آخر تحديث للموقع

 2022-08-20

 
Facebook Twitter Rss

كتب ومراجعات  .  عروض و مراجعات

إصدارات

  •     

الإصطلاح المعماري في "معجم عمارة الشعوب الإسلامية"

علي ثويني


صدر مؤخراً عن بيت الحكمة في بغداد (معجم عمارة الشعوب الإسلامية) بحلة منمقة تتسع لألف صفحة ونيف من القطع المتوسط. وجاء هذا السفر يملئ فراغا في الإصطلاح المعماري، وسعيا الى جمع المعلومة المعمارية المستقاة من التراث والحداثة على حد سواء أو إسقاط أحدهما على الأخر . وجاء المعجم يشتمل على الإصطلاح والمعلومات والأعلام للفنون المعمارية ،بحيث يشكل مسعا جديدا للتدوين بهذا الشأن. ويعاني التدوين بالعمارة والفنون في كنف الثقافة العربية شحه وإهمال ، بالرغم من أن عوالمها تذخر بطاقات بحثية كفوئة ،قادرة على إخراج دوائر معارف وموسوعات.بيد أن ذلك التقصير يثير في النفوس ريبة من مآرب مسيري تلك الثقافة .
ولا يمكن اعتبار العمل المعجمي مستجدا على الثقافة العربية الإسلامية ولا ثقافات الشرق القديم، فلتلك الحضارات ريادة وحضور مشهود في هذا الضرب من النتاج الفكري. وللمعاجم رائدية رافدية من ضمن نتاج الحضارات المثقفة على أرضه، التي تبنت منذئذ مبدأ(مشاعية الثقافة mass culture) التي توجت بالعربية الإسلامية كآخر حضارة مثقفة قبل الأزمنة الحديثة. لقد ورد أقدم نشاط معجمي في التاريخ إلى نحو عام 2800 قبل الميلاد، وقد كان ذلك على شكل قوائم تضم العلامات التصويرية مجمعة على أساس شكلها أو معناها. وكانت تلك القوائم مخصصة لمساعدة الكتبة في معرفة المجموعة الضخمة من العلامات التصويرية التي كان عددها في ذلك الحين يصل إلى أكثر من ألفي علامة (1 ). 
أخذت تلك العلامات تبتعد عن الأصل ويستعصي بعضها على الإدراك، ومع تعقد حاجات المجتمع العراقي القديم في نطاق المعبد ومن ثم في نطاق القصر، بعدما أصبحا مشروعين اقتصاديين كبيرين، تطورت الكتابة باغتنائها بمفردات جديدة ومرادفات ومقتبسات ومشتركات لفظية وغدت السيطرة عليها مركباً صعباً، الأمر الذي تطلب مزيداً من المجهود المعجمي الذي نضج في ظل الغلبة الأكادية في النصف الثاني من الألف الثالث قبل الميلاد. ونشأ عنه قيام نوع من المدارس للكتبة تعلم الأكادية مع السومرية وتضم مجموعات من النصوص في اللغتين تحفظ في خزائن خاصة(مكتبات) تعرف DUB (أي بيت الرُقُم).
وعلى الرغم من زوال السومرية كلغة كلام بقيت العلامات السومرية مستخدمة لكتابة اللغة الأكادية نفسها. والمقطع السومري أخذ يُلفظ بالأكادية، فالعلامة التي تدل على الملك تُقرأ Lugal)) في السومرية ولكن الأكادي أو البابلي يلفُظها (en أو Shar) (2 ). ونتجت حاجة لوضع إثبات بما يقابل المقاطع أو المفردات السومرية من المفردات الأكادية. وتعدد الأثبْات بتعدد الدواوين وانتشار اللغة الأكادية في المناطق المحيطة بالرافدين، حتى قبل فتوح سرجون الأكادي وإنشائه امبراطوريته الواسعة في النصف الثاني من الألف الثالث قبل الميلاد.
وكانت هذه المعاجم تضم أحياناً آلاف السطور. وهي بمثابة موسوعة تضم أكثر من عشرين رقيماً كبيراً. ومفرداتها تشمل تقريباً كل العالم المعروف آنئذٍ. فثمة قوائم بأسماء الحيوانات والنباتات من أهلية وبرية وأنواع الشجر والخشب والقصب والفخار والأواني الفخارية والجلد والأشياء الجلدية والمعادن وأجزاء الجسم الإنساني والنجوم والأرباب (3 ) .
وثمة معاجم لغوية فقط، ومعاجم بلغتين أو بعدة لغات، ومجموعات حكم وأمثال. ويذكر أن في وثائق مكتبة أشور بانيبال الشهيرة في مدينة نينوى مايدل على أن علماء النبات الآشوريين قد صنفوا النبات تصنيفاً علمياً. وفي العمارة والمدن والجغرافية ،نجد مدونات عراقية مطولة بأسماء البلدان والمدن والأنهار في العراق وفي الأقطار المجاورة وفيها إضافات بأسماء المعابد وتفسير أسماء بعض الأقاليم والمدن وبعض الإصطلاحات الفنية مدونة بالسومرية و البابلية والآشورية. وقد وجد ذلك في تل حرمل وفي مكتبة آشور بانيبال التي أحتوت على ثلاثين ألف رقم طيني(4 ). 
وفي الحضارة العراقية الأخيرة التي بناها الإسلام كان النشاط المعجميُّ أحد المرتكزات الأساسية لمشاعية الثقافة.و نشأت تلك الحركة كرد فعل في تفادي أخطاء المعربين الجدد ،وانطلق بها أهلُ العربية والناطقون الجدد بها ، وأنكبوا يعملون في وضع الضوابط لها، خشية من تفشّي اللّحن فيها، فجمعوا مفرداتها وتعابيرها من ألسنة البدو، وجمعوا الشعر من رُواته، وأنشأوا علوم النحو والصرف والبلاغة والعروض ومصطلح الحديث والقراءات والتفسير. وقد ورد إصطلاح عجم وأعجمي ومنها معجم للدلالة على من لايتقن العربية الحجازية،بالرغم من أن المعنى إلصق لاحقا بالفرس قصرا. وقد شملت كلمة أعاجم في بدايات الفتوح الإسلامية كل من الفرس والنبط (الآراميين سكان العراق والشام) والمصريين والبربر وبقية شعوب البلدان المفتوحة.
