الوجود الثقافي للأمة مجال حرب دائرة بين تلويناته الفكرية والعقدية ومن ثم ساحة فوضى روحية ليس لها مثيل. وقد استند المتكلمون بمنظور الأفق الجديد دون فهم كونهم من جنس الذين صنعوا الأفق القديم استندوا إلى حلف صريح مع الهجوم شبه الكوني على الحضارة الوحيدة التي ما تزال صامدة أمام تغريب العالم واستعباده بنظام العبودية الجديد أو العولمة: فبعد أن كان الغرب يستورد العبيد بالعنف بات العبيد يهاجرون إليه سائلين الاستعباد وبات المستثمرون يأتون إلى عالم المستعبَدين يتفضلون عليهم في بلدهم بنقل مؤسسات الاستعباد إليهم واستغلال كفاءاتهم بأبخس الأسعار وينشرون في محيطهم علامات الخراب والدمار بشنيع التصنيع بل ويستحلون أعراضهم فينشرون الفضيحة والعار كما نرى ذلك رؤية العين بجنسي السياحة وترفيهي الملاحة. 
ومعنى ذلك أن الحاصل اليوم في مستوى الفكر العربي لا يختلف كثيرا عما وصفه الغزالي فظنه المحدثون حربا على الفلسفة في حين أنه كان وبصريح العبارة المبينة في مقدمات تهافت الفلاسفة مستندا إلى التمييز بين الفلاسفة وأشباههم في مستوى المواقف وبين العلوم الفلسفية وأشبهاهها في مستوى المضمون العلمي. والمعلوم أن الغزالي قد كتب ضد باطنية الدين وظاهريته. كتب فضائح الباطنية بالاسم أعني كتاب فضائح الباطنية وفضائل المستظهرية دفاعا عن العقل ضد التأويل التحكمي الملغي لكل عقل ودفاعا عن اختيار الأمة للحاكم بمقتضى المصالح ضد الوصية بمقتضى العصمة. وكتب فضائح الظاهرية بالرسم أعني كتاب إحياء علوم الدين العلوم التي أماتتها الظاهرية دفاعا عن الوجدان ضد التنكيل التحكمي الملغي لمعاني العبادة ودفاعا عن الصدق والعرفان ضد النفاق والبهتان. 
والمعلوم كذلك أنه قد فعل ذلك في أفق للفكر يدعي أصحابه أنه ديني إيجابا لكنه يقبل التعريف بكونه أفقا فلسفيا سلبا: كلا الحزبين اللذين رد عليهما الغزالي كان ينتحل الدين ويهاجم الفلسفة أولئك باسم العلم اللدني للإمام وهؤلاء باسم العلم الاجتهادي للفقهاء. فسعى الغزالي إلى فضح الفريقين مبينا طرق التذاكي التي يتبعها الفكر الشيعي المتطرف حطا للدين بحصره في أداء دور الأداة السياسية المجردة وطرق التغابي التي يتبعها الفكر السني المتطرف حطا للدين بحصره في أداء دور الأداة التعبدية السطحية المجردة. فكيف يمكن أن نصف الأفق الجديد الذي يدعي أصحابه أنه فلسفي إيجابا ويقبل التعريف بكونه أفقا دينيا سلبا: فكلا الحزبين اللذين ينبغي وصف أعراضهما ينتحلان الفلسفة ويهاجمان الدين بعضهم باسم العلم التحليلي والابستمولوجيا والبعض الآخر باسم العلم التأويلي والهرمينوطيقا.
وستكون خطة المحاولة على النحو التالي: بعد أن نصف الظاهرة في الأفق الجديد ونشخص الداء ندرس الصنفين اللذين يمثلانها بفرعي كل منهما لنختم بالصفات المشتركة بين الفروع الأربعة الحديثة من النخب التي تمثل نظائر الفروع الأربعة من النخب القديمة ومن ثم التحزبات المرضية التي استبدلت الفكر الديني التحليلي والتأويلي والفكر الفلسفي التحليلي والتأويلي بتوظيفاتها الإيديولوجية فحولت ساحة الفكر إلى فوضى روحية يصعب الخروج منها قبل الفراغ من وصفها وصفا يشخص علل ما نكتشفه فيها من أعراض لداء العقم الذي قضى على مغامرة الإبداع واستعاض عنها بمقامرة الأتباع.
المسألة الأولى
وصف الظاهرة وتشخيص الداء الحديث
لا يمكننا اليوم أن نمارس نفس النوع من الكتابة النقدية التي مارسها الغزالي أعني أن ننطلق من منظور أحد الأحزاب فنخوض مع الخائضين فضلا عما جد من تغير للأفق والأساليب. فمتطرفو كلا الحزبين الدينيين اللذين رد عليهما الغزالي هما المسيطران على الوعي الشعبي وباتا يشتركان في كلا النوعين من الفضائح تذاكيا وتغابيا. فرغنا من أمر الفكر الديني الذي حرف بصورة لا تكاد تقبل الإصلاح: لم يعد الدين إلا أداة سياسية وقشور تعبدية عند كلا الحزبين الباطني والظاهري وكادت التجارب الدينية الحية تزول في ملة غلب على نخبها التقية فكانت شر البلية كما وصفهم ابن خلدون عند الكلام على ثمرات الاستبداد السياسي والتربوي. ونحن اليوم في أفق للتفكير يدعي أصحابه أنه فلسفي إيجابا لكنه يقبل التعريف بكونه أفقا دينيا سلبا ونكاد نصل إلى نفس الحال في الفكر الفلسفي الذي حرف بصورة لا تكاد تقبل الإصلاح: فحزباه كلاهما أصبح ينتحل الفلسفة ويهاجم الدين تماما كما كان الحزبان الدينيان في الأفق السابق ينتحلان الدين ويهاجمان الفلسفة فكادت التجارب الفلسفية الحية تزول في جماعة غلب على نخبها التكالب على المناصب والنهش في حصانة الأمة بالأنياب والمخالب. 
فما هو نافق اليوم هو التذاكي والتغابي بالخطاب الفلسفي ضد الخطاب الديني. وهكذا فقد اجتمع الداء الجديد إلى الداء القديم. وتوطدت شروط الحرب الأهلية التي ليس لها من أصل غير الفوضى الروحية التي يعاني منها فكر النخب. وتتصف هذه الحرب بتقدم النوع الذي فضحه الغزالي في هذه الممارسات بفرعيه الباطني (متطرف الشيعة) والظاهري (متطرف السنة) لأنه ساد على ممارسة التذاكي والتغابي بل والتباكي والتشاكي فضم استبلاه الشعوب منهم إلى ازدرائها من نظرائهم المتفلسفين بفرعيهم الباطني (التأويليين المزعومين) والظاهري (التحليليين المزعومين) فكانت النخب بأصنافها الأربعة حائلة دون فاعلية الفكر التاريخية بعد أن انحط الخطاب الفلسفي عند المتكلمين باسم الفلسفة وتجمد الخطاب الديني عند المتكلمين باسم الدين. فسفلت صورة الحقيقتين الدينية والفلسفية فأصبحنا نسبح في وحل الخائضين بعد أن آل التفلسف والتدين إلى منزلة هي أسفل ما في الإيديولوجيا من بدع وأرذل ما في السياسة من خدع. 
