آخر تحديث للموقع

 2022-08-20

 
Facebook Twitter Rss

كتب ومراجعات  .  عروض و مراجعات

إصدارات

  •     

الصعود الديني: معناه وأبعاده العالمية في الديانات الكبرى والجديدة

عبد الرحمن الحاج


الكتاب: ما الثورة الدينية: الحضارات التقليدية في مواجهة الحداثة.
المؤلف: داريوش شايغان.
الناشر: دار الساقي، لندن/المؤسسة العربية للتحديث الفكري، بيروت.
الطبعة: الأولى 2004م.
----------------------------------------------------------

يحيل تعبير "الثورة الدينية" في الفكر والإسلامي ابتداءً إلى الثورة الإيرانية، كما يحيل في الوقت نفسه إلى منظور الحركات الإسلام السياسي الراديكالية التي أصبحت بعد 11 أيلول 2001م في قلب اللعبة السياسية العالمية، والكتاب في الواقع مرتبط بكلا الحدثين فعلاً، فمن جهة كتبه داريوس شايغان عام 1982م بوحي الثورة الإيرانية 1979م، ومن جهة ثانية نشرته مؤسسة التحديث العربي الناشئة هي ذاتها بوحي نتائج أحداث أيلول، غير أنه (الكتاب) ليس لم يكن معنياً بالثورة الإيرانية إلا بقدر عنايته بمفهوم الثورة الدينية، والطبيعة الإشكالية للفكر الديني في علاقته بالعصر، والبحث في المأزق الفكري الإنساني في إطار العلاقة مع الفكر الديني.
الكتاب يبحث ـ وباستخدام أدوات مفهومية مستمدة من مختلف حقول العلوم الإنسانية ـ في الظواهر الدينية عموماً، ولكنه يركز على الحضارات التقليدية التي لم تشارك في التاريخ الفكري للقرون الخمسة الأخيرة، وهي كل ما يشمله الإطار الجغرافي الآسيوي، ويحاول أن يفهم طبيعة تلك الفجوة الحاصلة بين الفكرين، فكر الحضارات التقليدية، والحضارة الغربية الحديثة، إذ هذا الفهم سيمنحنا فرصة لجبر هذه التصدعات الكبيرة في تاريخ الفكر الإنساني الجريح، وتحويل أي حوار جاد بين سكان المعمورة إلى مجهود مثمر.
انهارت البنى الفكرية الكبرى للحضارات التقليدية مع دخول الحضارات الآسيوية الكبرى ـ ابتداءً من العهد الاستعماري ـ في فلك الغرب فلم تخرج منه أبداً، فالتحول الثقافي الذي حصل في تاريخ البشرية والذي بقي محدوداً بالفضاء الثقافي والجغرافي الغربي ـ الذي غير مركز الإنسان ومراتب الوجود والعلاقة المحايثة للكون بالرؤية الرياضية للعالم، حيث أصبح التاريخ خطياً تقدمياً، وأصبح الله فيها كائناً قديراً لا علاقة مباشرة له بالعالم ـ كان تحولاً جذرياً، باتت تتأسس بموجبه حقيقة الأشياء ببداهة الكوجيتو الديكارتي لا حضور الإله نفسه، كما في الحضارات التقليدية، وهكذا قامت الفلسفة الغربية بتجريد الإنسان من ذاكرته ثم انتهت إلى علمنة كاملة للكون. وأمام هذا التحول النوعي الهائل أصبح الفكر التقليدي خلف التاريخ، ودخلت الحضارات التقليدية مرحلة انتقالية، بين حدث هو في الإعداد ولكنه غير معلن وبصفة صريحة، وبين نظام روحي يهتز ولكنه ما انهار نهائياً، غير أنه لن يتجدد أبداً على شاكلته الأصلية، فهذه الحضارات أصبحت تعيش ما لم يحدث بعد، وما لن يعود أبداً.
هنا تبرز ردود الفعل على الفكر المهيمن والمتجاوز لتاريخ الحضارات التقليدية بشكل ظاهرة جديدة، تبدو وكأنها تكذب توقعات التاريخانية، هي الانفجار المفاجئ للإنسان المتدين الذي اقتحم فجأة التاريخ ساعياً إلى القضاء على كل القيم الحداثيّة التي تراكمت عبر قرون العلمنة الخمسة الأخيرة، وذلك أن نقطة التقارب بين هذين العالمين (التقليدي والغربي) يجب أن تكون أرضية، تستطيع إرضاء متطلبات هذا الجديد، والوفاء بمقتضيات القديم، وعلى هذا الأساس يخرج كلا العالمين من منطقه النقي ليكونا كوكبة فكرية جديدة، تمتلك هذه القدرة الحيوية على الجمع والتوفيق بين الاثنين، لكنها لن تكون توليفياً حقيقياً بين هذين العالمين، بل شكلاً جديداً من الفكر، ليس فلسفياً محضاً ولا دينياً صرفاً، إنه شيء بين الاثنين، يأخذ من الدين طاقته الوجدانية، ومن الفلسفة مظهرها العقلاني، إنه الأيديولوجيا. 
والثورة الدينية ليست إلا نتاج أدلجة المأثور الديني، لقد أفل زمن الدين ـ حسب أطروحة شايغان ـ بوصفه نظاماً سياسياً واجتماعياً، وأصبحت الأيديولوجيات تضطلع في الوقت الحاضر بالوظيفة التي كانت تؤديها المثيولوجيات الدينية في العالم القديم، والأيديولوجيا بما هي وعي مزيف للتاريخ على شكل منظومة أفكار معبرة عن مصالح مجتمعات بشرية ومكسوة بقشرة عقلنة رقيقة لمطالبها، ولهذا فهناك شبه كبير بين الفكر الأسطوري وبين الأيديولوجيا، فهي تتضمن تفسيراً مبسطاً للأشياء يبدو في ظاهره تفسيراً عقلانياً وتاريخياً، ولكنها في حقيقتها فكر خليط بدا الطريقة الوحيدة لاستيعاب الفكر الغربي.
