آخر تحديث للموقع

 2022-08-20

 
Facebook Twitter Rss

كتب ومراجعات  .  عروض و مراجعات

إصدارات

  •     

حرية الاعتقاد في القرآن الكريم وفق منهج التفسير الموضوعي

سامر رشواني


الحديث عن الحرية حديث مهم وشائك في وقت واحد، مهم لأنه يمس موضوعاً هو المحرك الأساسي للأفراد والشعوب، وشائك لان كل كلام في الحرية هو كلام في السياسة والدولة وفي الوقت نفسه هو كلام في الدين ولئن كانت الحرية الفكرية هي أهم صور الحرية، فإن حرية الاعتقاد والحرية الدينية هي أهم جوانب الحرية الفكرية، وأشدها حساسية.
وإذا كانت المشكلة الفكرية هي المحور الأهم في التحدي الحضاري الذي يواجه المسلمين فإن تحديد موقف الإسلام من الحرية الفكرية وحرية الاعتقاد بالذات هو المنطلق والأساس لمواجهة هذا الجانب من التحدي، لا سيما في عصر تتجه فيه الشعارات الدولية الي رفع رايات السلام، بينما الواقع يثبت العكس، إذ انه لا تكاد تخلو بقعة في العالم من موجات من الصراع بين الفينة والأخرى، تتراوح التحليلات في تحديد أسبابها بين دوافع سياسية أو اجتماعية أو اقتصادية، إذ كان المسلمون طرفاً في هذا الصراع اتهموا بأن التعصب الديني هو السبب .
وعلي رغم تكاثر الدراسات الحديثة التي قاربت هذه القضية من جوانب ومنظورات فلسفية وحقوقية وسياسية مختلفة فضلاً عن المنظور الديني الإسلامي، إلا أنها في ما يخص هذا المنظور الأخير لا تزال فقيرة سواء علي مستوي العمق أو الوضوح او الشمول والاتساق المنهجي.
ويأتي هذا البحث الأكاديمي ليتناول قضية الحرية الاعتقادية ضمن نسق محدد هو القرآن الكريم، ووفق منهج تفسيري تطور وشاع حديثاً هو التفسير الموضوعي موظفاً في سبيله كل العدة المفاهيمية والقوانين العلمية المتعلقة بأصول التفسير وقواعد اصول الفقه واللغة والبلاغة ومقاصد الشريعة.
ينطلق الكاتب في بحثه من تمييز جوهري بين مصطلحين في حقل الحرية، حرية الاعتقاد والحرية الدينية. فحرية الاعتقاد هي حق كل إنسان في اعتناق التصور الذي يراه تجاه الإنسان والكون والحياة، والإعلان عن هذا التصور، وتختلف عن الحرية الدينية باختصاصها بما هو فكر لذلك فإن حرية الاعتقاد لا تشمل أكثر من الإعلان فليس من متعلقاتها الدعوة وممارسة النشاطات التي تترتب علي الاعتقاد إذ تدخل هذه الأمور في الحرية الدينية.
ويخلص الباحث بعد استقراء دقيق وتحليل مفصل لكثير من النصوص القرآنية المرتبطة بقضية الاعتقاد والإيمان والفكر ارتباطاً مباشراً أو غير مباشر الي نتيجة تؤكد رعاية القرآن الكريم لحرية الاعتقاد رعاية تامة، وذلك بناء علي أن الآيات التي جاءت في هذا السياق - من مثل لا إكراه في الدين - آيات مُحكمة غير قابلة للنسخ أو التخصيص او التقييد فهي من أصول الإسلام ومقاصده الجوهرية، ونسب ما جاء عن المفسرين من آراء تنقض هذا المبدأ إلي ارتباطها بخلفيات فقهية وكلامية لا من دراسة مفصلة لكتاب الله.
