آخر تحديث للموقع

 2022-08-20

 
Facebook Twitter Rss

حوارات وشخصيات  .  

  •     

تعليق على بحث الاستاذ محمد عمارة: "مقال في وسطية العقلانية الاسلامية"

أبو يعرب المرزوقي


تمهيد:
ليس لامرئ مثلي غير مختص في فكر الاصلاح عامة وفي فكر محمد عبده خاصة أن يتجاوز تعقيبه مجرد الاستنارة والاقتراح. لن أزعم لآرائي الواردة في هذه الورقة درجة التعقيب العلمي على الآراء الحصيفة التي يقدمها أحد كبار المختصين فيهما. فالاستاذ محمد عمارة هو الذي جمع أعمال شيخ الاصلاح وحققها كلها وبفضل نشره إياها تمكنت أجيال كثيرة من الاطلاع عليها ودراستها. فله كامل العرفان وجزاه الله خيرا. وليسمح الأخوات الاخوة الذين شرفوني بهذه الدعوة بأن أتوجه إليهم طالبا اعتباري في هذه المحاولة مقصورة مسؤوليتي على الجهد والسعي إلى الغاية دون اعتبار الحصيلة التي أصل إليها حقيقة علمية لأن محتواها كما سترون أميل إلى الصياغة التساؤلية ومنه إلى تقديم الاجوبة. فليعتبروها من جنس ما يسمى بتدخل سليم الطوية أو الساذج Candide في المناقشات الاكاديمية التقليدية. فليس عندي بعد كلام مختص كبير في الفكر الاسلامي عامة وفي فكر محمد عبده خاصة ما يمكن أن يعد تعليقا استدراكيا بأتم معنى الكلمة بل إن عملي سيكون مجرد محاولة للفهم والاستكشاف.
ومنطلق هذه التساؤلات هو الاجماع الذي يكاد يحصل حول التناقض بين حال الأمة العقلية والروحية فضلا عن حالها في وجوه الثقافة والعمران الاخرى وما تقوله النخب التي تمجد التجربة العربية الاسلامية فتنسب إلى فكرها خصائص تجعلها أسمى مما يقارنوها به من أصناف الحضارات الاخرى غربية كانت أم شرقية. فالأمر لا يخلو من احدى خليتين عند تحديد المواقف التقويمية من تجارب الامم التاريخية: فإما أن نواصل تقديم فكرنا بصورة لا علاقة لها بأثره في واقعه لعدم مطابقتها لما يمكن أن ينسب إلى وقع الفكر في واقع المسلمين أو أن نسائل هذا الفكر حتى نفهم الخلل الذي يمكن أن ننسب إليه حال المسلمين التي نرى الآن. فليس من واجبات الفكر النظري الاقتصار على ما يمكن ألا يتجاوز تعزية الذات عن اخفاقاتها الحضارية ليواصل الغفلة عن العلل الحقيقية مكتفيا بالنوم على إيقاع ارجوحة الأماني بدل اليقظة التي تذكيها هزات التفاني. 
إن الإشارة إلى اخفاقات حضارتنا ليس لها أدنى مساس بعمل الاستاذ عمارة العلمي لان الموضوعية تقتضي أن يصف موضوعه دون اضطرار الى التقويم حتى وإن كان هذا الموضوع مادة للتقويم. كما أن هذا التساؤل عن أسباب هذه الاخفاقات في حضارتنا لا يعني أننا ننسب ما عليه حال المسلمين إلى الدين عامة وإلى الدين الاسلامي خاصة: فشتان بين الكلام في الفكر الديني والكلام في القرآن الكريم الذي لا يأتيه الباطل. وهو أخيرا لا ينسب حال المسلمين إلى صفات عرقية قد يكون العرب والمسلمون متصفين بها لأننا نرفض التفسير العرقي فضلا عن التفسير بعقيدة أرواح الشعوب التي من جنسها. 
مطلبنا الوحيد هو المحددات التاريخية الفعلية التي جعلت فكر المسلمين يصيبه خلل يؤول به إلى العقم فيعجز رغم قرني النهضة والاصلاح عن استئناف الابداع في مجالاته بصنفيها اللذين من القوة الاولى (قيم الذوق والرزق) وصنفيها اللذين من القوة الثانية (قيم العمل والوجود) وصنفها الذي يجمع بين الجنسين جمع أداة (قيم العلم في الرزق والعمل) وجمع غاية (قيم العلم في الذوق والوجود) وأثر ذلك في حال المسلمين الحضارية. وطبعا فالمقام لايسمح بغير الاشارة السريعة إلى هذه الامور التي عالجناها في غير موضع بمنهج العلاج الفلسفي النسقي. 
ولما كان البحث الذي شرفت فكلفت بالتعليق عليه مؤلفا من أمرين هما 1- بحث الاستاذ عمارة في فكر الشيخ عبده 2- وفكر الشيخ عبده الذي هو أيضا بحث في مسائل الفكر والحضارة الاسلامية بات المطلوب مني أمرا مضاعفا. فعلي أن أعلق على بحث الاستاذ عمارة وعلى فكر الشيخ عبده حتى يحصل المطلوب. لذلك فسأحاول علاج مسألتين أجيب في أولاهما عن أسئلة شكلية يثيرها عرض الاستاذ عمارة وفي الثانية عن أسئلة جوهرية يثيرها فكر الشيخ. سأخصص أولى المسألتين لمناقشة الاستاذ عمارة أراءه في قضيتي الوسطية العامة والعقلانية التي هي وسطية معرفية من منظورين عام ورد في المقدمتين وخاص ورد في عرضه لفكر الشيخ محمد عبده. أما المسألة الثانية فأناقش فيها بعض نظريات الشيخ عبده لكون الاستاذ عمارة اكتفى بعرضها دون تحليلها ومناقشتها أناقش بعضها كلا على حاله أولا ثم في أصلها الواحد لاسائل البنية التي ننسب إليها مأزق الفكر الفسلفي عند المسلمين البنية التي نعتبرها قد لازمته منذ تكونه في لقائه الاول بالفكر الفلسفي سابق الحصول وليس الحاصل خلال تجربته الذاتية الأولى(1) بعد نزول القرآن الكريم إلى استئنافه في لقائه الثاني بالفكر الفلسفي سابق الحصول وليس الحاصل خلال تجربته الذاتية الثانية(2) بعد الشروع في النقد الجذري ممثلا بفكر ابن تيمية وابن خلدون. 
ولعل خاصية ظرف الحصول المتماثلة أو طبيعة اللقائين بالفكر الفلسفي هذه تجعل ازدواج الوجه في الحالتين أحد أهم مميزات هذا الفكر. فمن تجربة التأسيس التقويمي المزدوجة إلى تجربة الانبعاث التقويمي المزدوجة لم يخرج الفكر الاسلامي من منطق سوء فهم العلاقة بين العقلي والنقلي لكأن الأول بلا عقل والثاني بلا نقل ما أدى إلى مفهوم الوسطية المقيطة التي جعلت الجمع المزعوم توازنا بين العقل والنقل نفيا للعقل والنقل على حد سواء لأنه أدى إلى قتل القيم ذات القوة الاولى (الذوق والرزق: الفقر الفني والاقتصادي) والقيم ذات القوة الثانية (العمل والوجود: الاستبداد السياسي والديني) والقيمة الجامعة جمع أداة في الرزق والعمل وجمع غاية في الذوق والوجود (النظر: الايديولوجيا) فجعل حضارتنا تصبح عقيما رغم محاولات النهوض والصحو منذ قرنين.
المسألة الاولى: تعقيب على علاج الاستاذ عمارة:
1- تاريخيا بمراجعة الاحالات إلى أرسطو وبعض المفكرين المسلمين
2- فلسفيا بتحليل التصورات مضمونا وشروطا ونتائج
المسألة الثانية: تعقيب على فكر الشيخ عبده ممثلا لمآزق منظور الصحوة
1- مناقشة نظرية الوسطية من حيث تبرير التقليد المضاعف: للماضي الاهلي عند التأصيليين والحاضر الغربي عند التحديثيين لان كلا الفريقين يمكن أن ينتسب إلى الشيخ عبده.
2- مناقشة نظرية الوسطية من حيث هي احياء للاستبدادين الناتجين عن التحالف بين السلطانين الزماني والروحاني.
ومن الواجب أن أشير من البداية أن قصد الاستاذ عمارة ليس تقديم بحث علمي اكاديمي مختص بل هو يعرض على المستمع العادي صورة سريعة عن فكر الشيخ محمد عبده كما تقتضي مناسبات احياء ذكرى الأعلام من رجالات الامة. وأملي أن يقبل المستمع مني سعيي إلى استكمال الصورة بفحص المسألة من منظور فلسفي قد يبدو مزعجا لغير المختصين. ولست أشك أن المستمع حقه مقدس. لكن ذلك لا ينبغي أن يحول دون حق المسموع الذي من الواجب أن نرفعه قدر المستطاع فوق الظرفي. فالمسموع كلام في فكر أحد كبار المصلحين. لذلك فعلينا واجب العلاج الفلسفي الدقيق إذ إن أفضل ما يمكن أن يفرح الشيخ عبده في حياته الخالدة هو أن تتقدم الأمة إلى ما كان يطمح إليه من رقي يمكنها من استئناف الابداع للتحرر مما حل بها من كساح حضاري حتى ولو اقتضى ذلك تفضيل الحقيقة على الصداقة كما قال أرسطو. والشيخ مثله مثل كل الكبار من الرجالات يعلم أن ذلك فيه بالضرورة واجب العرفان الحقيقي الذي هو التجاوز. فنسبة الأعلام الخالدين إلينا هي نسبة الآباء إلى الأبناء: لاشيء يفرح الاب أكثر من قدرة ابنه على محاولة تجاوز ما أنجزه في سبيل عزة الامة. 


