الكتاب: سؤال التجديد في الخطاب الإسلامي المعاصر
ـ المؤلف: رضوان جودت زيادة
ـ الناشر: المدار الإسلامي ـ بيروت
ـ الطبعة: الأولى 2004م.
يقدم كتاب "سؤال التجديد في الخطاب الإسلامي" رؤية للخطاب الإسلامي المعاصر كما في نصه وتعبيراته، بهدف طرح سؤال التجديد وصياغته وبلورته على نحو يتفق مع أهمية هذا المطلب وإلحاحه، ومحاولة الوصول إلى نظرية رؤيوية للتجديد تكون أشبه بالسنام المعرفي تساعد على التواصل مع العالم
تجديد الفكر الإسلامي: الأزمنة المتداخلة والمتعاقبة
ربما يكون أمين الخولي أول من طرح مفهوم التجديد في الدين بمعنى الإصلاح والتغيير، وذلك في عام 1933 في مجلة الرسالة المصرية، وقبله استخدم السيوطي مصطلح التجديد بمعنى الاجتهاد.
وارتبط المصطلح أيضا بمعنى الإحياء، كما في كتاب المفكر الهندي وحيد الدين خان "تجديد علوم الدين" وقبله الكتاب الشهير "إحياء علوم الدين" لأبي حامد الغزالي.
وحفلت الحياة الفكرية في القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين بالرد على المستشرقين حول إمكانية التجديد في الدين وملاءمته لكل زمان ومكان، وربما يكون كتاب عبد المتعال الصعيدي "المجددون في الإسلام" وكتاب محمد إقبال "تجديد الفكر الديني في الإسلام" من أهم ما يعبر عن هذه المرحلة.
وفي سياق العمل على إصلاح الواقع العربي والإسلامي المأزوم قامت محاولات لإعادة النظر في التركيبة الفكرية والاجتماعية والسياسية لهذا الواقع، ونشأت جماعات ومؤسسات وبرامج تتمحور حول الفكرة إياها، التجديد.
الخطاب الإسلامي المعاصر
يعرض المؤلف مجموعة من الرؤى والاجتهادات في مجال التجديد، محمد عابد الجابري ونظام القيم في الثقافة العربية والإسلامية، وسيد قطب وكتابه معالم في الطريق، ومحمد أركون في نقد العقل الإسلامي، ولؤي صافي في تجديد الخطاب بإعمال العقل، وعبد المجيد الصغير في المعرفة والسلطة وإشكالية التأسيس الأصولي، وعبد الجواد ياسين في نقد العقل افقهي السلفي، وطه عبد الرحمن في فلسفة الدين أو خطاب القول الإنشائي، هشام جعيط في إشكالية العلاقة بين الإسلام والحداثة، ونصر حامد أبو زيد في تأويل التراث في التوظيف الأيدولوجي، وأبو يعرب المرزوقي في النهضة المستحيلة، قراءة المستقبل بعيون الماضي.
الإسلام والحداثة السياسية
مر الفكر الإسلامي بمراحل عدة تبعا لموقفه من الغرب، ففي بداية الاتصال العربي الإسلامي – الغربي شهد الفكر الإسلامي حالات من الانكفاء على الذات والمراجعة، وهو الفكر الذي سمي الإصلاحي، ومن رواده رفاعة الطهطاوي، وجمال الدين الأفغاني، ومحمد عبده، ويمر هذا المسار بعدد كبير ينتهي بسيد قطب (العدالة الاجتماعية في الإسلامي) ومصطفى السباعي (اشتراكية الإسلامي).
ومع بداية الاستقلال ونشوء الدول الوطنية نشأ فكر آخر يؤسس لفكر الدولة الإسلامية، بدءا بمقولات "الحاكمية"، أو "الحل الإسلامي" أو "الصحوة الإسلامية" وموجة الأسلمة، الأدب الإسلامي، والمسرح الإسلامي، والإعلام، وتبدو هذه المرحلة في نهايتها اليوم، وهي متجهة إلى فكر المصالحة الذي يدور في فلك الشورى والديمقراطية وحقوق الإنسان.
لقد شكل الإسلاميون منذ ظهورهم وزنا جماهيريا يصعب تجاهله أو اعتباره هامشيا لا قيمة لوجوده ولا أهمية لوزنه، وامتلك خطابهم قدرة هائلة على الحشد والتجييش وجمع الأنصار، مما استدعى دراسة هذا الخطاب وتحليله ومقارنة معطياته بالمفاهيم السياسية الحديثة كالديمقراطية والمجتمع المدني وحقوق الإنسان.
يعتبر هيثم مناع (الأصوليات الإسلامية وحقوق الإنسان) أن الأصوليات الإسلامية جميعها استمدت مرجعيتها من أبو الأعلى المودودي، إذ يمثل الأب الروحي لهذه الحركات، وبناء على ذلك فإنه يستحضر المودودي دائما في قراءته لعلاقة الإسلاميين مع حقوق الإنسان، فالإخوان المسلمون وعلى رأسهم الخطاب المتمايز لسيد قطب يجد جذورا له لدى المودودي.