فباستقصاء وظائف الرسل مثلاً في القرآن يظهر أنهم لم يكلفوا ولا قاموا بما يمت الي الإكراه في الدين بصلة، بل علي العكس نفي القرآن عن الرسل هذه المهمة واستنكر أي تفكير بها، ويتأكد ذلك بالآيات الكثيرة التي تدعو إلي التفكر ونبذ التقليد والحوار وإبداء الرأي وبيان منهج الحوار الذي تجلت اسمي قواعده بالتزام إتباع الحقيقة وإن كانت الشرك نفسه قل إن كان للرحمن ولد فأنا أول العابدين فهذه دعوة تعتبر اعترافاً بحق الآخر في التفكير والتعبير أياً كان رأيه.
ثم يخصص الكاتب ما تبقي من كتابه لتحليل ومناقشة عدد من القضايا المشكلة التي ترتبط بقضية حرية الاعتقاد، وتشكل مثاراً كبيراً للجدل والنقاش بين الباحثين والدارسين، من مثل قضية الردة وحكم قتل المرتد، والجهاد وعلله، والجزية المفروضة علي أهل الكتاب.
وانتهي الي عدم تعارض المنظور القرآني المتعلق بهذه القضايا مع منظوره في ضمان حرية الاعتقاد، إذ لا يتفق القول بترتيب عقوبة دنيوية علي المرتد لمجرد تغييره عقيدته مع المقاصد القرآنية وآياته المُحكمة، لاسيما وأن هناك نصوصاً قد تحدثت عن المرتدين ومحاولتهم تشكيك المؤمنين وزعزعتهم ولكنها مع ذلك لم ترتب عقوبة دنيوية عليهم.
وكذا القتال فإنه إنما يقوم علي علل واضحة تتمثل في منع الظلم والفتنة - والفتنة هنا هي الإكراه والاضطهاد الديني - وان يكون الدين لله، وكون الدين لله معناه تفرد الله، سبحانه وتعالي، بحساب الناس عليه وذلك ضمان حرية الاعتقاد لجميع الناس.
أما الاستشكال الذي يطرحه موضوع الجزية فقد تبين ان القيود الواردة في الآية (عن يد وهم صاغرون) والتي كانت مثار الاستشكال فيها، إنما ترتبط بالجزية التي تحدثت عنها الآية، وهي الجبرية التي تعقب القتال، والتي يلزم بها المعتدون المحاربون بعد رد ظلمهم ومهما كان تفسير القيدين فإنه لا يثير إشكالاً باعتباره يتعلق بالمحاربين، وبهذا تختلف عن الجزية التي تنشأ في حال سلم، والتي تقوم علي اتفاق بين الأطراف، فيمكن ان يقوم حلف بين المسلمين وغيرهم من دون جزية كما هو الشأن في دستور المدينة وصلح الحديبية .
نجحت الدراسة في تقديم صورة لموقف القرآن من حرية الاعتقاد، ولا نزال بحاجة إلي دراسات أكثر شمولاً.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الكتاب: حرية الاعتقاد في القرآن الكريم
الكاتب: عبد الرحمن حللي
الناشر: المركز الثقافي العربي - بيروت 2001 


تاريخ النشر : 21-07-2005

6194 : عدد القراءات


يلفت موقع الملتقى الألكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.


 

 

 

 

 

الصفحة الرئيسية   l   دراسات قرأنية   l   دراسات حديثة   l   الفقه و الأصول   l   العقيدة و الكلام   l   فلسفة التجديد

قضايا التجـديـد   l   إتجاهات الإصلاح   l   التعليم و المناهج   l   التراث السياسي   l   الدين و الدولة   l   الحقوق و الحريات

مفاهيم و مصطلحات   l   الإسلام السياسي    l    الظاهرة الدينية   l   فلسفة الدين   l   فلسفة الأخلاق   l    قضايا فلسفية

المـــرأة و النسوية   l   الإسلام و الغرب    l   عروض و مراجعات   l   إصدارات   l    حوارات و شخصيات   l    مـؤتـمـرات و متابعات

جديد الملتقى   l   سجل الزوار   l    رأيك يهمنا   l   اتصل بنا

   ©2024 Almultaka  جميع الحقوق محفوظة 

Designed by ZoomSite.com