المسألة الاولى
التعليق على علاج الاستاذ

نحاول عرض العلاج الذي تفضل به الاستاذ ثم نردف العرض بنقاش سريع من منظور تاريخ الفكر الاسلامي ومن منظور تاريخ الفكر الفلسفي الحالي. فنبدأ بوصف العلاج ومراحله لنشفعه بالجواب عن السؤالين التاليين:
1- ما المنطق الذي اعتمده الاستاذ عماره في علاجه هذه المسألة الشائكة بعد تلخيص أمين لمراحل العلاج؟ 
2- وما مدى علمية المقدمتين اللتين استهل بهما الاستاذ عماره بحثه عرضا لتاريخ فهمه عند المسلمين وتحديدا لمدلوله الفلسفي الممكن: مناقشة تحديد الاستاذ عمارة مفهوم الوسطية بين العامة وأرسطو ومفهوم العقلانية بين الوضعية وما بعدها. ما معنى عقلانية اسلامية وهل يمكن الكلام عن نظرية معرفة ممثلة لمنظور اسلامي واحد تعينه الحديث هو فكر محمد عبده ؟ 


وصف العلاج 
يتألف علاج الاستاذ عمارة من قسمين أحدهما يمهد لفهم عمل الشيخ والثاني يصف هذا العمل في ضوء مقدمتي التمهيد الذي دار حول مفهوم الوسطية بمعناها العام وبمعناها الخاص بالمعرفة. 
أولا: مقدمتان تمهيديتان:
وفيهما يعرف الاستاذ عمارة مفهومي الوسطية و العقلانية الاسلاميتين وينسب ما توصل إليه إلى الشيخ فيعتبر المفهومين ملخصين لموقف عبده ولفكره. فيكون الاستاذ عمارة قائلا بما يقول به الشيخ عبده. ومن ثم فالتمهيد والعرض متطابقان:
1- المقدمة الاولى خصصها للوسطية الاسلامية: ويعرفها الاستاذ بالمقابلة مع التصور العامي الذي لم يصغه في عبارة واضحة والتصور الارسطي الذي لم يسنده إلى نص من نصوصه معلوم يؤيد هذا الفهم النقدي(3) . وقد مهد لذلك بمقدمة تاريخية حول خصائص العصر خصائصه التي حددت مضمون معارك عبده : ليختم بالتأكيد على أن الشيخ عبده قد اختار موقف الوسطية الاسلامية.
2- المقدمة الثانية خصصها للعقلانية الاسلامية: وينطلق الاستاذ من مبدأ ابن تيمية في التطابق بين صحيح المنقول وصريح المعقول و من مبدأ ابن رشد في الجمع بين الحكمة والشريعة لكأن الامرين من نفس الطبيعة في حين أنهما متقابلان تمام التقابل: الاول يرى التطابق بين شكلين من أشكال الادارك المعرفي والثاني يقثره على مضمونين من مضامين المعرفة. ثم يرجع إلى رأي الغزالي في الوسطية دون أن يشير إلى أن الغزالي يخالفه الرأي في العلاقة بين الوسطية الأرسطية والوسطية الاسلامية على الأقل في ميزان العمل ورأي الجاحظ في الشك ورأي القاضي عبد الجبار في التكليف النظري دون التحرر من الخلط بين تحليل مقومات العقل ومجرد تقريضه. ويمكن للمرء أن يسأل: إذا كان كل هؤلاء قائلين بالوسطية الاسلامية فإلام يرجع الخلاف بينهم إذن؟ وتنتهي المقدمة الثانية بالكلام في طبيعة الاعجاز القرآني كلاما مستندا إلى احصاء دلالات العقل في القرآن: والحصيلة هي الجزم بأن الشيخ عبده يمكن أن يعد ممثل العقلانية الاسلامية في العصر الحديث.
ثانيا: البحث في فكر عبده:
بعد مقدمة في نقد الشيخ عبده الغلو بأصنافه الثلاثة النصوصي ممثلا بالوهابية والباطني ممثلا بالتصوف الشعبي والوضعي ممثلا بالصحافة العلمانية يأتي عرض أربع مسائل هن:
1- نظرية الهدايات الاربع: أ- هداية الوجدان الطبيعي ب- هداية الحواس والمشاعر ج- وهداية العقل د- وهداية الدين وهي قابلة للقسمة إلى مستويين بحسب نوعي الوسطية: هداية دينية عامة هي الوسطية العامة وهداية دينية خاصة هي الوسطية المعرفية. لكنه لم يحدد مصدر هذه الهدايات هل هو فطرة الانسان فتكون من طبيعة الدين الطبيعي أم الوحي فتكون من طبيعة الدين المنزل. أم هل هي جامعة بين الامرين فيكون الاسلام في نفس الوقت دينا طبيعيا ودينا منزلا كما هي فرضية كل محاولاتنا في فهم الاسلام فاتح الرسالات وخاتمها. ولم يحدد الاستاذ عمارة كذلك طبيعة المعرفة التي تبحث في هذه الهدايات. فهل كلام الشيخ فيها نظرية في علم نفس المعرفة ؟ أم هل هو نظرية في رتب الوجود؟ أم إن الامر جامع بين علم النفس ورتب الوجود كما كان الشأن عليه في الفلسفة القديمة والوسيطة؟
2- ونظرية مقام العقل ومكانته: يتكلم الاستاذ في مفهوم العقل من خلال احصاء قرآني ونقد التقليد ثم في حدود العقل حدوده التي تعلل حاجته إلى الهداية الدينية المشار إليها في النظرية السابقة. لكن الكلام في العقل اقتصر على بيان مدح القرآن للعقل والتعقل وخلا من تحليل تصور العقل الذي بقي غائما رغم غلبة الفهم المعرفي. غاب التمييز بين وظائف العقل التي قصدها القرآن في دعوته وهي وظائف يمكن ان نعتبر كتاب العقل للمحاسبي أفضل علاج نسقي لها.
3- ونظرية علم السنة الكونية والاجتماعية: فما المقصود بعلم الاجتماع الديني: هل القصد هل علم الاجتماع الذي يدرس الدين أم علم الاجتماع الذي يتبنى المنظور الديني للظاهرات الاجتماعية ؟ لكن ذكر السنن الثمانية يرجح القصد الثاني الذي يمكن مقارنته بموقف جماعة اسلامية المعرفة(4) . والسؤال هو هل: التواصل والتعاون والتدوال التاريخي وتوزيع الثروة والتدافع وتوالي الموت والانبعاث على الامم والاملاء للكافرين والتبديل والتغيير والسنن الجارية والسنن الخارقة هل هذه الأمور مبادئ يمكن درسها علميا فتكون شاملة للبشر من حيث هم بشر أم هي خاصة بالمسلمين فتكون من علم الاجتماع الديني بهذا المعنى المخصوص ؟
4- ونظرية السببية أو علاقة الاسباب بالمسببات: تكلم الاستاذ في نقد جهل الوثنية للسببية ونقد النصرانية النافية للسببية ورفض الإسلام الحتمية المادية. وطبعا فكل هده الأحكام دفاعية لانها تهدف إلى بيان امتياز التصور الاسلامي لتفضيله على كل تصور يقابله بحاجة إلى أدلة وتدقيق حتى لو سلمنا بصحتها العامة. فليس صحيحا أن الفكر الوثني يجهل السببية عامة بل هو يجهل حدها العلمي لانه يطلقها فلا يميز بين الأثر السحري الموهوم وبين السببية العلمية المعلومة. وهو في ذلك شريك لكل فكر ديني يؤمن بالمعجزات. والفكر المسيحي لا ينفي السببية بل هو يقول بحرية الانسان المتعالية عليها وهو في ذلك يشترك مع الاسلام لان التكليف من شروطه أن يكون الانسان حرا. ورفض الحتمية المادية في الاسلام ينبغي تحديده لئلا ينافي الوسطية بين الضرورة والحرية. فالإسلام لا يمكن أن يرفض الحتمية المادية باطلاق بل نفيها فيه ينبغي ألا يتعدى مجال التكليف أو مجال العمل إذ إن التمييز التيمي بين المشيئة الكونية والمشيئة الامرية هذا هو معناه. 
ويختم الأستاذ عمارة عرضه بجملة قصيرة تصف الشيخ عبده بكونه حكيما أعني فيلسوفا بالمعنى النظري والعملي ومن ثم فهو مصلح على علم (ص. 21). ونحن سنحاول الكلام في فكر الشيخ من منطلق هذه النتيجة فلا نكتفي بالكلام على فكره بوصفه مصلحا بالمعنى الذي آل إليه أمر الفكر عندنا الآن وإلا انحط فكره إلى مجرد دعوة دينية لا تستند إلى فكر نظري يقدم العقل البشري في هذه المجالات المعرفية التي ينسبها إليه. فالتجرد للعلم بين المفكرين الدينيين كانت له فضالة في عصر عبده لكنه بات شبه مستحيل بينهم في عصرنا لفرط استحواذ الهم العملي على كل النخب وخاصة النجوم منها حتى بات الدين مقصورا على السياسة والعلم على الايديولوجيا وأصبحت الوسطية تعني التعامل البراغماتي مع طرفي المعادلات العملية بدل طلب الحقيقة النظرية والعملية: وتلك هي أهم نكبة أصابت الفكر عند المسلمين خلال القرنين الاخيرين اللذين أغرقانا في الايديولوجيا.


