آخر تحديث للموقع

 2022-08-20

 
Facebook Twitter Rss

النص والتراث  .  دراسات قرآنية

دراسات حديثية    |    الفقه و الأصول    |    العقيدة و الكلام

  •     

الاتفاق والافتراق بين الإصلاح الإسلامي والبروتستانتي

رضوان جودت زيادة


حرّضت المقارنة بين الإصلاحين البروتستانتي والإسلامي في أواخر القرن التاسع مع الأفغاني ومحمد عبده الكثير من الكتابات والرؤى التي تبحث في نقاط الاتفاق والافتراق بينهما ، ويبدو أن دراسة محمد الحداد عن خطاب الإصلاح الديني عند محمد عبده تطمح إلى تحقيق الكثير من ذلك ، ليؤكد الحداد أن اختياره لمحمد عبده كله لسببين : الأول أنه يمثل ذروة التجديد في الخطاب الديني ، مما يساعد في إظهار التعارض الهيكلي بين البنيات التقليدية لهذا الخطاب والرؤية الجديدة للعالم التي تميز الحداثة ، الثاني : أنه علم مشهور ، فمن خلاله يمكن تحليل آليات فكر جمعي لا مواقف منعزلة لكاتب لا يمثل إلا نفسه .
ثم ينطلق الحداد في قراءته لمحمد عبده على أساس التمييز بين مرحلتين من إنتاج عبده الفكري يفصل بينهما تاريخ عودته إلى بيروت بعد توقف صفيحة العروة الوثقى عام 1885 ، وقد أطلق تسمية " مؤلفات الشباب " على آثار المرحلة الأولى مؤكداً في الوقت نفسه أن ذلك لا يعني أن هذه الآثار تعتبر متجاوزة لحساب فكر أكثر نضجاً ظهر في رسالة التوحيد وتفسير القرآن ، وإنما اعتمد في تقسيمه ذاك ، الذي يساير تقسيم ألتو سير في قراءته المتجددة لماركس ، تحريضاً للمقارنة بين المجموعتين ، فالأولى تمثل النواة الصلبة للخطاب المدروس ، وهي إن بدت أكثر انغلاقاً عند القراءة إلا أنها قطعاً أكثر ثراءً عند التحليل .
ولا يكتفي الحداد بالقراءة التاريخية لخطاب عبده ، إذ يدمج الأدوات اللسانية والنقدية الحديثة في قراءة هذا الخطاب اعتماداً على مقولة بول ريكور القائلة " الكتابة تجعل النص مستقلاً عن مقصد صاحبه . فمعنى النص ( المكتوب ) لا يطابق تماماً ما أراد الكاتب قوله . إن المعنى المنطوق ، أي المعنى النصي ، والمعنى الذهني ، أي المعنى السيكولوجي ، يتوجهان نحو مصيرين مختلفين ".
وعى ضوء ذلك يحاول الباحث أن يدخل في مقارنة تاريخية شيّقة ومثمرة بين مساري الإصلاحين الإسلامي والبروتستانتي الذي اعتبر بمثابة رهان عبده أو الأفغاني للإصلاح الإسلامي كي يثمر نهضة كالنهضة التي عاشتها أوروبا في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر .
فكلمة " إصلاح " ومشتقاتها استعملت منذ القديم كما يرى المؤلف ، إلا أن استعمالها لم يتجاوز في الغالب المستوى اللغوي ، ولم تصبح مقولة مركزية إلا مع الحركة التي بعثها جمال الدين الأفغاني ومحمد عبده ، حتى أن عبارة " الإصلاح الديني " أصبحت تستعمل في الغالب للإشارة إلى هذه الحركة بالذات ومن هذا المنظور ، يمكن الحديث عن تحول دلالي في وضع الكلمة ، لأنها انتقلت من حقل الإحالة اللغوية العامة إلى حقل الإحالة التاريخية المعيّنة .
لكن الأفغاني وعبده قد أقحما مرجعية جديدة منفتحة على تجربة حصلت خارج الفضاء الإسلامي . فالأول دعا إلى تأسيس حركة في الإسلام تضطلع بما اضطلعت به الحركة البروتستانتية في التاريخ المسيحي . وتبريراً لهذا الاقتباس من تجربة أجنبية عمد الأفغاني وعبده إلى أسلوب متواتر في الخطاب الإسلامي الحديث يتمثّل في ربط تجربة " الآخر " بماضي " الأنا " ، فالإصلاح الديني المسيحي اعتبر اقتباساً عن الإسلام ، بل الإسلام أكثر تأهّلاً له ، كما يقول عبده ، لأن أصوله محفوظة مصانة . بيد أن معرفة الرجلين بتجربة الإصلاح الديني المسيحي كانت مستمدة أساساً من كتاب فرانسوا غيزو تاريخ الحضارة في أوروبا ، كما نقله إلى العربية سنة 1877 الأديب حنين نعمة الله خوري بعنوان التحفة الأدبية في تاريخ الممالك الأوروبية .
