آخر تحديث للموقع

 2022-08-20

 
Facebook Twitter Rss

كتب ومراجعات  .  عروض و مراجعات

إصدارات

  •     

الإسلاميون وديمقراطية تركيا

أيمن حاج أسد


من الواضح أنّ تيار الإسلام السياسي يتمتع على المستوى الإقليمي بثقل سياسي مؤثر مقارنة بالقوى السياسية الأخرى في دول المنطقة، مهما اختلفت درجات التسامح والتضييق على هذا التيار، وهو ما يستحق قدراً من التأمل والدراسة للتعامل مع هذه الظاهرة، خاصة وأنها تعبر عن تطلعات قطاعات واسعة من شعوب هذه المنطقة من العالم، كما أنها تفرض على التيار الإسلامي العديد من الاستحقاقات، خاصة في مجال تطوير أطروحاته وأساليبه في العمل السياسي، وربما يكون النموذج التركي المعتدل والذي يمثله حزب "العدالة والتنمية" نموذجاً هاماً في هذا المجال، خاصة وأنه اكتسب العديد من الخبرات العملية على مدى السنتين الأخيرتين في نطاق التعامل مع قواعد العمل السياسي، واستفاد من خبرات إسلامية أخرى.
هناك عدة فرضيات لتفسير تزايد الإقبال على الأحزاب الإسلامية في العالمين العربي والإسلامي في الظرف الراهن، والمتميز بحدة الأزمة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية التي يعرفها هذا الإقليم الممتد من الرباط إلى كابول، وأهم هذه الفرضيات حسب دراسة لعبد الله تركماني (ورقة المقدمة إلى ندوة "الإسلام والديمقراطية: أسئلة العلاقة وآفاقها" التي عقدت في تونس ديسمبر/كانون الأول 2004) هي محاولة اجتماعية ـ سياسية لتفسير تطلعات قطاعات عريضة من الرأي العام العربي والإسلامي: إذ بات من الواضح أنه يعيش "فوبيا" الهوية، أي ذلك الخوف الكبير وحتى المَرَضِي على الهوية والانتماء، وجزء من هذا الخوف مفهوم بالنظر إلى التحولات العالمية التي حملتها موجة التغيّرات العالمية التي جاءت مع العولمة معززة بالتطور الهائل في وسائل الإعلام وتكنولوجيا الاتصال، والتي أصبحت تسوق نمطا يكاد يكون وحيدا في الثقافة والقيم وأنماط العيش والسلوك ومن هنا، يجب أن تكون تجربة وصول الإسلاميين إلى الحكم في تركيا بمثابة تجربة مفيدة ومثمرة بالنسبة لبعض الدول العربية، بل يجب على قادة التيارات الإسلامية، وأيضا التيارات القومية واليسارية والليبرالية، متابعة هذه التجربة التركية التي حدثت في بلد علماني، لكي تمنحهم دروسا وعبرا تساعدهم في عملهم السياسي المستقبلي؛ إذ أنّ هذه التجربة توضح أهمية طرح مقترحات واقعية وعملية تتناسب مع العصر الذي نعيش فيه وتداول مصطلحاته وعدم القفز فوق واقعه، وعدم التخفي وراء الشعارات الواسعة والطنانة كأسلمة المجتمع وطرح صيغة الدولة الإسلامية، والمطالبة بالرجوع إلى دولة الخلافة .
وبخصوص الإسلاميون في تركيا يذهب "إدريس بووانو" في كتابه "إسلاميو تركيا ..العثمانيون الجدد"، (مؤسسة الرسالة ناشرون2005) إلى أن انخراط السياسة ذات المرجعية الإسلامية داخل المعترك السياسي التركي ساهم في تحقيق الانسياب الهادئ للتيار الإسلامي ومشاركته الطبيعية في الحياة السياسية، وانطلاقاً من هدفه المشروع فله الحق أن تكون لديه وجهات نظر تجاه مجموعة من القضايا التي تعتمل داخل الساحة التركية، من ذلك وجهة نظره في مفهوم العلمانية، إذ ترى هذه التجربة السياسية سواء القديمة أو الجديدة أن هذا المفهوم الذي صاغه كمال أتاتورك ولا تزال فئة من العلمانيين تتبناه ينبغي أن يطاله قدر من التغيير، فالعلمانية ـ حسب فئة من العلمانيين ـ تعني فصل الدين عن الدولة وإخضاع الدين ومؤسساته لسلطة الدولة، بينما تحاول النخبة الإسلامية المؤطرة في التجربة السياسية أن تبتعد بالدين وتنأى به عن أن يكون تحت سيطرة الدولة وتكفل له استقلالا معيناً، وهذا ما يحقق تحولاً في مفهوم العلمانية داخل تركيا من علمانية ديكتاتورة وقسرية يخضع فيها الدين لسلطان الدولة إلى علمانية حقيقية تكفل مزاولة الدين والحريات الدينية للجميع.