وهكذا ظهرت بوادر الدراسات المعجمية في البصرة أولا على يد رعيل أثرى العربية وأخرجها من إطارها الديني المقتصر،الى فضاء رحب من ضروب التوظيف الإبداعي. فسار عملهم اللّغويُّ المعجميُّ في مراحل عدّة، منها جمع المفردات النوعية في موضوع واحد، مثل كتب الأصمعي في النّخل والخيْل، ومنها وضع المعجم على نمط خاصٌّ في الترتيب ليرجع إليه من أراد البحث عن الكلمات ومعانيها. ويسود الاعتقاد لدى الباحثين أن الخليل بن أحمد الفراهيدي (ت 175 هـ791م) كان أوّل من وضع معجمًا لغويًا عربيًا سمّاه (كتاب العيْن) فأرْسَى بذلك منهج التأليف المعجمّي. ثم قام بعده من وضعوا المعاجم المتنوعة، منها معجم (الحروف) لأبي عمرو الشيباني (ت 206 هـ821م) ومعجم (الألفاظ) لابن السكِّيت (ت 244 هـ858م) و(الجمهرة) لابن دريد (ت 321 هـ933م) و(البارع) لأبي علي القالي (ت 356 هـ966م) و(تهذيب اللغة) للأزهري (ت 370 هـ980م) و(مقاييس اللّغة) و(المُجمل) لابن فارس (ت 395 هـ1004م) و(الصّحاح) للجوهريُّ (ت 400 هـ1009م) و(المُحكم) و(المخصّص) لابن سيده (ت 458 هـ1065م) و(لسان العرب) لابن منظور (ت 711 هـ1311م) و(القاموس المحيط) للفيروز آبادي (ت 817 هـ1414م) و(تاج العروس) لمحب الدين المرتضى الزّبيدي (ت 1205 هـ1790م). ولايفوتنا هنا أن من نتذكر كتب الموضوعات وأقربها الى التنظيم كان معجم البلدان لياقوت الحموي( 573- 625 هـ 1178-1228م). وعادة مايذكر أن إسامه إبن منقذ الشامي قد ألف معجما شعريا محددا (المنازل والديار) ويعتبر سابقة وريادة عالمية للثقافة، و حضى بإعتراف الجميع(5 ).
وتوسع الإنتاج المعجمي وتعددت مذاهبه حتى ظهرت ثلاث مدارس هي:
• مدرسة الخليل التي التي اضطلعت بترتيب المواد على الحروف حسب مخارجها وتقسيم المعجم إلى كتب، وتفريع الكتب إلى أبواب بحسب الأبنية، وحشد الكلمات في الأبواب، وقَلْبُ الكلمة إلى مختلف الصيغ التي تأتي منها. 
• مدرسة أبي عُبيد القاسم بن سلام، وقواعدها بناء المعجم على المعاني والموضوعات، وذلك بعقد أبواب وفصول للمسميات التي تتشابه في المعنى أو تتقارب، وكانت طريقة أبي عبيد من أولى المراحل التي بدأ فيها التأليف اللغوي، ولكن بدأ كتبًا صغيرة، كل كتاب يؤلّف في موضوع، مثل كتاب الخيل، وكتاب اللبن، وكتاب العسل، وكتاب الحشرات،....الخ. 
• مدرسة الجوهري و تنتسب إلى الإمام الجوهري الذي ابتكر منهجا قرّب اللغة إلى الباحثين. ومئات المعاجم والكتب اللغوية مرتبة ترتيب الجوهري مما يدل على عِظم مدرسته. ونظام هذه المدرسة ترتيب المواد على حروف المعجم باعتبار آخر الكلمة بدلا من أولها، ثم النظر إلى ترتيب حروف الهجاء عند ترتيب الفصول، والأول سماه بابا، والثاني فصلا، فكلمة "بسط" يُبحث عنها في باب الطاء لأنها آخر حرف فيها، وتقع في فصل الباء لأنها مبدوءة بها.
ويُشكل المصطلح الإسلامي عموما أحد الرموز الثقافية المهمة الدالة على خصوصية تلك الأمة، و أحد المكونات الأساسية لهويتها الحضارية. بل أن بعض الباحثين يعتبر المصطلح جزءاً من النظرية السياسية في الإسلام، وجرى التعامل مع المصطلح الإسلامي بطريقيتن متناقضين، هما التفريط، والإفراط. البعض يتخلى عن المصطلح الإسلامي ويميل إلى المصطلحات الأجنبية بحجة الحداثة والعصرنة والسير في طريق الغرب أو التغريب والانبهار، وهناك من يتجمد عند الموروث من الاصطلاحات الإسلامية بلا تمييز بين ما هو من الثوابت وما هو من المتغيرات القابلة للمرونة والتطور، وبلا استعداد للأخذ بما يصح الأخذ به من المصطلحات المعاصرة. وإذا كان الموقف الأول ينتصر للتغريب الثقافي ويرفض الأصالة والخصوصية، فان الموقف الثاني يتجاهل التطور المستمر في حركة الحياة، وبهذا يحمل كلا الموقفين في داخله بذور الخطأ والبُعد عن الصواب.فما هو المصطلح؟ وهل يوجد مصطلح إسلامي؟.
المصطلح هو اللفظ الذي يضعه أهل عرف أو اختصاص معين ليدل على معنى معين يتبادر إلى الذهن عند إطلاق ذلك اللفظ ويغلب هذا في الأمور الفكرية والفنية والسياسية والاقتصادية والدينية والقانونية.و أن قيمة الكلمة تتمثل في عطائها الفكري وفي تجسيدها للمعنى الذي يراد التعبير عنه بها، ولا تحمل أية قيمة ذاتية، والكلمات تفقد رصيدها الفكري وتذبل وقد تموت كما يموت كثير من الناس، وقد تحيا بعض الكلمات أو المصطلحات فتبعث إلى الحياة من جديد .
والمصطلحات الحديثة كثيراً ما شوّهت حقائق التاريخ وأصول المفاهيم ونتاجات المجتمع الفكرية والفنية، وحُمّلت شحنات لنسق الحقائق أو تزييفها.والإسلام على العموم مستهدف من أعدائه ، ولعل أخطر شيء يواجه الثقافة الإسلامية حاليا، التشويه والطمس لملكاتها (الإصطلاحية) ،كي يعلن قطيعة وفجوة وجفوة بين المنسبين والمنشغلين بنفس الثقافة ،بعد أن تشتت اصطلاحاتهم ،وأفتقد الحوار والتواصل بينهم سلاسة مرجوة،بما يهدد وحدتهم في الصميم. وثمة مغالطة بإرجاع الاصطلاح لأصول يونانية أو لاتينية قصرا،كي يضفوا قطيعة مع واقع التاريخ المحلي للشرق القديم، الذي أستمد منظوماته الاصطلاحية من استرسال جهود آلاف السنين من النتاج الفكري المحلي لأهله،التي أمست ذات طابع عالمي. وفي ذلك شجون تدعوا إلى العجب العجاب،وتحتاج إلى مجهود بحثي منزه وحيادي ومنهجي،وغير تابع لتوجهات مسبقة إستشراقية أو إستغرابية مثلا. 