بنية الأيديولوجيا المختزِلة لملكة الروح لا تستطيع بشموليتها المفرطة إلا أن تفضي إلى أن يواجه الإنسانُ الساحرُ (إنسان الحضارات التقليدية حسب وصف شايغان) بصفة متفجرة الإنسانَ الصانعَ (إنسانَ الحضارة الغربية)، والدين بوصفه حاوي كنوز الإنسان الروحية يستطيع المساهمة في الثورة الروحية والفردية للإنسان، ويقدر حتى على إلهام حركات سياسية، ولكنه لا يستطيع ـ وفق شايغان ـ تكوين نظرة جماعية للعالم، وأي محاولة لتحقيق ذلك ستحوله إلى نظام شمولي.
إن المصير التاريخي الذي ينتظر هذه الحضارات التقليدية هو أنها تصير أيديولوجيات لتقاوم حركة التاريخ، وبذلك فإن الأيديولوجيا هي إحدى نتائج العلمنة، لهذا فإن الثورة تضفي على الدين صبغة تاريخية عندما تحوله إلى أيديولوجيا، ليست الثورة هي التي تتأسسلم أو تتدين، بل الدين هو الذي يتأدلج ويتعلمن، فيسقط الدين في العقلانية ويتغرب وفي نيته مواجهة الغرب، ويتعلمن وفي عزمه روحنة العالم، ويتورط في التاريخ كليةً وفي مشروعه إنكار التاريخ وجحده.
ولكن لماذا يتحتم على الثقافات التي بقيت خارج إشعاع التاريخ الغربي ألا يكون لها مخرج سوى الخضوع كلية لقوانين لعبته؟ 
يجيب شايغان بأن الفكر التقليدي لا يمكنه أن يتفعل إلا إذا تلبس شكل مقولات الفكر السائد والمهيمن لمواجهته، ولهذا اكتفى بالتواصل مع الحلقة الأخيرة من تطور الفكر الغربي ولم يدخل في مسراب تجربته التاريخية أو يختبرها.
الديانة التي تنزلق إلى ساحة الأيديولوجيا الحديثة تفجر وتحطم البنى العضوية التي كانت تحفظ الصور الرمزية للفكر التقليدي، والأدلجة ليست سوى مكابرة على انتهاء زمن الدين باعتباره نظاماً سياسياً وإن كان لا يزال بإمكانه المساهمة في إثراء الحياة الروحية للإنسان، ولكن لا يمكن أن يدَّعي القدرة على توجيه الحياة الاجتماعية، على العكس مما يحصل في الفكر الغربي، ذلك أن المأزق الآن مأزق كوني، مأزق الغرب مثلما هو مأزق الحضارات التقليدية، إنه ((الوقوف بين مطرقة التاريخ الأرضي وسندان الآلهة))، هكذا يبدو لشايغان المأزق الكوني، الذي يرى أن بوارق حلوله تتأتى من مدخلين: 
أولاهما: الفصل بين السياقين الثقافيين الغربي والشرقي الآسيوي، وتفكيك الخلط والتداخل المشوه بينهما، عبر عزل مفهوم الدين وفصله عن الأيديولوجيا.
وثانيهما: الرحلة المتبادلة بين الحضارتين، ومعايشة تاريخ تجربتهما، فكل قفزة إلى الأمام تتطلب سقوطاً مسبقاً في التاريخ، كشرطٍ لتجاوزه، وتجربة هذا السقوط هو شرط ضروري لكل نهوض.
هذه خلاصة أطروحة الكتاب، وعلى الرغم من أن المؤلف ينتقد رؤية التاريخ التقدمي النمطية الحداثية، غير أنه لا يلبث أن يسقط في براثن رؤية ميتافيزيقة للتاريخ، حيث التاريخ المتأخر هو إسقاط ضروري للتاريخ المتقدم وتجاوز له، وليس ممكناً أن يكون نكوصاً عنه، وعبر هذه الرؤية للتاريخ (الذي ينتهي فعلياً إلى تاريخ تقدمي خطي) يقدم أطروحته في الثورة الدينية، بعيداً عن تأثيرات فكر ما بعد الحداثة الذي يعد تشتت التاريخ وتناثره إلى تواريخ في صلب أطروحته. وربما لو عاد شايغان صياغة فكرة اليوم فقد يغيِّر كثيراً من نظريته.
 

 

تاريخ النشر : 19-04-2005

6143 : عدد القراءات


يلفت موقع الملتقى الألكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.


 

 

 

 

 

الصفحة الرئيسية   l   دراسات قرأنية   l   دراسات حديثة   l   الفقه و الأصول   l   العقيدة و الكلام   l   فلسفة التجديد

قضايا التجـديـد   l   إتجاهات الإصلاح   l   التعليم و المناهج   l   التراث السياسي   l   الدين و الدولة   l   الحقوق و الحريات

مفاهيم و مصطلحات   l   الإسلام السياسي    l    الظاهرة الدينية   l   فلسفة الدين   l   فلسفة الأخلاق   l    قضايا فلسفية

المـــرأة و النسوية   l   الإسلام و الغرب    l   عروض و مراجعات   l   إصدارات   l    حوارات و شخصيات   l    مـؤتـمـرات و متابعات

جديد الملتقى   l   سجل الزوار   l    رأيك يهمنا   l   اتصل بنا

   ©2024 Almultaka  جميع الحقوق محفوظة 

Designed by ZoomSite.com