مناقشة العلاج

أسئلة كثيرة يثيرها عمل الاستاذ عماره بثرائه المعهود وخاصة باشاراته إلى تاريخ الفكر الديني والفلسفي عند المسلمين وفي الغرب القديم والحديث. وقد ألمحنا إلى بعض هذه الاسئلة خلال العرض لأنها تتبادر إلى الذهن مباشرة عند قراءته. وسنحاول ترتيبها تحت عنوانين للنقاش هما عنوان المناقشة التاريخية للاشارات المستند إليها وعنوان المناقشة الفلسفية لدرجة الدقة النظرية التي اصطبغت بها التصورات المستعملة في تحديد المفهومات التي تنسب إلى المسلمين وإلى غيرهم من الامم. سيكون نقاشنا لجل هذه التساؤلات التي تثيرها مداخلة استاذنا الفاضل مزدوجا: تاريخيا وفلسفيا.
النقاش التاريخي: مدى صحة الاشارات التاريخية التي وردت في المحاولة. 
ولنكتف باثنتين احداهما تتعلق بتمييز الوسطية الاسلامية عن الوسطية الارسطة والثانية تعلق بتمييز العقلانية الاسلامية عن العقلانية الوضعية. فهل يمكن أن نقبل بالاستناد إلى تاريخ الفكر وصف الاستاذ عمارة للفكر الاسلامي وللفكر الذي يقابله به لنحدد درجة الموضوعية في هذا الوصف فنعلم طبيعته هل هي علمية أم مجرد اعلان عن عقيدة تنسب إلى الذات كل للمحامد وإلى الغير كل المذام ؟
1- فهل تعريف الوسطية العامة والوسطية المعرفية - وهما المفهومان اللذان يعرفهما الكاتب - تعريف تتوفر فيه شروط التعريف كما يعلمنا إياها المنطق والفلسفة ؟ أي هل هو تعريف جامع مانع أم مجرد رسم خضوعا لمنطق القول في المناسبات ؟ 
أ- الوسطية العامة عرفها سلبا بالمقابلة مع العامة ومع أرسطو وإيجابا بحل كل معضلات الوجود والقيم أو بتجاوز الثنائيات التي عدد الكثير منها والتي هي حسب رأينا كل معضلات الوجود الانساني التي ينفي القرآن أن يكون لها حل لأنها من الغيب أو من أسرار الوجود(5) . لذلك فإني أعجب من قول الاستاذ عمارة إن الوسطية الإسلامية تحل هذه الثنائيات. فإذا كان قصده أنها تحلها في العمل فلا خلاف بيننا: وكل الامم سلكت هذا المسلك. أما إذا ذهب إلى أنها تحلها حلا نظريا يقبله الفكر الفلسفي أو الفكر الديني فهذا ما أخالفه فيه الرأي شديد المخالفة لأني اعتبره مربط الفرس في افهامنا علل انحطاط الفكر عند المسلمين ونكوص فكر النهضة إلى الكلام الدفاعي الذي لا يسمن ولا يغني. فعدم الفصل هذا بين الذريعية الواجبة في العمل والتي من ثمراتها التوسط أو الحلول الوسطى وطلب الغايات في النظر هو السبب الرئيس في موت كل ابداع في حضارتنا حتى إن القرنين الاخرين لم ينبغ فيهما عالم أو فيلسوف واحد أبدع ما يمكن ان يعد توسيعا لمجال معرفي أو لافق خلقي في المسيرة البشرية.
ب- والوسطية المعرفية عرفها إيحابا بالجمع بين المنقول الصحيح والمعقول الصريح. لكنه يبدو وكأنه يسلم بأن المعقول الصريح والمنقول الصريح أمران حاصلان ولم يبق إلا بيان التطابق بينهما كما كان عليه الشأن عند القائلين بالجمع بين الحكمة والشريعة جمعا بين مضمونين حاصلين. لكن المشكل كل المشكل هو السؤال المضاعف التالي: كيف نصل إلى صحيح المنقول ؟ وكيف نصل إلى صريح المعقول ؟ ويمكن التوحيد بين وجهي السؤال بسؤال اعمق: فهل العلم الذي يحقق ذلك منقول أم معقول؟ أم إنه يوجد ضرب ثالث من مصادر المعرفة يتعالى على المنقول والمعقول؟ 
فالعلم الذي به نفهم المنقول لنصححه وندرك المعقول لنصرحه ( فنجعله خالصا لان كلمة الصريح هنا لا تعني ما يقابل الضمني بل هي تعني الخالص إنها من الصراح وليس من الصراحة) علم متعال عليهما لكونه هو العلم الذي يحدد معايير الصحة والصراح ومن ثم فمجاله متقدم على مجالهما كليهما تقدم الشرط على المشروط. وهذا هو النظر الذي لا تصح فيه الوسطية إلا بمعنى الذهاب إلى الغاية لأنه المعيار الذي يحدد الحدين والوسط بينهما فلا يكون محققا لمطلوبه من دون تجربة الذهاب إلى الحد. والأمم التي لا تجرب الحدين لا يمكن أن تصل إلى فهم الوسط الذي هو ذروة اتصالهما الفاضل فضلا عن تحديده النظري وممارسته العملية. لذلك فإن الفكر عند المسلمين بات ينسب الحدين إلى الافراط والتفريط عند غيرنا وعلينا أن نجمع بين تفريط في ما أفرط فيه الحد الأول دون أن نعيش تجربة ابداعه وافراط في ما فرط فيه الحد الثاني بنفس الشرط السلبي فنصبح مقصورا عملنا على رد الفعل: الذي يقلد الحاصل سلبا باختيرا ضده أو إيجابا بتبنيه وذلك هو السلوك المرضي لكل من يعانون من التبعية الروحية.
2- ثم هل صحيح أن الفكر عامة والفكر عند المسلمين خاصة يتغلب على التناقضات بحل الوسطية أم إنه به يخفيها فيحول دون علاجها فضلا عن كون هذه التناقضات من أسرار الوجود البشري التي لم يجد لها أحد حلا إلى الآن؟ لم نتصور المسلمين بخلاف غيرهم من البشر قادرين عن حل هذه المسائل بحل الوسطية السحري في حين أن أدنى المسائل في حياتهم لا تزال بلا حل بدليل تدني كل انجازاتهم منذ قرنين ؟ هل الوسطية عصا سحرية تعارض حتى نفي الإسلام الصريح لحل بعض هذه الاسرار ؟ أليس القرآن الكريم قد اعتبر جل هذه الثنائيات من الغيب ؟ أليس أهمها علاقة الروح بالجسد العلاقة التي جواب القرآن فيهاكما يعلم القاصي والداني هو: "قل الروح من امر ربي وما أوتيتم من العلم إلا قليلا"؟ فهل يحق لنا أن نقول إن المسلمين بخلاف غيرهم تخلصوا من الثنائيات بفضل الوسطية دون أن نبين كيف وكيف نوفق بين هذا النجاح المفروض وحال المسلمين الفكري والحضاري(6) ؟ 