وهنا ننوه إلى مغالطة ما سوغ بأن حضارة الغرب سمتها عقلانية. والعقلانية بكل فحواها وتشعابتها ليست مقتصرة على الحضارة الغربية فحسب، وقد سبق الإسلام إليها من خلال منظومات شتى. ويمكن تلمس الأمر بوضوح عند تتبع تاريخ الكنيسة التي ناقضت سمو العقـل، وهو ما لم يحدث إسلاميا.و حينما نذكر كلمة "علم" مثلا ، تنصرف الأذهان إلى دلالاتها وإيحاءاتها المعروفة في الثقافة الغربية، حيث أنها تعني عادة تلك المباحث المعرفية التي تعتمد على الملاحظة والتجربة والاستقراء وصولا إلى نظريات وقوانين عامة تفسر الظواهر التي يدرسها الباحثون سواء كانت ظواهر طبيعية و تشمل علوم الفيزياء والفلك والكيمياء والأحياء وغيرها، أو ظواهر اجتماعية وتشمل العلوم الإنسانية، علم النفس، وعلم الاجتماع، والاقتصاد... الخ..إن الاقتصار على هذا المعنى لكلمة العلم في ثقافتنا العربية والإسلامية يؤدي إلى كثير من اللبس والغموض،بما يستوجب الوقوف على فقه هذا المصطلح في إطار البيئة التي نشأ فيها والثقافة التي احتضنته. فالأصل في معنى العلم عند المسلمين هو الإدراك الصحيح لحقائق الأشياء وعلى كل ما هو نشاط إنساني عقلي أو عملي ، وهو معنى مطلق يفيد الشمول والتعميم ولا يقيد بتخصص معين، حينما يستخدم بشكل منظم (منهجي) في محاولة تفسير وفهم موضوع ما. فيقال علم التفسير، أو علم اللغة، أو علم التاريخ أو علم الفلك أو الهندسة،و غير ذلك من المباحث العلمية. أما تصنيف هذه المباحث المعرفية إلى نقلية وعقلية، أو دينية وطبيعية أو إنسانية وكونية، أو غير ذلك فهو تصنيف يعتمد على موضوعات العلم أو مصادره، أو الطرائق (المناهج) المتَّبعة في تحصيله بحسب تناسبها وقرب بعضها من بعض. و نجد في هذا السياق مثلا مفهوم (الأدب) الذي يقترن بالتأدب والأخلاق،على عكس المفهوم الغربي الذي يصطلح عليه (الحروفية literature) المجرد من أغراض المكارم،ولا يشترط إصلاح الذات والمجتمع في ماهية الإنتاج الفكري البشري.
وعم إنتاج المعاجم و الموسوعات و دوائر المعارف اليوم في كل الثقافات بإستثناء العربية (لغة الإسلام)، التي تأن من الفاقة التدوينية عموما و في الفنون والعمارة خصوصا. وما محاولتنا المعجمية هذه إلا دلو متواضع لاينافس بقية المحاولات بل يثريها ،وتبقى الغاية منه ملئ بعض الفراغ الذي تعاني منه الحالة التدوينية في تلك الثقافة ،حينما تفوقت عليها بعض الثقافات التي لا يحسب لها حساب وقلة المنتمين لها، مثل دويلة إسرائيل التي بدأت من كلمة (شلومو) ولغة (الأيديش) السلافية، لتشرع في عملية إحياء واسعة للغة شبه ميته أقحمتها على ثلاثة أجيال من شتات البشر وثقافات وعقليات عدة . لقد نفخت في هؤلاء القادمين من كل الأصقاع روح التوحد واغدقتهم بالعز والكرامة، ثم تسنى لتلك الجموع أن تنتج ثقافة راقية و تنشر في مجال العمارة والفنون وحدها، ما يعادل كل ما قدرت عليه الأقطار العربية مجتمعة .وهكذا فأن اللغة تبقى رهينة بأهلها وجهدهم المبذول وليس بمعزل عن قيمة الإنسان وإكرامه وقيمه المعنوية،التي تبقى الجوهر في كل الخطط و البناءات .
وثمة حقيقة بأن العمارة هي أقرب شجون الثقافة والفنون الى هواجس الإنسان و سكناته وحركاته، فهي المدينة والزقاق والدار والعمل .وإن وسمت العمارة بأنها فن فهي الضرب المفيد من الفن، وليس العابر والكمالي ،بل هي الضروري و يعتبر الفقه بها من مقتضيات تلك الضرورة،وتدوين المصطلح والمعلومة من أهم آلياته. 
كل ما نقصده نأيا عن العصبية للعربية تجريدا، وتميزا عن "أهل السياسة" ومآربهم، حينما تاجروا بكل شئ من الثقافة حتى مقدرات شعوبهم وأضاعوا فيها الكرامة والبحبوحة والأرض وتشبثوا بالرمز والبطانة وتمترسوا بالقصور والحمايات. لكني محب للعربية بسبب أزليتها التي توجت بالقرآن الكريم وأثرت بالتراث الإسلامي .لقد حملت تلك اللغة عبق تقادم الدهور وتجربة البشر الذي أضفى عليها ثراء فوق ثراء ،ووهبها كم من الغنى التعبيري والرمزي ،وجعلها بالنتيجة فضاءا رحبا يجد المرء فيه ضالته التعبيرية.
لقد ساهمت كل الحضارات والشعوب من مشارق الأرض ومغاربها قبل وبعد الإسلام في سمو(اللغة الإسلامية) . و تلاقحت خلالها كل التجارب المادية للبشر لتسموا بما استوعبته من الغنى الروحي القادم من حجاز الجزيرة وأنطلق به إلى أفاق أبعد ،وأصبحت لتلك اللغة القدرة على الاختراق والمكوث في كل ثقافات الدنيا حتى في اسكندنافيا القاصية التي احتوت لغات أهلها على مفردات عربية، الأمر الذي جعل السويدي أنكمار كارلسون يقول في كتابه (الإسلام وأوربا) : أن العربية اخترقت كل الثقافات وجدير أن نلهج بصددها :(الأرض تتكلم العربية). وقد سبقه الى ذلك "شيخ مؤرخي العلم" (جورج سارتون) في كتابه (تاريخ العلم والإنسانية الجديدة) يقول فيها ما يلي: (منذ منتصف القرن الثامن وحتى أواخر القرن الحادي عشر كانت الشعوب التي تتكلم العربية تتقدم موكب الإنسانية وبفضلهم لم تكن العربية لغة القرآن المقدسة وحسب بل أصبحت لغة العلم العالمية وحاملة لواء التقدم البشري. وكما أن اقصر طريق يسلكه شرقي الآن الى المعرفة أن يلم بلغة من لغات الغرب الرئيسية ،كذلك كانت العربية خلال تلك القرون الأربعة مفتاح وأن شئت فقل "المفتاح الوحيد" الى الثقافة التي ملكت ناصية الفكر) (6 ). ويشير (لي إميرسون بوير) الى أهمية إختراع الصفر والأرقاكم بالعربية بانه فتح كبير حيث يقول: (إنه بدون الأرقام لم يكن لنا أبدًا أن نحلم بكثير من الفنون، ولكانت الرياضيات لا تزال في مهدها).
