آخر تحديث للموقع

 2022-08-20

 
Facebook Twitter Rss

النص والتراث  .  دراسات قرآنية

دراسات حديثية    |    الفقه و الأصول    |    العقيدة و الكلام

  •     

الأيديولوجيا في خطاب النهضة العربي: الإيهام والاستلهام

هشام منوّر


عنوان الكتاب: أيديولوجيا النهضة في الخطاب العربي المعاصر.
المؤلف: رضوان زيادة.
الناشر: دار الطليعة، بيروت، ط1، 2004م.

يلهج الخطاب العربي المعاصر بتكرار واجترار سؤال كان من المفترض، نظرياً على الأقل، أن يكون قد تم تجاوزه بحكم تراكم الخبرات والمعارف وتسارع الأحداث وتقدم السنين، إلا أن سؤال النهضة ــ وكما يبدو عند استعادة طرحه في الخطاب العربي المعاصر ـ قد تحول إلى (هاجس) أخذ يشغل حيزاً مهماً من بال المثقفين والمنظرين وحتى السياسيين، فما محاولة استعادة (عصر النهضة) والاهتمام المفرط بالإجابة على هذا السؤال سوى رائز ومؤشر على مدى سيطرة هذا السؤال واحتلاله لمكانة بارزة في ثنايا الخطاب العربي في نسخته المعاصرة، وبمختلف تلويناته وأطيافه.
بيد أن المثقفين العرب وفي خضم استعادتهم لسؤال النهضة، يقومون إما باستعادة (عصر النهضة) كما تجلى في كتابات رواده وآبائه الروحيين، مع استحضار مناقبهم ومقولاتهم، أو تشكل (النهضة) عند قسم منهم (يوتوبيا) أو نوعاً من الأمل المفقود، الذي يسعى إلى تحقيقه عبر " إغزار الحديث لاستجلابها"، مما جعل الخطاب المكون لهذا السؤال "النهضة" يتحول إلى " أيديولوجيا جديدة تحضر بقوة في الخطاب العربي المعاصر وتمسك بتلابيبه".
إن ما يطمح إليه هذا الكتاب، وكما يعبر عن ذلك مؤلفه (رضوان زيادة) الباحث السوري، وغايته الرئيسية تكمن في "نقد أيديولوجيا النهضة كما تجلت في الخطاب العربي المعاصر وعبر نوعيها الاستلهامي والإيهامي، أي ذاك الذي يستلهم عصر النهضة، وذلك الذي يوهمنا بالنهضة". فهي محاولة لنقد تلك الأطروحات المتمحورة حول (النهضة)، والتي يرى المؤلف اكتساب بعضها نوعاً من الجدية والعمق، فيما يغلب على معظمها البلاغة والإنشاء والنزعة الخطابية التمجيدية.
في الفصل الأول من الكتاب يحاول المؤلف الإجابة عن سبب الإكثار من الحديث والكتابة عن النهضة والذي بات هاجس المفكرين والمثقفين حالياً، فيرى في فشل المشاريع الأيديولوجية القومية والماركسية وغيرها عن الإجابة على سؤال النهضة والتقدم وتحقيق التنمية، فضلاً عما نشاهده من واقع التخلف الشامل وفي شتى الأصعدة والذي عم أرجاء مجتمعاتنا سبباً معقولاً لابتداء البحث عن الخلفيات الكامنة وراء خطاب استعادة النهضة، إذ رأت الأيديولوجيات العربية الراهنة في تراث النهضة المعين الذي يضفي شرعية التأصيل والوجود على تلك الأيديولوجيات، فأخذ الجميع يسعى إلى الحصول على " بركة" النهضة وتزكيتها لخطابه. وإذ يعتبر المؤلف ما تقدم مدخلاً للوثوب إلى الخلفيات الكامنة وراء خطاب "الأيديولوجيا المستعادة" أو استعادة خطاب النهضة كما يسميه، فإنه يرفض أن يجعل من ذلك سبباً وحيداً وكافياً لذلك، ويصر على الغوص للكشف عن الخلفيات النظرية للأيديولوجيا الجديدة.
