آخر تحديث للموقع

 2022-08-20

 
Facebook Twitter Rss

حوارات وشخصيات  .  

  •     

لكي تبقى الأمة أهلا للشهادة

أبو يعرب المرزوقي


نبهني بعض الأصدقاء إلى تعليق ورد بصيغتين أولاهما في موقع الوراق والثانية في موقع المقريزي تعليق على مقالي"مآل العجلة والارتجال" الصادر في موقع الملتقى. وسألوني رأيي في اتهام صاحبه بعض المفكرين العرب بالخيانة (بتوسلهم الكلام على ابن تيمية حصان طروادة لفتح أبواب القلعة للأعداء) مستثنين الكلام على ما في الردين من بذاءة ونوايا لعلمهم بترفعي عن الدنايا. ذلك أن الأمر لم يقتصر هذه المرة على التعالم الكاذب والتعريض الغامض مع تزكية النفس. إنما بلغ إلى محاولة إحياء خرافة هدفها تمزيق شمل الأمة. فالمفاضلة بين مفكري المشرق ومفكري المغرب المفاضلة التي بدأت بزعم أصحابها معرفية (عقلاني|لاعقلاني) هي ذي تصل إلى المقابلة التي يزعمها صاحبها خلقية في رده الأول (شجاعة الانتماء |جبن عدم الانتماء) لتنتهي إلى مقابلة يزعهما وطنية في رده الثاني (مخلص للأمة|خائن للأمة). 

ولسنا ندري مآل المشاحنات المرضية إلى أين فضلا عما فيها لذاتها من انحراف يقدم على أنه فكر فلسفي وديني وفضلا عما تؤول إليه من خلط بين مدارس فكرية لا يجمع بينها جامع واحد عدا وصف المعلق في كلامه عنهم خلال الحوار بكونهم لا ينتسبون إلى الحركة الإسلامية. ولعل هذا الخلط قد بلغ الذورة في تعليقه الثاني إذ باتت المغربية كافية للتوحيد بين الجابري وطه عبد الرحمن وأبي يعرب واعتبارهم ثلاثتهم من مدرسة واحدة عرفها بإعادة قراءة التراث لاختراقه من أجل تهديمه. فصار لا فرق بين تفكير الجابري وتفكير طه عبد الرحمن وهما كما يعلم أهل الفن في طرفي نقيض ناهيك عن ضمي إلى مدرسة قراءة التراث فضلا عن إعادتها. وطبعا فالقليل من الاطلاع على محاولاتي يجعل الجهل بموقفي من مفهوم التراث نفسه فضلا عن قراءته أو إعادة قراءته دليلا على قلة الفهم. 

ورغم أن مثل هذا الكلام هو لحسن الحظ دون القدرة على زعزعة أركان التربية الإسلامية التي كانت ولا تزال مستندة إلى الانفتاح المطلق على الثقافات والحضارات عملا بمبادئ رسالة دينها الذي يخاطب العالمين فإن بعض الأعراض مهما كانت تافهة يمكن أن تعد مؤشرا على داء دفين ينخر كيان الأمة الروحي فتختلط على الشباب المفاهيم والتصورات إلى حد يفقد فيه الاجتهاد والجهاد معناهما الإسلامي فيصبيهما مرض عضال بوجهيه المتلازمين. ففتوى الأميين وخروج العصابات يؤفغنان معالم الحضارة ويصوملان الأوطان فيقضيان على الصحوة الروحية والنهضة المادية: وإذا بالدين الذي قضى على القبلية في نشأته الأولى تحاول القبلية القضاء على نشأته المستأنفة. فيحقق العدو بأيدي أبناء الأمة كل الأهداف التي يسعى إليها. لذلك فلا بأس من أخذه مناسبة لعلاج بعض المسائل الجوهرية. ولذلك نفعل إذ هو القصد الأول من الكلام. وسيكون العلاج في إشارات سريعة أكتفي فيها بمحاولة تحليل هذه النزعة قاصرا ملاحظاتي على مسائل خمس تتعلق:

أولاها بالتذكير بالقضية كلها القضية التي بدأت بالصدفة عندما نبهني احد الطلبة إلى حوار كان يدور حول منزلة الفكر الفلسفي في موقع الوراق الذي اشتهر بالجدية فحاولت الاطلاع على ما فيه ووجدت مضمونه خطرا على تربية شباب المسلمين فضلا عما ورد في كلام أحدهم من اتهام لي مع زميلين كريمين هما طه عبد الرحمن ورشدي راشد بالجبن وعدم الخلق. 

ثانيتها بتفاهة الدعوة المقدمة إلى شباب المسلمين الدعوة إلى الاستعلاء بالخاوي من الخيلاء التي لا تربي قوما واثقين بأنفسهم بل شعب موتور يحيا مثل اليهود على حب العمل في الظلام للانتقام من جميع الأنام 

والثالثة بضآلة الموقف العملي للدعوة التي تؤول إلى خيلاء الضعفاء يظنون أنفسهم مستعلين وهم في أسفل سافلين إذ المسلمون لا يكونون الأعلين إلا بالشروط التي فرضها الله لوراثة الأرض. 

والرابعة بضحالة الفكر الذي بات صاحبه يتصور نفسه قابلا للمقارنة مع المفكرين الكبار لمجرد مضغ فضلاتهم بغير وعي فيتصور نفسه مبدعا وذا باع وهو متبع لسقط المتاع. 

والأخيرة بسطحية ما يتوهم اكتشافات فلسفية للمحاججة وهي من التفاهة إلى حد البلاهة بدليل الهروب من علم المنطق إلى علم الكلام واستبدال هدي الآيات بتخريف الإسرائليات. 

والهدف من هذه الملاحظات جميعا هو بيان العقبات التي قد تحول دون الأمة وتحقيق الشروط التي تجعلها أهلا للشهادة على العالمين بما يؤدي إليه الحط من قيمها بمجرد أن يفقدها الفكر المنغلق كليتها وكونيتها فلا يحق لها بعد ذلك أن تكون معينا لنماذج الوجود الأفضل. فلعل ذلك يجعل الشباب العربي على بينة من شروط عزم الأمور في ما يدعى إليه من وجهة قد تجعل الأمة تكرر تاريخ الشعوب التي انقرضت بسبب تصدر المتعالمين من أعشار المثقفين لقيادتها في الفكر والعمل حتى بات حرمص المتعالمين يتهم ثلاثة من مفكري الأمة بالجبن وعدم الخلق بل يتمادى فيعتبر كل المغاربة الذين درسوا ابن تيمية لم يفعلوا إلا ليندسوا في بطنه طابورا خامسا يفتح أبواب القلعة لأعدائها. 

ولما كان من البين بنفسه أنه ليس يمكن للأمة أن تدعي تحقيق قيم الإسلام والدعوة إليها إذا لم تتحرر من منطق رد الفعل فتقبل على الفعل الموجب وتؤسس لتربية تحقق شروط الأخوة البشرية التي لأجلها كان القرآن دعوة للعالمين فإني أعيد الكرة لأبين طبيعة الخطر المترتب على رهن بعض المسلمين الانبعاث والصحوة بفكر يجعلها تنكص إلى الدائين اللذين جاء الإسلام ليحرر البشرية منهما: 1-الخلط بين خيرية القرآن والأفضلية العرقية والمذهبية المحصورتين في بشر بعينهم وليس بكلية وصفهم الذي اشترطه القرآن الكريم تكليفا لأي إنسان أن يتصف به ليكون أفضل وخيرا 2-والخلط بين الفكر الفلسفي وجدلية الصراع بين الحضارات مبدأ للقيام الوجودي تأويلا للخيرية الدينية بما يعيد البشر إلى قانون التاريخ الطبيعي . وقد حاولت في مقال مآل العجلة والارتجال-لتقديمي حسن النية- التنبيه إلى هذه الأخطار بإرجاعها كلها إلى هاتين المسألتين الدينية والفلسفية.