ولنفصح فنحدد النظيرين في لحظتنا الراهنة التي صار فيها أفق التفكير يُزعم فلسفيا: فما يناظر الباطنية الدينية في لحظة الغزالي هم في لحظتنا أدعياء فلسفة التأويل أو الهرمينوطيقيون من أصحاب تأويل الخطاب الديني والأدبي خاصة وما يناظر الظاهرية الدينية في لحظته هم في لحظتنا أدعياء فلسفة العلم أو الابستمولوجيون من أصحاب تحليل الخطاب الفلسفي والعلمي. ولن نقصر الكلام على ممثلي هذين الموقفين في تونس وحدها بل سيشمل تحليلنا النخب العربية المقيمة والمهاجرة. ولن أحتاج إلى ذكر الأسماء. فالجميع يفهم من المقصود لأن الرسم أكثر دلالة من الاسم في الكلام الفلسفي إذ هو يساعد على تجاوز الدلالة العلَمية إلى الدلالة الجنسية. وبذلك يتبين أنه قد اجتمعت على لحظتنا منكوبة الحظ أربعة أدواء اثنان سلفيان أحدهما يزعم نفسه ناطقا باسم الدين والثاني باسم الفلسفة واثنان باطنيان أحدهما يزعم النطق باسم الدين والثاني باسم الفلسفة. وتلك هي خاصة الحرب الأهلية العربية الراهنة: الحزبان اللذان رد عليهما الغزالي يحكمان المجتمع المدني الأصيل والتحالف مع الاستبداد الشعبوي والحزبان اللذان ننوي الرد عليهما يحكمان المجتمع المدني الدخيل والتحالف مع الاستبداد النخبوي.
وسنبدأ بأيسر الموقفين على التحليل الذي سنقصره على حزبي اللحظة الراهنة ذات الأفق المزعوم فلسفيا مكتفين بعلاج العزالي في حالة الأفق المزعوم دينيا. إنه الموقف الذي يطلق عليه أصحابه اسم العلاج الإبستمولوجي. وهو تغاب لأن أصحابه يزعمونه تحليليا وحداثيا في الوقت الذي زالت فيه كل مقومات الفكر الوضعي والحداثي أعني في زمن ما بعد الحداثة ومن ثم فهو موقف يقلد ماضيا درس مثله مثل من يزعم التحديث بالإضافة إليهم. وله فرعان كلاهما من بقايا المدرسة الماركسية:
1-الفرع الذي يمثله خريجو آداب يتكلمون على العلم كلاما من غير علم فيخلطون بين مضغ الأفكار الميتة من تاريخ العلم وبين علوم الطبيعة والرياضيات الحية والتي هي ليست في متناولهم: فقولهم لا يتجاوز الحكايات حول العلم إلى منطق صيرورة العلم نفسه التي هي من التعقيد ما يجعل الإبستمولوجيا أكثر علوم الإنسان تعقيدا بخلاف ما يتصورون . فهي ليست من جنس علوم الطبيعة ولا إلى ما يعود إلى المنطق والرياضايات من علوم الترميز بل هي من جنس العلوم الإنسانية.
2-والفرع الذي يزعم تطبيق المنهج العلمي الوضعي على الدراسات الحضارية عامة والدراسات الدينية منها على وجه الخصوص. وهم كذلك من اختصاص الآداب ومن ثم فهم ليس لهم دراية بالدراسات الأنثروبولوجية والاجتماعية التي يدعون إلى تطبيقها فضلا عن طرق تطبيقها وحدوده. كلامهم لا يتجاوز الشعارات مع الجهل بأم قواعد العلوم التاريخية: فكل ما لم يبق دليلا ماديا يقبل التحليل العلمي يبقى الكلام حوله من باب أغلب الظن ومن ثم فالعلم فيه ينتسب إلى الترجيح لا إلى التحقيق.
ثم نمر إلى الموقف الثاني الذي يبدو أعسر على التحليل. إنه الموقف الذي يطلق عليه أصحابه اسم العلاج الهرمينوطيقي. وهو تذاك لأن أصحابه يزعمونه تأويليا وما بعد حداثي في حين أنه يستند إلى تحويل اجتهادات ما بعد الحداثة إلى معتقدات صالحة لكل زمان ومكان ومن ثم فهو يلغي منها سر ما بعد حداثيتها أعني نسبيتها المطلقة زمانا ومكانا: إذ هم يطلبون المثيل في المغاير بمقتضى حد ما بعد الحديث فيتخلون عن جوهر الفريد بالمعنى التاريخاني للموقف الحداثاني. ولهذا الموقف فرعان مثل الموقف السابق فرعان كلاهما من بقايا المدرسة الهيدجرية حتى وإن لم يكن ذلك مما يدرون: 
1-الفرع الذي يزعم الكلام في جماليات الأدب من غير فن أدبي فريد فيخلط بين الأفكار الميتة من تاريخ النقد والفن الحي الذي ليس فيه من الثوابت الكلية ما يقبل التعميم إلى بهيم الكلام في التعميم والترميم. لذلك فكلامهم لا يتعدى الشعارات النقدية بل إن النقد الارتسامي التقليدي يبدو أمام كلامهم أكثر عمقا لأنه على الأقل يتكلم في المسائل الذوقية وليس في عموميات التصور حول عملية الإبداع من دون الزاد الفلسفي المفيد.
2-والفرع الذي يزعم تطبيق المنهجية التأويلية على الدراسات الثقافية عامة والدينية على وجه الخصوص من دون مسلمات هذا العلم الذي من شرطه الدراسة الميدانية التي يخلو منها كلامهم الصحفي الذي لا يسمن ولا يغني. لذلك فكلامهم –إن سلمنا بصدق القصد- لا يتعدى التقليد البليد بمنطق المقايسة السخيفة بين سنن ذات توثيق لم يتخلف أصحابها عن نقدها عند تحقيقها خاصة ونصها المركزي قد دون بالتوازي مع صوغه وسنن فاقدة له فضلا عن كون نصها جمعا لروايات متراكبة ألفت قرونا بعد الأحداث التي نشأت خلالها فضلا عن كون الأحداث والنصوص الأولى كونت مؤسسات ومشاعر لا تزال أصحابها يمارسونها إلى الآن بنفس الشكل أو تكاد. 
وتتحد هذه الأصناف الأربعة في أمر مشترك ذي وجهين: وجه موجب هو محاولة الانتساب إلى الفكر التقدمي باسم التنوير ووجه سلبي هو مغالبة عدم الاعتراف بهم في الغرب مهما كان مقدار تفانيهم في الحرب على الذات لكأن الغرب يردد على أسماعهم عكسا للجملة المشهورة: والله لو نزعت جلدك ما عرفتك والقصد انزع حلدك حتى اعترف بك! فتهديم الموجود واستبداله بالتزيين السطحي الآخذ ثمرات الحضارة من دون شروطها التي تجعلها ذات فعالية فعلية ليس تحديثا بل قتلا للأمر المراد تحديثه. فالتقدمية لا تعدو التساهل المعرفي المزعوم تفكيكا والتسيب الخلقي المزعوم تحررا مع رفاهية المعارضة الصالونية الدائمة وشفافية الحلف الموضوعي الغائمة مع الاستبدادين الأجنبي والمحلي ضد مصالح الشعب وثقافته والسعي الجاد للحيلولة دون التنوير والتحرير الفعليين بالاستفزاز الدائم لمشاعر الشعب حتى يبقى سلوكه مقصورا على رد الفعل الرافض لكل تطوير متدرج وحر للقيم الجمعية بحركية ذاتية يكون فيها هو نفسه فاعل التاريخ لا مجرد منفعل به.