وفي الأخير هل لرد الغرب إلى موقف موحد يقابل موقفا اسلاميا موحدا معنى فلسفي غير المآل بنا إلى موقف ايديولوجي تبسيطي؟ فكلتا الحضارتين متعددة الفكر والمواقف بلا حد. التطرف في كل الحضارات والوسطية فيها جميعا وكلها تعاني من عقبات فهم اسرار الوجود التي ترمز إليها الثنائيات والتي لا يمكن ان تعد محلولة إلا عند من يريد أن يتغافل عن سر الاشكال فيها فيتصوره مجرد أمر يكفي لتجاوزه التوسط البراجماتي الذي يجعل الفضائل جمعا بين رذيلتين هما القليل من الافراط والقليل من التفريط. 
وقد اجتمع كل هذا الخلط الفكري في شعار "الاسلام هو الحل" من دون الوعي بأن ذلك يقتضي التسليم بشرطه أعني أن الاسلام لا يمكن أن يكون هو الحل إلا إذا كان هو المشكل. فالمعلوم أنك إذا أشرت إلى مشكل وقلت إن حله رياضي مثلا فإنك تسلم بأن الاشكال رياضي وإلا لما كان حله رياضيا. ومن ثم فلا يكون الإسلام مصدر الحل إلا إذا سلمنا بأنه مصدر المشكل: أليس القائل بهذا هو من يحاول أن يخفي كل المشاكل بحصرها في أحد ابعادها وبالذات في البعد الديني ؟ إذا قفزنا مباشرة إلى ما نزعمه حلا بهذا الرد المخل بالتشخيص المؤسس للعلاج السوي فإننا سنهمل المشكل ونفسد الحل لاننا لم نقدم عليه دراسة المشكل: علينا أن نعالج فكر المسلمين الذي هو مصدر مشاكل الاسلام والمسلمين معا لئلا نكتفي بالشعارات التبسيطية التي تقابل بيننا وبين الغرب فيكون الحل في أخذ سوالب حلول الغرب واهمال أبعاد المشكل التي يعد الدين أحدها مهما كانت أهمية دوره(7) . وتلك هي حالنا مع الاسلام منذ قرنين: ما لم تصغ المشاكل في عبارة اسلامية فإنها لا يمكن أن تعالج علاجا اسلاميا تسليما بأن لهذه العبارة معنى محدد هو عين كل الاجتهادات الاسلامية مهما تعددت وتنوعت لا الحل الوسطي المزعوم. 
وقبل ذلك أليس مفهوم الوسطية العامة (في التطبيق خاصة) والمعرفية (في التجريد خاصة) رهين ما كان يفهمه مفكرونا بحدي الوسط عامة وبحدي الوسطية بين الفكرين الفلسفي والديني: العقل والنقل؟ فكيف نواصل استعماله بنفس المعنى فنتحدث عن تصور ثابت للوسطية الاسلامية ؟ فما يفهمه الفلاسفة المسلمون والمتكلمون المتأثرون بهم من العقل أمر مضموني وهو ما كانوا يعتبرونه حقائق أولية بضربيها (الشكلي المتعلق بقواعد الاستنباط مثل المساوي للمساوي مساو والمضموني المتعلق بحقائق الوجود مثل جهات الوجود) وما ينبني عليها من معارف علمية مضمونية سواء صدرت عن الاستقراء (علوم الطبيعة والانسان مثلا) أو عن الاستنتاج (الرياضيات والمنطق مثلا). وما يفهمونه من النقل كان يعتبر المعنى الظاهر من النص وهو مضموني كذلك. والحل الذي مالوا إليه هو أطلاق معنى العقل المضموني ذاك ورد معنى النقل المضموني هذا إليه: فظنوا أنه ينبغي أن يؤول مضمون النقل في ضوء مضمون العقل (قانون التأويل كما صاغة الغزالي وعممه الرازي ورد عليه ابن تيمية). 
والمعلوم أن كل الحلول الفاسدة أو الطرق المسدودة التي دخلها فكرنا مصدرها هذين الفهمين المضمونيين للعقل والنقل على حد سواء هذين الفهمين اللذين عادا من جديد في فكر الاصلاح نكوصا عما حاوله ابن تيمية وابن خلدون من سعي إلى تخليصنا منهما. فكر الاصلاح لم يفهم اشارات هذين العلمين. فإذا تكلمنا على عدم التعارض بين صحيح المنقول وصريح المعقول فمعنى ذلك أن المتقدم على ذلك هو طلب الصحة والصراحة بأمر متعال على المعقول والمنقول المضمونيين اللذين تصورهما مفكرونا ممثلين للعقل والنقل أعني بعدي الوجدان والفرقان في ملكة الادراك الانساني بصرف النظر عن مصدر التلقي سواء كان هذا المصدر هو العالم الطبيعي وما نتصوره ما بعدا له أو العالم التاريخي وما نتصوره ما بعدا له. فاشكالية المعرفة ليست صادرة عن التقابل المضموني بين النقل والعقل بل هي علة هذا التقابل الناتج عن عدم الرقي إلى هذا الاصل الشكلي المتعالي عليهما.
لذلك فالفهم المضموني للعقل والنقل عند مفكرينا الكلاسيكيين قاصر ويبقى دون الفهم الشكلي عند ابن تيمية وابن خلدون الفهم الذي حاول تجاوز هذا القصور بالتخلص من المعنى المضموني وبناء مفهوم صوري لكلا الأمرين: العقل الصريح يعني العقل المجرد من مضمون معين أو معناه المصدري أعني الفرقان الذي هو فعل صوغ المعطيات والنقل المجرد من مضمون معين أو معناه المصدري أعني الوجدان الذي هو فعل تلقي المعطيات. وكلا الفعلين ملازم للاخر إذ لا صوغ من دون تلق ولا تلق من دون صوغ لمادة المعرفة سواء كانت دينية أو طبيعية. 
ذلك هو الفهم التيمي في درء التعارض. فهو يعني أن الحقيقتين مطلوبتان في عملية التصحيح والتصريح وليستا حاصلتين قبلها كما كان يتصور مفكرونا السابقون مفكرونا الذين حصروا العلم في التوفيق بتأويل مضمون النقل بمضمون العقل ومضمون العقل بمضمون النقل وكلا المضمونين محصور في المدونة المعرفية لعصرهم: كما ورد في إشارة الاستاذ إلى حل ابن رشد في الجمع بين الحكمة والشريعة ظنا أنه من جنس حل ابن تيمية في درء تعارض العقل والنقل. فحل ابن تيميه يقدم بديلا من قانون التأويل الذي وضعه الغزالي وعممه الرازي بديلا لانه يسعى إلى تخليصنا من التوفيق بين مضمونين حاصلين ليستعيض عنه بضرب جديد من الطلب يجعل النقلي صحيحا والعقلي صريحا أعني:
1- منهج التحقيق التاريخي والتأويل الذي كانت ارهاصات صيغته العلمية الاولى عند ابن خلدون.
2- ومنهج التجريب العلمي والتحليل الذي كانت ارهاصات صيغته العلمية الاولى عند ابن تيمية. 