تذكير بالقضية 

ذُكرت بالاسم مرات عدة في حوار الوراق حول الفلسفة كما ذُكر معي مفكران عربيان آخران ذكرًا يتهمنا بالجبن وعدم الخلق لأننا اكتفينا بالنظر العلمي ولم نردفه بالانتساب الفعلي إلى الحركة الإسلامية خلطا بين الانتساب الفعلي لحركة الأمة الحضارية والانتساب إلى الفعل المباشر في "زفة" التخبط السياسي للحركات الإسلامية. فحاولت في المقال المشار إليه "مآل العجلة والارتجال" دعوة صاحب هذا الحكم- وقصدي يتجازوه إلى المستمعين إليه وإن كان لا يستثنيه- بأسلوب هادئ يغلب عليه النصح إلى وجوب تجنب الغرور على كل من يزعم التفكير الفلسفي وضرورة احترام شروط الفن المنهجية والخلقية في هاتين المسألتين الجوهرتين: 1-مسألة خيرية الأمة ولم هي غير القول بالشعب المختار 2-ومسألة الذاتية وكيف تتقوم ولم هي غير التحدد بالتسالب الجدلي. 

اضطررت إذن للتعليق من باب النصح لما للمسألتين من أهمية في فكر الصحوة مع قصد المساهمة قدر المستطاع في علاج المسألة المطروحة منهما منطلقا إليها: علل غياب الفكر الفلسفي عند المسلمين. وما فعلت إلا لأني وجدت في جل المتحاورين بعض النباهة التي يمكن أن تثمر خيرا لو تم تعهدها بمنهج الفكر وخلق الاجتهاد اللذين يبعدانها عما كان يبثه صاحب الدعوة زاعما العرب مفضلين لذاتهم والمسلمين خير الأمم لذاتهم (المسألة الدينية) والذوات تتقوم بنفي التماثل ذهابا إلى حد القول بالمنظور الوجودي للجدل (المسألة الفلسفية) الذي يجعل التاريخ صراعا لا ينفك بين الأمم (المسألة الجامعة بين المسألتين السابقتين) لكأن البشرية لا ينبغي لها أن تخرج من قانون التاريخ الطبيعي بخلاف ما يدعو إليه القرآن الكريم (دافعي الأول لكتابة مآل العجلة والارتجال). ولعل الردين يهدفان إلى ترميم هذا التحريف في الدين والفلسفة حتى يرمم مفعول الاستغفال الذي كاد يقع فيه شباب حسن النية يسمع كلاما معسولا يبدو له مدحا لأمته فإذا هو مجرد نفي لأهم القيم التي انبنت عليها ثورتها القرآنية: تحقيق المساواة بين البشر وتحريرهم من التناكر الذي هو قانون التاريخ الطبيعي (الصدام الجدلي) للبناء على التعارف الذي هو قانون التاريخ الخلقي. 

وقد جاء الرد في المرتين بأسلوب تغلب عليه الثرثرة والتلبيس مزبدا صاحبه ومرغدا بل ومهددا ومتوعدا لكأن الثرثرة حتى الوقحة يمكن أن تخيف أحدا أو ترمم ما تهدم من رصيد وهمي في حوار دام ثلاث سنوات كان مداره كله على ترسيخ هاتين الفكرتين المنافيتين لقيم القرآن. فلم أعر تعليقه أي اهتمام وسكت عنه لأنه سبق لي في خاتمة مقالي أن نبهت إلى أني لا أنوي الدخول في جدل معه ولا مع غيره في الموضوع. والمعلوم أني لم أكتب المقال لأدافع عن اجتهاداتي فضلا عن اجتهادات الأستاذين رشدي راشد وطه عبد الرحمن إذ من السخف الرد على كلام فاقد للمعنى كتهمة "بيع الماء في حارة السقائين" ويعني حارته التي حصر فيها الجماعة الإسلامية واعتبر نفسه ناطقا باسمها فتفضل علينا بتقويم فكرنا من منظوره الأحول واتهمنا ثلاثتنا بالجبن وعدم الخلق لينتهي أخيرا إلى اعتبار المغاربيين من المجموعة طابورا خامسا. لذلك فقد انحصر كلامي في المسائل التي وردت في الحوار حول الفلسفة وبالذات في قضية الخيرية في القرآن الكريم وقضية الذاتية في الفلسفة. 

ولما كان الراد قد اعتبر النصيحة فضيحة لأنها كانت صريحة-وكان ينبغي أن تكون كذلك لأنها لا تتوجه إليه هو بالذات بل إلى من لبس عليهم فظنوه رأسا في الدين ورئيسا في الفلسفة - فإنه انتقل من فوران المغرور في مداخلاته قبل تعليقي إلى هيجان الموتور في الردين بعده. وكانت دعوتي فضلا عن قصد النصيحة التي لاقاها بهذا السلوك الأخرق كانت في الحقيقة محاولة سريعة للجواب عن السؤال الذي طرحه الأستاذ الفاضل النويهي حول عدم وجود فلاسفة بيننا علما وأن جوابي النسقي سبق أن نشرته دار الفكر الدمشقية في الحوارية التي دارت بيني وبين الأستاذ الطيب تيزيني منذ سنوات. لكن الأهم في مداخلتي كان قصد العلاج المباشر لداء مستفحل بين المتعالمين إذ يتصدرون للتعليم من دون أخلاقه. 

فعلة هذا العدم الذي لاحظ وجوده الأستاذ النويهي في حوار له مع الأستاذ حسن حنفي ونبه إليه بدماثته وحكمته علته الأساسية هي بالذات هذا الموقف الذي يمثله متعالمنا ازدراء للفكر النظري وتبجيلا للعمل المباشر أو الالتزام بالانتساب إلى ما يسميه إثبات الذات بالولاء والبراء ودعوة إلى الاستعلاء الكاذب على رجالات الأمم المبدعة. فمثل هذا الموقف ليس جديدا بل هو كان ولا يزال مصدر كل ما أصاب فكر الأمة من كساح يجعل أقصى ما يبلغه من يزعم من كبار المفكرين ثرثرة جديدة في إعادة تأويل بعدي لما عندنا من نصوص في ضوء ما حققه غيرنا من انجازات. ولو سمع المسلمون لمن رفض الفكر العلمي من مفكرينا قصيري النظر خوفا على الدين وأعماله من الفلسفة وعلومها لكانت الأمة اليوم عديمة الذكر فضلا عن الفكر لأن رسالتها ما كانت لتصمد في الصراع الكوني الذي تحكمه شريعة الغاب بحماة لبيضتها مهما كان الإيمان قويا إذا كان سلاحهم الوحيد خرافات الدراويش وفرقعات الحرافيش !