فيكون الحاصل من هذا الوصف والتشخيص قابلا للحصر في صنفين مضاعفين تتجلى فيهما أعراض المرض. ويمكن الكلام على أعراض المرض المتعين في فروع هذين الصنفين بوضع الأسئلة التالية:
1- ما دلالة الكلام الإبستمولوجي من دون تكوين في العلوم الطبيعية والرياضية يعتد به ؟
2- ما دلالة الكلام الإبتسمولوجي في الحضارة والدين من دون تكوين في العلوم الإنسانية يعتد به؟
3- أي معنى للكلام التأويلي في الفن من دون تجربة فنية حية ومن دون معرفة حقيقة بالفنون الأهلية فضلا عن الفنون الأجنبية ؟
4- أي معنى للكلام التأويلي في الثقافة والدين من دون معرفة حقيقية بمناهج التأويل والتحليل الثقافي وفلسفة الدين ؟
ثم نختم المحاولة بسؤال جامع هذا نصه: وأخيرا كيف يمكن أن يكون المرء تقدميا إذا كان يقول بالتحديث الاستبدادي الذي يوطد التخلف والتبعية ويولد ردود الفعل ضد التحديث الحقيقي الذي لا يمكن من دون أن يكون نابعا من التطور الذاتي لقيم الأمة.
الصنف الأول 
فرعه الأول: عرضه دعوى علم الابستمولوجيا
ما دلالة الكلام الإبستمولوجي من دون تكوين في العلوم الطبيعية والرياضية يعتد به ؟ فمن عجائب الدهر أن الكلام في فلسفة العلوم ونظرية علم العلم أصبحت من مشاغل كليات الآداب ويدرسها أساتذة لم يتجاوز تكوينهم في العلوم التي يطلبون فلستها ونظرية علمها مستوى الباكالوريا آداب أعني زادا في العلوم الصحيحة لا يعتد به حتى لفهم مبادئ هذه العلوم. والأغرب منه أن كليات العلوم التي هي أولى بمثل هذه البحوث لأصحابها من التواضع وحب المعرفة ما يجعلهم لا يتجرأون على ما نلحظه من أوداج منتفخة لأولئك الأدعياء. والمعلوم أن الواحد منهم لو حضر أحد دروس أدنى مساعد في كلية العلوم وخاطب طلبة السنة الأولى من أي اختصاص علمي لصار أضحوكة ومضرب الأمثال في الكلام السخيف حول تاريخ النكت العلمية.
لم أسمع زويل يدعي كلاما في الابستمولوجيا رغم كونه حاصلا على جائزة نوبل في الكيمياء. وما سمعت قبله أحمد عبد السلام في باكستان يدعي في العلم فلسفة رغم كونه حاصلا على جائرة نوبل في الفيزياء النظرية. لكني أسمع من المحيط إلى الخليج أن من لا يقدر على إفهامنا لم تحل معادلات الدرجة الثانية بالطريقة التي تحل بها يخرف حول ابستمولوجية السقوط الحر أو نسبية آينشطاين خلطا بين التعليقات الإيديولوجية والنفسية على ما يزعم جاريا في وعي العلماء وتصوراتهم وبين فهم آليات الإبداع العلمي وقوانينه. ولما كان هؤلاء ليسوا أغبياء بل هم شطار وأعلم الناس بدجلهم وبأنهم يتغابون مع العلماء ويتذاكون مع الأغبياء فإنهم أدرى الناس بضرورة تزيين قولهم بما يضفي عليه نَفاقا فيغطي على ما فيه من نفاق. لذلك فالدرس الإبستمولوجي سرعان من ينقلب عندهم إلى تبشير إيديولوجي بالحداثة والعلمانية الملازمتين حسب ظنهم للعقلانية العلمية فيصبح البعض من الدجالين رسل تحديث في الدواوين الوزارية والمصالح الثقافية العربية والإسلامية لفرط ما حل بهذه المؤسسات من الغباء حيث لا ينفق إلا التغابي الذي يوهم صاحبه نفسه بأنه عين التذاكي. 
ولما كان الناس جميعا يعلمون أن الثورة العلمية التي يزعمون الكلام عليها لم تحدث في عصر العلمانية والحداثة اللتين يتكلمون عليهما بل هي حدثت في عصر الإصلاح الديني وبتصورات مؤطرة أغلبها دينية (ديكارت ونيوتن ولايبنتس خاصة وحتى كنط وهيجل) فإن كلامهم ليس متصفا بالجهل العلمي فسحب بل هو كذلك مليء بالتزييف التاريخي لتطور العقل الإنساني. ففكرة الحداثة والعلمانية والتنوير فكرة متأخرة على الثورة العلمية بقرنين على الأقل وهي نتيجة الثورة العلمية ومعلولها وليست شرطها وعلتها كما يزعمون. لذلك فهم لا يختلفون عن الضباط والحكام الذين قادوا حركة النهضة المزعومة: تصوروا تهديم الموجود واستبداله بما يستوردونه من أنماط العيش الغربي تحديثا ونسوا أن لهذه الأنماط شروطا أهمها هي أنماط الإنتاج أعني الشروط التي تحقق التحديث الفعلي كما فهم اليابانيون مثلا.
وعندئذ تفهم النسب الروحي بين كلام هؤلاء الابستمولوجيين المزعومين والكلام الوارد في رسائل إخوان الصفاء: التبشير بإيديولوجيا العلم من غير علم ومن ثم الانتقال من المعرفة العلمية إلى الإيديولوجيا الثورية التي تزعم استبدال دول الظلمات بدولة الأنوار. وذلك هو بالضبط مفهوم العلموية الإيديولوجية التي تختلف عن العلموية الابستمولوجية التي كانت مرحلة ضرورية في الصرامة العلمية أعني مرحلة التأسيس التي تكون دائما متصفة بشيء من الإفراط الواجب حتى تترسخ المنهجيات الصارمة. وليس ما يتكلمون عليه من تعليقات تنتسب إلى الملاحظات النفسية والتربوية في الإبستمولوجيا الناطقة بالفرنسية التي يدمن عليها من لا يعلم سواها الملاحظات حول ما يسمى بالروح العلمية إلا من المصاحبات الأيديولوجية للمناخ الثقافي الذي يريد أن يربي الشباب الأوروبي على حب العلم والبحث وليس من النظريات العلمية في الإبداع العلمي. لذلك فما يناسب استئناف الإبداع العلمي في الحضارات التي عطل فيها لا ينبغي أن تكون من جنس هذه المحاولات التي تزيف التاريخ العلمي لتأسيس أسطورة العبقرية الأوروبية بعد العبقرية اليونانية.