وبهذا السياق التراتبي للفكر نقر بان ليس العربية كلمات وأصوات منقولة عن غابر الأزمان فحسب،بل هي روح تؤثر على "العقلية" ومنهجية التفكير ، لما ترسمه من ملامح نظاميه ومنطقية وجمالية،ودلالات رمزية(سميولوجيه) ترتبط وتنمي الخيال .وقد بحث في تلك التأثيرات الفرنسي (بياجيت (Piagetبما يدعى (علم النفس التطوري Developmental psychologey (الذي أضطلع بإعطاء الصفة الإبداعية موقعها المتميز في (علم النفس المعاصرPsycholingustcs) . وقد فصلت فيها العوامل من وراء ما يصدر من كلام إلى: 
1. المرشح العاطفي الاجتماعي Socioaffective filter.
2. المنظم العقلي Cognative organizer
3. المراقب a monitor
4. الشخصية
5. التجربة الماضية والتراكم التاريخي .
وينتبه إلى تلك التأثيرات الفرنسي أندريه باكار ،منوها الى أن الاسترسال بتلك التأثيرات يمكن تشبيهه بالمنحى الفني للإسلام وتحاشي التصوير والتصريح التمثيلي في الفنون بما جعل ذلك جسرا عبرت عليه الأفكار إلى حالة من التأمل، ويضيف بهذا الصدد(وهو دليل يماثل تماما تلك الفلسفة التي أتاحت للعرب اختراع علم الجبر) (7 ) . ومن الجدير ذكره بهذا الصدد أن بعض العلماء الغربيين يتبنون اليوم فكرة إعادة تجربة تلقين اللغة العربية لبعض الطلاب النابغين في بلدانهم،والغرض من ورائه إيجاد آليات معاصرة لإنتاج جيل جديد من (اللوغارتمات) وهو علم ظهر في بغداد على يد الخوارزمي في عشرينيات القرن التاسع الميلادي ،اعتقادا منهم أن لتلك اللغة من منطق تكويني يجعل العارف بها قادر على تقمص لحظة الإلهام التي أبدعت الجيل الأول من ذلك العلم.
وكم يحز في النفس اليوم وجود ذلك الكم من المعاجم عن الحضارة والفنون والعمارة الإسلامية في اللغات العالمية دون أن يكون للغة الإسلام نصيب فيها.ويجدر أن نقر بأن تطوير ذلك الجانب المعرفي يحتاج إلى صدق في النوايا وحسن للتوجه والتوجيه. وأذ نرتئي إنضاج ذلك المصطلح وتلك المعلومة ليحل محل الإنكليزية أو الفرنسية أو غيرها لتصب في تأهيل تواصل الفرقاء في الثقافات الإسلامية. ونرصد هنا السقم الذي يعتري تلك الثقافات بالمقارنة مع ما يتعلق بدفق الكلمات والمعاني ودقة المصطلح وكم وعمق جذوره في العربية ،كون العربية و ببساطة لغة معاني وحسيات ورمزية وشعر منذ نشأتها. ونأمل أن يكون لنا هيئة عليا متخصصة غير مسيسة، تتسع على نطاق العالم العربي والإسلامي وتنشغل في تطوير ذلك وتكرسه في الدراسات الأكاديمية.
وإذ اكتفيت في هذه المرحلة( بالمعلومات والأعلام) حصرا ، لندرة طرقها في معاجم العمارة السابقة . ويمكن أن تجمع تلك المعلومات البربري في بلاد المغرب مع الكردي في جباله أو الماليزي في جزره أو السويحيلي في شطآنه،و.يمكنها أن تكون معاضدة لعولمة روحية وثقافية على عكس اللغات الاستعمارية التي أقل ماقامت به هو تفريق المغرب عن المشرق العربيين دون مبرر ،بعد أن تقمص القوم التبعية للفرنسية أو الإنكليزية.
ولا نغالي إذا قلنا أن جل اللغات الإسلامية تحتوي في ثناياها على نسبة ما يقارب 50-80% من المفردات العربية. و لدينا منها لغات تمثل ثقافات واسعة الانتشار كالإسبانية التي ترد كلمة عربية من كل خمسة كلمات فيها أي 20% ، ويشمل ذلك التأثير في العمق تجمعات اللغات الفارسية والتركية والهندية والأفريقية والبلقانية . ونجدها مثلا في لغات وسط آسيا القازانية والتترية والقرمية والكاراسية والأذرية والداغستانية والجركسية والقرغيزية والجغتائية والتكية والأوزبكية والكشغيرية.
أما في اللغات الهندية فنجدها في الهندستانية والأوردية والدكنية والكشميرية والسندهية والجادكية والملقية ولسان الجاوأو البيجون. وفي اللغات الفارسية نجدها بالفارسية الحديثة و الأفغانية أو البنبتوية(البشتون) والكردية بلهجاتها البادنانية والسورانية والفيلية وكذلك في البلوشية. أما في اللغات الأفريقية فنجدها في البربرية بلهجاتها الشلحية والقبائلية(الصغرى والكبرى) وكذلك النوبية والحوسية (الهاوسا) والسواحلية (خليط بين الباذبو الافريقية والعربية تشكل 70% منها)وكذلك في الملكاشية. و انتشرت العربية واثرت في اللغات واللهجات الإندونيسية ، التي تشكل ثقل ثقافي عالمي كبير ،. وأثرت العربية في لغات أهل البلقان بمجموعها السلافية واللاتينية واليونانية والألبانية. وهكذا يشكل هذا الرصيد ذخرا لتطوير حالة موحدة لمصطلح عمارة المسلمين، يمكن أن يكون وسيلة للتواصل والتقارب بين أصقاعهم . وفي قراءة قمنا بها لمراجعة المصطلحات العمارية التي وردت في العمارة التيمورية (نهايات القرن الرابع عشر وأواسط القرن الخامس عشر الميلادي) التي تكرست في آسيا الوسطى وأفغانستان وفارس والهند ،والتي تعتبر من أكثر الطرز العمارية نضوجا ،كان المصطلح العربي يشكل حوالي 80% من مفرداتها ،مما يدعوا للإعجاب بتلك اللغة التي اخترقت التركية والفارسية والمغولية هناك ،وتداولها صعاليك وسلاطين تلك الأصقاع.ومن الملفت للنظر أن كل علماء تلك الأصقاع لم يدونوا كتبهم العلمية إلا بالعربية،ونجد في سياق المعجم سيرة أحد هؤلاء الأفذاذ الموسوعيين يدعى غياث الدين جمشيد كاشاني المتوفى عام( 1436م –839 هـ)،والذي عاش في أواسط آسيا أيام ذروة العهد التيموري،بأنه ترك أغنى المؤلفات بالعمارة والهندسة والفلك بلغة الضاد،دون غيرها (8 ). 