والدافع الأكثر إلحاحا للنصيحة التي قدمتها كان التنبيه إلى أخطار المحاولة التي يتوسلها بعض الشباب لتأسيس الخطأ الوجودي القاتل الذي أفقد الأمة القدرة على الإبداع النظري فحكم عليها بالعجز المادي فضلا عن التأخر الحضاري (=ظن الفكر العقلي سبيلا إلى الكفر حتما) تأسيسه على موقف يزعمونه دينيا فيرون بمقتضاه المسلمين قوما يغنيهم دينهم عن الفلسفة وما تؤسسه من علوم الدنيا حتى صارت الأمة عالة على اليونان في الماضي وعلى الغرب في الحاضر: صار الجميع يتهافت على الفعل المباشر فحصر الفكر في المواقف السياسية التي يدعي فيها كل حزب بأنه الأصلح متهما غيره بالخيانة. وينسى الجميع أن السياسية تصريف للأمور لا جدوى منه إذا كان رميا في عماية وفعلا بغير هداية. وبدل الفراغ لبعائد الأمور التي يمكن العلم بها من علاجها العلاج الأفضل فتكون المسائل المباشرة أقل حدة وتصبح المفاضلة بين القيمين على تصريفها حاصلة بمقتضى المعرفة بشروطها لا بمقتضى تبادل التهم الناتج عن الرمي في عماية من فاقدي الدراية. 

وفي حين نرى الأمم الغربية وحتى الشرقية غير الإسلامية تغزو الكون وتذيقنا كل أشكال الهون-بسبب إهمالنا للفلسفة ما ينتج عنها من علوم ضرورة خوفا مما قد ينتج عنها من أخطار على العقائد- يحاول أصحاب هذا الموقف بعقدة نقص مقلوبة تعميم أسلوب التحقير من عظماء الأمم فيصبح كنط بليدا وهيجل أحمق وديكارت أخرق إلخ...في عرف هذا المتعالم الجهول بدلالة ما يقول. والأدهى أن أصحاب هذا الموقف يذهبون إلى حد اعتباره طريقا تربوية تمتن الشخصية وتؤسس لنهضة أمة خير البرية. فبات تأويلهم الوجداني السطحي لحقائق الوجود مغنيا عن تحليلها الفرقاني وأصبح الإسلام الذي هو رسالة إلى العالمين جمعا بين التمكن الدنيوي بأسبابه والمكانة الأخروية بشروطها المكانة المشتركة بين أبناء آدم فلا يتفاضلون فيها إلا بالتقوى وكأنه من جنس دين اليهود ينبني على نظرية شعب مختار (العرب) وتجربة مقصورة على جماعة بعينها (المسلمين) تتحدد تاريخيا وجغرافيا تحددا عينيا فلا تشمل كل كائن حقق شروط الخيرية التي حددتها الآيات من 104 إلى 110 من آل عمران بل تقتصر عليهم دون سواهم. 

ورغم إشارتي إلى أني لن أدخل في جدل مع صاحب الردين فإني استثناء سأستجيب لرغبة السائلين وأعلق على زعمه أن المغاربيين صاروا حصان طروادة يهدمون الحضارة العربية الإسلامية بالغدر وسابق الإصرار آخذا إياي عينة منهم مع التعريج السريع على التأسيس السخيف للخيرية ومبدأ التقوم بالتنافي على فكر ابن تيمية والمرجعية القرآنية والسنية. لكن كلامي هنا لن يستهدف صاحب التعليقين لذاته بل هو إشارة ثانية إلى ما يؤكد الجهل المشترك بينه وبين كل الذين يفسدون على الصحوة علمها وعملها - إذ لو كان صاحبنا فريد نوعه لما أعرته أي اهتمام بل إن جل مفكري الحركات السياسية التي تدعي قيادة حركة الصحوة والتفرد بالنخوة من جنسه- جهلهم بأبجديات الشروط التي تنبني عليها قوة الأمم أعني شروط بناء الحضارات وأولها الفكر الفلسفي وثمراته العلمية والخلقية. 

ولعل أهم أعراض هذا الداء التفاهة التي توصل أصحاب هذا الفكر غالبا إلى حالة من الهيجان تجعلهم لا يكتفون بالرد على من ينصحهم فيصارحهم فيسارعون إلى اتهامه بأنه يفضحهم بل هم يشملون في هيجانهم كل من يفكر بصورة مغايرة لفكرهم حتى يصلوا إلى تكفير المجتمع المسلم كله. وفي هذه الحالة فإن صاحبنا قد تجاوز شخصي فاتهم كل المغاربة المعاصرين من ذوي الفكر الفلسفي الحديث حتى وإن لم يذكر منهم إلا ثلاثة اتهمهم بخيانة الحضارة الإسلامية. وهو يفعل لظنه ثغور الإسلام بحاجة إلى حماة حمقى من جنس أصحاب هذا السلوك. ولن أعلق على مسؤولية مركز المقريزي فلعل أصحابه يخلطون بين التنبيه إلى عدم تحمل مسؤولية ما ينشر فيه و التفصي من كل مسؤولية خلقية في تربية شباب الأمة. ولعل فكر هذا الشاب المغرور أفضل مثال يمكن أن يضرب عن النتائج الوخيمة للتربية التي تتبعها الحركات الإسلامية حصرا لفعاليات الأمة في قرائب الأمور ونسيان بعائدها: فها هوذا يتهم كل المغاربيين الذين تكلموا في ابن تيميه بقصد طلب البعائد وتحرير فكره من حصره في قرائبها بكونهم خونة توسلوه ليسلموا القلعة للأعداء ذاكرا معي بالاسم الجابري وطه عبد الرحمن وأسقط اسم رشدي راشد الذي ورد في كلامه السابق عن بائعي الماء في حارة السقائيين حتى يخرج من بطن الحصان أحد المحصنين من المشارقيين. 

ولسوء الحظ فإن كل أدبيات الحركات الإسلامية ما تزال أدبيات بدائية وتحريضية على العمل المباشر ليس في مجالات الإبداع بل في تحويل شباب الأمة إلى توابع لعلم نفس الرعاع: كلها إلا في ما عزة الكبريت الأحمر هي من جنس هذا الكلام الأخرق حتى إن كل المعاهد العلمية التي تدرس حضارتنا ليست إسلامية بل هي غربية لأن جميع الحركات الإسلامية تكتفي بالبيانات الحزبية وتفرض ذلك حتى على الدراسات الأكاديمية. فأصحابها يتصورون صحوة المسلمين ونهضتهم مقصورة على العقلية البدائية التي تحصر الجهاد في الفعل المباشر والتحريض عليه وتراه بديلا كافيا من الفكر المبدع الذي هو فعل غير مباشر لا يمكن أن يفرغ له إلا من تخلي إراديا عن الفعل المباشر. لم يفهموا بعد أن تحميس الشباب لكي يقدم على التضحية بالنفس من أجل الأمة رغم نبله –إذ تم بشروطه وأهمها شرط الاستعداد كما ضبطه القرآن الكريم في الآية 60 من الأنفال- ليس دليلا على القوة ولا على التدين الصادق بل هو بالعكس دليل على الضعف وسوء فهم شروط التمكن في الأرض شرطا لعزة المسلمين وحماية بيضتهم: الجهاد ليس دروشة وحماسا بل جهد نظري وعملي. 