وتقوم الأيدولوجية المودودية كما يسميها على قاعدتين أساسيتين، الأولى اعتبار الثوابت الفطرية للإنسان، فالإنسان مخلوق ولخلقه حكم إلهية، لذلك فهو بطبعه مفطور على التبعية، وأما القاعدة الثانية فهي الألوهية، إذ إن الإنسان من منطلق العجز والتبعية يحتاج إلى من يعرفه على نفسه ومصلحته، وبناء على ذلك يبني المودودي تصوره عن الدولة الإسلامية التي تنحصر في أربع نقاط، الأولى: اعتبار الدولة الإسلامية دولة فكرية، كل إنسان فيها يقبل بالإسلام، والثانية أنها دولة توتاليتارية، والثالثة أنها دولة تقوم على الحاكمة لله والخلافة للإنسان الذي يتمتع بحاكمية مقيدة تحت سلطة الله القاهرة، والرابعة هي الشمولية المودودية كما يسميها مناع، وتعني ربط السلطات الثلاث بالحاكم، ورهن السلطة القضائية بالاعتقاد، وإلغاء حق الدفاع ومهنة المحاماة، لذلك يعتبر أن دولة المودودي المنشودة لا تقدم أية ضمانات على صعيد الحريات والحقوق السياسية والمدنية والثقافية، كما وتعتبر القسر وسيلة تربوية رادعة وتؤمم الحقيقة، وهي إضافة إلى ذلك تلبس طبيعتها التوتاليتارية ثوب القدسية والإسلام.
وأما الباقر العفيف في كتابه "حقوق الإنسان في فكر الإسلاميين" فيصنف الإسلاميين إلى فئات متعددة بناء على موقفها من حقوق الإنسان، فهناك المنهج الإخفائي، ويمثله المودودي، والترابي، ومحمد عمارة، فهؤلاء يؤمنون بالسيادة المطلقة للمبادئ الإسلامية حسبما جرى شرحها وتقعيدها بواسطة الفقهاء الكلاسيكيين على جميع المبادئ الأرضية الأخرى، والمنهج الاعتذاري، ويمثله محمد أحمد سعيد، يوافق الإخفائيين، لكنهم لا يتفادون القضايا التي تثير الجدل، بل يواجهون الأسئلة المحرجة ويحاولون الإجابة عليها، كحق المرء في تغيير دينه، وحق المسلمة في الزواج من غير المسلم، وتفسير تعدد الزوجات، والمنهج الثالث هو الدفاعي الذي لا يبدو أصوليا، لكنه يستخدم هذا المنهج في دراساته عن الإسلام، والمنهج الرابع هو الصريح، ويعبر عنه سلطان حسين طبندة الذي يطابق طرحه مع موقف الفقه التقليدي في قضية الردة وتعدد الزوجات وغيرها من حيث كونها أمورا لا يجب الخروج عليها، ولذلك يرى أن النقاش مع أصحاب هذه المنهج أيسر وأنفع من النقاش مع الآخرين، والمنهج المراوغ يعيش أتباعه أزمة نفسية شائكة لم يجدوا معها وسيلة تبقيهم طافين على السطح سوى المراوغة.
إن دراسة الخطاب الإسلامي وعلاقته بحقوق الإنسان بحاجة إلى توسيع لشريحة النصوص أكبر مما تقوم به النخب الأكاديمية العلمانية، وحيادية في التناول تمنع من التصنيف المبسط المتبع.
الحركة الإسلامية والمصالحة مع الديمقراطية
تبدو لدى عدد من المفكرين العرب والغربيين ثمة قطيعة بين الإسلام والديمقراطية وأنهما لا يمكن أن يلتقيا، وتبدو لدى آخرين شقيقة الشورى الإسلامية، وتنبع الاثنتان (الشورى والديمقراطية) من مشكاة واحدة.
وفي كتابهما "الإسلام والديمقراطية" يحاول جون اسبوزيتو وجون فولي قراءة الحركات الإسلامية في ضوء علاقاتها الاجتماعية والسياسية، وضمن بيئتها وظرفها الاقتصادي مجتنبا قدر الإمكان إطلاق تعميمات خرافية كتلك التي تحاول أن تنفي الدين عن طريق رفض تطبيقه.
يرى اسبوزيتو أن الحركات الإسلامية تتميز بكونها عناصر فاعلة تبادر إلى الفعل بدلا من أن تستجيب بردود أفعالها إلى مبادرات الآخرين، وهي تمثل ظهور بديل اجتماعي سياسي جدير بالثقة، كما أنها تعكس الطموحات المزدوجة للكوادر الحائزة على التعليم الحديث في المجتمعات الإسلامية، فهي من جهة تطمح إلى المشاركة في العمليات السياسية، وتريد من جهة أخرى أن تتوضح السمة الإسلامية المميزة لمجتمعاتها، وبناء على ذلك فلا يكفي النظر إلى الحركات الإسلامية ببساطة باعتبارها حركات رفضية أو معارضة ثورية، بل من المهم أن نرى كيف تعمل كأجزاء من نظام متنافر داخليا، وما هي النتائج التي تتبع وصولها إلى السلطة.