ولا يفوتنا هنا فقه الأولويات الذي يقودنا الى سؤال جوهري مفاده:هل الأسبقية للمعلومة أم للغة؟ .فاللغة عادة ما تتماشى مع سمو الملكات الفكرية، وهكذا نجد أن جل ما طرح في تلك الثقافة العربية يطرق منهجا وصفيا وإنشائيا، بعدما أراد البعض أن تحدد صلاحية اللغة حصرا بالأدبيات والحسيات بعد النتاج اللاهوتي. وقد كان الفرنسيين في المغرب العربي يعاملون العربية على أنها لغة ميته مثل اللاتينية والأغريقية . ونعلم جميعا بأن تلك اللغة قد غطت يوم وطأت الحضارة ذروتها كل مناحي المعرفة ،وكتب بها العرب والعجم شارحين فيها الدين والفلسفة والفلك والرياضيات والهندسة . و يأسف المرء اليوم لانحسارها، بعدما استوعبت كل نتاج الثقافات في العالم، وأنضجت حركة ترجمة من لغات شتى اعتمدت على صلب المعاني،وأنتجت مصطلحا حصيفا، نعجز اليوم عن إنتاج مثيله بالرغم من تقدم وسائلنا(9 ) . 
ونلمس تهميش مختصي اللغة وأصحابها يصل حد الإلغاء ، وعادة ما يهمشون في السياسات التخطيطية والاجتماعية في البلدان العربية ،ونأخذ مثلا جنوب السودان الذي يعتبرون من يفقه العربية هو (أمي)، وفي الجزائر التي كانت رائدة في التعريب تراجعت اليوم لأسباب سياسية . أما في الخليج فقد أدخلت التجارة النشطة والتطور الاجتماعي السريع ،حالة توفيقية خلاسية لها أو لغة الهنود المعربة من الأردو، ورطين(الخدامات). ناهيك عن السياسات التي أتبعتها بعض السلطات في إحلال الإنكليزية بتعليم النشء. 
وقد ورثنا خطاب لغوي (وصفي) للعمارة والفنون،مازال ضاربا أطنابه في شرح الظاهرة المعمارية وتدوينها ،بالرغم من الجهود التي بذلت ولاسيما من المستشرقين في تطويرها إلى الحالة (التحليلية) ، بصرف النظر عن المآرب التي كان يحملها بعضهم على تلك الثقافة واللغة. و نطمح خلال المشروع النهضوي أن نطور خطابا(معماريا) يسمو باللغة العربية من "الوصف" إلى "التحليل" ثم إلى "التمثيل" أو "التأيض" (ميتابولزم) ،الذي يضطلع في البحث عن بواطن الإبداع ، ومنها العمارة ،ولاسيما في تقصي الآلية التي تم من خلالها الانتقال من الحالة الفكرية والروحية إلى التجسيد الإبداعي. 
و يجدر الإشارة هنا إلى أن مصطلح العمارة الإسلامية مازال غض ويثار حوله لغط وشكوك بسبب مصدره الإستشراقي. وعادة ما يتبادر للذهن سؤال عن كونه يمثل الإسلام الفكري أو كونه تفريغ فني لنزوات السلاطين وعلية القوم أم أنه عملية إحياء لعمارات قديمة راسخة في عمارة الأقطار الإسلامية ذات الباع الكبير في الشرق القديم ،أو كونه ممارسة بيئية للحد من سطوة المحيط على الإنسان في تلك الأصقاع .كل ذلك ينقلنا من الإصطلاح المجرد إلى كنه الظاهرة وسياقاتها الفكرية. لذا فضلنا أن نفرق بين المفاهيم وأن نطلق تسمية (عمارة الشعوب الإسلامية) على (العمارة الإسلامية).
نجزم هنا بان الحالة "التمثيلية" تنطبق على العمارة التي أنتجها المسلمون بغض النظر عن الطابع الطبقي الاجتماعي والفكري والسياسي (السلاطيني) لها،فهي بالنتيجة نتاج أناس بسطاء جلهم من المؤمنين ، ينقلون بأناملهم سرمدية عمارات العالم القديم، بفكر الإسلام الذي أخترق وحرك النفوس . ونتذكر بهذا الصدد ما علق به المعمار المصري حسن فتحي عليها قائلا: "أن حركة اليد لا تصدر عن العقل وحده ، بل وعن الشعور أيضا وذكاء الأصابع ذكاء روحي قبل كل شيء ".
حاولنا في هذا المعجم المتواضع أن نشرح كنه المعلومات المعمارية و نسعى لسرد حياة وفكر الأعلام، وتحليل أعمالهم ، ليكون خطوة أولى في جمع قبس التراث المعماري المتناثرة في بطون المراجع ،أو ثنايا الأطلال وتوخينا هنا التحليل والاستنباط والاقتباس المقارن بما يمكن اعتباره تمهيد لموسوعة أو دائرة معارف عن العمارة في أقطار العالم الإسلامي.
وزيادة على الاصطلاح والتسمية وسيرة الأعلام، نجد بعض الاصطلاحات المحلية المحضة التي أطلعنا عليها بالصدفة والتجربة من الأقطار الإسلامية. ولا يخلوا السرد من بعض الأسماء الأجنبية،ممن تركوا تأثيرهم في عمائر الأقطار الإسلامية أو خدموا البحث والتدوين بشأن تلك العمائر. وعلى العموم فأن ما ورد يستند على المنهجية البحثية التالية:
1. ذكر كل الشخصيات الغربية التي أسهمت في العمارة والفنون الإسلامية، من خلال البحث والتدوين والتنظير والتحقيق أو حتى التخطيط والتنفيذ ،بغض النظر عن ماهية بحوثهم ومواقفهم.