وقد بينت التجربة التاريخية في الكثير من مراحل التاريخ الإنساني-لعل آخرها رأيناه في الحرب العالمية الثانية-أن الكاميكاز لا يمكن أصحابه من الانتصار بل المنتصر هو دائما الأكثر تقدما علميا في حالة التساوي الخلقي بالإيجاب أو بالسلب. فالتضحية بالنفس بمجردها ومن دون نسبة معينة من الندية في حيازة الأسباب لا تمكن من الانتصار في الحروب فضلا عن كونها مقصورا دورها على الدفاع ومن ثم فهي علامة لا تكذب على إهمال العمل بالآية 60 من الأنفال استعدادا يغني عن التضحية بالنفس في الحرب أو يقلل من الحاجة إليها بل وقد يغني حتى عن الحرب نفسها. 

فالأمم التي حققت شروط الهيبة قل أن يتجرأ عليها المعتدون. والأمم لا تهاب بفضل فعلها المباشر في ذاته وبمجرده بل بفضل ما وراءه من فعل غير مباشر هو أصعب بكثير منه وهو الوحيد الرادع للعدوان لأن قوة الفعل المباشر متناسبة طردا مع تراكم القوة الناتجة عن الفعل غير المباشر إذ الحروب فعل يسهم فيه كل المجتمع الحاضر بما حققه كل أجياله الماضية من أسباب روحية ومادية: فمن السهل أن تجد متحمسا يضحي بنفسه في غمرة الفعل المباشر –وهذا من مبتذلات علم النفس الجمعي- لكنه ليس من اليسير أن تجد من يضحي بكامل وقته ويعمل طيلة عقود حتى يحذق علما يجعل الأمة ذات سلطان على ظاهرات الطبيعة والتاريخ فيمكنها من شروط المهابة والعزة لأنه الشرط الضروري والكافي للقوة. 

بذلك تعلو هيبة الأمم وتعتز فتكون غنية عن الانتفاش الكاذب الذي يدل على عدم الثقة في النفس كما يتبين من دعوة من لا يميز بين العنف والعنفوان و بين الكبر والكبرياء: الأمم تهاب بما لها من علوم وفنون وتقنيات وثروات اقتصادية هي إيجابا دليل قيام قادر على الاستقلال وسلبا أداة دفاع عند الحاجة. وتلك هي علة حرص القرآن على العلم وعلى استعمار الأرض بأدواته لئلا يستخلف بديلا ممن يفقد هذه الأدوات دون التخلي عن الغايات التي هي قيم القرآن الكريم وعلة الوجود الإنساني. وذلك هو مدلول القوة في الآية 60 من الأنفال التي قدمت القوة عامة على رباط الخيل رمزا للقوة العسكرية في حين أن فورة غضب واحدة يمكن أن تجعل أي إنسان يضحي بنفسه بعد فوات الأوان في الاستعداد للأعداء استعدادا قد يغني عن هذا الحل وهو في كل الأحوال يجعل ذلك آخر الحلول لا الحل الوحيد كما هي حالنا. والأول جهاد والثاني جهاد: لكن الأول جهاد المتحضرين والثاني جهاد البدائيين. 

وفي غاية المسالة الأولى أذكر بأن جميع من يعرفني يعلم أني لست ممن يرهبه تهديد شاد فضلا عن ثرثرة باد حتى لو توهم نفسه وصيا على الأمة يعطي شهادات الولاء والبراء التي ينفيها الإسلام حتى على السلطة الشرعية الوحيدة التي لا أحد يجهل أنها انقرضت منذ سقوط الخلافة 1924. ولعله لا يعلم أن من استنجد بهم ليخيفني يدلان على الهروب من ساحة الجدال في ما ينتسب إليها إلى ساحة النزال في ما لا ينتسب إليها. وهي ساحة لا أظنه يكون فيها أكثر فلاحا ولا صلاحا. فقد اقحم بعض الاستشهادات المجزوءة من مقالاتي السابقة -وبعضها نسبها إلى انتحالا لعجلته وغفلته- ليحتمي بفزعة شيعتي البلادنية والطائفية أعني كل من لو اتبعنا فكرهم فضلا عن سلوكهم لصار العالم الإسلامي كله ممالك أمراء حرب كما هو الشأن في أفغانستان والصومال فتعود الأمة إلى ما قبل الجاهلية باسم قشور الشريعة ونفي الثورة القرآنية المؤسسة للمدنية. 

تفاهة الدعوة

ليست حامية الإسلام جلها ولله الحمد بهذا المستوى الفكري الذي يجعل صاحبه يتجرأ على ثلاثة من كبار المفكرين العرب لم يتعلموا الفلسفة من فتات الترجمات والجرائد. فمن يتصور سب كبار الفلاسفة مثل كنط وهيجل وديكارت إلخ..كافيا لتأسيس الثقة في النفس لا بد أنه يظن الشباب المسلم كله غير سوي أو أحمق فيعتبره مصابا بمثل هذا الاهتزاز النفسي الذي بلغ حد الاختيال فيقيس كلامه على الفلاسفة بكلام شيخ الإسلام على أرسطو. فمن يظن ابن تيمية قد أراد الحط من قدر أرسطو لما نقد فلسفته لا يمكن أن يكون قادرا على فهم أرسطو فضلا عن فهم نقد ابن تيمية لفلسفته: ابن تيمية لم يتجاوز أرسطو بسبه بل بنقض أسس فلسفته وهو أمر ما كان يقدر عليه لو لم يكن قد تعلمه وما كان ليتعلمه لو لم يسبق ذلك الاحترام والتقدير المشروطين في كل أعمال العقلاء. 

أما من يتصور الازدراء بفكر الأمم الأخرى منهجا كافيا لتحقيق الاستعلاء الإسلامي والتفضيل العربي وللرفع من معنويات شباب يفرض عليهم الجهل فإنه قطعا ليس ممن يُطمأن إلى سلامته العقلية: كيف للمسلمين أن يسموا خلقا أو علما بمجرد الحط من غيرهم !؟ لا أفهم كيف يمكن لشباب سوي أن يصبح ذا معنويات مرتفعه بمجرد التنفيس بسب الآخرين وغمطهم حقهم: وهذا طبعا من ثمرات الثقافة التي حولت خطب الجمعة إلى حفلات للدعاء على الآخرين بعد أن أفقدوها دورها الحقيقي أعني المناسبة الأسبوعية التي يعالج فيها المسلمون أهم قضايا دينهم ودنياهم بعد أداء رأس فرائضهم ! 

لم أسمع في حياتي شخصا ذا عقل يعتقد أن الاستعلاء الكاذب الذي من جنس ما يدعو إليه صاحبنا الشباب يمكن أن يؤول بالأمة إلى غير المصير الذي انتهى إليه الهنود الحمر خاصة إذا كان خلق الدعاة خلق الحمر المستنفرة. فما فعله ابن تيمية كان سعيا جادا لتجاوز فيلسوف عظيم تقدم عليه بألف ومائتي سنة ومحاولة للتخلص من فكر أمة انقرضت بفكر أمة استُخلفت فصارت قادرة على الندية وأكثر مع من تقدم عليها من الأمم العظيمة. إن كل عاقل يفهم أن مجرد اضطرار الشيخ لمصارعته مصارعة الند للند يفيد أن ابن تيمية يحترم فكر أرسطو وأنه لم يكن ليقوم بذلك السعي لو كان يحقر من أرسطو بل هو كان مشدودا إلى إرادة حقيقية في مسعاه لفهم فلسفته حتى يتمكن من تجاوزها بما هو من جنسها وإن كان أفضل منها وليس بمجرد ادعاء الاستعلاء المغني عن التفلسف أو المحقر من الفلاسفة: بل لأنه وضع منطقا أفضل ونظرية وجوديه أكثر مطابقة للمعرفة النظرية المؤثرة وللمعرفة العلمية المحررة. 

