آخر تحديث للموقع

 2022-08-20

 
Facebook Twitter Rss

كتب ومراجعات  .  عروض و مراجعات

إصدارات

  •     

مستقبل الإسلام في ضوء التحديات الراهنة

عبد الرحمن حللي


الكتاب: مستقبل الإسلام (468 ص)
المؤلف: مجموعة من المؤلفين 
الناشر: دار الفكر- دمشق (أكتوبر) 2004
---------------------------------------------
لقد تسارعت في السنوات الأخيرة الأسئلة المطروحة على المسلمين حول مستقبلهم ومستقبل الإسلام في ظل حمَّى عالمية جعلت الجميع معنياً به، وأصبح المسلمون يتساءلون يومياً مع كل خبر أو حدث سياسي محلي أو عالمي عن أثره عليهم، وعلى صعيد أعمق كانت معرفة الإسلام وتوجهاته من خلال حاضره وحضارته هاجس المؤسسات والنخب في الغرب، وفي هذا الإطار كانت استضافة معرض فرانكفورت للكتاب (عام 2004) العالم العربي كضيف شرف لتقديم حضارته العربية والإسلامية، وقد استعدت دار الفكر بدمشق للحدث فحاولت تقديم رؤى متفرقة حول مستقبل الإسلام من خلال مجموعة بحوث استكتبت فيها مجموعة من المفكرين المعنيين بالشأن الإسلامي من زاوية اختصاصاتهم المتنوعة، فجاء كتاب "مستقبل الإسلام" مثرياً للحوار حول موضوع قلَّ من اختص فيه، فلا نجد أحداً من المشاركين في الكتاب ممن اختص في علم المستقبليات الذي لم يدخل في عالمنا العربي كما يجب ولا تعنى به أي من الجامعات والمؤسسات، من هذا المنطلق تأتي أهمية الكتاب وموضوعه إذ يثير لدى النخب سؤال المستقبل الذي ظل غائباً، فكانت محاولات الإجابة في الكتاب تضيء جوانب مما ينبغي الوعي به من أجل مستقبل نطمح إليه، في ظل يأس من مستقبل الحضارة الإسلامية يسيطر على النخب العربية.
فيعتبر أبو يعرب المرزوقي الإيمان بأن للحضارة الإسلامية رسالة كونية مستقبلية فضلاً عن الالتزام بها شرط لقبول أي موقف نقدي منها أياً كان صاحبه، بل يذهب أبعد من ذلك ويرى أن المسلمين البوم أدركوا علل انحطاطهم ونفذوا إلى أعماق الثورة الإسلامية في صلتها بشروط استئناف دورهم الكوني، فاكتشفوا بذلك المنطلق الحقيقي للإصلاح الديني في حضارتنا الذي هو ثمرة دينامية ذاتية للحضارة الإسلامية نفسها، ويرى تجسيد ذلك في تطور علم أصول الفقه وأصول الدين عند السنة، وتطور الجدل حول ولاية الفقيه عند الشيعة، ما سيؤول في نظره إلى انتهاء أسباب بداية الحرب الأهلية وغايتها فتعود إلى الأمة الإسلامية وحدتها المذهبية.
بينما يذهب احميدة النيفر إلى أن التحدي الأخطر للعالم من داخله ومدى قدرته على التعامل مع إرادة مركزة العالم التي تهدد بقطيعة ثقافية، فالعالم الإسلامي يعيش فصاماً في الوعي يتجلى في المواجهة بين مجتمعات "ثقافة الذاكرة" ودعاة "الثورة الثقافية" وينتج عن ذلك تضخم مرضي للذاكرة الخاصة، فالفريقان يعتمدان قراءة ماضوية للمستقبل لكونهما عاجزين عن الاستقلال التاريخي، ولا سبيل لوعي جماعي على آفاق جديدة إذا رأى أحد التوجهات في المجتمع أنه قادر على أن يحل محل المجتمع بأسره، وينتهي إلى أن مستقبل الإسلام مرتبط بما يتحقق للدين من فاعلية ثقافية تتيح للمجتمع ولذاتيته الاستمرار، ويكون ذلك عندما تتقلص الهوة الفاصلة بين الماضي والمستقبل حتى يصبحا شيئاً واحداً وعندما ندرك أن ما نظنه مستقبلاً منجزاً وبعيداً ليس سوى ما نصنعه اليوم معاً.