2. ذكر كل المعماريين المسلمين الذين وردت أسمائهم مشتتة في كتب التراث ،بما يمكن أن يسهم جمعها والبحث فيها ومقارنتها والاسترسال في تحليلها مستقبلا. وهذا المسعى يصب في هدف التقليل من سطوة الإسهاب في ذكر السلاطين و أصحاب الجاه والحيثيات ممن أغرقوا التاريخ بأخبارهم وتحاشي صانعي المجد الإبداعي الحقيقيين . وقد سبقنا إلى ذلك أحمد تيمور باشا(1871-1930) والتي حصر فيها ذكر أكثر من مائة مهندس في العالم الإسلامي (10 ) . ومما يدعوا للأسف أننا لم نطلع على هذا الكتاب لنثري به هذا المعجم ، وتسنى لنا أن نرصد هنا سيرة حوالي 250 من المعماريين والباحثين والمنظرين والمؤرخين والفنانين المسلمين وغيرهم في هذه الموسوعة.ويجدر بنا التنويه إلى أسماء بعض المهندسين الموسوعيين الذين ورد ذكرهم بإقتضاب أو إسهاب في كتب التراث،حيث يعود لهم الفضل في ربط الكثير من معطيات العلم كالرياضيات والهندسة مع الفنون التطبيقية والزخرفية الإسلامية،أو حتى إسقاطات وتمثيل الأشكال المعمارية وتطبيقها. وجل آثار هؤلاء ضائعة،وعسى أن يتسنى للأجيال القادمة أن تبحث و تجد ثم تحقق مخطوطاتهم وتنشر تجاربهم. 
3. إيراد كل مصطلح جديد وطارئ في العمائر العالمية بما يمكن أن يشكل شرحه إثراءا لمفاهيم العمارة الإسلامية، التي هي في أمس الحاجة لتطوير ملكاتها وخروجها من المكوث في الماضي ،وولوجها إلى عالم الحداثة والمستقبل. ويجدر الذكر بأن جل المصطلحات الحداثية تضطلع بمساس فعلي أو شكلي مع بعض المفاهيم التراثية التي لم تجد طريقها إلى النظريات والاصطلاحات الحديثة للعمارة والفنون ،أو كونها تشكل في بعض الأحيان الخلفية التاريخية لتلك الأفكار. مع إيماننا العميق،بأن تيارات العمارة المعاصرة المتعاقبة والتي تضمحل الواحدة وتظهر التالية على أنقاضها، خلال عقد أو عقدين من الزمان، لهي أضعف من أن تنافس الثراء والرسوخ والديمومة التي تكتنف المفاهيم العمارية التراثية التي عمرت ولم تهرم آلاف السنين.
4. إيراد بعض المصطلحات التي تتعلق بالفن وأدواته وليس بالعمارة قصرا ،وقد أوردناها لشعورنا بوجود رابطة مشيمية بين العمارة وتلك الفنون. ويرد بهذا الصدد أسماء عدد من الفنانين المسلمين الذين تركوا أسمائهم على بعض الأعمال الفنية كالمنمنمات والخزف.
5. البحث في كل ما يتعلق بأصل الكلمة الوارد من اللغات القديمة التي سوف نجد أن جلها ورد من الآرامية وهي اللغة التي سادت (الشام والعراق) و استعملت في مصر و فارس وبيزنطة،ونطق بها النبي عيسى المسيح (ع)، و تتوأمت مع العربية ،ثم تركت لها السيادة لاحقا بما وسمته بها من الثراء الروحي. وقد وجدنا أن هذه اللغة حبلى بالمصطلحات الواردة من أعماق التاريخ ولاسيما من السومرية،كأول حضارة مثقفة ومكتوبة عرفتها البشرية ومعمارية عرفت بمفاهيمها. ونجد في طي الكلمات ما هو من أصول فارسية، وهي اللغة التي تلاقحت إبان الشفق الأول للإسلام ورسمت الملامح الأولى للحضارة الإسلامية ،ونجد بعض ما ورد منها كان وروده سابقا جاء من مصادر آرامية .وفي كل ذلك اجتهاد مفتوح إلى من يستطيع إلى ذلك سبيلا.
6. تداول بعض مصطلحات مواد البناء التي درجت في العمارة الإسلامية التي يمكن أن تكون حالة إستباقية وتمهيد لتدوين تلك المواد وأدواتها التي وردت في العمارة التراثية. 
7. تصنيف كل الطرز المعمارية التي كانت في تماس حضاري جغرافي أو تاريخي مع العمارة الإسلامية ،ولاسيما من كان للعمارة الإسلامية عليها فضل التأثير في جانب منها. وكذلك الحال في تصنيف كل الطرز المعمارية العتيقة التي سبقت الإسلام والتي كان لها تأثير في العمارة الإسلامية بحيث نطلق عليه (الثابت والمتغير في الثقافات الإسلامية) أو نجد إليه طريقا من خلال ما هو دارس أو باق في العمارة الإسلامية.
8. ورود أسماء بعض مدارس العمارة الإقليمية كما غرب أو شرق أفريقيا أو جنوب أو وسط آسيا أو الأندلس ،من اجل إظهار بعض الخصوصيات التاريخية التي اكتنفتها ،ليعادل إطنابنا في شرح تفاصيل كثيرة عن عمارة الأقاليم الوسطية ولاسيما الشامية -المصرية أو العراقية -الإيرانية أو حتى التركية منها ،لما حظيت به من أهمية في الدراسات المعمارية بسبب تزاحم الأحداث فيها وكذلك موقعها الوسيط في قلب العالم الإسلامي، ناهيك عن التأثير المباشر والأثر الأساسي الذي لعبته في رسم ملامح العمارة الإسلامية الأول. يمكن اعتبار ورود المصطلح وشرحه لا يدخل من باب التنويه به فحسب، بل لكونه محاولة في تقصي الفوارق والتمايز للإصطلاح في شتى الثقافات الإسلامية، في جوهرها وطرزها وتسمياتها التي هي في الغالب موحدة أو متشابهة أو تأخذ مناحي اقتباسية متقاربة.وحاولنا من الناحية المنهجية أن يكون البحث في موضوع العمارة الإسلامية خارجا عن إسقاطات التاريخ ومعمعة أحداث الدول،والسلاطين . والهدف في ذلك أن ننحى بتلك الثقافة من المكوث في خانات التاريخ .
9. أتمنى أن يطور القيمون على العربية من ملكاتها ولاسيما في لفظ الكثير من الحروف التي لم تتوفر فيها سابقا ،و يمكن إستحداثها كوسيلة في سنة التطور،وليس من أجل طرق الجديد فحسب. ونجد هنا إستعمالي مثلا لحرف( ﭺ) بما يقابل Ch الأنكليزي، حيثما أضطرتني الحاجة إليه ولاسيما في التسميات غير العربية.ومازلت أقول وجوب التفريق بين لفظ ( ج) على الطريقتين العربية والمصرية.