وفرعه الثاني: عرضه دعوى عمل الإبستمولوجيا
ما دلالة الكلام على العمل الإبتسمولوجي في الحضارة والدين من دون تكوين في العلوم الإنسانية يعتد به؟ لو من عليك الرب فحضرت مسامرة يتكلم فيها أستاذ حضارة عربية عن الدين الإسلامي وتاريخ الأديان وفلسفة الدين كلاما ابستمولوجيا لفهمت القصد من هذا الكلام على الظاهرات الحضارية من دون تأهيل علمي بين حتى لمن لم يطلع إلا على أبجديات هذه العلوم. تقرأ كتابات نبي هذا الرهط فتسمع الأسماء الرنانة لكل العلوم الإنسانية التي يدعو إلى تطبيقها في علمه الجديد الذي اسمه الاسلامولوجيا المطبقة فتتساءل عن سلامة النطق وصحة المنطق حتى لا نتهم سلامة الناطقية! فمن الانثروبولوجيا إلى البسيكولوجيا إلى السوسيولوجيا إلى تاريخ الأديان إلى أديان التاريخ إلى التأويل و"الهر-على-من-يطيقة" (=الهرمينوطيقا) وعلى من لا يطيقة إلى التحليل النفسي إلى الاثنولوجيا إلى البيداغوجيا والديماغوجيا. ولن يتوقف السيل. ثم تنظر في الحصاد الأليم فلا تجد إلا الرميم الذي هو ثمرة العقل السقيم !
ولنبدأ بالشعار الأول: نقد النصوص ! ماذا يسمي أصحاب هذه الدعوى والدعوة الدافع إلى كل ما كتبه القدامى من المسلمين في تحقيق نص القرآن والحديث ؟ هل كانوا يفعلون ذلك كله لو لم يكونوا واعين اثني عشر قرنا قبل مولد المناهج التي يبشر بها هؤلاء الأدعياء-دون علم ولا فهم-واعين بضرورة التمييز بين صحيح المنقول ومنحوله ؟ وهل كان يمكن أن يسأل ابن خلدون عن ضرورة نقد التاريخ نقدا مستندا إلى علم حاول وضع أسسه لو لم يدرك أن هذا العلم هو بالإضافة إلى علوم الملة في نسبة علم المنطق إلى العلوم العقلية لأن الأول يعالج صحة الصورة والثاني يعالج صدق الخبر؟ هل كان يفعل لو لم يكن يعتبر النقد التاريخي من شروط التمييز بين الصحيح والمنحول ومن ثم فهو يقتضي وضع المنهج العلمي المحدد للمعايير التي تميز الخبر المنخول من بين الكلام المنقول؟ 
ولكن قبل ذلك أما كان لا بد من السؤال عن الفرق بين صريح المعقول بمعنى خالصه أو محضه وبين المختلط منه بما يستمد من المعنى الثاني للمنقول: أي ما هو من معطيات التجربة وليس مما هو من قبليات العقل الذي يتكلم عليه الرازي فيجعله معيارا يحسم به مفارقة التأويل عند التعارض المزعوم بين العقلي والنقلي ؟ فمن يميز بين صريح المعقول وغير صريحه لا بد أن يكون قد فهم أن للمعرفة العقلية وجهين يخلط بينهما سطحيو العقلانيين الذين من خصائصهم أنهم لا يقرآون إلا بموجهيْ الناظرين الموضوعين على صدغيْ الناظر: فشتان بين ما هو من قبليات العقل التي ليست مستمدة من معطيات التجربة فتكون من المنقول الامبريقي (وجنسه الثاني هو المعطى التاريخي والديني) وبين بعديات العقل التي هي ليست معقولا صريحا بل مزيجا منه ومن منقول التجربة العلمية الذي هو ظنون عصر عصر من عصور المعرفة والخبرة الإنسانية التي يراد رفعها إلى منزلة المعيار الذي يقاس به منقول التجربة الروحية (=لأن الصريح في العربية تعني الصراح أي Rein بالالمانية وPure بالانجليزية وPure بالفرنسية !). 
ولم يكن ذلك مدلولا تأويليا نضيفه نحن اليوم بعد أن فهمنا الفلسفة الحديثة بل إن صاحب هذا المقابلة التصورية هو الذي أعلن أن من شروط ذلك إعادة النظر في المنطق الأرسطي وحقق ما أعلن عنه لتحريره من المضمون الناتج عن الالتزام الوجودي الوارد الذي تتضمنه نظرية الحد والبرهان في التحليلات الثواني ونظرية القضية والتأويل في باري هارمينياس. لكن نبي الإسلاميات التطبيقية أو "الابلايد إسلامولوجي" بالرطن الانجلو سكسوني الذي علمت في ماليزيا أنه يهيم به ليس على علم بكل ذلك بل لعله يحتقره لمجرد وصف صاحبه بالسلفية فيدعي أمورا يظنها "المؤدبون" من تلاميذه في تدريس الحضارة من المحيط إلى الخليج علما لدنيا رغم أنها من المبتذلات المعلومة للجميع باستثنائهم لفرط انشغالهم بالحديث في الحداثة وإهمالهم الحدثي في الأحداث التي يتحدثون عنها!
والواقع أن ما يلهيهم عن العلوم عامة والعلوم التي يدعون إلى تطبيقها خاصة هو تلاقيهم مع التيار الأول في عجلة الانتقال من التأويل إلى التحويل: بدل أن يعلموا يسعون إلى أن يعملوا. والعمل من غير علم يقتضي التقليد. والتقليد بليد حتى لو احتذى ذا المحتد التليد. لذلك فمثلهم مثل إخوان الصفا يريدون أن يغيروا ما يصفونه بعصر الظلمات ليعوضوه بعصر الأنوار من دون نور العلم للظن بأن اسمه ورسمه يكفيان بديلا من مسماه ومعناه. ولذلك فهم يستوردون وصفات جاهزة ومقايسات باهتة لا تمكن من شروط العقل فضلا عن شروط الفعل. 
وكلما كان العقل منعدما كان الفعل غواية وضربا في عماية. وكلما غاب التحليل اللطيف تحالف أصحاب العلاج العنيف مع أصحاب التحريف المستعدين للتوظيف عند متعهدي التكليف افتتانا بالكماليات الرافهة فيزدرون قيم الشعوب الراضية بالرغيف العفيف من شط العرب إلى بلاد الريف ! ولا يغرنك توتر العلاقات الظرفي بين نخب العرب والمستبدين في الداخل. فذلك أفضل المداخل لعطاء أي أمير قد يخامره قصد التباخل. إنما هو من علامات توتر العلاقات بين درجتين من درجات المعارج في العبودية لسادة الداخل وسادة الخارج: فمن دون ذلك لن يكونوا أداة الضغط من هؤلاء على أولئك فضلا عن إستراتيجية المزايدة للترفيع في المقايضة ترددا بين تلميع الصور تلميعا هو مهمة نافضي الغبار بما يسمى جدل التنوير المستعار وتورية التهديد بهتك الأسرار في جرائد الفضائح وكشف العار !