ويدرس اسبوزيتو نماذج متعددة للحركات الإسلامية ليتابع مدى قدرتها على التكيف الديمقراطي في مجتمعاتها، فيبدأ من إيران التي يرى أن الأبعاد التشاركية السياسية للجمهورية الإسلامية لا تمثل ما يمكن أن نسميه الديمقراطية، بل إن ممارسات النظام الإسلامي في العديد من المجالات لا تتفق مع تأكيداته الخاصة على الحرية والحقوق الدستورية، لكن الجمهورية الإسلامية في إيران تمكنت من تحقيق قدر أدنى من حق المشاركة السياسية، وحق التعبير عن الرأي، إضافة إلى ذلك فإن التجربة الإيرانية لا تقدم إجابات محددة على الأسئلة المتصلة بالعلاقة بين الإسلام والديمقراطية، لكنها تظهر إلى أي حد أصبحت قضايا الإجماع والمشاركة الشعبية جزءا من الأفق السياسي، وكيف تم توظيفها من قبل كل من الحكومة والمعارضة، وتظهر التجربة أيضا إمكانية تعريف الديمقراطية بطرق متخالفة، فتؤكد بالنسبة إلى بعضهم إمكانية إنشاء ديمقراطية إسلامية.
وتقدم السودان مثالا هاما على صعود الأحزاب الإسلامية إلى السلطة بالانتخابات، وعدم مبادرتها إلى إنهاء التعددية. لا يقوم الصراع في السودان بين الإسلام والديمقراطية، إذ طالما شارك الإسلاميون في السياسات الديمقراطية في السودان، وعرفوا نظامهم السياسي المرغوب بواسطة مصطلحات ديمقراطية، لكن الصراع يقع بين الخيارات المختلفة لتعريف وتحديد العلاقة بين الإسلام والديمقراطية في المحيط السوداني، فبعد فشل الطائفية وضياع فرص العلمانية يبدو الخيار الباقي في السودان هو في نظام غير طائفي متطابق مع الإسلام ويشارك فيه غير المسلمين والعلمانيون، وقد حققت الجبهة الإسلامية القومية بالفعل تقدما في تغيير الطابع الطائفي لسياسات التشارك، لكنها لم تنجح في إدماج العلمانيين وغير المسلمين.
وفي باكستان التي أسست على أساس الإسلام، ونص دستورها على أنها دولة إسلامية ديمقراطية تنفي تجربتها السياسية الصفة الاستبدادية عن الحركات الإسلامية، بل إنها اندمجت في العملية السياسية.
وفي ماليزيا كشفت الأحزاب الإسلامية عن رغبتها واستعدادها في المشاركة السياسية ضمن النظام القائم، وفي أكثر أوقاتها تشددا وفي مواجهتها مع الحكومة لجأت إلى صناديق الاقتراع لتحقيق أهدافها السياسية.
وفي الجزائر أثبتت جبهة الإنقاذ الإسلامية في أثناء نشاطها السلمي أنها مهتمة بالحكم المحلي وإجراء التحسينات والقضايا الرمزية كاللباس والكحول والقمار بدلا من الاهتمام بالتغييرات الجذرية في الدولة والمجتمع والاقتصاد، ولم تكن ضد الديمقراطية أبدا، بل أثبتت التزامها المستمر بالإجراءات الديمقراطية، ولذلك فإن اسبوزيتو يدعو إلى ضرورة النظر إلى موقف إسلاميي الجزائر تجاه الديمقراطية ضمن سياق أوسع من ردود الأفعال تجاه الغرب والاعتماد على المؤسسات الغربية، وهو يرد الكرة إلى ملعب الحكومة الجزائرية التي ألغت الانتخابات وأنهت الديمقراطية وانقلبت عليها، فاستقرار الدولة لم يكن مهددا كما يرى جون انتليس وإنما استقرار النظام العسكري الذي كان على طريق الزوال.
إن التجربة الجزائرية طرحت سؤالا مهما حول طبيعة النخب العلمانية وجديتها في تطبيق الديمقراطية والتزامها بها، وقد أكدت أنها تريد ديمقراطية تؤمن مصالحها فقط.
وفي مصر أثبتت الحركة الإسلامية على قدرتها على التعامل مع الديمقراطية إذا سمح لها بذلك.
فسؤال الديمقراطية متوجه بالأساس إلى أنظمة الحكم، فبقدر ما تلتزم هذه الأنظمة بعملية تحول ديمقراطية تكون الاستجابة لها من قبل أغلب الأطراف السياسية ومنها الحركة الإسلامية، فالشكوك تحيط بجدية الحكومات والأنظمة السياسية الحاكمة وتبنيها للديمقراطية أكثر مما تحيط بالحركات الإسلامية.
يلفت موقع الملتقى الألكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.