ويتابع الحداد في مقارنته بين تجربتي الإصلاحين ، إذ يرى أن تقديم الانفعال على التفكير هو قطعاً من أهم السمات المشتركة بين التجربتين ، إذ لا يتجه النظر الديني صوب تشييد منظومة لاهوتية ، بقدر ما يعمل على تقديم مبادئ مبسّطة للإيمان ، في أسلوب حيّ وبلغة موجّهة إلى العموم .
أما الفارق بين التجربتين فيرتبط بمصير الخطاب ولا بحدوسه الدافعة . فالإصلاح المسيحي تطور في مناخ ملائم، أما التجربة التي قادها الأفغاني وعبده فقد ظلت معزولة ثم أُفرغت من محتوياتها الجريئة ولم تستمر منها إلا الجوانب المحافظة .
فالبروتستانتية كانت قد فتحت طريق الحضارة الحديثة بما أنها أسهمت في غرس الفردانية الدينية التي اتسعت بعد ذلك لتشمل كل ميادين الحياة . لكن هذا الدور لم يكن مقصوداً بل لعله كان مذموماً بالنظر إلى المقاصد الأصلية . فقد نشأ العالم الحديث مستقلاً عن البروتستانتية بل ربما نشأ بالرغم عنها ، إلا أن البروتستانتية أعانت على ولادته عبر خصخصة الدين . وهنا المفارقة ، فالخطاب الذي كان يطمح إلى تجديد المثل الثقافية التي قامت عليها الكنيسة وإلى تثبيتها قد أسهم بالرغم عنه في تشييد مثل جديدة .
أما الخطاب الإصلاحي لدى عبده فإنه رفض التقليد ، لكن دعوته إلى الاجتهاد كانت شكلاً من أشكال الاكتفاء الذي على الخطاب الديني في الإسلام ، لكن هذا الخطاب ذو البنية التقليدية لم يستطع أن يتطور بالقدر الذي رغبه عبده ، إذ من الصحيح أن خطاب عبده أضعف روح الأرثوذكسية ومثلها وثقافتها ، إلا أن عبده جرعها مقادير كبيرة ، أو بالأحرى فتح على مصراعيه باب التواصل بينها وبين الثقافة الحديثة فجعلها كالغريق يتجرع ماء البحر غصباً عنه . لقد سمح بدخول أفكار جديدة ليس باليسير على العقل اللاهوتي إدراجها في نسقه لأنها ترتبط بأنساق فكرية لا تقل قوة وصلابة ، إنها أفكار حضارات غازية وشعوب متسلطة فلا يمكن استيعابها بدون عواقب . وهكذا شهدت الحضارات الإسلامية أزمة دينية موضعاً جديداً لم يسبق لها مثيل ، لأن القضية لم تعد تتعلق بما ينبغي رفضه وما يمكن قبوله ، بل بالآليات التي كانت تمكّن من تحقيق التوازن بين العالم الذهني والعالم الخارجي ومن المحافظة على النسق مع الاقتباس من الآخر . لقد باتت هذه الآليات عديمة الجدوى .
وهكذا ينتهي الحداد إلى القول باختلاف النهايات بين مساري الإصلاح الإسلامي والبروتستانتي بحسب الظروف التاريخية والسياسية والاجتماعية التي خضع لها كلٌ منها وبحسب البنية النصية والخطاب المنشأ في كلٍ منهما ، مما يعمق الدراسات التاريخية المقارنة والتي من شأنها أن تكشف لنا سبب عودة الأصولية بعد قرنٍ كامل من صعود الإصلاح
-------------------------------------------------
محمد عبده : قراءة جديدة في خطاب الإصلاح الديني 
المؤلف: محمد الحداد
الناشر: بيروت- دار الطليعة،2004 
 



تاريخ النشر : 22-04-2005

6392 : عدد القراءات


يلفت موقع الملتقى الألكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.


 

 

 

 

 

الصفحة الرئيسية   l   دراسات قرأنية   l   دراسات حديثة   l   الفقه و الأصول   l   العقيدة و الكلام   l   فلسفة التجديد

قضايا التجـديـد   l   إتجاهات الإصلاح   l   التعليم و المناهج   l   التراث السياسي   l   الدين و الدولة   l   الحقوق و الحريات

مفاهيم و مصطلحات   l   الإسلام السياسي    l    الظاهرة الدينية   l   فلسفة الدين   l   فلسفة الأخلاق   l    قضايا فلسفية

المـــرأة و النسوية   l   الإسلام و الغرب    l   عروض و مراجعات   l   إصدارات   l    حوارات و شخصيات   l    مـؤتـمـرات و متابعات

جديد الملتقى   l   سجل الزوار   l    رأيك يهمنا   l   اتصل بنا

   ©2024 Almultaka  جميع الحقوق محفوظة 

Designed by ZoomSite.com