الصنف الثاني
فرعه الأول: عرضه دعوى التأويل الذوقي 
أي معنى للكلام التأويلي الذوقي من دون تجربة فنية حية ومن دون معرفة حقيقية بالفنون الأهلية فضلا عن الفنون الأجنبية ؟ لم أكن لأتكلم عن الفرع الأول من الصنف الثاني أعني صنف باطنية الفلسفة لو لم يرم بي في طريقهم أمران ليس لي فيهما يد. فأما الأمر الأول فهو خرافتهم حول ترجمة كتاب الشعر لأرسطو وشروحه العربية خرافتهم التي أرشدتني إلى مدى وثاقة معلوماتهم. وأما الأمر الثاني فهو تخريفهم حول نظريات الفهم والتأويل التي صارت أقرب إلى البلاهة والتدجيل منها إلى النباهة والتحليل في قراءة النص الأدبي الأصيل فضلا عن النص الديني الجليل. وكلا الأمرين لسوء الحظ لهما صلة باختصاصي الأصلي في الفلسفة اليونانية وبمطالعاتي الفرعية في الفلسفة الألمانية. 
فأما الخرافة الأولى فهي زعم زعمائهم أن الفلاسفة العرب كانوا من الغباء بحيث أخطأوا حتى في ترجمة اسم جنسي الشعر اللذين درس أرسطو أحدهما في كتابه عن الشعر. ولما كنت قد كلفت ذات مرة بتدريس هذا الكتاب بمناسبة تعويض أحد الزملاء يدرس الفلسفة اليونانية في عطلة سبتية فإني أردت أن أتيقن من علم زعماء النقد الأدبي وتجرؤهم على الفارابي وابن سينا وابن رشد شراح كتاب الشعر فضلا عن مترجمه إلى العربية. فكانت الحصيلة مدهشة: كل ما في الأمر أنهم جميعا وبدون استثناء كانوا يرددون كلمة قالها المرحوم عبد الرحمن بدوي عرضا لتثمين ترجمته بالمقارنة مع ترجمة المترجم العربي الأول. وهذه الأسطورة هي الظن بأن فلاسفة العرب بلغ بهم الجهل إلى حد عدم التمييز بين التراجيديا والمدح وبين الكوميديا والهجاء. سمعتها ممن كان يدرس المسرح في الكلية بعد أن أعد فيه رسالة دكتوراه في السوربون المجيدة ثم صرت أراها تمضع لبنانة عند أساطين النقد الأدبي بمناسبة وبغير مناسبة: إذ يكفي الحط مما هو عربي أيا كانت المناسبة حتى ولو كان من حجم هؤلاء الرجالات.
وطبعا فمهما أحسن المرء الظن بشيخ الفلاسفة العرب المحدثين فإنه لا بد من التأكد بالعودة إلى أرسطو والى الترجمة العربية القديمة والمقارنة مع الترجمات الغربية الحديثة وعدم الرضا بحكم بدوي في الترجمة القديمة مهما كانت أهميته. وقد فعلت. فوجدت أن المترجم القديم وضع المقابلين العربيين وأبقى على الاسمين اليونانيين طراغوذيا وقموذيا. واكتشفت أن أرسطو هو الذي اعتبر أصل الطراغوذيا هو نزعة المدح عند الشاعر وأصل القموذيا هو نزعة الهجاء عنده بدءا بالفخر بالذات والحط منها في ما يشبه بدايات للتحليل النفسي للظاهرة الفنية إضافة إلى نظرية التطهير. فأدركت أن المترجم العربي والفلاسفة العرب الشراح لم يكونوا كما صورهم زعماء النقد العربي الحديث من الغافلين بل كانوا فعلا علماء وأمناء احترموا إرادة المؤلف ونباهة المترجم وسنن التسمية العربية: فليس من الواجب أن يكون الاسم شاملا لكل صفات المسمى بل تكفي الصفة المميزة. وتلك هي الصفة التي اعتبرها أرسطو أصل الجنسين.
ولنأت بعد الخرافة إلى التخريف الذي ليس من ورائه تجديف. وليكن الشاهد آخر ما صرحت به واحدة تتوهم نفسها من أعلام النقد العربي الحديث-وكم كثر الأعلام في هذه المهنة التي صارت سهلة بل مخلة يعلف منها كل الجهلة- في كلامها المفكك على التفكيك وما أدراك ما التفكيك. فحاصل قولها ومجمله أن التفكيك مفهوم وضعه دريدا وأنه ليس كذا وليس كذا تعريفا سلبيا حسب زعمها. وطبعا لو كانت تعلم المقصود بالمسمى-حتى عند حصر تطبيقه على النصوص في ماديتها الدالية دون النظريات والتصورات المدلولية- لتجاوزت ترجمة الاسم من الدلالة الفرنسية وعادت به إلى أصله في الدلالة الألمانية فضلا عن دلالة المسمى من وراء الأسماء. كان ذلك يقتضي تجاوز دريدا الفرع إلى هيدجر الأصل كما ورد في عنوان الفقرة السادسة من الفصل الثاني التي حددت مدلولها في التمهيد المرشد (للقارئ) Einleitung من كتابه الوجود والزمن Die Aufgabe einer Destruktion der Geschichte der Ontologie أعني المهمة التي يتولاها حل ما غزله تاريخ الأنطولوجيا من تصورات حول الوجود. 

