وضعت أحداث الحادي عشر من أيلول/ سبتمبر2001 الإسلام كقضية غربية داخلية، إذ لأول مرة ينظر هذا "الغرب" إلى الإسلام بوصفه يحمل تهديداً سياسياً وعسكرياً بعد أن كان ينظر إليه بوصفه مجرد عامل تحريض ديني خارجي.
فقد أظهر استطلاعٌ للرأي أجراه معهد "بيو" الدولي للأبحاث في تموز/يوليو 2005 أن غالبية الأميركيين والأوروبيين قلقون إزاء تزايد التطرف الإسلامي حول العالم، وقد شمل الاستطلاع 17 دولة، إذ أبدى ثلاثة أرباع المواطنين في الولايات المتحدة والدول الأوروبية مثل بريطانيا وفرنسا وألمانيا وهولندا وإسبانيا وروسيا قلقهم إزاء التطرف الإسلامي حول العالم.
ووصف معظم المستطلع آرائهم في أميركا والدول الأوروبية والهند الإسلام بأنه أكثر الأديان عنفاً، وذلك عندما طُلب منهم الاختيار بين الإسلام والمسيحية واليهودية والهندوسية. واعتبر 87 في المائة من الفرنسيين و88 في المائة من الهولنديين أن الإسلام هو الدين الأعنف بين باقي الأديان.
وأشار 22 في المائة من المستطلعين في الولايات المتحدة إلى أن لديهم نظرة سلبية إلى الإسلام، مقارنة بـ 57 في المائة يملكون نظرة إيجابية. وقال 34 في المائة في فرنسا أن لديهم نظرة سلبية مقارنة بـ64 في المائة إيجابية. وأشارت غالبية المستطلعين في الدول الأوروبية إلى أنهم يشعرون بتصاعد الهوية الإسلامية في بلادهم، ويعتبرون هذا الأمر سيئاً لبلدانهم.
يمكن القول إن صورة الإسلام، وكما يعكسها استطلاع الرأي في غاية السلبية، وربما يعود الأمر إلى أسباب تاريخية وسياسية أبعد بكثير من أحداث 11 أيلول/ سبتمبر بيد أن تعميق السلبية بهذا الإطار ربما يرسم سياسات معينة تحاول الاستجابة لنمط التصورات السلبية تلك مما ينعكس بشكلٍ غير مباشر على السياسات كما وجدنا ذلك في تعامل الحكومة الدنماركية مع أزمة الرسوم الدنماركية التي كانت بمثابة رد فعل عفوي على التصورات الذهنية المسبقة عن الإسلام.
إن بناء هذه الصورة نابعٌ بشكل رئيسي من الأحكام التلقائية التي تطلقها وسائل الإعلام الغربية ومن ورائها النخب السياسية والفكرية والثقافية الغربية، فمالميس رونفن على سبيل المثال يعزو الفشل الإسلامي إلى وجود نوع من التمزق الداخلي داخل المجتمعات الإسلامية، هذا الفشل يتجسد في التمزق بين ماضٍ تقليدي وتعليم عال مضمونه غربي ومدني، ومع تأجج الهوية داخل هذه المجتمعات فإنها تلعب دوراً محورياً في استدعاء أنماط من الصدام أو الصراع التقليدي بين الإسلام والغرب
(Malise Ruthven, A Fury for god: the Islamist Ahackon Americal (London: Granta Books, 2002).
أما بالنسبة لهاليداي فإنه يعتبر أن الحركات الأصولية في مجملها، لا الإسلامية منها فحسب، معادية للحداثة والديمقراطية معاً، فالآخر عندها مرفوض مبدئياً، وحيث تتشابك الهويتان الدينية والأثنية في إحداها، يتكامل العداء للآخر حتى يصير أقرب إلى العنصري (فريد هاليدي، ساعتان هزتا العالم، لندن: دار الساقي، 2002)، وهو يتقاطع مع روثفن في تأكيده أن الحركات الأصولية لا تكترث بالتنمية أو العولمة، إنما تصب جام غضبها على حكامها وعلى الفساد الأخلاقي والغرب وإسرائيل، ورؤيتها للغرب إنما تتحدد بناءً على رؤيتها لذاتها وللعالم، أو بالأصح انطلاقاً من تصورها لهويتها التي تصبح محض دينية حين تم فصلها مع الغرب.
بيد أن البعض يعود إلى أبعد من ذلك في تحليلاته ليقرأ الخلفية الاجتماعية والسياسية التي أهّبت لصعود الإسلام السياسي متمثلة في انهيار مشروع التحديث العربي الذي قادته الأنظمة العربية ما بعد الاستقلال منذ الخمسينيات وفشلها في تحرير فلسطين ثم تصاعد هذه المسألة في الوعي العربي والإسلامي، ثم فشل التنمية الاقتصادية الاجتماعية ما انعكس بشكلٍ كبير على ازدياد الفقر وتدهور المستوى المعيشي للمواطنين، وقد ترافق ذلك مع نمو شكل من أشكال التسلطية السياسية المطلقة التي اختلفت بين دولة عربية وأخرى إلا أنها تشابهت في انعدام تبلور أفق لإنجاز الديمقراطية السياسية، وقد ترافق ذلك كما قلنا بصعود إسرائيل كقوة إقليمية وعسكرية واقتصادية وتكنولوجية وفشل العرب في تحقيق أيٍّ من الشعارات التي وضعوها في مواجهة إسرائيل، كلّ ذلك خلق بيئة خصبة لنمو التدين واكتساحه الأرياف المتوسطة والفقيرة، وهو يشكل بدوره مرتعاً سهلاً لنمو التيارات المتطرفة داخل هذه القرى والأحياء المعدمة (فرانسو يورجا، وجها لوجه مع الإسلام السياسي).
وإذا كان بن لادن قد قدم نموذجاً مختلفاً لذلك متمثلاً في صعود الإسلام المتطرف داخل إطار الوفرة وليس ضمن اقتصاد الندرة فإن ذلك يصح نخبوياً أو طليعياً، لكنه لا يصح بالتأكيد فيما يتعلق بالجمهور أو الاتباع الذين يكون معظمهم قد نما في مدن الصفيح حيث انعدام كل شيء من مياه وفرص عمل ورعاية صحية إلى غير ذلك.
يلفت موقع الملتقى الألكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.