وقد دقق ابن خلدون ذلك في المقدمة لما جعل القول العلمي في الظاهرات التاريخية متعاليا على المقابلة بين القول الديني الذي هو إنشائي ويتعلق بالموقف القضوي والقول العلمي الذي هو خبري ويتعلق بمضمون القضية نفسها وليس بالموقف منها. فهو بذلك قد تخلص من التوفيق بين علمين حاصلين بعلم يحصل شروط الصحيح من النقل والصريح من العقل في المجال التاريخي بنقد منهج التاريخ وما بعد التاريخ وعلى منواله كان سعي ابن تيمية في المجال الطبيعي من خلال نقد منهج الفلسفة وما بعد الطبيعة. والقرآن الكريم لا يحدد مضمون الحقيقة العقلية أو الحقيقة النقلية بل هو يحدد موقفنا منهما طلبا للحق بمعنييه النظري (الحقيقة: التواصي بالحق) والعملي (الحقوق: التواصي بالصبر). فتكون دعواته إلى تدبر آيات الكون والنفس والتاريخ والعمران اشارات إلى ضرورة اكتشاف المنهجين اللذين يترتبان على حل ابن تيمية وسعى ابن خلدون لتحقيقهما في المجال التاريخي والعمراني. فينتج عن ذلك بالاضافة إلى الثورة المعرفية ثورة ثقافية تجعل:
1- الاجتهاد أو التواصي بالحق فرض عين من خلال الاصلاح التربوي الذي دعا إليه ابن خلدون في الباب السادس من المقدمة اصلاحا اساسه الحرية التربوية
2- وتجعل الجهاد أو التواصي بالصبر فرض عين من الاصلاح السياسي الذي دعا إليه ابن خلدون اصلاحا اساسه الحرية السياسية. 
وهاتان الحريتان هما السبيل الوحيدة لطلب صحيح المنقول (أو لتجنب التحريف: بالتصديق والامانة) وصريح المعقول (أي لتجنب الجاهلية بالعلم والحلم) وهما دون سواهما اللتان ستخلصان الأمة من اغتصاب السطلتين الروحية (التربية التعسفية التي تحرف الفطرة) والزمانية (السياسة التعسفية التي تنكص إلى الجاهلية) اللتين اعيد تكوينهما في حضارتنا برغم تحريم الاسلام اقامتهما لتعارضهما مع إرادة الأمة.
النقاش الفلسفي: 
أليست الوسطية مبدأ وجوديا ومبدأ قيميا فتختلف دلالتها بين المستويين اختلافا يلامس التضاد؟ 
فالمبدأ الاول ينطبق على عالم الضرورة بنوعيها المادي الجامد والمادي الحي: حصيلة قوة الفعل ورد الفعل وإليه ترد كل قوانين الطبيعة الميكانيكية وحصيلة الصراع من اجل الحياة وإليه ترد كل قوانين التاريخ الطبيعي. وقد اعتبرها القرآن كلها رياضية: لان الله خلق كل شيء بقدر. لكنه لم يحدد هذا القدر لان ذلك هو مجال البحث العلمي ولا يمكن طلبه من القرآن بخلاف مزاعم المتكلمين على الاعجاز العلمي في القرآن كلاما ضرره على العلم والدين على حد سواء لا يقدر بل تحديده لا يكون إلا من دراسة الظاهرات الطبيعية نفسها واكتشاف قوانينها كما دعانا إلى ذلك القرآن الكريم.
والمبدأ الثاني ينطبق على عالم الحرية بنوعيها الاجتماعي السياسي والنفسي الخلقي: غاية التدافع الناتج عن التنافس من أجل المصالح المحسوب عقلا وغاية الفعل الارادي من حيث الروية عامة والالتزام الخلقي خاصة. لكن الحصيلة هنا بخلاف ما هي عليها هناك لا تكون وسطا حقا إلا إذا كانت ذروة تماما كما يراها أرسطو في أخلاق نيقوماخوس ومفكرو الاخلاق في الحضارة الاسلامية: فهي عندهم مثلما هي عنده ذروة وليست معدلا بين رذيلتين إنها معدل الابتعاد عن رذيلتين ومن ثم الاقتراب من فضيلة هي الذروة التي تتعالى على كل تعين. 
ويمكن القول إن نسبة الوسطية الوجودية إلى الوسطية القيمية تناظر نسبة الحدث الماضي إلى الحدث المستقبل: الاول حاصل فننطلق منه لشروط حصوله والثاني سيحصل فننطلق منها إليه. وتقدم التصور على الحصيلة هو الذي يحدد مجال الحرية والعمل. وتقدم الحصيلة على التصور هو الذي يحدد مجال الضرورة والعلم. والحصيلة في العمل لا يمثلها احد يدعي أنه المتكلم باسم الوسطية بل هي ثمرة فعل الجدلية المولدة لها لصالح الجماعة. فيكون المشكل كل المشكل في إيجاد المؤسسات التي تمكن هذه الجدلية من العمل المحقق للتوسط الجامع لمحاسن الطرفين والمخلص من قبائحهما. أما المتكلمون باسم الوسطية فهمهم الاول والاخير هو أن يكون بديلا من هذه المؤسسات التي تمكن من حرية الابداع في كل مجالات القيم الابداع الذي يصبح تطرفا مفرطا أو مفرطا.
فيكون كلامهم عن الوسطية هو سعيهم لتدعيم السلطان الروحاني الذي يزعم لنفسه علما دينيا يتعالي على العلم الوحيد الممكن للانسان: الخبرة الحاصلة سواء كان موضوعها العالم الطبيعي أو العالم الخلقي. والانتقال من تعالي الحقيقة الدينية على الحقيقة الطبيعية إلى تعالي العلم الديني على العلم الطبيعي من الاخطاء الشائعة عند كل القائلين بسلطان روحي في العمران بخلاف ما دعا إليه القرآن الذي نفى السلطان الروحي لغير السلطان المعنوي لاجماع الامة ممثلا برأيها العام.
وكل الفلسفة السياسية الغربية الحالية محكومة بالجدل بين الوسطيتين الوجودية والقيمية(8) بحسب منطق التحصيل في الحالتين الطبيعية التي هي غنية عن المؤسسات البشرية والخلقية التي أهم ما يمكن أن ينسب إلى البشر فيها من تأثير راجع إلى المؤسسات المحققة لعمل هذه الجدلية: أيهما التي ينبغي أن تحكم الفعل الانساني: مثال ذلك من الاقتصاد حرية السوق والعقد ومثال ذلك من السياسة التعددية السياسية مع الاحتكام لرأي الجماعة العام. والعمران البشري والاجتماع الانساني محكوم بجدلية تؤلف بين الجدليتين لأن الانسان ليس كائنا تاريخيا فحسب بل هو كائن طبيعي كذلك فضلا عن كون محددات وجوده ليست ثقافية من صنعه فحسب بل هي كذلك طبيعية من صنع الجغرافيا والمناخ خارجيا وقوانين الاحياء والنفس داخليا. فتكون قوانين الاجتماع قوانين من جنس الحصيلة الوسط بين الحصيليتن ومن ثم ثمرة وسطا بين أثر قوانين الظاهرات الطبيعية وقوانين الظاهرات التاريخية: وتلك هي النتيجة التي انتهى إليها ابن تيمية في مفهوم العلاقة بين مشيئة الرب الكونية التي تحكم عامل الطبيعة أو الضرورة ومشيئة الله الامرية التي تحكم عالم التاريخ أو الحرية وهي نفس النتيجة التي انتهى إليها ابن خلدون في محاولة المقدمة.