ولو فعلتْ لفهمتْ أن دريدا في الحقيقة متناقض عند استعماله المفهوم لأنه يبنيه على عكس ما بني عليه عند صاحبه حتى وإن كان تناقضه يناسب ما قصده في سعيه إلى دحض هيجل وكل فلسفات الحضور ليستبدلها بفلسفة الغياب. فهو عند هيدجر حل ما تراكم من حسوم نظرية ترسبت على الوجود وتصوره فعمتهما وأبهمتهما وأنست الإنسان معانيهما فيكون حل الغزل الهيدجري بعكس التأليف الهيجلي أعني الإدبار من النسيان الأخير إلى الذكر الأول كما كان التأليف الهيجلي الاقبال من الذكر الأول إلى النسيان الأخير إن عبرنا عنه بلغة هيدجر أو من اللحظة الصوغية الأولى للوعي وموضوعه إلى اللحظة الصوغية الأخيرة لهما أو إلى ما أطلق عليه هيجل العلم المطلق وهو عند هيدجر النسيان المطلق.
وإذا كانت غاية هذا التفكيك بلسان فلسفة الظاهرات هي عين شعارها أعني العودة إلى الأشياء ذاتها فإن دريدا كان ينبغي ألا يقول بنظرية التفكيك لأنه ينفي هذه الإمكانية فيكون التفكيك ليس من أجل العودة إلى الأشياء بل من أجل الكشف عن العدم. وذلك هو معنى قلب الe إلى a في كلمته السحرية بعد أن صار التفلسف الذي هزل بمجرد أن بات العلم بعيدا عن متناول الفلاسفة الناجحين في مناظرات التحصيل اللفظي-التبريز الفرنسية كما يصف بياجي آثارها التعقيمية- فصار تلاعبا بالألفاظ والحروف: Differe(=>a)ce بمعنى التراخي بدل الاختلاف. لكن الناقدة الحداثية تتحدث عما لا تفهم فتقول عموميات يخجل منها المبتدئ في التهجية فضلا عمن يزعم التفلسف في القراءة والنقد لكنها تضيف إليها تعامقات توحي بأن علمها من المضنون به على غير أهله وهو في الحقيقة من جنس ما يقول المثل الشعبي التونسي لو "فتحت السرة لوجدت خيطا". 
ومع ذلك فسأقبل أن دريدا يحق له أن يستعمل التفكيك حتى وإن كان ذلك لا يوصله إلى الأشياء ذاتها كما يريد الظاهراتي من عملية التفكيك سعيا إلى التعليق أو الوضع بين قوسين بل هو يوصله إلى ما يريد إثباته أي عدم الحضور أو تراخي المؤثر الدائم فماذا سيكون الحاصل؟ إنه يسميه المسافة الفاصلة بين الرمز والمرموز لأن المرموز المؤثر يبقى دائما غائبا وراء الرمز الأثر فلا تكون فلسفة الحضور أمرا ممكنا ومن ثم فلا يمكن للتفكيك أن يفك شيئا للوصول إلى شيء إذ إن ما يسعى إليه هو ما يسلم من البدء أنه ما لا يقبل الحضور لأن جوهره هو الإدبار الدائم وراء الأثر. وقد يكون لهذا المعنى دلالة مهمة هي امتناع تعين المطلق في النسبي والكلي في الجزئي وهو في الحقيقة جوهر المنطلق الديني لأن المؤثر المطلق في هذه الحالة هو ما يعد كل ما عداه من آياته. 
فيكون دريدا من حيث لا يعلم قراؤه يلمح لمفهوم الربوبية في الأديان المنزلة التي تغلب على الشرق الأدنى إن قرئ بإيجابية أو يصرح بمفهومها في أديان الوحدة المطلقة التي لا ترى وراء المظاهر غير عدم الظاهر في الأديان الطبيعية التي تغلب على الشرق الأقصى. وعندئذ يصبح مطلوب التفكيك التفكيك ذاته للحد من عنجهية الإنسان الذي تأله فزعم نفسه عين الحضور الوجودي في أعيان دواله حصرا للمدلول في الدال. وهذا ليس بالشيء الهين: فهو إما من جنس حل الغزل الصوفي السوي في الترقي نحو شهود المطلق أو من جنس الشطح الصوفي في وهم وحدة الوجود الوهم الذي قد يفهم هذا التراخي بين الدال والمدلول نفيا فيكون من الجنس الأول أو إثباتا لعدم النرفانا فيكون من الجنس الثاني. 
لكن التفكيك بمعناه الأصلي كما حدده صاحبه في الإحالة المشار إليها سابقا هو المسار المقابل لمسار التاريخ في تصوراته المعمية لدلالته سعيا لطلب معناه وتحرير من كانت قلوبهم غلفا مما ران عليها فنسيت معاني الوجود. فإذا كان الفكر قد غُزل فالتفكيك يحل غزله. وحل الغزل مراجعة متأنية لمراحل الغزل فيكون المطلوب فيه فهم آليات فعل اليد الغازلة "غرزة فغرزة" : فالمسار العكسي يشبه تراجع لحظات حركة الأفعال في عرضها السينمائي من الغاية إلى البداية ولكن بهدف الرجوع إلى الامكانات التي استثنيت في المسار الطردي من تحقيق الفعل. وفعل اليد الغازلة في النص الأدبي أو في النص الديني ليس هو موضوع الكلام بل هو فعل الكلام ذاته ومن ثم فهو الإبداع الشكلي أعني جوهر الفن الإسلامي الذي لا يهتم بالمضمون بل بالشكل وذلك هو معنى الفن التجريدي. فيكون المطلوب فهم فن الكلام من حيث التعبير التجريدي عن تعينات الذوق الوجودي ومنها الجمال بداية والجلال غاية. 
لكن نقادنا لا يطلبون أشكال فن الكلام بل هم يكتفون بالإبهام في ترديد الكلام على مضمون شعار التفكيك لكأن التفكيك من حيث هو فعل ليس المقصود منه الغزل المضاد أو فك الغزل من أجل فهم الحبك الغزْلي والغزَلي بوصفهما عين فعل الإبداع المتحرر من المتاع. لذلك فنحن لم نر أحدا منهم فهم فن الكلام العربي من حيث هذين الفنين فيه بفن حل المغزول إلا بعموميات تبقى دون ما فهم به نفسه بين الرماني في رابع القرون والجرجاني في خامسها مرورا بالباقلاني المخضرم بينهما: لا أحد من النقاد العرب المحدثين يمكن أن يقاس بقامة من جرب تطبيق الكشاف في فهم آيات القرآن فضلا عن نظر الدلائل في آليات البيان ! 
وقد تأكد عندي ذلك لما قرأت ما زُعم تحليلا نفسيا لشعر الحب العذري: لقد عد تعبيرا عن العجز في الحب وليس تعبيرا عن تعالي الحب عن كل تعبير ! آمنت أنه من سوء التدبير أن أحاول فهم أسباب التقصير عند من خلا وطابه من القول الخبير في إدراك أسمى تجارب التفكير ! إنما هي ثرثرات قد تقنع بها الجرائد السائرة في سوق الثياب البائرة عند ذوي العزائم الخائرة والعقول الحائرة دون طلب النظريات الصائرة لعدم الصبر والمثابرة. 