وليس عجبا ألا يفهم أصحاب مثل هذا المنطق أننا اليوم لا نصارع فلاسفة أفلت حضارتهم وتجاوزنا إبداعهم بل هم من أمة لايزال الإبداع العالمي في كل المجالات ناصيته بيدها. ومن ثم فالمهمة التي على علماء المسلمين التمحض لها ينبغي أن تكون أعسر مما حققه ابن تيمية فضلا عن الاقتصار على أسلوب التحقير الذي قد يكون قصده ابن تيمية ما أظنه يفعل. لا بد من التعلم منهم ولا بد من التمكن من شروط الاستقلال عنهم خاصة وهم في تطور لا يتوقف: وكلتا المهمتين ليست بالأمر اليسير ولا يمكن أن يستشار فيهما إلا الخبير. 

وإذا كان ابن تيمية في سعيه لتمكين فكر الأمة من تجاوز أرسطو قد اعتمد على جهد المسلمين في التعلم عليه وعلى أمثاله من أمته خلال خمسة قرون كاملة –وهي مدة قد طالت لأن صد الفكر الفلسفي فيها كان الغالب فكان الحائل دون التعلم السريع الموصل إلى التحرر وهما أمران لم يبدآ حقا إلا مع الغزالي لإقناعه الأمة بأن مصارعة العدو تقتضي التمكن من سلاحه أكثر منه- فماذا يمكن أن يكون الحال لو صددنا الفكر العربي والإسلامي عن التعلم المباشر حتى نسرع علمية التحرر مستفيدين من خبرة الأمة التي مثل ذروتها ابن تيمية في بداية القرن الثامن (مشرقي تعلم على المغاربة إذ هو أنجب تلاميذ المدرسة الفلسفية المغربية) وابن خلدون في غايته (مشرقي تعلم على المشارقة إذ هو أنجب تلاميذ المدرسة التاريخية المشرقية). 

والمعلوم أن ما يزعمه هذا الموتور من أثر للأسلوب التحقيري في ما يتصوره تقوية نزعة الاستعلاء عند الشباب لن يستطيع الحط من عظماء البشرية لأن قدرهم في أعين الشباب المسلم ذي العقل السوي والخلق العلي لا يحدده الجاهلون بهم ولا الأحكام القولية بل ثمرات نظرياتهم في كل شؤون البشر أعني في الحضارة المادية والرمزية التي كاد المسلمون أن يصبحوا فيها مدينين بكل لشيء لهؤلاء الذين يريد أن يحط من قدرهم أخرق الأحكام. وحتى مجرد العلم بهم فإنه لا يكفي لتحديد قدرهم. ما يحدد منزلتهم عند البشر هو دورهم في الحضارة الإنسانية عامة وفي اللحظة الغالبة خاصة وهي لحظة لا يكفي التحرر من طغيانها التمني ومجرد وهم الاستعلاء الذي هو عقدة نقص مقلوبة قد تنفس على ذوي الأسلوب الشتائمي لكنها لن تغير حال المسلمين. فالمسلمون فد آل بهم الأمر إلى ما هم فيه لأن فكر من يزعمون أنهم علماؤهم قد صار من هذا الجنس: يتحدد بالنفي ورفض العلم النظري بدعوى الاقتصار على العلم النافع. 

ولعل أكبر علامات هذا الداء تحول أهم مؤسسة سنها ديننا إلى منادب للدعاء على الأعداء قصدت خطبتي الجمعة اللتين كان ينبغي أن تكونا مناسبتين لعلاج شؤون الأمة الدينية والدنيوية علاج القادرين لا الاقتصار على تمني العاجزين. ولحسن الحظ كذلك فإن حصانة الشباب الروحية لا تستمد من كلام من يخرص في ما لا يعلم. ذلك أنها لو استمدت منه لقضي عليها لأنها تكون بهذا النهج قد انحصرت في الجهل بفضائل الأمم والعزوف عن التعلم من مبدعي البشرية رفضا لنصيحة الرسول الأكرم بالتعلم من كل المصادر: تصوروا القرآن اعتمد هذه النظرية فاعتبر بناء الأمة الإسلامية وتحصين المسلمين يقتضي التحقير من عظماء الأمم الأخرى هل كان الإيمان بكل الأنبياء والرسالات يصبح أحد أركان الإسلام ؟ وأي معنى للدعوة إلى طلب العلم ولو في الصين ؟ 

ليت كل من أصيب من شباب الأمة بالدائيين اللذين يمثلهما هذا السلوك سلوك المغرور وموقف الموتور يتحرر منهما صحوة الأمة إلى معارك مثل المعركة بين مشارقة ومغاربة فيصدقوا الخرافة القائلة بأن غير المشرقيين عامة وغير المصريين خاصة لا يمكن أن يوجد فيهم فكر وأنهم ينبغي أن يكونوا تابعين وينسوا أن البناة في الحضارة العربية يتقاسمهم المشرق والمغرب تقريبا بالتساوي (بل وربما رجحت كفة المغرب بعد المرحة التأسيسية الأولى من الحضارة الإسلامية). أملي ألا يصيبهم هذا المرض الذي أوجده التعالي الزائف لبعض أنصاف المثقفين في المشرق ورد الفعل عليه من أمثالهم في المغرب على حد سواء ! ليتهم يفهمون إشارة حجة الإسلام إلى أنه لا شيء يفرح أعداء الإسلام أكثر من دفاع الجاهلين عنه فضلا عن دعوة أنصاف مثقفيه إلى إبقاء الشباب جاهلين بكبار المفكرين العالميين والاكتفاء بفكر من يظن نفسه أذكى من ديكارت وكنط وهيجل بدليل حكمه عليهم بأنهم بلداء ! 

ليت المغررين بالشباب المسلم يدركوا أن المسلمين تخلفوا وصاروا أضعف الأقوام بمثل فكرة السيد قطب الذي يزعم إن سيادة العالم في غنى عن القوة المادية والرمزية وأن الغرب بدأ يفقد هذه السيادة وأنه يكفي المسلمين توهم الاتصاف بالخيرية حتى يصبحوا سادة العالم بدون شروط تحقيق الخيرية التي لم يفهمها عندما علق على التفسير المنطقي بمعين الإسرائيليات الذي لو أعاد قراءته بدقة لوجد انه يدل على عكس ما أراد إثباته. أما الغاية المستهدفة من التعامق في التحليل النفسي فهي داهية الدواهي: هو لا يريد أن يبقى بين النخب العربية الإسلامية إلا من يلتزم بما يراه من ضرورة الاقتصار على العمل المباشر على الطريقة الطالبانية وحصر كل نخب الأمة في الدعوة إلى الخيرية والأفضلية الإيديولوجية على طريقته. 