أما المسألة الثانية أو الوسطية المعرفية فلن نطيل فيها الكلام لئلا نخرج عن الغرض والمناسبة. يكفي أن نقول إن كل الحلول التي يقول بها فلاسفة الغرب الحاليين لا تتنافي مع الوسطية المعرفية القرآنية إذا فهمناها على وجهها الصحيح أعني إذا تجاوز فكرنا مرض الانكماش على خصوصية وهمية تناقض كونية الخطاب القرآني فتكون المقابلة مع الفكر الغربي فاقدة المعنى لعلتين تخلصاننا من تحديد فكرنا بالسلب الدائم:
العلة الاولى سلبية: 
فعدم التمييز غير المقصود أو المقصود بين ما أطلق عليه اسم الوسطية المعرفية أو العقلانية الاسلامية والقضية العقدية المتعلقة بالعلاقة بين العقل والنقل توحي بأن الاستاذ يعتبر النقل في هذه الحالة مصدرا معرفيا رديفا للعقل. فتكون المعرفة ذات مصدرين عقلي ونقلي ويعود فكرنا إلى عصر علم الكلام فيغرق في مسألة التوفيق أو الجمع وتصبح نظرية القرآن القائلة بالاسلام دينيا كليا فتح الوحي وختمه بفضل مفهوم الفطرة عديم المعنى. لكن التحليل العميق لهذه النظرية التي يلغي بها الدين الاسلامي هذا الموقف يدحض كل حجج علم الكلام في مسألة الثنائية فيغني عن الحاجة إلى التوفيق الذي هو أصل كل السلط سواء كان باسم النقل (سلطة الفقهاء والمتكلمين) أو باسم العقل (سلطة المتصوفة والفلاسفة). فمفهوم النقل يعني أمرين احدهما هو المعطى المضموني في كل معرفة انسانية بالحس والعقل سواء كان موضوعها النص والتجربة الدينيين أو العالم والتجربة الطبيعيين والثاني يعني المعطى الشكلي أو طبيعة الاعطاء سواء كان مضمونه فهما بشريا للمعطى الطبيعي المستقرأ أم مضمونه فهمها بشريا للمعطى الخلقي أمكن حسم هذه القضية بصورة تلغي المسألة من الأصل فلا يبقى أي معنى للوسطية بين العقل والنقل بهذا المعنى الذي يخلط بين مجال المعرفة العلمية ومجال الوجدان العقدي. 
فالعلم الموحي به لا يتضمن شيئا من الغيب عدا الاعلام بوجوده وضرورة الايمان به. والغيب محجوب على الجميع بمن فيهم الانبياء. ولولا ذلك لكان العلم المبلغ غير قابل لفهم ولكان الرسل غير أمناء إذ يكونون قد بلغوا أقل منا كلفوا بتبليغه. ومن ثم فالعلم المبلغ ليس فيه إلا ما حددته جملة "ولا يحيطون بشيء من علمه إلا بما شاء": الرسالة لتكون رسالة لا بد أن تكون في متناول فهم المرسل إليه. ومعنى ذلك أن المحجوب الوحيد هو الغيب الذي لم يشأ الله أن يعلمه الانسان فلم يكلف الرسل بتبليغه إليه وهم في المحجوبية عن الغيب مثلهم مثل كل البشر. وهذه القضية متعاكسة: أي إن ما بلغه الرسل هو كله مما يحيط به علم الانسان فلا يبقى منه ما يحوج البشر إلى وسطاء بينهم وبين الرسالة إلا بالمعنى التعليمي للوساطة. لذلك كان أهم مضمون للرسالة الخاتمة اعلام البشر بتساويهم في فهم الخطاب الالهي الطبيعي والخلقي. لذلك ختم الوحي في الاسلام ونفيت السلطة الروحية الوسيطة بين الانسان وربه. 
ومن دون هذا الفهم لا يكون لارسال الرسل معنى إذ كيف يرسل الله رسالة يكون المرسل إليه عاجزا عن فهمها بما أعطاه الله من قدرات معرفية فيحتاج إلى سلطة تساعده على ذلك مساعدة تختلف عن مساعدة المعلمين للمتعلم أعني المساعدة الفنية والتربوية التي لا يدرك فيها المجال ما يمتنع ادراكه على المتعلم. لذلك فالزعم بأن النقل الديني مصدر ثان متعال على العقل لا بد منه ليكون العلم علما متوسطا بينه وبين العقل(9) مغالطة ليس لها من هدف غير تأسيس سلطان روحاني ممثل لهذا المصدر(10) . وذلك أمر مناف تمام المنافاة لنفي السلطان الروحاني في الاسلامي ودعوة كل المؤمنين لمعرفة ما هو ممكن لهم من الحقيقة بأنفسهم لأن التكليف والمسؤولية شخصيان باطلاق. فإذا كان ما بلغه الرسول متعاليا على العقل بمضمون الرسالة وليس بمصدرها فحسب بات مفهوم التبليغ فاقدا للمعنى فضلا عن كون العلم به يصبح مستحيلا حتى بالنسبة إلى النبي نفسه. وإذن فينبغي أن نؤمن بأن علم الله فوق كل علم وأن ما يرسله إلينا ينبغي أن يكون في متناول عقولنا ومن ثم فنسبة الظاهرات الدينية في النصوص والاحداث الخلقية هي عينها نسبة الظاهرات الطبيعية في الملاحظات والوقائع الكونية. 
والهداية الدينية التي اعتبرها الشيخ عبده مكملة للعقل ليست مستوى فوقه كأنها طابق رابع في عمارة النفس البشرية كما في نظرية النفوس المتراكبة في علم النفس الوسيط (النفس القدسية فوق النفس العاقلة بالمعنى السينوي) بل هي ملازمة لدرجات الهداية التي ذكرها كلها. فالانسان عاقل وديني من أدنى مراحل ادراكه إلى اسماها فلا يكون البعد الديني درجة ادراكية من بين الدرجات بل هو في كل الدرجات تماما كالعقل أو ادراك الادراك والفرق الوحيد بين البعدين منظوري (العقل يقدم العلم على العمل والوحي يعكس فيقدم العمل على العلم) أغنى عنه القرآن باعتباره العمل لايقدم إلا إذا كان على علم وأغنت عنه الفلسفة النقدية لما بينت أن العلم لا يقدم إلا إذا راعى مصالح العقل التي هي قيم عملية. ولولا ذلك لما فهمنا تعدد الاوعاء الدينية من أكثر بدائية إلى أرقاها التي نعتبر الاسلام جامعا بين بعديها الطبيعي والمنزل.
العلة الثانية إيجابية: 