وتؤكد فئة من العلمانيين أن وجود جزء كبير من التيار الإسلامي وجهوده لتغيير مفهوم العلمانية، وتوسيع هامش الحريات الدينية قد أثرى الحقل السياسي والحياة السياسية التركية، كما مكن من جعل الديمقراطية التركية ديمقراطية ليبرالية حقاً تسمح بالتباين والاختلاف في إطار تعددي حر ونزيه. وإن الاستيعاب المتبادل بين الطرفين ـ العلماني والإسلامي ـ أثمر اعترافا متبادلاً خلق في النهاية تعايشاً للطرفين داخل الساحة التركية، كما خلق قدراً من التفاهم على ركوب سفينة الديمقراطية ومحاولة الوصول بها إلى بر الأمان بشراكة متبادلة في قيادة دفتها. فثمة مساحات مشتركة للعمل بين التيارين، وثمة مساحات اختلاف، سوف لن يكون في وسع أحد إلغاء الآخر، لكن في وسع كل طرف أن يتنازل عن قدر معين للآخر، وبإمكان الطرفين أن يشتغلا معا في المساحة المشتركة. 
إن تجربة الإسلاميين في تركيا فريدة ونوعية في العالم الإسلامي من نواح عدة، أهمها إيمانها منذ وقت مبكر بأهمية المدخل السياسي السلمي والديمقراطي في عملية التغيير والإصلاح، فهي مارست السياسة في البرلمان والحكومة وفق نظام ديمقراطي، وآمنت بشروطه كلها، وعملت في الهامش الضيق المسموح لها به، وبالرغم من ذلك فانتظام هذا التيار ضمن شروط اللعبة الديمقراطية أتاح له التعبير عن طروحاته علناً وبطريقة سلمية، وهكذا تكون الديمقراطية التي كانت وسيلة لاستيعاب التيار الإسلامي والتقليل من "أخطاره" و"أصوليته" هي نفسها حملت هذا التيار ممثلاً بحزب "الرفاه" في التجربة السابقة وحزب "العدالة والتنمية" في التجربة الحالية إلى السلطة في تركيا الجمهورية العلمانية.
مكنت تجربة الإسلاميين أو تجربة التيار الإسلامي في شقها السياسي الذي مثلته الأحزاب وتعاملها داخل الساحة السياسية وفق مقتضيات النظام الديمقراطي من التعرف عن قرب على الواقع الاجتماعي والاقتصادي والسياسي بكل تحدياته، ومكنها ذلك أيضاً من التعرف عن قرب على الواقع الاجتماعي والاقتصادي السياسي بكل تحدياته، والأهم أنه قربها أكثر للتعرف على خصمها (العلمانيون الأتاتوركيون) دون وساطة وتشنج، فأكسبها كل ذلك حركية وفاعلية ومزيداً من التفهم والعقلنة. 
ولعل المتتبع للساحة الديمقراطية التركية يدرك تماماً أن هناك قدراً معتبراً من التطور والنجاح قد شهدتهما الساحة الديمقراطية التركية أدى إلى احتواء إحدى الإشكالات الكبرى بالمعنى الثقافي والسياسي داخل قيم وقواعد الديمقراطية والتعددية الحزبية، واعتقد أن جزءاً من هذا الأمر قد يحصل في ظل التجربة الديمقراطية العربية شرط أن يقوما الطرفان أو أطراف المعادلة بمراجعة حقيقية لمواقفها ولخطابها ولأدوات اشتغالها في ظل مناخ ديمقراطي صحي وسليم. ففي ظل هذا المناخ لا خوف يمكن أن يحصل من أي قوة سياسية كيفما كانت مرجعيتها وأيديولوجيتها، فالدستور الذي وفر أجواء وجودها ووجود غيرها من القوى السياسية هو نفسه قادر أن يوفر القيود الكفيلة بمنعها ومنع غيرها إذا رأى فيها تهديداً لهذا المناخ الديمقراطي، بالأساليب والأدوات الديمقراطية ذاتها.




تاريخ النشر : 01-01-2006

6141 : عدد القراءات


يلفت موقع الملتقى الألكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.


 

 

 

 

 

الصفحة الرئيسية   l   دراسات قرأنية   l   دراسات حديثة   l   الفقه و الأصول   l   العقيدة و الكلام   l   فلسفة التجديد

قضايا التجـديـد   l   إتجاهات الإصلاح   l   التعليم و المناهج   l   التراث السياسي   l   الدين و الدولة   l   الحقوق و الحريات

مفاهيم و مصطلحات   l   الإسلام السياسي    l    الظاهرة الدينية   l   فلسفة الدين   l   فلسفة الأخلاق   l    قضايا فلسفية

المـــرأة و النسوية   l   الإسلام و الغرب    l   عروض و مراجعات   l   إصدارات   l    حوارات و شخصيات   l    مـؤتـمـرات و متابعات

جديد الملتقى   l   سجل الزوار   l    رأيك يهمنا   l   اتصل بنا

   ©2024 Almultaka  جميع الحقوق محفوظة 

Designed by ZoomSite.com