أما الفراغ لتحقيق شروط قيام الأمم أعني المعرفة النظرية في المجالين الطبيعي والتاريخي فقد صار في حكم هذا الفكر القاصر عملا من جنس حصان طروادة يخون الأمة لفقدانه الولاء و البراء اللذين تأتي شهادتهما منه أميرا لفرقة تأفغن المجال الثقافي كما يؤفغن نظراؤه المجال السياسي والرقعة الجغرافية لدار الإسلام ! ولعمري فما بقيت نخب المسلمين وقياداتهم الدينية تفكر بهذه الطريقة العرجاء –التي ما كنا لنتكلم عليها لو اقتصرت على موقف هذا المتعالم بل هي في الحقيقة موقف يعم جل القيادات الفكرية للحركات الدينية التي تتصور بناء الأمم يكفي فيه التخبط الدفاعي والمناورة السياسية والأدبيات السطحية للتجييش والإفتاء الذي صار مصدر كل البلاء- لن تحقق الأمة أي شرط مؤثر من شروط الاستخلاف في الأرض: سيبقون تابعين ومقصورا عملهم على رد الفعل هذا إذا لم يعودوا إلى وضعية الهنود الحمر عندما يصبح الجميع من حولهم قادرا على استعمارهم بما حققه من علوم نظرية وتطبيقات لها عملية تحقق شروط القوة العامة الروحية والمادية والقوة الخاصة الاقتصادية والعسكرية. 

ضآلة الموقف العملي 

أكتفي بهذه الإشارات السريعة حول ضآلة الموقف العملي لصاحب الدعوة أقدمها للقراء المحترمين عامة ولقراء موقع المقريزي خاصة (لأن أكبر دحض لخرافة التقابل بين المشرق والمغرب العربيين هو المقريزي أنجب تلاميذ المدرسة الخلدونية في التاريخ الاجتماعي !) حتى لا يظن السكوت السابق على مثل هذا الهذيان عجزا عن الرد أو خوفا من التهديد بالرفع من حجم الحمق والوقاحة تهديد في الرد الأول.

ملاحظة 1: 

خالف الراد أباه في أفضل ما كان ينبغي أن يتلقاه: الخلق الإسلامي المتحرر من التعصب الأعمى والمنفتح على كل الآراء إذ نحن بحسن ظن نصدقه في ما وصف به أباه. وأضاف العقوق إذ تنصل من توضيح الموقف من نقدنا أطروحة أبيه التي لا تختلف في العمق عما يعبر عنه لأنها تؤدي إليه رغم أن المرء ليس ملزما بإلزامات نظرياته فضلا عن إلزامات نظريات أبيه. وقد ظننا أن فيه نباهة يمكن إرشادها إلى ما فيه الخير له ولمن يسمع منه لكن تمادي في غيه فدونه وما هو فيه ! والحمد لله أن الشباب المسلم ليس كله مثله وإلا لآذن ذلك بزوال شروط النهضة والصحوة على حد سواء بعد أن بدءا يتحدان فهما لشرطي القيام المادي والرمزي للأمم ذات الرسالة الكونية. 

ملاحظة 2: 

نعم ليس في الفلسفة كهنوت. والإسلام أيضا ليس فيه كهنوت عند المسلم الصادق. لكن الفلسفة كما الدين تحتاج إلى تعلم منهجي ككل الفنون العقلية والمسالك الخلقية كما سيتأكد من ذلك عندما يرى كيف أنه أيد بهذا الرد المتهور كل ما نُبه إليه من جهل بالمنطق والمنهج والفكر فضلا عن آداب الحوار. والدين كما الفلسفة كذلك يحتاج صاحبه إلى التربية على خلق. لكن حيل الكهنوت هي التي تحول الحوار الفلسفي إلى معركة عقائد (التسوية بين التحريفين السني والشيعي للقرآن جعلتها جريمة لتجييش جماعتك علها تنقذك من الفضيحة التي انكشفت) وإلى صراع سياسي (التسوية بين العلمانية والأصلانية جعلتها جريمة لنفس الغرض). وكلا المفرين لن يجديا نفعا كما سيرى من ضحالة زاده العلمي في التعليقات الباقية حتى وإن أمداه بحبل النجاة لما أغلق الملف في الموقع. ومحاولة فتح الملف في ساحة يتصورها مساندة له خاصة بعد هذين الاستنجادين لن تجدي نفعا لأن الشباب المسلم بات جله مترويا فلا يتبع الخراصين !

ملاحظة 3: 

محاولة التحليل النفسي لموقف المفكرين الذين ينأون بأنفسهم عن التحريف الأصلاني والعلماني والظن بأنه تسوية بين طالبي الحق وطالبي الباطل طلبا لحل وسط بينهما دليل حاسم على عدم الفهم. فلا وجود في ذلك لتسوية للتوسط إذ لا معنى للتوسط بين خطأين. ذلك أنه ليس صحيحا أن الأصلاني طالب حق والعلماني طالب باطل بل كلاهما طالب باطل. وقد يكون العلماني أقرب إلى صدق الموقف من الأصلاني حتى وإن جانبا كلاهما الحق لعلتين: 

1-فالعلماني لا يلام إن جهل الإسلام لوم الأصلاني لأن جهله يكون من جنس الجهل البسيط فهو لا يزعم تمثيل الإسلام لكن الأصلاني يلام أكثر من لوم العلماني لأن جهله من جنس الجهل المركب إذ هو يزعم تمثيل الإسلام والكلام باسمه. 

2- والعلماني يلام بدرجة أدنى إذا ابتعد عن الحق للجهل به باعتراف الأصلاني الذي يتهمه بذلك في حين أن المسلم يلام لابتعاده عما حباه الله به إذ أرسل محمدا بالحق والهدى كما يعتقد حتى وإن خالفه في المعتقد ضديده الذي يقاسمه هذا النزاع. 

فلو قارنت مسلما بغير مسلم في صلتهما بطلب الحق لكانت المعادلة كالتالي: الثاني يكون طالب حق بداءة والأول إن صح أنه طالبه فطلبه عود لا بدء. فيكون طلب غير المسلم أفضل من حيث الجهد حتى وإن كانت التوبة النصوحة ليست بالأمر الهين في سلم الأعمال: لكن غير المسلم ينتقل من الباطل إلى الحق دون هدي غير هدي عقله والمسلم قد يعود إليه بالعادة مع غفلة عقله وليست توبته بالضرورة توبة نصوحا بعد ترو. 

وحكم التسوية المزعومة بين السنة والشيعة ينطبق عليه نفس الحكم الذي حللناه بخصوص ما يزعم من تسوية بين الأصلاني والعلماني: لا وجود لطلب التوسط. فالأمر هنا أيضا ليس هو تسوية بين طالب حق وطالب باطل بل السنة والشيعة في هذين الوجهين المعينين والموصوفين في المقال الذي استشهد بفقرة منه ينطقان باسم الفتنة الحالية ويحييان الفتنة الماضية وإذن فكلاهما على باطل لأنهما بمجرد أن يسقطا الأمة في الفتنة فيغرقان تاريخها كله فيها يصحبان محرفين لدعوة الإسلام إذ هي تصبح تاريخ فتنة لا تاريخ تحرير البشرية من الفتن. وقد حدد النص المستشهد به المقصود بالتحريف في الحالتين. والموقف الذي ندافع عنه ليس وسطا بينهما إذ الحق المطلوب ليس وسطا بين تحريفين بل هو معاني القرآن كما يمكن للعقل المجتهد أن يدركها إذا تخلص من التحريفين اللذين وصفنا: أعني الخمينية (=موقف الباطنية التحريفي عندما يكفر السنة) والبنلادنية (=موقف الخوارج التحريفي عندما لا يقصر القتال على الأعداء).