لا يوجد فكر غربي حديث واحد على حد علمي لا يسلم بأن المعرفة البشرية جامعة بين المضمون الحسي والشكل العقلي. والخلاف الوحيد بين المدارس الفلسفية في نظرية المعرفة هو في دور كل منهما تقديما أو تأخيرا. وفي تعدد هذه الخيارات الخير العميم لان كلا حدي المعادلة المعرفية في تطرفه نحو الحد الذي يقدمه يبرز المقومات فيكون مكملا للآخر. ولو اختار الجميع نفي الحدين أو الجمع بينهما بالتوسط المقيط لامتنع ادراك المقومات ودورها: ففي الحالة يشبه الامر ما يحصل في عزل العوامل المتشاركة في التأثير لتحديد تأثيرها خلال المنهج التجريبي في طلب العلل. ليس يوجد مذهب واحد في المعرفة على حد علمي يقول إن العلم صورة عقلية خالية من المضمون الحسي أو مادة حسية خالية من الشكل العقلي. فلم نتصور الجمع بين البعدين من خصائص الوسطية الاسلامية ؟ لم نريد من دين الكونية أن يصبح دين الخصوصية ؟ 
كل ما في الأمر هو أن الفكر العقلاني يعتبر المضمون نفسه من صنع فعالية العقل فيعتبرها شرط حصول التجربة وذلك هو معنى تقدم العقل على الحس. والفكر التجريبي يعكس فيعتبر التصورات العقلية حصيلة الخبرة وذلك هو معنى تقدم الحس على العقل. وكانت المقابلة في شكلها البدائي مقابلة بين الفطري والمكتسب من العلوم. ثم حصل تأليف بين الحلين في ما يمكن ان يسمى بالفكر النقدي. ثم تفرع الامر فأصبح النقدي المثالي يجمع بين أساسيات الموقفين مع ميل إلى العقلانية والنقدي المادي يجمع بينهما مع ميل إلى التجريبية. ولا أحد من هؤلاء يمكن وصفه بالوسطية لأن الطرفين لا معنى لهما خارج الوسط بل هما لا يقومان الا به. أما الوسط الذي يختلف عن هذه المذاهب الأربعة إن سلمنا بوجوده فهو لا يمكن أن يكون إلا وسطا بين الموقفين النقديين أو بلغة سياسية وسطا بين وسط اليمين ووسط اليسار: فهل هذا ما يقصده الاستاذ؟ 
لكن اذا واصلنا القياس على منطق التقازيح في القوس السياسية فإن هذا الوسط لا يعد أفضل الحلول بل هو أفسدها لانه موقف المتحينين الانتهازيين الذين يحاولون الاستفادة من عمل الآخرين دون أن يعملوا ويبقون دائما شبه رديف في تأليف الاغلبيات ! فهل نريد الفكر الاسلامي أن يكون من هذا الجنس فلا يعمل من أجل الابداع الذي من شرطه الدهاب إلى الغايات بل يقف في الوسط ويكتفي بالاستحواذ على ابداع غيره وينسبه إلى نفسه بتأويل المعاني العامة من نصه الديني كما يحصل في ما يسمى بفكر الباحثين عن الاعجاز العلمي في نصوص القرآن ؟ أم هو ينبيغ أن يكون فكرا مؤلفا من كل هذه التقازيح ككل فكر سوي؟
لكن المناقشة تبقى قاصرة ما لم تنطلق من المصدر الأول في تعريف التصورات الدينية في الاسلام: القرآن الكريم. أظن والله أعلم أن مفهوم الوسطية القرآني قد أسيء فهمه: فمادة "و. س. ط." لم ترد في القرآن إلا في خمس آيات لا غير(11) . وكلها تتعلق بالتوسط الوجودي أعني بالتوسط الذي يصف حالة موجودة خبريا ولا يتكلم في التوسط القيمي الذي يكلف بتحقيق الوسط. فهو فيها جميعا خبري ووجودي وليس انشائيا وقيميا. العاديات 5 والبقرة 238 و 143 والمائدة 89 والقلم 28. والآيتان 28 من القلم والبقرة 238 هما الوحيدتان اللتان تبدوان تقويميتين لورودهما في صيغة افعل التفضيل. لكنهما تتعلقان هما بدورهما بخبر عن منزلة في سلم وليس عن تكليف: حال التوسط في الثروة وحال التوسط في الغذاء وبالتالي في الثروة. 
وحتى نفهم المقصود بالبعد الوجودي الخبري في الوسطية القرآنية كما حددتها الآية 143 من البقرة سنقيس الأمر على "إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا". فالجعل يتعلق بأمر حاصل وليس بفرض مكلف به: لذلك فهو يشير إلى الوسطية الوجودية لا إلى الوسطية القيمية. إن الآية 143 تتكلم على "الجعل وسطا" ومن ثم فهي تفيد أن الوسط حال وجودية يتصف بها المسلمون كالحال الوجودية التي يتصف بها البشر في مثال "الجعل شعوبا وقبائل". وكلتاهما حاصلة ويترتب عليها تكليف وليست هي المكلف بها: التكليف بالتعارف في الآية التي نقيس عليها والتكليف بالشهادة في هذه الآية لتوفر شرطها أعني الوساطة تماما كما أن التكليف بالتعارف شرطه التعدد الشعبي والقبلي والاختلاف الجنسي. 
عندئذ تكون الوسطية القرآنية كما تحددها الآيات الخمس ليست قيمة مكلفا بها بل هي حال وجودية حاصلة ترتب عليها تلكيف المسلمين بالشهادة. إنها حال وجودية يترتب عليها تكليف بالوسطية القيمية أعني السعي الدائم للمثل التي تحددها قيم الاسلام بطريقة الاجتهاد أو التواصي بالحق والجهاد أو التواصي بالصبر. والوسطية الوجودية الحاصلة والوسطية القيمية التي تترتب عليها هما بعدا الفطرة التي تنتج عن اجتماع اثر المشيئتين الكونية والأمرية بمصطلح شيخ الاسلام ابن تيمية. تلك هي الوسطية التي بموجبها كلف المسلمون برسالة ينبغي أن تكون مؤلفة مما يساعد على أداء هذه الرسالة. 
فالشاهد لا يكون أمينا ما لم يكن قد شهد ما يشهد له أو عليه بما يشهد به بعد أن اطلع عليه في كل وجوهه: لذلك فهو لا بد أن يكون في مكان وزمان ومنزلة وبدور وجودي يحقق له ذلك. وتلك هي العلة التي تجعلنا نميل إلى اعتبار الوسطية المقصودة في الآية مؤلفة من المقومات التالية التي هي حال وجودية عليها الامة الاسلامية في المعمورة: 1- الوسطية الجغرافية (وسط بين الحضارات الشرقية والغربية) 2- والوسطية التاريخية (بين الحضارات القديمة والحديثة) 3- والوسطية السلمية أو وسطية المنزلة في سلم الرتب التي تنتج عن تنظيم الحياة الجماعية (في سلم الحرية والعبودية غاية وأداة بين المستقوين والمستضعفين أو بين الطبقات الثاتبة في الهند القديم مثلا وانحلال الروابط الفطرية اي القبائل والشعوب بعض بلاد الغرب مثلا) 4- والوسطية في دورة العالم (الفاصل المبقي على التعدد ومن التواصل بين الحضارات في المعمورة) ويترتب على ذلك التكليف بالشهادة الناتجة عن تحقق تلك الشروط (شهودا على كل هؤلاء لكونها شرط النسب الجغرافية والتاريخية والسلمية والدورية بينها).