وبعد أن يناقش الكتاب الأزمنة المقترحة لتحديد بدايات عصر النهضة ونهاياتها، يخلص إلى اعتبار النصف الثاني من القرن التاسع عشر تاريخاً لابتداء الحديث عن النهضة ورواجه، "وتنتهي مع فترة بدء معارك الاستقلال والتحرر الوطني". ثم يستعرض خطاب النهضة عند رواده وآبائه الأوائل، فيلحظ اختلاف صياغة سؤال النهضة عندهم وتباين وضوح أولوياته (الطهطاوي، التونسي، الأفغاني، عبده)، ففيما كان الطهطاوي مهجوساً " بالبحث عن النهضة باكتشاف سرها وفك لغزها المحير، والعمل على جعله مبسوطاً لكل راغب في نهضة بلاده، ...نجد أن محمد عبده كان مهموماً بالدفاع عن الإسلام بوصفه العامل الرئيسي في النهضة المطلوبة".
ومع انهيار الفكر التوفيقي الذي تبناه عبده بوفاته، تراجع سؤال النهضة عند تلامذته لصالح البحث عن أسباب تأخر المسلمين، ففيما جنح قسم إلى اعتبار الابتعاد عن تعاليم الدين السبب الرئيسي في ذلك، جنح قسم آخر إلى اعتبار التمسك بنفس تلك التعاليم السبب في ذلك أيضاً، مما جعل من اللهاث وراء الغرب وتبني مقولاته عند هذا القسم الحل المنشود للخروج من الأزمة. 
فيما تمت استعادة سؤال النهضة في سياق صراع الأيديولوجيات العربية حول تحديد مفهوم الهوية الملتبس في أذهانهم والتي غدت "بؤرة السؤال ومدار السجال في الأوساط الفكرية والدوائر السياسية"، فالغية الآن هي " البحث عن هوية المجتمع العربي التي تمزقت وعلينا إعادة ترميمها". ويخوض الكتاب في شرح رؤى الأيديولوجيات العربية ونظرتها إلى مفهوم الهوية وخاصة الرؤية القومية والإسلامية، ويرى أن " تصاعد الحديث عن الهوية يرتبط ارتباطاً طردياً مع الأزمات التي يتعرض لها الكيان الحضاري لأمة من الأمم أو شعب من الشعوب". ليخلص إلى تأكيد أن العرب كما لم يستطيعوا " التعرف على النهضة إلا من خلال الآخر، كذلك لم يستطيعوا أن يتلمسوا هويتهم إلا من خلاله وعن طريقه"، فلا وجود لسؤال النهضة إلا بقدر وجود هاجس الهوية ووسواسها في عصر العولمة وانسحاق الحدود والمسافات.
في فصله الثاني، يحلل الكتاب " خطاب الأزمة" المتمثل في طرح العرب لأسباب تخلفهم وتحديدها، ويبتعد عن الجدل الدائر حول شرعية استخدام مصطلح " التخلف"بحد ذاته، ومنتقلاً إلى استعراض إجابات التيارات الفكرية العربية عن تحديد أسباب التخلف الراهن، وفيما كان سؤال النهضة والأخذ بأسبابها حاضراً عند رواد النهضة، فإن السؤال عن سبب التأخر والتخلف أخذ مكانه في الخطاب العربي بعد استقلال البلاد العربية من الاحتلال الأجنبي، لتأتي بعد ذلك نكسة حزيران وانهيار المنظومة الاشتراكية لتحمل العرب على إعادة النظر في أولوياتهم والنظر إلى مجتمعاتهم بعين التفحص بعيداً منظار الأيديولوجيا.ويحاول المؤلف قراءة رؤى أربعة اتجاهات وتحليلها ونقدها في صياغة أزمة المجتمع العربي، متجاوزاً التقسيم الأيديولوجي المستهلك، وهي: الاتجاه الأبوي العربي أو أزمة التربية التسلطية، ويستفيض الباحث في شرح مشروع (هشام شرابي) ممثلاً لهذا الاتجاه، الاتجاه الفكري أو نقد العقل العربي، ويمثل له بمشاريع (عابد الجابري) والردود عليه، ومشروع المعهد العالمي للفكر الإسلامي، والتفسير الاقتصادي أو الماركسيون الجدد ممثلاً بسمير أمين، وأخيراً التحليل السياسي الاجتماعي ممثلاً بـ (برهان غليون)، مبدياً قناعته باقتراب التحليل أو التفسير الأخير من القدرة على قراءة أزمة المجتمع العربي من خلال تركيزه على الإطار التاريخي أحياناً.