ملاحظة 4: 

وأسخف ما رأيت في حياتي العلاج المقترح: علاج التهديم عودة إلى ما يبشر به نيتشة من سديم ! أورد ابن خلدون مرة أن أحد ملوك المسلمين أراد أن يهدم آثار الأمة السابقة فنصحه وزيره الذكي بأن لا يحاول لئلا يقال إن دولة الإسلام عجزت عن تهديم ما بنت دولة الكفر. كذلك فليس بوسع أحد العصاميين الذي هو أمي في عرف من تعلم على أعين أهل الفن أن يهدم فكر كبار الفلاسفة بمجرد وصفهم بأنهم بلداء ! تصوروا لو أن القرآن دعانا إلى مثل هذا هل كان الرسول يأمر بطلب العلم ولو من الصين بل لو أن القرآن بنى الرسالة المحمدية على هدم الرسالات السابقة هل كان القرآن يكون أعظم صوغ للوحي المطلق فيختمه بمنطق التصديق والهيمنة ؟ ورغم أن الفلسفات ليست من جنس الرسالات لأنها لا تدعي العصمة فإن ما فيها من جهد إنساني لا ينبغي أن يهدم حتى لو تصورنا مدعي ذلك قادرا عليه بل يمكن لمن بذل ما ينبغي من جهد لفهمه أن يصلحه ما استطاع إليه سبيلا لا أن يسب عظام البشرية بفكرة هي أدنى ما وضعه أصاغرهم: فكرة إثبات الذات بنفي الذوات المقابلة ! 

ملاحظة أخيرة: 

وداهية الدواهي أن هذا "الهاجم على الجبال بقادوم" كما يقول المثل التونسي يريد أن يطبق المبدأ الذي أدى عدم فهمه إلى الدائين اللذين عالجنا:

داء أول تمثل في جعل الخيرية الإسلامية تصبح من جنس الصهيونية والنازية لأنه تصورها أمرا يصف جماعة بعينها متحيزة في الزمان والمكان دون سواها فصارت صفة مقومة لهم تغنيهم عن تحقيق الشروط فيكون مجرد حمل اسم المسلم دون مسماه كافيا للاتصاف بالخيرية. وكانت أغرب حجة سمعتها هي دلالة "كان" التامة مطبقة على كائن غير مطلق: كان التامة لا يصح استعمالها بالدلالة الحقيقية لا المجازية إلا على الله. وكل ما سواه لا ينطبق عليه إلا كان غير التامة: أعني كان الزمانية. ما هو قديم هو حكم الله أو سنته بأن العلاقة بين الإسلام والخيرية مطلقة ولا محدودة بالزمان. فتكون "كان" تامة عند الانطباق على معنى الإسلام المجرد من حيث هو صفة بشروطها لا على تعينها في جماعة اللهم إلا إذا فرضنا الجماعة قديمة أو غير تاريخية. لذلك فاتصاف جماعة بالإسلام وبشروط الخيرية ليست سرمدية حتى وإن كان المطلوب الإيمان بأن المسلمين التاريخيين أقرب الناس إلى هذا الوصف حسن ظن بهم ودعوة لأن يكونوا عند حسن الظن: فالله قد قضى بأن من كان مسلما بشروط الإسلام التي هي عينها شروط الخيرية ينتسب إلى خير أمة وحدد شروط الخيرية التي هي شروط الإسلام فيكون قد حدد منزلة وجودية كالخانة الشاغرة التي لا يستحق التنزيل فيها إلا من توفرت فيه الشروط وكل من تتوفر فيه الشروط يستحق هذا التنزيل للتعاكس بين الأمرين. وبذلك كان الإسلام دين البداية (الفطرة أو الكونية بالقوة) والغاية (العالمية أو الكونية بالفعل): فكان خطابا خاتما للعالمين وليس لجيل مسلم محدود بالزمان أو لجماعة مسلمة محدودة بالمكان. 
وداء ثان تمثل في سجن الأمة التي جعلها الله شاهدة على العالمين سجنها في وضعية المصابين بعقدة المغلوب الذي يرد الفعل على الغالب بما يستعيره منه بوعي أو بغير وعي فيبقى تابعا له ماديا وروحيا: 
أ-فهو يستعير منه أسلحة مادية لغياب العلم النظري وأساسه الفلسفي (التكنولوجيا) 

ب- وأدوات رمزية لغياب العلم العملي وأساسه الروحي (الإيديولوجيا). 

فكيف يتوهم البعض أن عقدة النقص يمكن بسحر ساحر أن تجعل وهم الاستعلاء علوا حقيقيا من دون أسبابه؟ وإذا بقي الجميع يرقص على أوتار الدعوة للعمل المباشر كما تفعل الحركات الإسلامية التي يمثلها فلا يفرغ أحد للعلم الذي صار بيد أعداء الأمة حتى في العلم بأخص خصائصها كالعلم بالقرآن والحديث والتاريخ الإسلامي فإن هذه التبعية ستزداد ويكفينا ما لنا من أبطال بطريقة "روبان دي بوا" يقاتلون في الأدغال أسراب الباعوض ! 

ضحالة الفكر النظري 

سأتجنبت الكلام في أمانة المعلق العلمية لأن مثل هذه القيمة لا تناقش مع المتعالمين إذ إن مجرد التعالم علامة لا تكذب على انعدام خلق العلم. فمن لا يميز بين قولك وعرض غيرك لقولك فينسب نصه إليك غير أمين دون شك. ومن يتهم محاوريه بالرد عليه متنكرين بأسماء مستعارة يسقط عليهم ما يمكن أن يلجأ إليه. ومن يقتطع الاستشهادات كما يعن له ليوظفها في الاستنجاد بجماعة بن لادن والطائفية المضادة لا يمكن أن يكون صادقا في طلب الحق. ومن يخلط بين كلامك عن مسار العمليات المنطقية أو ما ترمز إليه وراءها من مجريات وجودية وغايته فيعتبر السار دالا على الغاية لا يفهم ما يقرأ. فعندما تنفي أن تكون الذوات تتحدد بنفي التماثل يكون قصدك الكلام في مسار النفي لا في غايته التي هي التماثل أو عدمه. ذلك أن الذوات لمجرد كونها متعدده فهي لامتماثلة إذ لو كانت متماثلة لكانت واحدة لعدم الفارق ولما بدأ المسار الموصل إلى الاختلاف. 