يؤكد ذلك أحمد الريسوني الذي يعتبر أن مستقبل الإسلام ما هو إلا حصاد للأفعال والتفاعلات التي نصنعها في حاضرنا، ونجاحنا في المستقبل لا يتوقف على فشل غيرنا، فلا جدوى من الحديث عن المؤامرة أو ربط المستقبل بأزمة الحضارة الغربية وعيوبها، بل لابد من محاورة تلك الحضارة واستيعاب إيجابياتها وتبنيها.
بينما يذهب برهان غليون إلى تحليل الموضوع من خلال العلاقة بين الإسلام والحداثة والإجابة على السؤال الجوهري هل الإسلام هو الذي يمنع تقدم المجتمعات الإسلامية وتحديثها أم أن طريقة تحديث تلك المجتمعات هي أعاقت تطور الإسلام وتشوه تجدده؟ ويجيب بان الإسلام لم يبق جامداً طيلة تاريخه بل تعرض لتحولات عميقة سواء في نظمه العقائدية أو ممارساته السياسية والاقتصادية والثقافية، ولا بد لهذه الديناميكية التاريخية من إعادة تأسيس القيم المحررة للإنسان من خلال ممارسة النقد السياسي والأخلاقي والفكري، فبهذا الثمن يمكن أن يحصل المسلمون على هوية يستطيعون بها تعرف آليات الحداثة ومن ثم ممارستها وتطبيقها، فالمشكلة في إفراغ الحداثة من قيمها الإنسانية وتخليها عن الفكر والثقافة، وتقليصها إلى مكتسب تكنولوجي على حساب الحريات الأخلاقية والمدنية والسياسية.
أما حسن حنفي فيلخص التحديات الراهنة التي تواجه مستقبل المسلمين حسب الأولويات في سبعة: "تحرير الأرض الإسلامية من الاحتلال، تحرير المواطن من القهر بأنواعه، العدالة الاجتماعية، الوحدة، التنمية المستقلة، الدفاع عن الهوية ضد التغريب، حشد الجماهير وتجنيد الناس من اجل اخذ مصيرهم بأيديهم"، ويعتبر أول شروط مواجهة التحدي هو الوعي التاريخي وفك حصار الزمن بين الماضي والحاضر والمستقبل، وقبول الرأي الآخر.
ويختصر عبد الوهاب المسيري الشروط الأساسية لتطوير المشروع الحداثي العربي الإسلامي بعناصر منها: إدراك إيجابيات الحداثة الغربية، ورفض تمجيد الذات، وإدراك أثر الإمبريالية، ورفض المؤامرة في تفسير الضعف الداخلي، ويضع منطلقات عامة لذلك.
أما الداعية محمد سعيد رمضان البوطي فيرى أن التحديات التي يواجهها المسلمون اليوم لا تشكل معشار التحديات التي واجهها الإسلام عند البعثة ومن ثم فغن الإسلام مهيا اليوم أكثر من أي وقت مضى لأن يتبوأ سدة القيادة الرشيدة في العالم كله، فرسالة هي هي، تحرير الإنسان والتوجه به إلى خطاب الخالق، ثم يعدد العوامل التي تفتح الطريق أمام مستقبل الإسلام ومنها وضوح الإسلام، وتفكك الغرب وحاجته لبديل، وانتشار الإسلام من خلال الحوار، وأن الإسلام حق وقوته ذاتية وربانية لا يؤثر فيها تقاعس المسلمين، ثم يلخص دور المسلمين في آفاق المستقبل الإسلامي وكذلك دور الغرب المهدد بفساده وماديته.
وحول العالم الإسلامي يذهب حسن نافعة إلى أن الإجماع على ضرورة تغييره لا يقابله إجماع مماثل على شكل التغيير وآليته، ومبادرة الشرق الأوسط الكبير تدل على أن الغرب بات ينظر إلى العالم الإسلامي وكأنه يشكل وحدة قائمة بذاتها وقابلة للتعامل السياسي معها بوصفها كذلك، مما يعني أن مستقبل العالم الإسلامي لم يعد أمراً يخص المسلمين وحدهم بل يخص النظام العالمي والغرب بالخصوص، ويرى أن قدرة العالم الإسلامي على مواجهة التحديات الراهنة تتوقف على نجاحه في حل معضلتي الهوية والديمقراطية من جهة ومعضلة الآليات والمؤسسية من جهة ثانية.