ويخصص الكتاب الفصل الثالث لقراءة خطاب "الأيديولوجيا المستعادة" (النهضة) في الفكر العربي المعاصر، مستفيضاً في استعراض المشاريع المطروحة مؤخراً (مشروع استشراف مستقبل الوطن العربي) المتبنى من قبل مركز دراسات الوحدة العربية، ومشروع الجابري، مبدياً ملاحظاته على هذه المشاريع، ومنتقداً التباس مفهوم النهضة في فكر " مشروع النهضة " ذاته. وذلك في سياق استعراض رؤى التيارات الفكرية والسياسية الراهنة لمشروع النهضة الخاص بها. 
فيما يبدو أن أيديولوجيا الإقصاء قد أضحت السمة البارزة في الخطاب الجديد للنهضة، والذي مارسته التيارات جميعها وخاصة ضد التيار الليبرالي، كما يرى ذلك المؤلف، ويرى أن مشاريع النهضة سواء منها القادمة من عصر النهضة وروادها الأوائل أو المشاريع المعاصرة قد حكمت بالصيغة المعروفة لعلاقة السلطة بالثقافة والمثقف، فأضحت محاولة لإضفاء الشرعية على السلطة ومباركتها أكثر من كونها مشروعاً للنهوض بالأمة والمجتمع، مما أفقدها زخمها ومخزونها الجماهيري.
فيما اختتم المؤلف كتابه بدراسة مكانة " العقل" ورتبته في خطاب النهضة وإشكاليتها، حيث تم الرهان على " العقل" بوصفه عصا التغيير وسحره، على الرغم من التباس المفهوم ذاته في خطاب الأيديولوجيات العربية، فالكل يتنازع الحق في امتلاك العقل العربي وتوجيهه وفق رؤاه التي لا تتجاوز حدود الأيديولوجيا المعلنة، وهو الأمر الذي ينسحب على كافة المشاريع التي حاولت تشكيل أو قراءة أو نقد العقل العربي بما فيها مشروع الجابري ذاته، على الرغم من التقدير الواضح للمؤلف له.
لقد تحول الحديث عن النهضة من إشكالية فكرية تشغل بال الغيورين على مستقبل هذه الأمة من مفكرين وسياسيين ومثقفين إلى مجرد مجال حيوي لتجاذب الأيديولوجيات العربية، والاصطراع على حيازة التحديد الدقيق لمفهوم النهضة ووسائل تحقيقها وأساليبه، مما يشير إلى دخول العرب مأزقاً جديداً بعد عديد المآزق التي وقعوا في إسارها، كنماذج الثنائيات المفترضة، وفيما حاول مؤلف الكتاب نقد الأطروحات المتعلقة بإشكالية النهضة والتي رأى اندراجها تحت مسمى الأيديولوجيا وتلبسها بها، فإننا نجده قد وقع هو ذاته في نفس الشرك عندما تبنى الأيديولوجيا الليبرالية على مدار الكتاب، وراح يدافع عن شرعية حقها في الوجود أولاً، ثم عن حقها في تفسير الأزمة المحدقة بالأمة، وبتقديم رؤيتها لماهية النهضة ومقوماتها. 
ومع ذلك، فإن الكتاب قد نجح إلى حد بعيد في تعرية الأيديولوجيات المتنازعة لمفهوم النهضة، وتوضيح مدى إغراق التيارات الفكرية العربية وتشبعها بالأيدولوجيا المزيفة للواقع حتى عندما يتعلق الأمر بمصير الأمة ومستقبلها.
 

 

تاريخ النشر : 25-02-2005

6410 : عدد القراءات


يلفت موقع الملتقى الألكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.


 

 

 

 

 

الصفحة الرئيسية   l   دراسات قرأنية   l   دراسات حديثة   l   الفقه و الأصول   l   العقيدة و الكلام   l   فلسفة التجديد

قضايا التجـديـد   l   إتجاهات الإصلاح   l   التعليم و المناهج   l   التراث السياسي   l   الدين و الدولة   l   الحقوق و الحريات

مفاهيم و مصطلحات   l   الإسلام السياسي    l    الظاهرة الدينية   l   فلسفة الدين   l   فلسفة الأخلاق   l    قضايا فلسفية

المـــرأة و النسوية   l   الإسلام و الغرب    l   عروض و مراجعات   l   إصدارات   l    حوارات و شخصيات   l    مـؤتـمـرات و متابعات

جديد الملتقى   l   سجل الزوار   l    رأيك يهمنا   l   اتصل بنا

   ©2024 Almultaka  جميع الحقوق محفوظة 

Designed by ZoomSite.com