فإذ وجد مسار التنافي فإنه لن يكون ليحدد قيام المتنافيين بل ليبقي عليه فيكون كلاهما ردا على مسار مقابل هو السعي إلى التماثل الذي ينفي التعدد المنطلق منه. وبذلك يتبين أن الأمر يتعلق بالتقابل بين مسارين يتصارعان والذهاب بهما إلى الغاية ذهابا هو شرط الجدل: فمن قال بأحدهما فإنه مضطر للقول بآخرهما فيصبح قائلا بالجدل بمعناه الهيجلي حتى وإن لم يكن واعيا بذلك فضلا عن أن يكون مدركا لكل لوازمه وإلزاماته. وهذه خاصية كل المتفلسفين بغير علم.وقد كنت أتصور هذه العاهة مقصورة على متعالم العلمانيين فإذا هي مشتركة بينهم وبين الأصلانيين لأن المحدد هو التعالم لا المذهب. ومن ثم فلا معنى للتمييز بين هذا وبين ما يزعم مميزا لنفي التماثل الإسلامي من حيث هو محدد للتقوم الذاتي حدده ابن تيمية ولم أفهمه فأفهمني إياه المتعالم !

سأكتفي ببيان الحدود التي يبقى دونها مثل هذا الموقف العلمي ودعوته التافهة لنبرز ضحالة فكر صاحبها النظري. فتعامله مع مبدأ الذاتية تعامله الدال على عدم الفهم يثبت الضحالة التي ليس بعدها ضحالة. وقد فضح نفسه عندما طبق هذا المنطق على الذات الإلهية. فهو يزعم إثبات المبدأ بما يتصوره عدم فهم مني لابن تيمية إذ يعرف العالم بأنه ما سوى الله ظنا أن ذلك مبني على هذا التصور المنطقي. فهل يعقل صاحبنا ما يقول فيدرك أنه بذلك يكفر بالله كفرا صريحا من حيث لا يعلم وأنه لو قبلنا فهمه السقيم لكان فيه اتهام لشيخ الإسلام بما لو سمعه منه لتبرأ من صاحبه أكثر مما يتبرأ من أي زنديق ؟ 

واليكم الدليل وهذا كاف لعدم جدارة هذا النوع من المتعالمين بالكلام في الفلسفة فضلا عن الدين. وهو قد جنى على نفسه لما ظن أنه يفحمنا وعاند فأراد أن يثبت صحة تصوره ولم يدر أنه قد جعل الجدل الهيجلي أساس التصور القرآني للذات الإلهية تحديدا للذوات بنفي التماثل ضاربا مثال العلاقة بين الله والعالم: 

1-فحتى يكون هذا المثال مقبولا للدلالة على صحة التعين والقيام الوجوديين بنفي المقابل (حتى لو ذهبنا به إلى حد الإفناء الذي استدرك به على التناقض الجدلي وهو استدراك دال على الجهل بمعنى الجدل إذ من دون الذهاب إلى الغاية في التنافي لا معنى للجدل الوجودي) لا بد من التسليم بأمرين كلاهما لا يليق في حق الله جل وعلا فضلا عن تناقضه في ذاته من منظور إسلامي: 1-أيكون الله لا يتعين ولا يقوم إلا بما ينفي بشرط أن يذهب ذلك إلى حد إفناء كل ما سواه ؟ 2-وهل كان الله قبل خلق العالم الذي هو غيره غير محدد تعينا وقياما لعدم وجود ما تنفيه الذات الإلهية حتى لو ذهب النفي إلى الإفناء أم إن وجود الغير ضروري ليكون لله ما ينفيه فيمتاز عنه باللاتماثل ؟ 

والكلام ليس هو في التماثل وعدمه بل في السعى من أحدهما إلى الآخر. فهذا السعى هو قوة النفي وقوة نفي النفي التي تصبح بديلا من فعل الخلق الإلهي في التصور الجدلي. وذلك هو ما لا يمكن أن يقبله مسلم إن صح إسلامه لأنه إذا قبل به فينبغي لضرورة الاتساق أن يطرده فلا يستثني منه الله الذي ليس كمثله شيء بذاته قولا بنظرية الكاوزا سوي أي إن الله صانع نفسه بنفس الجدلية لكونه ذاتا. فيكون الله متقوما بفعل نفي المثيل ولا علاقة لنفي الشريك بنفي المثيل: فنفي الشريك لتحقيق الإيمان بالوحدانية في الذهن ونفي المثيل في العين لتحقق العين. نفي الشريط في ذهن الإنسان لا يحقق قياما للذات بل يحقق تمييزا لتصور عند الذات: ولا بأس إذا كانت التصورات تتحدد بالتحادد وليس بالتنافي أي إن كلا منها هو غير غيره في نسق التصورات في ذهن الإنسان بل لا بأس حتى باستعمال الجدل المنطقي لا الوجودي لبيان الحدود بمنطق التحادد بين التصورات في نفس المتعلم. لكن الله ليس له مثيل فيحتاج إلى نفيه لتتقوم ذاته. 

والكلام على التقوم بنفي التماثل نفيا يؤدي بمساره إلى التقوم-لا على الاختلاف الأصلي- مناف للمعتقد القرآني. فالمسلم يعتقد بأن المختلفات خلقت مختلفات من أول خلقها وليس لها أن تسعى إلى اختلافها بالتنافي النافي للتماثل أو إلى التماثل النافي لنفي اللاتماثل حتى لو قبلنا جدلا بأن لها فاعلية ذاتية تتقوم بها أعني لو قلنا بالطبائع. الاختلاف الوجودي بين الذوات مبدأ يقره القرآن من بداية الخلق ولا نحتاج إلى مبدأ غيره يحققه لاحقا بالتدريج ضرورة لكونه لا بد منطلقا من النقيض أي من التماثل الأول أو الخليط الأول الذي يتخلق بنفي التماثل لو كان الشيء يتذوت أي تتعين ذاته بنفي التماثل. 

فيدل ذلك عندئذ على أن الذوات لم تكن مختلفة في الأصل ثم تجدد الاختلاف بينها بل ينبغي أن يدل على ضرورة الذهاب إلى الغاية في العودة إلى البداية المطلقة حيث تكون الذوات عدما خالصا في التماثل المطلق ثم تتخلق بالتدريج بنفي التماثل فتكون متجددة تجددا مطلقا من عدمها إلى وجودها بمنطق جدلي مغن عن الخالق: وذلك هو بالذات مفهوم التخلق الذاتي للمادة في المادية الجدلية. وحتى لو سلمنا بوجود الخالق فإنه سيكون خاضعا لنفس المبدأ ومن ثم سيصبح المبدأ الجدلي لمنطق التحدد بالتنافي موجدا للذات الإلهية نفسها لكونها ب
تاريخ النشر : 25-08-2007

6153 : عدد القراءات


يلفت موقع الملتقى الألكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.


 

 

 

 

 

الصفحة الرئيسية   l   دراسات قرأنية   l   دراسات حديثة   l   الفقه و الأصول   l   العقيدة و الكلام   l   فلسفة التجديد

قضايا التجـديـد   l   إتجاهات الإصلاح   l   التعليم و المناهج   l   التراث السياسي   l   الدين و الدولة   l   الحقوق و الحريات

مفاهيم و مصطلحات   l   الإسلام السياسي    l    الظاهرة الدينية   l   فلسفة الدين   l   فلسفة الأخلاق   l    قضايا فلسفية

المـــرأة و النسوية   l   الإسلام و الغرب    l   عروض و مراجعات   l   إصدارات   l    حوارات و شخصيات   l    مـؤتـمـرات و متابعات

جديد الملتقى   l   سجل الزوار   l    رأيك يهمنا   l   اتصل بنا

   ©2024 Almultaka  جميع الحقوق محفوظة 

Designed by ZoomSite.com