فهبني فككت نصا من نصوص القرآن الكريم فاكتشفت بعض فنيات غزله الشكلية أفيكون ذلك مدعاة للزعم بأن ذلك يخولني التباهي فأشطح بعلم ينفي ما للمقدسات من تعال لو كنت أعلم أن العلم الذي أؤسس عليه نظريتي من مسلماته الأولى أن كل موجود مهما كان ضئيلا متعال بالذات على علمه؟ أليس المبدأ الأساسي في النظرية الظاهراتية هو التسليم بأن موضوع الإدراك متعالTranscendent على الإدراك وأن الإدراك مضطر لفعل الاستكمال المتخيل ليحقق الوحدة الموضوعية بوصفها من مفاعيل التكوين المتعالي Transcendental بمعنى الشرط القبلي لتكوين الموضوع وتكوين تجربته ؟ فإذا كانت كل هذه المعاني غائبة عن أذهان هؤلاء النقاد فما الفائدة من السماع لهم وهم لا يفقهون ما يتكلمون عليه ؟
وبالمناسبة فلا بد من التعريج على المقعرين من المترجمين: فجيمعهم ينفي أن تكون كلمة التعالي مؤدية لمعنى الTranscendental . وهو اعتراض لا يؤيده اللسان ولا الفرقان. فلسانيا أصل الكلمة اللاتنيية transcendoيعني التعالي والتجاوز كما أن مرادفها الألماني Ueberfliegen يعني التجاوز بالسمو والطيران. وفرقانيا تفيد كلمة التعالي أن الأمر المتعالي يتجاوز كل إحاطة إذا فهمت بالمعنى الوسيط فتكون وصفا للموضوعات وليست وصفا لأفعال الذات المعرفية. والجامع بين الأمرين الإضافي إلى الذات و الإضافي إلى الموضوع هو التعالي بمعنى عدم الإحاطة بالأمر الذي يوصف بالتعالي سواء كان القصد عدم إحاطة العلم بالمعلوم (قصور الإدراك عن الإحاطة بموضوعه) أو عدم صدور العلم عنه لانتسابه إلى التصوير العقلي (شرط التجربة القبلي). 
فالتعالي بالمعنى الوسيط يقال على استحالة رد الموضوع أو مادة العلم إلى ما يعلم منه. وهو تصور لا يزال مقبولا في الفلسفة الحديثة التي عممته على كل موضوع ولم يبق محصورا في المعاني الثلاثة الوسيطة (وهي في الحقيقة أرسطية: الواحد والوجود والخير) بل إن جوهر الموقف الفينومينولوجي من الموضوعات أيا كانت تفاهتها هو الذي عمم هذا المعنى: فالقصدية تعني أن كل فعل من أفعال الذات المتعالية متجه إلى موضوع يعلو عليه ويوجد في غاية قصديته ولا يمكن أن يحيط به فيكون لكل نوويتك (قصد إدراكي) نوويماتك (موضوع إدراك) ! والتعالي بالمعنى الحديث (وهو معنى كنطي) يقال على الذات أو على صورة العلم أعني ما في العلم ليس صادرا عن مادة المعلوم. ويفيد التعالي هنا القبلي الصوري بالقياس إلى البعدي المادي من المعرفة. وهو تصور لم يعد مقبولا إلا بحدود لأنه بات يفيد الفرضيات الشرطية الصادرة عن تطور ثقافي معين يضع مفروضات يتعامل العقل بمقتضاها مع موضوعاته (أحكام الجيل المسبقة أو المعتقدات الفاعلة في عصر عصر من عصور المعرفة: القاعدة التصورية أو النظام التصوري السائد في إحدى مراحل تاريخ المعرفة).
فيكون المشترك بين المفهومين هو ما لا يستغني عنه فعل المعرفة من "ماقبليات" صورية و"مابعديات" مادية حتى يكون مفهوما. فالماقبليات الصورية هي التي اصطلح على تسميتهاtranscendental . والمابعديات المادية هي التي اصطلح على تسميتها transcendent. وكان يمكن الاصطلاح بالعكس لو لم يسبق المصطلح الذي يطلق على التعالي المادي المصطلح الذي يطلق على التعالي الصوري في تاريخ الفكر الفلسفي: وكلاهما شرط في ما ينسب إليه أحدهما في قيام المادة منظورا إليها بمعزل عن الصورة العلمية والثاني في قيام الصورة منظورا إليها بمعزل عن المادة العلمية واجتماعها في قيام الموجود. وكان ينبغي أن يسأل أصحاب النفاذ الخارق والمتحذلقين لم اختار كنط هذا الإسم لو لم يكن بسبب علمه بما بين التصورين من علاقة حتى وإن تقابل الحيز أحدهما في جهة الموضوع والثاني في جهة الذات. والمعلوم أن كلا التصورين اللذين اصطلح عليهما بهذين الاسمين ينقسم إلى نوعين من دونهما تكون المعرفة فاقدة للموضوعية ومن ثم خالية من الفرق بينها وبين الأباديع الأدبيةLiterary fictions : 
فالمابعديات المادية تنحصر في القبول بالمسلمتين التاليتين: 1- أن الموضوع موجود خارج العلم به ومصاحب لكل فعل معرفي 2- وأن له خاصيات ذاتية يسعى العلم إلى إدراكها واستقراء قوانينها. 
والماقبليات الصورية تنحصر في القبول بالمسلمتين التاليتين: 1- أن الذات موجودة خارج علمها ومصاحبة لكل فعل معرفي 2- وأن لها خاصيات ذاتية هي صور العقل ومقولاته تمكنها من إدراك القوانين أو من وضعها بالتجريب والتردد بين الخطأ والصواب.
لكن ماضغي الكلام لا يمكن لهم أن يتجاوزا المعرفية اللفظية لا يتجاوزونها إلى مدلولاتها الفلسفية التي قصدها أصحابها أو ينبغي أن تفهم مما قصدوا إليه حتى ولو لم يصرحوا به فيكون فعل الترجمة عندهم مقصورا على البحث عن المرادفات للكلمات الأجنبية. وعند الاستحالة وهي القاعدة بين اللغات عامة وبين اللغات ذات النسب المختلف خاصة تراهم يلجأون إلى التعريب العقيم الذي يترك المترحم فيه مسألة التسمية باللسان المنقول إليه إلى القارئ فيلغي من ثم الحاجة إلى وساطة الترجمة. لكن البحث في المعاني المقصودة هو الذي ينبغي السعي إليه ومن ثم أداء المعاني بصورة سليمة كما فعل المترجمون الأول الذين عيب عليهم ترجمة الطراغوذيا بالمدح والقموذيا بالهجاء ظنا بأنهم كانوا يجهلون الفرق عند حصر التسميتين العربيتين في معناهما الذي لهما في الشعر العربي وليس في ما قصده أرسطو بالمعنيين أصلا لدلالة الفنين في الشعر اليوناني أو كما يعاب على بدوي عندما لم يزعم مثل الأدعياء ضرورة المحافظة على التسمية الأجنبية مقابلا للتعالي بمعنى القبلي الشارط للتجربة وموضوعها بالمعنى الكنطي.