وهنا نؤكد صفة الغنى الذي أكتنفت عمارة المسلمين ، و نعيد للأذهان شهادة أحد رواد عمارة القرن العشرين الأمريكي فرانك لويد رايت حين قال في معرض تعليقه عندما زار مدرسة السلطان حسن في القاهرة عام 1958م بما معناه( انه عمل عظيم اقتضته رسالة عظيمة وأنه أعظم عمل ضخم لإنسان و أمة). وأردف( كيف يجوز لقوم لديهم مثل هذه الروائع أن يتركوها ويستبدلوا بها حثالة العمارة الغربية، التي يحاول الغربيون أنفسهم أن يتخلصوا منها). 
ونسعى هنا في إيقاظ جذوة تلك الثقافة مع الاحتراس من مغبة المكوث في عالم المحنطات ،فإحياء التاريخ يكمن باستلهام العبر منه والبحث عن الآليات التي سرى عليها،وتجديد النفحات الأخلاقية فيه، التي هي التراث بحد ذاته . و إذا ما رمنا أن نعيد العمارة الإسلامية إلى ما كانت عليه في الهيئة فما علينا إلا أن نغير معطيات العصر وشكل المجتمع ونمط حياته ووسائلة التي تعكسها مرآة العمارة. وقد حذرنا القرآن من مغبة ذلك المكوث كما في الذكر الحكيم:( تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ وَلَا تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ) (11 ) .وهذا المفهوم الصريح للقراءات التاريخية يجب التأكيد عليه،أما ما ورد في حيثيات هذا المنهج فهو يدخل في إطار المبدأ القائل (ما لا يفقه قله لا يدرك جله). ويحدوني الأمل بأن يكون المعجم عضوي وقابل للتطوير ، بما يفيد الثقافة المعمارية العربية والإسلامية.
ليس مقامي هنا داعيا أو فقيها أو مفتيا ، فلدينا من الدعاة والأئمة والوعاظ كثر ،ولاسيما من يتفرغ الى تحريم دمية (البوكي مون) ، ولا يفتي بتحريم هدم التراث الإسلامي والموروث الحضاري أو المساس باللغة القرآنية. ولتحاشي منافستهم ،ندعوا الى وقفة معاصرة من الثقافة المادية لهذا الدين ،بما يدعونا أن لا نقتصر على الجانب الروحي والطقوسي فقط في إظهار حجة تلك العقيدة،مع إقرارنا بأهميتها ولكننا نظن أن وحدها عاجزة عن صنع الفتوح والإقبال المنشود إبان المنافسة والسجال الفكري لمفاهيم طغت وسادت عالما غزى الفضاء وأصبح الإنترنت لغة التعامل به .