المسألة الثانية 
فكر الشيخ محمد عبده وبنية أزمة الفكر الاسلامي
الوسطية واستعمالاتها الضارة

كان ينبغي أن يتقدم على الكلام في المسألة الاولى أمران يساعدان على فهم النقاش الذي دار حول تمهيد الاستاذ الجليل محمد عمارة لعرض أفكار الشيخ عبده. لكننا فضلنا تأخيرهما إلى الكلام في المسألة الثانية لان صلتهما بمدمتي الاستاذ عمارة ناتجة عن وظيفتهما التمهيدية لفكر الشيخ أكثر عنهما في ذاتهما فضلا عن كون كلامنا في فكر الشيخ يقتضي تمهيدا تماما كما فعل الاستاذ عمارة الذي أصاب كبد الحقيقة في ضرورة ذلك للكلام في فكر أحد عمالقة الاصلاح:
1- فأما الأمر الأول فهو تعريف مسلمات القول الديني والخلقي وعلاقتها بمقتضيات القول الفلسفي والعلمي في صلة هذه العلاقة بمسائل الفكر عامة والفكر عند المسلمين خاصة. ورغم أن تسهيل الحوار يلزمنا بأخد هذه المقتضيات مأخذ المسلمات Postulates فإنها في الحقيقة مقتضيات واجبة وليست مجرد أصول موضوعة اختيارية. فالقول بها هو في حقيقته شرط القولين "الديني- الخلقي" و "الفلسفي- العلمي". وهما لا يمكن أن يقبلا موجودي
تاريخ النشر : 28-01-2006

6628 : عدد القراءات


يلفت موقع الملتقى الألكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.


 

 

 

 

 

الصفحة الرئيسية   l   دراسات قرأنية   l   دراسات حديثة   l   الفقه و الأصول   l   العقيدة و الكلام   l   فلسفة التجديد

قضايا التجـديـد   l   إتجاهات الإصلاح   l   التعليم و المناهج   l   التراث السياسي   l   الدين و الدولة   l   الحقوق و الحريات

مفاهيم و مصطلحات   l   الإسلام السياسي    l    الظاهرة الدينية   l   فلسفة الدين   l   فلسفة الأخلاق   l    قضايا فلسفية

المـــرأة و النسوية   l   الإسلام و الغرب    l   عروض و مراجعات   l   إصدارات   l    حوارات و شخصيات   l    مـؤتـمـرات و متابعات

جديد الملتقى   l   سجل الزوار   l    رأيك يهمنا   l   اتصل بنا

   ©2024 Almultaka  جميع الحقوق محفوظة 

Designed by ZoomSite.com