وفرعه الثاني: عرضه دعوى التأويل الثقافي
أي معنى للكلام التأويلي في الثقافة والدين من دون معرفة حقيقية بمناهج وفلسفة الدين ؟ فلنمر إلى مهزلة المهازل في الخلط بين المنازل وتغييب الحدود والعوازل إلى أن تصدر المحافل اللامعنى السافل. فإذا كان هوسرل لا يدعي نفي الوجود العالمي بل يضعه بين قوسين ومعه كل النظريات التي جمدت أشكال تصوراته لكي يفهم ضروب حضوره للوعي وضروب الشروط القبلية لتقبل الوعي لهذه الضروب من الحضور أو لتكوينها فكيف بنقاد الأدب من متأخري العرب يذهبون إلى تصور الرفع المنهجي نفيا وجوديا للموضوع فيصبح الأمر الوحيد في النصوص أيا كانت طبيعتها هو ما تتميز به الأباديع Fictions الفنية من عموميات بنيوية أعني ما يقتضي ضرورة نفي ما وراءها من المتعاليات الوجودية التي هي في النظرية الظاهراتية جوهر القصدية الفينومينولوجية المتوجهة بالضرورة إلى موضوعات محدوسة عقليا noematic فضلا عن التوجهات القصدية الحادسة عقلياnoetic ؟ 
ولما كانت القصدية الحادسة في فهم النصوص وتأويلها من جنس حدس التجارب الدينية كما هي الحال في النصوص القرآنية أو السنية التي يزعمون نقدها وكان الموضوع المحدوس من نفس الجنس فكيف بمن ينفي التمييز بين القصود في التجربة الروحية التي لا يكون موقفها غفلا بل هو من جنس الموقف الفلسفي والتجربة الحسية التي هي غفل من حيث الموقف كيف له أن يزعم تطبيق المناهج الحديثة على النص الديني ؟ أتكون القصدية في التجربة الدينية من حيث الفعل الحادس والموضوع المحدوس فاقدة للمميزات الذاتية التي تجعلها ذات مقومات تختلف بها عما عداها من التجارب ؟ أم إن تسطيح الفكر الوضعاني عند فاقدي الحجا الجواني صار في آخر الزمان معيار كل المعاني ؟
لم يميز الفكر الإنساني بين المناهج التحليلية والمناهج التأويلية تحكما. إنما كان ذلك بسبب الاختلاف الحقيقي بين الموضوعات الطبيعية والموضوعات الإنسانية. ولم يحصل هذا التمييز إلا بفضل مرحلتين مر بهما الوعي الإنساني الذي أدرك تميز الظاهرات الإنسانية عن غيرها من الظاهرات:
فأما المرحلة الأولى فيمكن اعتبارها قيمية وجودية: فتصور الإنسان على صورة الله أو خليفة الله أو أي تصور شئنا جعله يعد غير غيره من الموجودات الأخرى. وعندئذ فلا يمكن أن يعامل معاملة الكائنات الأخرى علما وعملا. فكان هذا التمييز القيمي منطلق التمييز الوجودي وبداية البحث عن الخصائص المؤثرة في العلاج المنهجي المتميز: كيف يمكن للفعل الحر والقصد الواعي أن يكونا موضوعا للمعرفة العلمية ومن شروط هذه المعرفة أن يكون موضوعها خاضعا للضرورة عكس الحرية وللآلية عكس الغائية أو الوعي القصدي. فتقابل بذلك ما ينتسب إلى الأخلاق والدين وما ينتسب إلى العلم والفلسفة. وتقابلت المناهج التأويلية للنصوص والأعمال في المجال الديني والتاريخي والمناهج التحليلية للظاهرات والأفعال في المجال العلمي والطبيعي. 
وأما المرحلة الثانية فيمكن اعتبارها منهجية معرفية: ولما كانت العلوم الثانية تقدمت إلى العلمية على الع
تاريخ النشر : 28-04-2007

6136 : عدد القراءات


يلفت موقع الملتقى الألكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.


 

 

 

 

 

الصفحة الرئيسية   l   دراسات قرأنية   l   دراسات حديثة   l   الفقه و الأصول   l   العقيدة و الكلام   l   فلسفة التجديد

قضايا التجـديـد   l   إتجاهات الإصلاح   l   التعليم و المناهج   l   التراث السياسي   l   الدين و الدولة   l   الحقوق و الحريات

مفاهيم و مصطلحات   l   الإسلام السياسي    l    الظاهرة الدينية   l   فلسفة الدين   l   فلسفة الأخلاق   l    قضايا فلسفية

المـــرأة و النسوية   l   الإسلام و الغرب    l   عروض و مراجعات   l   إصدارات   l    حوارات و شخصيات   l    مـؤتـمـرات و متابعات

جديد الملتقى   l   سجل الزوار   l    رأيك يهمنا   l   اتصل بنا

   ©2024 Almultaka  جميع الحقوق محفوظة 

Designed by ZoomSite.com