ويذهب عماد الدين خليل إلى أن تفرد قوة غربية واحدة بالسلطان أمر يكاد يكون مستحيلاً على المديات الزمنية الطويلة نسبياً، وأن الثغرة التي يمكن أن ينفذ منها الإسلام المحاصر ستتشكل، أو هي قد تشكلت فعلاً، فينبغي ألا تؤثر الهزيمة النفسية بالعالم الإسلامي وعليه أن ينهض ويستفيد من حالة الثنائيات الغربية المتولدة باستمرار، ويقدم عشر مقترحات عامة للعالم الإسلامي ليواجه التحديات الراهنة، ويؤكد على أهمية التحصين الثقافي مستحضراً التاريخ كشاهد لعلاقة النحن والآخر في الإسلام لما لذلك من صلة هامة بالموضوع. 
أما طلال عتريسي فيبحث في مسؤولية الغرب والمسلمين عن صورة الإسلام اليوم ويخلص إلى أن اعتراف الغرب وهو في موقع القوة بالمسلمين كمحاور وآخر له رؤيته الحضارية الخاصة للعالم والتعامل معهم على هذا الأساس من شأنه أن يضعف التيارات الإسلامية المعادية للغرب ويعزز تيارات الدعوة إلى الانفتاح والحوار، وذلك من أجل غد أكثر أمناً وطمانينة.
وبعد استعراض المشهد العام يخلص لؤي صافي إلى أن مستقبل الإسلام مرتبط بالرؤية الإسلامية والإصلاحية ومدى تقديمها رؤية منفتحة على الإنسان كل الإنسان، والعمل على تجسيدها على أرض الواقع من خلال المؤسسات والمشاريع والنماذج العملية، مما يقتضي تجاوز التيار الإصلاحي النخبوية والشعارات والعمل على تأسيس مجتمعات تحترم كرامة الإنسان ورأيه وجهده.
وتدعو نادية مصطفى في ظل عدم وجود استجابات رسمية وحكومية لمواجهة التحديات التي تواجهها الأمة إلى تكافل مصادر أخرى فردية وأسرية وقوى المجتمع المدني وغيرها في التفاعل من اجل العدالة والحرية والمساواة، على ألا تكون تلك المشركات بديلاً عن التغييرات الجذرية المطلوبة على مختلف الصعد، وتدعو بعد عصر ما بعد الحادي عشر من سبتمبر إلى وضع أسس فقه المقاومة وفقه الحركة، وتضع المنطلقات لذلك. 
أخيراً: نستطيع القول إن الوعي بأهمية التفكير بالمستقبل الذي يدل عليه عنوان الكتاب وسؤاله الجوهري لا يرافقه وعي بآلية التفكير فيه والتخطيط له، فمعظم المقاربات التي تضمنها الكتاب كانت مرتجلة تعيد ما هو معلوم لدى الجميع وما هو مدون منذ عقود، فراهنية الموضوع لا يرافقها راهنية في التفكير المستقبلي ذاك العلم "المستقبليات" الذي نحتاجه في عالمنا العربي والإسلامي حاجة ماسة، ويحسب لدار الفكر إثارتها السؤال وإبانتها العملية للحاجة لهذا العلم.
 

 

تاريخ النشر : 20-03-2005

6361 : عدد القراءات


يلفت موقع الملتقى الألكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.


 

 

 

 

 

الصفحة الرئيسية   l   دراسات قرأنية   l   دراسات حديثة   l   الفقه و الأصول   l   العقيدة و الكلام   l   فلسفة التجديد

قضايا التجـديـد   l   إتجاهات الإصلاح   l   التعليم و المناهج   l   التراث السياسي   l   الدين و الدولة   l   الحقوق و الحريات

مفاهيم و مصطلحات   l   الإسلام السياسي    l    الظاهرة الدينية   l   فلسفة الدين   l   فلسفة الأخلاق   l    قضايا فلسفية

المـــرأة و النسوية   l   الإسلام و الغرب    l   عروض و مراجعات   l   إصدارات   l    حوارات و شخصيات   l    مـؤتـمـرات و متابعات

جديد الملتقى   l   سجل الزوار   l    رأيك يهمنا   l   اتصل بنا

   ©2024 Almultaka  جميع الحقوق محفوظة 

Designed by ZoomSite.com