الإحالات:
(1)المنقب الفرنسي بوتيرو- ج1973، ص 41
(2)وهي متشابهة مع العربية وحسب الترتيب (عين) وجمعها أعيان، والثانية (شار) أي المشير أو الأمر.
(3) بوتيرو 1973 ص42
(4)طه باقر 1955- ص 327
(5)أسامة بن منقذ الكناني- المنازل والديار-تحقيق نصطفة حجازي- القاهرة 1992.
(6) جورج سارتون، تاريخ العلم-ترجمة جورج حداد- ستة أجزاء، دار المعارف بمصر، 1957.
(7)أندريه باكار(الحرف المعمارية في العمارة الإسلامية في المغرب)-باريس 1985.
(8) نقصد به كتاب (أزج وطاق) الذي ترجم الى الفارسية من المخطوطة العربية ونشر في إيران عام 1994.
(9)نضرب مثلا كلمة منطق الواردة من اليونانية(Logos)، حيث دأب مترجمها الأول الى العربية أن يبحث في جوهر الكلمة اليونانية،فوجدها بحصافة وعمق أنها من نفس مصدر كلمة (لغة) فأطلق إصطلاحه الدقيق(منطق)
(10)نقصد هنا كتابه (المهندسون في العصر الإسلامي) إصدار دار نهضة مصر في القاهرة(دون تاريخ).
(11)سورة البقرة الآية 134
 



تاريخ النشر : 20-05-2007

6467 : عدد القراءات


يلفت موقع الملتقى الألكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.


 

 

 

 

 

الصفحة الرئيسية   l   دراسات قرأنية   l   دراسات حديثة   l   الفقه و الأصول   l   العقيدة و الكلام   l   فلسفة التجديد

قضايا التجـديـد   l   إتجاهات الإصلاح   l   التعليم و المناهج   l   التراث السياسي   l   الدين و الدولة   l   الحقوق و الحريات

مفاهيم و مصطلحات   l   الإسلام السياسي    l    الظاهرة الدينية   l   فلسفة الدين   l   فلسفة الأخلاق   l    قضايا فلسفية

المـــرأة و النسوية   l   الإسلام و الغرب    l   عروض و مراجعات   l   إصدارات   l    حوارات و شخصيات   l    مـؤتـمـرات و متابعات

جديد الملتقى   l   سجل الزوار   l    رأيك يهمنا   l   اتصل بنا

   ©2024 Almultaka  جميع الحقوق محفوظة 

Designed by ZoomSite.com